عبد العزيز بن يوسف
وجملة أخباره تدل على أنه كان في زمانه من أعلام الكُتاب.
وتمتاز رسائله في الإحوانيات بترصيعها بحبات شعره، فقد ابتدأ إحدى رسائله إلى الصاحب بهذه الأبيات:
… وكانت لأولئك الكفرة عادة اشتهرت منهم في استباحة الناس وأكل لحومهم، وبلغ من كلَبهم على ذلك أنهم كانوا يتنقلون بينهم إذا شربوا بأكف الناس، وسأل مولاي عن هذا النقل الغريب فحكى لي عنهم أنه لا شيء في الإنسان ألذ من كفه وبنانه، وكان في ذلك اليوم الذي شارف فيه الطلائع العسكر المنصور باب عمان ثار من بعض المكامن طوائف من أولئك الكلاب، فكبا ببعض الغلمان دابته فاختلسوه واقتسموه بينهم وأكلوه في الوقت، وتعجب الناس من ضراوتهم وقساوتهم، وقد أبادهم الله تعالى جده، وطهر البر والبحر من عبثهم ومعرتهم، فانقاد أهل عمان باخعين بالطاعة، معتصمين بذمة الجماعة، وتمت نعمة الله على مولانا في هذا الفتح، وكملت له مغانم الأجر، ووصل أمر غنائم تلك الناحية وفيها فيل صغير بقد الفرس ما عرف ألطف ولا أظرف منه، وفي الغنائم كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، والله تعالى يجني مولانا ثمار الأرض برًّا وبحرًا، وسهلًا وجبلًا، بمنه وكرمه، آمين.
ولما ورد أمير المؤمنين بالنهروان أنعم بالإذن لنا في تلقيه على الماء، فامتثلناه وتقبلناه وتلقانا من عوائد كرمه، ونفحات شيمه، والمخائل الواعدة بجميل آرائه، وعواطف أنحائه، ورعاية ما كنفنا يمنه، وشايعنا عزه، إلى أن وصلنا إلى حضرته البهية في الجديدية، التي استقبلت منه بسليل الملك، وقعيد الخلافة، وسيد الأنام، والمستنزل بوجهه در الغمام، فتكفأت علينا ظلال نوره وبشره، وغزتنا جهات تفضله وفضله، وقرب علينا سنن خدمته، وأنالنا شرف القعود بين يديه، على كرسي أمر بنصبه لنا عن يمينه، وأمام دسته، وأوسعنا من جميل لقياه، وكريم نجواه، ما يسم بالعز أغفال النعم، ويضمن الشرف في النفس والعقب، ويكفل من الفوز في الدين والدنيا بغايات الأمل، وكان لنا في الوصول إليه، والقعود بين يديه، في مواقع ألحاظه، وموارد ألفاظه — مراتبُ لم يعطها أحد فيما سلف، ولم تجد الأيام بمثلها لمن تقدم.
«وأجنهم الليل فادرعوه مقتادين بخزائم أنوفهم إلى مصارع حتوفهم.»
«سار إلى سدة دار الخلافة والسعود تشايعه، والميامن تواكبه، وطلائع الآمال تشرف عليه، وثغر الإسلام يبتسم إليه.»
«وقد كان الغضنفر بن حمدان حين نفضته المذاهب، ولفظته المهارب، وأقلقته عن مجاثمه المكايد والكتائب، تطوع إلى بلاد الشام يتنقل بين مصارع يحسبها مراتع، ومجاهل يعدها معالم، يروم انتعاشًا والجد خاذله، ويبغي انتياشًا والبغي طالبه.»
«ولما ضاق عن هذا المخذول حلمنا باتساع غوايته، ووعر الطريق إلى استبقائه، استخرنا الله تعالى في استرجاع ما لبسناه من النعم.»
«إن الله سائلك عن الخطرة والخطفة، واللحظة واللفظة.»
«ادرعْ من ثوب عفافك، ما يشمل كافة أطرافك.»
«احذروا أن ينقلكم الله بأقدامكم، إلى مصارع حمامكم.»
«التقوى هي العدة الوافية، والجنة الواقية، والتجارة الرابحة، والسعادة السانحة، والجلاء للشبهة، والضياء للغمة.»
«سيعيض الله من حرّ الهواجر برد الظلال، ومن قلق الركاب نجح الإياب.»
«أيقظوا قلوبكم من سنة الخواطر، واحبسوا ألحاظكم عن محظور المناظر.»