ابن جبير في مصر والحجاز

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

محفوظات

مِنْ نافِذَةِ الْقِطارِ

هَيْهاتَ، هَيْهاتَ، لا جِنٌّ ولا سَحَرَهْ
بِقادِرِينَ عَلَى أَنْ يَلْحَقُوا أَثَرَهُ!
هذِي الْمنازِلُ قَدْ مَرَّتْ عَلَى عَجلٍ
كَأَنَّها وَمْضَةٌ لِلْبَرْقِ مُخْتَصَرَهُ
هذا قَطِيعٌ — مِنَ الأغْنامِ — أَلْمَحُهُ،
وهذِه دَوْحَةٌ، فِي ظِلِّها بَقَرَهْ
وهذه تُرْعَةٌ — فِي إِثْر ها — ظَهَرَتْ،
وهَضْبةٌ، وحُقُولٌ — بَعْدها — نَضِرَهْ
هذا سَوادٌ عَلاَ فَوْقَ القِطارِ، وَقَدْ
عمَّ الْفَضَاءَ دُخَانٌ قاذِفٌ شَرَرَهْ
هذا القِطارُ بطِيئًا — بَعْدَ سُرْعَتِه —
وَذا صَفِيرٌ يُدَوِّى مُنْذِرًا خَطَرَهْ
هذى الْمَحَطَّةُ قَدْ لاحَتْ لأَعْيُنِنا
أَعْلامُها، وَوُفُودُ السَّفْرِ مُنْتَظِرهْ
يَحُلُّ فِيها قَليلًا، ثُمَّ يَتْرُكُها
لِغَيْرِها ماضِيًا، مُسْتَأْنِفًا سَفَرَهْ
كالسَّهْم مُنْصَلِتًا، والسَّيْلِ مُنْدَفِعًا،
يُثِيرُ — فِي عَدْوِهِ — الْحَصباءَ والْغَبَرَهْ

•••

هَيْهاتَ، هَيْهاتَ، لا جِنٌّ ولا سَحَرَهْ
بِقادِرِينَ عَلَى أَنْ يَلْحَقُوا أَثَرَهُ
هُنا غُلامٌ أَراهُ صاعِدًا حَذِرًا
عَلَى النَّخِيلِ يُرجِّي — فَوْقَهُ — ثَمَرَهْ
وَهذِهِ ثُلَّةٌ — مِنْ قَرْيٍَ — خَرَجَتْ،
وكُلُّهُمْ رَافِعٌ — مِنْ دَهْشَةٍ — بَصَرَهْ
وَهذِهِ مرْكَباتٌ حُمِّلَتْ نَفَرًا،
وَفَوْقَ أُخْرَى شَعِيرٌ يَابِسٌ، وَذُرَهْ
وَثَمَّ طاحُونَةٌ، لاحَتْ — لأَعْيُنِنا
ثَوانِيًا، واخْتَفَتْ — في الْحَقْلِ — مُسْتَتِرهْ
هذا غَديرٌ، وَهذِي رَوْضَةٌ أُنُفٌ
تَهُبُّ مِنْها — عَلَيْنا — نَسْمَةٌ عَطِرَهْ
وَثَم مِئْذَنَةٌ — فِي الْجَوِّ — ذاهِبَةٌ،
وتِلْكَ سُوقٌ، بِها التُّجَّارُ مُنْتَشِرَهْ

•••

شَتَّى مَناظِرَ مَرَّتْ — خَطْفَ بارِقَةٍ —
كَما تَمُرُّ بِكَ الأَحْلامُ مُنْتَثِرَهْ
مَرَّتْ — وَلَيْسَ لَها مِنْ عَوْدَةٍ أَبَدًا —
كالطَّيْفِ وَلَّى، فَمَنْذا يَقْتَفِي أَثَرَه؟