مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وفي ٦ أغسطس سنة ١٩٤٥ أعلن كلٌّ من رئيس جمهورية الولايات المتحدة ورئيس الوزارة البريطانية أن القوة الجوية التابعة للجيش الأمريكي ألقت قنبلة على قاعدة الجيش الياباني في هيروشيما، وأن هذه القنبلة قنبلة ذرية تزيد قوتها عن قوة عشرين ألف طن من أشد أنواع الديناميت فتكًا، وقد كانت القوة المدمرة لهذه القنبلة فظيعة بدرجة لا يمكن وصفها، وكان أثرها واسع المدى؛ فقد قُتل من كانوا خارج المنازل حرقًا، وقُتل من كانوا داخلها بسبب الضغط والحرارة التي لا يمكن أن توصف شدتها، وفي يوم ٩ أغسطس سنة ١٩٤٥ جاء في بلاغ خاص أذاعه القائد العام للقوات الأمريكية الجوية في المحيط الهادي أن قنبلة ذرية ثانية أُلقيت صباح ذلك اليوم على ناجازاكي، الميناء الياباني الكبير، وقد ورد في التقارير عن هذه القنبلة أنها محت من الوجود ما يقرب من ميلين مربعين من مدينة ناجازاكي، ودمرت جميع الأهداف الحربية في تلك المدينة، ولا شك في أن إلقاء هاتين القنبلتين كان له أثر هام في تعجيل انتهاء الحرب؛ فقد استسلمت اليابان يوم ١٥ أغسطس سنة ١٩٤٥، وأشار الميكادو في إعلان استسلامه إلى القنابل الذرية على أنها سبب من أسباب الاستسلام.
وأذكر أنني التقيت بدولة النقراشي باشا في حفلة شاي أقامها المغفور له أحمد ماهر باشا بحديقة منزله عام ١٩٣٩، وكان معنا الدكتور فارس نمر باشا، فدار الحديث حول الأحداث الدولية التي سبقت قيام الحرب، فقلت عندئذ إن العمل الذي قام به هاهن واشتراسمان من فلق ذرة اليورانيوم ربما كان أهم حدث في أخبار العالم، وأحسب أن كلامي حُمِل على أنه مغالاة في تقدير العلم والعلماء، ولا شك في أن التوصل إلى صنع القنبلة الذرية قد هزَّ الناس هزًّا عنيفًا في أنحاء المعمورة، وجعلهم يهتمون بأمر الذرة وتركيبها، ويحفلون بشأن العلوم الطبيعية والبحوث العلمية، ويتوقون إلى معرفة معنى النشاط الإشعاعي وغيره من الظواهر الذرية الأخرى التي أدى البحث فيها إلى صنع القنابل الذرية، ومقياس الناس في ذلك إنما هو مقياس القوة، فالعلوم الطبيعية في نظرهم قد صارت هامة لأنها تسيطر على قوى عظيمة، ومع أنني وكل عالِم لا نُقر هذا المقياس ولا نزن الأمور بهذا الميزان، إلا أنني رأيت من واجبي أن أنتهز فرصة اهتمام الرأي العام بأمر الذرة وتركيبها لأقدِّم للجمهور المثقف من قراء العربية هذا السِّفر المتواضع منتحيًا فيه ناحية التبسيط والبعد عن التعقيد الفني، وكل ما أرجوه أن أثير اهتمام الناس في مصر والشرق العربي بهذه الناحية الشائقة من نواحي البحوث الطبيعية، وأن أعمل على انتشار العقلية العلمية بيننا، تلك العقلية التي هي أساس كل تقدم إيجابي في عصرنا الحديث.