كانط والحداثة الدينية

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الثالث

في تأويلية الشر الجذري أو كانط في محراب أيوب

تقديم

حرص كانط في ثالوثه النقدي على التمييز الدقيق ما بين حدود العقل في استعمالاته المختلفة، حِرْصَ جغرافيٍّ عزف أبدًا عن السفر عبر المدن عشقًا دائمًا للترحال عبر حقول العقل ومُدنه الحقيقية العادلة أو الوهمية الضالة على حدٍّ سواء.١ فالقارئ للمؤلَّف النقدي يعثر لدى كانط على تأويلٍ لجملة نشاط العقل بوصفه يُقال على معانٍ ثلاثة:
في المعنى الأول يُظهر العقل قدرةً على المعرفة وذلك متى تعلَّق الأمر بعلاقتنا بالطبيعة بوصفها جملةً من الظواهر.٢ وفي المعنى الثاني يصير العقل إلى ميلٍ طبيعي، هو له بمثابة القدر، للتفكير في الأشياء ذاتها من جنس خلود النفس ومسألة العالم ووجود الله. لكن العقل ها هنا إذ يفشل في مجال الاعتبار يجد في مجال العقل ما به تكتمِل دلالته بوصفه قدرة على التشريع للفعل البشري: وذلك إثر تطهُّره بواسطة الجدلية المُتعالية من أوهام الأنطولوجيا التقليدية في اتجاه عقلٍ عملي لا يعول إلا على الحرية الإنسانية.٣ أما المعنى النقدي الثالث للعقل فهو التفكر بقدرة العقل نفسه على المصالحة فيه بين ملكاته وعلى المصالحة في الطبيعة نفسها ما بين منطق الضرورة ومبدأ الغائية.٤
إن المعرفة بالطبيعة بوصفها قائمة على منطق الضرورة، والتفكير في طبيعة الأشياء بوصفها طبيعة في العقل نفسه ثم التفكُّر في الطبيعة بوصفها فنًّا،٥ تحقيقًا للتناغُم داخل نسق الطبيعة ونسق النقد ونسق العقل نفسه، هي إذن جملة الدلالات التي ارتضاها كانط للعقل في متونه النقدية الثلاثة. لكن ماذا يتبقى للعقل بعد أن تطهَّر بالنقد من الخطأ والغلَط والوهم؟ وماذا تبقَّى للفلسفة بعد أن أُغلقت أبواب النقد بتحصين أسواره واستكمال معمارياته وذلك إثر الانتهاء من آخِر الكتب النقدية أي في مؤلَّف نقد ملكة الحكم ١٧٩٠م؟
الأمر كله يدعو إذن إلى اعتبار كتاب نقد ملكة الحكم خاتمة للفلسفة النقدية مثلما ارتضاه كانط بنفسه. هل هذه الخاتمة نبأ على نهاية النقد أم لا يزال في طبيعة العقل أسئلة عليه أن يحسم أمره في شأنها؟ يبدو أن كتاب نقد ملكة الحكم لم يكن ليُنهي من النقد غير النسق الصوري الذي أراده له كانط وقد أغرته في ذلك محبَّته لتساوق الأنساق وتناظُرها.٦
إن ما تبقى للعقل فيما أبعد من تخوم الفاهمة والحاكمة هو أفق انتظار ثالث أسئلة كان قد أحصاها نقد العقل المحض فيما كان على قاب قوسين أو أدنى من اختتام نفسه، إنه سؤال: «ماذا يُمكنني أن آمُل؟»٧ ولسان حال كانط في ذلك كان يقول: ماذا يُمكنني أن آمُل بعد أن ارتضيتُ العقل عارفًا ومفكرًا ومُتفكرًا بل ومُشرِّعًا لجملة العلاقة المُمكنة بيني وبين الطبيعة؟ أي ماذا يُمكنني أن آمُل فيما أبعد من معرفتي بالطبيعة ومن قُدرتي على التشريع للفعل البشري برمَّته ومن التفكُّر بالجمال والجلال والغائية بعامة؟

وكان السؤال يمشي بعيدًا ليقول أكثر وليُحرج أكثر: ماذا للفيلسوف أن يأمُل من العقل النقدي لو نصَّبه حَكمًا في مجالٍ حرصت الشعوب دومًا على إلجام العوام عنه خوفًا من شدة جهلهم، وعلى تحصينه دون الفلاسفة رهبةً من قوة علمهم؟

إننا هنا نشهد دلالة طريفة لنشاط العقل لدى كانط هي دلالة التأويل داخل منطقة يُغاير منطقها حقول اشتغال العقل النقدي مثلما ضبطته الكتب النقدية الثلاثة: إنها منطقة ما لا يمكن أن ينتمي إلى بلاد الحقيقة فنعرفه خير المعرفة، كما فعلت ميكانيكا نيوتن بالطبيعة نفسها، وهي أيضًا من جنس ما لا يمكن أن يكون مجرد وهمٍ ميتافيزيقي فنُطهِّر منه العقل بواسطة مكنة النقد الحاسمة. إننا ها هنا نتحرك في مجال الديني الذي شخَّصه ريكور بوصفه «خارجًا مُتميزًا» للفلسفة، غيرية لا يمكن اعتبارها إلا على هامش الفلسفة نفسها وعلى تُخومها الخاصة «فالديني إنما يتموضع على الحافة الداخلية لخط القسمة ما بين المُتعالي اللاتاريخي والديني التاريخي.»٨ إن الأمر يتعلق هنا بمنطقة يُسمَّى القول فيها «ثيوديسا» (Théodicée) بوصفها تأويلًا للحكمة الإلهية في اتجاه إمكانية المصالحة فيها ما بين واقعة الشر التاريخية وصِفة العدل الإلهي «المتعالية». فالتأويل هنا يجد مقامه الأصيل في شأن الديني بعامة وفي شأن تبرير العدل الإلهي تجاه الشر في العالَم بخاصة. وهو موضوع «الثيوديسا» بأنواعها، تلك التي اشتغل عليها الفلاسفة إلى حدود كانط الذي اشتغل بدَوره على كل هذه المحاولات الفلسفية في شأن الثيوديسا مُبَيِّنًا تهافُتها ومؤسِّسًا في الآن نفسه لتأويلية نقدية يُريدها بول ريكور فلسفية تشريعًا وتأصيلًا للهرمينوطيقا في أفق الفلسفة الحديثة والمعاصرة.٩ ويريدها كارل-أوتو آبل (Karl-Otto Apel) هرمينوطيقا متعالية في أفق المنعرج اللغوي لإتيقا أساسية بعد كانط.١٠

سوف نشتغل في هذا المقال على الثيوديسا الكانطية بوصفها تؤرخ لمنزلةٍ طريفة ارتآها كانط لمجال الديني بعامة ولمجال التأويل بخاصة: هي منزلة «البين»: أي تلك التي تتنزَّل ما بين النقد بالمعنى التقني الصارم للكلمة وما بين التأويلية الدوغمائية السائدة في عصر كانط. إن كانط لا يبدو لنا ناقدًا للدين بالمعنى الصناعي للكلمة، أي راسمًا حدوده متملِّكًا لأُسسه ولنصوصه عارفًا بجغرافيته الخاصة مثلما يظهر لنا في نقد العقل المحض أو في نقد العقل العملي. وكانط أيضًا لا يبدو لنا مؤوِّلًا للدين في المعنى الدقيق للتأويلية في عصره بوصفها اشتغالًا على النصوص المقدَّمة من أجل تفسيرها (سبينوزا) أو من أجل الدفاع عن الحكمة الإلهية (ليبنتز).

أي معنى للتأويلية يرتضيه كانط إذن؟ نجد إجابة أولى حاسمة في مقالةٍ كتبها كانط مباشرة بعد نقد ملكة الحكم أي بعد الانتهاء من إتمام النقد دربًا مُتبقِّيًا للفلسفة، وهي مقالة يُمهِّد فيها كانط لمنعرجٍ جديد في فلسفة ينقلنا من الميتافيزيقا إلى الثيودسيا التي ستكون بنية استقبال لأهم كتب كانط وهو على كَبر، هو كتاب الدين في حدود مجرد العقل (١٧٩٣م). هذه المقالة وعنوانها «في تهافُت كل المحاولات الفلسفية في موضوع الثيوديسا» (١٧٩١م)،١١ إذ تظهر إذن بعد سنةٍ واحدة من خاتمة النقد وقبل سنةٍ واحدة من بداية حاسمة لفلسفة الدين توقع منزلة «البين» الذي للديني وللتأويلية عند كانط توقيعًا حاسمًا. إنها تبدو وكأنها على قاب زمنَين في الظاهر لا يلتئمان: زمن النقد الذي لا زمان له غير ذلك الذي أقرَّته الإستطيقا المُتعالية من نقد العقل المحض وزمن التأويل الذي يتَّسع لزمنية القصص والسرد ودائرة المُقدس بعامة.١٢ وتحديدًا فإن محور «الثيوديسا» هو البحث في تأويلية ما يُسميه كانط باسم «الشر الجذري»: إن الشر ينقلب فجأة إلى أداة تفكير ميتافيزيقي غير مسبوق، على أننا نُنبه إلى أن موضوعة الشر لدى كانط إنما تبقى مشكلًا دينيًّا ولم يتحوَّل عنده إلى مشكلٍ تاريخي أو سياسي. ذلك شوط من البحث سوف يُصبح أحد اكتشافات القرنين المواليين.١٣
إننا نعثر في مقالة «التهافت» ١٧٩١م على نظرية كانط في التأويل كما لم يسبق له أن صاغها من قبل، وذلك بتمييزٍ أساسيٍّ ما بين ضربَين من التأويل: التأويل المَذهبي الدوغمائي والتأويل النقدي الأصيل، داحضًا فلسفة التأويل السائدة في عصره ومُشرِّعًا لتأويلية نقدية أصيلة، تقوم من جهة على مكاسب الفلسفة النقدية المتعالية، ومن جهة أخرى على الديني بعامة في عنصره الخالص الأصيل، وذلك بعيدًا عن أشكال الخرافة والمعجزات والأوهام الحالمة درءًا لضروب التطرُّف الدوغمائي من إلحاد أو مادية أو قدرية وغيرها من أنواع التعصب والتطير.١٤

تتوزع خطة هذا المقال على ثلاث مراحل: في الأولى نُحدِّد مفهوم الثيوديسا بوصفها تأويلًا للشر في التاريخ دفاعًا عن العدل الإلهي ضد الشُكَّاك والملحِدين. في الثانية نشهد كيف يُحطِّم كانط كل المحاولات الفلسفية في الثيوديسا مُستعرضًا حُججها ومُبَيِّنًا بطلانها واحدة واحدة. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة نقف على المشروع الكانطي الذي به يُحضر بنِيَّة استقبال أساسية لفلسفة الدين أي مشروع التأويلية الأصلية التي تنقلنا من مديح للحكمة الإلهية إلى تأويل للحكمة البشرية ومن اعتبار تقليدي للإله إلى تفكُّر تأويلي بالإنسان في حريته التي له، وفي قدرته على مواجهة مصيره بنفسه. أما الإله فلا نملك عنه غير مفهوم أخلاقي كافٍ لتنظيم علاقتنا بالمطلق بعامة.

(١) مفهوم الثيوديسا

الثيوديسا لفظ يتكوَّن من كلمتَين من أصلٍ إغريقي (Theo-diké) ومعناه العدل الإلهي. أما المفهوم فهو من نحت الفيلسوف الألماني ليبنتز الذي تدرَّب كانط طويلًا على التحاور مع فلسفته بوصفه لحظة أساسية في تاريخ الفلسفة الألمانية الحديثة بعامة، وبوصفه بعبارة كانط صاحب «أجمل وهْم نحتته الفلسفة.»١٥ هذا الوهم الجميل هو نظرية التناسق الكوني الموجود سلفًا في العالم وفق المشيئة الربَّانية نفسها بوصفه البِنية الأبدية الثابتة للكون.
إن هذا التناسُق الموضوع في العالم سلفًا يجعل من العالم الذي نحن فيه، وفق ميتافيزيقا ليبنتز، أحسن العوالم الممكنة. هو العالم وقد صنعه الرب على أحسن صورة وتقويم: وهْمٌ جميل فعلًا هذا الذي يجعل من عالَم يعج بالشرور في كل مكانٍ أحسنَ العوالم المُمكنة! وهْم جميل قرر كانط أن يوقظ العقل الفلسفي منه وأن يُنبِّهه إلى أن البشر قد يقبعون منذ زمنٍ بعيد في أسوأ العوالم المُمكنة. لكنَّ تنبيهَ كانط ليس من جنس شكاوى البكائيِّين ولا من جنس تشاؤم الريبيين والعدميِّين.١٦ إن كانط يُعلمنا أن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون مسافة على الإنسان أن يقطعها من أجل تحقيق التناسُق المأمول ما بين مملكة الطبيعة ومملكة الحرية. فالعالم لن يكون أحسن العوالِم المُمكنة إلا بإرادة البشر وجهدهم للتقدُّم الأخلاقي نحو مملكة الخير الأسمى. ويبدو أن الإله لا يصلُح في كل ذلك عند كانط بعبارة يوفال إلا بوصفه «ضمانة أنطولوجية لقدرة الإنسان على تحمُّل مهمته التاريخية.»١٧

كيف لكانط أن يُعلِّم العقل الفلسفي الحديث كيف يفصل ما بين الحكمة الإلهية وإرادة البشر في صنع العالم الذي لهم من دون تأثيمٍ لله ولا دفاع عن قضيته؟ ذلك هو السؤال الذي حرَّك ثيوديسا كانط قارئًا لأهم ثيوديسا فلسفية حديثة تلك التي وقَّعها ليبنتز بشكل غير مسبوق.

يتعلق الأمر إذن بكتاب محاولات في الثيوديسا (١٧١٠م)١٨ بوصفه أول توقيع فلسفي لهذا المفهوم، الذي أراده صاحبه مبحثًا في «الخير الإلهي وفي حرية الإنسان وفي أصل البشر.»١٩
والغريب هو أن ليبنتز صاحب هذا المفهوم الذي نحته على مسامع الأميرة صوفي شارلوت (Sophie Charlotte) زوجة ملك بروسيا فريديريك الثالث (Fredrick III)، لم ينشغل ولو في موقعٍ واحد من تأمُّلاته الواسعة في هذا الشأن، بتحديد مفهومه المنحوت.٢٠ أما كانط فقد افتتح مقالته «في تهافت كل المحاولات الفلسفية في شأن الثيوديسا» (١٧٩١م) على تعريفٍ دقيق لهذا المفهوم. يقول كانط: «تحت اسم ثيوديسا نعني الدفاع عن الحكمة السامية لصانع الكون ضد التُّهم التي يرفعها العقل ضدَّه مستندًا في ذلك إلى ما هو معاكس للغاية في العالم.
إننا نُسمي هذا الأمر المرافعة على قضية الله على الرغم من كون ذلك لا يعدو أن يكون أكثر من قضية عقلنا الذي وإن أقام الحجة في ذلك على جرأته فقد بقي على جهلٍ بحدوده الخاصة.»٢١ هذا التعريف يكشف لنا عن الثيوديسا بوصفها قائمة على توترٍ مضاعف يعيشه العقل متى كان مسكونًا بميلٍ إلى التطاول على ما ليس من شأنه؛ فهو توتر من جهة لأنه يكشف عن ضرب من الخصومة ما بين شُكَّاك يتَّهمون الله في عدله بسبب واقعة الشر في العالم، ومُدافعين نصَّبوا أنفسهم حماةً لله مُناصرين لعدله ولحكمته وهو من جهة ثانية توتر يعيشه العقل ما بين جرأته في ادعاء ما ليس في مُستطاعه وجهله بحدوده الخاصة.

إن الثيوديسا تنتمي إلى جنس الأقوال الدفاعية: إنها قول لا يفسر ولا يفكر إنما هو يُؤوِّل أي يُجهد نفسَه لتأويل الشر في العالَم كي يصالح بينه وبين الحكمة الإلهية نفسها. وهنا تبدو الثيوديسا تأويلًا في المعنى التقليدي للعبارة: أي الرجوع إلى الأول وهو الله ها هنا بوصفه علةً مُطلقة للعالم ولكل ما يحدث للبشر بما فيه ضروب الشرور الممكنة كلها.

إن واقعة الشر في العالم تبدو إذن بوصفها شرط إمكان كلِّ ثيوديسا، أي هي الدافع الأول إلى عملية التأويل نفسها. لذلك كانت الثيوديسا حتمًا دفاعًا، إنها بمثابة الرد على ضربٍ من التحدي الذي يرفعه الشر تجاه العقل نفسه.٢٢ إن الثيوديسا تبدو إذن بمثابة ضربٍ من التوتر الرهيب ما بين التاريخي (أي ما هو كائن) والمتعالي (أي ما ينبغي أن يكون): هو التوتر نفسه الذي يعيشه العقل الحديث ما بين العقل وقد فرغ بعدُ من ترتيبٍ علمي للطبيعة بفضل ميكانيكا نيوتن، والتاريخ الذي يجد في بِنية الشر معقوليته الخاصة، والعقل لا يتوفر مع ذلك بعدُ على علمٍ كفيل بترتيب للتاريخ البشري مثلما سيحاول بعد ذلك دلتاي ومشروع العلوم الإنسانية برمَّته.٢٣
إنه ما بين معقولية العالم منظورًا إليه بواسطة المعرفة العلمية، ولامعقولية الشر في التاريخ، وفي غياب تأويلية تحتضن مجال الفعل البشري في نشاطه الرمزي بعامة٢٤ يجد العقل الفلسفي الحديث نفسه أمام هوة مفجعة: وما أكثر الهوَّات المفجعة التي تنكشف في كل مرة أمام عقلٍ فلسفي نقدي من جنس عقل كانط.٢٥
كيف إنقاذ الظواهر؟ كيف نُنقذ معقولية التاريخ كي لا نسقط في الهوات المفجعة أي في أشكال اللامعقول من جنس الريبية والدوغمائية، أو الإلحاد والقدرية أو الروحانيات الحالِمة بأشكالها؟٢٦ هكذا تبدو الثيوديسا بمثابة تقنية العقل البشري في إنقاذ التاريخ من السقوط في اللامعقول: وهو معنى التأويل نفسه. إلا أن تاريخ البشر هو أيضًا تاريخ أديانهم أي هو تاريخ تَمثُّلهم لصانع الكون وللحكمة التي له في تصميم العالم على هذه الصورة. فإذا به عالَم مليء بالشر في كل مكان، من هنا توهَّم العقل البشري أن عليه الدفاع عن الحكمة الإلهية من أجل تبريرها وتحصينها عن الشكوك والشُّكَّاك.
لكن هل يبدو الله في حاجةٍ إلى دفاع البشر عن قداسته؟ ليبنتز كان يقول: نعم لأن في الأمر منفعة للبشر أنفسهم. ذلك أن «رسالة الدفاع عن قضية الله لا تهم المجد الإلهي فحسب، لكنها تمس أيضًا منفعة الناس …».٢٧ أما كانط فلا يرى أي دورٍ تربوي موجب للثيوديسا: فهذا الدفاع المزعوم على قضية الله، أي هذه الممارسة الباطلة لتقنية التأويل لا تُعبر إلا عن جهلٍ للعقل بحدوده الخاصة.

(٢) حدود الثيوديسا الدوغمائية

إذا كانت الجدلية المُتعالية من نقد العقل المحض (١٧٨١م) قد أتقنت لعبة التحطيم النظري للميتافيزيقا التقليدية بواسطة استراتيجية نقيضات العقل المحض،٢٨ حيث يرد كانط كل التراث الميتافيزيقي إلى أربع أطروحات متناقضة تتهافت الواحدة بعد الأخرى أمام محكمة العقل، فإنه يبدو أن مقالته «تهافت كل المحاولات الفلسفية في شأن الثيوديسا» (١٧٩١م) تنوي إنجاز مهمة مُماثلة وأن الثيوديسا ستجد مصيرًا مماثلًا لقريبتها الميتافيزيقا. إننا سنشهد كيف يرد كانط في هذه المقالة كل المحاولات الفلسفية في شأن الثيوديسا إلى تسع مُرافعات يُبطلها كانط الواحدة تلوَ الأخرى بتسع تبكيتات.

هل سيستعمل كانط إذن حيلةَ النقيضات مرة أخرى لتطهير الفلسفة من الثيوديسا الدوغمائية؟

يبدو أن الأمر أبعد من محبة كانط للتساوق والتناسب داخل النسق. لأننا نتحرك هنا خارج معماريات العقل المحض أي خارج منطقة المتعالي الخالص من كل تجربةٍ ومن كل تاريخ، إنما نحن في منطقة التاريخي في تجاربه وحدثيته وأمبيريقيته المطلقة: ها هنا الإنسان كواقعة وها هنا الشر في أشكاله المختلفة. ألم يقُل كانط في أحد تخميناته حول بداية التاريخ البشري (١٧٨٦م) «إن تاريخ الطبيعة يبدأ إذن بالخير لأنه صنعة الإله، أما تاريخ الحرية فهو يبدأ بالشر لأنه صنعة الإنسان.»٢٩

أي تأويل يُعطيه كانط للشر ما دام هو بداية التاريخ البشري وعلامة على الحرية وعلى صنائع الإنسان بل هو ما به يتميز الإنسان عن الآلهة، وهو في الآن نفسه شرط إمكان كلِّ ثيوديسا؟

يصنف كانط الشر في العالم إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول هو صنف الشر نفسه أي الشر في الدلالة التامَّة له، وهو الشر الأخلاقي الذي يتجلَّى في الخطيئة. أما الصنف الثاني فهو الشر الفيزيائي الذي يتجلى في الألم والمُعاناة. وأما الصنف الثالث من الشرور فهو صنف الشر الناجم عن عدم التناسُب ما بين الجريمة والقصاص.٣٠

بهذه التأويلية التي يقترحها كانط لمسألة الشر يُهيئ فيلسوفُ الثيوديسا الأصيلة فضاءَ استقبال لطريقته في تطهير الفلسفة من الثيوديسا النظرية. يتسع فضاء الاستقبال الذي هيَّأه كانط إلى ما يلي:

  • (١)

    ثلاثة اعتراضات ناتجة عن الشرور الثلاثة وتقصد التشكيك في صفات الله.

  • (٢)

    تسع مرافعات ترد كل ثلاثٍ منها على اعتراضٍ يمسُّ بصفة من صفات الله.

  • (٣)

    تسعة تبكيتات يسوقها كانط لإبطال الثيوديسا جملةً وتفصيلًا.

أما عن الاعتراضات فهي بعدد أصناف الشرور ويُوجهها العقل البشري ضد القداسة والخير والعدل الإلهي.

الاعتراض الأول ضد القداسة الإلهية التي تتعارض مع أهم أنواع الشرور أي الخطيئة. إذن أية قداسة إلهية تلك التي تسمح بارتكاب الخطيئة؟

أما الاعتراض الثاني فيرفعه العقل ضد الخير الإلهي الذي يتعارض مع النوع الثاني من الشر، أي الألم والمُعاناة التي يشكو منها عدد لا يُحصى من الكائنات العاقلة. فأي خير ذاك الذي عنه يصدر الألَم والعذاب؟

أما الاعتراض الثالث فهو ضد العدل الإلهي نفسه، فإذا كان الإله حاكمًا كيف لا يقتصُّ من الأشرار والمُجرمين؟٣١

أية قداسة مع وجود الخطيئة، وأي خير في وجود الألَم، وأي عدل مع انتشار الجريمة؟

وهنا يقوم الثيوديسيون مقام حُماة الإله؛ فإذا بهم يرتادون طريق التأويل فيؤلِّفون مُرافعات يُحصيها كانط كما يلي:

الرد الأول إذ يدافع عن القداسة الإلهية ضدَّ الاعتراض على الخطيئة البشرية، تقوم حُجتها الأولى على المبدأ التالي:

إن خطايا البشر ليست شرًّا مُطلقًا، وقد لا تكون شرًّا أصلًا من منظور الحكمة الإلهية. لكن كانط يرد هذه الحجَّة على أصحابها كاشفًا عن خطورتها بالنسبة إلى الأخلاق بعامَّة؛ إذ كيف لا يكون الشر البشري شرًّا تمامًا؟ وأية حُجة تلك التي تُبرر الشر الأخلاقي بتعلَّةِ أنه قد لا يكون شرًّا في ناموس الحكمة الإلهية؟

أما الحجة الثانية على قداسة الله ضد خطايا البشر فتقوم، وذلك على عكس الحجة السابقة، على تسليم الثيوديسا الدوغمائية بوجود الشر الأخلاقي لكنها تبرئ ذمة الإله وتُبرهن على استحالة منع الشر لأن أُسسه متجذرة في طبيعة البشر. لكن كانط يعكس هذا الرد ويكشف عن تهافته: فالثيوديسا تُبرر مرة أخرى الشر في العالم، وينبغي أن نكف عن تسمية هذا الشر بالشر الأخلاقي ما دُمنا لا ننسبه إلى البشر بوصفه خطيئتهم الخاصة.

أما الحجة الثالثة على قداسة الله ففيها تؤثم الثيوديسا الإنسان وتُبَرِّئ الإله. إن الشر لا يمكن أن يُنسب إلى الذات الإلهية، لكن الإله يسمح به وفق حكمة خاصة به. وكانط يدحض هذه الحجة إذ لا يليق بالإله أن يسمح بما لا يريد أن يفعل.٣٢

أما الرد الثاني على الشر الفيزيائي دفاعًا عن صفة الخير الإلهي، فيتفرع هو الآخر إلى ثلاث حُجج:

في الأولى تُبرر الثيوديسا الشرِّ الفيزيائي حيث تُقيم البرهان على أن الإنسان يُفضل العيش مع الآلام أفضل من الموت، وأن الحياة السعيدة أكثر قيمةً من المُعاناة الناجمة عن الألَم.

وكانط يدحض هذا التفاؤل ويرى أن التعاسة والمعاناة تسود حياة البشر.

وفي الثانية تقول الثيوديسا بأنه لا يمكن أن نفصل في حياة البشر بين اللذة والألم. وكانط يرد بأن ذلك يجعل صنعة صانع الكون خُلفًا ولا معنى لها ولا تليق بالإله؛ إذ لماذا دعانا الخالق إلى الحياة إذا كانت الحياة لا تستحقُّ أن تُعاش؟

أما الحجة الثالثة فهي تجعل من الألم والتعاسة في العالم الحالي طريقًا ووعدًا بالسعادة في عالمٍ أفضل. وكانط يكشف عن بطلان هذه الحجة ببيان خُلف العلاقة ما بين عذاب الدنيا وسعادة الآخرة.

أما الرد الثالث الخاص بالدفاع عن العدل الإلهي ضد عدم التناسُب ما بين العقوبة والقصاص فيسوق الثيوديسيون ثلاث حجج:

الأولى ترفض القول بأن المُجرمين لا يعاقبون، ذلك أنهم وإن لم يُعاقَبوا في أملاكهم فإنهم يُعاقَبون في ضمائرهم. وكانط يردُّ ساخرًا أنه لا ينبغي أن نصنع وهمًا حول الضمير الطيب للأشرار.

أما في الحجة الثانية؛ لو فرضنا بعدم التناسُب ما بين الجريمة والعقوبة، فذلك أمر لا يريده صانع الكون، إنما يسمح به فقط من أجل إبراز عظمة الفضيلة. لكن كانط يرد: إن مُعاناة الإنسان الفاضل ليست حجة مُطلقة على الفضيلة بعامة.

أما الحجة الثالثة والأخيرة فهي ترى بأن ما نشهده في العالم الحالي ليس هو نفسه ما سوف يكون في العالم الآتي؛ حيث يتناغم الكل داخل التناسق الكامل. لكن كانط يرى أن هذا المبدأ لا يُبرر العدل الإلهي الذي لا يُمكنه أن يقوم على مجرد وعودٍ لمُستقبل لا يمكن التحقق منه.٣٣
تلك هي إذن الثيوديسا جملةً وتفصيلًا مثلما ارتضى كانط أن يعرضها في مشهدٍ درامي يعكس تأرجح العقل التأويلي ما بين نزوعه المُشِطِّ نحو الإحاطة بالمُطلق وعدم وعيِه بحدوده الخاصة وبتناهيه المحتوم. هو عرض درامي يُنهيه كانط بحسمٍ في الثيوديسا غير مسبوق: «لم تستطع أي ثيوديسا إلى حدِّ الآن أن تفي بما وعدت به.»٣٤
لقد وعدت الثيوديسا بتبرير العدل الإلهي فإذا بها لم تفعل غير تبرير الشر البشري وتحولت بذلك إلى وعيدٍ بتحطيم الأخلاق نفسها. إنها في تشخيص كانط ثيوديسا «يظهر فيها الدفاع أقبح من الهجوم، وهو دفاع لا يحتاج حتى إلى الدحض، ويُمكننا بكل ثقة أن نترك هذا الأمر إلى لعنة أيٍّ كان له أدنى إحساس أخلاقي.»٣٥

هكذا أنجزت مقالة ١٧٩١م ما ارتضته عنوانًا لها: تهافت كل المحاولات الفلسفية في موضوع الثيوديسا. إنه عنوان يُنبئ عن جرأةٍ وحسم للأمر أكثر صرامةً من عناوين كانط الخاصة بمنطقة النقد نفسها، وكأننا نتحول من نغمة النقد الرصينة إلى إيقاع الدحض والتبكيت الخصامي. كل محاولات الفلسفة في الدفاع عن الحكمة الإلهية وتبريرها تبدو إذن لكانط مُتهافتة تمامًا، وذلك تحت وقع ضربٍ من التذويب اللغوي لكل الثيوديسات الفلسفية بردها إلى مجرد عراك ألفاظ أو بعض من الحجج التي لا تستحق حتى دحضها من فرط هشاشتها وبطلانها المفضوح. لكن ضد مَن يختصم كانط؟ أي فلاسفة أولئك الذين يتهافتون تحت قلم كانط وبمجرد مرورهم أمام عدسة العقل النقدي؟

يتعلق الأمر بجميع من كتب ثيوديسا، وبجميع من ادَّعى نفسه مُحاميًا على الذات الإلهية وبجميع من جعل من التأويل خادمًا للإله بدلًا من الاشتغال بما ينفع البشر أنفسهم بوصفهم المسئول الوحيد عن إتيان الشر في العالم، متميزين في ذلك عن الآلهة أنفسهم.

إلا أن تاريخ الفلسفة الألمانية الحديثة لا يذكر من الثيوديسيين الفلاسفة إلا ليبنتز، أما كانط نفسه الذي لا يمكن أن يكون مُختصمًا ها هنا إلا إلى ثيوديسا صاحب أروع أوهام الفلسفة، فإنه لا يأتي على ذكر ليبنتز أصلًا في مقاله عن تهافت الثيوديسا؟٣٦
والغريب في الأمر هو أن كانط نفسه كان قد اشتغل ذات يوم من حياته الفلسفية بالنوع نفسه من الثيوديسا التي يُبكِّتها تبكيتًا ها هنا وكأنه يرسم بذلك لنفسه أولًا خط اللاعودة إلى مثل هذا المقال؛ فكانط قد اشتغل على الثيوديسا بينما كان بصدد أول درسٍ له يُخصصه للمسألة الدينية وذلك في سداسي شتاء ١٧٨٣-١٧٨٤م، وقد كان صنَّف نفسه في المقام نفسه الذي لثيوديسا ليبنتز من دون أن يطرح على نفسه، وهو بصدد فحص أشرف علوم الميتافيزيقا منذ أرسطو٣٧ أي الثيولوجيا أو علم معرفة الإله، أن يفحص طبيعة هذا الخطاب وأن يرسم له حدوده.٣٨ ذلك أن كانط كان يفتقر حينها إلى الأدوات الكفيلة بحسم علاقة الإنسان بالإله، أما وقد توفَّر، بعد كتاب نقد العقل العملي ١٧٨٨م، على بِنية الاستقبال الكفيلة باحتضان مفهوم الإنسان في المملكة التي له، أي مملكة الحرية، فهو قادر بعد على الحسم في الثيوديسا التي كانت تجعل من الإله قِبلةً لها، في اتجاه بناء ثيوديسا إنسانية أو هي بعبارة مرحة لنيتشه «إنسانية جدًّا». صفوة القول إنَّ حسم كانط في الثيوديسا النظرية لم يكن بحسمٍ ثيولوجي ينوي الرد على ثيوديسا قديمة بثيوديسا جديدة مثلما كان يحدث مع الثيوديسيين في عصره وأشهرهم ليبنتز الذي كتب ضد ثيوديسا بايل٣٩ وهوبز الذي كتب ضد اللاهوتي برمهال Jean Bramhell.٤٠
إنه إذن ومن أجل بناء مفهوم جديد للتأويل يُناظر المفهوم النقدي للمعرفة وللتفكير كان على كانط إنجاز نقلة نظرية حاسمة في موضوع التأويلية وفي منهجها وفي أهدافها القصوى، حيث ننتقل في مستوى الموضوع من اعتبارٍ تقليدي للإله إلى تسليمٍ عملي به بوصفه علة أخلاقية للعالم. أما في مستوى الطريقة فنتحول من الدفاع عن العدل الإلهي إلى تدبير عملي للشر البشري. وأخيرًا ننتقل من أفق ثيوديسا نظرية تشتغل في إطار تبرير الفلسفة من وجهة نظر العقيدة٤١ إلى ثيوديسا عملية تنظر إلى الدين في حدود العقل البشري.٤٢

(٣) نحو ثيوديسا أصيلة

يميز كانط في مقالة «التهافت» بعد أن فرغ من حسم أمر المفهوم السائد في عصره عن التأويل، ما بين التأويل الدوغمائي الذي يُحوِّل صنعة التأويل إلى مذهبٍ أي إلى عقيدة جديدة، والتأويل الأصيل وهو الأفق الذي ينوي كانط أن يفتتِحه لاشتغال فلسفي نقدي على التأويلية بعامة. إن كانط يقترح علينا إذن ثيوديسا أصيلة في مقابل ثيوديسا مذهبية، إنه إذن لا ينوي التلفُّت عن صنعة التأويل لما أصابها من شططٍ ودوغمائية هي المصير المحتوم لكل قول يجعل من نفسه مذهبًا. فكانط هنا إنما يمنع الفلسفة من تأسيس مذاهب في التأويل، لأنه متى تحوَّلت التأويلية إلى مذهبٍ سقطت في التاريخ ما قبل النقدي للعقل وأصبحت حتمًا أرشيفًا من أرشيفات فلسفةٍ مضى زمانها وولَّى.

ليس التأويل إذن دفاعًا عن العدل الإلهي ولا هو بالتفسير العالم للقصص والنصوص المقدسة، إنما ينبغي أن يكون تدبيرًا عمليًّا لعلاقة الإنسان بالمطلق. فالتأويلية التي يقترحها كانط تفترق بشدة عن التأويلية العالمة لسبينوزا التي تعتبر التأويل ضربًا من المعرفة العالمة بالنص المقدس،٤٣ مثلما تختلف التأويلية الأصيلة لكانط عن التأويلية الدوغمائية لليبنتز التي جعلت من التأويل تقنيةَ دفاع عن الحكمة الإلهية. فكانط هنا يؤصل لدلالة مخصوصة في التأويل: ينبغي أن يكفَّ عن اعتبار التأويل في علاقة حتمية بقضية الله، إنما هو قضية العقل البشري نفسه: مع كانط لم تَعُد البشرية في حاجة إلى بُكائيين جُدد ولا إلى ناظمي ملاحم، إنما نحتاج إلى ثيوديسا عملية تعمل تحت سيادة العقل العملي وسلطته القطعية المطلقة.

إنها تأويلية أصيلة وأصالة التأويل فيها تُقال على معانٍ ثلاثة:

  • أولًا: هي أصيلة لأنها على الرغم من كونها لا تستند على التقليد الفلسفي للتأويل، فهي تتأصل ضمن طبيعة العقل البشري نفسه بوصفه قدرة عامة على التشريع لعلاقته بالعالم مهما كانت طبيعة هذه العلاقة. وهنا للتأويل أصوله في العقل العملي الذي ينجح دومًا فيما يفشل فيه العقل النظري: وحده العقل العملي هو من يملك عن الإله فكرة سابقة عن كلِّ تجربة وعن كل تعقل نظري.٤٤ فالإله من منظور الحكمة البشرية هو مُسَلَّمة من مُسلَّمات العقل العملي، بل إن العقل العملي نفسه هو، حسب كانط، الوحيد القادر على إعطاء الدلالة كلها لصنعة الله ومقاصده.

    وهنا ينقلنا كانط من الثيوديسا النظرية إلى الحكمة العملية لتدبُّر علاقة الإنسان بالمطلق.

  • ثانيًا: والتأويلية الكانطية لن تكون أصيلة إلا ضمن الأفق الأخلاقي لمفهوم الإنسان نفسه. وهنا إزاحة كانطية للثيوديسا عن اعتبار تقليدي للإله إلى اشتغال نقدي على مفهوم الإنسان ما دام الإنسان هو سؤال الفلسفة ومدارها الأصيل الذي تسبح في فلكه.

    إن الإله الذي يتبنَّاه العقل العملي في ثيوديسا كانط هو عِلَّة أخلاقية تجعل الأمل في الخير الأسمى دافعًا لتقدُّمٍ أخلاقي بشري في اتجاه مملكة الغايات، حيث المصالحة ما بين سعادة البشر ومطلب الفضيلة الأخلاقي.

    وقد نجدها هنا في عبارة ليوفال، ما يتوافق تمامًا مع المقصد الكانطي: «ينبغي أن ننظُر إلى الله وكأنه القدرة التي تضمن التقدُّم التاريخي في المعنى التام للكلمة.»٤٥
    وهنا تنقلنا التأويلية الأصيلة وفق عبارة لبلفال (Belaval) من الثيوديسا إلى الأنثروبوديسا.٤٦
  • ثالثًا: أما الدلالة الأخيرة للتأصيل الكانطي لمفهوم التأويل ففريدة من نوعها؛ إذ نرى كانط وفي حركة تأويلية رشيقة، يرجع بنا إلى الأصول الأولى للتاريخ الروحي باحثًا في أناجيل العهد القديم عن عبارة أصيلة للتصوُّر الذي هو بصدد بنائه عن التأويل. يتعلق الأمر بالعودة إلى سِفر أيوب من الكتاب المُقدس حيث يقول كانط: «إنني واجد مثل هذا التأويل الأصيل، مُعبَّرًا عنه مجازًا، في سِفر من أسفار العهد القديم.» هو سِفر أيوب.٤٧ وهنا نشهد كيف يُقدِم كانط على حركة تأويلية مضاعفة لا يُتقنها غير الراسخين في العلم: إنها مُمارسة التأويل الأصيل تجسيدًا له واختبارًا، وذلك على عينةٍ هي بدورها مثالًا أو نموذجًا أو مجازًا على التأويلية الأصيلة نفسها.

    إن هذه العودة إلى التراث الروحي هي بدَورها تأويلًا وتأصيلًا في آنٍ معًا. ذلك أن كانط برفضه الانخراط في مذهب التأويلية السائدة في عصره، لا يرفض ضرورة أي اشتغال على التأويل ولا يرفض ضرورة وحتمًا الاشتغال على الكتاب المقدس، إنما تراه يستعمل النصوص المقدسة استعمالًا مخصوصًا؛ إذ يبحث فيها عمَّا يشهد على تصوُّره الأصيل لفعل التأويل نفسه.

    يروي لنا كانط قصة أيوب، مثلما ترويه لنا أسفار الكتاب المقدس، على أنه رجل ميسور رزقَه الربُّ نعم الحياة كلها وكان تقيًّا نزيهًا يضرب به الله الأمثال، إلا أن الرب شاءت حكمته، وذلك بإيعاز من شيطان ماكر، مثلما ترويه الحكاية نفسها٤٨ أن يمتحنه في تقواه فأفقده كل أولاده وأملاكه، ودخل أيوب بذلك في محنةِ الشرِّ المطلق التي عليه أن يتدبَّرها بنفسه بحكمة بشرية خالصة. فالحكاية كلها تدور بين أيوب في تدبُّره للشر الذي أصابه، مجازًا عن الإنسان الذي عليه أن يُواجِه مصيره بضربٍ من تدبيره المُتوحِّد، والطريق التي بها يتملَّق أصحاب أيوب٤٩ الإله وكأنه يُشبههم وكأنه يسمعهم وكأنه سيكافئهم.

إنها إذن ملحمة تراجيدية يجد كانط مغزاها الأصيل في هذا الفرق ما بين أيوب، مجاز الإنسان الأصيل الذي لا يطلب من الإله شيئًا غير براءته، وأولئك المُخادعين الذين يُتاجرون في الله ويتملَّقونه مُتوهِّمين أنه إله على مقاس ضعفهم وجَشَعهم الفظيع.

يظهر أيوب إذن في تأويل كانط في صورة الحكيم الذي اقتدر على تحدِّي الشر ومقاومته؛ إذ كان عليه أن يردَّ على استنكارٍ شيطاني قبيح.

«أَمَجَّانًا يتَّقي أيوب الله؟»٥٠ وكان أيوب في كل ذلك يخاطب أصحابه قائلًا: «وأودُّ أن أُجادل الله أما أنتم فإنما تُطلون بالكذب …

أَلِإِرْضاءِ الله تتكلَّمون بالظُّلم أم لأجله تنطقون بالخداع؟

ألعلَّكم تُحابونه أم عن الله تخاصمون؟»٥١ لقد وجد كانط في هذا الجدال ما بين أيوب وأصحابه مجازًا لما يُنجزه هو بنفسه ضد أصحاب التأويل في عصره.
إن أصالة ثيوديسا أيوب، كما تتملَّكها التأويلية الأصلية لكانط تكمُن في سموِّ حكمة بشرية خالصة قائمة على صفاء العنصر الأخلاقي الصادق النزيه على تملُّق «أولئك الذين كانوا يلبسون بهارج الحق الإلهي»٥٢ فتراهم يتهافتون على تملُّق الله بُغية مكافأة ينتظرونها منه. ضد أولئك المُنافقين الذين يجادلون في الله من غير عِلم، ينتهي أيوب إلى «أن مخافة الرب هي الحكمة واجتناب الشر هو الفطنة.»٥٣

إن كانط لا يرجع إذن إلى الكتاب المقدس من أجل تفسيره ولا من أجل الدفاع عن حكمة الله الثاوية فيه. إنما هي عودة إلى الأصول من أجل البحث عن مجاز حي هو بمثابة المثال عن تأصُّل الأخلاق في الماهية الأصلية الخالصة للإنسان.

ذلك أن العنصر الأخلاقي الأصيل هو أداة البشر الوحيدة في مقاومة الشر واجتنابه. إن مجاز أيوب ها هنا يؤصل ويجوز العبور من ثيوديسا دوغمائية تُبرر الطرق الإلهية بمقياس قواعد الأخلاق البشرية وتُكيف الله على خطايا البشر وأوهامهم، إلى ثيوديسا أصيلة تصقل في الإنسان كل المُمكن الذي بحوزته وتدفعه إلى بناء مصيره بنفسه. أما علاقة الإنسان بربه فهي علاقة محض أخلاقية يمكن أن نعول على الذات البشرية لحلها عن طريق العقل العملي المجهَّز بكل التقنيات اللازمة لإدراك اللامشروط وللتعلق بالمطلق، أما عن تجربة الشر نفسها فيبدو أنها بحسب تأويلية كانط الأصيلة، تجربة لا تتطلب اعتبارًا ولا تبريرًا ولا تملُّقًا ولا بكاءً. إنما هي تتطلب حكمة عملية على مستوى الشخص نفسه، الذي عليه أن يصقل في نفسه عنصره الأخلاقي الخالص من أجل أن يعمل على اكتمال إرادته نفسها وهو ما فعله أيوب أو الإنسان الأصيل كما أرادته تأويلية كانط.

خاتمة

لقد حضرت بذلك مقالة: «في تهافت كل المحاولات الفلسفية في موضوع الثيوديسا» (١٧٩١م) معالم تأويلية أصيلة سوف تجد اكتمالها الأتم في أهم الكتب التي أتاها كانط في شيخوخته الفلسفية أي كتاب «الدين في حدود مجرد العقل» (١٩٧٣م).

ويُمكننا تلخيص معالم الثيوديسا الأصيلة مثلما أسستها مقالة ١٧٩١م في النقاط التالية:

  • أولًا: هي تأويلية أصيلة تجد في العقل العملي مجالها الشرعي الوحيد وفي الأفق الأخلاقي للإنسان غاياتها القصوى وفي التاريخ الروحي للبشر مجازًا أصيلًا يجوِّز العبور من الفكرة الأخلاقية، مِثلما يُشرِّع لها العقل العملي، إلى الواقعة التاريخية الحية.
  • ثانيًا: هي تأويلية أصيلة، وقد نجد في عبارة شاعت تحت قلم كارل أوتو آبل، أي عبارة «تأويلية مُتعالية»، استبصارًا أصيلًا بمقصد كانط: إذ هي تنبني على شروط الإمكان الثاوية في العقل العملي الخالص بعيدًا من ضروب الخرافة أو المعجزة أو شتَّى الأوهام البشرية الحالمة.
  • ثالثًا: هي إذن تأويلية أصيلة مُتعالية تحفظ كرامة الفلسفة ولا تُبقي من الدين إلا ما تراه صالحًا لمنافع العقل وغاياته السامية.
  • رابعًا: وهي تأويلية أصيلة مُتعالية لأنها قائمة على مكاسب الفلسفة المُتعالية التي تدحض كل ادِّعاء بإمكانية تخطي العقل البشري حدود التجربة البشرية المتناهية، لأن في ذلك خطر السقوط في الدوغمائية والمذهبية بأشكالها، مثلما ينتبه إلى ذلك، بعد كانط، روَّاد نقد الأيديولوجيات من قبيل أدرنو وماركوز وهابرماس.
  • خامسًا: وهي تأويلية أصيلة مُتعالية تحفظ العنصر الأصيل الخالص في الإنسان، وتُعَوِّلُ على قُدرته في سدِّ الطريق أمام كل أوهام العقل الناجمة عن التطرف بأشكاله: لاهوت متطرف أو مادية بلا روح.
  • سادسًا: وهي تأويلية أصيلة متعالية تنقلنا من علاقة تقليدية مع المقدس إلى علاقة حديثة معه، فلا ينبغي على البشر أن يستعملوا من المقدس إلا بقدْر ما ينفع الناس، أما ما تبقى فليس من شأن البشر أصلًا.
  • سابعًا: هي تأويلية أصيلة مُتعالية تُحولنا من تبريرٍ للشر عن طريق الحكمة الإلهية مُستلفةً بذلك من الله ما به يُسدد الشر ضعفهم وخطاياهم التي لا تُحصى عددًا، إلى تأويل للشر البشري بوصفه فعلًا ناتجًا عن حرية الإنسان نفسها.
فما أحوج الإنسان اليوم إلى مثل هذه الثيوديسا الإنسانية الأصيلة التي، إذ تَرُدُّ إلى الإنسان ماله، تردُّ عنه في آنٍ معًا ضروب التطرُّف والشطط في استعمال الإنسان نفسه، وهو تطرف وشطط لم يفعل منذ قرنَين من الزمن إلا أن ضاعف كمية شرور البشر بأنواعها الثلاثة: الشرور الأخلاقية، وتعاسة البدن، وانتشار الجريمة والظلم بأشكاله. فأية لوحة تلك التي يرسمها الإنسان الحالي عن نفسه، وبأي الألوان سوف يُزيِّنها وهو في كل ذلك قد ضيَّع، منذ زمنٍ، كل حِيَلِهِ القديمة في مقاومة الشر وتبريره: صكوك الغفران لتبرير الخطيئة، وتقوى النفس للتغلُّب على آلام البدن، والحلم بالمدينة العادلة من أجل نقاهة نفسية تجاه مختلف أشكال الظلم والجريمة. وفي غياب العدل الإلهي وانحسار مناطق العدل البشري أليس حقيقًا بالفلسفة أن تشتغل على ثيوديسا إنسانية جديدة تُخفِّف على البشر من وطأة «صدام الأصوليات»؟٥٤
١  إن هذا المجاز الجغرافي يجد ما يُبرره في نهاية التحليلية المُتعالية من كتاب نقد العقل المحض لكانط. انظر:
E. Kant, Œuvres Philosophiques I, Paris, Gallimard, 1980, p. 970.
٢  المقصود بذلك هو العقل بوصفه ذهنًا أي «ملكة قواعد» قادرة على بناء معرفة بالظواهر الطبيعية وذلك في حدود الحدوس الإستطيقية والمقولات ورسومات المخيلة. انظر:
E. Kant, Ibid., p. 1425.
٣  إنه الأفق العملي الذي ينتهي إليه كتاب نقد العقل المحض بوصفه المعنى الموجب والوحيد للتفكير عند كانط. انظر:
Ibid., pp. 1364–1376.
٤  وهو المعنى الذي يتجلَّى في نقد ملكة الحكم ١٧٩٠. انظر:
E. Kant, Œuvres philosophiques II, Paris, Gallimard, 1985, pp. 863 sq.
٥  Ibid., p. 853.
٦  عبارة مأثورة عن شوبنهاور.
٧  E. Kant, Œuvres philosophiques, II, op. cit., p 1365.
٨  Paul Ricoeur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” in Lecture 3: Aux frontières de la philosophie, Paris, seuil, 1994, p. 19.
ونجد لدى فيلوننكو Philonenko رأيًا مُشابهًا، نجد له صدًى في كتابه الهام حول مؤلَّف كانط حيث يلاحظ فيلوننكو غياب مقولة الشر الجذري في المؤلَّفات النقدية التي لم يكن كانط ليشتغل فيها إلا على مفهوم الواجب المحض؛ ذلك لأن الشر هو بالضبط «عجز البشر عن تحويل قواعد أفعالهم إلى قوانين كونية.» وهو عجز لا نعثُر عليه إلا في التجربة التاريخية للبشر وعليه يُمكننا التمييز لدى كانط إذن ما بين منطقة النقد المُتعالية ومنطقة التاريخ في شروره الجذرية وأمبيريقيته المُطلقة. قارن في هذا الشأن:
A. Philonenko, L’œuvre de Kant, II, Paris, Vrin, 1972, pp. 224 sq.
٩  Paul Ricoeur, op. cit., Jean Greisch, “Herménatique et métaphysique,” in Comprendre et Interpréter, Paris, Beauchesne, 1993, p. 404.
١٠  Karl-Otto Apel, Discussion et responsabilité I, L’ethique après Kant, p. 62.
١١  E. Kant, Œuvres philosophiques, II op. cit., pp. 1393–1413.
١٢  Jean Grondin, “L’herméneutique positive de Paul Ricœur: du temps au Récit,” in L’horizon herméneutique de la pensée contemporaine, Paris, Vrin, 1993, pp. 179–192.
١٣  فيما يتعلق بالتناول النظري لمسألة الشر بوصفه مشكلًا سياسيًّا أساسيَّا، نُحيل بخاصة إلى أبحاث المفكر العربي مُطاع صفدي. راجع: م. صفدي، نقد الشر المحض: نظرية الاستبداد (دار الإنماء القومي، بيروت، ٢٠٠١).
١٤  وهي رسالة النقد الأساسية كما عبر عنها كانط بنفسه في التصدير الثاني من نقد العقل المحض قائلًا: «بهذا النقد وحدَه يمكن أن تقتلع من الجذور: المادية والقدرية والإلحاد والزندقة والتعصب والتطير، أي كل ما يمكن أن يُصبح مضرًّا بعامة، وأخيرًا أيضًا المثالية والريبية اللتان تُهددان المدارس بخاصة، حيث يصعب انتشارهما بين الجمهور.» انظر: كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الإنماء القومي، بيروت، ١٩٨٩، ص٤٠.
E. Kant, Œuvres philosophiques, I. op. cit., p. 751.
١٥  E. Kant, Œuvres philosophiques III, Paris, Gallimard, 1986, p. 1238.
١٦  Fabio Ciaramell, “Du mal radical à la banalité du mal. Remarques sur Kant et Arendt,” in Revue philosophique de Louvain, N° 3 (Août 1995), pp. 392–407.
١٧  Y. Yovel, Kant et la philosophie de l’histoire, traduit de l’américain par Jacqueline Lagrée, Paris, Klincksiek, 1989, p. 65.
١٨  Leibniz, Essais de théodicée, sur la bonté de Dieu, la liberté de l’homme et l’origine du mal, Paris, GF Flammarion, 1969.
١٩  وقد كتب ليبنتز محاولاته في الثيوديسا باللغة الفرنسية «اختيارًا منه لقرائه الذين لا يُريدهم من القائمين على خدمة اللاهوت ولا من مُوظفي الفلسفة.» وثيوديسا ليبنتز هي ردٌّ على آراء بايل Bayle في مسائل أساسية شغلت بال عقول القرنَين السابع والثامن عشر من قبيل الحرية والضرورة وأصل الشر والعدل الإلهي. إلا أن محاولات ليبنتز في الثيوديسا لم تقتصر على مناقشةٍ لصاحب المعجم التاريخي والنقدي بل امتدَّت إلى الرد على كل تراث علم الكلام المسيحي بعامة. انظر التقديم الذي كتبه جاك برنشفيك لمحاولات في الثيوديسا:
Leibniz, op. cit., pp. 9–19.
٢٠  إلى درجة أن الكثير من معاصري ليبنتز قد ذهب في اعتقاده أن ثيوديسا هي اسم لشخصٍ أي هو الاسم المُستعار الذي اتَّخذه ليبنتز لنفسه لنشر مؤلَّفه. انظر المصدر السابق ص١٠.
٢١  E. Kant, Œuvres philosophiques II, op. cit., p. 1393.
٢٢  P. Ricœur, “Pour une herméneutique philosophique de la religion: kant,” op. cit., p. 20.
٢٣  Jean Greisch, “Herméneutique et métaphysique” in Comprendre et interpréter, op. cit., pp. 406–408.
٢٤  H. G. Gadamer, l’art de comprendre, Écrits II, Herméneutique et champ de l’expérience humaine, Paris, Aubier, 1991, pp. 329 sq.
٢٥  وكلمة Abîme الهوة أو الهاوية تتكرَّر مرات عدة في المؤلف النقدي:
E. Kant, Œuvres philosophiques, op. cit., I, p. 318, II, p. 929, III, p. 170.
٢٦  E. Kant, “Rêves d’un visionnaire expliqués par des rêves métaphysiques,” in Œeuvres philosophiques I, op. cit., pp. 528 sq.
٢٧  Leibniz, Essais de théodicée, op. cit., p. 425.
٢٨  G. Lebrun, Kant et la fin de métaphysique I, Paris, Armand Colin, 1970, pp. 69–89.
٢٩  E. Kant, Œuvres philosophiques II, op. cit., p. 511.
٣٠  Ibid., p. 1395.
٣١  وهنا نلاحظ كيف يختلف كانط عن التصنيف الذي قدمه ليبنتز للشر حيث يميز ليبنتز بين: (١) الشر الميتافيزيقي الذي يتمثل في نقص الإنسان وتناهيه، وهو عنده أتمُّ أنواع الشرور. (٢) والشَّر الفيزيائي. (٣) والشر الأخلاقي أي الخطيئة. أما كانط فلا يأتي على ذكر الشرِّ الميتافيزيقي لأن الشرَّ الأخلاقي موضوعة عملية محضة، وهو على عكس ليبنتز يعتبر الشر الأخلاقي هو أسوأ أنواع الشرور وأقصاها. انظر حول تصور ليبنتز للشر:
Leibniz, Essais de théodicée, op. cit., pp. 116-117.
٣٢  وهنا يرد كانط مباشرة على حجة أساسية أقامها ليبنتز للمصالحة ما بين الشرِّ البشري والعدل الإلهي، وهي حُجة قائمة على السماح للإله بالشر من دون فعله. انظر الفقرة ٢٢ من القسم الأول من ثيوديسا ليبنتز.
Leibniz, op. cit., p. 117.
٣٣  Leibniz, op. cit., p. 117.
٣٤  Ibid.
٣٥  bid.
٣٦  ولعل كانط في ذلك إنما يريد أن يكون وفيًّا لمبدأ أساسي من مبادئ الفلسفة النقدية، وهو الذي ضبطه التصدير الأول من نقد العقل المحض من حيث أن النقد «ليس نقدًا للكتب والأنساق إنما هو نقد لقدرة العقل بعامة». انظر:
E. Kant, Œuvres philosophiques I, op. cit., p. 728.
٣٧  Aristote, La métaphysique, Paris Vrin, 1981, Livre E, 1, 25–30, p. 334.
٣٨  E. Kant, Leçons sur le théorie philosophique de la religion, Livre de poche, 1993, pp. 151–157.
٣٩  انظر بخاصة القسم الثاني من ثيوديسا ليبنتز حيث يُخصصه للرد على آراء بايل في العدل الإلهي.
Leibniz, op. cit., pp. 164–261.
٤٠  Leibniz, op. cit., p. 374.
٤١  Ibid., p. 50.
٤٢  مثلما يؤسس له كانط في كتابه الدين في حدود مجرد العقل (١٧٩٣).
٤٣  Y. Yovel, op. cit., p. 174.
٤٤  E. Kant, Critique de la raison pratique, in Œuvres philosophiques II, op. cit., p 759.
٤٥  Y. Yovel, op. cit.
٤٦  Pierre Beleval, “La théorie kantienne du mal radical: un conflit des interprétations,” in Interprétations de Kant, Cahiers Éric Weil III, Lille, Presse universitaire, s.d., p. 187.
٤٧  E. Kant, Œuvres philosophiques II, op. cit., p. 1405.
٤٨  الكتاب المقدس، دار المشرق، بيروت، ١٩٩٧، «سفر أيوب»، ١ / ٨ ص١٠٥٣.
٤٩  وهم أليفاز التماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماتي قدموا إلى أيوب لرثائه وعزائه في محنته. انظر المصدر نفسه، «سفر أيوب»: ١١ / ٢ ص١٠٥٥.
٥٠  والنص الكامل من سفر أيوب هو: «فقال الرب للشيطان: «أملتَ بالك إلى عبدي أيوب؟ فإنه ليس له مَثيل في الأرض. إنه رجل كامل مُستقيم يتَّقي الله ويُجانب الشرَّ.» فأجاب الشيطان، وقال للرب: «أَمَجَّانًا يتقي أيوب الله؟ ألم تكن سيَّجت حوله وحول بيتِه وحول كلِّ شيءٍ له من كل جهة …؟»» انظر المصدر نفسه ١ / ٩، ص١٠٥٤.
٥١  الكتاب المقدس، المصدر نفسه، سفر أيوب: ١٢ / ٢٢، ص١٠٦٨
٥٢  المصدر نفسه، سفر أيوب: ٤٠ / ١٠، ص١١٠٢
٥٣  المصدر نفسه، سفر أيوب: ٢٨ / ٢٨، ص١٠٨٦.
٥٤  عنوان كتاب للمُفكر البريطاني المسلم طارق علي، صدر راهنًا (صيف ٢٠٠٢).