المحسن التنوخي
أرشدنا إلى هذا الكاتب المسيو ماسينيون «صديق الجميع»، كما كتب إلينا في وصفه المستشرق الهولندي الجليل الدكتور سنوك.
والتنوخي هذا هو المحسن بن علي بن محمد المتوفى ببغداد سنة ٣٨٤، وكان مولده بالبصرة سنة ٣٢٩، وله من التصانيف: كتاب الفرج بعد الشدة، وكتاب نشوار المحاضرة، أحد عشر مجلدًا، كل مجلد له فاتحة بخطبة، وهو كتاب جيد، ألفه التنوخي في عشرين سنة، أولها سنة ٣٦، واشترط ألاَّ يضمنه شيئًا نقله من كتاب.
هذه كلمة المستر مارجوليوث في التعليق على ما ذكر ياقوت، ونلاحظ أنه فاته حين تكلم عن مطابقة التواريخ أن يتنبه إلى ما نقله خطأ عن ياقوت؛ حيث دوَّن أن كتاب نشوار المحاضرة صنف في عشرين سنة أولها سنة ٣٦، وهو ذكر أن التنوخي ولد سنة ٣٢٩، فعلى هذا يكون المؤلف ابتدأ جمع أصول الكتاب في السابعة من عمره، وهو خطأ مبين وسنصححه بعد قليل.
وحدثنا المستر مارجوليوث أنه حذف حكايات لم ير داعيًا إلى تخليدها، وكنا نود لو نشر الكتاب كاملًا لم يحذف منه شيء، فإن التحكم في أغراض المؤلفين من الأغلاط الشنيعة التي ينبغي أن ينزه عنها أمثال المستر مارجوليوث، وهو قد صنع مثل هذا الصنيع في طبع إرشاد الأريب لياقوت المعروف بمعجم الأدباء، فقد ذكر أنه حذف طائفة من رسائل أبي العلاء المعري اكتفاء بنشرها في مجموعة أخرى من مجموعات أكسفورد، فكأنه لا يفكر إلا في قرائه من المستشرقين.
وهذه المؤاخذة لا تحول دون الاعتراف بفضل هذا الباحث في نشر الآثار القديمة، فإليه يرجع الفضل في إحياء كثير من المراجع المهمة في الكشف عن معارف الأقدمين.
وأهمية كتاب نشوار المحاضرة تعرف من مقدمته، فإن المؤلف يحدثنا أنه اتصل بكثير من الناس ممن عرفوا أحاديث الملل، وأخبار الممالك والدول، ووقفوا على محاسن الأمم ومعايبهم، وفضائلهم ومثالبهم، وسمعوا أخبار الملوك والكتاب والوزراء، والسادة والبخلاء، وذوي الكبر والخيلاء، والأشراف والظرفاء، والمحادثين والندماء، والسفهاء والحلماء، والمحدثين والفقهاء، والفلاسفة والحكماء، وأهل الآراء والأهواء، والمتأدبين والأدباء، والمترسلين والفصحاء، والرجاز والخطباء، والعروضيين والشعراء، والنسابين والرواة، واللغويين والنحاة، والشهود والقضاة، والأمناء والولاة، والمتصرفين والكفاة، والفرسان والأمجاد، والشجعان والأنجاد، والجند والقواد، وأصحاب القنص والاصطياد، والجواسيس والمتخبرين، والسعاة والغمازين، والوراقين والمعلمين.
والحسَّاب والمحررين، والعمال وأصحاب الدواوين، والأكرة والفلاحين، والمتكلمين على الطرق، والواعظين والقصاص، وأهل الصوامع والخلوات، والنساك والصالحين، والعباد والمتبتلين، والصوفية والمتواجدين، والأئمة والمؤذنين، والقرَّاء والملحنين، وأهل النقص والمقصرين، والأغنياء والمتخلفين، والشطار والمتقين، وأصحاب العصبية والسكاكين، وقطاع الطرق والمتلصصين، وأهل الخسارة والعيارين، ولعَّاب النرد والشطرنجيين، والملاح والمتطايبين، وأهل النادرة والمضحكين، والطفيلية والمستطرحين، والأكلة والمؤاكلين، والشُراب والمعاقرين.
والمغنيات والمغنين، والرقاصين والمخنثين، وأهل الهزل والمتخالفين، والبله والمغفلين، والمفكرين والموسوسين، والملحدة والمتنبئين، والأطباء والمنجمين، والكحالين والفصادين، والآسية والمجيرين، والشحاذين والمجتدين، والمجدودين والمحدودين، والسعاة والمسافرين، والمشاة والمتغرِّبين، والسُياح والغواصين، وسُلاك البحار والمفازات، وأهل المهن والصناعات، والمياسير والفقراء، والتجار والأغنياء، والفواضل من النساء، حرائرهن والإماء، وخواص الأحجار والحيوانات، والأدوية والعلاجات، والأحاديث المفردات، وطريف المنامات، وشريف الحكايات، وغير ذلك من ضروب أحاديث أهل الخير والشر، والنفع والضر، وسكان المدر والوبر، والبدو والحضر، شرقًا وغربًا، وبعدًا وقربًا.
فلما تطاولت السنون، ومات المشيخة الذين كانوا مادة هذا الفن، ولم يبق من نظرائهم إلا اليسير الذي إن مات ولم يحفظ عنه ما يحكيه، مات بموته ما يرويه، ووجدت أخلاق ملوكنا ورؤسائنا لا تأتي من الفضل، بمثل ما يحتوي عليه تلك الأخبار من النبل … بل هي مضادة لما تدل عليه تلك الحكايات من أخلاق المتقدِّمين وضرائبهم وطباعهم ومذاهبهم، حتى أن من بقى من هؤلاء الشيوخ إذا ذكر ما يحفظه من هذا الجنس بحضرة أرباب الدولة ورؤساء الوقت، خاصة ما كان منه متعلقًا بالكرم، ودالًّا على حسن الشيم، ومتضمنًا ذكر وفور النعم، وكبر الهمم، وسعة الأنفس، وغضارة الزمان، ومكارم الأخلاق، كذبوا به ودفعوه، وجعلوه في أقسام الباطل واستبعدوه؛ ضعفًا عن إتيان مثله، واستعظامًا منهم لصغير ما وصلوا إليه، وبالإضافة إلى كبير ما احتوى أولئك عليه، وقصورًا عن أن تنتج خواطرهم أمثال تلك الفضائل والخصال، أو تتسع صدورهم لفعل ما يقارب تلك المكارم والأفعال.
هذا مع أن في زمانهم من العلماء المحتسبين في التعليم، والأدباء المنتصبين للتأديب والتفهيم، وأهل الفضل والبراعة، في كل علم وأدب وجد وهزل وصناعة، من يتقدم بجودة الخاطر، وحسن الباطن والظاهر، وشدة الحذق فيما يتعاطاه، والتبريز فيما يعانيه ويتولاه، كثيرًا مما تقدمه في الزمان، وسبقه بالمولد في ذلك الأوان، ويقتصر منهم على الإكرام دون الأموال، وقضاء الحاجة دون المغارم والأثقال، فما يرفعون به راسًا، ولا ينظرون إليه إلا اختلاسًا، لفساد هذا العصر، وتباعد حكمه من ذلك الدهر، وأن موجبات الدهر فيه متغيرة متنقلة، والسنن دارسة متبدلة، والرغبة في العلم معدومة، والهمم باطلة مفقودة، والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع، ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع.
- الأولى: يظهر أن المؤلف كان قوي الحس، دقيق الملاحظة، فكان لذلك يتعقب الأدباء والشعراء والوزراء، ومن عدا هؤلاء من مختلف الطبقات، ويعي كل ما يسمع، ويقيد كل ما يقع له من الأخبار والأشعار والمحاورات والمحادثات، حتى استطاع أن يكون نسيجًا وحده في هذا النوع من التأليف.
- الثانية: يظهر أن المؤلف كان خصبًا في لغته وإنشائه إلى حد بعيد، والذي يقرأ مقدمته كاملة يرى كيف كانت مفردات اللغة ومترادفاتها تنثال عليه انثيالًا، وإنه ليذكر بالجاحظ في هذا الباب، ولا يؤخذ عليه إلا شيء يسير من الالتواء حين يباعد مثلًا بين الفاعل والمفعول بطائفة من القرائن المتعاطفة المتواصلة؛ بحيث يضطر القارئ إلى تأمل ما تقدم من التراكيب ليظهر له الربط بين أجزاء الجملة التي قد لا تتم أحيانًا إلا بعد عدة سطور، وربما غلب عليه الإسفاف في بعض التعابير حين يتعمد السجع؛ كقوله في الكلمة التي اقتبسناها آنفا: «والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع، ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع.»
- الثالثة: لم يكن التنوخي من المؤلفين الذين يفردون المتقدمين بالإجادة والإبداع، ويظنون أنه جديد تحت الشمس، وأن المتقدم لم يترك شيئًا للمتأخر، ولكنه يقرر أن في معاصريه من فاقوا الأولين، ويقول: «فقد خرج في أعمارنا وما قاربها من السنين من مكنون أسرار العلم، وظهر من دقيق الخواطر والفهم، ما لعله كان معتاصًّا على الماضين، وممتنعًا على كثير من المتقدمين.»١١
- الرابعة: لم يكن المؤلف راضيًا عن الحكام والأمراء من أهل زمانه، فهو يراهم من
المتخلفين في طباعهم ومذاهبهم، ويحكم على أهل عصره بالفساد، ويرى طباع
أهله متغيرة، ورغبتهم في العلم معدومة، وهممهم مفقودة، ويقول: فنحن
حاصلون فيما رُوي من الخبر أنه لا يزداد الزمان إلا صعوبة، ولا الناس
إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وما أحسن ما أنشدني أبو
الطيب المتنبي لنفسه في وصف صورتنا:
أتى الزمان بنوه في شبيبتهفسرهم وأتيناه على الهرم١٢ويقول في مكان آخر من المقدمة:ولهذا الحال ما انطمست المحاسن في هذه الدول، وردَّت أخبار هؤلاء الملوك، وخلت التواريخ من عجائب ما يجري في هذا الوقت؛ لأن ذوي الفضل لا يفنون أعمارهم بتشييد مفاخر غيرهم وإنفاق نتائج خواطرهم، مع بعدهم من الفائدة، وخلوهم عن العائدة، وأكثر الملوك وذوي الأحوال والرؤساء وأرباب الأموال لا يجودون عليهم، فيجيد هؤلاء لهم نسج الأشعار والخطب وحوك الرسائل والكتب، التي تبقى فيها المآثر، ما بقي الدهر الغابر؛ فقد بخل هؤلاء، وغفل هؤلاء، ورضي كل واحد من الفريقين بالتقصير فيما يجده، والنقص فيما يعتمده.١٣
وواضح من هذا أن المؤلف كان ينتظر من أمراء عصره أن يمدوه بالمال ويعينوه على التأليف.
وبهذه المناسبة نذكر أن اعتماد شعراء اللغة العربية وأدبائها على رعاية الملوك والأمراء والوزراء لم يكن من البدع الشاذة التي انفرد بها العرب في العصور القديمة، بل كان سُنَّة شائعة في الشرق والغرب، ويكفي أن يذكر المرء مثلًا بلاط فرنسوا الأول أو لويس الرابع عشر أو فريدريك الثاني؛ ليعرف أن شعراء أوروبا وأدباءها كانوا يعيشون في رعاية ملوكهم، ويعتمدون على معونات وزرائهم، وقد انقطعت هذه العادة أو كادت من الشرق والغرب، وانقبض الملوك والأمراء والوزراء عن تشجيع الكتاب والشعراء والمؤلفين.
ولست أنسب انقطاع هذه العادة إلى تغير الطباع وفساد الزمان، كما فعل التنوخي؛ فإن عصرنا غير عصره، وإنما أنسبها إلى أن الشعراء والكتاب والمؤلفين قد أخذت خلائقهم تستقيم، وشرعوا يفهمون أن الأدب أعلى وأرفع من أن يكون صاحبه ملحقًا بحواشي الملوك والأمراء، يضاف إلى ذلك أن هذا العصر عصر الشعوب لا عصر الملوك، وللأديب المتفوق، والشاعر المبدع، والكاتب البليغ، ميادين أخرى للشعر والإنشاء والتأليف هي أجدى وأنفع وأقرب إلى الثروة والغنى والجاه من تلك الصلات الوضيعة التي كانت تخفض رءوس أصحابها أمام سدَّات الملوك.
أشرنا من قبل إلى أن ياقوت ذكر أن التنوخي ابتدأ تأليف نشوار المحاضرة سنة ٣٦، وبيَّنا كيف غاب عن المستر مارجوليوث أن يمحو هذا الخطأ المبين، ونعود فنذكر أن المستر مارجوليوث حين غفل عن أخذ ياقوت أخذ يؤيده ويبني عليه أن المؤلف ذكر خبرًا سمعه سنة ٣٤٩، ثم أكثر من حوادث سنة ٣٦٠، ثم ذكر حادثًا حدث سنة ٣٦١.
واتفق أيضًا أنني حضرت المجالس بمدينة السلام في سنة ستين وثلثمائة بعد غيبتي عنها سنين فوجدتها مُحيلة ممن كانت به عامرة، وبمذاكرته آهلة ناضرة، ولقيت بقايا من نظراء أولئك الأشياخ، وجرت المذاكرة فوجدت ما كان في حفظي من تلك المخاطبات قديمًا قد قلَّ، وما جرى من الأفواه في معناها قد اختل، حتى صار من يحكي كثيرًا مما سمعناه يخلطه بما يحيله ويفسده، ورأيت كل حكاية مما أُنسيته لو كان باقيًا في حفظي لصلح لفن من المذاكرة، ونوع من نشوار المحاضرة، فأثبتُّ ما بقي عليَّ مما كنت أحفظه قديمًا، واعتقدت إثبات كل ما أسمعه من هذا الجنس، وتلميعه بما يحث على قراءته من شعر لمتأخر من المحدثين، أو مجيد من الكتاب والمتأدبين، أو كلام منثور لرجل من أهل العصر، أو رسالة، أو كتاب بديع المعنى أو حسن النظم والنثر، مما لم يكن في الأيدي شعره ولا نثره، ولا تكرر نسخ ديوانه، ولا تردت معاني إحسانه، وما فيه من مثل طريٍّ أو حكمة جديدة، أو نادرة حديثة، أو فائدة قريبة المولد، ليعلم أن الزمان قد بقي من القرائح والألباب، في ضروب العلوم والآداب، أكثر مما كان قديمًا أو مثله، ولكن تقبُّلُ أرباب تلك الدول للأدب أظهره ونشره، وزُهدُ هؤلاء الأئمة في هذا الأدب غمره وستره.
ولعل القارئ يتنبه هنا أيضًا إلى صنعة هذا الكاتب في إنشائه، فهي تمضي به أحيانًا إلى التهافت والإسفاف، لا سيما إذا لاحظ قوله: «واختلاطها أطيب في الآذان وأدخل، وأخف على القلوب من الأذان وأوصل»، فقد أراد أن يجانس ويوازن بين الآذان والأذان فمضى به ذلك إلى الغموض، فضلًا عن أنه ليس من المقبول أن يقال: «أخف من الأذان» إذ ليس من سلامة الذوق أن يدَّعي المرء أن كلامه أخف على القلوب من كلمة «الله أكبر، الله أكبر» وهي هي الكلمة الباقية على الزمان، وتلك هفوة تذكر بهفوة المتنبي إذ قال:
والمؤلف في الجملة يسلك مسلك الاستطراد، فينتقل بالقارئ من قصة إلى قصة، ومن حديث إلى حديث، بلا ترتيب ولا تبويب، وقد صنع هذا الصنيع غير واحد ممن تقدموه وعاصروه وخلفوه، وهو منهج له قيمته في تشويق القارئ ونقله من حال إلى حال، بين الجد والهزل، والحلو والمر، والقديم والطريف.
فهو إذن مقتنع باستفادة القارئ من تجارب من سبقوه، ونحن نوافقه على ذلك مع تحفظ؛ إذ كنا نعتقد أن المرء لا يتفهم جيدًا مرامي الحوادث الماضية إلا إذا اتصلت بحوادثه الحاضرة، ونرى أن الرجل الخالي الذهن من المشاكل العقلية والخُلقية والوجدانية والاجتماعية يقرأ ما يقع له من تجارب الأولين بذهن خامد، وعقل مشكول، ولب معقول. أما الرجل الذي اصطدم بحوادث دهره، ومشاكل عصره، فإنه يقرأ أحاديث من سبقوه بعقل يقظ، وفكر متنبه، وقلب حساس؛ إذ يرى من يواجهه بحقيقة نفسه، ويحدِّثه عن قلبه، ويراجع معه مشاكل وجدانه، ومصاعب إحساسه، ومن هنا نشأ ما نراه من اختلاف التقدير للأثر الفني الواحد، فكم قصيدة، وكم رسالة، وكم قصة يبكي لها هذا، ويسخر منها ذاك، والغرض هو هو لم يتغير؛ لا في وضعه ولا في مرماه، وإنما تختلف النفوس والقلوب والعقول بحسب ما تمر به من مختلف الأحداث وشتى الظروف؛ فهنا قلبٌ هادئ، وهناك قلبٌ متردد، وهناك قلبٌ مضطرب.
ودليل ذلك أيضًا أنك قد تقرأ الرسالة أو القصيدة أو القصة فلا تحرك نفسك ولا تهيج وجدانك، ثم تعود إلى ما قرأته مرة ثانية في أحوال مخالفة، وظروف مغايرة، فترى ذلك الأثر الفني الذي لم يرعك في اللحظة الأولى قد راعك وبهرك وشغلك بنفسك وقلبك حين عدت إليه للمرة الثانية، ودليل آخر هو صلاحية النفس في الشباب لآثار فنية وأدبية لا توافقها في حال الكهولة؛ فللشباب آداب، وللكهولة آداب، ومن الخطأ أن يظن أن قيمة الأثر الفني تقدر بصلاحيته لجميع النفوس، وقدرته على التأثير في جميع القراء؛ من شباب وكهول، ورجال ونساء، ولا يقدر حقيقة ما نقوله إلا من خبر نفسه، ودرس مشاكل عقله ووجدانه وقلبه، وتأمل كيف يكون سكون النفس واضطرابها، وكيف يكون شغل القلب وفراغه، وعرف أن الغرائز الإنسانية أهول وأخطر وأفزع من أن يوضع لها مقياس ضابط لما تصلح له على اختلاف النوازع وفي جميع الأجيال.
أشرنا من قبل إلى أسلوب التنوخي وصنعته في الإنشاء، ونحب أن نعود إليه بشيء من التفصيل.
وفي ظني أن هذا الكتاب أغنى ما يكون عن الشرح والتعليق، وللقارئ أن يتأمل قوله: «لا أحوجك الله إلى اقتضاء ثمن معروف أسديته»، فإن هذه الجملة تدلنا على فهم الكاتب لنفوس الكرام، فإنه ليس أصعب ولا أعسر من أن يضطر الكريم إلى اقتضاء ثمن المعروف؛ لأنه لا ينتظر ثمن المعروف إلا لئام الناس، وانظر بعد ذلك تعرضه في حكمة ورفق إلى الحياة والموت، فإنه لم يطلب لرئيسه ما طلب أبو نواس للأمين إذ قال:
فتلك أمنية سخيفة أن تدعو الناس بعضهم لبعض بالبقاء والخلود في دنيا لا بقاء فيها ولا خلود.
وللقارئ أن يتأمل كيف تستوحش النعم بقلة الشكر، فإنه تصوير جميل، آنس الله نعمنا بما يلهمنا من واجب الشكران.
فإن كلمة «أتلحظ» أدق من كلمة «أتلمس» التي كثر استعمالها اليوم.
فإن كلمة «تطرَّي» تعطي صورة جديدة، فكأن الجاه الخامل يماثل العود الذابل، وكأن إقبال الدنيا يصنع بالرجل المحدود ما يصنع الماء بالعود.
يريد: هذا وجه غير وجه الأمس، والنسبة إلى الأمس قليلة في الكلام، مع أنها أدل على معناها من الإضافة وأصرح في الأداء.
فقد جمعت الجملة الأخيرة صورًا عديدة من أدق ما يكون من الإيجاز، والإيجاز لا يقع مثل هذا الموقع إلا من كاتب مَرِن يعرف كيف يقود القلم ويسوس الكلام.
ومعروف أن «عند» تنصب على الظرفية ولا تجر إلا بمن، نحو: من عند الله، فجرها بإلى سيرٌ إلى الحرية في التعبير.
فإذا خلَّينا مرونته وتصرفه في الكلام جانبًا ومضينا نستقصي ما أثبته من التعابير العامية وقع لدينا من ذلك شيء كثير. ويجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد ما قلناه في دراسة أسلوب أحمد بن يوسف المصري: ونحن نرى أن إدخال بعض التعابير العامية الدقيقة في اللغة الفصيحة يزيدها ثروة، والناس لا يلجئون إلى العامية إلا حين يرونها أقرب إلى تصوير أغراضهم في بعض الأحيان. والعامية هي عنصر من اللغة الفصيحة دخل في حكم المبتذل بكثرة الاستعمال، والكاتب المجيد يستطيع أن يلقي عليها مسحة من الطرافة والجدة بحيث يراجعها رونقها القديم، وسنرى في هذه الدراسة أصول التعابير الجارية على ألسنة الناس أكثرها كان فصيحًا، فلما كثر تداوله أضيف ظلمًا إلى لغة العوام وتحاماه كبار الكتاب.
-
(أ)
من ذلك كلمة «الصورة» بمعنى الحالة، نجدها على ألسنة التجار الفلاحين فنعدها عامية، ولكنها في كلام التنوخي كانت فصيحة، وانظر قوله:فدخلنا إليها فحين رأته أكرمته، وبشت به، وسألته عن خبره فصدقها عن الصورة.٢٥
-
(ب)
والعامة يقولون: «فاتشه» إذا اختبره ليعرف ما عنده من سر أو كفاية، ويقولون: «كسَّبه» بتشديد السين إذا فتح باب الكسب، وقد وقعت هاتان اللفظتان في قول التنوخي:فلزمه وفاتشه فوجد كاتبًا فاستخدمه وكسَّبه مالًا عظيمًا.٢٦
-
(جـ)
ونحن نتهيب أن نكتب «شال المائدة» بمعنى رفعها؛ لأن القاموس لا ينص إلا على شال به إذا رفعه، والعامة يقولون بدون تحرج: «شالوا الطعام» بمعنى رفعوه. فلننظر كيف رفع هذا التعبير منذ عشرة قرون في قول التنوخي:ما تسمح نفسي بطريق التشعيب على هذا الحب، شيلوه.٢٧وقوله: «وقام أبو جعفر، وقمنا، وشيلت المائدة.»٢٨وقوله: «فشالني الجيران إلى منزلي.»٢٩
-
(د)
والعامة يقولون: «اخرج برا»؛ أي إلى الخارج، وقد ورد هذا التعبير في قول التنوخي:فاخرج إلى برا حتى أصعد أكلمك من فوق.٣٠
-
(هـ)
وفي الأقاليم المصرية تكثر كلمة «روزنة» وهي الفتحة في السقف أو في الحائط، وأكثر الكتاب يتحامون هذه اللفظة؛ ظنًّا منهم أنها عامية مع أنها موجودة في كلام التنوخي إذا يقول:فخرج وجلس ينظر أن يخاطبه من روزنة في الدار إلى الشارع.٣١
-
(و)
وكلمة «بطال» كثيرة الوقوع في لغة التخاطب، ولكن قلما يستعملها الكتَّاب، وكانت قديمًا مستعملة في اللغة الفصيحة، وحكاها التنوخي فقال على لسان أحمد بن محمد المدائني يحاور بعض الصوفية:أخبرني إذا كنت شيخًا في معناك، حلسًا في ذات نفسك، فأصاب يافوخك تقطيع يعرقب خرزك على سبيل العلم، وكنت تحت الإدارة، هل يضر أوصافك شيء من تعطفك بحبل القدرة، يا بطال!٣٢
-
(ز)
والعامة يستعملون كلمة «أذية» بمعنى إيذاء، وقد وقعت في كلام التنوخي إذ قال:فأردت أذية ابن الحارث.٣٣
-
(ح)
وكلمة «صبية» بمعنى فتاة كانت مستعملة في اللغة الفصيحة، وقد جاء في كلام التنوخي على لسان عريب:روِّ هاتين الصبيتين الشعر.٣٤
-
(ط)
وعوام مصر يقولون: «جرف الأموال» بمعنى انتهبها، وهي كذلك في نشوار المحاضرة في قصة وقعت في مصر.٣٥
-
(ي)
والعوام يستخفون حذف نون الرفع في «يفعلون» و«تفعلين»، والتنوخي يجري ذلك في اللغة الفصيحة فيقول:فبعث في جمعها والرسل تكدني بالاستعجال، والقهارمة يستبطئوني.٣٦
-
(ك)
وكلمة «ست» بمعنى سيدة، كانت مستعملة في اللغة الفصيحة، وكان ظني أنها لم تستعمل إلا في مصر، حيث يقدر أنها كلمة مصرية قديمة، ولكني رأيتها قد استعملت كذلك في بغداد، وإليك الشواهد الآتية: «فقلت لها: يا ستي إني قد عملت أبياتًا أشتهي أن تصنعي فيها لحنًا.»
«كنت مملوكًا روميًّا فمات مولاي فعتقني، فحصلت لنفسي رزقًا برسم الرجالة وتزوجت بستي زوجة مولاي، وقد علم الله أني لا أتزوجها إلا لصيانتها لا لغير ذلك.»٣٧«فقال لها يومًا: بالله يا ستي غني.»٣٨والمسيو مرسيه يرجح أن كلمة «ستي» مخففة عن «سيدتي»، لا أنها منقولة عن «ست» المصرية بدليل استعمالها في بغداد، ولست أرى ما يمنع أن تكون انتقلت إلى بغداد عن طريق المصريين.
-
(ل)
والعوام يقولون: «ما علينا من فلان»، وهي في الأصل عبارة فصيحة، وانظر قول التنوخي:فدخل عليه غلمانه فقالوا: يا سيدنا! الوزير مجتاز في شارعنا. فقال: ما علينا منه!٣٩
-
(م)
والعامة يقولون أحيانًا: «هاتُم» في مكان «هاتوا» وقد وقعت في كلام التنوخي على لسان العضد:وفي موطن آخر: «هاتم فلانًا الكاتب.»٤٢
وما نريد أن نسرف في الاستقصاء، وفيما أسلفناه ما يكفي للإبانة عن مرونة التنوخي وقدرته على التصرف في فنون الكلام، وفي هذه الشواهد مقنع لمن يريد أن يعرف كيف تطورت التعابير، وكيف امتزج العامي بالفصيح.
ففي هذه الفقرات تحليل دقيق لطبائع الناس، ونرى المنجم مع حبه لحسن السمعة وبعد الصيت يذكر أنه يعمل ما يعمل ابتغاء مرضاة الله. والواقع أن الموفَّقين لعمل الخير قلما يسلمون من حب المدح والثناء، والطبيعة البشرية أضعف من أن تقبل على الخير المطلق، فكل محسن يحب أن يذكر إحسانه بالجميل، مهما أخلص لله، وعلى الجماهير أن تفهم ذلك، وأن لا تضن على المحسنين بمظاهر التبجيل؛ فإنه لا شيء أقتل لنوازع الخير في نفوس الكرماء من نكران الصنيع، وقد أفصح عن هذا يحيى بن طالب إذ قال:
ونرى المنجم بعد ذلك يعود إلى نقد طباع الناس فيذكر أنها خست وضعفت، وأن رذائلهم كان فيها قديمًا شيء من النفع، حين كان الحسد يحملهم على مباراة من يحسدون في ميادين العلم والسخاء والمال، فقد كان الحسد من البواعث على الجد والتحصيل، ثم خبت ناره، وصار علالة يتلهى بها ضعفاء العزائم وصغار النفوس.
ونشير أولًا أن هذه الأقصوصة تخرج عن شرط نشوار المحاضرة، وإن لم يشر المؤلف إلى ذلك، فإن من المؤكد أن أخبار وهب بن منبه وأكثر الإسرائيليات كانت دونت قبل القرن الرابع.
ومغزى هذه الأقصوصة واضح؛ فإن واضعها يريد أن يقرر في الأذهان أن فكرة الخير والشر والحرام والحلال لا تخفى على أحد، وأنها مفهومة عند القرود، في وقت لم يكن فيه من يرى أن القرد أصل الإنسان، أو هو إنسان فاته الترقي والنهوض، والأقصوصة ظريفة في وضعها وفي الخيال الذي صبَّت فيه، ولا سيما إذا لاحظنا أن عند القرد جوانب مضيئة في ذهنه، وأن له من الشمائل الإنسانية نصيبًا غير قليل، وفي الأقصوصة تسجيل لطرائق اليهود في جمع المال عن طريق المكسب الخبيث، وكذلك يفعلون.
ومن الأخبار الدالة على قوة النفس أن أخا بابك الخرمي المازيار قال له لما أُدخلا على المعتصم: يا بابك، إنك قد عملت ما لم يعمله أحد، فاصبر الآن صبرًا لم يصبره أحد. فقال له: سترى صبري! فلما صارا بحضرة المعتصم أمر بقطع أيديهما وأرجلهما بحضرته، فبُدئ ببابك فقطعت يمناه، فلما جرى دمه مسح به وجهه كله حتى لم يبق من حيلة وجهه وصورة سحنته شيء، فقال المعتصم: سلوه لِمَ فعل هذا؟ فسئل فقال: قولوا للخليفة: إنك أمرت بقطع أربعتي، وفي نفسك قتلي، ولا شك أنك لا تكويها وتدع دمي ينزف إلى أن تضرب عنقي، فخشيت أن يخرج الدم مني، فتبقى في وجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر أني قد فزعت من الموت، وأنها لذلك لا من خروج الدم، فغطيت وجهي ما مسحته عليه من الدم حتى لا تبين الصفرة.
وأمثال هذه الأخبار تفسر لنا السر في عنف الثورات التي كانت تهدد الحكومات الإسلامية، فقد كان هناك مطامع، وكانت عزائم أقسى من الصخر وأمضى من السيوف، وفي أخبار تلك النفوس الطاغية ما يفسر لنا أيضًا كيف كانت الحكومات الإسلامية تعمد دائمًا على قادة من الطغاة المستبدين، فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولكل عراقٍ حجاج!
وفي مثل هذا الخبر — إن صحت تفاصيله — ما يبين كيف تضعضعت الحكومات الإسلامية وتداعت في زمن قليل، فقد كان الوزراء مفتونين بالمجد الكاذب والحمد المصنوع.
وشيوع الرشوة بين طبقات الحكام يفسر لنا غوامض التاريخ الإسلامي، فقد أكثر المؤرخون القول في نكبة البرامكة مثلًا، وردُّوها إلى أصول أكثرها صحيح، ولكن أكبر الأسباب — فيما أفترض — هو إقبال ذي الحاجات على البرامكة، كان لذلك الإقبال ربح مستور يجهله بعض الناس ويعرفه الرشيد، ولهذا السبب عينه نرى كيف كان الخلفاء يستصفون أموال عمالهم ووزرائهم حين يغضبون عليهم، وكانت مصادرة أموال الحكام المغضوب عليهم لا تجد من يتفرغ لها من الجمهور الذي كان يعرف أنها جمعت من الحرام.
ونستطيع أن نفهم من هذا كيف كان فريق من ذوي الدين والمروءة ينفر من المناصب العمومية، وخاصة منصب القضاء، وأهل العصر الحاضر لا يفهمون هذا حق الفهم؛ لأن رقابة الجمهور عن طريق الصحافة كبحت كثيرًا من جشع الحكام والوزراء، وكشفت عورات كثير من المنافقين الذين يدعون نقاء الأيدي والسرائر، والله بما يضمرون عليهم!
ومن طريف ما في نشوار المحاضرة حديث القاضي أبي يوسف مع زوجته حين كان فقيرًا، فقد نقل أن أبا يوسف صحب أبا حنيفة لتعلم العلم على فقر شديد، فكان ينقطع بملازمته عن طلب المعاش، فيعود إلى منزل مختل، وأمر قل، فطال ذلك، وكانت امرأته تحتال له ما يقتاته يومًا بيوم، فلما طال ذلك عليها خرج إلى المجلس وأقام فيه يومه، وعاد ليلًا فطلب ما يأكل، فجاءت بغضارة مغطاة، فكشفها فإذا فيها دفاتر، فقال: ما هذا؟ قالت: هذا ما أنت مشغول به نهارك أجمع، فكُلْ منه ليلًا! فبكى وبات جائعًا، وتأخر من غد عن المجلس حتى احتال ما أكلوه، فلما جاء إلى أبي حنيفة سأله عن تأخره فصدقه، فقال: ألا عرفتني فكنت أمدك؟ ولا يجب أن تغتم، فإنه إن طال عمرك فستأكل بالفقه اللوزينج بالفستق المقشور. قال أبو يوسف: فلما خدمت الرشيد واختصصت به قُدِّمَتْ بحضرته يومًا جامة لوزينيج بفستق، فحين أكلت منها بكيت وذكرت أبا حنيفة، فسألني الرشيد عن سبب ذلك فأخبرته.
وهذا الحديث من أظرف ما يتأسى به طلبة العلم الذين يرجون أن يغنيهم الله بعد فقر، ويرفعهم بعد خمول.
أما أهل العصر الحاضر فقد انصرفوا عن استفتاء الفقهاء فيما يجزيهم من أزمات الضمائر والقلوب، وصار أكثر الناس لا يبالي ما حرَّمت الشرائع وما حللت من مختلف الشئون، وعاد الأمر كله إلى القوانين الوضعية؛ بحيث لا خطر على الجاني إلا أن يؤخذ، ولا عاصم لصاحب الحق إلا أن يكون بيده عهد مكتوب!
كنا ليلة بحضرة القاسم بن عبيد الله وهو وزير فغنت جاريته بدعة:
والفكرة في ذاتها مقبولة، فإن العشق والتشبيب من ألوان المرح التي قضى العرف باستهجان صدورها من القضاة، على أن عواطف الحب كانت تهتاج كثيرًا من قضاة المسلمين، وكتب الأدب مملوءةٌ بأخبارهم في هذا الباب، من أجل ذلك أرجح أن عجب ذلك الوزير وأصحابه من غزل أبي حازم لم يكن مصدره أنه قاض لا يصح أن يتغزل، وإنما كان لأن أبا حازم اشتهر بالتقى والتصون حتى صار من المستغرب أن ينسب إليه حب أو تشبيب. أما خجل الابن فمصدره — فيما أظن — أن أباه صرح بأن أمه كانت مملوكة له، وأنه تزوجها طاعة للهوى.
وفي نشوار المحاضرة أخبار تدل على أن الغناء لم يكن من العمل المقبول، بحيث كان القيان يحتجْن إلى التوبة إن كتب الله لهن التوفيق، وفي ذلك يقول المؤلف: «أخبرني من أثق به أن إبراهيم بن المدبر قال: كنت أتعشق عريب دهرًا طويلًا، وأنفق عليها مالًا جليلًا، فلما قصدني الزمان، وتركت التصرف ولزمت البيت، كانت هي أيضًا قد أسنَّت وتابت من الغناء وزمنت، فكنت جالسًا يومًا إذ جاء بوابي وقال: طيار عريب بالباب، وهي فيه تستأذن. فعجبت من ذلك وارتاع قلبي إليها، فقمت حتى نزلت بالشط، فإذا هي جالسة في طيارها، فقلت: يا ستي! كيف كان هذا؟ قالت: اشتقت إليك، وطال العهد، فأحببت أن أجدده وأشرب عندك اليوم! قلت: فاصعدي. قالت: حتى تجيء محفتي. قال: فإذا بطيار لطيف قد جاء وفيه المحفة، فأجلست فيه وأصعدتها الخدم، وتحدثنا ساعة، ثم قدم الطعام فأكلنا، وأحضر النبيذ فشربتُ وسقيتها فشربت، وأمرت جواريها بالغناء، وكان معها منهن عدة محسنات طياب حذاق، فتغنين أحسن غناء وأطيبه، فطربت وسررت، وقد كنت قبل ذلك بأيام عملت شعرًا، وأنا مولع في أكثر الأوقات بترديده وإنشاده، وهو:
والواقع أن الغناء كان موضع خلاف عند علماء المسلمين، ولهم في إباحته وتحريمه أقاويل، نجد صداها عند الغزالي مثلًا في كتاب الإحياء، وكره الغناء والتحرُّز من مصاحبة المغنين قد تغلغل في كثير من البيئات الإسلامية، وكان في فقهاء الإسلام من يقول بتكسير آلات الموسيقى والطرب، وقد شرحت ذلك ونقدته في كتاب «الأخلاق عند الغزالي»، ويكفي أن أشير هنا إلى أن ثورة الوهابيين على الموسيقا وآلاتها ليس إلا بعثًا لما كان يراه كثير من فقهاء الأقدمين، فالفكرة قديمة، وإنما تتطور وتتحول من وضع إلى وضع وفقًا لتطوُّر الظروف وتحوُّل الأذواق.