هولاغو والكنيسة
الإمبراطورية المغولية
وغمرت سلطة المغول آسية، وسيطر الخان الأعظمُ على آسية العليا والوسطى ونصف الصين وفارس، وانتشرت النصرانيةُ بلونها النسطوري في آسية العُليا، ووطدت الأسرُ النبيلة النسطورية علاقاتها مع جنكيزخان وأولاده، ورغب الأمراءُ المغول في النصرانيات فتَزَوَّجُوا منهم وبَالَغُوا في احترامهنَّ وإكرامهنَّ، وكثر عدد النساطرة في حاشية الخان وجيشه.
الأرمن والمغول
اللاتين والمغول
هاتون يفوز بالمعونة
ووصل هاتون إلى مقره في أرمينية الصُّغرى (قيليقية) في تموز السنة ١٢٥٥ فأخذ يُهيئ للتحالف أسبابه، وكانت رابطةُ الزواج قد جمعتْ بين الأسرة الأرمنية المالكة في قيليقية وبين أسرة أنطاكية وطرابلس اللاتينية، وكانت العائلةُ المالكةُ في أوروشليم فرنجية أرمنية أيضًا، وكان نظام الفرسان الفرنسي قد دخل البلاط الأرمني، وكانت اللغة الفرنسية قد أصبحت لغةً قومية ثانية عند سادةِ الأرمن، وكانت الكنيسة الأرمنية قي قيليقية قد اعترفتْ برئاسة رومة — كما سبق وأشرنا.
سقوط بغداد (١٢٥٨)
حلب والجزيرة
وكانت السيادة في سورية قد آلتْ إلى الملك الناصر يوسف بن العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين، وكان الملك الناصر قد أَوْفَدَ ابنه العزيز إلى معسكر هولاغو ليؤكدَ خُضُوعَه بعد سقوط بغداد، ولكن هولاغو واجه العزيزَ باللوم الشديد؛ لأن والده لم يمثل بنفسه ليعفر رأسه أمامه، فاضطر الملك الناصر أَنْ يَتَوَدَّدَ إلى مماليك مصر ويرجو معونتهم.
وتَقَدَّمَ هولاغو يعاونُهُ كُلٌّ من القادة كت بوغا النسطوري النصراني وبيجو وصنقر، وكانت دوقوز خاتون المسيحية تُرافق زوجها هولاغو وتشتركُ في الرأي، فاحتل هولاغو نصيبين وحران والرها، ثم استولى على سروج ومنبج وزحف على حلب، وكان الناصر قد آثر الصمود في دمشق فشاءتْ حامية حلب أَنْ تُقابل المغول في السهول الشرقية قبل وصولهم إلى المدينة ففتكوا بها فتكًا ذريعًا، ووصل المغول إلى عزاز، فخرج ابن العبري أسقف حلب اليعقوبي إلى لقائهم ليقدم احترامه إلى هولاغو، وأرسل هولاغو إلى تورانشاه نائب السلطنة في حلب يطلب التسليم، فأجابه النائب ليس لكم عندنا إلا السيف، فقصف هولاغو المدينة بالمجانيق وبذل السيف في مسلميها، واشترك في قتال حلب كل من هاتون الأرمني وبوهيموند السادس أمير أنطاكية، وأبى أهل حارم التسليم، فأمر هولاغو بهم فقتلوا عن بكرة أبيهم.
أفتيميوس البطريرك الأنطاكي (١٢٦٠–١٢٦٨)
دمشق
وخاف أهل حماة وحمص فاستسلموا إلى المغول في حلب وفَرَّ الملك الناصر، وبعض أنسبائه من دمشق واتجهوا شطر فلسطين، فحدود مصر، فأوفد أعيان دمشق من قدَّم خضوعهم إلى هولاغو في حلب، ورضي الخان عنهم وأنفذ كت بوغا وهاتون وبوهيموند على رأس جيش إلى دمشق للتثبت من خضوعها، وعين عليها حاكمًا مغوليًّا وقاضيًا، ووصل المغول إليها في أول آذار سنة ١٢٦٠ فاستسلمت المدينة وامتنعت حاميتها، فقصف كت بوغا القلعة والأبراج بالمجانق فسقطت في السادس من نيسان، فأمر كت بوغا بدك القلعة فهُدِّمَتْ تهديمًا.
وسَيَّرَ كت بوغا قشلق خان على رأس قوة إلى فلسطين، فامتنعتْ حامية نابلس، فغلبتْ على أمرها ثم استسلمتْ فذبحت بحد السيف كلها، وسار قشلق خان من نابلس إلى غزة فلم يلق معارضًا، وكان الملك الناصر قد خشي غدر المماليك به فقام من حدود مصر إلى ما وراء الأردن، وكان كت بوغا قد قام إلى عجلون ليخضعها، فلما وصل الناصر إلى البلقاء خانه حرسه الكردي وسَلَّمُوه إلى طلائع جيش كت بوغا، فأرسله هذا إلى سيده هولاغو، فأكرمه هولاغو ووعده خيرًا بعد الاستيلاء على مصر، ثم استسلمت حاميات بعلبك وبانياس والصبيبة.
ما لم يكن بالحسبان
ومات مونغكة الخان الأعظم في الحادي عشر من آب سنة ١٢٥٩، فتخالف الأُمراءُ المغول وتشاقُّوا، فاضطر هولاغو أن يعود إلى فارس (١٢٦٠)، وأن يبقى عند حدودها الشرقية مستعدًّا متهيئًا للتدخل في النزاع عند الحاجة، ووكل الحكم في سورية والدفاع عنها إلى قائده كت بوغا، وأبقى تحت تصرفه قوة من الجند لم تتجاوز العشرين أو الثلاثين ألفًا.
عين جالوت (١٢٦٠)
وأرسل هولاغو قبل قيامه إلى فارس رسولًا إلى قطز سلطان مصر يدعوه إلى الطاعة، فأبى قطز وأمر بالرسول فقُتل ثم تَجَهَّزَ وتَحَزَّمَ، وفي السادس والعشرين من تموز دخل قائده بيبرس فلسطين على رأس قوة كبيرة من المماليك والخوارزميين، وانضم إلى هؤلاء من بقي من قوات الأيوبيين في كرك الشوبك، وأيد الأمراء اللاتينيون في فلسطين قطز وقائده بيبرس.
وتقدم المصريون في ساحل فلسطين فبلغوا عكة في أواخر آب واستراحوا في ضواحيها، ودخل بعضُهُم إليها زائرًا متفرجًا، وكان بين هؤلاء بيبرس نفسه، ثم علم المصريون أن كت بوغا عَبَرَ الأردن عند بيسان، فقاموا من عكة إلى عين جالوت في جنوب بيسان ووصلوا إليها في الثاني من أيلول، وفي اليوم التالي هجم كت بوغا على مقر المصريين ولم يَدْرِ بكثرتهم، فتراجعوا ثم أحاطوا به، فحطموا جَيْشَهُ تحطيمًا، وأسروه وجاءوا به إلى قطز، فتَوَعَّدَ وتَهَدَّدَ، فأمر به قطز فضُرب عنقه.