(١) من نقد الشكل إلى نقد المضمون
ويعني «نقد المضمون العقلي» التحوُّل من نقد الشكل إلى نقد
المضمون. ولمَّا كان الحديث مُوجَّهًا نحو العمل فإن كل ما
يتعارض مع العمل يصبح عُرضة للنقد. ويعني النقد هنا التساؤل
حول الصحة التاريخية من حيث السند أو من حيث المتن. ولمَّا كان
الوحي نفسه يقوم على العقل، وكان الحديث جزءًا من الوحي،
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فإنه أيضًا
يتأسَّس على العقل مثل الوحي؛ فكلاهما من أصل واحد. القرآن وحي
لفظًا ومعنًى، والحديث وحيٌ معنًى دون لفظ. علاقة الكتاب
بالسنة هي علاقة النص بالعبارة الشارحة، المبدأ العام
بالتفصيلات، النظرية العامة بالتطبيقات.
ولا يصنف المضمون العقلي أو المضمون الواقعي تحت الأشكال
الأدبية. الشكل الأدبي يتعلق بالصياغة، القول المباشر،
الرواية، الحوار … إلخ، وليس بمضمون الحديث. في حين أن المضمون
العقلي يتعلق بمدى اتفاق معنى الحديث مع العقل، والمضمون
الواقعي يُبين مدى اتفاق معنى الحديث مع الواقع. المضمون
العقلي أو الواقعي يتعلق بموضوع الحديث وليس بطريقة أدائه في
السند أو المتن.
ومن الصعب التفرقة بين «نقد المضمون العقلي» (الفصل الثاني)
و«نقد المضمون الواقعي» (الفصل الثالث) نظرًا لاتحاد العقل
والواقع في ثُلاثي الوحي والعقل والواقع كأبعادٍ ثلاثة لشيءٍ
واحد. فالوحي يرتكز على العقل في الذات وعلى الواقع في العالم.
ومع ذلك كل الأحاديث الغيبية الخاصة بالموضوعات المُتعالية
تدخل في «نقد العقل» وما سُمِّيت «الأحاديث القدسية». وكل
الأحاديث الخاصة بالمعجزات تدخل في «نقد الواقع» لأنها تناقض
قوانين الطبيعة.
هناك أحاديث لم تسبقها آيات، كغطاءٍ أو قاعدة لها ممَّا يدعو
إلى الشك فيها.
١ وعقلًا كيف يغفر عمل ليلةٍ ذنوبَ العمر كله؟ وقد
حسبت عائشة وأسماء آية في السماء وأيَّدهما الرسول لأنه يرى
حتى الجنة والنار في مقامه والفتنة في القبور. ولا يدري الراوي
هل قالت أسماء فتنة المسيح الدجَّال؟ وهل قالت المؤمن أو
المُوقِن يقول هو محمد رسول الله ولا يدري هل قالت المنافق أو المُرتاب؟
٢ ولا أصل في الكتاب لهذا الخبر، وكذلك حديث موسى
يغتسل وحدَه واتهام بني إسرائيل له بأنه آدر، وفرار الحجر بثوب
موسى وضرب موسى الحجر فثبتَ بطلان الاتهام، ونفس الحديث مع أيوب.
٣
والأقوال الغيبية هي في نفس الوقت أشكال أدبية ومضمون. هي
أشكال أدبية لأنها قَصٌّ من صُنع الخيال. وهي مضمون لأنها
تُعارض العقل. وهناك علاقة بين الأحاديث الغيبية والأحاديث
الطوال. فالأحاديث الغيبية طويلة. والأحاديث الطويلة غيبية.
فالخيال يحتاج إلى مساحة. والتصوُّر الفني لا حدود له.
٤
والأحاديث الطوال لا تستطيع الذاكرة استيعابها مثل قصة موسى
والخضر، وإمكانية الخيال التدخُّل لمزيدٍ من الإحكام الروائي
والإبداع الفني.
٥ ومن الأحاديث الطوال رؤية الله كما يُرى البدر،
وعقاب الكافرين ومُجازاة المؤمنين.
٦ وحلم طويل تصوير فني.
٧
وكتاب «بدء الخلق» وهو أطول كتب البخاري ضمن تبويب الفقه، مع
أنه موضوع نظري عقائدي فلسفي صوفي خالص لا شأن له بالأحكام
العلمية وهي موضوع الحديث. وهو الذي اعتمد عليه المُستشرقون
لإثبات أثر الأفلاطونية المُحدثة في علم الحديث.
٨ والعجيب أن معظم كتاب بدء الخلق لا يتعلق بالموضوع
بل يدخل في عِلم السيرة. يشمل الكتاب بدء الخلق أقل من الربع،
وعِلم السيرة ثلاثة أرباع الكتاب.
٩ وهو ما يوحي بالحقيقة المحمدية عند الصوفية
وعلاقتها بالخلق.
١٠ بل وتضم أكثر من موضوعات السيرة.
١١ تجمع بين الخاص والعام. فتركيبه مُصطنع؛ يجمع بين
موضوعين لا شأن لهما بالفقه.
ومن الصعب فصل الأشكال الأدبية في كتاب «بدء الخلق» عن
مضمونها الميتافيزيقي لأن المضمون يفرض نفسه على الشكل، لأن
المضمون أقوى وأكثر حضورًا. والشكل أقوى وأكثر حضورًا في
المسائل العلمية. ويمكن تصنيف كتاب بدء الخلق على مستويين:
- (١)
استمرار تحليل الأشكال الأدبية في باقي أجزاء
البخاري اتساقًا مع باقي الأجزاء بصرف النظر عن
المضمون.
التحول من الأشكال الأدبية إلى تحليل المضمون ثم
ظهورها من جديد من خلال المضمون، وتصنيف المضمون
طبقًا لها.
والقول المباشر نداء. يتقطع مرة بالرواية.
١٢ ويتكرر النداء مما يدل على رغبة الراوي في الإقناع
والإصرار على الإيحاء بصدق الرواية. وقد تحتوي الرواية على
جانب من الخيال كان من الصعب وضعه في الأقوال المباشرة للرسول.
وهو قليل في أبواب الفقه. ففي الموضوعات الفقهية يقلُّ الخيال.
١٣
(٢) الحلم والرؤية
وهناك صور فنية وأمثال تُعبر عن مدى الصداقة والأخوة بينه
وبين صاحبَيه. وهناك صياغات أخرى مشابهة. ويدعو الرسول لعدم سب
أصحابه؛ فلو أن أحدًا أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ قدْر أحدهم
أو نصفه.
١٤ رأى الرسول ظلة، تنضح السمن والعسل يأخذ منها
المُستكثر والمُستقل، ثم رأى سببًا واصلًا من السماء إلى الأرض
أخذ به أبو بكر فَعَلا ثم أخذه آخر فَعَلا ثم ثالث فانقطع ثم
وصل. والظلة الإسلام، وظلة السمن والعسل القرآن، والسبب الواصل
من السماء إلى الأرض الحق الذي أخذه أبو بكر فَعَلا به ثم آخر
ثم ثالث، وربما هم الخلفاء.
١٥ وبينما الرسول نائم شرب اللبن حتى خرج الريُّ من
أظافره فناوله عمر. وكان تأويله العلم.
١٦ وفي تشبيهٍ آخر قميص فاض عن صدر عمر وأوَّلَه
الرسول بالدين. ومن الأقوال المباشرة للرسول حلم في فضل عمر بن الخطاب.
١٧ ورأى ابن عمر كأن في يده سَرَقة من حرير لا يهوي
بها إلى مكانٍ في الجنة إلا طارت إليه. والقيد في المنام ثبات
في الدين. وحلم آخر في فضل الشهداء.
١٨
وبطبيعة الحال تتعدَّد موضوعات الأحلام، منها الحسَن ومنها
السيئ؛ فمن الحسَن الخضر في المنام والروضة الخضراء.
١٩ ومنه أيضًا التعليق بالعروة والحلقة وهو حلم كأن
صاحبه في روضةٍ ووسطها عمود أعلاه عروة وصعده متمسكًا بالعروة.
ومن السيئ رأى أحدهم ملكين في يد كلٍّ منهم مقمعة من حديد
وأوقفاه على شفير جهنم وعليها رجال مُعلقون بالسلاسل ورءوسهم
إلى أسفل، منهم رجال من قريش تنبئوا بالغدر وبالانقلاب على
الإسلام. ومنه أيضًا أن النبي رأى امرأةً سوداء ثائرة الرأس
وأوَّلَها أنها وباء ينزل بالمدينة.
٢٠ وفي رمز آخر أتى مُسيلمة الكذَّاب والرسول في يده
جريدة يُهدده فيها بالعقر ثم ينقطع القول إلى أن ذلك يحدُث في
الحلم. بين يدي الرسول سواران من ذهب فنفخهما فطارا. فتأويلهما
أنهما كذَّابان يخرجان من بعده، العنسي ومُسيلمة. فالحلم في
حاجة إلى تأويل.
ومن موضوعات الأحلام عائشة؛ فقد رآها الرسول في المنام يجيء
بها الملك إليه في سرقة من حرير مُخبرًا إيَّاه بأنها امرأته،
فكشف الرسول عن وجهها فإذا هي عائشة. فرضِيت لأنه أمر الله.
٢١ وكانت تفخر باستمرار وتتباهى على باقي نساء الرسول
بأن أهليهن زوَّجوهن في الأرض أما هي فقد زوَّجها الله في
السماء. وعندما يصعُب نسبة القول إلى الرسول في اليقظة يُنسَب
إليه في المنام كما رأى الرسول عائشة في سرقة من حرير على أنها امرأته.
٢٢ وهو دليل على مدى القُرب والمحبة بين الرسول وزوجه.
٢٣ فقبل أمر الله. وتضيف الرواية أنه نكحها وهي بنت
ستِّ سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين.
٢٤
وقد يطول الحديث ويتشعب وتكثر شخصياته. وكان يسأل أصحابه أن
يقصُّوا رؤاهم فإن لم يفعلوا قصَّ هو نفسه.
٢٥ والحلم به كل مقومات القصِّ والتقابل بين الخير
والشر، بين النعيم والعذاب، بين الجمال والقُبح. وتعليق
التأويل حتى النهاية. وهي مناظر سبعة بما يدل عليه العدد من
رمزية.
وتشمل الأحلام ليس فقط الأشخاص بل أيضًا الأمكنة والحوادث.
فقد رأى الهجرة في المنام، أرضًا بها نخل اليمامة أو أرضًا
أخرى، ثم اتضح أنها يثرب. فكل فعل يأتيه في منام.
٢٦ ويرى الرسول في المنام وهو يهاجر مكة إلى أرضٍ بها
نخل وهي المدينة، جمهور المؤمنين وكأنهم بقر يوم أحد، والصدق
والخير بعد يوم بدر.
٢٧ ورؤية الرسول عن بُعدٍ ردُّ فعلٍ على تكذيب الناس له.
٢٨ كل شيء في حياة الرسول يتم بمخطط مُسبق يعرفه
حلمًا، الهجرة إلى المدينة، هزيمة أحد، عام الفتح، نصر
بدر.
والإسراء والمعراج حلم مثل رؤيا يوحنا في الإنجيل، مثل وصف
الكوثر كنهر حافتاه قباب اللؤلؤ مُجوفًا.
٢٩ وفي السدرة أربعة أنهار، اثنان ظاهران، النيل
والفرات، واثنان باطنان في الجنة، فأخذ ثلاثة أقداح؛ لبن وعسل
وخمر، فشرب اللبن طبقًا للفطرة له ولأمته.
٣٠ ويحشر الناس عراة. وإبراهيم أول من يُكسى. أما
أصحاب الرسول فقد أحدثوا الفتن بعدَه.
٣١ وهو ما يتناقض مع مدح الرسول لأصحابه. خاصة أبا
بكر وعمر. وقد ربط الرسول بينه وبين إبراهيم في التشهد في الصلاة.
٣٢
ورأى الرسول في رؤياه أنه هزَّ سيفًا فانقطع صدْر أحد
المؤمنين يوم أحد. فهزه مرة أخرى فعاد أحسن ممَّا كان يوم
الفتح، تشجيعًا لهم ونصرةً وتأييدًا.
٣٣ ويرى الرسول أعداءه في المنام. فقد رأى وقد وُضِع
في يديه سواران من ذهب فكرهَهُما ونفخهما فطارا. وهذا يعني
خروج كذَّابَين من بعده؛ العنسي الذي قُتل ومسيلمة.
٣٤ ويرى الرسول في المنام المصائب التي تقع بالأمة
ويتنبَّأ بها كما رأى امرأةً سوداء ثائرة الرأس خرجت من
المدينة فأوَّلَ ذلك بأنه وباء.
٣٥
وهناك أقوال مباشرة للرسول في أحلامه بعد اليقظة يرى فيها
المستقبل. وهي وظيفة النبي في اليهودية.
٣٦ ويعرف الرسول ما يحدُث قبل أن يجيء خبرُه، مثل موت
النجاشي، ويُطالب بالصلاة عليه والاستغفار له.
من لم يرَ تحقيق الحلم فكأنما طلب منه أن يعقد بين شعرتَين.
ومن استمع إلى حديث قوم وهُم له كارهون أو يفرُّون منه صُبَّ
في أذنه يوم القيامة. ومن صوَّر صورة عُذِّب وكُلف أن ينفخ
فيها فيُحيِيها. فالحلم الصادق يتحقق، والكاذب لا يتحقق. ومن
افترى فرية جعل عينيه ترى ما لم ترَ.
٣٧ وبهذا المعنى السيئ، الحلم من الشيطان. فإذا حلم
أحد فليبصق من يساره وليستعذ بالله.
٣٨ فالحلم نوعان؛ حلم صادق وحلم كاذب. الأول من
الملاك، والثاني من الشيطان.
وتُخبر الرواية أنَّ أناسًا رأوا ليلة القدر في السبع
الأواخر، وأن آخرين رأوها في العشر الأواخر.
٣٩ فالحلم ليس قاصرًا على الرسول بل يمتدُّ أيضًا إلى
الصحابة والتابعين وكل الأتقياء الصالحين مثل الصوفية.
والحدْس مثل الرؤية الصادقة ولكن في حالة اليقظة. ويتم
بالقدرة على الفهم وإدراك طبائع الأشياء. فالوحي والعقل
والطبيعة نسَق واحد، ثلاثة أوجه لشيءٍ واحد. العقل والطبيعة
ركيزتا الوحي. والوحي يقوم على ركيزتَين: العقل والطبيعة. وهذا
هو معنى حديث أن عمر مُحدِّث هذه الأمَّة كما كان في الأمم السابقة.
٤٠
(٣) الأحاديث القدسية
وفي كتاب «بدء الخلق» تكثُر فيما سُمِّي فيما بعد «الأحاديث
القدسية» أي حديث الله وليس الرسول لإعطاء مزيدٍ من السلطة
واليقين لهذه الأحاديث المشكوك في صحتها. ولم تكن قد ظهرت من
قبل في الأجزاء الثلاثة الأولى والنصف الأول من الجزء الرابع.
مثال ذلك: يقول الله إنَّ أهون أهل النار عذابًا ما كان له شيء
في الأرض يفتدي به وهو في صلب آدم، وهو عدَم الشرك به فأبى
الإنسان إلا الشرك. وكيف يتكلم الإنسان وهو في صلب آدم؟ وكم في
صلبه؟ وإذا كان الله أخذ عهد الذر على البشر وقدَّر كل شيءٍ
فكيف يكفر الإنسان بالله؟
٤١ والسؤال هو: كيف يحمل ابن آدم الذي سنَّ القتل
وِزر القاتل، وكلُّ نفس بما كسبت رهينة؟
الله هو المتحدِّث في القدسي وليس جبريل أو الملائكة كنوع من
التصوير الفني واستعمالًا لأساليب البلاغة وفنون القول. مثال
ذلك كذبه ابن آدم وأنكر الحشر، وشتمه بنسبة الولد والزوجة له.
وقد أمر بالإنفاق لأن يد الله ملأى لا تنقصها نفقة حتى ولو
أنفق ما في السماء والأرض.
٤٢ وينادي الله يوم القيامة على آدم لإخراج بعث إلى
النار وآخر إلى الجنة من ذريته وقدره تسعمائة وتسعة وتسعون من
كل ألف أي الأغلبية. وللحديث صياغات عدة يتدخل فيها الخيال
بإدخال يأجوج ومأجوج، والشعرة السوداء في جانب الثور الأبيض أو
الشعرة البيضاء في جانب الثور الأسود، وكيف تكون هذه النسبة
الضئيلة ويكون المسلمون الأغلبية في الجنة؟
٤٣ وقال الله إن ابن آدم يؤذيه بسبِّه الدهر والله هو الدهر.
٤٤ بيده الأمر، يقلب الليل والنهار. وهذه الزيادة
تجعل الدهر مجرد تقلب الليل بيده.
ويبدأ الحديث أحيانًا بلفظي «يقول الله» خارج القرآن وهو ما
سُمي بعد ذلك الأحاديث القدسية لإعطاء الحديث مزيدًا من القوة.
٤٥ ولم يكن في البداية كذلك. وهو مثل حديث مُحاربة
الله من يُعادي أولياءه وهم الصوفية، والقربة بين الإنسان
والله عن طريق المحبَّة، ثم التوحيد بين السمعَين والبصرَين
واليدَين والرجلَين.
٤٦ وإدخال الله في الحديث لتقويته وزيادة أثره في
الإقناع وليس الاكتفاء بالتبليغ. فكل عمل الإنسان له إلَّا
الصوم فإنه لله يجزي به. خُلوف فمِ الصائم أطيبُ عند الله من
ريح المسك.
٤٧ وقد يكون ذلك إيجابًا وسلبًا حين يلعن الله
الواصِلة والمستوصِلة، وهو حلق الشعر حتى ولو كان بسبب المرض.
٤٨ وحق العباد على الله إذا عبدوه ألا يُعذبهم.
٤٩ فللإنسان حقوق على الله كما أن عليه واجبات. والله
له حقوق على الإنسان كما أن عليه واجبات (كتب الله على نفسه
الرحمة). وكما قالت المُعتزلة الواجبات العقلية. والأحاديث
القدسية هي أحاديث نبوية نُسبت إلى الله لمزيدٍ من الإقناع
والتأثير. فالقرآن كلام الله والحديث كلام الرسول. ولا يُوجَد
توسُّط بينهما. وبها مزيد من التشويق.
٥٠ وبها بُرهان على أن الله في صفِّ الإنسان باستمرار.
٥١ مثال ذلك الصوم لله يجزي به. وهو سيطرة على
الشهوات من أجل الله.
٥٢ والتشبيه لتقوية المعنى مثل كشف الله عن ساقه
فيسجُد له كل مؤمنٍ ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً
وسمعةً فيذهب ليسجد فيجد ظهره طبقًا واحدًا.
٥٣ ويظلُّ ظهره مقوسًا من كثرة الانحناء.
وقد يكون كلام الله على لسان جبريل.
٥٤ فيبدو الحديث القدسي كأنه أقوال جبريل سائلًا عن
أهل بدْر، وإجابة الرسول أنهم من أفضل الناس. وأيده جبريل
مُضيفًا من شهد بدرًا من الملائكة.
٥٥
وردًّا على أسئلة اليهود الثلاثة يجيب الرسول، ويعزو إجابته
إلى جبريل تقويةً له ضد اليهود، وإعطاء الإجابة مزيدًا من
اليقين. وهي إجابة يتساءل حولها العقل. فكيف تكون أول أشراط
الساعة نارًا تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وهو ضد تصوُّر
الرحمة الإلهية؟ ولماذا يبدأ الحشر بالنار دون الجنة؟ ولماذا
يكون أول طعام أهل الجنة زبدة كبد حوت؟ وكيف إذا سبق ماء الرجل
ماء المرأة يكون الوليد أشبَهَ بأبيه، وإذا سبق ماء المرأة
يكون أشبَهَ بأمِّه؟ ما علاقة سرعة الإنزال بقانون الوراثة والجينات؟
٥٦ ومثال آخر حديث الإيمان والإسلام والإحسان،
الإيمان بالله وملائكته ورسله وبالبعث، والإسلام عبادة الله
الواحد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، والإحسان
عبادة الله وكأنه يُرى، وأشراط الساعة إذا ولدت المرأة
ربَّتَها، وتلقين جبريل ذلك للرسول، وليس الرسول للناس،
٥٧ وقراءة القرآن على أحرُفٍ من جبريل.
٥٨
ويتحدَّث الرسول باسم الله مُبلغًا قوله داخل الحديث، فلا
فرق بين قول الله وحديث الرسول.
٥٩ لذلك كان الحديث القدسي أقوى من الحديث النبوي لأن
الله هو المُتكلم نيابةً عن الرسول ثم يتكلَّم الرسول نيابةً
عن الله مثل الحديث بعد صلح الحديبية. فقد احتاج الرسول إلى
تقوية حديثه بعد أن دبَّ الشك في قلوب بعض الصحابة مثل عمر عن
مدى شرعية هذا الصلح وعدَم إجحافه بالمسلمين. ويبدأ بسؤال
الرسول الناس إذا كانوا قد علِموا ماذا قال ربُّهم للتشويق
والنسبة إلى الله. وكيف يعلم المُسلمون ماذا يقول الله دون
إبلاغ الرسول وهم ليسوا على اتصالٍ به اتصالًا مباشرًا؟ ولمَّا
أخبروه أن الله ورسوله أعلم أخبرَهم بأن الناس أصبحوا نوعَين؛
مؤمن وكافر به. فمن ينسب المطر إلى رزق الله ورحمته وفضله فهو
المؤمن به، الكافر بالكواكب. ومن قال مُطِرنا بنجم كذا فهو
مؤمن بالكواكب كافر به. فكل شيء يُرَدُّ إلى الله. وتلك علامة
الإيمان بالرسول حتى يَقلَّ المتشككون في صلح الحديبية ويؤمنوا به.
٦٠ ومثَل اليهود والنصارى والمسلمين كمن عمل نصف
النهار وثلاثة أرباعه أو كله، إلى الظهر أو إلى العصر أو إلى المساء.
٦١
والصور الفنية في الحديث كما هي في القرآن. وإذا استُعملت في
الشاهد فإن استعمالها في الغائب أولى. فالمُسلم كالشجرة لا
يتحاتُّ ورقها وتؤتي أكلَها كل حين.
٦٢ وهو كالنخلة. وإذا قضى الله الأمر في السماء ضربت
الملائكة بأجنحتها لقوله كالسلسلة على صفوان.
٦٣ واجتماع الملائكة في صلاة الصبح تصوير فني لبيان
فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد خمسًا وعشرين درجة.
٦٤
والعجيب أنه لا ذِكر في علم الحديث للأحاديث القدسية، وهل
لها أسانيد خاصَّة أم تنطبق عليها قواعد السند للأحاديث
النبوية؟ ولا يُوجَد حتى تساؤل عن مدى صحتها سواء من حيث السند
أو المتن أو الراوي؟ ولا عن مدى الحاجة إليها وضرورتها خاصة
أنها تُغرق في مسائل عقائدية تصل إلى حدِّ الأسطورة والخيال
بعيدًا عن مقاصد الأحاديث النبوية في التفصيلات العملية. ويطول
بعضها بحيث يصعُب على أي ذاكرة لراوٍ حفظها وروايتها.
فمُدوَّنات الأحاديث القدسية من وضع المتأخِّرين وليس
المُتقدِّمين. وتطوُّر الحديث في التاريخ مثل السيرة يخضع
للتقديس المستمر، والتحوُّل من الإنساني إلى الإلهي، ومن
الحسِّ إلى الخيال. ويضطرب السند في الأحاديث القدسية. فبعد
السند التاريخي أي العنعنة المُتصل إلى الرسول يأتي سند مُفتعل
آخر «أراه يقول الله». فمن سمعه من الله؟ بطبيعة الحال ليس
الراوي بل الرسول! وكيف؟
٦٥
وهي أقوال تُشير إلى عقائد الفرق الإسلامية وغير الإسلامية
بتعبير علماء الكلام ومؤرِّخي الفِرَق. شتيمة بني آدم لله
وتكذيبهم له قد تعني الكفر والشرك به. ويشرح القول معنى
الشتيمة وهو ادِّعاء النبوة لله، ومعنى التكذيب وهو إنكار
البعث والمعاد.
٦٦ وهذا يعني أن بعضًا منها موضوع لأنَّ الله أو
جبريل أو الرسول لا يتحدَّثون عن وقائع حدثت فيما بعد وفاة
الرسول.
(١٠) الجنة والنار
والجنة والنار صورتان للخير والشر يوم القيامة.
٢٨٨ وهما نتيجتان للسلوك البشري الحسَن والقبيح،
للترغيب في الحسَن والترهيب من القبيح. حُفَّت النار بالشهوات
والجنة بالمكارِه.
٢٨٩ فالجنة والنار تشبيهان للجهاد والهوى.
وإذا كانت الرحمة هي التي تدخل الجنة والنار، فقد أبقى الله
تسعةً وتسعين منها وأعطى واحدًا في المائة فقط للبشر. فلا يأس
من عدم دخول الجنة والنجاة من النار. ويدخل الناس النار
بذنوبهم ثم يدخلون الجنة برحمة الله وهم الجهنميون.
٢٩٠ وهو ما يحافظ على مُطلق الإرادة الإلهية ولكن يطعن
في قانون الاستحقاق.
البرُّ يهدي إلى الجنة، والفجور يهدي إلى النار.
٢٩١ وأهل الجنة كل ضعيفٍ متضاعِف لو أقسم على الله
لأبره. وأهل النار كل عُتلٍّ جواظ مُستكبر.
٢٩٢ وهما امتداد لحِرَفهم في الدنيا، الزارع في الدنيا
زارع في الجنة. والتاجر في الدنيا تاجر في الجنة.
٢٩٣ وهما أقرب من شراك النعل؛ أي أنهما قريبتان من
الإنسان بناء على الأعمال. والأعمال بخواتيهما بناء على
مقاصدها؛ فقد يعمل أحد عمل أهل الجنة في البداية ويكون من أهل
النار أو عمل أهل النار في البداية ويكون من أهل الجنة.
٢٩٤ وفعل شيء مكتوب سلفًا ومُقدَّر مِن قبلُ، والجنين
في رحِم الأم. فلله ما أخذ وما أعطى. إذا مات الإنسان عُرض
عليه مقعده غدوةً وعشيًّا من النار أو الجنة حتى البعث. وكيف
يكون ذلك قبل الحساب دون الدفاع عن النفس؟
٢٩٥
وأكثر أهل الجنة من الفقراء، وأكثر أهل النار من النساء.
الفقراء تعويضًا، والنساء رمزًا للغواية، وهو ما يُعتبر في
الأدب النسوي مناهضة النساء.
٢٩٦ وفي قولٍ مباشر: اطلع الرسول على أهل الجنة فرأى
أكثرهم من الفقراء. واطلع على أهل النار فرأى أكثرهم من النساء.
٢٩٧ الفقراء عزاء لهم عن فقرهم في الدنيا وتعويضًا
عنه. والنساء طبقًا للصورة الشعبية منذ قصة آدم وحواء، أنهنَّ
مصدر الغواية. اختصمت الجنة والنار إلى الربِّ بأن الجنة لا
يدخلها إلا الضعفاء وسقط الناس، والنار المُتكبرون. فأخذ الله
صفَّ الجنة بأنها رحمتُه ضدَّ النار بأنها عذابه. ولكلٍّ أهلها.
٢٩٨ فالتواضُع فضيلة، والكبر رذيلة. ومن جرَّ الثوب من
الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
٢٩٩ جنَّتان آنيتهما من فضة. وجنَّتان آنيتهما من ذهب.
وفيهما قوم ينظرون إلى ربهم وما يمنعهم إلا رداء الكبر.
وتحاجَّت الجنة والنار بأنَّ النار أوثِرَت بالمُتجبرين في حين
أوثرت الجنة بالضعفاء وسقط الناس. فعزَّى الله الجنة بأنها
رحمته وغرَّر النار بأنها عذابه، وبأن الجنة تمتلئ والنار لا تمتلئ.
٣٠٠
وبعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يُذبَح الموت
بينهما ويُنادى عليهم أنه لا موت فيزداد أهل الجنة فرحًا،
ويزداد أهل النار حُزنًا. ولحظة الموت يُعرَض على الميت
بالغداة والعشي إذا كان من أهل الجنة أومن أهل النار. يرى
الإنسان المُستقبَل في حين أنه في تجربة الموت يرى الإنسان
الماضي كشريطٍ في لحظة.
٣٠١
لا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار. ولا يدخل أحد
النار إلا ورأى مقعده من الجنة؛ أي النسبية وليس الديمومة.
آخِر أهل النار خروجًا منها يخرج حبوًا فيطلب منه الله دخول
الجنة فيجدها مملوءةً ثلاث مراتٍ فيخبره الله أنها مثل الدنيا
عشر مرات.
٣٠٢ وهو أدنى أهل الجنة منزلة. وقد عُرضت على الرسول
الجنة والنار حتى رآهما دون الحائط.
٣٠٣ فالرسول قادر على التمييز بينهما دون
الحاجز.
ويروي الرسول في حديثٍ حوارًا بين الله وآدم يوم القيامة؛
ينادي عليه الله فيُلبي آدم النداء، ثم يُنادى بصوتٍ أن الله
يأمره أن يُخرِج من ذُريته بعثًا إلى النار. فيسأل عن بعث
النار. فيُجاب من كلِّ ألف. فيقول تسعمائة وتسعة وتسعين.
حينئذٍ تضع الحامِلُ حملَها، ويَشيب الوليد، ويكون الناس
سُكارى وما هم بسُكارى، وعذاب الله شديد. فشقَّ ذلك على الناس
حتى تغيَّرت وجوههم ثُم يُطمئِنُ الرسول قومه أنَّ هذه النسبة
الكبيرة من يأجوج ومأجوج، ومن المُسلمين واحدٌ فقط. فالمسلمون
كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في
جنب الثور الأسود. ويرجو أن يكونوا رُبع أهل الجنة فكبَّر
المسلمون. فزاد الرسول الثلث فكبَّروا ثم زاد إلى الشطر
فكبَّروا. وباقي الأمم بأعمالهم بصرف النظر عن أديانهم.
٣٠٤ ويدخل القرآن في نسيج قول الرسول. فالإسلام أكثر
رحمةً بالناس من الأديان السابقة التي حكمها قانون العقاب.
وسأل الرسول أصحابه إن كانوا يرضَون أن يكونوا ثُلث أهل الجنة
فرضُوا، أو نصفها لأنَّ الجنة لا يدخلها إلا مسلم. فلماذا
السؤال مرةً ثانية والزيادة من الثلث إلى النصف كما هو الحال
في التجارة؟
٣٠٥
جزاء العبد الجنة، ونتيجة الدعاء العافية، فاختارت السائلة
الجنة وقد يختار آخَر العافية، فالعاجِل خير من الآجل. ولماذا
يتعارَض الاثنان ولا ينال المريض العافية بالدواء، والجنة
بالعمل الصالح؟
٣٠٦ ويُصوَّر الموت على هيئة كبش أملح ويُنادى على أهل
الجنة وعلى أهل النار للتعرُّف عليه فيُذبَح حتى ينال الفريقان الخلود.
٣٠٧ وهو تصوير فني للرغبة في الخلود، أهل الجنة طبيعي،
وأهل النار لماذا؟
(أ) نعيم الجنة
الجنة مكافأة على الجهاد في سبيل الله.
٣٠٨ في الجنة مائة للمجاهدين في سبيله، بين كل
درجتَين ما بين السماء والأرض والفردوس أوسطها، وعرش
الرحمن أعلاها. ومنه تتفجر أنهار الجنة.
٣٠٩
ويسأل الله أهل الجنة هل رَضُوا فيردُّون بالإيجاب.
والجنان كثيرة منها جنة الفردوس الأعلى. وفي الجنة شجرة
يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
٣١٠ وفي صورة أخرى الراكب الجواد. ويتراءى أهل
الجنة في الغُرَف كما تتراءى الكواكب في السماء. وفي صورةٍ
أخرى كما يتراءى الكوكب الغارب في الأفق الشرقي والغربي.
ومَوضع قدم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها. لو أن امرأة
من نساء أهل الجنة اطَّلعَت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما
ولملأت ما بينهما ريحًا ولنصيفها خير من الدنيا وما فيها.
وأحيانًا تكون الصورة مُتناقضة عندما يدخل أحد الجنة بالسلاسل.
٣١١
والجنة ليست قدَرًا مُسبقًا بل كسبًا واستحقاقًا. وقد
يؤدي القدر المُسبق إلى التواكُل، فالكل مُيسَّر لما خُلق له.
٣١٢ وكيف يدخل الجنة من آمن دون شركٍ وإن سرَق
وزنى ضد قانون الاستحقاق؟
٣١٣ وكيف إذا وافق قول المصلي «آمين» قول الملائكة
غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر. وهو ما يُخالف
قانون الاستحقاق، وأن الجنة جزاء على الأعمال وليس
الأقوال؟ كما يُخالف النية لأن الموافقة مع تأمين الملائكة
تتمُّ عرَضًا لا قصدًا.
٣١٤ وكيف يكفي قول لا إله إلا الله لدخول الجنة مع
الزنا والسرقة رغم أنف أبي ذر؟ وكيف يتمُّ الحصول على كنوز
الجنة بقول «لا حول ولا قوة إلا بالله» وليس بفعل؟ وهل
دخول الجنة بذكر أسماء لا إله إلا الله، إلا واحدًا أم بالفعل؟
٣١٥
وفي قول مباشر: للجنة ثمانية أبواب، منها باب الريان لا
يدخل منه إلا الصائمون تقديرًا للصيام.
٣١٦ والجنة استحقاق لمن آمن بالله والرسول وأقام
الصلاة وصام رمضان وهاجر في سبيل الله. والجنة لها أبواب
للصلاة والجهاد والصدقة والصيام، والريان يدعى إليها الناس
طبقًا لتقواهم ويأخذون الجزاء من جنس الأعمال.
٣١٧
من يضمن للرسول ما بين لحييه وما بين رجليه يضمن له
الجنة. وهما صورتان للِّسان وللفرْج.
٣١٨ وأول طعام أهل الجنة زبدة كبد حوت. وهو ما
تحوَّل في الطب الشعبي إلى زبدة الحوت المصنوعة من ذكَرِه
الواقف وهو يُجامع لتقوية الباه.
٣١٩ وهي تفصيلات خارج قانون الاستحقاق، والثواب
والعقاب وترغيب في الجنة وتطلُّع إليها. ومن قتل معاهدًا
لم يَرح رائحة الجنة مع أن ريحها مسيرة أربعين عامًا.
٣٢٠ وهذا يدل على أهمية أهل الكتاب وأنهم في ذمة
المسلمين وعنقهم، وحُسن معاملتهم، ومساواتهم في الحقوق.
فمَن آذى ذميًّا فقد آذى الرسول. وللصحابة حق مُكتسب في
دخول الجنة مُسبقًا لأنهم من المبشَّرين بها. فقط أذن
الرسول لأبي بكر ليس فقط بالدخول إلى بيته بل إلى الجنة.
٣٢١ وهو أول المُصدِّقين به، وصاحبه في الغار،
وخليفته الأول.
وفي قول مباشر رأى الرسول وهو نائم الجنة ولها امرأة
تتوضَّأ إلى جانب قصر. ولمَّا سأل لمن هو قيل له لِعُمر.
فتذكَّر غيرته وولَّى مدبرًا، فبكى عمر وتساءل مُتعجبًا
أمن الرسول يغار؟
٣٢٢ وفي رواية أُخرى رأى الرسول أنه دخل الجنة
فإذا بامرأة أحد الصحابة جالسة وسمع صوتًا لبلال، وقصرًا
بفنائه جارية لعُمر، فرفض الرسول الدخول عليه لغيرته ورفض
عمر ذلك لأنه لا يغار من الرسول.
٣٢٣ وقد أرسل الرسول إلى عمر قماشًا من حرير
ليبيعها أو يكسوها لأحدٍ لا أن يلبسها. وفي الرواية يرفض
الرسول أخذ جُبة سندس هديةً لأنه كان ينهى عن لبس الحرير.
وفي قولٍ مباشر يَعتبر مناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل
من هذه الجُبة السندسية في الدنيا. ومناديل سعد ابن معاذ
في الجنة خير من حرير الأرض.
٣٢٤ وفي قول آخر: «موضع سوط في الجنة خير من
الدنيا وما فيها.»
٣٢٥
وكان الرسول يبشر أصحابه كثيرًا بالجنة لرفع معنوياتهم
أو لإعطاء نفسه سلطة معنوية عليهم.
٣٢٦ وكان سريع التبشير والوعد. ومن حفر بئرًا تكون
له الجنة. والبئر فضيلة في مُجتمع صحراوي. ومن جهَّز جيش
العسرة فله الجنة في مجتمعٍ مجاهد فاتح.
٣٢٧ وسمع دقَّة نعلَين بين يدَيه في الجنة تصديقًا للوعد.
٣٢٨ وفي الجنة منازل وطبقات تَفاضُل مثل الدنيا.
في الأعلى أهل الغُرَف فلما استُدرِك عليه بأنها منازل
الأنبياء لا يبلغها غيرهم وافق الرسول. وأثنى على رجالٍ
آمنوا بالله وصدَّقوا المرسلين. فهم بمنزلة الأنبياء.
٣٢٩
وفي قول مباشر صورة أول زمرة تدخل الجنة صورة القمر ليلة
البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخَّطون ولا يتغوَّطون. آنيتهم
ذهب وأمشاطهم ذهب وفضة. رشحُهم المسك. لكلٍّ منهم زوجتان
يُرى مُخُّ سيقانهما من وراء اللحم من الحُسن. لا اختلاف
بينهم ولا تباغُض. قلوبهم قلب واحد. ويسبحون بكرة وعشيًّا.
وهي صورة مثالية للبشر في حُسن الوجه ورفض للحدود البشرية
الجسدية. والذهب والفضة قيمتان دنيويتان مع أنهما
مُحرَّمان شرعًا لأنهما يرمزان إلى نعومة النساء وليس إلى
خشونة الرجال. رشحُهم المسك مع أن الرَّشْح عيب وعلامة على
البرد. ولماذا لكلٍّ منهم زوجتان وفي الدنيا أربع؟ وهل
شفافية اللحم التي تُضيء العظم منظر حسَن لسيقان المرأة؟
التعاون والتضامُن بينهم محمود، وذكر الله فضيلة. ولنفس
القول صياغة أخرى مشابهة. بعضها يدخل في القول المباشر
والبعض الآخر يدخل في الرواية التي تزيد الإبكار أول الفجر
والعشي مَيل الشمس إلى الغروب.
٣٣٠ ويضيف قول مباشر آخر عدد مَن يدخل من أُمَّة
الرسول سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف. يتوقف على درجة
المُغالاة. والعدد سبعة رمزي في حضارات الشرق. وتُضيف
صياغة أخرى مع القمر البدْر الكوكب الدُّري في
السماء.
وفي قول مباشر: الخيمة درَّة مجوفة. لا يهمُّ حجمها على
الأرض بل طولها في السماء، ثلاثون ميلًا. وفي كل زاويةٍ
منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون.
٣٣١ فضيق الخيمة في الأرض يُعوِّضه وسعها في
السماء. ووحدة الخيمة في الأرض يعوضها الأهل في كل ركن في
السماء. في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوَّفة عرضها ستُّون
ميلًا في كل زاويةٍ منها أهل يطوف عليهم المؤمنون.
وتُوصَف الجنة بالصور الفنية والقصص؛ فقد أتى الرسول
اثنان وأخذا به إلى مدينةٍ مبنية بلَبِنٍ ذهبٍ وفضة
واستقبلهم رجال نصفهم حسَن والنصف الآخر قبيح. فوقعوا في
النهر فخرجا في أحسن صورة. وأخبراه بأنَّ هذه جنة عدن وهذا
منزله. أما الرجال الأنصاف فهم أصحاب أعمال الخير وأعمال الشر.
٣٣٢ جنتان من فضة، وجنتان من ذهب، وأهلها ينظرون
إلى ربهم وبينهم رداء الكبر على وجهه في عدن.
٣٣٣ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام
لا يقطعها. وكلها صور للمبالغة.
وكيف يمكن التحقُّق من روايات وصف الجنة، أنَّ بها مائة
درجة أعدَّها الله للمجاهدين، ما بين الدرجتَين مثل ما بين
السماء والأرض، واختيار السؤال عن الفردوس في وسط الجنة
وأعلاها فوق العرش ومنه تنفجر الأنهار، وفي صياغة أخرى
وفوقه عرش الرحمن؟
٣٣٤ وهذا يتضمَّن عدة أسئلة: كيف تكون ما بين
درجتَين في الجنة مثل ما بين السموات والأرض؟ وإذا كانت
هنا مائة درجة فلا بدَّ من تسعٍ وتسعين سماء وأرض؟ كيف
يكون الفردوس أوسطها وأعلاها في نفس الوقت؟ كيف يكون فوق
العرش، والعرش أكرم منه، والأقرب الصياغة الثانية أنه تحت
العرش والعرش فوقه؟ كيف تنفجر منه الأنهار وهو فوق
العرش؟
وتستعمل الجنة للترهيب والترغيب. فلا يدخل الجنة قاطع رحِم.
٣٣٥ وتُوجَد أحاديث أخرى أخلاقية مباشرة دون
استعمال الجنة كوسيلةٍ للإقناع. وقد تُستعمَل الجنة لبثِّ
الفضيلة والتقوى والزهد في الدنيا.
٣٣٦ والرسول كافل اليتيم في الجنة مثل أصبعيه
السبابة والوسطى جمعًا بين التصوير بالجنة والتمثيل بلُغة الجسد.
٣٣٧ ولا يدخل الجنة قتَّات.
٣٣٨ والجنة عزاء فلإبراهيم مُرضع في الجنة.
٣٣٩ والجنة بشارة وأمل.
٣٤٠ موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها،
وكذلك غدوة أو رَوحة في سبيل الله.
٣٤١ ويدعو آخر رجل ينتقل إلى الجنة من النار اللهَ
أن يشيح النار عن وجهه. مهما أُلقي في النار تطلُب المزيد
وتمتلئ الجنة فينُشئ الله لها فضلًا جديدًا.
٣٤٢ فالله مع زيادة الجنة ونقص النار.
والجنة مناسبة للمُبالغات ودفع الأمور إلى الحد الأقصى.
فطبقًا لقول مباشر، فيها شجرة يسير الراكب في ظلِّها مائة
عام ولا يقطعها. وهو معنى آية (وظلٍّ ممدود)، ولَقابَ قوسٍ
في الجنة خير ممَّا طلعت عليه الشمس أو تغرب.
٣٤٣ والوعد بالجنة في القول المباشر مُهمته تقوية
الخطاب ومزيد من الإقناع. والوعد كجوابٍ للشرط مُنفصل عن
فعل الشرط برواية «قال بكير حسبتُ أنه قال.»
٣٤٤ كما عُرضت عليه في عرض الحائط فرأى الخير
والشر. ورؤية الجنة والنار وهو ساجد ثم حديث تعذيب امرأة
هرةً لا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض؛ لزيادة
التأثير في الرفق بالحيوان. وخطف الأبصار التي ترتفع إلى
قامة الإمام أثناء الصلاة لمزيدٍ من التخويف. ويتقطَّع
الحديث ممَّا يدلُّ على أنه مُركَّب. والجنة وسيلة للتعبير
للتفضيل بها عمَّا في الدنيا.
٣٤٥ وقد يكون المعنى مجازيًّا مثل: «إذا جاء رمضان
فُتحت أبواب الجنة. فتحت أبواب السماء، وغُلِّقت أبواب
جهنم، وسُلسِلت الشياطين.»
٣٤٦ واستأذن رجل من أهل الجنة الله في الزرع ولديه
كل شيء، فزرع فكان النبات مثل الجبال، وتعليق الله بأن آدم
لا يُشبعه شيء.
٣٤٧ والجنة مكان للتعويض. ففي قولٍ مباشر «لمَّا
مات إبراهيم كان له مُرضع في الجنة.»
٣٤٨ تُعطي الأمل بعد اليأس، والفرح بعد الحزن،
والوجود بعد العدَم.
(ب) عذاب النار
وكما تُستعمل الجنة للترغيب تُستعمل النار للترهيب. فمن
يرعى البنات ويُحسِن إليهن يكنَّ له سترًا من النار.
٣٤٩ والنار للتخويف مثل إطالة الإزار تحت الكعبين.
٣٥٠ وقد تتجدَّد الصورة بأنَّ من لا يَرحَم لا
يُرحم، فالرحمة بالآخرين مثل رحمة الله بالعباد. ورحمة
الله بعباده مثل رحمة الأمِّ بوليدها، لا تقذِف به في
النار. جعل الله الرحمة مائة جزء أمسك منها تسعةً وتسعين
وترك للبشر جزءًا. ومنها أن ترفع الفرسُ حافرها عن ولدها
حتى لا تُصيبه. فالرحمة في الله وفي الإنسان وفي الحيوان.
وتُصوَّر الرحمة بفعل الرسول عندما كان يضع الحسَن وزيد
على فخذيه ويدعو الله لهما بالرحمة كما يرحمهما الرسول.
٣٥١ وقتل الأب ولدَه خشية أن يأكل معه كالشِّرك أن
يجعل لله ندًّا وهو خلَقَه.
٣٥٢ ومن أشرك يدخل النار. وهو أيضًا ضدَّ
الاستحقاق، وأن الجزاء قدر الأعمال وليس الأقوال.
٣٥٣ وإلى النار مَن يرتدُّ عن دينه. ومن كذب على
الرسول فليتبوَّأ مقعده من النار.
٣٥٤ ومن تشهَّد ابتغاء وجه الله حرم الله عليه النار.
٣٥٥ وقد تؤدي كلمة إلى النار.
٣٥٦ ولا يحمي الرسول عمَّه الذي لم يؤمن به من
النزول إلى الدرك الأسفل في النار. وقد رفض العمُّ أن يقول
كلمة يحاجِج بها الرسول في صفه يوم القيامة. وقرَّر
الاستمرار في الاستغفار له ما لم يُنهَ عنه. فالقرابة
عاطفة أصيلة. وقد كان ينظر إلى البيت المُقدس كأحد الآيات.
٣٥٧
وفي قول مباشر تُشخَّص النار وتدخل في حوار مع ربها
وتشتكي له أنها تأكل بعضها، فأذِن لها بنفسَين واحد في
الشتاء في الزمهرير وآخر في الصيف في الحر. وفي قولٍ
مباشِرٍ آخر بعد أن أُصيب أحد الصحابة بالحُمَّى وبردها
بماء زمزم لأن الرسول قال «الحُمَّى من فيح جهنم فأبردوها
بالماء.» وفي صيغةٍ أُخرى أكثر تخصيصًا بماء زمزم.
٣٥٨ وفي صيغة ثالثة تتحدَّد نسبة الحرارة في
الإنسان بالنسبة لجهنم واحد إلى تسعةٍ وتسعين. وليس
المقصود بطبيعة الحال التحديد الكمِّي بل الصورة الفنية
للتضخيم والتعظيم. وفي صيغةٍ رابعة أنَّ الرسول نادى على
المنبر مالك خازن النار. وفي صورةٍ أكثر تفصيلًا عن رجلٍ
يُؤتى به يوم القيامة ويُلقى به في النار فتندلِق أقتابه.
ويدور كالحمار برحاه. فيجتمع أهل النار لسؤاله عن السبب مع
أنه كان يأمرُهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. فأجاب بأنه
كان بالفعل كذلك ولكنه كان لا يأتي بالمعروف ولا يتناهى عن
المنكر؛ أي الفصل بين القول والعمل. وهو شرط الفقهاء في
ضرورة اتِّساق القول والعمل عند من يقوم بهذا الدور.
وتُستعمل جهنم كصورةٍ للحرارة الشديدة تُبرَّدُ بالصلاة.
وهو معنى قول الرسول المباشر «أبرد» مرَّتين.
٣٥٩ أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل تُوضَع
في أخمص قدمَيه جمرةٌ يغلي منها دماغه.
٣٦٠ وتزيد صيغةٌ صورة كما يغلي المِرجَل والقُمقم.
وفي صورةٍ ثالثة ضحضاح من نارٍ يبلُغ كوبَين يغلي منهما
دماغه. يُلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار
قدمَه في النار فتقول قط! قط!
٣٦١ وللنار لفظ آخر «جهنَّم» وتُسبِّح بعزة الله.
٣٦٢
واتقاء النار ولو بشقِّ تمرة أو بكلمةٍ طيبة.
٣٦٣ سيكلم الله كل واحدٍ يوم القيامة مباشرةً دون
ترجمان. ولا يرى شيئًا أمامه. ولا يرى إلا النار بين يديه
فتستقبله. ويخرج من النار بالشفاعة فيدخلون الجنة
فيُسمِّيهم أهل الجنة الجُهنميين.
٣٦٤ ويخرج من أهل النار من كان في قلبه ذرةٌ من
إيمان فيُلقى به في نهر الحياة فتنبُت كما تنبُت الحبة
صفراء مُلتوية.
٣٦٥ ويأمر الله آدم أن يُخرِج من ذُريته قومًا إلى النار.
٣٦٦ وهو ضدَّ قانون الاستحقاق.
ومَن أحبَّ أن ينظُر إلى رجلٍ من أهل النار فلينظر إلى
رجلٍ وضع صدره على ذبابة سيفِهِ واتَّكأ عليه وأخرجه من
ظهره؛ أي الانتحار.
٣٦٧ ويتنبَّأ الرسول بمكان أحد المسلمين الشجعان
في النار فقد اتَّكأ على ذبابة سيفه وانتحر.
٣٦٨ فلا يدخل الجنة إلا مؤمن. والله يؤيد هذا
الدين بالرجل الفاجر. ومن أخذ شيئًا من أخيه ظُلمًا حتى
ولو كان بحُكم الرسول الذي يخضع لبلاغة كل طرفٍ ويُخطئ
ويُصيب في الحُكم فإنه يتبوَّأ مقعده في النار.
٣٦٩ فالظلم طريق إلى النار. يطمئن الرجل في النار؛
لأنه يأمر بالمعروف ولا يفعل وينهى عن المنكر ويفعله.
٣٧٠ فيختلف قوله عن فعله. وفي القول المباشر دخلت
امرأة النار في هرَّة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من
خشاش الأرض.
٣٧١ وفي قول آخر كلبًا كاد أن يقتله العطش نزعت
خفَّها وأوثقته بخمارها ونزعت له الماء وسقته. ونفس معنى
القول المباشر مع من أمسك كلبًا ينقص من عمله كلَّ يومٍ
قيراط إلَّا كلب حرث أو كلب ماشية. وفي قول ثالث من اقتنى
كلبًا لا يُغني عنه زرعًا ولا ضرعًا نقص من عمله كل يومٍ
قيراط.
(١١) قصص الأنبياء
ومن الأحاديث الطوال قول مباشر يتحدَّث فيه الرسول عن
مقابلته للأنبياء السابقين السبعة، والرقم له دلالته، آدم،
وعيسى، ويوسف، وإدريس، وهارون، وموسى، وإبراهيم بلا ترتيب،
بقيادة جبريل. وقعت الواقعة والرسول عند البيت بين النائم
واليقظان. هل هي رؤية واعية أم حلم نائم؟ أتاه طست من ذهب
مملوء حِكمة وإيمانًا وبدابة بيضاء هي البراق أقل من البغلة
وفوق الحمار. وانطلق مع جبريل حتى السماء الدنيا. وبعد حوار
قصير يسأل صوت من السماء عن القادمين وبعد أن يُجاب: جبريل
ومحمد. يرحِّب بهما. سلَّم على آدم أولًا، ورحَّب آدم بنبي
زميل. وحدث نفس الشيء بالسؤال والترحاب والتعرُّف على القادمين
في السماء الثانية لمقابلة عيسى. وفي السماء الثالثة لمقابلة
يوسف، وفي السماء الرابعة لمقابلة إدريس، وفي السماء الخامسة
هارون، وفي السادسة موسى الذي بكى لهذا الغلام الذي يدخل الجنة
من أُمته أكثر ممَّن يدخل من أُمة موسى، وفي السابعة إبراهيم.
ورُفع محمد إلى البيت المعمور الذي يُصلي فيه كل يوم سبعون ألف
ملك ثم إلى سدرة المنتهى، نبَقُها كأنه قلال هجر، وورقها آذان
أفيال. في أصلها أربعة أنهار، اثنان ظاهران، النيل والفرات،
واثنان باطنان في الجنة. وفُرضت عليه خمسون صلاة فنصحه موسى
بمراجعة الله بناء على تجربته مع بني إسرائيل، فأصبحت أربعين
فثلاثين فعشرين فعشرًا فخمسًا بطريقة الفصال البدوية تخفيفًا
على العباد. والحسنة بعشر أمثالها.
٣٧٢
أول من يُدعى يوم القيامة آدم، فتظهر ذُريته. ويُقال لهم إنه
أبوهم. ويطلب منه إخراج بعْث جهنم من ذُريته. من كل مائة تسعة
وتسعين. ويرى المسلمون أنه كثير.
٣٧٣ وفي صياغة أخرى من كل ألفٍ تسعمائة وتسع وتسعين،
وهو قليل. فطمأن الرسول بأن من يأجوج ومأجوج ألف، ومن المسلمين
رجل واحد.
٣٧٤ ويستشفع الناس الله يوم القيامة فيسألون آدم بما
له من ميزات فيذكر خطيئته. فيأتون نوحًا فيذكر خطيئته. فيأتون
إبراهيم ويتذرَّع بخطيئته. ثم يأتون موسى فيذكر خطيئته. فيأتون
عيسى الذي يرسِلهم إلى محمد الذي غفر الله من ذنبه ما تقدَّم
وما تأخَّر فيقبَل. فيسجد لله أكثر من مرة طالبًا فيخرج من
النار إلا من حبسه القرآن. فتحاجَّ آدم وموسى، فقال موسى لآدم
إنه المسئول عن الإخراج من الجنة فردَّ آدم على موسى أن الله
اصطفاه فكيف يلومُه على أمر قدَّرَه الله عليه قبل أن يخلقه
بأربعين سنة فحاج آدم موسى.
٣٧٥ وفي قصةٍ حاج آدم موسى بالقضاء والقدَر كي يُخلي
مسئوليته عن الخطيئة الأولى كما كتب الله على موسى التوراة.
٣٧٦
وفي ليلة الإسراء رأى الرسول موسى رجلًا آدم طويلًا جعدًا.
ورأى عيسى رجلًا مربوعًا بين الحمرة والبياض سبط الرأس. ورأى
مالكًا خازن النار ورأى الدجَّال في آيات. فرؤيته لا شكَّ فيها.
٣٧٧ وهو تصوير جسدي للأنبياء يدلُّ على رسالته، القوة
في موسى، والرحمة في عيسى، والتأكيد على خروج الدجَّال.
ويذكر الرسول قصة يأجوج ومأجوج. وتبدأ برواية أن الرسول دخل
على زينب بنت جحش فزعًا على غير عادة الأنبياء وهو يُنذر العرب
من شرٍّ قد اقترب لأنَّ سدَّ يأجوج ومأجوج فتح اليوم. واستعمل
لغة اليد للإشارة. فلمَّا سألت زينب كيف يهلك العرب وفيها
الصالحون، أجاب الرسول بالإيجاب إذا كثر الخبَث. وتتقطع
الرواية عدة مراتٍ لتركيب القصة من عدة حوارات منها حوار الله
مع آدم لإخراج بعث النار وهم ألفان إلا واحدًا صالحًا مع رجاء
أن يكون المسلمون رُبع أهل الجنة أو ثُلثها أو نصفها والناس
تُكبِّر. وهم كالشعرة السوداء في جلد ثورٍ أبيض أو كشعرةٍ
بيضاء في جلد ثور أسود.
٣٧٨ وواضح الإخراج المسرحي والتصوير الفني في القصة.
وبالنسبة لعاد، قال الرسول إنه نُصِر بالصَّبا كما أُهلكت عادٌ
بالدبور، وتطويع ظواهر الطبيعة لقوى الأنبياء.
٣٧٩
ويسأل الله نوحًا إذا كان قد بلَّغ أُمته فيُجيب بالإيجاب.
ثم يسأل أُمته فينكرون. فيسأل الله عن شاهدٍ فيقول محمد وأُمته
الوسط العدل.
٣٨٠ ويونس أفضل الأنبياء.
٣٨١ وأكرم الناس يوسف. ويستدعيه الرسول حتى يُؤيده
الله بسبعٍ كما أيَّد يوسف.
وبعض الأحاديث حكايات من التوراة مثل قصة إبراهيم وزوجته
سارة الحسناء يدخُلان قرية ملك جبار. فلمَّا سأل الملك إبراهيم
عن هوية من معه كذب حمايةً لها وادَّعى أنها أخته وطلب من
زوجته أن تكذِب معه لأنه لا يُوجَد على الأرض مؤمن إلا هما.
وأرسلها إلى الملك فقامت وتوضَّأت لتُصلي داعية الله عدم تسليط
الكافر عليها حفاظًا على فرجها الذي لزوجها. فنام ثم قام خشية
أن يُقال قتلته. فكرَّرت سارة الوضوء والدعاء فنام وقام قائلًا
إنها شيطان. وطلب إرجاعها إلى إبراهيم وأعطاها هاجر معها إليه
شاكرة الله أنه كبت الكافر وأعطاها خادمة.
٣٨٢ والقصة ليس بها أي أثر من النبوَّة لعدة أسباب:
كذب إبراهيم وطلبه من زوجته أن تكذِب معه، وهي ليست شيمة
الأنبياء، عدم مقاومته رغبة الملك في طلب من معه، التضحية
بأُخته دون امرأته، الغرور بأنه لا يُوجَد على الأرض مؤمن إلا
اثنان، نوم الملك والحسناء أمامه مرَّتَين، حماية المرأة نفسها
بالدعاء وليس بالمقاومة أو بالحيلة، حُكم الملك أنها شيطان،
إرساله هاجر هدية بالرغم من غضبه، وبالتالي تفوُّق أخلاق
الملوك على أخلاق الأنبياء.
وفي قولٍ مباشر تُروى قصة إبراهيم. وهو أول من يُكسى يوم
القيامة. ويقلق الرسول على أصحابه فيُخبَر أنهم منذ فارقهم
ارتدُّوا على أعقابهم. ثم تنقطع الرواية وتبدأ أخرى عن لقاء
إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجهه قتَرَة وغُبرة.
فيُعاتبه إبراهيم لعصيانه ويندم الأب ويعِدُه بالطاعة اليوم.
فيتشفع إبراهيم في أبيه بذبحٍ عظيم تحت قدَمي الله يُلقى في
النار. وهي أقرب إلى الدراما بين عاطفة الأبوَّة والنبوَّة
والطاعة الإلهية وإنقاذ الأب من أجل الابن عن طريق الفداء،
طريقة إسماعيل وإبراهيم والكبش العظيم. فما تمَّ لإبراهيم مع
ابنه في الدنيا يتمُّ مع أبيه في الآخرة. ووجد الرسول صورة
إبراهيم ومريم في المنزل فأعلن أن الملائكة لا تدخُل بيتًا فيه
صورة. وإبراهيم وإسماعيل ما زالا يَستقسمان بالأزلام، ثم تنقطع
الرواية بثالثةٍ عن سؤال عن أكرم الناس والرد بأنه أتقاهم.
ويظل السؤال قائمًا ويكون الردُّ يوسف. ويظل السؤال قائمًا عن
معادن العرب، والردُّ أن خيارهم في الجاهلية خيارهم في
الإسلام، تأكيدًا على التواصُل وليس الانقطاع. ثم تنقطع
الرواية مرة أخرى لتشبك فيها قصة أخرى عن إبراهيم الطويل. ثم
تنقطع الرواية لتشبك رواية يُخبِر فيها الرسول عن اختتان
إبراهيم وعمره ثمانون عامًا. وتتخلَّل الأقوال المباشرة رواية
عن الدجَّال ومكتوب بين عينَيه الكافر وشكل إبراهيم وموسى.
ويبدأ قول مباشر عن كذِب إبراهيم ثلاثًا؛ تشرحه الرواية،
اثنتان في الله: قوله إني سقيم، وقوله فعلَه كبيرهم هذا،
والكذب بأنَّ امرأته أخته حمايةً لها من الملك. وتستأنف رواية
بأن الرسول أمر بقتل الوزغ لأنه كان ينفخ على إبراهيم.
٣٨٣
وفي قول مباشر تأتي قصة شفاعة الأنبياء. فيرفض إبراهيم وهو
خليل الله لكذباته ويفوِّض الأمر إلى موسى.
٣٨٤ وتنسج قصص الأنبياء ابتداء من نواتها في القرآن
مثل قصة موسى والخضر. والدافع عليها ادِّعاء موسى أنه أعلم
الناس. فأراد الله أن يُثبت له أن الخضر أعلم منه عن طريق حوتٍ
يوضَع في مكتل ويكون في كل مكان. وهو حديث طويل وله صياغات عدة
بحيواناتٍ وطيور أخرى.
٣٨٥ وقصة موسى والخضر تُبين أن الخضر أعلم من موسى
بدليل الحوت الذي نسِيَه موسى عند الصخرة بفعل الشيطان.
٣٨٦
لقد أوذي موسى بأكثر ممَّا أُوذي به المسلمون وصبر.
٣٨٧ ولا يُخيَّر الرسول على موسى، فالناس تُصعَق يوم
القيامة فيكون الرسول أول من يُفيق، ويكون موسى باطشًا بجانب
العرش. ولا يدري الرسول إذا كان موسى قد أفاق قبله أو استثناه
الله من الصعق.
٣٨٨ وقد يركب القول المباشر على رواية أسطورية مثل قول
الرسول أنه بإمكانه أن يُريهم قبر موسى على جانب الطريق عند
الكثيب الأحمر على رؤية إرسال ملك الموت إلى موسى، فسحقه وخرق
عينه، فرجع إلى الله شاكيًا، فردَّ الله عينه، وأرجعه ليضع
موسى يده على متن ثورٍ وله بكل شعرةٍ غطَّتها يده سنة يعيشها
ثم الموت.
٣٨٩ فسأل موسى الله أن يُدنيه من الأرض المقدَّسة رمية
بحجر!
ومن الأحاديث الطوال تتعدَّد الأقوال وتتقَّطع ممَّا يدل على
تركيبها. ترحم الرسول أم إسماعيل. ولولا عجلتها لكانت زمزم
عينًا معينًا.
٣٩٠ كما أقبل إبراهيم وإسماعيل وأمُّه وهي تُرضعه.
ووضعهما إبراهيم عند دوحةٍ فوق زمزم في أعلى المسجد ولا أحد
بمكة ودون ماء. ووضع جرابًا فيه تمر وسقاء ماء. وتبعته أم
إسماعيل خوفًا من تركها وإذا كان هذا أمر الله، فردَّ بالإيجاب
وأردفت أن الله لن يتركها. وذهب إبراهيم بمُفردِه ودعا. ونفد
الماء عند إسماعيل. وعطش ابنها فوجدت الصفا أقربَ جبلٍ إليها
ثم إلى المروة. وسعت بينهما سبع مراتٍ ثم تُقطع الرواية.
ويستمرُّ النبي شارحًا وصف القرآن بالسعي بينهما. ثم سمعت صوت
الملك عند مَوضع زمزم وضرب الأرض بعقِبِه وجناحه فتفجَّر الماء
فملأت السقاية. ثم تقطع القول وعاد الرسول مُتمنيًا لو أن أمَّ
إسماعيل لم تغرِف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا. وطمأنها
الملك بعدم الهلاك في بيت الله. وظهر طائر في السماء يبحث عن
الماء فمنعتهم أم إسماعيل. ثم تقطَّع القول ليقص كِبر إسماعيل
وتعلُّمه العربية وزواجه وموت أم إسماعيل، واختفاء إسماعيل
وسؤال إبراهيم عنه وإخباره أن أسرته في ضيقٍ شديد. فأمرهم
بتغيير عقبة الباب، وتطليق زوجته. ثم تزوَّج بأُخرى. وبالقصة
تناقُضات حول تطليق زوجة إسماعيل بلا ذنبٍ والزواج من
أخرى.
وكثيرًا ما يتدخَّل الخيال في قصص الأنبياء. فبينما كان أيوب
يغتسل عريانًا خرَّ عليه رِجْل جراد من ذهب يحتمي في ثوبه
فناداه الله ألم يُغنِهِ عما يرى فردَّ بالإيجاب ولكن لا غِنى
له عن بركة الله.
٣٩١ وتذكر الروايات كثيرًا من الإسرائيليات مثل قول
سليمان بن داود إنه سيطوف ليلة على مائة امرأة تلِد كل امرأةٍ
غلامًا يقاتل في سبيل الله دون أن يقول إن شاء الله كما
نبَّهَه الملك. ولم تلِد إلا امرأة واحدة، نصف إنسان.
٣٩٢
ولتحليل الغنائم تُنسج قصة طويلة على لسان نبيٍّ آخر غزا
وأمر ألا يتبعه رجل ملكَ امرأةً أو بني بها، وبنى بيوتًا ولم
يرفع سقفها، ولا أحد اشترى غنمًا ينظر ولادها. وقرب من القرية
في صلاة العصر فأمر الشمس بحبسها، فجمع الغنائم لتأكلها النار
فلم تطعمها لأنَّ فيهم القلول. ولزقت يده بيد رجلٍ ثم يد
رجُلين أو ثلاثة. فجاء برأس بقرة من الذهب فأكلتها النار. ثم
أحلَّ الله الغنائم لمَّا رأى ضعف المسلمين وعجزهم!
٣٩٣ وتدل هذه القصة على أربعة أشياء: الأول أن الغزو
سُنَّة الأنبياء، ثانيًا سلطة النبي على ظواهر الطبيعة، ثالثًا
النار لا تأكل إلَّا الحرام، رابعًا تبرير الغنائم الحلال. وفي
قولٍ مباشر لدغت نحلةٌ نبيًّا نائمًا تحت شجرةٍ فأمر بإحراق
بيتها. فأوحى الله له بأنها نحلة واحدة. وهو ما يتنافى مع
أخلاق النبوَّة وما يُناقض العقل، حرق بيت نحلة بعد الحفر تحتها.
٣٩٤
وفي حديث مقارنة بين علاقة بني إسرائيل باللحم وعلاقة حواء
بآدم. فلولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن
أنثى زوجها.
٣٩٥ والتمايز عن اليهود في عدم اتخاذ قبور الأنبياء
مساجد كما فعلوا من قبل.
٣٩٦ كما باعوا الشحوم وأكلوها بعد أن جمَّلوها وقد
حُرِّمت عليهم.
٣٩٧ وأحيانًا يتمُّ الربط مع اليهود والنصارى وأحيانًا
يتمُّ التمايز طبقًا لجدل التواصُل والانقطاع. فإذا كان اليهود
والنصارى لا يصبغون شعورهم فالمسلمون يصبغون.
٣٩٨ والآن صبغة الشعر للنساء وليست للرجال.
وواضح مصدر الإسرائيليات في القول المباشر. فقد فُقدت أمة من
بني إسرائيل دون معرفة سبب واضح إلا أنها شربت ألبان الإبل
وألبان الشاة. وتتردَّد الرواية في تصديق هذا القول ثم تُقرُّ
في النهاية بأن مصدرها التوراة.
٣٩٩ ويأخذ الرسول موقفًا مُحايدًا من الإسرائيليات لا
تصديقًا ولا تكذيبًا مع أنه في موقفٍ آخر أخذ موقف الرفض لأنه
أتى بأفضلَ من التوراة. وكانت الرواية قد أخبرتْ بأن اليهود
كانوا يقرءون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية للمسلمين.
٤٠٠
ومريم والمسيح خاليان من الشيطان. ويوضع الحُكم في قالبٍ
خيالي؛ أنه ما من مولود يُولَد إلا والشيطان يمسُّه فيصرخ من
المس. والوليد يصرخ من دخول الهواء رئتَيه لأول مرةٍ بعد أن
كان يعيش في رحِم الأم.
٤٠١ وقد رأى الرسول في المنام رجلًا حسَن الهيئة هو
المسيح يطوف حول الكعبة ورِجلاه تقطُر ماءً من الوضوء. ورأى
آخر جعد قطط أعور العين اليُمنى كأنها عنبة طافية هو المسيح الدجَّال.
٤٠٢
رأى الرسول المسيح يطوف بالبيت بعد أن توضَّأ وهو يقطُر ماء
وعلى أحسن هيئةٍ وأجمل صورة، كما رأى آخَر جعدًا قطط أعور وهو
المسيح الدجَّال.
٤٠٣ ولا يضر المسيح الدجَّال بالرغم من أنَّ معه جبل
خبز ونهر ماء. وينزل من ناحية المدينة، فترتجِف من ثلاث رجفاتٍ
فيخرُج إليه كل كافرٍ ومُنافق. ولا يدخل المدينة رُعب المسيح
فلها سبعة أبواب على كل بابٍ ملكان. ولا يدخلها الطاعون، وما
من نبيٍّ إلا وأنذر قومَه به. ورأى الرسول في منامه أنه يطوف
بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يُراق الماء من رأسه وهو ابن
مريم، ورجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين وهو الدجَّال.
٤٠٤ حافره نار. وبين عينَيه مكتوبٌ كافر. الله ليس
بأعور في حين أن المسيح الدجَّال أعور العين اليُمنى كأنه عنبة طافية.
٤٠٥ فالتقابل بين الجمال والقُبح، بين الحقِّ والباطل،
بين البصر والعور.
وقال الرسول وهو ينهش ذراع شاةٍ إنه سيد القوم. وسأل الناس
إذا كانوا يدرون بمن يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ
واحدٍ فيُبصِر الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس
فيسألون عمَّن يشفع لهم فيطلُب البعض آدم لأنه أبو البشر خلقَه
الله بيدِه، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له،
وأسكنه الجنة فيرفُض لأن الله غضب منه لأنه عصاه بأكلِهِ من
الشجرة. فذهبوا إلى نوح لأنه أول الرُّسُل وسمَّاه الله عبدًا
شكورًا. فيرفُض نوح لأن الله غضب عليه. فأتوا إلى محمدٍ ساجدًا
تحت العرش. فيطلبون منه رفع رأسه والشفاعة. ويُعلق الراوي أنه
لا يحفظ الباقي لأنه من الأحاديث الطوال.
٤٠٦ والرسول سيد البشر. وهو أولى بالمؤمنين.
٤٠٧ وكثير من أحاديث «الأنا» تفيد نفس المعنى. يقضي
ديونهم. وأسماؤه محمد وأحمد والماحي للكُفر والحاشر الذي
يُحشَر الناس على قدمه والعاقب الذي يعقبه الناس.
٤٠٨ وهو أكثر الأنبياء أتباعًا.
٤٠٩ والرسول شهيد على كل الأنبياء وليس فقط خاتمهم.
يشهد أنهم قد بلَّغوا رسالاتهم ضدَّ من يُنكرون ذلك من أُمته.
٤١٠ وهو أولى بالشكِّ من إبراهيم.
٤١١ فهو الوريث لكل صفاتهم. وهو أولى منه بالسؤال، (أو
لم تؤمِن؟) وهو أولى بموسى كي يصوم يومَه.
٤١٢ ويُحرِّم الرسول ما بين جبلَي المدينة كما حرَّم
إبراهيم مكة.
٤١٣ وفي تصويرٍ فني يوم القيامة تعترِف كل أمةٍ بمن
كانت تعبد؟ عُزير عند اليهود، والمسيح عند النصارى، والله
الواحد الأحد عند المسلمين.
٤١٤ وأحيانًا تبدو بعض مظاهر الكهنوت مثل الدعاء في
وقتٍ مُعين مثل الجمعة.
٤١٥