القراءة
(١) منطق النقل الشفاهي
والإجازة من الشيخ ليست شرطًا للقراءة، وليس أخذ المال شرطًا في إجازة الشيخ.
والتعليم على ثلاثة أوجه: حسبة دون عوض وهو عمل الأنبياء وأجره في الآخرة؛ وبالأجر وهو مختلَف عليه، والأرجح جوازه؛ والتعليم بغير شرط وهو الأفضل، وهو جائز اجتماعيًّا. والقراءة كرامة من الله للبشر وليس للملائكة الذين يحبون سماع القرآن.
ويمكن السؤال عن القراءات وتدوين الأسئلة، ويمكن حفظ كتاب كامل لمعرفة اختلاف القراءات.
(٢) التأليف في علم القراءات
وقد استقلَّ علم القراءات عن علوم القرآن، وأصبح مستقلًّا مع علم التجويد. له غايةٌ عملية هي كيفية قراءة القرآن في المحافل العامة. وبدأ التأليف فيه مبكرًا للغاية منذ القرن الثاني، واستمر حتى الثاني عشر وحتى اليوم، وهو من أهم العلوم التي تدرس في المعاهد والكليات الأزهرية لتخريج مقرئين ومنشدين للمناسبات الدينية والمآتم وأجهزة الإعلام وقنوات الفضاء وإذاعات القرآن الكريم.
ويمكن تصنيف التأليف في علوم القرآن طبقًا لموضوعاتها إلى خمسة أقسام: الأول متون المؤلفات العامة في علم القراءات، والثاني الشروح والملخَّصات عليها، والثالث متون القراءات، والرابع اختلاف القراءات، والخامس علم الأصوات.
(أ) المؤلفات العامة
(١) «التذكرة في القراءات» لابن غلبون (٣٩٩ﻫ)
وقد انتهت هذه المادة بنهاية عصرها بعد أن استقرت القراءات وأصبحت متداولةً ومستقرة، ولم يبقَ منها إلا فن التجويد وبراعة القراء في جذب انتباه السامعين، يثيرها المستشرقون وكأنهم اكتشفوا ما لا يعرفه القدماء، وادعاء وجود مخطوطاتٍ جديدةٍ خاضعة لعلم النقد التاريخي الحديث الذي لم يعرفه القدماء. والهدف التشكيك في الصحة التاريخية للقرآن وليس العلم البريء؛ من أجل زعزعة العقائد وجعل القرآن شبيهًا بالكتب المقدسة الأخرى، التوراة والإنجيل والزبور، وما وقع فيها من تبديل وتغيير وتحريف.
(٢) «المقدمة في أصول القراءات» لابن الطحان (٥٦١ﻫ)
(٣) «إرشاد المبتدي وتذكرة المنتهي» للواسطي القلانسي (٥٢١ﻫ)
(ب) الشروح والملخصات
(١) «إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع» للشاطبي (٥٩٠ﻫ)
(٢) «سراج القارئ المبتدي وتذكر المقرئ المنتهي» لابن القاصح العذري البغدادي (٨٠١ﻫ)٤٠
(٣) «المنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية» للهروي القاري (١٠١٤ﻫ)٥٠
(٤) «شرح قواعد البقري في أصول القراء السبعة» للجبوري (١١٣٨ﻫ)٥٤
(٥) «الفتح الرحماني شرح كنز المعاني بتحرير حرز الأماني في القراءات» للجمزوري (ت بعد ١١٩٨ﻫ)٥٩
(٦) «مختصر بلوغ الأمنية» للضباع٦٢
(٧) «شرح أبيات الداني الأربعة في أصول ظاءات القرآن» لمؤلِّفٍ مجهول
(٣) ماذا يعني نزول القرآن على سبعة أحرف؟
(أ) التأليف في الموضوع
نشأ علم القراءات بناءً على حديث «أُنزل القرآن على سبعة أحرف.» في صيغته المركَّزة، مثل تدوين علم الكلام والفِرَق بناءً على حديث الفرقة الناجية. وكثرت التآليف في الموضوع، أهمها:
(١) «الحجة في القراءات السبع» لابن خالويه (٣٧٠ﻫ)٦٦
(٢) «الحجة للقراء السبعة، أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد» للفارسي (٣٧٧ﻫ)٦٩
(٣) «التبصرة في القراءات السبع» للقرطبي (٤٣٧ﻫ)٧٥
(٤) «جامع البيان في القراءات السبع المشهورة» للداني (٤٤٤ﻫ)
(٥) «كتاب التيسير في القراءات السبع» للداني (٤٤٤ﻫ)٩٢
(٦) «المفتاح في القراءات السبع» للقرطبي (٤٦١ﻫ)١٠٠
(٧) «الكافي في القراءات السبع» لابن شريح (٤٧٦ﻫ)١٠٦
(٨) «الإقناع في القراءات السبع» للأنصاري (٥٤٠ﻫ)١١٤
(٩) «المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر» للنشار (القرن التاسع الهجري)١٢٠
(١٠) «غيث النفع في القراءات السبع» للصفاقسي١٢٣
(ب) تعدد اللهجات
وقد يكون الهدف من هذه الحروف السبعة إقرار التعددية في القراءة وإدخال الصوت الإنساني والاعتراف باللهجات الإقليمية داخل اللغة الواحدة للتخفيف على الناس. فقد أقرَّ الرسول كل قراءة على اختلاف القراءات وتباينها. وقال لكل قارئ «أصبت!» «كلٌّ شافٍ كافٍ.» «كلاهما محسن.» فكما أن الصواب في الاجتهاد متعدد فكذلك القراءة للنص متعددة وإلا وقع الخلاف كما وقع في العقائد بناءً على حديث «الفرقة الناجية». وقد تمم التعلم من تجارب الأمم السابقة «إن من قبلكم اختلفوا فأهلكهم ذلك.»
(٤) التاريخ والرمز
ولماذا تتوقف القراءات على سبع ولا تستمر إلى عشر أو إحدى عشرة أو أربع عشرة؟ هل العدد سبع تاريخي أم رمزي؟ ليس المراد بالسبعة الحصر بل التعدد دون حصر. فإذا كان المقصود اللهجات فالقبائل أكثر من سبع؟ وهل القبائل هي التي وجدت في شبه الجزيرة العربية وقت الإعلان والتبليغ أم هي القبائل في كل زمان ومكان؟
وقد كثرت التآليف في الموضوع وأهمها:
(أ) «المبسوط في القراءات العشر» للأصبهاني (٣٨١ﻫ)١٤٥
(ب) «الغاية في القراءات العشر، الترجيح بينها بالأدلة والبراهين» لابن مهران (٣٨١ﻫ)١٥٠
(ﺟ) «المستنير في القراءات العشر» لابن سوار (٤٦٩ﻫ)١٥٥
(د) «الكنز في القراءات العشرة» للواسطي (٧٤٠ﻫ)١٦٣
(ﻫ) «النشر في القراءات العشر» لابن الجزري (٨٣٣ﻫ)١٧٢
(و) «تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة» للجزري أيضًا (٨٣٣ﻫ)١٨٣
(ز) «الروضة في القراءات الإحدى عشرة» للبغدادي المالكي (٤٣٨ﻫ)
(ﺣ) «إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» للبناء (١١١٧ﻫ)٢٠٢
(٥) المشهور والشاذ
ويفرح المستشرقون كلما كثرت الاختلافات، ليس فقط في القراءات بل في الخطوط؛ لزعزعة الثقة بالصحة التاريخية للنص كما فعل النقد التاريخي في القضاء على الصحة التاريخية للعهدَين القديم والجديد.
(أ) التأليف في الموضوع
وقد ازدهر التأليف في تعدد القراءات منها:
(١) «المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها» لابن جني (٣٩٢ﻫ)٢١٩
(٢) «بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات وكثرة الطرق والروايات» للمهدوي (٤٤٠ﻫ)٢٢٢
(٣) «مفردة نافع بن عبد الرحمن المدني» لأبي عمرو الداني (٤٤٤ﻫ)٢٢٦
(٤) «مفردة عبد الله بن كثير المكي» لأبي عمرو الداني (٤٤٤ﻫ)٢٣٢
(٥) «مفردة أبي عمرو بن العلاء البصري» لأبي عمرو الداني (٤٤٤ﻫ)٢٤٣
(٦) «تهذيب الاختلاف» لأبي عمرو الداني (٤٤٤ﻫ)٢٥٠
(٧) «مفردة قراءة ابن كثير المكي» للموصلي (٧١٣ﻫ)٢٥٨
(٨) «رسالة في علم القراءة بالقراءات الشواذ» ليوسف أفندي زاده (١١٦٧ﻫ)٢٦٤
(٦) علم الأصوات
(أ) التأليف في الموضوع
(١) «الإدغام الكبير» لأبي عمرو البصري (١٥٤ﻫ)٢٧٢
(٢) «القطع والائتناف أو الوقف والابتداء» للنحاس (٣٣٨ﻫ)٢٧٥
(٣) «المقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (٩٢٦ﻫ)٢٨٥
(٤) «منار الهدى في بيان الوقف والابتدا» للأشموني (القرن الحادي عشر)٢٩١
(ب) آليات القراءة
وهناك عدة آليات للقراءة أهمها:
(١) الوقف والابتداء أحد وسائل منطق القراءة٣٠٠
(٢) والإمالة والفتح جائزتان وهما لغتان مشهورتان لدى فصحاء العرب
(٣) الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب من ظواهر القراءات
(٤) والمد والقصر جزء من جماليات الصوت وتذوق المعنى والإيحاء به للمستمع حين القراءة٣٣٣
المد هو زيادة مطٍّ في حرف المد عن الحد الطبيعي، والقصر عكسه، حذف الزيادة والإبقاء على المد الطبيعي، وهي لحروف العلة الثلاثة. وسببها لفظي ومعنوي؛ اللفظي همز أو سكون، وله سبع مراتب: القصر، فوق القصر قليلًا على أطوالٍ مختلفة حتى المرتبة السابعة وهي الإفراط. والمعنوي قصد المبالغة في النفي. وقد يجتمع السببان اللفظي والمعنوي مثل «لا إله إلا». وإذا تغير سبب المد جاز المد مراعاة للأصل. وإذا اجتمع سببان قويٌّ وضعيف عُمِل بالقوي.
(٥) ويخفف الهمز لأنه أثقل حروف العرب نطقًا وأبعدها مخرجًا. وفرض تخفيفه٣٣٤
وهو أربعة أنواع، النقل لحركته إلى الساكن قبله، والإبدال؛ تبديل الهمزة الساكنة حرف مدٍّ من جنس حركة ما قبلها، والتسهيل بينها وبين حركتها، والإسقاط بلا ثقل، وهو ما يسمى في النحو الحديث همزة القطع وهمزة الوصل، وهي تتبع جماليات النطق سهولةً أو صعوبة.
(٧) فن القراءة
ومن أصل فن القراءة تحسين الصوت، والقراءة من المصحف خشية النسيان، والسؤال عنه حين التردد خشية الوقوع في الخطأ. ولا تقطع القراءة للحديث الجانبي مع أحد وترك اللفظ والحديث. ولا يقرأ بالأعجمية؛ فالقرآن لسانٌ عربيٌّ مبين. ولا يُقرأ بالشواذ. ويقرأ على ترتيب المصحف دون خلط سورة بسورة، أو القراءة التعليمية فيجوز أن تكون موضوعية في القصص أو في الأمثال أو في الأخلاق أو في الاجتماع أو في السياسة. وتُوفَّى الحروف حقها من القراءة، ويُسجَد عند قراءة آيات السجدة. وعند الختم يشرع في ختمٍ آخر. ولا تكرر سورة الإخلاص عند الختم، وهي تعادل ثلث القرآن. ولا يُتخذ القرآن معيشةً للتكسب فيها وهو ما عمَّ حول القبور، وتكون القراءة ثوابًا للميت وهو ما كثر في زيارات القبور.
والأوقات المختارة للقراءة بداية تحول القرآن إلى وثن وسحر وخرافة، مثل الليل أو النصف الأخير أو بين المغرب والعشاء أو بعد الصبح. ومن الأيام يوم عرفة ويوم الجمعة ثم الاثنين والخميس. ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان والأُوَل من ذي الحجة. ومن الشهور رمضان. ويبتدأ ليلة الجمعة وختمه ليلة الخميس. والختم أول النهار وأول الليل، وفي الشتاء أول الليل وفي الصيف أول النهار، في شهر أو نصف شهر أو جمعة أو ثلاثة أيام، ويصام يوم الختم. والتكبير من الضحى إلى آخر القرآن، والدعاء عقب الختم. وبهذه الطريقة تصبح القراءة حرفة ومهنة. إنما القراءة طبقًا للحاجة وبحثًا عن حل، وتلبية لمطلب.
وتكون القراءة في مكانٍ نظيف، والمسجد أفضل، وجلوس القارئ مستقبلًا القبلة بخشوع وسكينة ووقار، ويقرأ بعد السواك تعظيمًا وتطهيرًا. وهذه ليست آدابًا بل توصيات، والكثير منها بديهيٌّ ذوقي في آداب العلم والمتعلم. وعلى هذا النحو تدخل القراءة كجزء من الشعائر والرسوم، وتتحول تدريجيًّا من فعل «اقرأ» إلى فعل المقدس. ويتحول من دافعٍ ذاتي إلى شيءٍ موضوعي، ومن حاملٍ ذاتي إلى حاملٍ موضوعي.