مقدمة
في هذا الكتاب محاولةٌ لدراسة فكر زكي نجيب محمود (١٩٠٥–١٩٩٣م) في ثلاثة أبوابٍ، يلحق بها نصُّ رسالته للدكتوراه عن «الجبر الذاتي»، التي قدَّمها إلى جامعة لندن عام ١٩٤٧م.
ويقع الباب الأول، رحلة في فكر زكي نجيب محمود، في ثلاثة فصول، وهو يحاول إثبات فكرةٍ أساسيةٍ هي أن فيلسوفنا بدأ مُتديِّنًا وانتهى متديِّنًا، وأنه مرَّ خلال تطوره الروحي بثلاث مراحل، كانت الأولى هي «مرحلة التديُّن الخالص»، أو البسيط، الذي بدأ في كُتَّاب القرية، ومال به في شبابه نحو التصوُّف، حتى إنه دافع بحرارةٍ عن المعجزة، محاولًا أن يُثبت أنها لا تتعارض مع العلم، وسيادة القوانين العلمية على ظواهر الطبيعة، وتنتهي هذه المرحلة برسالته عن «الجبر الذاتي».
- (أ)
نقد الحياة الاجتماعية على أسسٍ عقليةٍ ترفض الظلم والقهر والاستبداد.
- (ب)
النظرة العلمية التي تنظر إلى الظواهر فتردُّ النتائج إلى أسبابها.
أما المرحلة الثالثة فهي مركَّب المرحلتين السابقتين، أعني «التدين المستنير بنور العقل»، وقد ظهرت بواكيرها «في الشرق الفنان» عام ١٩٦٠م، ثم اكتمل نُضجها أثناء وجود الفيلسوف مُعارًا لجامعة الكويت، ثم استمرَّت معه حتى وفاته في ٩ سبتمبر عام ١٩٩٣م.
أما الباب الثاني من هذا الكتاب؛ فهو دراسة للفلسفة الثنائية عند فيلسوفنا في ثلاثة فصولٍ أيضًا، يحاول الفصل الأول أن يضع زكي نجيب محمود في مكانه في مسار النهضة العربية، ثم يُحدِّد الفصل الثاني معنى الفلسفة الثنائية سواء أكانت إبستمولوجية أو ثنائية أنطولوجية أو ثنائية ثقافية … إلخ.
أما الفصل الثالث فهو يتحدَّث عن الإسهامات الخاصة لزكي نجيب محمود، عندما وضع تحت مبضع التحليل الأفكارَ الرئيسية التي ظهرت في مسار نهضتنا وأهمها «الحرية» و«العقل» … إلخ، ويُقسَّم هذا التحليل إلى مجالين: مجال التحليل العقلي، ويختار مجموعة من الأفكار السياسية والمفاهيم الدينية والقومية والاجتماعية، التي قام فيلسوفنا بتحليلها. أما القسم الثاني فهو مجال الوجدان وإسهاماته في مجال الأدب والنقد الأدبي، والدور الذي قام به في أدب المقال، كما يُقدِّم نماذج من هذا الأدب.
أما الباب الثالث والأخير فهو دراساتٌ ومقالات كُتبت في أوقاتٍ متفرِّقةٍ منها: «زكي نجيب محمود كما عرفته»، تحدثت فيه عن شخصية الفيلسوف كما لمستُها بنفسي لقربي منه أكثر من ثلاثين عامًا، ثم زكي نجيب محمود مُفكرًا تنويريًّا، وهو مقال يُحدد أولًا معنى التنوير، ثم يتساءل ثانيًا كيف نعتبر زكي نجيب مفكرًا تنويريًّا بهذا المعنى؟! وأخيرًا المقال الذي كتبته يوم رحيله «سقراط مصر، أو مشعل الفكر الذي انطفأ!»
وأخيرًا فإنني أرجو أن أكون بهذا الكتاب قد أدَّيت خدمةً متواضعةً لدراسة هذا المفكِّر العملاق.
والله نسأل أن يهدينا جميعًا سبيل الرشاد.