تصدير
أما في «تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، فقد كان النص العربي أقرب إلى النص الفرنسي دون أن تكون ترجمةً حَرفية، بل إعادة صياغة وتفسير وتأويل، وظل جزأين مثل النص الفرنسي، وبقيت هوامشه باستثناء إضافة فقرة أو فقرتَين عندما كان المعنى مركزًا للغاية.
والحقيقة أن ثلاثية الشباب، «مناهج التأويل» و«تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، هي الجبهات الثلاث في مشروع «التراث والتجديد»، الذي أعلن بعد ذلك في ١٩٨٠م موقفنا من التراث القديم، موقفنا من التراث الغربي، موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير. «مناهج التأويل» هي موقفنا من التراث القديم لإعادة بناء العلوم الإسلامية القديمة ابتداءً من تحديات العصر، وبدايةً بعلم أصول الفقه في «من النص إلى الواقع»، ثم علم أصول الدين في «من العقيدة إلى الثورة»، ثم علوم الحكمة في «من النقل إلى الإبداع»، ثم في علوم التصوف في «من الفناء إلى البقاء»، ثم في العلوم النقلية الخمسة، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، في «من النقل إلى العقل».
و«تأويل الظاهريات» هي موقفنا من التراث الغربي بدايةً بدراسة الوعي الفردي الذي أسَّسه ديكارت، والوعي الجماعي الذي أكمله هوسرل في «أزمة العلوم الأوروبية»، وصدر بيانها التأسيسي في «مقدمة في علم الاستغراب»، المشروع والتطبيق المبدئي، وتوالت الترجمات والدراسات في الفلسفة الغربية انتظارًا لصياغة ثانية لعلم الاستغراب في «الوعي الأوروبي: التطور والبناء».
و«ظاهريات التأويل» هي الجبهة الثالثة، «موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير»، بدايةً بالصلة بين النص والواقع في العهد الجديد باعتباره نصًّا دينيًّا مقدَّسًا، يتلوه العهد القديم ثم القرآن في «المنهاج»، حيث يتم عرضُه موضوعيًّا في ثلاث دوائر متداخلة: الوعي الفردي، الوعي الاجتماعي، الوعي بالعالم.
كانت الرسالة في البداية جزءًا واحدًا «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل»؛ أي دراسة التأويل بمنهج ظاهراتي. كانت الظاهريات هي المنهج، والتأويل هو الموضوع، ثم تضخَّمت المقدمة التي تتناول المنهج الظاهرياتي حتى أصبحت جزءًا مستقلًّا في تأويل الظاهريات.
وكانت المقدمة تشمل ثلاث مقدمات؛ الأولى: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، تشمل لغة الظاهريات، وقواعد المنهج الظاهرياتي، والظاهريات الساكنة والظاهريات الحركية، والظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والثانية: المنهج الظاهرياتي، محاولة للفهم والتكوين والتفسير. والمقدمة الثالثة: المنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية، وتشمل فلسفة الدين، وظاهريات الدين، وظاهريات التأويل.
والآن قسَّمت الرسالة إلى أبواب وفصول؛ فالمقدمات الثلاث أصبحت أبوبًا ثلاثة؛ الأول: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، ويضمُّ خمسة فصول طبقًا لتقسيمٍ كمِّي خالص. الأول: اللغة، والقواعد، والحركة. والفصل الثاني: الظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والفصل الثالث: التطور الأخير، والحالة الراهنة. والفصل الرابع: الدراسات الثانوية، والظاهريات النظرية. والفصل الخامس: تفسير الظاهريات.
والباب الثاني: المنهج الظاهرياتي: محاولة للفهم والتكوين والتفسير. ويضمُّ ثلاثة فصول؛ الأول: فهم الظاهريات. والثاني: تكوين الظاهريات. والثالث: تأويل الظاهريات.
والباب الثالث: ظاهريات الدين. ويضمُّ أيضًا ثلاثة فصول؛ الأول: فلسفة الدين. والثاني: ظاهريات الدين. والثالث: ظاهريات التأويل.
ويمكن اعتبار «ظاهريات التأويل» الجزء الثاني من «مناهج التأويل»؛ الأول نقطة تطبيق ثانية للتأويل في نصوص العهد الجديد، في حين أن الثاني نقطة تطبيق أولى في النص القرآني ونص الحديث. أما «تأويل الظاهريات» فهي المقدمة المنهجية للاثنين معًا، تَعرِض المنهج الظاهرياتي الذي تم تطبيقه في «مناهج التأويل» على نحوٍ غير مباشر ودون الإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعَين من حضارةٍ واحدة، هي الحضارة الإسلامية، ثم تطبيقه في «ظاهريات التأويل» على نحوٍ مباشر وبالإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعَين أيضًا من حضارة واحدة، هي الحضارة الغربية.