في سكان سورية الأولين
(١) في سكانها قبل الطوفان
لا مرية في أن سورية كانت قبل الطوفان مأهولة بولد آدم، ولا نعتمد في هذا على التقليدات التي ترويها العامة عن قبر هابيل وقائين وغيرهما … إذ لا يمكن التيقن بهذه التقاليد، بل الحجة القاطعة في ذلك هي أن الحقبة التي كرت بين خلق الإنسان والطوفان، وهي ١٦٥٦ سنة بحسب النسخة العبرانية و٢٢٤٢ بحسب الترجمة السبعينية هي فوق ما يكفي لانتشار ذرية آدم في سورية القريبة من مهد الإنسانية مع طول حياة الناس قبل الطوفان، وقد رأينا أن ذرية نوح انتشرت في الآفاق سواء كان في ما بين النهرين أو أرمينيا، أو ما يقرب إليهما لأقل من الحقبة المذكورة.
(٢) في سكان سورية الأولين بعد الطوفان
من سكان سورية الأولين بعد الطوفان الآراميون أبناء آرام، وهو الخامس من أبناء سام فهؤلاء قد أقاموا بدمشق وأنحائها، وفي سورية المجوفة أي: بلاد بعلبك والبقاع وما يليهما، واتصلوا من سهول حمص وبعلبك إلى شمالي لبنان ونواحي أطرابلس والبترون وجبيل حتى بيروت على قول بعضهم، وبنو آرام عوص وحول وجاثر وماش، فعوص أقام نسله في جهة حوران واللجان … وقد سمى الكتاب هذه البلاد باسم عوص، إذ قال في فاتحة سفر أيوب: وكان رجل في أرض عوص اسمه أيوب وأما حول فأقام نفسه بين باسان والجولان حول بحيرة الحولة، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى حول المذكور، وأولاد جاثر أقاموا في إبطورية المعروفة الآن بالجيدور، وأما أولاد ماش فيظهر أنهم تخلفوا عن إخوانهم، واستمروا في ميشا في جوار نصيبين، كما يظهر أن ذرية لود أخي آرام كانت تسكن في شمالي سورية، واختلطت من أقدم الأيام مع الآراميين.
الكنعانيين
العبرانيين
وكان من ذرية إبراهيم ولوط ابن أخيه شعوب آخرون كانت مساكنهم بسورية، وهم: الموآبيون أبناء لوط من بنته الكبرى، وكانت مساكنهم في الشرق من البحر الميت، والعمونيون أبناؤه من بنته الأخرى وكانت محلاتهم في عبر الأردن، ثم الأدوميون أبناء أدوم، وهو عيسو بن إسحق وكانت مواطنهم في جبل سعير في جنوبي سورية، وشمالي بلاد العرب، ثم ذرية إسماعيل بن إبراهيم، والمدينيون ولد مدين بن إبراهيم من قيطورا، لكن هذين الشعبين يحسبان من سكان بلاد العرب.
الفلسطينيين
من سكان سورية القدماء الفلسطينيون، وكانت مساكنهم في البلاد التي سميت باسمهم، وأصلهم من إكريت وغيرها من الجزر ومن آسيا الصغرى، أسرهم المصريون وأحلوهم في فلسطين وترى بعض أخبارهم في الكلام على العبرانيين.
السامريين
أصل هؤلاء من بلاد الكلدان قد جلاهم إلى سورية ملوك آشور من بلاد الكلدان، وأسكنوهم السامرة وما يليها بعد جلائهم بني إسرائيل إلى بابل.
قبائل أخرى
كان من سكان سورية قبل الشعوب المذكورِين عدة عشائر يُعرفون بالجبابرة، والأظهر أنهم ساميون، فمنهم: الرافائيم أي: الرفائيون وكانت مساكنهم في ما وراء الأردن في بلاد باسان، وقد جاء ذكرهم في سفر التكوين (ق١٤ عدد ٥) بين العشائر التي ضربها كدرلاعومر ملك عيلام، ثم الزوزيم أي: الزوزينون وجاء ذكرهم في المحل المذكور، وفي تثنية الأشراع (فصل ٢ عدد ٢٠)، وكانوا يسكنون في الأرض التي سكنها بعدًا العمونيون في عبر الأردن، ثم الأيميون وجاء ذكرهم في المحلين المذكورين، وكانت مساكنهم في شرقي البحر الميت، حيث سكن بعدًا الموآبيون، ثم بنو عناق ويظهر أنهم المسمون نفيليم أي: الجبابرة وكانت مواطنهم في قرية أربع وهي الخليل، ثم العويون وجاء ذكرهم في التثنية (فصل ٢ عدد ٢٣)، وكانوا يسكنون القرى المجاورة غزة.
فهذه أخص القبائل التي توطنت بسورية إلى عهد إسكندر الكبير، وأشهرها وأعظمها ثلاث قبائل، وكانت مساكن الأولى منها في شمالي سورية، وهم الحثيون، ومواطن الثانية منها في وسط سورية وهم الفونيقيون، ومحل الثالثة منها في جنوبي سورية وهم العبرانيون، وسنفرد لتاريخ كل من هذه القبائل فصلًا من الفصول التالية.