لما كان إثبات الصفات أحد بواعث نفي خلق الإنسان
لأفعاله، فإن نفي الصفات يكون أحد بواعث إثبات خلق الإنسان
لها ومسئوليته عنها؛ هناك إذن صلة بين التوحيد والعدل
تتمثل في إثبات الصفات لله ونفي الأفعال للإنسان أو في نفي
الصفات لله وإثبات الأفعال للإنسان. هذا هو النسق الدائم
إلا إذا كان في غمرة الحماس للنفي يتم نفي الصفات والأفعال
معًا، وهو النفي الغاضب المبدئي الذي تنفى فيه صفات الله
وأفعال الإنسان معًا.
٢٨ وقد يكون السبب في ذلك هو نقل صورة المعبود
على الإنسان، واعتبار الحرية صفة للذات الإنسانية، فكما
أنكرت صفات المعبود تنكر أيضًا صفات العابد.
(٣-١) نفي صفات العلم والقدرة والإرادة
ومن الصفات التي يتم نفيها خاصةً العلم والقدرة
والإرادة، لما كانت الحياة شرطًا للعلم ولما كان السمع
والبصر والكلام أيضًا من مظاهر العلم، سواء المعرفة
الحسية، السمع والبصر، أو التعبيرات اللغوية في
الكلام. والحقيقة أن نفي الصفة لإنفاذ الفعل إنما هو
إثبات لحق الله النظري وحق الله العملي. فهناك فرق بين
ما هو نظريٌّ شرعي وما هو واقعيٌّ حسي. فالصفة المطلقة
سواء كانت العلم أو القدرة أو الإرادة حقٌّ نظريٌّ
شرعي لله، وحرية الأفعال حقٌّ عمليٌّ حسي للإنسان ولا
تعارض بين الاثنين. فبالنسبة لصفة العلم، علم الله
علمان: علمٌ قبلي استنباطي عن طريق المبادئ العامة،
وعلم بعدي استقرائي عن طريق الوقائع الجزئية؛ فالإيهام
بالجبر أو بالكسب إنما ينطلق من العلم الأوَّل الشامل
الذي لا تغيب عنه الجزئيات قبل وقوعها بينما ينطلق
واقع الحرية من العلم الثاني بالأفعال بعد تحققها.
العلم المطلق لا يحتاج إلى وقائع؛ فهو علم صفة لا علم وجود.
٢٩ وهو لا يمنع من حرية الإنسان لأنه لا يوجد
علمٌ قبلي بها، بل العلم علمٌ بعديٌّ محض. أفعال
الإنسان سابقة على العلم المطلق بها.
٣٠ والعلم المطلق بالوقائع لا يمنع من حدوث
الوقائع على نحوٍ مخالف لهذا العلم المسبق. فالحرية
الإنسانية قادرة على اختراق حاجز العلم. والعلم المسبق
على نحوٍ كلي وشامل لا يمنع من تجدد الفعل وتغيره على
نحوٍ جزئي، فالعلم إحاطة والفعل تحقق.
٣١ ولا ضير أن يكون علم الله مشروطًا بأفعال
العباد وليس للعلم الإلهي، ولا ضير أن يكون العلم
الإلهي متغيرًا لصالح العباد كما هو الحال في النسخ.
وقد يكون الفصل بين العلم والإرادة أحد وسائل إنفاذ
حرية الأفعال. فالله لم يزل مريدًا لما علم أنه يكون،
أي أن علمه أوسع من إرادته، وأنه على حقٍّ مطلق ولكن
إرادته حقٌّ نسبي، والنظر في النهاية سابق على العمل
وأعلى منه ومحيط به.
٣٢ علم الله المسبق إذن لا ينال من حرية
الأفعال، بل هو أشبه برصد النتائج مسبقًا لاختيار
البشر. صحيح أن العلم يوجِب وجود المعلوم ولكنه لا
يوجب التعلق واتجاه المعلوم نحو فعلٍ معين. صحيح أن
العلم أشمل من الأفعال ومع ذلك فليس المطلوب هو الدفاع
عن شمول العلم بل عن اختيار الأفعال وإلا تم الخلط بين
مستوى الحق النظري ومستوى الواقع العملي. علم الله حق
نظري، وحرية أفعال الإنسان حق عملي.
٣٣
وكما يُنفى العلم تُنفى القدرة على الظلم وعلى فعل
الضدَّين وعلى خرق القانون أو على التدخل في حرية
الأفعال، وذلك لأن كل هذه الصفات مشتقة من صفات
الإنسان ولا وجود لها بالفعل، بل مجرد إسقاطات من
الإنسان على الوعي بذاته المشخَّص خارجًا عنه.
٣٤ ولا يمكن تصور تعارض في صفات الذات وإلا
كان نقصًا في التنزيه. فالسؤال التقليدي: هل يأمر الله
من يعلم أنه يحول بينه وبين الفعل؟ وضع لصفتَي العلم
والقدرة موضع التعارض والتضارب. والسؤال لا يعبر عن
مشكلةٍ واقعية بقدر ما هو تمرينٌ عقلي يسمح للذهن
بإظهار عواطف التأليه بالتضحية بحرية الإنسان.
٣٥
وكما يُنفى العلم والقدرة تُنفى الإرادة. كما تُنفى
أسماء الإرادة أو صفات الانفعال مثل الرضا والسخط
لإفساح المجال لحرية الأفعال.
٣٦ فنفي الصفات إثبات للحرية الإنسانية وكسر
لأغلفتها الخارجية. والحقيقة أن نفي الإرادة إنما يعني
في الواقع إعادة تفسيرها بحيث تفسح المعاني الجديدة
المجال لحرية الأفعال. فيُعاد تفسير الإرادة إنقاذًا
للحرية الإنسانية على أنها علم أو أوامر أو حكم أو
تسمية أو مراد أو تخلية أو ميل أو اختيار أو كراهة أو
حركة أو معنى. ويُعاد تأويل قصة إبليس حتى تنتهي في
النهاية إلى كون الإرادة مجازًا في الله، حقيقةً في
الإنسان، ويسترد الإنسان حريته. فالإرادة هي العلم،
والعلم حق نظري وليس تحقيقًا عمليًّا كما هو الحال في
صفة العلم. العلم حق نظري وحرية الأفعال واقع عملي،
والعلم النظري به حرية الأفعال، وهو لا يجبر على شيء؛
لأن الحرية مسطورة فيه. ولن يُكرِه الله حرية الإنسان
وفعله الاختياري، بل إنه يجعل ذلك مطويًّا تحت حقه
النظري. بل إن من عظمة الملوك تحقيق إرادة الشعوب،
فإرادة الملوك من إرادة الشعوب، وإرادة الشعوب تقوية
لإرادة الملوك، وليست مناهِضة لها، خاصةً إذا كانت
الملوك عادلة والشعوب واعية. وإن سخط الله وغضبه ليس
إجبارًا للعباد، ولكن تعاطفًا معهم، وحُبًّا لهم،
وشفقةً بهم، معهم وليس ضدًّا لهم. صحيح أن الله
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، ولكن ذلك حقٌّ نظري وليس
واقعًا علميًّا. وأكرم إلى الله أن يكون ملكًا في
عالمٍ حر ولشعبٍ حر على أن يكون ملكًا قاهرًا على شعبٍ
مقهور بلا إرادة، وأن من عظمة
الملوك حريات
الشعوب واستقلال إرادتها، وهي ليست صفاتٍ متضادةً بل
هي متحدة. ليست الإرادة ضد العلم أو العلم ضد الإرادة،
بل هي صفاتٌ واحدة. ما يحدث في العالم يحدث بعلم
وإرادة لا بمعنى أنه يحدث ما يجهله أو ما لا يريده.
علم الله تجريبي وليس إجبارًا لأفعال الإنسان، وإرادته
تقوية لإرادة الإنسان وليست ضدها.
٣٧
(٣-٢) تأويل الإرادة
وقد تكون الإرادة هي الأمر. ويكون ردُّ الإرادة إلى
الأمر مثل ردِّها إلى الخلق أو إلى العلم لإنفاذ حرية
الأفعال. والأمر ليس إجبارًا، بل مجرد توجيه ودعوة إلى
الفعل وليس تحقيقًا للفعل، وهو المنوط بإرادة الإنسان
وحريته. ولا يعني ذلك الأمر بأفعال الأطفال والمجانين
لأن شرط التكليف العقل والبلوغ؛ فهو أمرٌ شرعي وليس
أمرًا كونيًّا ميتافيزيقيًّا غيبيًّا. إن التوحيد بين
الإرادة المطلقة وبين الأمر المطلَق ينقذ الفعل
الإنساني الحر وفي الوقت نفسه لا يثبت حق التأليه. وهو
أقرب إلى إثبات الحرية من نفيها. الله مريد لتكوين
الأشياء يعني أنه كوَّنها وأن إرادته للتكوين هي التكوين.
٣٨ لذلك فإن فعل الأمر واقع. ولو ارتبط
بمشيئة الله ولم يقع فإنه حنث باليمين. والفعل قبل أن
يقع لا يُسَمَّى فعلًا. الأمر مجرد توجيه للفعل ونداء له.
٣٩ ليس المطلوب من الإنسان تحقيق الإرادة
الخفية في الأمر الظاهر؛ فالوحي شرع وليس غيبًا، وضوح
وليس استنباطًا، أمر ونهي وليس عقيدة. ولا يحتاج في
ذلك إلا إلى الحسن والقبح وإلى علاقة الإنسان العملية
بالوحي، أي بالكلام وليس بالله أي الشخص. أفعال الشعور
الداخلية إذن أفعال حرية، سواء فيما يتعلق منها
بالإيمان أو الكفر لأن الكافر مأمور بالإيمان، والأمر
تكليف، والتكليف يقتضي حرية الأفعال وإلا كان الكافر
مُطيعًا لأنه كفر بناءً على أمر الكفر؛ فالإرادة على
وفق الأمر هذه المرة لا على وفق العلم. ولو كان الرضا
بقضاء الله واجبًا لكان الرضا بالكفر كفرًا. كما أن
ذلك الافتراض يضع الله في محنة التعارض بين الإرادة
والحكمة؛ مما يجعل إيمان الإنسان بالقضاء إيمانًا
متناقضًا يبعث على الكفر، في حين أن إرادة الله عاقلة
لا تقضي على أحد بالكفر أو تضطره إلى الإيمان.
٤٠
وقد تكون الإرادة مجرد حكم على الشيء وليس جبرًا له،
مجرد تعلُّق دون فعل. ولما كان الحكم يأتي عن طريق
الخبر، كانت إرادة الشيء هي الحكم عليه عن طريق الخبر.
وقد يتحوَّل الحكم المنطقي إلى حكمٍ خلقي فتكون أحكام
الله أحكامًا خلقيةً مطلقةً تخصُّ الصفات الموضوعية
للأشياء. قد تكون الإرادة إذن حكمًا عقليًّا على
المراد دون أن تكون حكمًا فعليًّا، وقد تكون حكمًا
فعليًّا بالإضافة إلى كونها حكمًا عقليًّا، وقد يكون
الحكم لغويًّا، أي تسمية الإيمان حسنًا والكفر قبحًا.
دور الإرادة المطلق هو إطلاق الأسماء والأحكام دون خلق
المرادات؛ لذلك سُمِّي موضوع الإيمان والكفر في علم
أصول الدين الأسماء والأحكام.
٤١
وقد تكون العداوة هي المراد، أي التوحيد بين الإرادة
والشيء؛ لأنها ما دامت مُطلَقة فكل ما تريده واقع. في
حين أنه في العالم الإنساني هناك مسافة بين مضمون
الإرادة وبين الشيء المراد بعد أن يتحقق. ولا يتخطَّى
هذه المسافة إلا الفعل الإنساني. فوصف الإرادة بالشيء
ليس وقوعًا في التجسيم أو في التشبيه، بل توحيد بين
الإرادة والشيء المراد. التوحيد بين الذات والموضوع
إذن هو أحد الحلول الإنسانية ولكن تظل الخطورة على
الحرية الإنسانية قائمة.
٤٢ كذلك تكتسب الإرادة صفة المراد بها. فإن
كان المراد سفهًا كانت الإرادة سفهًا، وكانت إرادة
الطاعة طاعة. ولا يعني ذلك أن يكون الله مطيعًا
لإرادته، بل يعني اتساق الإرادة مع المراد، وهو أقرب
إلى العدل من الظلم، وإلى الحكمة من السفه، وإلى العقل
والاتساق من التناقض والتضاد، ومن الحكمة والقصد إلى
العبث والسخف.
٤٣ وفي بناءٍ ذهني آخر قد يكون التوحيد بين
الإرادة والشيء خطرًا على الحرية ومُوهِمًا بالجبر؛
لذلك فإن التمييز بينهما يكون أكثر مدعاةً لإثبات
الحرية. وفي هذه الحالة تكون الإرادة صفة ذات والمراد
صفة فعل أو شيء. فالإرادة موجودة لا في مكان، بلا محل،
والمراد هو الأمر الموجود في الزمان والمكان. إذا كانت
الإرادة قديمة فالمراد حادث، وإذا كان التوحيد بين
الإرادة والمراد يدل على العظمة، فإن التمييز بينهما
يدل على الحرية الإنسانية. وتكون الإرادة هنا معناها
الاختيار، والمريد هو المختار لا في التأليه بل في الإنسان.
٤٤ ومع ذلك فإن اتفاق كفر الكافر مع مراد
الله لا يعني أجره على ثواب الطاعة، بل يعني عقابه
لسوء استخدام العقل والفعل الحر، وأن مراد الله يكون
تابعًا للفعل وليس سابقًا عليه، والعلم به مسبقًا لا
يعني الاضطرار إليه.
٤٥
وقد تكون الإرادة مجردة تهيئة المراد. ولكن حتى هذه
التهيئة قد تدخل في الفعل الإنساني. وماذا لو حدث
التدخل ثم جلب الفعل الإنساني الضرر لا النفع، وهو نفس
معنى التخلية؟ فقد تكون التهيئة بمعنى أن الله خلى
بينهم وبينها. والتخلية في الواقع إثبات الحرية أكثر
من نفيها. ولكنها تفيد أيضًا معنى عجز الإرادة المطلقة
وتلغي دورها في الفعل، كما أنها تضع مشكلات أكثر منها
مثل: كيف يخلي المؤله الموصوف بصفات الكمال بين
الإنسان وبين الأفعال السلبية؟ كيف يسمح الكمال
بالنقص، والخير بالشر، والحسن بالقبيح؟
٤٦
وقد تعني الإرادة كراهة الله للفعل دون إتيانه،
والقيام به بدلًا عن الإنسان، هذا فيما يتعلق بالأوامر
والنواهي، بالطاعات والمعاصي. أمَّا فيما يتعلق
بالمباح وما لا يدخل تحت التكليف من أفعال مثل أفعال
المجانين أو الأطفال أو البهائم فلا تدخل تحت مرادات
الله إرادة أو كراهية.
٤٧ فالله غير مريد على الحقيقة، وإرادته
إضافة أو سلب كما هو الحال عند الحكماء، سلب الكراهية
وسلب العلية.
٤٨
وقد لا تكون الإرادة هي الجبر بل الاختيار؛ فالمُريد
هو المختار وليس المجبر، أي أن العلاقة مع ذاته وليست
مع غيره، العلاقة مع الذات اختيار ومع الآخر جبر،
فلماذا تُعطى أولوية العلاقة للغير على أولوية العلاقة بالذات؟
٤٩ قد تعني الإرادة أن المريد غير مغلوب ولا
مستكره، أي أنها الاختيار، وهو تعريف الإرادة بنفي
ضدها؛ وفي هذه الحالة تعني الإرادة الاختيار وليس
الجبر، ويكون الإنسان قد ظلم نفسه برؤية الجبر في الاختيار.
٥٠
وقد تكون الإرادة هي الميل، أي مجرد الرغبة والاتجاه
والقصد دون أن تكون هناك ملكة تُسَمَّى الإرادة، أي
أنها أقرب إلى الوجود كله منها إلى أحد قواه.
٥١ وبهذا المعنى قد تكون الإرادة أيضًا حركة.
ولا تعني الحركة بالضرورة حركة الأجسام، بل قد تكون
حركة البواعث؛ فالإرادة تشخيص للقوى والملكات
النفسانية. والحقيقة أنها ترجع في الحياة الإنسانية
إلى الباعث. فالباعث القوي يتحقق، والباعث الضعيف لا
يتحقق؛ ومِنْ ثَمَّ تنشأ مشكلة الإرادة؛ إرادة القوة
تعبر عن الحياة وتتحقق بالضرورة، وإرادة التاريخ تعبر
عن مسار التاريخ وتتحقق بالضرورة، وإرادة الشعوب تعبر
عن حقيقة إنسانية ومِنْ ثَمَّ تتحقق بالضرورة.
٥٢ والباعث هو الشخص. وإذا كان الشخص من
ناحية والباعث من ناحية أخرى يكون ذلك ضعيفًا في
الباعث. الباعث القوي هو الذي يملك الشخص ويحتويه.
وإذا كانت الإرادة هي الباعث فإنها تكون أيضًا حركة،
وهي ما تساءل عنه القدماء من الصلة بين الإرادة
والضمير والانتهاء إلى أن الإرادة ليست الضمير، وأن
الضمير محل الإرادة.
٥٣ فإن لم تكن الإرادة حركة فإنها تكون
تعبيرًا عن الذات المؤله أو خلقًا منه لا بإرادة. وقد
تكون الإرادة معنًى يصور الجانب العقلي في الباعث أو
يكشف الأساس النظري لها؛ لذلك يوحد البعض بين الإرادة
والعلم.
والحقيقة أن الإرادة تشبيهٌ إنساني خالص، لا تشير
إلى شيء موجود في الواقع. ويمكن للإنسان أن يتصور أن
للأشياء إرادة وأن للجدار إرادة، وهذا كله مجاز وليس
حقيقة بل مجرد وسيلة في التعبير
جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ.
٥٤ وإثبات المعبود فاعلًا في الحقيقة
والإنسان فاعلًا في المجاز إنكار للحرية؛ لأنه يجعل
المعبود هو الفاعل الحق، والإنسان فاعلًا بالمجاز.
وهذا ما لا تشهد به تجربة ولا يؤيده واقع؛ فالإنسان
فاعل في الحقيقة، وفاعل فعلٍ واعٍ ومسبق حتى ولو
تدخَّلت الظروف الخارجية في ميدان فعله وأثرت عليه
ووجَّهت مساره.
٥٥ لا توجد إرادةٌ مطلقة مُشخَّصة هدفها
تدمير حرية الإنسان واستقلال أفعاله، فإن المشيئة
الإلهية لا تمنع من حرية الأفعال؛ فهي حقٌّ نظري وحرية
الأفعال واقعٌ عملي. بل إن «إبليس» كان حرًّا في
أفعاله واختياره بالرغم من وجود المشيئة المطلقة كحقٍّ
نظري تعليمًا للبشر. والعبرة في النهاية بالمآل في
الزمان وفي التاريخ.
٥٦
الإيمان إذن موقوف على الاختيار، وأفعال الشعور كلها
تدل على أن الإنسان حر في أن يعتقد ما يشاء وأن يتصور
العالم كما يريد؛ فليس هناك من يجبره على تصور اعتقادٍ معين.
٥٧ ولا يعني إثبات حرية أفعال الإنسان
استحالة الحمد والشكر لأن الحمد شعورٌ إنساني يحدث عقب
تأدية الفعل ونجاح الإنسان في تحقيقه، فهو نوع من
التواضع والعرفان بالجميل للنفس وللآخرين وللطبيعة،
ويُعبِّر عن رضاء النفس عن ذاتها وإلا لداخل النفسَ
الغرور ولحسبت أنها صاحبة الأمر والقضاء، وهو شعورٌ
زائف بالنسبة لفعلٍ صادق يرى أن الفعل داخل في مجموعةٍ
متداخلة من الأفعال؛
أفعال الأفراد
وحركات الشعوب وقوانين التاريخ.
٥٨ والاستعجاب من الأفعال يدل على أن الإنسان
كان يتوقع فعلًا آخر غير الذي يستعجب من أجله، ولكن
تداخل الإرادات وتشابك الأفعال جعل الذي يحدث غير المتوقع.
٥٩ والتساؤل عن الأفعال إمَّا عن الأفعال
التي لم تتم أو عن الأفعال التي تمت يدل على أن
الإنسان إمَّا فاعل أو كان لديه عديد من إمكانيات
الفعل ولم يختر أكملها. وهي مراجعة مستمرة واستدراك
حول سير الأفعال وإعادة أحكامها.
٦٠ والتحسُّر تجربةٌ بشرية تدل على رغبة
الإنسان في العودة إلى لحظةٍ ماضية حتى يؤدي فعلًا
أفضل؛ مما يدل على أنه يشعر أنه قادر على إتيان الفعل.
فهذا التمني دليل على أن الإنسان لديه عديد من
الممكنات يستطيع الاختيار بينها.
٦١
(٣-٣) حدوث الصفات
ويمكن مع نفي الصفات لإثبات حرية الأفعال أخذ
البدائل الأخرى وهي القول بحدوثها؛ فتصور الإرادة
المطلقة حادثة إثبات للحرية الإنسانية؛ لأن انتزاع
القِدَم منها يجعلها متكافئة مع الإرادة الإنسانية،
وبالتالي تستطيع الإرادة الإنسانية أن تشقَّ طريقها من خلالها،
٦٢ وخشية الوقوع في التشبيه والتجسيم في
التوحيد والجبر والكسب في العدل حتى تكون الإرادة
حادثة لا في محل. وتصنيف الصفات إلى ما يحتاج إلى محل
وما لا يحتاج إلى محل يفسح المجال للحرية الإنسانية
إلى تعيين محل الصفة. فالصفات التي لا تحتاج إلى محل
تعطي للذات المشخصة صفاتها المطلقة، ولكنها تجعلها
خارج مجرى الطبيعة ولا تتدخل في مسار الحرية الإنسانية
كملك يملك ولا يحكم، كخليفة بغداد مع أمراء الأمصار،
خلافةٌ اسمية لا حكم فعلي.
٦٣ واعتبار الخلق بالقول لا بالفعل هو
محاولةٌ أخرى لإنقاذ الحرية الإنسانية وذلك بإخراجها
من نطاق الإرادة المطلقة ووضعها تحت القول. والقول أقل
حدوثًا ووقوعًا من الفعل.
٦٤
والتفرقة بين صفات الذات وصفات الفعل محاولةٌ ثالثة
بعد نفي الصفات وإثبات حدوثها لإثبات الطرفَين معًا
الإرادة المطلقة وحرية الإنسان والتوفيق بين الحقَّين
معًا، حق التوحيد وحق العدل؛ فصفات الذات صفاتٌ نظرية
لا تؤثر في الفعل وتحفظ حق الإرادة المطلقة، في حين أن
صفات الفعل هي الصفات العملية التي تؤثر في الفعل. إن
كون الإرادة المطلقة صفة ذات لا صفة فعل نظرية لا
تتدخل في مسار الفعل الإنساني. وتثبت الحرية بجعل صفة
الإرادة صفة فعل لا صفة ذات؛ لأن صفة الذات تعبر عن
جوهر المعبود، في حين أن صفة الفعل تعبر عن أفعاله في
الزمان والمكان. صفات الذات ضرورية في حين أن صفات
الفعل ممكنة. الإرادة صفة فعل، أي أنها قد تقع وقد لا
تقع؛ مما يترك المجال للحرية الإنسانية.
٦٥
(٣-٤) إثبات حرية الأفعال
لا يحتاج إثبات خلق الإنسان لأفعاله إلى حججٍ نقلية
قدر احتياج الإيهام بالجبر أو التسلل بالكسب؛ لأن
العقل قادر على البرهنة عليه، كما أن التجربة تشهد
بحرية الأفعال، التجربة الذاتية للأفراد، والجماعية
للشعوب، والتاريخية للإنسانية. ولا تستعمل الحجج
النقلية إلا في الرد على الحجج النقلية المضادة
لنظريتَي الجبر والكسب. ويكون ذلك إمَّا بمقابلة نصوص
تدل على حرية الأفعال في مقابل نصوص توهم بالجبر أو
بالدفاع عن صحة تأويل هذه النصوص ضد سوء تأويل الجبر
لها أو بتأويل النصوص التي توهم بالجبر دفاعًا عن خلق
الإنسان لأفعاله.
٦٦ وقد تتدخل النظرة الشرعية التي تقوم على
النقل والعقل في أحكام الأفعال لإثبات حرية الأفعال في
كل فعل؛ وبالتالي تفرض الإحكام الشرعية الخمسة بناءها
على الإرادة المطلقة.
٦٧
أمَّا الحجج العقلية فإنها تقوم على استحالة إثبات
مراد لإرادتين، وهي الحجة العامة لإثبات الحرية أو على
استحالة إعطاء الله أمرًا يأباه ويكرهه، وإلا كان ذلك
جمعًا بين متناقضَين. فإمَّا أن يكون الفعل للإنسان أو
لغيره، ولا سبيل إلى الاشتراك وإلا وقعنا في الشرك
الذي يسلب من الله حقه النظري ومن الإنسان حقه العملي.
فلا هو أعطى الله كل شيء ولا أعطى الإنسان أي شيء،
وأحدث الخلل بين النظر والعمل في الله وأضاعهما في
الإنسان. وهو تمويه لا يجوز على الله؛ إذ إنه يأمر
بالشيء وهو يضمر ضده كمن يريد إثبات عصيان العبد أمام
القاضي لأوامر سيده، إذ ليس المقصود تنفيذ الأمر بل
إثبات العصيان. والله لا ينصب للإنسان شراكًا يوقعه
فيها، بل يصدقه الإنسان دون أن ينتظر منه غير ما يأمر
به وغير ما يظهر له ويحدثه فيه. ولا يعني النسخ أن
المأمور به لا يكون مرادًا بل الغرض منه إعادة بناء
الشريعة على أساس الواقع وقدراته وليس الاستدلال
النظري على حرية الأفعال. كما لا تعني قصة إبراهيم
وأمره بذبح ولده إسماعيل جواز أن يكون المأمور غير
المراد؛ لأنه أيضًا درس في الطاعة للأمر، ودرس في أن
الإنسان قيمة مطلقة، المقصود منه الدرس المستفاد وليس
ما قبله. وقد تم ذلك في الحلم دون اليقظة، وأن إبراهيم
كان مأمورًا بمقدمات الذبح دون الذبح، ولم يحدث أن تم
الذبح والْتأم القطع مرات عديدة.
٦٨ لقد نهى الله عن الكفر والمعصية ولا يحسن
أن يريد شيئًا ويريد وجوده ثم ينهى عنه أو ينهى عن شيء
ثم يريده، وإلا انهدم أساس الشريعة، وافترضنا في الله
الكذب وسوء النية وإظهار غير ما يبطن وإبطان غير ما
يظهر كما يفعل سائر البشر وكما تفعل الباطنية.
٦٩
الله إذن لا يتدخل في أعمال العباد ولا يشاء منها
فعلًا إيجابًا أم سلبًا. لم يخلق شيئًا منها وإلا كان
مسئولًا عن المعاصي والقبائح والشرور. لم يخلق الخير
ولا الشر منها. لم يخلق الخير حتى يجعل الإنسان فاعلًا
له ولا الشر لأن الخير لا يفعل إلا الخير. والتقييد من
إرادة المعبود وفعله هو في نهاية الأمر إثبات على
استحياء للحرية الإنسانية ونقص في الشجاعة للإعلان
عنها، وإحجام عن العقل والواقع وترك لبقايا المزايدة
في الإيمان واغتراب الإنسان.
٧٠ ولا يتدخل أي آخر في أفعال العباد من الجن
أو الشياطين أو الملائكة. وقد أصبح الشيطان في وجداننا
القوي، علة نفسر بها كل الشرور والآثام، أقوى من الله،
ومشجبًا تعلق عليه أخطاء العصر.
٧١ هناك الفطرة الإنسانية التي تشمل العقل
والقدرة على التمييز كما تشمل الإرادة والفعل الحر،
وهي التي تسطر الفعل على صفحة العلم الإلهي.
٧٢
والسؤال التقليدي: هل يقال إن المعبود قوَّى الإنسان
على الكفر؟ هو تمرين عقلي لإظهار قدرة الذات المطلقة
على حساب الحرية الإنسانية لو كان الجواب بالإيجاب.
ولكنه يثير إشكالًا أعظم وهو كيف يقوى الخير المطلق
على فعل الشر ويحث عليه؟
٧٣ وتكون الإجابة بالنفي إلغاءً للقدرة
المطلقة وإثباتًا للحرية الإنسانية وأكثر
اتفاقًا مع
التنزيه. الولاية والعداوة بعد الفعل وليس قبل الفعل
وإلا كانت أفعال الله غير معللة بسبب أو غاية. وإذا
كان الجواب بالنفي إثباتًا للحرية الإنسانية، فماذا
يكون وضع قدرة مطلقة لا تفعل؟ وإن أية محاولة للجمع
بين الطرفين لا تؤدي إلا إلى تحصيل حاصل. وكذلك السؤال
التقليدي الآخر: هل يقدر الله على ما أقدر عليه عباده؟
إذا كان الجواب بالإيجاب فهي محاولة لإثبات القدرة
المطلقة على حساب الإنسان. أمَّا إذا كان الجواب
بالنفي فهو إثبات لحرية الإنسان وفي الوقت نفسه أكثر
تنزيهًا لحقٍّ مطلق.
٧٤
وفي قوة الدفع المتولدة عن إثبات الحرية الإنسانية
قد ينتهي الأمر إلى جعل الإرادة الإلهية تابعة للإرادة
الإنسانية تسير وراءها وليس أمامها بعد فك الحصار
والهرب إلى رحب الفضاء. عندئذٍ تكون الإرادة الإلهية
مثل الإرادة الإنسانية محلًّا للحوادث، ليس فقط
إثباتًا للحرية الإنسانية، بل أيضًا للوجود الإنساني،
وأن المعبود ما هو إلا سجل لصيرورة البشر، وأن الفعل
الإنساني هو الذي يُسطِّر علم الله ومصدره بصرف النظر
عن العلم الإلهي النظري الشامل لكل شيء ومسار الكون
دون لحظاته وتقلباته.
٧٥
بل إن الأمر قد يصل إلى جعل المعبود مطيعًا لفعل
الإنسان بما أنه تأليه له ومتعلق عليه. فالعقل
الإنساني هو الذي يحدِّد وصفه في العلم الإلهي.
٧٦ وقد يبلغ الحرص على حرية الأفعال درجة
إنكار القدرة الإلهية على الإطلاق ووصفه
بعدم القدرة بل
وبالعجز، ولا يقدر على مقدورات العباد لا الإنسان ولا
الحيوان. ويتم ذلك باسم الدفاع عن قوانين الطبيعة
واستقلالها وسيطرتها على مظاهر الطبيعة؛ وبالتالي فتح
الطريق إلى نشأة العلم، وكذلك دفاعًا عن حرية الإنسان
وأفعاله في الطبيعة وثقته بالنفس وتأكيدًا للعلل
والأسباب ولقوانين الطبيعة في ارتباط العلة والمعلول.
٧٧
وكيف يكون الله مسئولًا عن الشرور والقبائح ومصدرًا
للكفر والفسوق والعصيان؟ فلا يريد السفه إلا سفيهًا
سواء لنفسه أم لغيره؛ فالله قد يريد ما لا يكون وقد
يكون ما لا يريد، وهذا لا يعني كونه مقهورًا على مراده
أو أنه يلحقه الضعف والوهن والنقص، أو أنه مطيع
لعباده، بل يعني أن شمول إرادته لا تقضي على حرية
أفعال العباد.
٧٨ إن مسئولية الإنسان عن الشر نظرة بطولية
إلى الإنسان في تحمله المسئولية وعدم إلقائها على
أكتاف الآخرين خيرًا أم شرًّا. كما أنها تجعل الفاعل
في هذا العالم واحدًا، فالإنسان هو الفاعل، وليس
فاعلَين؛ الله والإنسان، مما يضع الله على مستوى
الإنسان، وهي حطة في حق الله أو رفع للإنسان إلى مستوى
الله، وهو الغرور.
٧٩
والأفعال الحرة هي الأفعال العاقلة، أفعال الإنسان
وليس أفعال الحيوان. والقول باستقلال أفعال الحيوان
إنما يعني استقلال أفعال الطبيعة التي لا يمكن تدميرها
بإرادةٍ شاملة لأنها إرادةٌ عاقلة وحكيمة خلقت الطبيعة
وسيرت فيها النواميس. لا يمكن أن تدمر الإرادة الإلهية
ذاتها أو أن تنقلب على نفسها أو أن تدمر ما خلقته
بنفسها وإلا كانت متناقضة تريد الوجود والعدم في آنٍ
واحد. ولكن إثبات استقلال أفعال الحيوان رد فعل على
إنكار حرية الإنسان وعلى إنكار إثبات قوانين الطبيعة،
فالفعل يولِّد رد الفعل، والتطرف يؤدي إلى التطرف المضاد.
٨٠ إن إرادة الله لشيء كراهيته لضده، إرادته
للخير كراهية للشر، وإرادته للطاعة كراهية للمعصية،
ودون أن تتدخل في وقوعه أو عدم وقوعه. فإذا وقعت
المعاصي فإن الله لا يكون مريدًا لها، أي إنه لم
يفعلها، بل كان كارهًا لوقوعها لمسئولية الإنسان عنها.
أمَّا إذا أتت من الأطفال أو المجانين أو من البهائم
فإنه لا يكون مريدًا أو كارهًا لها بأي حال. وهذا أكرم
لله وأكثر تعبيرًا عن التنزيه.
٨١ إن أفعال الإنسان ليست فقط وقائع وحوادث،
بل هي معانٍ وبواعث، مقاصد وغايات. ليست أشياء كما هو
الحال في السؤال التقليدي عن أفعال الناس والحيوان، هل
هي أشياء أم ليست أشياء؟ هل هي أجسام أم لا؟ تدخل
أفعال الإنسان في نطاق العلوم الإنسانية وليس في
العلوم الطبيعية؛ لأنها ليست أشياء بل مواقف تتغلَّف
فيها الحرية الإنسانية وليست حتمية القوانين الطبيعية.
٨٢
وللإنسان القدرة التامة على الفعل، والاستطاعة
التامة لتحقيقه وإلا لما صح الحساب، ولما وجبت
المساءلة، ولما صح التكليف. وكيف يثبت التكليف دون
حرية الأفعال بصرف النظر عن إرادة القبح، هل هي من
ذاتها قبيحة أم أنها قبيحة اكتسابًا؟ وإن لم تثبت حرية
الأفعال يصبح الله مسئولًا عن القبائح، مانعًا من
الطاعات، ويصبح الشيطان هو «الشريك الغالب»! العقل
والقدرة هما شرطا التكليف، والتكليف شرط الحساب،
واستحقاق الثواب أو العقاب.
٨٣
وأفعال الشعور لا تتم إلا من إنسان في موقفٍ محدد لا
من فعل إنسانٍ كاملٍ مجرد. وهو إنسان يوجد بين عالمين،
يتنازعه قطبان، إمكانيةٌ خالصة للحركة، للإقدام
والإحجام. الإنسان صاحب أفعاله، لم يشأ منها أحد،
سلبًا أم إيجابًا، طاعةً أو معصيةً، ثوابًا أو عقابًا.
٨٤ وبعد وقوع الفعل، كل رجوع إلى الوراء
للبحث عن بدل أو تعبيرًا عن تمنٍّ لما لم يحدث هو
عمليةٌ شعوريةٌ خالصة لا تغير من الحدث الواقع ذاته.
قد يؤخذ ذلك في الاعتبار في الحصول على تجربة للأفعال
المستقبلية، ولكن إذا كان الأمر مجرد تمنٍّ لما لم
يحدث وندم على ما حدث فهو إغراق في الخيال وإقرار
بالضعف وعدم الثقة في المستقبل وتوقف للحياة. إن وجود
الفعل يمنع من وجود ضده، وجود فعل الإيمان يمنع من
وجود فعل الكفر لما كان الفعلان يمثلان احتمالَين
للشعور. فلا مجال للأفعال المزدوجة والمتناقضة
والمتشابهة. إن الفعل بعد أن يتحقق يصبح تاريخًا، ولا
استدراك إلا بفعلٍ آخر وإلا وقع الإنسان في الندم
والحسرة والنهي والإحساس بالذنب عما تم أو العجز مما
لم يتم، مما لا يغير من واقع الفعل شيئًا.
٨٥ ومع ذلك يجوز التمني من أجل عقد العزم على
إثبات الفعل الثاني.
٨٦
حرية الأفعال أقرب إلى العقل والواقع والشرع
والتكليف؛ فالله لم يأمر بالشر بمعنى أنه لم يفعله
بإرادته بل إنه فقط نبه عليه بالنهي عنه، وبالتوجه إلى
إرادة الإنسان الحرة، كما أنه أمره بالخير ولم يجبره
عليه، بل نبه وأشار إليه تاركًا حرية الاختيار
للإنسان، كما أنه لا يرضى بالشر ولا يريده، وإنما
أيضًا ينبه إليه من خلال النهي عنه والتحذير منه. إن
الأمر بأفعال الشعور لا يعني الجبر عليه، بل يعني مجرد
التوجيه والإرشاد والتنبيه، والإنسان لديه القدرة على
الفعل وعدم الفعل، ولديه العقل للتمييز بين الحسن والقبح.
٨٧
إن خلق الإنسان لأفعاله ليس نظريةً مستوردة من
الخارج لم تنبع من صميم الوحي وموطن الإسلام. فتنزيه
الله عن الظلم ضرورة عقلية كما أنها في أصل الوحي،
ومسئولية الإنسان عن أفعاله ضرورة عقلية وفي أصل
الوحي. إنما القصد من ذلك حصار المعارضة السياسية
وإخراجها من قهر الأغلبية باسم إجماع الأمة.
٨٨