اللفظ والمعنى
وتعني الحوامل الذاتية دور الذات العارفة في تلقِّي الوحي وفهمه وإعادة التعبير عنه وإيصاله. الوحي هنا مجرد خطاب إلى مخاطَب أو رسالة إلى مرسَل إليهم. وهو المعنى المعاصر للخطاب كعالمٍ مستقل بذاته عن حوامله الموضوعية مثل المكان والزمان والبيئة الاجتماعية أو الموضوعية الذاتية مثل الخبر والقراءة والتدوين. القرآن موضوع للبحث اللغوي والبلاغي وعلم القراءات والتفسير عند القدماء وليس موضوعًا للتقديس. ولما كانت اللغة أحد العلوم الإنسانية أصبح القرآن موضوعًا للعلوم. وإذا كانت اللغة هي الحامل الرئيسي للنص عند القدماء فإن العلوم الاجتماعية هي الحوامل الرئيسية للنص عند المحدثين. لم نعد في عصر اللغة بل في عصر العلوم الإنسانية. وعلوم اللغة عند القدماء تعادل العلوم الاجتماعية والإنسانية عند المحدثين. كانت ثقافة القدماء لغويةً شعرية في حين أن ثقافة المحدثين علميةٌ أدبية.
وتشمل اللغة موضوع اللفظ والمعنى كما هو الحال في مباحث الألفاظ عند الأصوليين، وفنون القول وأساليب البلاغة وإعجاز القرآن، وأخيرًا التفسير والفهم والتأويل كمقدمة لعلم التفسير. وقد تصل المباحث اللغوية إلى حد التخصص والتفصيل بحيث تصبح غاية في ذاتها وليست مجرد وسيلة، من علوم القرآن. فتتشعب وتصبح موضوعًا لغويًّا بذاتها.
(١) التأليف في الموضوع
وقد تم التأليف في هذه الموضوعات كموضوعاتٍ مستقلة قبل أن تنتظم في علوم القرآن، أهمها:
(أ) «معاني القرآن» للكسائي (١٨٩ﻫ)
(ب) «معاني القرآن» للأخفش الأوسط (٢١٥ﻫ)١٣
(ﺟ) «ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن العظيم» للمبرد؛ عالم اللغة الشهير (٢٨٥ﻫ) صاحب الكامل١٩
وتظهر موضوعات علوم القرآن قبل تنظيرها في القرنَين الثامن والتاسع عند الزمخشري في «البرهان» (٧٩٤ﻫ) والسيوطي في «الإتقان» (٩١١ﻫ) متفرقة منذ القرن الثالث.
(د) «غريب القرآن على حروف المعجم» للسجستاني (٣٣٠ﻫ)٢١
(ﻫ) «الوجوه والنظائر لألفاظ الكتاب العزيز» للدامغاني (٤٧٨ﻫ)٢٨
(و) «معجم مفردات ألفاظ القرآن» للراغب الأصفهاني (٥٠٣ﻫ)٣٧
(ز) «البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان» للكرماني (٥٠٥ﻫ)٤١
(ﺣ) «تذكرة الأريب في تفسير الغريب» لابن الجوزي (٥٩٧ﻫ)٤٣
(ط) «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» للعز بن عبد السلام (٦٦٠ﻫ)
(ي) «المجيد في إعراب القرآن المجيد» للسفاقسي (٧٤٢ﻫ)٧٠
(ك) «بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب» للمارديني ابن التركماني (٧٥٠ﻫ)٧٥
(ل) «كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر» لابن العماد (٨٨٧ﻫ)٧٨
(م) «الترجمان عن غريب القرآن» للقرشي اليماني٨٠
(٢) العربي والغريب
والقصص الغريبة على من؟ على أي قبيلة وفي أي لهجة. وكل ما كان غريبًا. في قريش كان غريبًا في العربية إذا كان الوحي قد نزل بلغة قريش؟ وكثير من هذه الألفاظ تعبر عن البيئة الصحراوية؛ الشجر، البلح، الرمل، النواة، الناقة، الصخر.
وفي القرآن ألفاظ من لغاتٍ غير عربية؛ الحبشية والفارسية، والنبطية، والعبرية، والسريانية والبربرية، والقبطية، والرومية، والهندية ثم الزنجية واليونانية، والتركية. وهي مائة وسبعة عشر لفظًا. وقد يكون لفظٌ واحد في أكثر من لغة.
(٣) ألفاظ يكثر دورانها
(٤) الإعراب
وقد يتجاذب اللفظَ الواحد إعرابان لمعنيَين، وكلاهما صحيح، وقد يتعارض الإعراب والمعنى مع بعضهما البعض. وقد تقرأ بأكثر من وجه، الإعراب أو البناء. وليس في القرآن على كثرة منصوباته مفعول معه.
وطبقًا لمعاني الألفاظ الثلاثة: الاشتقاقي، والاصطلاحي، والعرفي؛ إذا كان المعنى الاشتقاقي ثابتًا، والاصطلاحي ثابتًا فإن المعنى العرفي، وهو المعنى التداولي، يتغير بتغيُّر الاستعمالات والأعراف واختلاف المجتمعات والمراحل التاريخية. لذلك وجدت القواميس التاريخية للغة والتي يندر منها أن توجد في اللغة العربية وكأنها خارج التاريخ قبل الإسلام وبعده.
(٥) الأشباه والنظائر
(٦) منطق الاشتباه
-
(أ)
الحقيقة والمجاز: الموضوعات الشرعية حقائق بالنظر إلى الشرع، مجازات بالنظر إلى اللغة.١٤١ ولما كان الشرع قد عُرف من اللغة فإن الموضوعات الشرعية قد تكون مجازًا بالنسبة للخاصة، حقائق بالنسبة إلى العامة. وإنكار المجاز وقوع في الحرفية وضيق الأفق ووحدانية النظرة.١٤٢الحقيقة هي كل لفظ بقي على موضوعات دون تقديم أو تأخير. والمجاز هو إخراج اللفظ عما وُضع له. وهو نوعان: الأول المجاز في التركيب. وهو المجاز العقلي وعلاقته الملابسة بإسناد الفعل إلى ما هو له أصالة لملابسته.١٤٣ والثاني المجاز في المفرد ويسمى المجاز اللغوي. وهو استعمال اللفظ في غير موضعه.١٤٤ وتسمية الداعي إلى الشيء باسم الصارف عنه، وإقامة صيغة مقام أخرى، وإطلاق الأمر وإرادة التهديد والتلويح، وإضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له في الحقيقة، وإطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته لا حقيقته، وإطلاق الأمر بالشيء للتلبس به والمراد دوامه، وإطلاق اسم البشرى على المبشَّر به. وقد يكون اللفظ مشتركًا بين حقيقتَين أو أحدهما حقيقة والآخر مجاز.١٤٥والمجاز نوعان: الشبه وهو المجاز اللغوي عند الأصوليين. والثاني الملابسة وهو المجاز العقلي عند اللغويين.١٤٦ فاللغة أداة العقل. والعقل تعبير باللغة.وقد تكون هناك واسطة بين الحقيقة والمجاز، وهي الألفاظ قبل الاستعمال مثل الحروف أوائل السور من أجل إيقاظ الانتباه وإثارة الخيال.١٤٧ وقد تكون الألفاظ المستعملة للمشاكلة على التقابل للإعلام والإخبار فهي مجاز لعلاقة المصاحبة.١٤٨وقد يجوز مجاز المجاز أي أن يكون المجاز المأخوذ عن الحقيقة حقيقة بالنسبة إلى مجازٍ آخر.١٤٩ فالمجاز سلسلة لا تتناهى. فلا توجد حقيقة إلا ولها مجاز. ولا يوجد مجاز إلا ويكون حقيقة لمجازٍ آخر. الحقيقة بداية، والمجاز نهاية. البداية بالحرف المتناهي، والنهاية بالصورة التي لا تتناهى.وقد يُنفى الشيء ويثبت باعتبارَين. فالرمي حقيقة في الإنسان ومجاز في الله.١٥٠ فالحقيقة والمجاز يتوقفان على المستوى. قد يكون المستوى الحسي حقيقة ثم يتحول مجازًا بالانتقال من الحسي إلى المعنوي، وهو طريق التنزيه. وقد يكون المستوى الحسي مجازًا ثم يتحول إلى حقيقة بالانتقال من الحسي إلى المعنوي، وهو طريق التشبيه.١٥١
-
(ب)
المحكم والمتشابه: وفي القرآن محكم ومتشابه. ليس كله محكمًا وإلا ضاق الخناق على الفهم والتفسير والتأويل. وليس كله متشابهًا وإلا تحولت التعددية إلى تكافؤ الأدلة، وتساوى كل شيء بكل شيء، وانتهى الأمر إلى التشبيه واللاأدرية والعدمية.١٥٢ المحكم هو الذي يحتمل وجهًا واحدًا، والمتشابه هو الذي يحتمل أكثر من وجه. الأول هو الواضح، والثاني المتشابه. المتشابه يمكن معرفته عن طريق منطق الألفاظ. فما فائدة وجوده وهو مجهول، لا يعلمه إلا الله؟ والمحكم ما تكرر لفظه، والراسخون في العلم هم أصحاب هذا المنطق اللغوي، وليس علمًا سريًّا باطنيًّا. ليس المحكم والمتشابه في الموضوع، المحكم الوعد والوعيد والفرائض، والمتشابه القصص والأمثال بل ما يتعلق بصياغة الخطاب، وهو على أنواع مثل ما لم يُنسخ، والناسخ، والفرائض، والوعد والوعيد.١٥٣المحكم: ما استقلَّ بنفسه ويُدرك بالحدس. والمتشابه: ما اعتمد على غيره ويحتاج إلى التحليل اللغوي العقلي. ليس المحكم والمتشابه هما الناسخ والمنسوخ. فالأول يتعلق بالصياغة اللغوية، والثاني ينطق بمدة الحكم. ليس المحكم هو الآيات، والمتشابه الحروف أوائل السور. فقد تكون الآيات أيضًا متشابهة. أما أوائل السور فإنها من أسرار البلاغة ولا تحتوي على حكم.١٥٤ويعني المحكم في اللغة المنع، منع الحاكم الظالم من الظلم وإلجام الفرس من الاضطراب. وفي الاصطلاح أحكام الأمر والنهي، وبيان الحلال والحرام.١٥٥
والمتشابه على ثلاثة أنواع: متشابه من جهة اللفظ، ومتشابه من جهة المعنى، ومتشابه من الجهتين معًا. واللفظ نوعان بسيط ومركب. والمركب ثلاثة أنواع: لاختصار الكلام، ولإيضاح الكلام وبسطه، ولنظم الكلام. والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله والقيامة الحسية وضرورة تأويلها معنويًّا. وهي على خمسة أنواع: من جهة الكمية كالعموم والخصوص، ومن جهة الكيفية كالوجوب والندب، ومن جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ، ومن جهة المكان كعادات الجاهلية، ومن جهة الشروط التي بها يصح الفعل. ومن حيث الموضوع المتشابه ثلاثة أنواع، ما لا يمكن الوقوف عليه مثل أمور المعاد، وما يمكن معرفته كالألفاظ والأحكام، وما يتوسط بين الاثنين، وهو ما يعرفه الراسخون في العلم، وهم أهل الاختصاص.
ومن المتشابه آيات الصفات مثل الاستواء الذي يعني الاستقرار والاستيلاء والصعود والارتفاع والخلق والاعتدال. وكلها معانٍ حسية. وقد يلجأ البعض إلى تغيير الوقف في قراءةٍ أخرى بالوقوف على العرش ثم البداية ﺑ «استوى» كفعل لباقي الآية. والوجه يعني إخلاص النية أو قصد التوجه. والعين تعني البصر أو الإدراك. واليد تعني القدرة. والساق هي الشدة والأمر العظيم. والجنب الطاعة. والعزب العلم. والفوق العلو. والمجيء الأمر، والعند الإشارة والتمكين. وأخرى أقل حسية وأكثر معنوية مثل المحبة والغضب والرضا والعجب والرحمة. فهي انفعالاتٌ إنسانية يتم إسقاطها وتكبيرها. فالتأويل ضروري حفاظًا على التنزيه، وحذرًا من التجسيم والتشبيه.١٥٦ومن المتشابه أوائل السور من دلائل الإعجاز. ولا تعني أي قصد أو توجه خاص بأوصاف الله أو أسمائه أو أفعاله أو صفاته.١٥٧ فلو كان المقصود كذلك لصرح به في آيةٍ كاملة دون اختصارها في حروف. ولا تشير الحروف إلى أسماء.١٥٨ ولا دليل على أنها من أسماء القرآن. وليست حروف اللغة العربية بأعدادها أو حروف البسملة طبقًا لعلم أسرار الحروف.١٥٩ ووجه الإعجاز أن القرآن نظم من الحروف الهجائية العادية. هي مجرد تنبيهات.١٦٠ دقاتٌ صوتية من دقات خشبة المسرح لإعلان بداية التمثيل.وهناك التشابه في الأفعال لحاجة السلوك إلى أساسٍ نظريٍّ محكم.١٦١ فالتشابه ليس فقط مقولةً لغوية بل أيضًا مقولةٌ سلوكية في الحيرة والتردد.١٦٢ بل هي مقولةٌ وجودية في التوتر بين الفناء والبقاء، بين الموت والخلود.ووظيفة المتشابه شحذ الذهن، وجعل القارئ جزءًا من المقروء، والموضوع إحالة إلى الذات كما أن الذات إحالة إلى الموضوع. يحث العلماء على النظر الموجب للعلم، وبذل الجهد للوصول إلى المراد. ويتفاوت الناس في درجات العلم. وكلما ازداد العلم ازداد الفهم. ولو كان القرآن كله محكمًا لكان مذهبًا واحدًا، وقراءةً واحدة، وفهمًا واحدًا. وهو ضد روح القرآن. ويستدعي ذلك تحصيل علومٍ كثيرة لفهم الجوانب المختلفة للقرآن وممارسة التأويل، والاعتماد على علوم اللغة: النحو، والمعاني، البيان، وأصول الفقه. ويدعو الخواص إلى إعمال النظر.١٦٣ -
(جـ)
المجمل والمبين: المجمل ما لم تتضح دلالته. وله أسباب مثل الاشتراك، والحذف، واختلاف مرجع الضمير، واحتمال العطف والاستئناف؛ أي مواقع الوقف والابتداء، وغرابة اللفظ أو كثرة الاستعمال، والتقديم والتأخير، وقلب المنقول، والتكرير القاطع، لوصول الكلام في الظاهر. وقد يقع البيان متصلًا أو منفصلًا. الأول تخصيص وتأويل، والثاني بيان.
وقد يكون المجمل والمحتمل شيئًا واحدًا، وقد يتمايزان. فالمجمل لفظٌ مبهم لا يُفهم مراده، والمحتمل لفظٌ واقع بالوضع الأول على معنيَين. المجمل يدل على أمورٍ معروفة على عكس المحتمل. ليس المجمل هو الغامض بل هو المركب الذي يحتاج إلى تحليل إلى بسائط.١٦٤ -
(د)
الظاهر والمؤوَّل: إذا كان اللفظ محتملًا لمعنيَين وفي أحدهما أظهر، فالراجح ظاهر، والمرجوح مؤول. ولا يوجد شيء في القرآن لا تعلم الأمة تأويله وإلا كان تجهيلًا. والتأويل يتغير بحسب الزمان والمكان والمؤول وتطور التاريخ وتغير الظروف والأحوال.١٦٥ وكلها ممكنة لأنه لا يوجد تأويلٌ واحدٌ ثابت وإلا أصبح القرآن كله ظاهرًا.١٦٦
-
(هـ)
العام والخاص: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر. وصيغته «كل» وأسماء الصلة «الذي»، «التي» و«أي» و«ما» و«مَن» للشرط والاستفهام، والجمع المضاف، واسم الجنس للمضاف، والنكرة في سياق النفي والنهي، والمعرف بألف ولام التعريف. وهو على ثلاثة أقسام: الباقي على عمومه، العام الذي يراد به المخصص، والعام المخصوص. والمخصص له متصل أو منفصل. والمتصل خمسة: الاستثناء، والوصف، والمشروط، والغاية، وبدل البعض من الكل. وقد يكون الكلام متصلًا، أحده عام والآخر خاص. والعموم للمدح أو الذم باقٍ على عمومه. والخطاب الخاص بالرسول لا يعمَّم. صيغ الخطاب يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، على مستوياتٍ عدة من العموم، من الأكثر عمومًا إلى الأقل عمومًا والأكثر خصوصًا.١٦٧ وقد يراد بالخطاب العام العموم، وبالخطاب الخاص الخصوص، وقد يراد بالخطاب الخاص العموم، وبالعموم الخاص.١٦٨ويشمل خطاب العموم الجنس والنوع وخطاب المدح للمؤمنين والذم للكافرين. ويشمل خطاب الخصوص خطاب العين. ويشمل العموم والخصوص للأفراد والجماعات خطاب الذم والكراهية والإهانة والتهكم والجمع بلفظ الواحد، والواحد بلفظ الجمع، والواحد والجمع بلفظ الاثنين، والاثنين بلفظ الواحد، وخطاب الجمع بعد الواحد وخطاب العين والمراد غيره، وخطاب الاعتبار، وخطاب الشخص ثم العدول إلى غيره.١٦٩
- (و)
-
(ز)
الأمر والنهي: وإذا كان العموم والخصوص للأفراد فإن الأمر والنهي للأفعال. وقد يأتي الأمر كصيغةٍ لغوية بلا حرف أو بحرف. وهو الإثبات في اللغة. والنهي هي صيغة النفي في اللغة. والنفي للصدق والجحد للكذب. لذلك كان الصدق شرط صحة النفي. ويسبق النفي أداته. وإذا كان نفيًا عامًّا فأداته للعموم. وأدوات النفي كثيرة «لا»، «ما»، «لا»، «لم»، للماضي والحاضر والمستقبل.١٧٤
-
(ﺣ)
المنطوق والمفهوم: ومن الصعب الفصل بين اللفظ والمعنى. فاللفظ حامل للمعنى، والمعنى محمول على اللفظ. ويمكن ذلك في علم أصول الفقه بالتمييز بين المنظوم والمفهوم.١٧٥ ثم يأتي المنطوق فيخرج اللغة من التقابل بين اللفظ والمعنى إلى التقابل بين اللفظ والشيء، والخروج من اللغة إلى العالم. فاللغة منزل الوجود.١٧٦المنطوق والمفهوم هما اللفظ والمعنى.١٧٧ وهما في أصول الفقه المنظوم والمفهوم. فالمنطوق ما دل عليه اللفظ أي محل النطق. والمفهوم هو المعنى الذي لا يحتمل غيره. والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق. وهو قسمان: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة. الأول ما يوافق حكم المنطوق. فإن كان أولى سمِّي فحوى الخطاب أو دلالة الخطاب. والثاني ما يخالف المنطوق وهو مفهوم الصفة نعتًا أو حالًا أو ظرفًا أو عددًا أو الشرط أو الحصر أو الغاية. فالألفاظ تدل إما بمنطوقها وهي الألفاظ، أو بفحواها وهي المعاني أو الدلالات أو باقتضائها وضرورتها وهي التجارب الحدسية الذاتية أو بمعقولها المستنبط منها.١٧٨ وهو ما سماه الأصوليون المنظوم والمفهوم والمعقول والمنظور.١٧٩
(٧) وهم الاختلاف
وما أكثر الخلافات في علوم القرآن مثل الخلافات في علم أصول الدين وعلم أصول الفقه وفي علوم الحكمة وفي علوم التصوف، بل لقد تحول الخلاف الفقهي إلى علمٍ مستقل هو علم الخلاف. ولا يضير ذلك الوحي في شيء. فاختلاف الحوامل لا تقلل من ثبات المحمول. واختلاف المياه الجوفية وتياراتها وأعماقها واتساعها ومدتها لا تمنع من الشرب من مياهه.