قصة العجوز
«وقد كُنْتُ خطيبةً لأمير ماسَّا كرَّارَا الحاكم، ويا له من أمير! لقد كان مثْلي جمالًا، وكان مجبولًا على الحلم، مفطورًا على الظَّرف، وكان يتَّقد ذكاءً، ويحترق غرامًا، وكنت أُحبُّه عابدةً فائرةً كحبِّ المرة الأولى، وأُعِدَّت الأفراح بأُبَّهةٍ وفخامة لم تَسْمَع بمثلهما أُذُن، واستمرت الأعياد، ودامت الألعاب، واتصلت الروايات الهَزْلية، وكانت إيطالية بأَسْرها تضع من القصائد في سبيلي ما لم أرضَ بواحدةٍ منها، وكنت بالغةً ساعةَ سعادتي حينما دعَتْ أميري مركيزةٌ عجوزٌ صاحبة له إلى تناول الشكولاتة في منزلها، فقد مات في أقل من ساعتين بتشنجاتٍ هائلة، ولكن هذا ليس سوى أمرٍ تافه، فقد أصيبت أمي بقنوطٍ، وأمي — وإن كانت دوني حزنًا — أرادت أن تتخلَّص إلى حينٍ من مكانٍ مشئوم بذاك المقدار، وكانت لها أرضٌ رائعة بالقرب من غايْتا، فأبحرنا على مركبٍ بلديٍّ مُذهَبٍ كهيكل القديس بطرس برومة، وينقضُّ علينا قرصان من سالِه ويصل إلينا، ويدافع جنودنا عن أنفسهم كدفاع جنود البابا، فيركعون جميعًا ويُلقُون أسلحتهم، طالِبِين إلى القرصان أن يقوموا بصلاة الغفران عند الوفاة.»
«ويُعرَّون من فورهم كالقردة كما عُرِّيتْ أمي ووصائفنا وكما عُرِّيتُ، ومن الأمور التي تثير العَجب سرعةُ تعرية هؤلاء السادة للناس، ولكن أكثر ما أدهشني هو إدخالهم إصبعًا إلى مكانٍ فينا جميعًا لم نكن — نحن النساء — لندعَ شيئًا يُدَسُّ فيه غير أنابيب المِحقَنة، ولاح لي هذا العمل بالِغَ الغرابة، وهذا ما نحكُم به في كل أمرٍ عندما نخرج من بلدنا، ولم أَلْبَثْ أن علمت أن هذا وقَعَ ليُرى هل أخفَيْنا ألماسًا هنالك، وهذه عادةٌ استقرت منذ زمنٍ لا يُعْرَف أَوَّلُه بين الأمم المتمدنة التي تجول على البحر، وقد عَلِمْتُ أن هذا لا يفوت فرسان مالطة المتديِّنِين مطلقًا، عندما يأسرون تُركًا وتركيَّاتٍ، فهذا قانونٌ دوليٌّ لم تخالَف أحكامه قطُّ.»
«ولا أحدِّثكِ مطلقًا عن مقدار القسوة في جلب أميرةٍ فتاةٍ أسيرةً مع أمها إلى مَرَّاكُش، ويمكنكِ أن تتمثلي بما فيه الكفاية ما كان علينا أن نعاني في السفينة القرصانية، وكانت أمي لا تزال بالغة الجمال، وكان لدى وصائفنا ولدى خادمات غُرَفنا أيضًا من الفتون ما يتعذر وجوده في جميع إفريقيَّة. وكنتُ فاتنةً، وكنت عين الجمال، وكنت عين المَلاحة وكنت بتولًا، ولم أبْقَ هكذا زمنًا طويلًا، فقد اغتصب الرُّبَّان القرصان مني هذه الزهرة، التي كانت محفوظةً لأمير ماسَّا كرَّارَا الجميل، وكان هذا الرُّبَّان زِنْجيًّا قبيحًا، وكان يظن أنه يَحبُوني بهذا شرفًا عظيمًا. والواقع أنه وجب أن أكون — مع السيدة أميرة بالِسْترينا — من القوة ما نقاوم معه جميع ما بُلينا به حتى بلوغنا مَرَّاكُش! ولكن لننتقل، فهذه الأمور من الشيوع ما لا تستحق أن تُذكر معه.»
«ولم نكَدْ ننزِل إلى البر، حتى ظهر سُودٌ من العِصابة المُعادِية لعِصابة قرصاني كَيْما يسلبون غنيمته منه، وقد كنا أثمن ما عنده بعد الألماس والذهب، وقد شاهَدْتُ معركةً من طرازٍ لم ترَيْ مثله قطُّ في أقاليم أوروبا، فليس لدى شعوب الشمال دمٌ حارٌّ بما فيه الكفاية، وليس عند هذه الشعوب من حدة النساء مثل ما هو عامٌّ في إفريقيَّة، ويظهر أنه يوجد لبنٌ في عروق الأوروبيين، وأن الزاجَ والنارَ يجريان في عروق سكان جبل دَرَن والبلاد المجاورة له، وكان يُقَاتَل بصولة الأُسود والنمور وأفاعي البلد ليُعرَف من يَملِكنا. ويُمسِك مغربيٌّ والدتي من ذراعها اليمنى، ويُمسِكها وكيلٌ رُبَّانيٌّ من ذراعها اليسرى، ويُمسِكها جندي مغربيٌّ من إحدى ساقيها، ويُمسِكها أحد قراصيننا من ساقها الأخرى، ويتجاذب كلَّ واحدةٍ من بناتنا أربعةُ جنود في دقيقةٍ واحدة تقريبًا، ويُخفيني رُبَّانيٌّ خَلْفَه، وكان يحمل سيفًا بيده، فيقتُل به كلَّ واحدٍ يقاوم صولته، وأخيرًا رأيت أمي وجميع إيطالياتي مُمزَّقاتٍ مقطَّعاتٍ مذبوحاتٍ من قِبَل الغيلان الذين كانوا يتنازعونهن، ويُقتَل جميع الأُسارى ورفيقاتي ومن قبضوا على هؤلاء، كما قُتل جنودٌ وملَّاحون وسُودٌ وسُمرٌ وبيضٌ وخِلاسيون، ثم يُقتَل رُبَّاني، وأبقى مُحتضَرةً على كتلةٍ من القتلى، ومناظر مثل هذه مما يقع — كما هو معلوم — ضمن مساحةٍ تزيد على ثلاثمائة فرسخ، وذلك من غير تركٍ للصلوات الخمس التي أمر محمدٌ بأدائها في كل يومٍ.»
«وقد تفلَّتُّ بمشقةٍ كبيرة من جمع تلك الجثث الدامية الكثيرة المكدَّسة، وزحفتُ إلى أسفل شجرة برتقالٍ عظيمة قائمة على طرف جدولٍ مجاور، وهنالك سقطتُ ذُعرًا وتعبًا ونفورًا ويأسًا وجوعًا، ولم تلبث حواسِّي المنهوكة أن أسلمَتْ إلى سُباتٍ ناشئٍ عن غشيانٍ أكثر مما عن اطمئنان. وبَيْنَا كنت في هذه الحال من الضعف، وعدم الشعور مترجحةً بين الموت والحياة، أحسسْتُ ضغطي بشيءٍ، يتحرك على جسمي، ففتحت عينيَّ، ورأيت رجلًا أبيض حسن الملامح يتأوه، ويقول من بين أسنانه: «من البلاء أن يخلوَ الإنسان من خص …»»