تعيين مزاج الأمة النفسي بدراسة إنتاجها الأدبي
تُعدُّ الوثائق الأدبية كالقصص والأمثال والحكايات والروايات، إلخ، من أصلح الوسائل لتصحيح مزاج الأمة النفسي، فمن شهادتها يُعلم سلوك الأمة في مختلف أحوال حياتها ودرجة قِيَمها.
ولا ريب في أن أخلاق الشعب تَظهر من خلال جميع ما يُنتج، ولكنه يجب أن يُبحث عن هذه الأخلاق في آثاره الأدبية خاصةً.
وتكون الملاحم الكبرى قليلة الفائدة؛ لأنها تدلنا على أُناسٍ مبالغٍ في مشاعرهم وأعمالهم، ولنا بالأمثال والحكايات والأقاصيص الشعبية، إلخ، معرفةٌ أدقُّ مما بالملاحم.
ومنذ حينٍ كنا قد طبقنا هذا المنهاج على دراسة روح أقسامٍ من الأمة الهندوسية، مقتطفين من أشهر كتبها: اﻟﭘَنْچ تَنترا، والهِتوﭘديشا، إلخ، آراء عامة عن مختلف العناصر الأساسية في الحياة الشرقية.
ولم نَزُجَّ بمقتطفاتٍ من ملحمةٍ كالمَهَابهارتا، ومن كتبٍ دينية واجتماعية كشرائع مَنُو المعروفة بمنوا دهرما شسترا، إلخ، إلا عند قُربها من الآراء الشعبية، من الﭘَنچ تَنترا، والهِتوﭘديشا، ومن ثمَّ عند إثباتها قِدَم الآراء القائمة حول بعض الموضوعات، وهكذا تُرَى الحِكَم الواردة في البنچ تنترا، والمشتملة على شيءٍ من التنكيت بالنساء ظاهرًا، قد أُيِّدَتْ بتأملات المشترع الرزين مَنُو، دالَّةً إيَّانا على أن أحكام المجموعة الأولى شعبيةٌ لا ريب، ما بدت على شكل عقائد مُسلَّمٍ بها في دستورٍ ديني في شريعة الهند العليا منذ قرون كثيرة وعندما ينتهي رأيٌ إلى هذه الحال من التكثيف ويُعرَض على شكل حكمةٍ أو مَثَلٍ، يمكننا أن نجزم بوجوب مرور أجيالٍ طويلة من الناس لإنضاجه.
وقد جُمعَت المقتطفات الآتية وفق الموضوع الذي تعالجه: القدر والخُلُق والحياة وعوامل سير الإنسان والنساء، إلخ.
القدر
لا يأتي ما لا يجب أن يأتي، ويأتي ما يجب أن يأتي، ففي هذا ترياق الهموم.
كتب القدر على جِباهنا سطرًا من حروف، فلن يقدر أذكى العلماء على مَحوِه.
قد يسقط الإنسان من فوق جبل، ويغرق في بحر، ويرتمي في نار، ويلاعب الأفاعي، ولكنه لن يموت قبل أجله.
النجاح في الأعمال منوطٌ بما يأمر به القدر، وهذه الأعمال مُنظَّمةٌ بأفعال الناس في حَيَوَاتهم السابقة وبسلوك الإنسان.
على الإنسان ألَّا يكفَّ عن العمل ولو فكَّر في القدر، فلن تستخرج سِيرِجًا من سمسمة بغير عمل.
الخلق
لا يُغيَّر الأمر الطبيعي بالمشورة، فالماء الحار يعود باردًا.
لو أصبحت النار باردةً وصار القمر مُحرِقًا لأمكن تبديل طبيعة الناس في هذه الدنيا.
يغلب الطبيعي غيره من الصفات ويتبوَّأ مكانه في الرأس.
يصعُب على الإنسان أن يتغلب على غريزته الطبيعية، فلن تستطيع أن تحول دون قرض الكلب للأحذية ولو جعلته مَلِكًا.
يكون قارئًا لكل شيء عالمًا بكل شيء ممارسًا كل شيء، من يرغب عن الرغائب ويعيش بلا أمل.
من ذا الذي لا يظهر طويلًا إذا نظر إلى تحته، فالذين ينظرون إلى فوقهم فقراء على الدوام.
القناعة كنز لا يفنى.
الرخاء يُغَيِّر طبع الإنسان.
النساء
يصبح أذكياء الرجال والأبطال في المعارك من البائسين بجانب المرأة.
الرجل الذي تُسيِّره كلمةٌ من المرأة يَعُدُّ العُسر يُسرًا، والمتعذر سهلًا، والفاسد سائغًا.
مُنو جعل قسمة النساء في حُبهن لفراشهن ومقعدهن وزينتهن، وفي هواهن وغضبهن، وسَيِّئ ميولهن ورغبتهن في الشر والدعارة.
النساء متقلباتٌ دائمًا، حتى نساء الآلهة كما يُقال.
لا تُنال النساء بالقوة ولا بالمبادئ، فالنساء مخلوقات جامحات.
العلم والجهل
الذكاء خير من العلم وفوق العلم.
ما فائدة المرء من العلم إذا كان خاليًا من الذكاء؟
أعظم الفقر في قلة العلم.
الغِنى والفقر
يصبح العدو في هذه الدنيا للأغنياء قريبًا، ويصبح القريب فيها للفقراء عدوًّا.
الثروة تُنير الصفات كما تُنير الشمس كل موجود.
لأن يكون المرء سائلًا أو أن يكسب عيشه من حمله الأثقال، خيرٌ من اليُسر مع العبودية.
مبادئ الآداب العامة
أنصِتوا لروح الفضيلة، وإذا أنصتُّم ففكروا، فلا تعاملوا غيركم بغير ما تُحبون أن يعاملوكم به.
يرى بعضهم أن الحكمة في اللسان كما عند الببغاء، ويراها بعضٌ آخر في القلب كما عند البُكم، ويراها آخرون في القلب واللسان معًا.
اللئيم يتبعه عمله ولو سار من ألف طريق، والكريم يتبعه عمله ولو سار من ألف طريقٍ أيضًا.
قيمة الإنسان بإخلاصه، وضبطه لحواسه، وزهده وإحسانه، وقيامه بالواجب قيامًا دائمًا.
الحذر والاحتراز
يجب على الرجل العاقل الراغب في الغِنى وطول العمر والسعادة ألَّا يثق بإنسان.
الضعفاء إذا ما حَذِروا لم يقتلهم الأقوياء، والأقوياء إذا ما وثقوا قتلهم الضعفاء.
على العاقل ألا يُطلع أحدًا على غِناه مهما كان ضئيلًا، فالغِنى يُحرِّك قلب العابد.
من يترك الأكيد من أجل غير الأكيد يخسر الأكيد وغير الأكيد.
لا يبرأ جُرحٌ أوجبه قول.
كيف يتودد الإنسان إلى الناس
يجب أن تعامل الناس على حسب أخلاقهم، فالعاقل إذا ما ألمَّ بأفكار الآخرين حكمهم من فوره.
يجب على المرء أن يتودَّد إلى البخيل بالمال، وإلى الشديد بالخضوع، وإلى الجاهل بالحلم، وإلى المتعلم بخلوص النية.
لا يلبث العاقل الذي يعرف خُلُق رجلٍ عند المصاقبة أن يسوده.
الشجاعة والثبات
عدم البدء أولى علائم الذكاء، وإنهاء ما بُدئ به ثانيةُ علائم الذكاء.
الرجل الثابت يعلو الآخرين، فيصير محترمًا ولو لم يكن غنيًّا.
من يقع في بؤسٍ فيكتفِ بالتوجُّع لا يصنع غير زيادة بؤسه من غير وقوفٍ عند حدٍّ.
تحرِّي الصلات ونتائجها
على المرء ألا يكون ذا صلةٍ بمن لا يعرف قُوته ولا أُسرته ولا سيرته.
من ليس له أحباء لا يتغلب على البأساء.
حتى الشيطان يحتاج إلى خلَّان.
الظِّباء تبحث عن الظِّباء، والأغبياء يبحثون عن الأغبياء، والعقلاء يبحثون عن العقلاء، فالصداقة تقوم على تشابُه المحاسن والمعايِب.
من يُقَدِّر الفضل يحب صاحب الفضل، ومن هو خالٍ من الفضل لا يحب صاحب الفضل.
يخسر الإنسان ذكاءه بمعاشرة من هم دونه، فإذا عاشر شِبَاهَه بقي مساويًا لهم، وإذا عاشر من هم أفضل منه سار إلى الفضل.
يكون الحصان أو السلاح أو الكتاب أو الكلام أو المرأة أو الرجل طيبًا أو خبيثًا على حسب المرء الذي يلاقيه.
ولأن يُحكَمَ في مزاج الأمة النفسي ودرجة قيمها دائمًا بشواهد مماثلة لِما تقدم، خيرٌ من إحصاءٍ طويل للأسر المالكة والمعارك عُدَّ في الماضي لُحمةً حقيقيةً للتاريخ.