تصدير
هذه هي الترجمة العربية الكاملة لمسرحية شيكسبير «ضجة فارغة»، وهو العنوان الذي شاع في الإشارة إلى الأصل:
وهي المسرحية السادسة عشرة التي أترجمها لشيكسبير، شاعر الإنجليزية الأكبر، وهي الخطوة الطبيعية بعد كوميديا زوجتان مرحتان من وندسور، ٢٠٠٨م، حيث اطلعت على مادة علمية عن الكوميديا الشيكسبيرية تكاد تدفعني دفعًا إلى هذه المسرحية، وكنت أتصور أن مجالدتي لصعاب النثر في الكوميديا الأولى سوف تخفف بعض الشيء من صعاب النثر في هذه الكوميديا، ولكن يبدو أن لكل مسرحية شيكسبيرية صعابًا خاصة بها عند النقل إلى العربية، فكأنما لا تتوقف الدروس التي يتعلمها المترجم لشيكسبير مهما ظن أنه تمكَّن من أسلوب ذلك الشاعر ولغة عصره.
وكان من وراء اختياري دافع آخر هو حب ابنتي الدكتورة سارة عناني، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية آداب القاهرة لهذه المسرحية، حتى إنها تحفظ مواقف فيها عن ظهر قلب، وكثيرًا ما كانت تحدِّثني عن العرض الذي رأته لتلك المسرحية في القاهرة، والذي قدمته فرقة إنجليزية زائرة. وأنا مدين للدكتورة سارة بأكثر من هذا؛ إذ أهدتني جميع الطبعات الإنجليزية التي اعتمدتُ عليها، بريطانية كانت أم أمريكية، وأهدتني المراجع العلمية التي طلبتُها عن المسرحية، ومادة علمية غزيرة هضمتُها قبل الترجمة ثم استفدتُ منها في كتابة المقدمة، كما كانت تتابع عملي بالترجمة، وتقرأ ما أكتبه من المقدمة، فلها مني جزيل الشكر والامتنان.
ولم يختلف منهجي في الترجمة هنا عن المنهج الذي اتبعته في ترجماتي الشيكسبيرية السابقة، إذ كنت أبدأ بدراسة النص في ضوء شروح الشرَّاح ونقد النقاد، ثم أعكف على الترجمة، محاولًا إخراج أصدق صورة عربية ممكنة للأصل الإنجليزي، طامحًا إلى محاكاة الأسلوب، وهو المثل الأعلى الذي وضعه لي أستاذي العظيم شكري عياد، دون الخروج قَيْدَ أنملة عن المعنى الذي اتفق جمهور الشرَّاح عليه، فإن اختلفوا أخذتُ بالأرجح والأقرب إلى ذائقة القارئ العربي، ومعنى هذا أنني ترجمتُ النثر نثرًا والنظم نظمًا، وحاولت قدر الطاقة إيجاد المماثلات الثقافية للفكاهات، فإن لم أستطع أتيت بالمقابلات، ولو أن التورية ظلَّت عقبة كأداء، وتوليتُ شرح ذلك كله في الحواشي.
وفي المقدمة اكتفيت بأسماء النقاد والمحررين الذين اقتبست أقوالهم أو لخَّصتها (على ما في ذلك من مشقة) وذيَّلت الكتاب بقائمة وافية تضم الأسماء والعناوين كاملة لمن يريد الاطلاع والتوسُّع من الدارسين.
وكنت سألت صديقي العلَّامة ماهر شفيق فريد إن كانت هذه المسرحية قد تُرجِمَتْ من قبل، فقال لي إنها تُرجِمت في مشروع جامعة الدول العربية بقلم عباس حافظ، وأعارني نسخته فصوَّرتُها ونظرتُ فيها، ولا تعليق لي عليها غير أنني أحسست أنني أصبتُ في إعادة ترجمتها، خصوصًا بعد انقضاء أربعين عامًا كاملة على صدور تلك الترجمة الأولى.
ودَيْنِي للدكتور ماهر شفيق فريد، الأديب والناقد والمترجم العظيم، لا يقتصر على وقوفه بجانبي وتشجيعي على مواصلة عملي في ترجمة شيكسبير، بل ومساءلته لي حين تستغرقني أعمال أخرى، سواء كانت أكاديمية أو فنية (وهذه الثقة من عالِم مثله كفيلة بدفع أي عامل في هذا المجال الثقافي الشاق إلى مواصلة الجهد والمكابدة) ولكن دَيْنِي له يشمل إفادتي من علمه الذي لا يَضِنُّ به عليَّ قطُّ.
وأشكره بصفة خاصة على اهتمامه بقراءة مخطوطاتي ومراجعتي فيما قد أكون قد سهوتُ عنه أو أخطأتُ فيه، ولا أزال أعتمد عليه وأركن إليه، وأُعربُ عن امتناني له لقراءة مخطوط هذا الكتاب والنظر فيه قبل أن أدفع به إلى المطبعة، فله مني جليل العرفان.
القاهرة، ٢٠٠٨م