مقدمة
ملحمة جلجامش، أول قصةٍ في الأدب الإنساني، وهي عبارةٌ عن نصٍّ شعريٍّ طويل منقوش باللغة الأكادية البابلية على اثني عشر رقيمًا فخاريًّا عُثر عليها في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال (٦٦٨-٦٣٣ق.م.) في العاصمة نينوى. وهي تروي عن حياة وأعمال الملك جلجامش الذي حكم أوروك، كُبرى المدن السومرية في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد، وذلك بطريقةٍ يمتزج فيها التاريخ بالأسطورة والمرويات الشعبية. وقد لقيت الملحمة منذ اكتشافها في أواسط القرن التاسع عشر عناية الباحثين الغربيين؛ فتُرجمت إلى جميع اللغات الأوروبية، وقُدِّمت للجمهور على شكل عروضٍ مسرحية وعروض رقصٍ تعبيري، وكُتبت فيها عشرات المؤلفات وما لا يُحصى من المقالات النقدية والأبحاث الأكاديمية.
في إعدادي الدرامي لم أُقدِّم رؤيةً خاصة للنص أو إسقاطاتٍ فكرية وفلسفية معاصرة، على ما درج عليه بعض المؤلفين الذين استلهموا المسرح الإغريقي القديم، بل لقد قدَّمت النصَّ الأكادي كما هو وبجميع أفكاره وشخصياته وتتابع أحداثه، مع إضافة عددٍ من المشاهد غير الموجودة فيه؛ وذلك لضروراتٍ فنية من جهة؛ ولتوسيع الفضاء المحيط بالحدث من جهةٍ ثانية. ولكن إعدادي الدرامي لا يخلو في الوقت نفسه من بسط تفسيري الخاص الذي أختلف فيه مع بقية الدارسين، والذي بسطته مُطوَّلًا في مؤلَّفي «كنوز الأعماق»، ومؤلَّفي الآخر «جلجامش: ملحمة الرافدين الخالدة». وقد استخدمت في التأليف لغةً ذات جِرسٍ شعريٍّ وإيقاع موسيقي يستحضر الجو الشعري الملحمي الأكادي. وبما أني قد قفزت فوق مواضع النقص والكسور في الرُّقم الفَخارية، وملأت بعض هذه المواضع بما يتلاءم وسير الأحداث اعتمادًا على أُلفةٍ طويلة مع النص، فإن القارئ يستطيع أن يجلس في هدوء واسترخاء ويقرأ هذا الإعداد وهو مطمئنٌّ إلى أنه سوف يجني ما كان يمكن أن يجنيه من قراءة النص الأكاديمي، ولكن بمجهودٍ أقل وبمتعةٍ أكثر.
على أن ترجمتي الأكاديمية كانت أسبق إلى الظهور على المسرح من إعدادها الدرامي؛ ففي عام ١٩٩٩م جاء إلى المنطقة المُخرج المسرحي الفرنسي العالمي باسكال رامبيير يبحث عن نصٍّ عربي للملحمة يتطابق مع نصِّ عالِم الأكاديات الفرنسي بوتيرو. وبعد اطِّلاعه على عددٍ من الترجمات العربية وجد ضالته في ترجمتي، فقدَّمها بالتعاون مع فريقٍ مسرحي سوري في قلعة دمشق في عرضٍ تجريبي رائع. وبعد عامين أعاد تقديمها في مهرجان أفينيون المسرحي العالمي بثلاث لغاتٍ هي العربية والفرنسية والإنكليزية، وثلاث مجموعاتٍ من الممثِّلين؛ سورية وفرنسية وأميركية، في عرضٍ دام أربع ساعات في الهواء الطلق، وكانت الترجمات تظهر على شاشاتٍ كبيرة يُتابِع عليها المشاهدون الحوار. وقد دُعيتُ عندها من قِبل إدارة المهرجان لرؤية العرض ومتابعة بقية العروض.
-
يجب أن تُقدم المسرحية في الهواء الطلق، أو على مسرحٍ تاريخيٍّ مثل مُدرج بُصرى أو بعلبك أو تَدْمُر، أو على مسرحٍ ضخم.
-
لا يقلُّ عدد الممثلين عن ثلاثين، بينهم كورسان عدد أعضاء كل منهما ثمانية، يقومان بالتعليق على الأحداث أو يقومان بدور الراوي إمَّا بشكلٍ مشترك أو منفرد، فيجتمعان أو يستقلان وفق ما يقتضيه الحدث ورغبة المخرج؛ كما يقومان بإنشاد بعض المقاطع أو بأداء رقصاتٍ تعبيرية قصيرة، كما يقوم الممثلون الرئيسيون أحيانًا بمثل هذا الأداء الراقص. ولكن على المخرج في الوقت نفسه ألَّا يجنح إلى إضفاء الطابع الاستعراضي أو الغنائي على العرض.
-
تؤلف موسيقى خاصة للعرض، ولا بأس من الاستعارة أحيانًا من الموسيقى العالمية؛ مثل مقطوعة نينوى المعروفة أو غيرها.
-
تؤدَّى الأدوار بحيويةٍ بالغة وتتصف المشاهد بالدينامية حتى في مواضع الحزن أو التأمل.
-
لا ضرورة للديكورات الكاملة ويُكتفى بعناصر بسيطةٍ توحي بجو مكان المشهد.
-
مثل هذه العروض تستغرق وقتًا طويلًا؛ ولذلك على المخرج ألَّا يتقيَّد بزمنٍ محدد للعرض الذي يُمكن أن يطول لأكثر من ساعتين.