صَدَى الانشقاق
في أنطاكية
في أوروشليم
وقد سبقت الإشارةُ إلى الاضطهاد الذي أَنْزَلَه الحاكمُ بأمره الفاطمي بالمسيحيين ومعابدهم في الربع الأول من القرن الحادي عشر، ولم يكن من ينجد كنيسة أوروشليم ويقيلها من عثرتها سوى ملوك الروم؛ فقسطنطين التاسع هو نفسه جدد كنيسة القيامة بعد تدميرها.
في الإسكندرية
ونكاد لا نعلم شيئًا عن كنيسة الإسكندرية في هذه الفترة، ولا نعلم اسم البطريرك الذي جلس على كرسي مرقس سنة ١٠٥٤، ولا يجوزُ التكهُّن عند سكوت المصادر الأولية، وأن لا أدري لمن العلم!
يوحنا متروبوليت كييف
ثيوفيلاكتوس متروبوليت أخريدة
وفي السنة ١٠٩٠ كتب الشماس نيقولاووس القسطنطيني إلى ثيوفيلاكتوس متروبوليت أخريدة يسأل رأيه في أخطاء اللاتين، وكان ثيوفيلاكتوس أعلم علماء زمانه درس على بسلوس في جامعة القسطنطينية، وعُنِيَ في تهذيب ميخائيل السابع ابن قسطنطين، ثم اضطر أن يقبل التسقف على كنيسة أخريدة، تنفيذًا لرغبة صديقه البطريرك المسكوني نيقيفوروس الثالث، وقيامًا بواجب أرثوذكسي كبير؛ نظرًا للمشادة حول تبعية كنيسة بلغارية، وساءه تطرُّف الشماس نيقولاووس، فكتب إليه يُوجب الاعتدال والمحبة. وأكد أن الاختلاف في الصوم وفي الزواج وفي المعمودية لا يُشكل خطأً مهمًّا، وقال: إنه من المضحك أن نُقاطعَ اللاتين؛ لأن إكليروسهم يحلق اللحى ويلبس الخواتم ويرتدي الأثواب الحريرية الملونة، ولم يرَ في عدم زواج الكهنة خطيئةً مميتةً، كما أنه لم يجد في الأسفار المُقَدَّسة وقرارات المجامع السبعة ما يمنع التقديس على الفطير، وآلمه جدًّا أن يستمر الرومُ في التفتيش عن أخطاء غيرهم وألا يعترفوا بإمكانية وُقُوعِهم في مثل هذه الأخطاء.
ويتضحُ مِمَّا تَقَدَّمَ أن ثيوفيلاكتوس لم يرَ الكنيسة الجامعة منشقةً في السنة ١٠٩٠، ولكنه خشي ادعاءَ رومة بالسلطة وقولها بالفيليوكوي، ورجا ألا تتدخل الكنائسُ في شُئُون بعضها الداخلية.
نهاية ميخائيل الأول
وتُوفي قسطنطين التاسع بعد صدور السيميومة بخمسة أشهر؛ أي في الحادي عشر من كانون الثاني سنة ١٠٥٥ فنُودِي بالعقب الوحيد الباقي من الأسرة المقدونية بثيودورة ابنة قسطنطين الثامن الصغرى، وكانت قد مضت معظمَ حياتها في الدير، فنشأت تقيةً فظةً بقدر ما كانت أختها زوية متيمةً بالحب، ورأى البطريرك ميخائيل أَنْ تتزوج؛ فتشرك معها في الحكم مَنْ كان أهلًا لذلك، ولا سيما وأنها كانت قد ناهزت السبعين، ورأى الخصيان حولها غير ذلك، فحكمت ثيودورة وحدها. وفي صيف السنة ١٠٥٧ أشرفت الفسيلسة على الموت فاتخذت ميخائيل استراتيوتيكوس خليفةً لها وتَبَنَّتْهُ قبل وفاتها، ودام حكم ميخائيل السادس سنة وعشرة أيام، واشتد في أثنائه النزاعُ بين العسكريين والخصيان، وتَفَجَّرَ الخصامُ يوم عيد الفِصح في الثلاثين من آذار سنة ١٠٥٨، وكانت مؤامرة وتدخل البطريرك ميخائيل، فأرسل وفدًا من المطارنة يُشيرون على ميخائيل السادس بالتنازُل، فسأل الفسيلفس المطارنة ماذا تعطونني بدل المملكة؟ فقالوا: ملكوت السماوات، فرمى شعار الملك والتجأ إلى الدير وتُوُفِّيَ بعد ذلك بقليل، فوصل إلى عرش رومة الجديدة زعيمُ العسكريين إسحاق كومنينوس.
وكافأ إسحاق البطريرك، فمنحه حَقَّ انتقاء أيكونوموس كنيسة الحكمة الإلهية وسكيفوفيلاكسها، وكان ميخائيل الأول قد طلب ذلك من ثيودورة وميخائيل فلم يفلح، وظَنَّ البطريرك أنه سيتمكن مِنْ إرشاد الفسيلفس الجديد وتوجيهه، ولكن إسحاق استثقل هذا الإرشادَ فَنَشَأَ شيءٌ من الكُرْه بين الاثنين ما لبث أن تحول إلى عداء، فهدد البطريرك الفسيلفس واحتذى الحذاء الأرجواني؛ مدعيًا أن الاحتذاء بالأرجواني حقٌّ من حقوق السدة البطريركية، وكان الإقدام على الاحتذاء بالأرجواني في عُرْف الروم آنئذٍ أولَ دليل على الطمع في السلطة العُليا.
وفي الثامن من تشرين الثاني سنة ١٠٥٨ حين كان البطريرك متوجهًا ليخدم القداس في دير الملائكة ألقى الفسيلفس القبض عليه ونفاه مع أولاد أخيه إلى جزيرة إيمبروس، فهاج الشعبُ فاستحضر الفسيلفس البطريرك وجمع مجمعًا وطلب محاكمته؛ لأنه عطف على راهبين كانا يتعاطيان الشعوذة، ولأنه كان يقرأ أشعار الشعراء وقت الخدمة، ولأنه أيضًا ثار على الفسيلفس السابق، والتزم البطريرك الصمت وقام في النهاية وسامح الفسيلفس والقضاة، ودعا للشعب ولأعدائه وسقط ميتًا وهو يقول: السلام لجميعكم مشيرًا بيده اليمنى إشارة البركة، فأمر الفسيلفس بدفنه بحفاوة فائقة، واشترك بنفسه في تشييع الجثمان، ورقي الكرسي المسكوني بعده قسطنطين الثالث ليخوذي (١٠٥٩–١٠٦٣).
رومة تدعو إلى الوئام (١٠٥٧–١٠٦١)
البابا غريغوريوس السابع (١٠٧٣–١٠٨٥)
وتُوُفِّيَ طغرل بك زعيم الأتراك السلاجقة في السنة ١٠٦٢، فخلفه السلطان ألب أرسلان، واستولى على آني الأرمنية في السنة ١٠٦٤ وذبح ونفى، ثم قام إلى الرها فصدَّه عنها دوق أنطاكية في السنة ١٠٦٥، وفي ربيع السنة ١٠٦٧ هاجم ألب أرسلان الروم من الشرق والجنوب في آنٍ واحد، فدخل جيشُهُ البونط وقيليقية، ووصلت طلائعُهُ إلى قيصرية قبدوقية فخَرَّبَتْها، واستولى رومانوس الرابع على عرش الروم (١٠٦٨–١٠٧١)، وقاد إلى الميدان كُلَّ رجلٍ استطاع أن يجنده في أوروبة وآسية، وانتصر على السلاجقة في سورية الشمالية عند منبج (١٠٦٩) وحرر غلاطية. ثم عاد السلاجقة إلى الهجوم فقام رومانوس إلى الجبهة، ولدى وصوله إلى منزيكرت (ملاذكرد) على الفرات الأعلى وجد نفسه وجهًا لوجه أمام جيوش من السلاجقة، فكانت موقعة ملاذكرد الشهيرة في آب السنة ١٠٧١، وجرح رومانوس وسقط عن حصانه ووقع أسيرًا.
- (١)
أن الكنيسة الرومانية وحدها مُقامةٌ من الله.
- (٢)
أن الحبر الروماني وحده يستحق لقب المسكوني.
- (٣)
وهو وحده يستطيع عَزْلَ الأساقفة وحَلَّهُم.
- (٤)
يتقدم نائبه سائرَ الأساقفة في المجمع، ولو كان دونهم رتبة، وهو وحده يُصدر أحكام العزل.
- (٥)
يستطيع البابا عزل الغائبين.
- (٦)
ولا تجوز السكنى تحت سقف واحد مع مَن يحرمه البابا.
- (٧)
وهو وحده يسن شرائع جديدة، مراعيًا في ذلك الظروف. وهو وحده يضم الرعايا الجدد ويحول جماعة من الرهبان إلى رهبنة، ويقسم الأبرشيات الغنية ويضم الأبرشيات الفقيرة.
- (٨)
وهو وحده يلبس شارات الملك.
- (٩)
وهو الرجل الوحيد الذي يُقَبِّلُ الأمراء رِجله.
- (١٠)
وهو الوحيد الذي يجب ذكر اسمه في جميع الكنائس.
- (١١)
واسمه فريدٌ في العالم.
- (١٢)
وهو وحده يَعزل الأباطرة.
- (١٣)
ويجوز له — عند الضرورة — أن ينقل أسقفًا من كرسيٍّ إلى آخرَ.
- (١٤)
ويجوز له — عندما يشاء — أن يشرطن أي إكليريكي من أية كنيسة.
- (١٥)
ومن يشرطنه البابا يحق له أن يدير شئون كنيسة أُخرى، ولكن لا يجوز له أن يسام من أسقف آخر إلى رتبة أعلى.
- (١٦)
ولا يصبح مجمعًا من المجامع عامًّا بدون أمره.
- (١٧)
ليس هناك أي نص قانوني خارج سلطته.
- (١٨)
حكمُهُ لا يُرفض، وهو وحده يقدر أن يرفض أحكام الجميع.
- (١٩)
لا يجوز لأحدٍ أن يُحاكمه.
- (٢٠)
لا يجوز لأحد أن يُنكر حكم الكرسي الرسولي.
- (٢١)
يجبُ رَفْعُ كل الاختلافات الهامة في كل كنيسة إليه.
- (٢٢)
أن الكنيسة الرومانية لم تغلط أبدًا، وهي بموجب شهادة الأسفار المقدسة لن تغلط البتة.
- (٢٣)
أن الحبر الروماني متى كانت شرطونيتُهُ قانونيةً؛ يُصبح قديسًا باستحقاقات القديس بطرس، كما قال القديس أينوذيوس أسقف بافية وآباء آخرون، وكما جاء في قراراتِ البابا سيماخوس السعيد ذِكْرُهُ.
- (٢٤)
يستطيع الرعايا أن يشكوا ساداتهم بإذنه وأمره.
- (٢٥)
يستطيع قطعَ الأساقفة والصفح عنهم بدون دعوة مجمع.
- (٢٦)
من لا يوافق الكنيسة الرومانية لا يكون ابن الكنيسة الجامعة.
- (٢٧) يستطيع البابا أن يحرر رعايا الأشرار من يمين الولاء لهم.٢٠
أوربانوس وأليكسيوس
وفي السنة ١٠٨٨ رقي كرسي رومة الرسولي أوربانوس الثاني (١٠٨٨–١٠٩٩)، وكان سديد الرأي حسنَ التدبير تقيًّا مُحبًا غيورًا، فلوى العنان وردَّ الجِماح وواصل وأحسن الصلة، وكان أليكسيوس مهذبًا مثقفًا متضلِّعًا من الفلسفة واللاهوت شديد التمسك «بالعبادة الحسنة الأرثوذكسية»، ولكنه كان دمث الأخلاق سلسًا يؤْثر السياسة على العنف، وكان قد نجح في صد النورمنديين عن مطامعهم في البلقان، وأنزل في الثوار الماناويين والبقشناغ الهزيمة تلو الهزيمة. وكان البطريرك المسكوني نيقولاووس الثالث النحوي (١٠٨٤–١١١١) عالمًا كبيرًا وراهبًا بارًّا وديعًا تقيًّا، فأوفد أوربانوس لدى وصوله إلى السدة الرومانية الكردينال الشماس روجه والأب نيقولاووس إلى القسطنطينية حاملين رسالة إلى الفسيلفس ملؤها المحبة والرجاء بأن يصار إلى فتح ما غلق من كنائس اللاتين، والسماح لهؤلاء بالتقديس على الفطير، فرضي الفسيلفس وأصدر خريسوبولونًا دعا فيه أوربانوس إلى القسطنطينية للاشتراك في مجمع يبحث قضية الفطير ويحلها، ووافق البابا وأجاب بالقبول وبدأ يعد العدة للقيام إلى القسطنطينية لحل المشاكل الراهنة.
واشتدت معارضة إقليمس الثالث وتفاقم شرها، فاضطر أوربانوس أن يبقى في إيطالية ليرقب تطوُّر الحوادث عن كثب، ولكنه أرسل وفدًا ثانيًا إلى القسطنطينية في السنة ١٠٨٩ ليمثله في المجمع المقترح، ولدى وصول هذا الوفد أعلن رئيسُهُ رفع الحرم عن أليكسيوس، فقابل الفسيلفس هذه البادرة الطيبة بالطلب إلى البطريرك نيقولاووس الثالث ومجمعه الدائم أن يذكروا اسم أوربانوس في ذبتيخة كنيسة الحكمة الإلهية، فأمسك البطريرك مشيرًا إلى بعض الاختلافات القانونية القائمة بين الكنيستين، ولكن أليكسيوس أوجب الرضوخ ولا سيما بعد أن تبين له أن محفوظات البطريركية كانت خالية مِن أي قرار رسمي يفصل الكنيستين الشقيقتين، فوافق البطريرك ومجمعه على اقتراح الفسيلفس وطلبوا إلى أوربانوس أن يحضر بنفسه جلسات المجمع المنتظر، أو أن يرسل من ينوب عنه لهذه الغاية، وأن يبين اعترافه بالإيمان حسب العادة.