الحركة الوطنية الجزائرية
حركة محمد البدوي
بالرغم من الإغراءات للحصول على الجنسية الفرنسية، فإن معظم الشعب الجزائري رفض هذا التجنُّس، وفضلوا حياة القهر بالجنسية الجزائرية على حياة الرفاهية في ظل الجنسية الفرنسية.
(١) النضال السياسي والإصلاحي
في خضم تعتيم وقهْر الجزائريين، نهض تيارٌ سياسيٌّ من المتعلمين في المدارس الفرنسية وتشكَّلوا في حركة «الشبان الجزائريين» للمطالبة بحق التمثيل والاعتراف بالشخصية الجزائرية، وشكَّلوا سنة ١٩٠٤م جريدة «المشعل». اتخذت النخبة الجزائرية موقفًا إزاء قانون التجنيد الإجباري الصادر في ١٩٠٨م والمطالبة بإلغاء قانون الإنديجينا.
في سنة ١٩١٣م ضم قادة حركة «الشبان الجزائريين» بقيادة الشريف بن حبيلس جهودهم إلى الأمير خالد ابن الهاشمي — حفيد الأمير عبد القادر — لتصعيد احتجاجاتهم المطالِبة بالحقوق الكاملة لكل الجزائريين، وحق التمثيل في البرلمان الفرنسي.
في سنة ١٩١٧م، شارك الأمير خالد في مؤتمر رابطة حقوق الإنسان الذي نُظِّم بفرنسا من قِبَل بعض المثقفين الجزائريين والتونسيين. لم يدُم نضاله السياسي طويلًا بسبب العراقيل التي وضعتها الإدارة الفرنسية أمامه، ثم الانتقال إلى مرحلة تزوير الانتخابات المحلية التي فاز بها سنة ١٩٢٢م. كان هذا العامل الأساسي الذي أدرك فيه الأمير خالد أنَّ فرنسا ليست راعية عهود، وأن الاندماج سياسةٌ ماكرة وخاطئة، ليست سبيلًا لحصول الجزائريين على حقوقهم المشروعة، وأنَّ الركود وراء تصريحات الرئيس الأمريكي «ولسون» في تقرير المصير سراب؛ بل وهمٌ لم يكن ليتحقق في ضوء التكتلات الغربية. رغم ذلك، نجد شاعر الثورة مفدي زكريا يرتِّب نضال الأمير خالد ضمن التجارب السياسة الممكنة للتعامل مع الاستعمار دون أن يبخس حقَّه في جهده من أجل حصول الجزائريين على حقوقهم.
قرَّر الأمير خالد ترك النضال السياسي الذي طالما نادى به وانسحب من الحياة السياسية. استقرَّ بسوريا، وعاش بها إلى أن تُوفي — رحمه الله — في ٩ يناير ١٩٣٦م، ودُفن بها.
فرضت فرنسا سياسة التمييز العنصري، وبدأت تظهر نتائج تطبيق قانون الإنديجينا على الشعب الجزائري في صور انتشار الفقر وعموم الجهل، وتفشي الأمراض المعدية. فضَّل الكثير من الجزائريين الهجرة إلى الخارج. لم تفتُر نار الاحتلال على الشعب الجزائري رغم دور شُبَّانه الذين جُنِّدوا قهرًا في صفوف الجيوش الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى في إطار ما يُسمَّى بالتجنيد الإجباري.
(١-١) الذكرى المئوية للاحتلال
قرَّرت السلطات الاستعمارية الاحتفالَ بمرور قرنٍ من الزمان لاحتلال الجزائر، فجهَّزت لذلك عُدةً وعتادًا، وحظرت وفودًا أجنبيةً أخرى، وأُرغم الشعب الجزائري إرغامًا على المشاركة في تمويلها.
كانت الحركة الإصلاحية نشيطة في مواجهة تيار التغريب بقيادة زعماء جزائريين استطاعوا باندماجهم في الحركة الفكرية العربية المنتشرة في بلاد المشرق أن يُؤسسوا لنهضة فكرية شاملة، ولعل أبرز مناصر للقضية الجزائرية من زعماء الإصلاح السياسي الأمير شكيب أرسلان.
يقول مفدي زكريا:
تتلمذ الأمير على يد الشيخ محمد عبده سنة ١٨٨٦م. كان على علاقة بعائلة الأمير عبد القادر بسوريا. تحدَّث عن الأمير في كتابه «حاضر العالم الإسلامي»، كان نائبًا عن حوران في المجلس العثماني ببرلمان اسطنبول. وفي اضطهاد جمال باشا لبعض زعماء العرب، علَّق أرسلان أنَّ جمال باشا لم يرعِ حرمة جهاد والد الأمير علي — أي الأمير عبد القادر — وتشفَّع في الأمير عمر ابن الأمير عبد القادر فلم يُصغِ إليه وحكم بشنقه. وقال عن الأمير خالد إنَّه «على رأس الحركة الوطنية الحاضرة في الجزائر» وكان أرسلان على صلة بالأستاذ توفيق المدني منذ ١٩٢٣م.
لم يتوقَّف النضال السياسي بفشل الأمير خالد، ولم تتلاشى سياسة الاندماج من مخيَّلة الجزائريين. حرك خيوط فكرة الاندماج، هذه المرة، بن جلول، ولكن سرعان ما تصدَّى له حزب «نجم شمال إفريقيا» وقرَّر عزله سنة ١٩٣٦م.
أخذ النضال السياسي بُعدًا آخر في التعامل مع الوضع الاستعماري. وكان للإبداع الفني دور هام في رفع الهمة للجزائريين من خلال نظم أول نشيد وطني للجزائر، نظمه بكل اعتزاز شاعر الثورة مفدي زكريا في ١٧ نوفمبر ١٩٣٦م عندما كان مناضلًا في «نجم شمال إفريقيا» ومطلعه «فداء الجزائر، روحي ومالي.»
أخذ «حزب الشعب الجزائري» بعد ذلك، بزعامة مصالي الحاج، زمامَ الريادة والقيادة ووقف ضد مشروع «بلوم فيوليت» المنادي بالاندماج:
(١-٢) جمعية العلماء المسلمين
جمعية جزائرية أخذت على عاتقها إصلاح الأمة، والتفكير في الخروج من مأزق الاستعمار الذي بات يقوِّض أركانَ الشعب الجزائري، ويهدم مقوماته ومقدَّساته. ترأَّسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقاد حركتها الإصلاحية، واتخذت الجمعية الشيخ البشير الإبراهيمي نائبًا له.
وُلد الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة ١٨٨٩م بقسنطينة، تتلمذ على يد الشيخ حمدان الونيسي والتحق بجامعة الزيتونة. أصدرت الجمعية أول جريدة (المنقذ) في ٢ يوليو ١٩٢٥م، صُودرت من قِبَل السلطات الاستعمارية بدعوى المساس بأمن فرنسا وإثارة الفوضى. كانت المصادرة تلاحق كلَّ جريدة لها طابع إصلاحي، ومن ذلك جريدة «السنة» و«الشريعة المطهرة» و«الصراط».
أصدرت جمعية العلماء جريد «الشهاب»، ثم «الدفاع» في «البصائر»، وحاصرت سلطات الاحتلال الفرنسي نشاط الجمعية بدعوى التخفي وراء الدين من أجل مقاصد سياسية، وبث العداوة لفرنسا، والتحريض والتخابر مع قوًى أجنبية، كانت إشادة الإلياذة بها في المقطع ٤٤:
تُوفِّي الشيخ عبد الحميد بن باديس — رحمه الله — في ١٦ أبريل ١٩٤٠م، واتخذت الجزائر من ذكرى وفاته محطةً تاريخية لتثمين العلم وترقية المعارف والعلوم.
وختم مفدي زكريا المقطع ﺑ:
لم يقتصر نشاط جمعية العلماء على الجانب الدعوي والإصلاحي؛ بل تمدَّد إلى غاية النضال السياسي في خطوة منها لتكامل الجانبين، وأن كليهما يكمل الآخر، ومن ذلك استنكار الجمعية لقانون التجنُّس ومقاطعة البضائع اليهودية.
سبق انتقال وفد المؤتمر إلى باريس، بأيام قليلة تصريح مصالي الحاج خلال تجمُّع شعبي بالملعب البلدي للجزائر بتاريخ ١٤ يوليو ١٩٣٦م:
كانت الإدارة الاستعمارية وراء اغتيال مفتي الجزائر «كحول» في شهر أغسطس من سنة ١٩٣٦م، وأُلصِقت التهمة في عقب الشيخ الطيب العقبي بحكم انتمائه إلى جمعية العلماء المسلمين، وسوَّقت فرنسا لدعوى العداوة التي كانت بين المفتي والجمعية بهدف اعتقال الشيخ الطيب العقبي، وتصدُّع وحدة الصف الوطني. واعتبر مصالي أن هذا الاغتيال سذاجة من الجمعية، وقد تنسف ﺑ «إنجازات النضال السياسي».
انعقد مرةً أخرى مؤتمرٌ كذلك في ٧ يوليو ١٩٣٧م لكنه لم يحقِّق أي نتيجة.
اعتبر الحاكم العام «كاترو» فكرة استقلال الجزائر إهانةً لفرنسا، وقال: إنَّ الجزائر «جزء لا يتجزأ عن فرنسا، وأنه لا يقبل أن تكون النقاط المقترحة من طرف الجزائريين قواعد للعمل والتفاوض.» وكان جوابه على موقف فرحات عباس والسائح عبد القادر اللذين قاطعا رفقة زملائهما مداولات المجلس المالي، استصدار أمر القبض عليهما بتهمة العصيان والتحريض.
فور إفراج السلطات الاستعمارية عن فرحات عباس في ديسمبر ١٩٤٣م، التحق مجددًا بالنضال السياسي وأنشأ حركة «أصدقاء البيان والحرية» في ١٤ مارس ١٩٤٤م، ضمت كلًّا من جمعية العلماء المسلمين، والحزب الشيوعي الجزائري، وحزب الشعب، ولاحت في الأفق بوادر مطالبة بإنشاء حكومة مؤقتة، وتحرير دستور جزائري، وإلغاء نظام الاستعمار، وإنشاء نقد وطني جزائري.
كان الظرف الذي ساد الحكم الفرنسي آنذاك مساعدًا لطرح بدائل في صالح الجزائريين، اهتدى «البيان» فيها إلى كسب مودة فرنسا واستعطافها السعي لمساعدة الجزائريين للقوات الفرنسية في حربها ضد الألمان.
(١-٣) مجازر الثامن مايو ١٩٤٥م
انتصر الحلفاء فخرج الشعب الجزائري عن بكرة أبيه مبتهجًا بالنصر الذي اعتقد فيه وفاء فرنسا بوعدها في حصول الجزائر على استقلالها، لكن كانت الفاجعة أكبر مما تصوَّر العالم؛ مجازر رهيبة لم يسبق للبشرية أن شهدتها، جرت بداية من ٨ مايو ١٩٤٥م، تحوَّلت فيها المسيرات السلمية إلى مجزرةٍ بكل مقاييس الجبن والحماقة في حق الشعب الجزائري، استُشهد فيها ٤٥ ألفًا من الجزائريين، ثم حلَّت على إثرها كلَّ الأحزاب السياسية، وألقت القبض على الزعماء السياسيين.
بات يقينًا بعد هذه المجاز أنَّه لم يَعُد للمراوغات السياسية سبيلٌ يخلص هذا الشعب من قيد الاستعمار، وأن كل نضالها السياسي لم يَعُد إلا وهمًا وحلمًا.
اعتُقل الشيخ البشير الإبراهيمي عقب المجزرة، ثم أُطلق سراحه بموجب عفوٍ عام.
استمرت جمعية العلماء في نشاطها بنضال ومؤازرة من الأستاذ الفضيل الورتلاني، والشيخ العربي التبسي، والشيخ محمد خير الدين، والأستاذ أحمد توفيق المدني.
(٢) العمل المسلح … التنظيم، الانطلاقة ثم التفاوض
كان تأسيس المنظمة الخاصة نهايةً حتميةً لأي حسم عن طريق الخطابات والتنديدات والانتخابات، وبدايةً لعهد جديد لا يفلح فيه إلا النفير والدخول في ثورة عارمة ضد المستعمر الغاشم. غير أن انكشاف هذا التنظيم سنة ١٩٤٩م بالمنطقة الشرقية من البلاد، أدَّى إلى تقييدِ العمل المسلَّح، ووضعِ كل الناشطين تحت الرقابة البوليسية.
أشاد مفدي زكريا في الإلياذة بذلك الرعيل الأول من المجاهدين والمناضلين في الأحزاب السياسية والشهداء، في التفاتةٍ طيبة مباركة لتضحياتهم الجسام في سبيل إنهاء الاحتلال ونيتهم للحصول على الاستقلال، وذكرَ منهم: عمر عيمش، أرزقي كحال، رابح موساوي، إبراهيم غرافة، حسين عسلة، محمد طالب، محمد دوار …
بعد وفاة محمد بلوزداد — رحمه الله — في ١٤ يناير ١٩٥٢م خلَفه السيد حسين آيت أحمد. ولتفادي عزلة العمل الثوري على العالم، قام زعماء المنظمة بتأسيس مكاتب اتصال بالقاهرة وتونس وبغداد والرياض؛ لإيجاد متنفَّس تتفادى به الثورة خطر الاختناق.
بغية إسماع صوت الجزائر في الأمم المتحدة قام الشيخ البشير الإبراهيمي بزيارةٍ إلى محمد فاضل الجمالي في سنة ١٩٥١م عندما كان شاغلًا لمنصب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان هدف الإبراهيمي وضعَ القضية الجزائرية في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة، ولم يكن بيان جمعية العلماء المسلمين إلى الجامعة العربية في ٦ يناير ١٩٥٤م إلا قيمةً مضافة لحصول الجزائر على مساندةٍ تقيها خطورة العزلة.
(٢-١) التحضير لاندلاع الثورة
شهدت الساحة السياسية بين المناضلين انشقاقًا بين المركزيين والثوريين لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية، أسفرت في بادرة للمِّ الصفوف عن إنشاء «اللجنة الثورية للحرية والعمل» في شهر مارس ١٩٥٤م. وفي ٢٥ يونيو ١٩٥٤م، اجتمع الأعضاء اﻟ ٢٢ من المناضلين الذين آلوا على أنفسهم عناء الثورة المسلحة.
(٢-٢) المنظمون الرئيسيون
ديدوش مراد، والعربي بن مهيدي، ومحمد بوضياف، ومصطفى بن بولعيد، ورابح بيطاط.
(٢-٣) الممثلون لمنطقة العاصمة
محمد مرزوقي، وعثمان بلوزداد، والزبير بوعجاج، وغلياس دريش.
(٢-٤) الممثلون لمنطقة البليدة
سويداني بوجمعة، وأحمد بوشعيب.
(٢-٥) الممثلون لمنطقة وهران
عبد الحفيظ بوصوف، ورمضان بن عبد المالك.
(٢-٦) الممثلون لمنطقة قسنطينة
زيغود يوسف، ولخضر بن طوبال، ومحمد مشاطي، وعبد السلام حباشي، وعبد القادر العمودي، ورشيد ملاح، والسعيد بوعلي، وعمار بن عودة، ومختار باجي.
انتُخب محمد بوضياف مسئولًا وطنيًّا، وخلصت المشاورات بين أعضاء لجنة اﻟ ٢٢ وبين كريم بلقاسم إلى ضرورة تضافر الجهود، وتوحيد العمل المسلح وتنظيمه عبْر كامل التراب الوطني، وتقرَّر إلغاء كل الأحزاب والتكتلات الوطنية، والانضواء تحت «جبهة التحرير الوطني» الناطقة الوحيدة والرسمية باسم الشعب الجزائري، وتسمية المنظمة العسكرية ﺑ «جيش التحرير الوطني».
تقرر أيضًا تحديد تاريخ انطلاق الثورة التحريرية في الفاتح من شهر نوفمبر، وتوزيع المهام عبْر مناطق الوطن، ولتفادي تداخل الصلاحيات، أُعطيت أولوية الداخل على الخارج والعمل السياسي على العسكري في اتخاذ القرارات السيادية. أُذيع بيان أول نوفمبر عبْر أمواج «صوت العرب» من القاهرة.
وقال:
وقال:
كان أثر العمليات العسكرية الدقيقة على ثكنات العدو والاستيلاء على أسلحة وجلبها من تونس والمغرب والقاهرة، قويًّا على فرنسا، أربك قوَّاتها وزاد من عزيمة صفوف الثورة الجزائرية.
لم يكن رد القوى الاستعمارية على اندلاع الثورة، وانتشار الهجمات العسكرية غريبًا من فرنسا؛ فلقد أعلن رئيس الحكومة الفرنسية منديس فرانس أمام الجمعية الوطنية بتاريخ ١٢ نوفمبر ١٩٥٤م توعُّده بالقضاء على هذا «التمرُّد» ورفضه لأي تفاوض مع «المتمردين». أما وزير الداخلية الفرنسي فرانسوا ميتران، فقد وصف إعلان الثورة ﺑ «العمل الإرهابي» وهدَّد الجزائريين يوم ٥ نوفمبر ١٩٥٤م بإعلانه الحرب عليهم.
(٢-٧) هجوم ٢٠ أغسطس ١٩٥٥م
كان لهجوم ٢٠ أغسطس ١٩٥٥م الذي قاده زيغوت يوسف على الشمال القسنطيني الأثرُ البالغ على قوات الاستعمار وعلى سياسات القمع والاندماج، وأعطى دفعًا للثورة الجزائرية.
(٢-٨) مؤتمر الصومام ٢٠ أغسطس ١٩٥٦م
وُضعت اللبنات الأولى لمجلس وطني للثورة الجزائرية، كما تعزَّز اعتبار جبهة التحرير الوطني الهيئة السياسية الرسمية الوحيدة المخولة لأي تخطيط أو قرار يخص الشأن الوطني.
انتشرت الثورة الجزائرية في ربوع التراب الوطني، واتخذت فرنسا من سياسة عزل الثورة أسلوبًا لقطع الدعم وتكميم الأفواه. زرعت حكومة «بورجيس مونوري» الأسلاك الشائكة المكهربة والملغمة على الحدود الغربية والشرقية فأوقعت ٦٠٠٠ شهيد والعديد من الإصابات المؤدية للبتر والإعاقات.
اعتُقل في سنة ١٩٥٦م الشيخ العربي التبسي، ولم يُعرف إلى يومنا هذا مكان اعتقاله أو دفنِه — رحمه الله.
بتاريخ ٢٣ أكتوبر ١٩٥٦م، حوَّلت الطائرة المغربية المقلَّة للزعماء الخمسة المتوجهين لحضور مؤتمرٍ بتونس؛ حيث أُودعوا السجن بفرنسا إلى غاية مارس ١٩٦٢م.
تعددت أطياف الثورة وتنوَّعت أساليب احتجاج الشعب الجزائري، وبات ضروريًّا رفع درجة الضغط على فرنسا الاستعمارية بالإضراب سنة ١٩٥٧م.
قال مفدي زكريا:
وقال أيضًا:
صادق البرلمان الفرنسي في ١ يونيو ١٩٥٨م على تعيين ديغول رئيسًا للحكومة الفرنسية، وخوَّل له كامل السلطات وركَّزها بيده، دون إخضاع سياسته المسلطة على رقاب الجزائريين لأي رقابة شعبية.
انتُخب رئيسًا لفرنسا في يناير ١٩٥٩م، وصار من الأكيد بعد عدم قدرته على إخماد الثورة البحثُ عن سبلٍ ودية للمصالحة والتفكير في أي مشروع يؤدي إلى وقف التصعيد. أعلن ديغول، لتحقيق ذلك مشروعًا اجتماعيًّا في ٣ أكتوبر ١٩٥٨م أطلق عليه مشروع قسنطينة لكسب ثقة الشعب الجزائري ومحاولة عزله عن الثورة.
بدأ الصف الفرنسي يتصدَّع وظهرت أزمةٌ بين «سالان» وديغول، وتكتَّلت ضد ديغول كل التيارات الداعمة لفكرة «الجزائر فرنسية».
(٢-٩) مظاهرات ١١ ديسمبر ١٩٦٠م
كان لإلقاء الثورة في الشارع واحتضانها من طرف الشعب الأثرُ البالغُ على السياسة الاستعمارية، وفضْح جرائمها أمام الرأي العالمي. إثر المطالب المتعددة لتقرير المصير، خرجت مسيرات حاشدة للجزائريين في مظاهرات بتاريخ ١١ ديسمبر ١٩٦٠م، فقُوبلت بقمع المشاركين والتنكيل بالداعين إليها.
(٢-١٠) مظاهرات ١٧ أكتوبر ١٩٦١م
بعد استفتاء شعبي ٨ يناير ١٩٦١م في فرنسا والجزائر كان لصالح تقرير المصير في الجزائر بدأت المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، وهو نفس التاريخ الذي حُلَّ فيه الاتحاد العام للطلبة المسلمين واعتُقِل أعضاؤه.
(٢-١١) المفاوضات
٢٠ مايو ١٩٦١م مفاوضات بين الوفد الجزائري: «كريم بلقاسم، وأحمد بومنجل، وسعد دحلب، وأحمد فرنسيس، وقايد أحمد، ومحمد الصديق بن يحيى، وعلي منجلي»، والوفد الفرنسي: «لويس جوكس، وبرنارد تريكو». وقد شهدت «منظمة الجيش السري» سنة ١٩٦١م اغتيالات في صفوف مناضلي جبهة التحرير والمتعاطفين مع ديغول.
-
إطلاق سراح المساجين خلال ٢٠ يومًا من اتفاق وقف إطلاق النار.
-
يبقى الجيش الفرنسي في الجزائر لغاية يوم تقرير المصير.
-
إنشاء حكومة تنفيذية.
-
يختار الجزائريون بين الاستقلال التام أو الارتباط بفرنسا.
-
احتفاظ الفرنسيين الذين يريدون البقاء في الجزائر بين الجنسية الفرنسية والجنسية الجزائرية.
-
احتفاظ الأوروبيين بأملاكهم في الجزائر.
-
مصالح فرنسا في الصحراء تبقى مضمونة لمدة ٥ سنوات.
-
تبقى القاعدة العسكرية بمرسى الكبير مؤجرة لفرنسا لمدة ١٥ سنة.
(٢-١٢) التفاتة طيبة لدور الحيوان إبان ثورة التحرير
سخَّر الله تبارك وتعالى الحيوان للإنسان في حِله وتَرحاله وحمل أثقاله، يقول تعالى في سورة النحل: والْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ومَنَافِعُ ومِنْهَا تَأْكُلُونَ * ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ * وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * والْخَيْلَ والْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وزِينَةً ويَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الآيات: ٥–٨).
على نهج القرآن الكريم، عدَّد مفدي زكريا مناقب الحيوان إبان الثورة التحريرية، ودوره الدقيق في نقل السلاح، وحرق مزارع المعمرين، وتضليل العدو، وفي السكوت عن إصدار أصواته إذا تعلَّق الأمر بسلامة المجاهدين.
(٣) الاستقلال الوطني
ويُعلن الاستقلال مدويًا في سماء الجزائر معلنًا الخلاص من ربقة الاستعمار، ومبشرًا بغدٍ ينعم به الجزائريون في كنف الحرية على مبادئ مقومات الأمة الأساسية الني ضحت من أجلها القوافل من خيرة هذا الشعب الأبي، يقول الله تبارك وتعالى: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وهُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنعام: ١١٥) اقتبس صاحب الإلياذة من هذه الآية الكريمة حقيقةً أزلية وسُنَّة كونية، مفادها أنَّ بعد العسر يسرًا، وأن مَن جدَّ وجَد، وأنَّ مَن قام دون حقِّه مدافعًا ومطالبًا ومضحيًّا كان على الله نصره على أعدائه.
بدأت ثورة البناء والتشييد مستلهمةً قواعدها وسياساتها وأهدافها الاستراتيجية من بيان أوَّل نوفمبر الذي أسَّس لمشروع دولةٍ مستقلة تُحفظ فيه الحقوق وتُصان الواجبات، ويُحقق فيها النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.