في أستراليا وجزائر المحيط الهادي
(١) أستراليا
قمت إلى سدني
(٢) نيوزيلندا
في خمسة أيام نقلتنا الباخرة عبر بحر طمسان إلى زيلندة، وأشرفنا على أوكلند العاصمة التجارية فظهرت أقل وجاهة وغنى عن أستراليا، تقام أغلب البيوت من خشب لوفرته ولكثرة الزلازل، ويعنون بالملاعب عناية فائقة، والمقامرة أحب شيء لديهم، وتحاط البلدة بنحو ٦٣ مخروطًا بركانيًّا خامدًا؛ لذلك كانت تربتها سوداء بركانية.
أقلنا القطار السريع إلى ولنجتون في ١٥ ساعة مسافة تعادل ما بين القاهرة وأسوان، والأرض كلها مموجة يكسوها العشب وتقسمها الأسوار إلى مزارع لرعي الضأن، وللشاة الواحدة فدان كامل، وقد تصل المزرعة ٣٥ ألف فدان، والغنم أبيض عديم الذنب، وأجود لحوم الدنيا من الضأن هناك، أما الصوف فأجوده في أستراليا، أما عن الجو فحدِّثْ، فهو عاصف ماطر عابس، وهم يعترفون بسوء اختيار عاصمتهم هناك. والبلدة الحكومية والتجارية في المنخفضات، أما المساكن ففوق الجبال، وقد زرت المكتبة وبها ٦٠ ألف مجلد، منها ٣٢ ألف على الباسفيك وقد أهداها أحد الوطنيين.
(٣) رتوروا
وقد مررنا ببحيرات وايمانجو التي لا تكاد تُرَى من كثرة البخار فيها، وكذلك مغارة اليراع «وايتومو»، دخلناها في ظلام حالك وأطفأنا مصباحنا وأوقفنا الحركة حتى كدنا نوقف التنفس، وسرعان ما أضاء سقف المغارة بنجيمات تلقي بخيط يستطيل ويقصر لكي تلتهم فريستها من الحشرات، وتلك يراعات عجيبة، وإذا أحدثت حركةً انطفأت جميعها.
(٤) جزائر فيجي وساموا
في أقل من ثلاثة أيام أقبلنا على حواجز مرجانية ترغي عليها الأمواج، والجزائر نحو ٢٥٠ يسكن منها ٨٠، وحللنا العاصمة سوڨا في مجموعة أكواخ وأخصاص، والناس من السود ضخام الأجسام منفوشي الشعر حفاة الأقدام مرحين ذوي سحن منفرة، والهنود يديرون كل شيء، وكنا نظن أننا وصلنا يوم الثلاثاء، وإذا بالثلاثاء غدًا فكأننا ربحنا يومًا؛ لأننا كنا نسير إلى الشرق فنستقبل الشمس مبكرين، وحدث أن دخلت معنا سفينة وافدة من الشرق إلى الغرب وكان يومها الإثنين، فظهر أنه الثلاثاء وقد خسروا يومًا، وذلك لأن الجزائر تقع على خط ١٨٠ طولًا وهو خط التاريخ الدولي، وثروة الجزائر في النبات مدهشة، خصوصًا النرجيل والموز والمانجو والأناناس والباباز والتارو، وهما شبيهان بالقلقاس أو البطاطا.
(٥) هنولولو
في أربعة أيام بدت الجزائر بمخاريطها، وعددها ١٢، المسكون منها ٨، وأكبرها هواي، وقد هالتني قطع الأسطول الأمريكي، ومن ثَمَّ علمت حقًّا لِمَ تُسمَّى «جبل طارق الباسفيك»، ودهشت اليوم كيف باغتها اليابانيون في هذه الحرب رغم مناعته. استقبلنا الأهالي كعادتهم مع كل سفينة بالموسيقى والترحيب، وكتبوا على برج الميناء كلمة ألوها؛ أي مرحبًا، وما كدنا ننزل البر حتى هاجمنا الفتيات يلبسننا عقودًا من الزهر الجميل تحيةً لنا، ولا تخلو منها رقبة إنسان هناك، ويغيِّرونها كل يوم ويبدعون في تنسيقها، وقد تباع بشلن للعقد، ويربحون من ذلك مليون شلن سنويًّا، والمدينة فاخرة في مبانيها وسياراتها ومتاجرها وأضوائها وفنادقها، والناس خليط عجيب لكن أجملهم فريقان الأمريكان والوطنيون، فالجزائر جمعت بين أفخر أزياء أمريكا — إذ هي مصطاف نجوم السينما من هوليوود — وأجمل همج الدنيا بملابسهم من القش. وهل أنسى جلستي في فندق وايكيكي على الشاطئ والجمال النادر من حولي، وقد أخذ القوم يلعبون بالزوارق على حافة الأمواج وبعضهم يرقص رقصة هولا العجيبة الرشيقة، ويغنون أغنية أوكوليلي المشجية. أما عن الزهور فتعدها هناك بالآلاف أينما سرت، ففي حديقة هاو واحد ٢٥٠٠ نوع من زهر الهبسكس، ومن أعجب الزهور عباد القمر لا تتفتح زهرته إلا ليلًا، وفي خارج البلدة أغنى مزارع للأناناس في الدنيا يتوسطها أكبر مصنع له، يلي ذلك قصب السكر الذي يُزرَع في كل الشهور ويُصنَع منه السكر، فهي تقع بعد كوبا وجاوه بين البلاد المنتجة للسكر في الدنيا، ويصدرون من الأناناس والسكر سنويًّا بمائة مليون ريال؛ أي بعشرين مليون جنيه. ومن أعجب عاداتهم إعداد عصيدة من نبات اسمه التارو، وصيد السمك هناك بالحراب وعلى ضوء المشاعل ليلًا، وهناك شجرة تاپا يُنزَع قشرها ويُعَدُّ قماشًا في حجم ملاءات السرير، ولغتهم موسيقية وبسيطة تُركَّب من ١٢ حرفًا، والحرف المتحرك منها يُنطَق، ومن أجمل كلماتها «الوها = مرحبًا، هي لي ماي = تعال هنا، هو هو = غضبان، ويكي ويكي = أسرع، آ إي = نعم، ما إي كا إي = حسن»، والجو هناك ربيع دائم، ولا تمطر السماء إلا ليلًا، ومستواهم التعليمي مرتفع ففي مدارسها ٩٢ ألف طالب، وفي الجامعة ٤٠٠٠، وما كادت تقلع الباخرة بنا حتى هاجمني جمع من الفتيات ونزعوا عن رقبتي عقود الورد ورموها في البحر خشية ألَّا أعود إليها مرة ثانية، كما تقضي بذلك خرافاتهم.