ديوان فوزي المعلوف

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

على منارةِ بيروت

خَفِّفِي يَا هُمُومُ عَنْ كَبِدِي
فَكَفَانِي مَا فُتَّ مِنْ جَلَدِي
يَا لَأَمْسي كَمْ فِيهِ مِنْ غُصَصٍ!
وَلَيومي … فمَا يُكِنُّ غَدِي؟
مَا أَمَرَّ الذِّكْرَى وَأَعْذَبَهَا!
فَهيَ بِنْتُ الصَّفَاءِ وَالنَّكَدِ
وَهيَ كَالخَمْرِ كُلَّمَا عَتِقَتْ
طَفَحَتْ بِاللَّذَائِذِ الجُدُدِ

•••

يَا لَيَومٍ علَىَ «المَنَارَةِ» لَمْ
يُنْسِنِيهِ تَبَاعُدُ الأَمَدِ!
إِذَا وَقَفْنَا أَنَا وَفَاتِنَتِي
فِي أَصِيلٍ بِالبَحْرِ مُبْتَرِدِ
حَضَنَتْهُ شَمْسٌ مُفَارِقَةٌ
رَمَقَتْنَا بِنَظْرَةِ الحَسَدِ
تَنْفُضُ النُّورَ مِنْ ذَوَائِبِهَا
ذَهَبًا فَوْقَ فِضَّةِ الزَّبَدِ
ثُمَّ تَهْوِي فِي اليَمِّ مُبْقِيَةً
خَلْفَهَا صُفْرَةً مِنَ الكَمَدِ
صُفْرَةٌ لَمْ يَطُلْ تَأَلُّقُهَا
فَتَلَاشَتْ فِي زُرْقَةِ الجَلَدِ!
شعلَةٌ فِي المِيَاهِ طَافِيَةٌ
أَتُرَاهَا مَوْصُولَةَ الوَقَدِ؟

•••

وَهُنَا المَوْجُ ثَارَ ثَائِرُهُ
يَا لَمَوْجٍ كَالجَيْشِ مُحْتَشدِ!
زَجَرَ الصَّخْرَ جَزْرُهُ فَمَشَى
مَدُّهُ نَاشِطًا إِلَى المَدَدِ
وَاثِبًا وَثْبَةً كَأَنَّ بِهَا
أَسَدًا هَاوِيًا عَلَى أَسَدِ!
فَإِذَا بِالهَدِيرِ يَحْبُكُهُ
مَا عَلَى المَاءِ مَاجَ مِنْ زَرَدِ!

•••

هَا جَنَاحُ المَسَاءِ يَحْضُنُنَا
فَاصْمُتِي يَا مِيَاهُ وَاتَّئِدِي
هُوَ رَبُّ السُّكُونِ فَاحْتَرِمِي
صَمْتَهُ إِنَّ صَمْتَهُ أَبَدِي!
أَفَلَمْ تَشْعُرِي بِنِسْمَتِهِ
صَعَّدَتْ زَفْرَةً وَلَمْ تَزِدِ؟
أَوَلَمْ تُبْصِرِي جَوَانِحَنَا
لَبِسَتْ مِنْهُ أَرْوَعَ البُرَدِ؟
كَتَمَتْ مَا نُكِنُّ مِنْ وَلَهٍ
فَوْقَ فَحْمِ العُيُونِ مُتَّقِدِ
فَحَسِبْنَاهُ فِي أَضَالِعِنَا
وَوَجَمْنَاهُ لَمْ نُبْدِ أَوْ نُعِدِ
بِشِفَاهٍ عَلَيْهِ مُطْبَقَةٍ
وَلِسَانٍ لَدَيْهِ مُنْعَقِدِ
فَإِذَا مَا طَلَبْتُ أَوْ طَلَبَتْ
جُمْلَةً لَمْ أَجِدْ وَلَمْ تَجِدِ!
نَطَقَ القَلْبُ بِالهَوَى، فَلِمَا
وَضَعَتْهُ الشِّفَاهُ فِي رَصَدِ؟

•••

يَا لَهَا فُرْصَةً مُضَيَّعَةً
سَنَحَتْ مَرَّةً وَلَمْ تَعُدِ!
كُنْتُ فِيهَا قُرْبَ السَّعَادَةِ لَوْ
شِئْتُ طَوَّقْتُ جِيدَهَا بِيَدِي
كُنْتُ كَالطَّيْرِ عِنْدَ سَاقِيَةٍ
أَمَّهَا ظَامِئًا وَلَمْ يَرِدِ