في تاريخ العروض والقافية
(١) العروض
علم أوزان الشعر، والذي اخترعه «الخليل بن أحمد» المتوفى سنة ١٧٠ للهجرة، وجاءه ذلك — كما في تاريخ ابن خلكان — من معرفة الإيقاع والنغم، قالوا: لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أنَّ صناعة الإيقاع تقسيم الزَّمان بالنغم، وصناعة العروض تقسيم الزمان بالحروف المسموعة.
وقيل إنه جاء في فكره حينما مرَّ بشوارع البصرة وسمع طرقات مطارق الحدادين بأصوات مُختلفة.
وقال بعضٌ إنَّ شعر اليُونان له أوزان مخصوصة، والتفاعيل عندهم تُسمَّى الأيدي والأرجل، ولا يبعد أن يكون وصَلَ إلى الخليل شيء من ذلك فأعانه على إبراز العروض.
وروى الأخفش عن الحسن بن يزيد قال: سألت الخليل: هل للعروض أصل؟ قال: نعم، مررت بالمدينة حاجًّا، فرأيت شيخًا يعلِّم غلامه يقول له: قل:
فقلت له: ما هذا الذي تقول للصبي؟ فقال: هو علمٌ يتوارثونه عن سلفهم يُسمونه «التنعيم»؛ لقولهم فيه: نعم. قال الخليل: فرجعت بعد الحج فأحكمتها. فجرى الخليل في تجزئته على ما سمع من الشيخ، فإنَّ وزن قوله: «نعم لا» فعولن، و«نعم لا لا» مفاعيلن. قيل: وسَمَّى الخليل هذه الصناعة بالعروض؛ لأنه لما شبَّه البيت من الشِّعر بالبيت من الشَّعر شبَّه ما يقيم وزن الأول بعروض الثاني، وهي الخشبة المعترضة في سقفه، وشبَّه الأسباب بالأسباب، والأوتاد بالأوتاد، والفواصل بالفواصل. وقيل إنه لما امتحن الشعر ووجد الاختلاف والتنقُّل في أواخر أبياته على الجملة أكثر منه في أوساطها؛ سمَّى وسط البيت الذي هو مُنتهى قسمه الأول عروضًا أيضًا تشبيهًا بالعروض، وهو العمود المعترض في وسط الخباء لثباته وقلة تَبَدُّله.
ولما تتبَّع الخليل أشعار العرب رأى أنَّ أوزانها تنحصرُ في خمسة عشر وزنًا سمَّاها بحورًا، وسمى البحور بأسماء مُختلفة: الطويل والمديد والبسيط والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث والمتقارب.
وأخذ العروضَ عن الخليل سيبويه، وأخذه عنه الأخفش، وزاد بحرًا سمَّاه الخبب. ولم يزل يتواتر أخذ العلماء هذا الفن إلى وقتنا هذا.
وجعل الجوهري بحور الشعر اثنى عشر لا غير، منها المتدارك، وجعل فيها سبعة مفردات وهي: الوافر، والكامل، والهزج، والرجز، والرمل، والمتقارب، والمتدارك. وخمسة مركبات: الطويل، والمديد، والبسيط، والخفيف، والمضارع. فالطويل مُركَّب من المتقارب والهزج؛ لأنَّ المُتقارب مركَّب من «فعولن»، والهزج مركب من «مفاعيلن»، ومنهما الطويل. والمديد مُركب من الرمل والمتدارك؛ لأن الرمل من «فاعلاتن» والمتدارك من «فاعلن»، والمديد منهما. والبسيط مركب من الرجز والمتدارك. والخفيف مُركَّب من الرَّمل والرَّجز. والمضارع مركب من الهزج والرمل. ولم يتركب من الكامل والوافر شطر، وأسقط السريع والمنسرح والمقتضب والمجتث، قال: وإنما كثَّر الخليل الألقاب للتقريب والشرح، وإلا فالسريع من البسيط؛ لأن بناءهما من مستفعلن وفاعلن. والمنسرح والمقتضب من الرجز؛ لأنهما من مستفعلن، وهذا بناء على قاعدته أنَّ مفعولات مقلوب مستفعلن، والمجتث من الخفيف؛ لأنهما من مُستفعلن وفاعلاتن، ولا اختلاف بين هذه الأجزاء إلا في تقديم وتأخير أو تكرير بعضها. ا.ﻫ.
ولمعرفة أجزاء البحور رسموا خمس دوائر وضعوا فوقها علامات للمتحركات والسواكن من شطر كل بحر؛ فالمتحرك علامته (٥) والساكن علامته (١)، وإن شئت قلت علامة الوتد المجموع (١٥٥) والمفروق (٥١٥)، والسبب الخفيف (١٥) والثقيل (٥٥). ووضعوا اسم البحر داخل الدائرة تحت علامة مبدأ الشطر، والسير في هذه الدوائر يرشد إليه الموقف.
ولا يتحتَّم أن تجيء أوزان البحور على الأجزاء المستخرجة من الدوائر تمامًا، بل يدخلها الزحاف والعلل والجزء والشطر وغير ذلك مما هو مُبيَّن في موضعه، كما يظهر من تقطيع أبيات الشعر المسموعة عند العرب.
(١) وتُسمَّى الدائرة الأولى بدائرة المختلف لتركبها من جزأين مختلفين: خُماسي «فعولن أو فاعلن»، وسُباعي «مَفاعيلن أو فاعلاتن»، ويُستخرج منها الطويل والمديد والبسيط.
فأجزاء الطويل: «فعولن مفاعيلن» أربع مرات، وهو كثير الدَّوران في شعر العرب، ومنه قصيدة امرئ القيس التي أولها:
وقصيدته التي أولها:
وقصيدته التي أولها:
وقبض فعولن في الطويل حسن، ويزداد حُسنًا إن جاء بعده الضرب المحذوف ولا يكاد يسمع إلا مقبوضًا، كقوله:
وأجزاء المديد «فاعلاتن فاعلن» أربع مرات في الدائرة، لكنه لم يُسمَع إلا مُسدَّسًا، وهو قليلٌ في شعرهم، ومنه قصيدة لتأبَّط شرًّا أولها:
وقصيدة لامرئ القيس منها:
وقول علي بن زيد:
ومن مشطور المديد قصيدة لامرأة يقال إنها أم تأبَّط شرًّا أو أم السُّلَيك بن السُّلَكَة، وهي:
قال أبو العلاء: «هذا الوزن لم يذكره الخليل ولا سعيد بن مسعدة، وذكره الزجَّاج وجعله سابعًا للرمل، وقد يُحتمل أن يكون مشطورًا للمديد.» ا.ﻫ.
والعروض الثانية بأضربها الثلاثة قليلة الوجود، وقد استَقْرَيْتُ كثيرًا من شعر العرب فلم أرَ منها شيئًا، وربما كانت شواهدها المذكورة في كتب العروض موضوعة، فإنهم لم يذكروا قائليها، ورأيت في شارح الخزرجية: «وحكى للثانية ضرب متمم، كقوله:
وهذه العروض قلَّ أن توجد لمحدث فضلًا عن العرب.» وفيه أيضًا أنَّ ضربيها الثاني والثالث اللذين وضعهما الخليل لم يُسمع نظيرهما للعرب، وقال الزجَّاج: «لم يجئ على أولهما قصيدة إلا للطرماح.» ا.ﻫ. وكان عليه في هذا المقام أن يذكر أول القصيدة.
وأجزاء البسيط: «مستفعلن فاعلن» أربع مرات، وهو شائع في الشعر، ومنه قول سالم بن وابصة:
ومنه قول الفضل بن العباس:
وجزء البسيط قليل الاستعمال قبيح الوزن، لم يجئ في شعر العرب إلا نادرًا، لكن يحسُن إذا حولت العروض والضرب بعد الجزء إلى «فعولن»، ويُسمَّى حينئذٍ مخلعًا، ومنه قول الأعشى:
وقد جاء مكان فعولن مفعولن في قصيدة لامرئ القيس أولها:
وقال بعضٌ إن المخلع من المنسرح، واستدلَّ بإطباق المحدثين على مفعولات مكان فاعلن، كقول ابن المعتز:
وعورض بإطباق العرب على فاعلن.
ويقرب من مخلع البسيط قول سلمى بن ربيعة:
قال التبريزي: «هذه الأبيات خارجة عمَّا وضعه الخليل، وعما وضعه سعيد ابن مسعدة، وأقرب ما يُقال فيها أنها تجيء على السادس من البسيط.» ا.ﻫ. وعُدَّ من مجزوء البسيط:
وقيل إن البسيط يجيء مشطورًا، وبيته:
واستخرجوا من هذه الدائرة بحرين مهملين، أحدهما وزنه «مفاعيلن فعولن» أربع مرات عكس الطويل، وسموه المستطيل، ومنه قول بعض المولدين:
وثانيهما: «فاعلن فاعلاتن» أربع مرات مقلوب المديد، وسموه الممتد، ومنه قول بعض المولدين:
(٢) وتسمى الدائرة الثانية بدائرة المؤتلف؛ لائتلاف أجزائها وتماثلها، ويُستخرج منها: الوافر والكامل، فالوافر أجزاؤه «مفاعلتن» ست مرات، لكن عروضه وضربه لم يُسمعا إلا مقطوفين عند عدم الجزء، فيحول كل منهما إلى فعولن، ومنه لقيس بن الخطيم:
ومن مجزوء هذا البحر قول عربي في ابنه:
وزاد الأخفش عروضًا ثالثة مجزوَّة مقطوعة لها ضرب مثلها، وبيتها:
والكامل أجزاؤه «مُتفاعلن» ست مرات، وهو كالطويل في كثرة الدوران في الشعر، ومنه مُعلقة عنترة، وأولها:
ومنه:
وقول عربي:
وقول ابن عبدل الأسدي:
وقول قيس بن عاصم المنقري:
ومن مجزوء الكامل قول ابن زهيمة:
ومن مجزوئه المرفل قول النابغة:
قال ابن مرزوق: ولما كثرت حركات الكامل، وقع في أعاريضه من الاختلاف ما لم يقع في غيره؛ كقول امرئ القيس:
بعد قوله في هذه القصيدة بعينها:
وقول زهير في قصيدة له:
فاجتمع في هذه الأبيات العروض السالمة والحذاء، وهذا خلاف ما اشترط في العلل من اللزوم.
واستخرجوا من هذه الدَّائرة بحرًا مُهملًا بالابتداء من السَّبب الخفيف وزنه «فاعلاتك» ست مرات، ويقال له: المتوفر، ومنه قول بعض المولدين:
(٣) وتسمى الثالثة بدائرة المجتلب؛ لأن أجزاءها كلها اجتلبت إليها من دائرة المختلف، واستخرجوا منها الهزج والرجز والرمل، فالهزج أجزاؤه «مفاعيلن» ست مرات على حسب ما تقتضيهِ دائرته، لكنه لم يُسمع عن العرب إلا مجزوًّا، وهو أقل استعمالًا من الكامل، ومنه قصيدة الفند الزماني التي أولها:
قال ابن مرزوق: وحُكي استعمال الهزج مسدسًا على الأصل وهو قليل جدًّا، كقوله:
ومنه:
والرجز أجزاؤه «مستفعلن» ست مرات، وأكثر ما يستعمل منه العرب المشطور، كقول جحدر بن ضبيعة:
وكقول الزبَّاء:
ويُقال إنَّ كل شطرين من هذا بيت، والْتزمت العرب التقفية بين الأعاريض والأضرب، ومن غير الأكثر قول امرئ القيس:
ومنهوك الرجز كقول دُرَيد بن الصِّمة يوم هوازن:
ويُقال إنَّ هذا من مجزوء الرجز، الملتزم فيه التقفية بين الأعاريض والأضرب.
ولِلعَرَب تَصرُّف واتِّساع في الرَّجز لكثرته في كلامهم في مواطن الحروب والفخر، قال الزجَّاج: ولو جاء منه شعر على جزء واحد مقفًّى لاحتمل ذلك، كقول عبد الصمد بن العدل:
فجاء بالقصيدة على «مستفعلن»، ومثله قول يحيى بن علي المنجم:
ويُقال إنَّ أول من انترع مثل هذا «مسلم الخاسر»، في قصيدة مدح بها موسى الهادي رابع الخلفاء العباسيين أخا الرَّشيد، وهي:
ولم يُسمع شيء من هذا عن العرب، وأقل ما سمع لهم كان على جزأين، كقول دريد السابق.
واشتُهر بالرجز في صدر الإسلام: العجَّاج، ورؤبة، وكل منهما له ديوان ليس فيه من الشعر غير الأراجيز. وكذا أبو النجم، ومن رجزه:
وقد تصفَّحنا كثيرًا من أراجيزهم وأراجيز من سبقهم؛ فرأيناها مُلتزمًا فيها التقفية بين الأعاريض والأضرب، لكن من جاء بعدهم لم يلتزموا التقفية. ومن ذلك مقصورة ابن دريد التي أولها:
ويُحتمل أن قول امرئ القيس السَّابق من الكامل المزاحف المعلول. والرمل أجزاؤه في الدائرة: «فاعلاتن» ست مرات، لكن عروضه لم تُسمع في شعر العرب إلا محذوفة عند عدم الجزء، ومنه قصيدة لطرفة أولها:
وقصيدة لعبيد بن الأبرص أولها:
ومن مجزوِّ هذا البحر قصيدة جسَّاس بن مرة، أولها:
(٤) وتُسمَّى الدَّائرة الرَّابعة بدائرة المشتبه؛ لاشتباه أبحرها، ويُستخرج منها السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث. «فالسريع» أجزاؤه: «مستفعلن مستفعلن مفعولات» مرتين، لكن المسموع في عروضه أنها لا تجيء تامَّة.
ومنه قول جسَّاس بن مرة:
ومنه قول امرئ القيس:
ومنه قول حطَّان بن المعلى:
ومن مشطور السريع قول قبيصة الحرمي:
و«المنسرح» أجزاؤه: «مستفعلن مفعولات مستفعلن» مرتين، إلا أنَّ ضربه عند التمام لا يجيء إلا مطويًّا، وقال بعضٌ: وكذا عروضه لا تجيء إلا مطويَّة، ويُؤيِّد هذا تَتَبُّع شعر العرب الصحيح، ومنه قول امرئ القيس:
قال الصبَّان: وحكى غير الخليل ضرْبًا مقطوعًا لهذا البحر، كقوله:
واستحسن هذا الضرب المحثون وأكثروا منه.
ومن منهوك المنسرح قول هند بنت عتبة:
و«الخفيف» أجزاؤه: «فاعلاتن مستفع لن مفروق الوتد فاعلاتن» مرتين، ومنه قول منقذ الهلالي:
ومنه قصيدة لعُدَي بن زيد، أولها:
ومن مجزوِّ الخفيف قول فقيد ثقيف:
و«المضارع» أجزاؤه: «مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن» مرتين. و«المقتضب» أجزاؤه: «مفعولات مستفعلن مستفعلن» مرتين، قالوا كلاهما مجزوء وجوبًا، وذكروا:
شاهد الأول:
وشاهد الثاني:
وقد بحثت كثيرًا في شعر العرب الذي يُؤخذ حُجَّة؛ فلم أعثر على أبيات من كليهما إلى أن رأيت في «حاشية الدمنهوري على الكافي» ما نصه: «قال الدمامني: أنكر الأخفش أن يكون المضارع والمقتضب من شعر العرب، وزعم أنَّه لم يسمع منهم شيء منهما، قلتُ: وهو محجوج بنقل الخليل. وقال الزَّجاج: هما قليلان حتى إنه لا يُوجد منهما قصيدة لعربي، وإنما يُروَى من كل واحد منهما البيت والبيتان، ولا يُنسب بيت منهما إلى شاعر من العرب ولا يُوجد في أشعار القبائل.»
و«المجتث» أجزاؤه في الدائرة: «مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن»، لكنه لم يُستعمل إلا رُباعيَّا، ويكاد أن لا يُوجد في شعر العرب الجاهلي كالمضارع والمقتضب، ومنه قول العباس بن الأحنف في جارية اسمها «فوز» حجَّت مع مولاها:
وللوليد بن يزيد بن عبد الملك:
وحكى بعضهم استعمال المجتث مُسَدَّسًا، وأنشد:
واستخرجوا من هذه الدائرة أيضًا ثلاثة أبحر مُهملة، الأول أجزاؤه «فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن» مرَّتين، ويُسمَّى «المتَّئِد»، وقال بعض المولدين:
والثاني أجزاؤه: «مفاعيلن مفاعيلن فاع لات»، ويُسمَّى بالمنسرد، وقال منه بعض المولدين:
والثالث أجزاؤه: «فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن» مرتين، ويُسمَّى بالمطرد، وقال منه بعض المولدين:
(٥) وتُسمَّى الدَّائرة الخامسة بدائرة المتفق؛ لاتفاق أجزائها، ويستخرج منها: المتقارب والمتدارك، فالمتقارب أجزاؤه: «فعولن» ثماني مرات، ومنه قصيدة بشر بن أبي حازم التي أولها:
ومنه قصيدة لدريد بن الصمة أولها:
ومنه قول الصلتان العبدي:
وهذا البحر كثير في شعرهم، غير أنَّه يَقِلُّ منه المجزوَّ ولم يُستعمل منه المشطور، ويجوز فيه خلط العروض التامة بالمحذوفة والمقصورة والمحذوفة بالبتراء لتصرُّف العرب فيه. وأنشدوا منه لعبيد بن الأبرص:
وأصلحه الخليل بقوله:
و«المتدارك» أجزاؤه: «فاعلن» ستَّ مرات، ولم أعثر على شواهد له في أشعار العرب الجاهلية، ومع ذلك وزنه محبوب وفي الأسماع مُؤثر في النفوس، خصوصًا إذا دخله الخبن، نحو:
أو القطع نحو:
وقد اجتمعا في قوله:
وقد سمُّوا هذا البحر بضرب الناقوس والمتسق وغير ذلك، وقال الصبَّان: «وحكم كثير بشذوذ ورود هذا البحر سالمًا ووروده مجزوًّا، وأنَّ المطرد استعماله مخبونًا.» ا.ﻫ. وهذا البحر لم يذكره الخليل، بل زاده الأخفش كما سبق، وزعم ابن رشيق أنَّه قديم، ومنه:
وقد نظم بعضهم أسماء بحور الخليل، فقال:
ونظم أوزان البحور كثير من الشعراء، منهم الصفي الحِلِّي، فقال:
الطويل:
المديد:
البسيط:
الوافر:
الكامل:
الهزج:
الرمل:
السريع:
الرجز:
المنسرح:
الخفيف:
المضارع:
المقتضب:
المجتث:
المتقارب:
المحدث:
وقد جاءت آيات قرآنية وأحاديث نبوية على الأوزان الشعرية اتِّفاقًا، فمن ذلك آية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. وحديث: «إِنْ أنتِ إلَّا أصبع دميْتِ، وفي سبيل الله ما لقيْتِ»؛ فالآية من مجزوِّ الرمل، والحديث من الرجز المقطوع.
وقد نَظَمَ الشَّيخ شهاب بيتين لكلِّ بحر مبيِّنًا فيهما اسم البحر وأجزاءه، ومقتبسًا آية من القرآن الكريم جاءت على وزنه.
فقال في الطويل:
وقال في المديد:
وقال في البسيط:
وقال في الوافر:
وقال في الكامل:
وقال في الهزج:
وقال في الرجز:
وقال في الرمل:
وقال في السريع:
وقال في المنسرح:
وقال في الخفيف:
وقال في المضارع:
وقال في المقتضب:
وقال في المُجتَث:
وقال في المتقارب:
وقال في المتدارك:
وقال في المخلع:
وقال في الدوبيت:
وقال في المواليا:
لطائف
-
الأولى: قيل لا حاجة إلى العروض؛ لأن الشعر به شاق ويجيء مُتَكَلَّفًا؛
فإنَّ العروضي ليتأتَّى له وزن البيت ينظر في أجزائه ويُقابل ما
فيها من الأوتاد والأسباب على التفاعيل، وإلى أن ينظم بيتًا ينظم
الشاعر بالسليقة قصيدة.
قال أبو فراس:
تناهض الناس للمعاليلمَّا رأوا نحوها نهوضيتكلَّفوا المكرمات كدًّاتكلُّف النظم للعروضيوقال ابن حجَّاج:
مستفعلن فاعلن فعولمسائلٌ كلها فضولقد كان شعر الورى صحيحًاقبل أن يُخلق الخليلوقال بهاء الدين السبكي:
إذا كنت ذا فكر سليم فلا تمللعلم عروض توقع القلب في كربفكل امرئ عانى العروض فإنماتعرَّض للتقطيع وانساق للضربِ -
الثانية: أَلْغَزَ ابن الصائغ في جبل، فقال:
يا عروضيًّا له فطنبحرها بالفكر يضطربُأيما اسم وضعه وتدوهو إذا صحفته سببُويرى في الوزن فاصلةساكن تحريكه عجبُأراد بالوتد: الجبل، قال تعالى: وَجَعَلْنَا الْجِبَالَ أَوْتَادًا، وهو إذا صحفته جبل، وهو السبب لغةً، ووزنه: فاصلة صغرى؛ لأن جبلًا ثلاثة أحرف مُتحركة بعدها ساكن.
وأَلْغَزَ بعضهم في السَّاقية، فقال:
يا أيُّها الحبر الذيعلم العروض به امتزجأبِن لنا دائرةفيها بسيطٍ وهزجوظاهر هذا مشكل؛ لأنه ليس في دوائر العروض ما يجمع البسيط والهزج؛ لأنَّ البسيط من دائرة المختلف، والهزج من دائرة المجتلب وأَوْهَمَ بالبسيط وهو يريد الماء، وأوهم بالهزج وهو يريد الصوت المسموع من الساقية حال دورانها. ا.ﻫ. من الصفدي.
-
الثالثة: قال في «النفحات الأرجية»: قال الخليل وغيره: للعرب نوعان من
الشعر: المخمس والمسمط. قال ابن رشيق: «المخمس» أن يُؤتى بخمسة
أقسام على قافية واحدة، ثم بخمسة أخرى على قافية أخرى إلى تمام
القصيدة، هذه أصله، وقد يُستعمل على أقل من خمسة أو أكثر. أنشد
الزجَّاج:
سقى طللًا بحزْوىهزيم الودق أحوىعهدنا فيه أروىزمانًا ثم أقوىوأروى لا كنودٌولا فيها صدودلها طرْف صيودومبتسم برودلئن شط المزاربها ونأت الديارفقلبي مستطاروليس له قرار
وهذا الوزن يُحتمل أن يكون من مربع الوافر المقطوع، أو من المُضارع المقبوض المكفوف. و«المسمط» أنه يُؤتى ببيتٍ مصرع، ثُمَّ بأربعة أقسام على قافية واحدة غير قافية البيت الأول، ثُمَّ يُؤتى بشطرٍ واحدٍ مُتحد في الوزن والقافية مع البيت الأول؛ نحو:
وهذا جرى عليه اسم المخمس غلطًا، وربما كان التسميط بالإتيان بثلاثة أشطر مُتحدة في التقفية ورابعة على قافية أُخرى، ثمَّ بثلاثة أخرى مُتَّحدة في التقفية، ورابعة متحدة مع الرابعة السابقة في القافية وهكذا، كقوله:
وأقول: التخميس المستعمل الآن بمصر أن يُؤتى بأربعة أشطر مُتِّحدة في التقفية، وخامسة مُخالفة لها في القافية، إلا إذا أريد التصريع، كقول الشيخ إبراهيم راضي المؤَدب في تخميس هذا البيت:
والتشطير: أن تجعل بيتًا بيتين، كقوله في البيت السابق:
ومن الشعر نوع ثالث يسمى «القادوسي» لم يذكره الخليل وذكره غيره، شبه بقواديس الساقية لارتفاع بعض قوافيه في جهة وانخفاضها في جهة أخرى؛ نحو:
(٢) القافية
علم أحوال أواخر الأبيات، وتُطلق على مجموع الساكنين اللذين في آخر البيت وما بينهما من المتحركات والمتحرك الذي قبل الساكن الأول، كذا قال الخليل. وقال الكوفيون إنها حرف الروي خاصَّة. ورأيت في رسالة لابن كيسان مطبوعة في ليدن ما يُخالف هذا؛ فإنَّ فيها ما نصه: «قال الخليل: القافية الحرف الذي يلزمه الشاعر في آخر كل بيت حتى يفرغ من شعره، وكان الخليل يُسمي الكلمة التي فيها القافية: الضرب والروي.» وهذا مُخالف للمشهور، ولِما جاء في لسان العرب، وهو: وقال الخليل: القافية من آخر حرف البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن كأن القافية على قوله من قول لبيد: عَفَت الديار محلها فمقامها، من فتحة القاف إلى آخر البيت.
وقال قطرب: القافية الحرف الذي تُبنى القصيدة عليه، وهو المسمى رويًّا.
وقال ابن كيسان: القافية كل شيء لزمت إعادته في آخر البيت. وقد لاذ هذا بنحو قول الخليل لولا خلل فيه.
وقال الأخفش إنها آخر كلمة في البيت. وقال آخرون: هي المصراع الأخير.
قال الخطيب التبريزي: والقول قول الأخفش لأنا رأيناهم إذا قالوا البيت حتى تبقى منه كلمة قالوا: بقيت القافية.
ولو أنَّ شاعرًا قال لك اجمع قوافٍ لم تجمع له أنصاف أبيات، وإنما كنت تجمع له كلمات أواخرها الحرف الذي تُريد أن تجعله روي القصيدة. ا.ﻫ.
والعرب يُطلقون القافية على البيت وعلى القصيدة.
قال حسَّان:
وقال آخر:
وقالت الخنساء:
وقال الشميذر الحارثي:
أي: دفنتم بصحراء الغمير شاعركم صاحب القصائد.
ويُقال إنَّ مهلهل بن ربيعة أوَّل من أجاد تقفية القصائد الطوال، وأنه لم يقل أحد قبله عشرة أبيات من رويٍّ واحد، وأنه أوَّل من يُروى له كلمة ثلاثون بيتًا من الشعر.
قال الفرزدق:
ولهذا نسبوا إليه وضع القوافي. وأمَّا علم القافية فالظاهر أنه من علم العروض، فيكون من وضع الخليل؛ فإن تعاريف القافية الاصطلاحية وأسماء حروفها وحركاتها وعيوبها وأنواعها منسوبة كلها إلى الخليل ومن تبعه، ولم يُؤْثَر عن زمن الجاهلية وضع علم ولا تدوين فن، ولو كان العلم نفسه من وضع المهلهل لما خفي على النَّابغة الذبياني شاعر العرب المحكم عيب الإقواء في قصيدته التي أولها:
فإنَّه خالف فيها مجرى رويها المكسور حيث قال:
ولما أنكر عليه أهل يثرب ذلك لم يعرف ما أنكروا فألقوه على لسان جارية فتغنَّت فيه فمدَّت صوتها في «مزودِ» ومدَّت صوتها في قوله «الأسودُ»، فقال النابغة: ما أبصركم يا أهل يثرب بمجاري الكلام، ورجع عنه فقال:
وقد أقوى النابغة في موضع آخر من هذه القصيدة، فقال:
ويُؤَيِّد ما ذهبنا إليه قول ابن مرزوق شارح الخزرجية. وإنما أُفردت القوافي بالتأليف وإن كانت من علم العروض لكثرة مباحثها، كما أفردت الفرائض بالتآليف وإن كانت من علم الفقه، وكإفراد التصريف بالتأليف وإن كان من علم النحو.
ولقافية البيت حروف وحركات إذا جاءت للشاعر في مطلع شعره وَجَبَ عليه التزامها في بقيته؛ فالحروف ستة نظمها بعضهم فقال:
والحركات ست أيضًا نظمها آخر فقال:
-
(١)
فالرويُّ: الحرف الذي ينسب إليه الشعر، ويكون ساكنًا ومتحركًا. فالسَّاكن: ويسمى مقيَّدًا كالميم الملتزمة أخيرًا في قصيدة طرَفة بن العبد التي أولها:
سائلوا عنَّا الذي يعرفنابقوانا يوم تحلاق اللمميوم تبدي البيض عن أَسْوُقِهاوتلف الخيل أعراج النعمولذا يقال لها: «ميمية طرفة».
والمتحرك: ويُسمَّى مُطلقًا كالهمزة في معلقة الحارث بن حِلِّزة التي أولها:
آذنتنا ببينها أسماءُرُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثواءُ (و)بعد عهدٍ لنا ببرقة شمَّاء فأدنى ديارها الخلصاءُويقال لها «همزية الحارث»، وكالنون في معلقة عمرو بن كلثوم التي أولها:
ألا هُبِّي بصحنكِ فاصبحيناولا تبقي خمور الأندرينامشعشة كأن الحُصَّ فيهاإذا ما الماء خالطها سخيناويُقال لها المعلَّقة النونيَّة، وكالباء في قصيدة النابغة التي أولها:
كليني لهمٍّ يا أُميمة ناصبوليل أقاسيه بطيء الكواكبِتطاول حتى قلتُ ليس بمنقضِوليس الذي يرعى النجوم بآيبِوتُسمَّى بالبائية، وكالميم في قصيدة عبيد بن الأبرص التي أولها:
لمن جِمالٌ قُبيل الصبح مزمومةمُيَمِّمات بلادًا غيرَ معلومةعالَيْنَ رقمًا وأنماطًا مظاهرةوكَللًا بعتيق العقل مقرومةوالباء في قصيدة أبي النشناش التي أولها:
إذا المرء لم يُسرَح سوامًا ولم يُرحْسوامًا ولم تعطف عليه أقاربهْواللام في قطعة لابن زيابة أولها:
نبئتُ عمرًا غارزًا رأسهُفي سنة يوعد أخواله (و)وتلك منه غير مأمونةأن يفعل الشيء إذا قالهوالعين في قول مسكين الدَّارِمِي:
وفتيان صدق لستُ مطلعَ بعضهمعلى سر بعض غير أني جماعهالكل امرئ شعب من القلب فارغوموضع نجوى لا يرام اطِّلاعهايظلُّون شتَّى في البلاد وسرهمإلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعهاوالهمزة في قطعة للهذيل بن مشجعة:
إنِّي وإن كان ابن عمِّي غائبًالمقاذف٢ من خلفه وورائه (ي)ومفيده نصري وإن كان امرأمتزحزحًا في أرضهِ وسمائهِويعاب على الشَّاعر أن يغيِّر حرف الروي في شعر واحدٍ، وسموا هذا العيب إكفاء، كقول رؤبة:
أزهرُ لو يولد بنجم الشحِّمُيَمَّم البيت كريم السخِّوحركة الروي المطلق تُسمَّى مجرى، وحركة ما قبل الروي المقيد توجيهًا، وفي اختلاف المجرى عيب الإقواء كما تقدَّم في شعر النابغة، وفي اختلاف التوجيه عيب السناد، كقول امرئ القيس:
فلا وأبيكِ ابنة العامري لا يدَّعِي القومُ أنِّي أفِرْتميم بن مُرٍّ وأشياعهاوكِندةُ حولي جميعًا صُبُرْإذا ركبوا الخيل واستلأمواتحرَّقَت الأرض واليوم قَرْ -
(٢)
والوصل: لين أو هاء تلي الروي المطلق، كالواو المتولدة بعد الهمزة في «الثواء»، والألف بعد النون في «الأندرينا»، والياء بعد الباء في «الكواكب»، وهاء التأنيث بعد الميم في «معلومة»، وهاء الضمير في «أقاربه» وفي «أخواله» وفي «جماعها» وفي «ورائه»، فليست الهاء وصلًا في مثل قصيدة الحطيئة التي أولها:
ألا هبَّت أمامةُ بعد هدءٍتُعاتبني وما قضَّت كراهافقلت لها: أُمَامُ ذري عتابيفإنَّ النفس مُبدية ثناهابل هي الروي والألف الوصل، والوصل لا يتأتَّى في الروي المقيد، وأشار إلى هذا الورَّاق، فقال:
قلت: صلني فقد تقيدت في الحببه والإسار في الحب ذُلُّقال: يا من يجيد علم القوافيلا تغالط ما للمقيد وَصلوحركة هاء الوصل نفاد أو نفاذ، ولم يسمع في شعر اختلافها.
-
(٣)
والخروج: حرف مد يلي هاء الوصل؛ إن ضمة فواو، وإن فتحة فألف، وإن كسرة فياء، كالواو والألف والياء المتولدة بعد الهاء في «أخوالهُ» و«جماعها» و«ورائهِ».
-
(٤)
والردف: حرف لين قبل الروي كالألف قبل الهمزة في «الثواء»، والياء قبل النون في «الأندرينا»، والواو قبل الميم في «معلومة». والردف إذا كان بالألف انفردت في الشعر كقصيدة بشر بن أبي خازم التي أولها:
تَعَنَّى القلبَ من سلمى عناءُفما للقلب إذ بانت شفاءُوآذن آل سلمى بارتحالٍفما للقلب إذ ظعنُوا عزاءُوإذا كان بالواو أو الياء جاز أن يجتمعا في شعرٍ واحد، كقول المعلوط بن بدل السعدي:
إنَّ الظَّعائن يوم جوِّ سُويقةٍأبكين عند فراقهن عيونًاغيَّضن من عبراتهنَّ وقلن لي:ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟!بل لو يُساعفنا الغيور بدارهيومًا لقد مات الهوى وحييناوحركة ما قبل الردف حذو، وفي اختلافها عيب السناد، كقول عبيد:
فإن يكُ فاتَني أسفًا شبابيوأضحى الرأس مني كاللُّجينِوكان اللهوُ حالفني زمانًافأضحى اليوم منقطع القَرِينِفقد أَلِج الخباء على عذارىكأن عيونهن عيون عينوفي إرداف بعض الشعر دون البعض الآخر عيب السناد، كقول حسَّان:
إذا كنت في حاجة مرسلًافأرسل حكيمًا ولا توصِهِوإن باب أمر عليك الْتَوَىفشاوِر لبيبًا ولا تعصهِ -
(٥)
والتأسيس: ألف سبق الروي بحرف وكان معه في كلمته أو في كلمة أخرى، بشرط أن يكون الروي ضميرًا أو بعض ضمير، كقول حفص العليمي:
أقول لحلمي: لا تزعني عن الصباوللشيب لا تذعر عليَّ الغوانيا(من كلمته).
طلبت الهوى الغَوْريَّ حتى بلغتهوسيَّرت في نجديه ما كفانيا(ضمير).
فيا رب إن لم تقضها لي فلا تدعقذورَ لهم واقبض قذور كما هيا(بعض ضمير).
ويا ليت أن الله إن لم ألاقهاقضى بين كل اثنين ألَّا تلاقياوأما إذا كان الألف في كلمة أخرى ولم يكن الرويُّ ضميرًا ولا بعضه؛ فلا يكون تأسيسًا، كقول الصمة بن عبد الله بن الطفيل:
حَنَنْتَ إلى ريَّا ونفسكَ باعدتمزارك من ريَّا وشَعباكما معافما حسن أن تأتي الأمر طائعًاوتجزع إن داعي الصبابة أسمعاوكقول عنترة:
ولقد خشيتُ بأن أموت ولم تَدُرللحرب دائرة على ابني ضمضمالشاتمَي عرضي ولم أشتمهماوالناذرَين وإن لم ألقهما دميوإذا جاء أول الشعر مؤسسًا، لزم التأسيس في باقيه، كقول معدان الكندي:
صفا وُدُّ ليلى ما صفا ثم لم نُطععدوًّا ولم نسمع به قيل صاحبِفلمَّا تولَّى ود ليلى لجانبوقوم تولينا لقوم وجانبوكل خليل بعد ليلى يخافنيعلى الغدر أو يرضى بِوُدٍّ مقاربوإلا جاء عيب السناد، كقول حجر بن حيَّة العبسي:
ولا أُدَوِّمُ قِدري بعدما نضجتبخلًا لتمنع ما فيها أثافيهاحتى تقسم شتى بعدما وسعتولا يؤَنَّبُ تحت الليل عافيهالا أحرم الجارة الدنيا إذا اقتربتولا أقوم بها في الحيِّ أخزيهاولا أكلمها إلا علانيةولا أُخبِّرها إلا أناديهافالبيت الثالث غير مؤَسس والباقي فيه التأسيس.
-
(٦)
والدَّخيل حرف مُتحرك بين التأسيس والروي، كنون «الغوانيا»، وحركته إشباع، وفي اختلافها عيب السناد كقول النابغة:
وهم طردوا منها بليًّا فأصبحتبليٌّ بوادٍ من تهامة غائروهم منعوها من قضاعة كلهاومن مضر الحمراء عند التغاوُروممَّا تقدم يُعلم أن القافية باعتبار حروفها تسعة أنواع:
لأنها إمَّا مطلقة؛ أي لها وصل، أو مقيَّدة ليس لها وصل، وكلتاهما مردوفة أو مؤسسة أو مجردة من الردف والتأسيس. والمطلقة بأقسامها الثلاثة إما موصولة بحرف لين وإما بِهَاء.
فالمطلقة المردوفة الموصولة كقول أُميَّة بن أبي الصَّلت:
كلُّ عيشٍ وإن تطاول يومًاصائر مرة إلى أن يزولاليتني كنت قبل ما قد بدا ليفي رُءوس الجبال أرعى الوعولاالوصل حرف لين.
وكقول عنترة يرثي تماضر زوجة الملك زهير:
جازت مُلِمَّات الزمان حدودَهَاواستفرغت أيامها مجهودهاوقضت علينا بالمنون فعوَّضَتبالكره من بيض الليالي سُودَهاالوصل هاء.
والمطلقة المؤسسة الموصولة كقول سعد بن ناشب:
سأغسل عنِّي العار بالسيف جالباعليَّ قضاء الله ما كان جالباوأذهل عن داري وأجعل هدمهالعِرضي من باقي المذَمَّة حاجباالوصل حرف لين.
وكقول طرفة:
فكيف يُرَجَّى المرء دهرًا مخلَّدًاوأعماله عمَّا قليل تحاسبهألم ترَ لقمان بن عادٍ تتابَعَتْعليه النسور ثم غابت كواكبهالوصل هاء.
والمطلقة المجردة الموصولة كقول جليلة بنت مُرَّة:
يا ابنة الأقوام إن لُمْتِ فلاتعجلي باللوم حتَّى تسأليفإذا أنتِ تبيَّنتِ الذييُوجب اللوم فلومي واعذليالوصل حرف لين.
وكقول طرفة:
تذكرون إذ نُقاتلكملا يضر معدمًا عَدَمُهأنتم نخل نطيف بهفإذا ما جُزَّ نصطرمهوالمقيدة المردوفة كقول امرئ القيس:
تطاول الليل علينا دَمُّوندمُّون إنَّا معشر يمانونوإنَّا لأهلنا مُحِبُّونوالمقيدة المؤسسة كقول الحُطيئة:
وغرَرْتَنِي وزعمت أنــك لابِنٌ في الصيف تامرْوالمقيدة المجردة كقول طرفة:
خالط الناس بخلق واسعلا تكن كلبًا على الناس تهروإن التقى سَاكِنَا القافية فهي المترادف، كقول امرئ القيس السابق، وإن كان بينهما حركة فهي المتواتر كقول حطَّان:
أنزَلَنِي الدَّهر على حُكمهمن شامخٍ عالٍ إلى خفضوإن كان بينهما حركتان فهي المتدارك، كقول المؤمل:
وكم من لئيمٍ ودَّ أني شتمتهُوإن كان شتمي فيه صابٌ وعلقمولَلْكَفُّ عن شتم اللئيمِ تكرُّمًاأضرُّ له من شتمه حين يشتموإن كان ثلاث حركات فالمتراكب، كقول طرفة:
ولا أُغيرُ على الأشعار أسرقهاعنها غُنيتُ وشرُّ الناس من سَرَقَاوإن أحسن بيتٍ أنت قائلهبيت يُقال إذا أنشدته صدقاوإن أربعٌ فالمتكاوس، كقول العجَّاج:أو يبتغوا إلى السماء دَرَجاوقافيتا المترادف والمتكاوس نادرتان في الشعر.