يونغي
(٦–٢) جاء رانيونغ إلى كونفوشيوس، وسأله رأيه في زيسانغ بوتسي. فأجابه: «لا بأس به، فهو رجل بسيط ومتواضع.» فقال جونكون: إذا اتصف الرجل بثبات الفكر وقوة العزم، مع ميل واضح في سلوكه إلى التبسيط والاعتدال، فهذا ما يشهد له بالكفاءة ليتولى مقاليد الحكم. أمَّا التبسيط والتواضع بغير حزم ووعي وجدية فلا يشفعان بجدارة القيام على شئون الناس والتزام حد المسئولية. فقال كونفوشيوس: «الحق ما قاله رانيونغ.»
(٦–٣) جاء النبيل إيكونغ من دولة «لوقو»، وسأل كونفوشيوس: مَن أكثر تلاميذك حبًّا للعلم؟ فأجابه: «إنَّه الذكي النابغ «يان هوي»، ولقد جمع في شخصه بين الاجتهاد في التحصيل والتحلِّي بمكارم الأخلاق، فحاز العلم والفضائل في جديةِ دارسٍ ونبالةِ فارسٍ، فما ارتفع صوته حانقًا في وجه أحد، ولا وقع في خطأ واحد مرتين؛ لكنَّ الموت عاجله وهو بعدُ في الثلاثين، فما عدت أجد له الآن نظيرًا.»
(٦–٦) قال كونفوشيوس لتلميذه «جونكون»: «هل تأملت صغار الغزلان، بقرونها الصغيرة المشرعة، وجلدها الطري الأملس … ترى لو أعفيناها من مذبح القربان، فهل تعفيها الآلهة من قدر الموت هلاكًا!»
(٦–٧) قال كونفوشيوس: «كنت أراقب تلاميذي عن كثب، فلم أجد سوى «يان هوي» أكثر التزامًا ووفاءً للمبادئ الإنسانية، فهكذا رأيت مصير المبادئ بين الناس: قلة مثابرة يطويها الزمن، وكثرة لاهية ما زالت تزداد أبدًا.»
(٦–٨) جاء جيكانزي إلى كونفوشيوس، وسأله: هل ترى أنَّ السيد «جونيو» يصلح للاضطلاع بمهام رسمية؟ فأجابه المُعلم: «لا بأس به أبدًا، فهو الحازم السديد.» ثم سأله ثانيةً: وهل يصلح لها السيد «دوانموسي»؟ فأجابه: «أجل، وإنَّه لأفضل مَن يضطلع بها؛ فما رأيت أحدًا في مثل كياسته وفطنته.» فسأله ثالثة: وما رأيك في السيد «رانشيو»؟ أتراه يصلح للقيام على شئون الحكم وأعباء المسئوليات الجِسام؟ فأجابه: «قد عرفته واسع الحيلة، سريع البديهة، حسن التصرف، وإنَّها لمزيةٌ تفضل كل المزايا، ورجل هذا شأنه، يصير هو الأنسب والأقدر.»
(٦–١١) قال كونفوشيوس: «ما رأيت أحدًا قط في مثل كرم أخلاق «يان هوي»: بسيط العيس، قانع بلا ضجر، تكفيه كسرة خبز وشربة ماء، ولا يستنكف أن يأوي إلى كوخ خشبي متواضع، يُطيق من الحياة ما لا يُطيقه الناس، فلذلك استحقَّ منهل نعيم لا ينضب، ولذة سعادة غامرة، لا تفيض على أحد غيره من الناس.»
(٦–١٢) جاء «رانشيو» إلى كونفوشيوس وقال له: لقد قرَّرت أن أتراجع يا سيدي، ولا يعني هذا أني أرغب عن حكمتك وأفكارك، وإنَّما تقصر همَّتي وتفتر قوتي عن أن أواصل قدمًا على الطريق. فقال له كونفوشيوس: «خذلك بيانك يا رجل، وأردت غير ما قلت، فالعاجزون حقًّا، هم الذي يتوقفون عند منتصف الطريق، إذ يعسر عليهم المسير، أمَّا أنت فلم تضع قدمك على الطريق بعد … فلا حكم بغير معيار، ولا تقدير إلَّا بتجربة.»
(٦–١٣) قال كونفوشيوس ﻟ «زيشيا»، وهو ينصح له: «اعلم أنَّ طالب العلم نوعان: واحد يسعى للهداية بشرف العقل وسمو الروح معًا أملًا في قبس من حقيقة، وواحد يسعى للتجمُّل بوقار زائف رياءً وتكلفًا، فاختر لنفسك أحسن طريق.»
(٦–١٥) قال كونفوشيوس: «لم أعهد السيد «منغ جيفان» (مسئول عظيم في دولة «لوقو») مختالًا متكبرًا، يُباهي الناس بخصاله، وإنَّ ما فعله يوم انسحاب الجنود خير دليل على ذلك؛ إذ دارت الدائرة على الجيوش، فانهزمت وتقهقرت عائدةً، وظلَّ هو وسط الصفوف يحمي وينظِّم انسحابها، فلمَّا دخلت الأفواج بوابة المدينة، وبقي هو في المؤخرة، جعل يحث فرسه، ويقول للناس: «لا تظنوا بي الشجاعة أن كنت آخر العائدين، وإنَّما هو حصاني الهزيل، لا يقوى على السير»!»
(٦–١٧) قال كونفوشيوس: «كيف للناس يسيرون بغير سبيل هدى، كيف للسالك أن يهتدي بغير دليل وطريق!»
(٦–١٩) قال كونفوشيوس: «بغير الشرف والاستقامة، لا يستطيع الماجد الكريم أن يشق طريق حياته قدمًا وصعودًا، فائزًا موفقًا، ولئن كان الأشقياء، هم أيضًا، يملكون أحيانًا القدرة على البقاء طويلًا، فذلك لا يحدث إلَّا بالحظ السعيد أو بمحض المصادفة!»
(٦–٢٠) قال كونفوشيوس: «ليس مَن فهم العلم كمَن أحبَّه، وليس مَن أحبَّه كمَن أسعده أن يهب حياته كلها لأجل تحصيله وتعليمه لبني البشر.»
(٦–٢٣) قال كونفوشيوس: «الأذكياء يحبون الأنهار، لكن الطيبين يحبون الجبال. الأذكياء يتدفقون نشاطًا وحيوية، أمَّا الطيبون فيميلون إلى الدعة والهدوء. والأذكياء مرحون دائمًا، ويتمتعون بكل لحظة في عمرهم الذي ينقضي سريعًا، بينما الطيبون غالبًا ما يعمرون طويلًا.»
(٦–٢٤) قال كونفوشيوس: «تحتاج مملكة «تشي» أن تعدل من مجمل قواعد سياستها العامة، لكي تتمكَّن من اللحاق بمملكة «لوكو» — في ظروفها القائمة حينئذ — بينما تحتاج مملكة «لوكو» (للمفارقة)! أن تُغيِّر كل أسس فلسفتها الحاكمة لتبلغ المبدأ الأول الصحيح لمعنى الشرف والنزاهة.»
(٦–٢٥) تنهَّد كونفوشيوس متحسرًا، وقال: «لقد تغيَّرت كثيرًا طقوس وشعائر؛ طالت البدع أركان المعابد مثلما انتهكت جدران اللهو والترف، وفرغت كئوس الراح مثلما انطفأت شموع التراتيل من أزمان غابرة، فوا أسفا على مَن يضيعون تراث مجد مؤثل أو تهون عليهم تقاليد ماضٍ عريق.»
(٦–٢٦) جاء زايو إلى كونفوشيوس، وسأله: ما صفات الرجل الشريف الطيب؟ أترى هو الرجل الذي إذا قلت له إنَّ واحدًا من الناس سقط في البئر، شمَّر عن أكمامه ونزل لينقذه في الحال؟ فردَّ عليه المُعلم، قائلًا: «وما الذي يحمله على هذا التصرف؟! إنَّ الطيب ذا المروءة سيُفكر معك في طريقة ناجحة لإنقاذ المكروب، دون أن يُلقي بنفسه في التهلكة، فربما تستطيع الكذب على الطيبين، لكنَّك لا تقدر أبدًا أن تجعل منهم أضحوكةً.»
(٦–٢٧) قال كونفوشيوس: «مَن تعمَّق في مطالعة سجلات التاريخ، ونهل من معينٍ أدبي عريق، ثم تحصَّن بمبادئ الخُلق القويم، فقد عصم نفسه من الانحراف عن جادة الصواب والعدل والإنسانية.»
(٦–٢٩) قال كونفوشيوس: «إنَّ الاعتدال هو تاج الفضائل، والتوسط هو خير الأمور جميعها، وقد مرَّ على الناس زمانٌ وهم في غفلة عن تلك الحقيقة.»