أولًا: مقدمة، اسم المشكلة ومكانها في العلم
(١) اسم المشكلة
يصعب إيجاد عنوان دقيق لهذا الفصل مثل باقي الفصول، بالرغم من وجود الاسم القديم للمشكلة، الحسن والقبح أو العقل والنقل. فالحسن والقبح العقليان عنوان من المعتزلة وأحد أصولهم الخمسة، وليس أصلًا عامًّا من أصول الدين تجتمع عليه كل الفِرَق وإن كانت المسألة معروضة عليهم، إمَّا من الاعتزال أو من طريقة التعامل مع النص، حرفيًّا أم مجازًا؛ لذلك يكون اسمها أيضًا العقل والنقل أو العقل والسمع أو العقل والوحي. ويتضح من هذا العنوان أيضًا أنه مفروض من الاعتزال على بنية العلم، بدليل أولوية لفظ العقل على اللفظ الثاني النقل أو السمع أو الوحي. وهي مشكلة المنهج ليس فقط في علم أصول الدين بل في باقي العلوم دون أن تكون إحدى قواعد علم العقائد. ومع ذلك تشمل هذه المشكلة المنهجية عدة موضوعات أشبه بالعقائد، ولكنها أقل إلهية وأكثر إنسانية، أخف إيمانية وأقوى عقلانية، مثل الصلاح والأصلح واللطف والغائية دون أن تظهر هذه الموضوعات كعناوين في المسألة. كان يمكن تسميتها إذن «الإنسان العاقل»، لما كان باب العدل كله هو الإنسان المتعين وظهر الإنسان الحر في خلق الأفعال أوَّلًا وها هو الإنسان العاقل يظهر ثانيًا كشق ثانٍ للإنسان المتعين. فلا حرية بلا عقل، ولا تقوم الحرية إلا على العقل القادر على الإدراك والتمييز بين صفات الأفعال. ولما كانت الغائية من أهم موضوعاتها كان يمكن تسميتها «العقل المصلحي»، لما كان موضوع الصلاح والإصلاح في مقابل موضوع اللطف من أهم عناصرها. بل إن هذا العنوان قد يعيد الوحدة الباطنية في الأصل وفي الموضوع بين علمي الأصول، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، اللذين يقومان معًا على المصلحة؛ فالمصلحة ليست فقط أساس الشرع ومصدره، بل هي أيضًا أساس العقيدة وغايتها. ونظرًا لأن الموضوع ألصق بعلم أصول الفقه، فقد تُرك في مكانه الطبيعي القديم. ولما كانت الغاية من أهم عناصرها كذلك فيمكن تسميته لذلك «العقل الغائي». ولما كانت المصلحة غاية، فإنه يتضمن موضوع المصلحة، وهو يؤكد على وحدانية العقل دون طرف آخر مقابل له في النص وبالتالي فإنه يضع «الإنسان العاقل» كما وضع خلق الأفعال الإنسان الحر؛ ومِنْ ثَمَّ يكون عنصرا التعين في الإنسان؛ الحرية والعقل. وسبق الحرية للعقل ناتج من أن تعين الإنسان من كمال، وخروج الإنسان المتعين من الإنسان الكامل إنما هو فعل الحرية الأوَّل. ثم يأتي بعد ذلك العقل كي يجعلها حرية عاقلة وليست مجرد هوى أو تعبير عن إرادة ونزوع. الحرية والعقل إذن جانبان لأصل واحد هو العدل، كما أن الذات والصفات مظهران لأصل واحد هو التوحيد. تثبت الحرية أوَّلًا قبل العقل لأن الحرية موضوع ممارسة، ثم يأتي العقل بعد ذلك لتوجيهها وجهة عاقلة. الحرية تجربة وجدانية والعقل اكتساب من داخل الممارسة، فتصبح الحرية عاقلة؛ ومِنْ ثَمَّ ثار سؤال: هل الموضوع كله جزء من التوحيد أم جزء من العدل؟ فالأفعال بين الأصلين شمول إرادة الله وقدرته وبزوغ الفعل الإنساني من خلاله مثل شمول الوحي وعمومه ثم بزوغ العقل الإنساني من خلاله.
(٢) هل هي جزء من التوحيد؟
(٣) هل هي جزء من العدل؟
(٤) هل هي أصلٌ مستقلٌّ؟
- (١)
تعريف الحسن والقبح، هل هو داخل في الكون كشرٍّ أو في البدن كضرر ونفع أم أنه بداهة ووجدان؟ (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الدر، ص١٤٨–١٥٠؛ الملل، ج١، ص١٢؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩).
- (٢)
هل هما صفتان موضوعيتان للأفعال أم خارجيتان من الشرع وإرادة الله؟ (الجوهرة، ص١١-١٢).
- (٣)
الواجبات العقلية (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ لمع الأدلة، ص١٠٨؛ النظامية، ص٣٠–٤٠؛ الاقتصاد، ص٨٣-٨٤؛ الأصول، ص١٣٠–١٥٢؛ النهاية، ص٣٧٠–٣٩٦؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ المعالم، ص٧٢–٩٠).
- (٤)
تنزيه الله عن فعل القبيح (الكفاية، ص٦٥–٦٨؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الشرح، ص٢٩٩–٣٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩؛ التحقيق، ص١٤٩–١٥٢).
- (٥)
الصلاح والأصلح (الكفاية، ص٦٥–٦٨؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ الإرشاد، ص٢٨٧–٣٠١؛ الفصل، ج٣، ص١٢٠–١٣٦؛ الخريدة، ص٤٢–٤٤؛ الجوهرة، ص١١-١٢).
- (٦)
العلة والغائية (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الدر، ص١٤٨–١٥٠؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الإرشاد، ص٢٠٥؛ النهاية، ص١٦٤–٣٩٧؛ الفصل، ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الغاية، ص٢٢٤–٢٤٥؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩؛ الوسيلة، ص٣٥–٤٤).
- (٧)
الآلام والعوض (للإنسان وللبهائم) (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الشرح، ص٥٩٩–٦٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ الفصل، ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ الجوهرة، ص١١-١٢).
- (٨)
اللطف، ومعه التوفيق والخِذْلان والهداية والضلال والطبع والختم والعصمة وهي مرتبطة بخلق الأفعال في أفعال الشعور الداخلية (الحصون، ص٢٩–٣٢؛ الفصل، ج٣، ص١٢٠–١٣٦؛ الاقتصاد، ص٨٣-٨٤؛ الأصول، ص١٣٠–١٥٢؛ النهاية، ص٣٩٧–٤١٦؛ الشرح، ص٥٩٩–٦٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩؛ الملل، ج4، ص١٢؛ الفصل ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الكفاية، ص٦٥–٦٩).