مقدمة
مايكل سايلور
في مارس عام ٢٠٢٠م، ابتُلي عالمنا بوباء، وقد أدَّى ذلك إلى توقفٍ هائلٍ لقطاعاتٍ كاملةٍ في اقتصادنا، وإلى وقف أنماط السلوك التي اعتدنا جميعًا على القيام بها لمئات السنين؛ فقد تم إغلاق المكاتب والمدارس، واختفت التجمُّعات في الأماكن العامة، كما توقَّفت الرحلات التجارية، وتوقَّفت معها الرحلات الترفيهية وتلك المخصَّصة للاستجمام، وأمَّا اللقاءات الشخصية، فقد باتت أمرًا مستحيلًا، ولم تعد أمرًا يمكن القيام به عمليًّا، كما أُغلقت المتاجر والمصانع، وهبطت الطائرات، ورست السفن، وقُطِعت الطرق، وأُغلقت الحدود.
وبحلول يونيو، كُنا قد أنجزنا عملًا ضخمًا، واكتسبنا معلوماتٍ هائلةً بحيث أعطانا هذا الأمر القدرة على استنتاج أن صندوق التمويل الاحتياطي الذي كُنا ندخره لليوم الأسود، والذي وصلت قيمته لحوالي الخمسمائة مليون دولار، لن يكون ذا فائدة في العالم الافتراضي الجديد، وأنه هناك فرصة من المحتمَل فيها أن نُولِّد خمسمائة مليون دولار إضافيةً من التدفُّق النقدي بسبب التحوُّل الرقمي الذي قمنا به. والأخبار السارة تمثَّلت بامتلاكنا الكثير من النقود؛ الكاش، وبوجود فرصة هائلة نستطيع من خلالها توليد المزيد من هذا الكاش بمرور الوقت. أمَّا الأخبار السيئة فتمثَّلت بمعدل التضخُّم النقدي الذي ارتفع لثلاثة أضعاف، وبارتفاع سعر الأصول الأخرى بمعدلات «انفجارية» فاقت كل المعدلات الأخرى التي حدثت خلال قرون. وبهذا، كانت قيمة ميزانيتنا تتضاءل كما لو أنها كانت مكعَّب ثلج ينصهر بفعل درجات الحرارة المرتفعة؛ ولهذا، توجَّب علينا التصرُّف واتخاذ القرارات بشكل سريع لأننا لم نُرِد أن نرى كل هذه القيمة وهي تُهدَر عبثًا.
وقد حَفَّزَنا هذا الأمر لنسعى بشكل حثيث كي نجد حلًّا لمعضلتنا، فكيف تقوم الشركات المعاصرة بحماية ميزانيتها العمومية في بيئة تضخمية نقدية؛ حيث تفقد العملات في مثل هذه البيئات ١٥٪ من قوتها الشرائية كل عام، في حين أن العائدات المتاحة من أدوات الخزانة التقليدية، والتي يتم تحصيلها بعد جباية الضرائب تكون فعليًّا صفرًا؟ فالشركة التي تولِّد ٧٥ مليون دولار سنويًّا من التدفقات النقدية، تحتفظ ﺑ ٥٠٠ مليون دولار في رصيد ميزانيتها بعوائد سلبية فعلية مقدارها ١٥٪، وهذا الأمر يقوم بتقويض قيمة المساهمين بنفس قدر إنشاء هذه القيمة. خلاصة القول، لقد كنا نركض بأقصى طاقتنا لكي نحافظ على وضعنا ليبقى كما هو.
لهذا، وبعد أن درسنا إمكانية الابتعاد عن النقود، السندات، العقارات، الأسهم، المشتقات المالية، الفنون، السلع الأساسية، والمقتنيات؛ قرَّرنا استبعادها باعتبارها أصولًا للخزانة، ولم يتبقَّ لنا إلا النظر في المعادن الثمينة والعملات الرقمية المُشفَّرة. وفي هذا الوقت بالذات من بحثي عن الحلول، اكتشفت كتاب «معيار البيتكوين» لمؤلفه سيف الدين عموص. لم يكن هذا الكتاب كغيره من الكتب؛ فقد وفَّر لي الإطار الاقتصادي الشامل الذي احتجته لكي أكون قادرًا على تفسير قوى الاقتصاد الكلي التي تُعيد تشكيل عالمنا، وتعمل على تشويه وإفساد أسواقنا، وتقويض شركاتنا.
كتاب «معيار البيتكوين» يجب أن يكون متطلَّبًا يقرؤه الجميع في المجتمع المعاصر؛ فهو يقدِّم سردًا موجزًا ومتماسكًا لكلٍّ من النظرية النقدية، تاريخ النقد، الاقتصاد العملي، وتأثير السياسات السياسية على الأعمال والثقافة والاقتصاد. ويحتوي هذا الكتاب، بالغالب، على واحدةٍ من أفضل التفسيرات لفوائد وفضائل النقد القوي، ولمخاطر ومفاسد العملة الضعيفة التي تمَّ عرضها في تاريخ الأعمال المعاصرة. كما يفضح هذا الكتاب بشكل بارع زيف أساطير النظرية النقدية المعاصرة، ويُعرِّي الأفكار البالية التي سيطرت على مدارس الفكر الاقتصادية القائمة على النقد الورقي الحكومي منذ أوائل القرن العشرين.
إن كتاب «معيار البيتكوين» هو توصيتي الأولى لكل من يسعى إلى تكوينِ صورةٍ شاملةٍ عن النظرية الاقتصادية، التاريخ السياسي، والتطوُّرات التِّقْنية التي قادت شبكة البيتكوين ودفعتها للنمو، وحدَّدت مسارها المستقبلي. إن عملة البيتكوين ملائمة للأفراد، المستثمرين، المديرين التنفيذيين، التقنيين، السياسيين، الصحفيين، والأكاديميين على حد سواء، بغض النظر عن أجنداتهم؛ فعملة البيتكوين هي أول شبكة نقدية رقمية في العالم، وهي أول أصلٍ نقدي مُصنَّع في العالم. وهذه السمات معًا تمثِّل واحدةً من أكثر التقنيات عبقريةً في العالم، والتي يمكن لها أن تُغيِّر العالم بأكمله، كما أنها تمثِّل أكبر فرصة متاحة حاليًّا لأولئك الذين يرغبون في إنشاء شيء جديد ورائع، وتمثِّل أيضًا الحل لمشكلة تخزين القيمة التي يواجهها ٧٫٨ مليار شخص في العالم، وأكثر من ١٠٠ مليون شركة، ومئات التريليونات من الدولارات لرءوس أموال المستثمرين.
أتمنَّى أن تستمتع بهذا الكتاب بالقدر الذي استمتعت به أنا، وأن تستفيد من الأفكار الواردة في صفحاته.
رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي
مايكرو ستراتيجي MicroStrategy
ميامي بيتش، فلوريدا
٢٤ مارس ٢٠٢١م