التدخل الأجنبي في الجزائر
تنازع في دخول الجزائر الإسبانُ باعتبارهم قوةً بحرية أرادت الهيمنة على المنطقة وبث نفوذها، والأتراكُ باعتبارهم قوةً عظمى تم الاستنجاد بها من طرف الجزائر، ثم فرنسا المتحيِّنة لفرصة الاحتلال.
(١) ملوك الإسبان: عين على الجزائر
بعدها بسنة واحدة، أي سنة ١٥١٠م، غزا فرناندو مدينة الجزائر، يقول مفدي زكريا:
في سنة ١٥١٦م وفي ظل الهجمة الإسبانية المسيحية، استنجد سالم بن تومي بالسلطة التركية، حسب غالب الروايات، فلبَّى لندائه الأخوان «عرُّوج» و«خير الدين» واستطاعا ردَّ الغزو الإسباني عن الجزائر. قُتل عرُّوج — رحمه الله — في معركة سقوط تلمسان سنة ١٥١٨م ضد الإسبان في السنة التي تُوفي فيها السلطان أبو حمو الثالث، فاستنجد خير الدين بالسلطان سليمان العثماني فأمدَّه بأسطول بحري. في سنة ٩٢٦ﻫ/١٥١٩م حرَّر خير الدين الجزائر من الإسبان. عمد الأسطول الجزائري إلى مواجهة «شرلكان» سنة ١٥٤١م في عرض البحر، مُني على إثرها الإسبان بخسارة قُدِّرت ﺑ ١٢ ألفًا من الجند وإتلاف ١٥٠ سفينة.
(٢) العثمانيون في الجزائر: نظام الحكم ورد العدوان الإسباني
يليهم «اليولداش» وهم طبقة الجيش البري، ينحدر معظمهم من أصل تركي، ومنهم تتشكَّل الفرق الإنكشارية.
(٢-١) فترات الحكم العثماني
مر الحكم العثماني بالجزائر بأربع فترات:
عصر البايلربايات (أمير الأمراء) ١٥١٤–١٥٨٧م، وعصر الباشوات ١٥٨٧–١٦٥٩م، وعصر الأغوات ١٦٥٩–١٦٧١م، وانتهى بعصر الدايات ١٦٧١–١٨٣٠م.
(٢-٢) التقسيم الإداري للجزائر
- دار السلطان: الجزائر العاصمة وضواحيها ومقر الداي.
- بايلك الشرق: المقاطعة الشرقية للجزائر وعاصمتها قسنطينة.
- بايلك الغرب: المقاطعة الغربية وعاصمتها وهران — بعد إجلاء الإسبان عنها سنة ١٧٩٢م.
- بايلك التيطري: وعاصمته المدية.
انتقل خير الدين من مجرَّد «رايس» بحر تركي إلى رئيس دولة جزائرية، أوصلها القهرُ الخارجيُّ والفُرقةُ الداخليةُ ودورةُ الزمان من صفة الدولة الرائدة صاحبة السيادة إلى دولة مرتبطة بالإمبراطورية العثمانية.
وقد أحسن شاعر الثورة إذ أضاف:
لم يستمر الأتراك كثيرًا في مهام الدفاع عن الجزائر؛ لقد استغلت السطوة على البحر الأبيض المتوسط للقيام بأعمالٍ وُصفت بالقرصنة، كان الغرض منها الحصول على موارد تموين الخزينة العثمانية خارج مجال الأتاوى المعهودة. غذَّت هذه الأعمال شعور الانتقام من الحكم التركي لدى العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
(٣) الأطماع الفرنسية في الجزائر
كان باديًا أنَّ علاقة فرنسا بالجزائر وديَّة على أبعد الحدود، لكن الواقع التاريخي أثبت أنَّ هذه العلاقة كانت تخفي وراءها نيةَ القضاء على الحكم العثماني في الجزائر واحتلالها منذ ١٢٧٠م في عهد الملك لويس التاسع. حظيت فرنسا بامتيازات تجارية ودبلوماسية، كان أهمها الترخيص لفرنسا، سنة ١٧٩٤م، بالتمويل من ميناء الجزائر عندما صُدَّت أبوابُ الأسواق التجارية أمامها.
كلَّف نابليون «بوتان» لإعداد خطة هجوم على الجزائر من سيدي فرج في يوليو ١٨٠٨م.
في بداية الأمر كان دفع المقابل المالي لأي معاملة تجارية يُسدَّد من الحكومة الفرنسية إلى الجزائر بصفة مباشرة، فلجأت فرنسا إلى اعتماد وساطةٍ ماليةٍ يقوم بها ميشيل بكري كوهين المعروف بابن زاهوت، ونافتالي بوشناق المعروف ببوجناح، وهما تاجران يهوديان قدِما من إيطاليا سنة ١٧٧٠م واستقرَّا بالجزائر، يعود لهما أمر الوهن الذي أصاب الاقتصاد الجزائري، والقيود السياسية التي أدَّت إلى حصار الجزائر والحملة عليها واحتلالها.
بلغ نفوذ اليهوديَّيْن مبلغ القدرة في توجيه سياسات الجزائر واقتصادها، وكان لهما الباع الطويل في تعيين موظفي الدولة الساميين، وعقد الاتفاقيات مع الخارج والتفاوض مع الدول الأجنبية.
كان التحضير للانتقام من بوشناق عاملًا مشتركًا بين العديد من الجزائريين والأتراك؛ حيث قام أحد الجنود الإنكشاريين سنة ١٨٠٥م باغتياله. ثارت نعرة اليهود لمقتله، ويرجح أن يكون مقتل الباشا مصطفى في تلك السنة في سياق الانتقام.
أعلن التحالفُ المسيحيُّ الحربَ على الجزائر في يوم ١٦ يونيو ١٨٢٧م، وجهَّزت فرنسا وإنجلترا وروسيا عُدَّتها وعددها لخوض المعركة النهائية ضد الجزائر، فوقعت معركة نافارين الشهيرة يوم ٢٠ أكتوبر ١٨٢٧م التي تحطَّم فيها الأسطول الجزائري تحطمًا كليًّا، ثم ضُرب الحصار البحري على الجزائر.
قرَّر مجلس الوزراء الفرنسي في ٣٠ يناير ١٨٣٠م القيامَ بحملة على الجزائر، وفي ٧ فبراير ١٨٣٠م أقرَّ الملك شارل العاشر مشروع الحملة، وعيَّن الكونت دي بورمون قائدًا لها، والأميرال دوبيري قائدًا للأسطول البحري.
نزلت القوات الفرنسية المحتلة أرض الجزائر عبْر سيدي فرج في ١٤ يونيو ١٨٣٠م، ونصب القائد العام الفرنسي دي بورمون مقرَّ قيادته في زاوية سيدي فرج.
-
تُسلَّم قلعة القصبة وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة وميناء هذه المدينة (الجزائر) إلى الجيش الفرنسي هذا الصباح على الساعة العاشرة صباحًا.
-
يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي أمام سعادة باشا الجزائر أن يترك له الحرية وكل ثرواته الشخصية.
-
سيكون الباشا حرًّا في أن يذهب، هو وأسرته وثرواته الخاصة، إلى المكان الذي يقع عليه اختياره. فإذا فضَّل البقاء في الجزائر فله ذلك هو وأسرته تحت حماية القائد العام للجيش الفرنسي، وسيعين له حرسًا لضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.
-
يتعهَّد القائد العام لكل الجنود الإنكشاريين بنفس المعاملة ونفس الحماية.
-
سيظل العمل بالدين الإسلامي حرًّا، كما أن حرية السكان مهما كانت طبقتهم ودينهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم لا يلحقها أي ضرر. وستكون نساؤهم محل احترام، ويلتزم القائد العام على ذلك بشرفه.
-
وسيتم تبادل وثائق هذا الاتفاق في الساعة العاشرة هذا الصباح، وسيدخل الجيش الفرنسي حالًا بعد ذلك إلى القصبة، ثم يدخل كل القلاع التي حول المدينة كما يدخل الميناء.