فضيلة الصبر
أسماء الصبر
ويقرر الغزالي أن الصبر تختلف أسماؤه باختلاف ما يصبر المرء عنه، فهو جماع كثير من الفضائل، أو هو نصف الايمان. فإن كان صبرًا عن شهوة البطن والفرج سُمي عفة. وإن كان في احتمال مكروه سُمي صبرًا، وضده الجزع. وإن كان في احتمال الغنى سُمي ضبط النفس، وضده البطر. وإن كان في الحرب سُمي شجاعة، وضده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب سُمي حلمًا، وضده التذمر. وإن كان في نائبة مضجرة سمُي سعة الصدر وضده الضجر. وإن كان في إخفاء كلام سُمي كتمان السر. وإن كان عن فضول سُمي زهدًا، وضده الحرص. وإن كان صبرًا على يسير من الحظوظ سُمي قناعة، وضده الشره.
درجات الصابرين
- الأولى: أن يقهر داعي الهوى، فلا تبقى له قوة المنازعة، ويتوصل إلى هذه الحال بدوام الصبر.
- الثانية: أن تغلب دواعي الهوى وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين، وهي أسوأ الأحوال.
- الثالثة: أن تكون الحرب سجالًا بين الهدى والضلال.
حكم الصبر
ويقسم الصبر باعتبار حكمه إلى فرض ونفل ومكروه ومحرم؛ فالصبر عن المحظورات فرض، وعن المكروهات نفل، والصبر على الأذى المحظور محظور، كمن تقطع يده أو يد ولده فيسكت ويصبر، وكمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته، فيصبر عن إظهار الغيرة، ويسكت على ما يجري على أهله. فهذا الصبر محرم. والصبر المكروه هو الصبر على أذى يناله بجهة مكروهة في الشرع، كنظر الأجنبي الى امرأته.
ضرورة الصبر
ويرى الغزالي أن المرء محتاج إلى الصبر في كل حال: فهو يحتاج إليه في السراء، كما يحتاج إليه في الضراء. بل هو إليه في السراء أحوج، فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية. والصبر هنا يكون بأن يراعي المرء حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة للخلق، وفي لسانه ببذل الصدق.
والطاعة تحتاج إلى صبر، لأن النفس بطبعها تنفر من العبودية. وللصبر على الطاعة ثلاث أحوال: الأولى قبل الطاعة، وذلك تصحيح النية والإخلاص، والصبر على شوائب الرياء، والعزم على الإخلاص والوفاء. والثانية حالة العمل، كي لا يفتر قبل الفراغ منه. والثالثة بعد انتهائه إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به، والنظر إليه بعين العجب.
ويحتاج المرء إلى الصبر عن المعاصي، وعلى الأخص التي صارت مألوفة بالعادة، إذن تنضاف العادة إلى الشهوة. ثم إن كانت المعصية مما يسهل فعله كان الصبر عنها أثقل على النفس، كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء، والثناء على النفس تعريضًا وتصريحًا، والمزح المؤذي للقلوب.
والصبر على أذى الناس فضيلة، وأعظم منه الصبر على أنواع البلاء: كموت الأعزة، وهلاك الأموال، وزوال الصحة.
ويرى الغزالي أن توجع القلب، وبكاء العين لا ينافي الصبر، لأن ذلك مقتضى البشرية، ولا يفارق الإنسان إلى الموت.
والذي كفى جميع الشهوات واعتزل الناس لا يستغني عن الصبر على العزلة والانفراد. ويريد الغزالي بهذا أن يؤكد احتياج المرء إلى الصبر في جميع الأحوال والأفعال.
تحصيل الصبر
ويمكن تحصيل الصبر بإضعاف باعث الشهوة، وتقوية باعث الدين. ويضعف باعث الشهوة بتقليل مادته من حيث النوع والكثرة، أو قطع أسبابه، أو تسلية النفس بمباح من جنس ما يشتهيه. ويُقَوَّى باعث الدين بأمرين؛ الأول: إطماعه في فوائد المجاهدة بالتفكر في الأخبار الوارددة عن الصبر وعواقبه. والثاني: أن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى حتى يمرن على جهاده ومقاومته.