اللمسيات (حاسة اللمس)
مقدمة
ما يميز حاسة اللمس عند الإنسان هو مقدرتها على اكتشاف مستويات مختلفة من حرارةٍ نسبية:
المبحث الأول: اليونانيون
(١) أرسطو (القرن ٤ق.م.)
يبدأ أرسطو بالتساؤل حول ضرورة وجود اللحم حتى تقوم هذه الحاسة بعملها، بمعنى هل يوجد أي دور للعضلات في حاسة اللمس؟
قال أرسطو: «ما يقال عن الملموس يمكن أن يقال عن اللمس؛ ذلك أنه إذا لم يكن اللمس حاسةً واحدة بل أكثر من حاسة واحدة، بل أكثر من حاسة، فمن الضروري أن تكون الملموسات كثيرة. ولكن السؤال الذي نضعه أولًا هو: أهناك حواس كثيرة للمس أم حاسة واحدة؟ وأيضًا فما عضو اللمس؟ أهو اللحم؟ وفي الكائنات [التي لا لحم لها] ما يشبه اللحم؟ أم إنه ليس شيئًا من ذلك، وإنما كان اللحم فقط متوسطًا، وكان عضو الحس الأول في الحقيقة عضوًا باطنًا آخر؟
(٢) جالينوس (القرن ٢م)
المبحث الثاني: العلماء العرب والمسلمين
تناول عدد من العلماء العرب والمسلمين حاسة اللمس منذ القرن ٤ﻫ/١٠م، وقد كانت لهم آراء متعددة؛ فمنهم من وافق اليونانيين الرأي ومنهم من خالفهم.
(١) إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)
إلا أن ما يميز شرح إخوان الصفا هو وصفهم لكيفية إدراك القوة اللامسة للحرارة والبرودة، حيث تنقل الأعصاب الأثر من الجسم إلى مركز الحاسة في الجبهة الأمامية للدماغ للقيام بالتصرف المناسب، وفي حال كانت درجة حرارة الجسم مقبولة فلن تتغير الاستجابة عندها، لكن يستحيل أن يتشابه جسمان في كل الصفات؛ إذ لا بد وأن تختلف بعضها عن بعض.
(٢) مسكويه (القرن ٥ﻫ/١١م)
(٣) ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)
أما عن آلية اللمس فيشرحها لنا ابن سينا بأنها مزيج من العضلات والأعصاب، وليس العضلات لوحدها أو الأعصاب لوحده.
والنص السابق يخالف فيه ابن سينا أرسطو الذي يعتبر فيه عضو اللمس هو القلب، وأن اللحم وسط للمس مثل الهواء بالنسبة للإبصار.
(٤) ابن ماسويه (القرن ٥ﻫ/١١م)
يقرر ابن ماسويه (توفي ٤٦٩ﻫ/١٠٧٦م) أن طريقة إدراك الحرارة والبرودة يكون عن طريق اللمس الموضعي، والدليل على ذلك أننا قد نلمس أجسامنا.
(٥) ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)
يعرِّف ابن باجة حاسة اللمس بأنها القدرة على معرفة الملموس، ومهما تعدَّدت أشكال الجسم الملموس (حار، بارد، خشن، ناعم …) فإن وظيفة هذه الحاسة تبقى واحدةً بالتعرف إليها. هذه الحاسة تعمُّ كل أنحاء الجسم، وهي موجودة في كل حيوان حي.
ولتفسير آلية الإحساس باللمس يعتبر ابن باجة أن هذه الحاسة تتصف بالاعتدال، وهي صفة تخصُّ الجلد وحده، وعندما قال جالينوس وغيره إن آلة حاسة اللمس هي اليد فقد كان يقصد جلد اليد الذي يتصل بالأعصاب مع الدماغ.
(٦) ابن ملكا البغدادي (القرن ٦ﻫ/١٢م)
قدَّم ابن ملكا رأيًا مخالفًا لمن سبقه بأن حاسة اللمس تعمُّ جميع أنحاء الجسم، لكن عملية إدراك الملموسات تتم في النفس وليس في الدماغ كما قال معظم الدارسين لها.
(٧) ابن رشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)
(٨) فخر الدين الرازي (القرن ٧ﻫ/١٣م)
لم يُضِف الإمام فخر الدين (توفي ٦٠٦ﻫ/١٢١٠م) على ما سبق وذكره السابقون فيما يتعلق بحاسة اللمس.
(٩) عبد اللطيف البغدادي (القرن ٧ﻫ/١٣م)
وجد عبد اللطيف البغدادي (توفي ٦٢٨ﻫ/١٢٣١م) أن حاسة اللمس أقوى حاسة في عملية الإدراك، وأصدق ما يمكن الاعتماد عليه بين الحواس، لكننا سبق ووجدنا كيف أن مسكويه أشار إلى عدم أمانة وصدق هذه الحاسة؛ نظرًا لاختلاف الإحساس الذي تُعطيه لدى لمس الماء الحار ثم الماء البارد.
(١٠) سيف الدين الآمدي (القرن ٧ﻫ/١٣م)
(١١) الأبهري (القرن ٧ﻫ/١٣م)
(١٢) نصير الدين الطوسي (القرن ٧ﻫ/١٣م)
(١٣) التفتازاني (القرن ٨ﻫ/١٤م)
إضافةً لما سبق وذكره الآخرون طرح سعد الدين التفتازاني (توفي ٧٩٣ﻫ/١٣٩٠م) أن حاسة اللمس تستوجب التماس بين الجلد والشيء الملموس، فالشيء البعيد عن التماس مع الجلد لا يمكن للحاسة إدراك هل هو نافع أم ضار.
(١٤) الأحمد نكري (القرن ١٢ﻫ/١٨م)
آخر من تناول الحديث عن حاسة اللمس هو الأحمد نكري في معجمه «دستور العلماء»، فقد جمع كل الأقوال بدءًا بابن سينا والطوسي وغيرهم ممن لم يذكرهم، لكن ما أضافه هو أن هذه الحاسة مركبة من العناصر الأربعة (الماء والهواء والتراب والنار)، لكن طبعًا دون أن يحدد نسبها؛ وهذا يعني أن لها أربع كيفيات (حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة). ويعود ويؤكد على فكرة أن حساسية هذه الحاسة تبلغ ذروتها في نهايات الأصابع، وهو ما أثبته العلم الحديث.