النحو العربي وعلاقته بالمنطق

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

المقدمة

تعد قضية العلاقة بين المنطق والنحو من أدق موضوعات فلسفة اللغة وأصعبها تناولًا، ويهتم بها المناطقة والفلاسفة والنُّحاة منذ أقدم العصور، بل من قبل أن يصيغ أرسطو المنطق ويضع قواعده؛ فلقد نشأ المنطق مرتبطًا بالجدل الفكري والنحوي الذي ساد القرن الخامس وشطرًا من القرن الرابع قبل الميلاد عند كل من المدرسة الأيلية وجماعة السوفسطائيين، وليس أدل على ذلك من أن أعمال «السوفسطائيين» الخاصة بالنحو قد حملت في ثناياها بذورًا منطقية أكيدة، فقد أرجعوا التصور (المعنى) إلى اللفظ مما يسَّر لهم أن يجعلوا من الجدل وسيلة للانتصار على الخَصم، ومعنى هذا أن السوفسطائيين قد بحثوا في النحو فأدى بهم إلى المنطق.١
ويقال إن «أرسطو» (٣٨٤–٣٢٢ق.م.) قد توصل إلى كثير من التصنيفات المنطقية خلال دراسته للنحو اليوناني؛ حيث ذهب إلى أن الكلام يُعبِّر بدقة عن أحوال الفكر، وأن المرء في وُسعه أن يستعين بالقوالب النحوية لكي يكشف عن أحوال الفكر، فالنحو ينظر إلى الألفاظ من ناحيتين: من ناحية وجودها مُفردةً، فيقسمها إلى أسماء وأفعال وحروف، ومن ناحية ارتباطها في جملة مُعيَّنة، ونفس الشيء يقال عن الفكر الذي ينقسم إلى الأفكار المفردة وهي تصوُّرات، والأفكار المرتبطة وهي القضايا أو التصديقات، وعلى هذا فتقسيم أرسطو للأفكار إلى تصورات وتصديقات، هو تقسيم مأخوذ أصلًا من النحو.٢
بل إن البعض يرى أن قائمة المقولات الأرسطية قد أخذها أرسطو أيضًا من النحو، والدليل على ذلك أن مقولات أرسطو تقوم على تقسيم الكلام إلى أجزائه؛ فالجوهر يقابل الاسم، والكيف يقابل الصفة، والكم يقابل العدد، والإضافة تقابل صيغ التفصيل، والأين والمتي يقابلان ظرفَي المكان والزمان، والفعل والانفعال والوضع تقابل الأفعال المتعدِّية والمبنية للمجهول واللازمة على التوالي، والملك يقابل صيغة الماضي في اليونانية Para Fait إذ يدل على الحالة التي يملكها الشخص نتيجة فِعل فِعلِه.٣
وازدادت على أيدي «الرواقيين» الصلة بين المنطق والنحو؛ فقد قسموا المنطق إلى الخطابة، التي هي نظرية القول المتَّصِل، وإلى الديالكتيك، وموضوعه القول المنقسِم بين السائل والمجيب، ولا تكاد ترتبط الخطابة عندهم بالفلسفة، أما الديالكتيك فيُعرِّفونه بأنه فن الكلام الجيد، ولما كان الفكر والتعبير وثيقَي الارتباط، فقد انقسم عندهم الديالكتيك إلى قسمين: قسم يدرس التعبير، وقسم يدرس ما يُعبِّر عنه؛ أي اللفظ والفكر.٤
واستمرت الصلة وثيقة بين المنطق والنحو عند المفكرين اللاحقين على أرسطو والرواقيين، حتى بعد أن اختلط منطق أرسطو بالمنطق الرواقي Stoic Logic عند مفكري ما قبل وما بعد الميلاد من أمثال «شيشرون» Cicero (١٠٦–٤٣ق.م.)، و«جالينوس» Galen (١٢٩–٢٠٠م)، و«سكتوس أمبريكس» Sextus Empiricus (١٦٠–٢١٠م)، وغيرهم. وقد زادت درجة الصلة ما بين المنطق والنحو توثيقًا عند مفكري ما بعد الميلاد، وذلك بفضل علم جديد هو القانون الروماني، الذي احتاج واضعوه إلى التسلُّح بمزيد من المنطق والنحو، يساعدهم في اشتقاق الألفاظ، وتكوين المصطلحات الجديدة للتعبير بها عن الحالات القانونية والاجتماعية التي كانت تطرأ عليهم كل يوم.٥
وإذا انتقلنا إلى العالم الإسلامي، نجد أنه من الصعب أن نصِف النحو العربي في مراحله الأولى (وخاصة القرن الأول الهجري) بأنه تأثر بمنطق أرسطو؛ وذلك لكثرة ما ضاع من أعمال النُّحاة الأوائل، علاوة على أن التاريخ لا يقدم شيئًا ماديًّا مؤكَّدًا عن اتصال النحاة الأوائل، اتصالًا مباشرًا، بالمنطق الأرسطي، ولذلك فالحكم بوجود علاقة بين النحو العربي ومنطق أرسطو في المراحل الأولى فيه شيء من التسرُّع أو الإيغال في التعميم.٦
صحيح أننا لا نعرف على وجه الدقة متى عَرَفت أعمالُ أرسطو المنطقية طريقها إلى نحاة العرب، إلا أن البحوث تذكُر أن العرب اتصلوا بالمنطق الأرسطي من طريقين؛ الأول: ما قدمه النحاة السُّريان، والثاني: ما تمت ترجمته من هذا المنطق إلى العربية.٧
وأعتقد أننا إذا رجعنا للروايات التاريخية الخاصة بنشأة النحو العربي، ربما تنكشف لنا بعضُ الحقائق الخاصة بتأثر نحاة العرب الأوائل بالمنطق الأرسطي؛ حيث إنه لمن الملاحظ أن أغلب الروايات التي ذُكِرت عن النحوي البصري الأول «أبي الأسود الدُّؤلي» (ت٦٩ﻫ) تؤكد أن قصده الأساسي من وضع النحو هو منع فساد اللغة العربية على أفواه الأُميِّين والموالي؛ وبخاصة حين يمَسُّ هذا الخطر النص القرآني، وتكشف الدراسة المتأنِّية للمصادر على اختلاف التفاصيل فيما بينها عن ذلك الربط الدائم بين «أبي الأسود الدؤلي» واسم الخليفة الرابع «علي بن أبي طالب» (ت٤٠ﻫ) في مسألة وضع النحو.٨

ولعل أكبر دليل مهم على استحسان جهد «أبي الأَسوَد» هو إجماع المصادر على حقيقة أنه كان مدفوعًا بضرورة النُّسَخ القرآنية المختلفة وبضرورة وضع نهاية لفساد اللغة، ويتمثل فساد اللغة في عصر الدؤلي بصورة غالبة في الخلط بين الحالات الإعرابية، وهذا يفسر لنا لماذا كان «أبو الأسود» مهتمًّا أساسًا بمشكلتين:

  • الأولي: هي «النَّقْط» وإيجاد حركة الكتابة، وذلك مما استعاره من الكتابة السُّريانية؛ حيث كان السُّريان يستعينون بالأحرف دون الحركات فترة طويلة من الزمان، ثم تنصَّروا ونقلوا إلى لغتهم الكتبَ المقدسة، خصوصًا الأناجيل، وأرادوا ضبط كل كلمة منها عند قراءتها في الكنائس والبِيَع احترازًا من الخطأ، فإن الخطأ في تلاوة هذه الكتب فاحش، وقد يستلزم ما يُوهِم الكفر والزندقة في قراءتها … ولما لم يكن للسُّريان بُدٌّ من الحركات، ولم تكن لهم سبيل إلى تغيير الأحرف المعهودة المستعملة أو إلى زيادة أحرف أخرى؛ اضطرُّوا إلى اختراع علامات صغيرة لا تتأثر بها الأحرف، ولا تغير شكلها، فاقتصروا على رسم نقطة أو سُطَيرة صغيرة فوق الحرف أو تحته أو في وسطه، وبقيت الأحرف كما هي، فلم يُغيروا أحرفًا؛ بل زادوا نقطًا أو سُطَيرات.٩
  • والثانية: هي دراسة الفاعل والمفعول والمضاف إليه (أو الرفع والنصب والجر)، أي الحالات الإعرابية، وبالنسبة لاكتشاف الحالات الإعرابية فيمكن إرجاعه إلى «أبي الأسود الدؤلي»، وأما بالنسبة للمصطلحات، فمن المحتمل أن تكون قد حُرِّفت على أيدي النحاة اللاحقين الذين طبقوا مصطلحات عصرهم على مصطلحات الدؤلي.١٠
وبخصوص دور الإمام «علي بن أبي الطالب» — رضي الله عنه — فيُقال إنه أمر «أبا الأسود» بما يلي: «الكلام كلُّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمَّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمَّى، والحرف ما أنبأ عن معنًى ليس باسم ولا فعل.» ثم قال له: «اعلم أن الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومُضمَر، وشيء ليس بظاهر ولا مُضمَر. وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.» ثم وضع «أبو الأسود» بابَي العطف والنعت، ثم بابي التعجُّب والاستفهام، وإلى أن وصل إلى باب إنَّ وأخواتها ما خلا «لكنَّ»، فلما عرضها على الإمام «علي» أمره بضم «لكن» إليها، وكلما وضع «بابًا من أبواب النحو عرضه عليه».١١

وهذه الرواية التي أجمع المؤرخون على ذكرها، تدل على احتمال وقوف علي بن أبي طالب، أو أبي الأسود على تقسيم الكلِم إلى اسم وفعل وحرف على المنطق الأرسطي المتداوَل لدى أهل العراق، وخاصة العلماء السُّريان الذين كانوا على معرفة بالمنطق، والنحو، وعلوم اللغة، في ذلك العهد.

وأما بالنسبة لترجمة المنطق الأرسطي، فتبدو بالنسبة لنا أكثر أهمية فيما نحن بصدده، وهنا نجد شيئًا من الاضطراب في المراحل الأولى؛ فالروايات تذكر أن «عبد الله بن المقفَّع» (١٠٦–١٤٢ﻫ) قد ترجم كتب أرسطو الثلاثة، وهي كتاب «قاطيغورياس» (المقولات)، وكتاب «باري أرميناس» (العبارة)، وكتاب «أنولوطيقا» أو التحليلات الأولى،١٢ وقد عرض المستشرق الألماني «بول كراوس» لهذه الرواية ونفى أن يكون «عبد الله بن المقفع» هو الذي ترجم هذه الكتب، وإنما ابنه «محمد»، وأثبت أن هذه الكتب ليست ترجمة لكتاب أرسطو، وإنما هي تلخيص لبعض شروحها،١٣ والثابت لدى المؤرخين أن ترجمة المنطق الأرسطي تمت على يد «حنين بن إسحاق» (ت ٢٦٤ﻫ) وتلاميذه حين نقلوا «الأورجانون» الأرسطي كله من اليونانية إلى السُّريانية، ثم إلى العربية، أو من اليونانية إلى العربية مباشرة.١٤
والذي تشير إليه هذه الروايات التاريخية لا يؤكِّد وجود «شيء محدد من المنطق الأرسطي بين يدي» الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت١٧٥ﻫ)، ومن سبقه أو عاصره من أوائل النحاة، إلا أن يكون ذلك الذي قدمه «محمد بن المقفع» أو أبوه «عبد الله»، أو أعمال السُّريان النحوية، على افتراض الاطلاع على مناهجها، ولكنها أيضًا لا تنفي وجود شيء من المنطق الأرسطي بين أيديهم.١٥
وفي آراء «الخليل بن أحمد»، الذي يقول عنه البعض بأنه يُعَد من المتكلمين: ومن أوائل مَن ظهر تأثرهم بالمنطق، والكلام، والذي أصبح بذكائه النادر «كاشف قناع القياس»،١٦ كما أجمع مترجموه على وصفه، بأنه كان «الغاية في تصحيح القياس، واستخراج مسائل النحو وتعليله»،١٧ وقد ساعده على ذلك صداقته لمعاصره «عبد الله بن المقفع»، ويبدو أن تلك الصداقة كانت تمثل تكاملًا بين عقلين، يقول «الزبيدي»: «وذكر عن الشيوخ البصريين أن ابن المقفع اجتمع مع الخليل بن أحمد، فتذاكرا ليله تامَّة، فلما افترقا سُئل ابن المقفع عن الخليل فقال: رأيت رجلًا عقله أكبر من علمه. وقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ فقال: رأيت رجلًا علمه أكبر من عقله.»١٨
ومن اليسير أن نتصوَّر أن «عبد الله بن المقفَّع» قد تبادل، فيما تبادل، مع «الخليل بن أحمد» بعض القواعد المنطقية، يقول الدكتور «شوقي ضيف»: «ويظهر أن الخليل كان يُتقن المنطق الذي ترجمه صديقه «عبد الله بن المقفع» «وما يتصل به من القياس»،١٩ ويمكن أن نلمح ذلك فيما نقله الزَّجَّاجي عن بعض شيوخه «أن الخليل بن أحمد» سئل عن العلل التي يَعتل بها في النحو؟ فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: إن العرب نطقت على سَجِيَّتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها عللُه، وإن لم يُنقل ذلك عنها، واعتللتُ أنا بما عندي أنه عِلَّة لما عللته فيه، فإن أكُن أصبتُ العلة فهو الذي التمست، وإن تكن هناك علة له، فمَثلي في ذلك مَثَلُ رجل حكيم دخل دارًا مُحكَمة البناء عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق، أو بالبراهين الواضحة، والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعِلة كذا وكذا، ولسبب كذا، وكذا، سنحت له وخطرت بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الرجل محتملُ أن يكون علة لذلك، فإن سَنَح لغيري علةٌ لما علَّلتُه من النحو هي أليق مما ذكرتُ بالمعلول فليأتِ بها.»٢٠
ولعل ما رواه الأصمَعي في تقسيم الخليل لأنواع العلوم، كما ذكر الزَّجَّاجي، دليلٌ على مدى جنوح عقله إلى تقسيم منطقي، وهو جنوح يؤكد سِمتَه العلمية في التصنيف، وهو ما انعكس على قياسه. قال الخليل بن أحمد: «العلوم أربعة، فعلم له أصل وفرع، وعلم له أصل ولا فرع له، وعلم له فرع ولا أصل له، وعلم لا أصل له ولا فرع. فأما الذي له أصل وفرع فالحساب، ليس بين أحد من المخلوقين فيه خلاف، وأما الذي له أصل ولا فرع له، فالنجوم، ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها في العالم لغير الأحكام والقضايا على الحقيقة، وأما الذي له فرع ولا أصل له فالطب، أهله منه على التجارب إلى يوم القيامة، والعلم الذي لا أصل له ولا فرع فالجَدَل.»٢١
ولندَع جانبًا ما ورد على لسان «الخليل بن أحمد» من حديثٍ عن العلل وأنواع العلوم، وننتقل إلى «سيبويه» (١٤٨–١٨٠ﻫ/٧٦٥–٧٩٦م)، الذي ألف لنا أول موسوعة عربية تَجمع المعارف اللغوية في شتى نواحيها، وهو «الكتاب»؛ حيث استنفد فيه جهدًا عظيمًا تفتَّق عن عمل لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده، وهو يمثل مرحلة ناضجة ومتطورة من مراحل التفكير النحوي العربي، فهو قِمة في الشمول لجوانب علم النحو، والإحاطة بأجزاء هذا الفن، وقد شبَّه أحد الباحثين المحدَثين مكان سيبويه من نحو العربية بمكان «بانيني» Panini في نحو الهندية القديمة (السنسكريتية)، ومكان «دي سوسير» De Saussure في النحو المعاصر، لأن كلًّا من الثلاثة رائد في زمانه، فلقد سُمِّي «بانيني» هوميروس النحو، قياسًا على إمام الشعر اليوناني «هوميروس»، كما وُصِفت كتابات «سوسير» بأنه نبعٌ يرِد إليه كل من كتب في النحو المعاصر ممن جاء بعده، وسيبويه يجمع هذين الوصفين، فهو رائد في ميدان لم يُطرق من قبل بمثل هذا الشمول وهذه الدقة، وكتابه في النحو لا يزال موردًا يرِدُه الظمأى والحيارى ممن شغفوا بالعربية وسِحرِ نحوها وصَرفها وأصواتها.٢٢
نقل إلينا سيبويه في هذا الكتاب معظم مصطلحات «الخليل بن أحمد» واستعمالاتِ أسانيده، وأضفى عليه من ذكائه وفِطنته وقُدرته على التحليل والاستنتاج، فحاول أن يجعل أبواب كتابه واضحة سهلة المنال، وحاول صناعة المصطلح النحوي ليستقر في صورته النهائية، وما لم يُسعفه جهده بالظفر به لجأ إلى وصفه وتصويره بالأمثلة الكثيرة الموضحة.٢٣
ومن الملاحظ أن سيبويه يقتصر في أكثر حدود مصطلحات الكتاب على التعريف بالمثال، قاصدًا به إيضاح المعرَّف؛ حيث يُكثر من الأمثلة والشواهد بدرجة لا نظير لها عند غيره من النحاة، فيقول في تعريف الاسم: «فالاسم: رجل وفرس وحائط.»٢٤ وهذا النمط من التعريفات هو السائد بين النحاة زمنَ الخليل وسيبويه.
ويكاد كتاب سيبويه يخلو من التعريف المنطقي على وجه العموم، فهو مثلًا لم يعرِّف الفاعل، ولم يعرِّف الحال، ولم يعرِّف البدل، ولا غير ذلك من أبواب النحو، ويكتفي في الأغلب بذكر اسم الباب، ثم يبدأ مباشرة بعرض القواعد المستخلَصة من الاستعمال.٢٥

ولقد حاول نحاة البصرة والكوفة بعد «سيبويه» إعادة النظر في كتابه مادةً وأسلوبًا، فشرعوا يُذللون صَعبَه بالشروح، ويُخرِّجون شواهده، ويختصرونه، ورأوا مع كثرة المدارسة أنه يمكن اختصار عنواناته الطويلة في صورة محدَّدة يستقر عليه المصطلح الذي حام «سيبويه» حوله، وأوشك أن يقع عليه، ورأوا كذلك الاستقرار على واحد من مصطلحاته الكثيرة التي كان يُطلقها على المسألة الواحدة، فيكتفون بهذا المصطلح عما عداه.

وقد أخذ التجديدُ في المصطلح بعد سيبويه مَنحَيَين؛ أولهما: التسمية، والآخر: وضع الحدود الخاصَّة بها، وأُلِّفت في ذلك الكتب، وكان من أهمها كتاب الإمام أبو زكريا يحيى بن زياد المعروف ﺑ «الفرَّاء» الذي ألَّفه في «حدود النحو»، واشتمل على سِتِّين حدًّا.٢٦
وفي القرن الثالث الهجري، انفتح المجتمع الإسلامي أكثر على ثقافات العالم، وتوسَّع في نقل العلوم، ولا سيما علوم المنطق والفلسفة، وقد ساعد على ذلك الحركة الثقافية الصاخبة في العصر العباسي، تلك الحركة التي صاحبها انتعاش حركة الترجمة، وانتشارها من اليونانية وغيرها إلى العربية، وأضحى العرب يعرفون الأورجانون الأرسطي بكافة أجزائه المشتمِلة على المقولات، والعبارة، والتحليلات الثانية، والطوبيقا، والسوفسطيقا، والريطوريقا، والشعر، مع شروحات وتلخيصات المشائيين اليونانيين من أمثال «فورفوريوس» و«جالينوس» و«الإسكندر الأفروديسي».٢٧
وقد كان لازدهار الترجمة أثره في دعم الاتجاه العقلي وتقويته في الفكر الإسلامي، مما أدى إلى ظهور علم الكلام على يد «المعتزلة» الذين احتاجوا إلى المنطق الأرسطي للتسليح به ضد خصومهم، ولما كان هؤلاء قد استكملوا أدوات التسلح بالمنطق الأرسطي، فقد أثَّر ذلك كله في النحو؛ حيث أخذ نُحاة البصرة والكوفة معًا يعتكفون على قراءة منطق أرسطو بطريقة منقطعة النظير؛ حيث تناولوه بالبحث والدراسة، واستخدموه كمنهج للتفكير في بعض المشكلات والمسائل اللغوية والنحوية، ولقد واكب ظهور «أبو زكريا الفَرَّاء» (ت٢٠٧ﻫ)، على مسرح الدراسات اللغوية والنحوية تطورًا هائلًا في المنهج الذي كانت تستخدمه المعتزلة،٢٨ وهو المنهج الذي اعتمد في جانب كبير منه على العقل؛ من حيث إنهم استخدموا بعض الأقيسة والإلزامات، وعمدوا كثيرًا إلى ضرب الأمثال، واستخلاص الأحكام من المعاني المتضمَّنة في النصوص.٢٩

غير أن أبا زكريا الفرَّاء؛ قد جعل هذا المنهج أكثر إحكامًا ودقة بمحاولته الاستفادة مما ورد في أورجانون أرسطو؛ وبخاصة التحليلات الأولى، والطوبيقا، والسوفسطيقا، وتطبيقه على الكثير من المشكلات اللغوية والنحوية.

ويشهد كتاباه «الحدود»، و«معاني القرآن» بمقدار تأثر الفراء بالمنطق الأرسطي؛ فقد أصبح القياس الأرسطي هو الشكل المقبول للتفكير ومعالجة المسائل المطروحة في الفكر اللغوي والنحوي، كما أن جزءًا من القواعد المنطقية المختلفة التي تضمنها كتاب «الطوبيقا» قد طُبق على بعض المشكلات اللغوية والنحوية.

ولقد سار «المُبَرِّد» (ت٢٨٥ﻫ) في الاتجاه نفسه الذي سار فيه «الفراء»، حينما نزع بالنحو العربي مَنزعًا عقليًّا يشغله اطِّراد القاعدة، وتحكيم القياس والتعليل؛ فلقد أضحى النحو العربي عند البصريين منذ عهد المبرِّد متأثرًا بالمنطق، وأصبح نُحاتُها شيئًا فشيئًا أهل فلسفة وجَدَل، وأصبحت أساليبهم في النهاية مُتَّسمة بقَدْر من الغموض والتعقيد، وكل ذلك كان انعكاسًا لتأثرهم بالمعارف العقلية التي سادت مدينتهم منذ عصر مُبكِّر بسبب ما تم فيها من التقاء العرب بالعناصر الأخرى التي اعتنقت الإسلام وأثَّرت في علومه وفي علوم اللغة العربية تأثيرًا فكريًّا عميقًا، وقد ساعد على هذا موقع المدينة الجغرافي على تُخوم فارس، كما ساعد عليه انتشار أفكار الاعتزال الفلسفية بين نُحاتها، ومزجهم هذه الأفكار بالثقافة العربية وبالنحو مزجًا دعا إليه شعورهم بالحاجة إلى هذا الخليط الثقافي؛ لمقارعة خصومهم بالبيان الرفيع المتسلِّح بالمنطق والفلسفة، بعد أن أتموا في الوقت نفسه آلته، وأحكموا صناعته النحوية.٣٠
وقد حملهم هذا على الإفراط في التقنين والحماس في التقعيد، فانشغلوا بهما عن البحث في المادة اللغوية نفسها، كما آل بهم الأمر إلى إخضاع هذه المادة لقواعدهم وقوانينهم النحوية التي وضعوها على أُسُس وطيدة من المنطق، ووَفق أصول فلسفية محضة، وبناء على علل نظرية، فأصبح نحوهم منذ عهد «المبرد» ميدانًا واسعًا ومَعرضًا فسيحًا للمناهج الكلامية، والاتجاهات المنطقية، والمصطلحات الفلسفية؛ لما امتلأ به من الأسباب والمسبَّبات، والمقدمات والنتائج، والعِلل والمعلولات، والتقسيم والتبويب، والحد والمحدود، والشروط والقيود، والداخل والخارج، ونحو ذلك.٣١

كما نجد هذا الاتجاه أكثر بروزًا عند نُحاة القرن الرابع الهجري، من أمثال «أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزَّجَّاجي (ت٣١١ﻫ)، ومن بعده أبو علي الفارسي (ت٣٧٧ﻫ)، وأبو الحسن علي بن عيسى الرُّماني النحوي المعتزلي (ت٣٨٤ﻫ)»؛ حيث استقبل هؤلاء منطق أرسطو استقبالًا حسنًا؛ كما استفادوا في تفسيرهم للنصوص النحوية من الأفكار المنطقية المتعلقة بالجنس والنوع، والعام والخاص، والكلي والجزئي، والمقدمات والنتائج، واستخدموا، من غير حرج، الأقيسةَ التي عالجها أرسطو في التحليلات الأولى بعد مزجها بالمنطق الرواقي.

وتجدر الإشارة إلى أن نُحاة القرن الرابع الهجري كانت لهم اهتمامات منطقية، لا تقل اعتبارًا عن اهتماماتهم اللغوية والنحوية، بل لقد خضعت البحوث النحوية على أيدي هؤلاء النحاة في هذه المرحلة للمنطق في كلياتها وجزئياتها؛ أي في مناهجها، وأصولها، ثم أحكامها.

ويعد «أبو بكر بن السرَّاج» (ت٣١٦ﻫ) من أوائل نحاة القرن الرابع الهجري الذين أدخلوا في النحو العربي، بعض القواعد والأُسُس التي تضمنها الأورجانون الأرسطي، والتي تتعلق بالأقيِسة، أو الحجج، أو المقدمات العامة التي عرضها أرسطو في كتاباته المنطقية، فقد قال عنه ياقوت الحموي: «ما زال النحو مجنونًا حتى عقله ابن السرَّاج بأصوله.»٣٢
وعن كتاب الأصول قال ابن خلِّكان: «وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه»،٣٣ وقد قال عنه بعض الباحثين إنه رائد الاتجاه المنطقي في النحو العربي؛ حيث كانت محاولته لتقنين أصول النحو بدايةً لهذا التحول الفكري في صياغة النحو العربي صياغة منطقية.٣٤
ومما يُروى في هذا الصدد أن «أبا بكر بن السرَّاج» كان يتلقَّى المنطق على يد الفيلسوف «أبو نصر الفارابي» (ت٣٣٩ﻫ)، «كما كان الفارابي يتلقى عليه النحو، وأنهما اتفقا على ضرورة مزج النحو بالمنطق»،٣٥ قال ابن أبي أُصَيبعة: «وفي التاريخ أن الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السرَّاج فيقرأ عليه صناعة النحو، وابن السراج يقرأ عليه المنطق …»٣٦

ومن جهة أخرى، فإن الزَّجَّاجي وأبا علي الفارسي، وأبا سعيد السِّيرافي (ت٣٦٨ﻫ)، وأبا الحسن الرُّماني، وأبا الفتح عثمان بن جِنِّي (ت٣٩٢ﻫ)، وأبا القاسم الدقَّاق (ت٤١٥ﻫ)، وأبا الفرج علي بن عيسى الربعي (ت٤٢٠ﻫ)، يمثلون أهم من دعموا مزج النحو بالمنطق؛ الأمر الذي أدى بالنُّحاة اللاحقين عليهم إلى السير في الطريق الذي رسموه في مزج النحو بالمنطق، من حيث تكريس مقدماتهم لعرضٍ مختصرٍ للمنطق الأرسطي ليكون بمثابة الأداة، أو المنهج الذي سيسير النحوي عليه في عرضه ومعالجته للمشكلات اللغوية والنحوية.

والدليل على ذلك أن المتأمل لأعمال النحويين الذين جاءوا بعد القرن الرابع الهجري، من أمثال «الزَّمَخْشَري النحوي البغدادي المعتزلي (ت٥٣٨ﻫ)»، وأبو بكر كمال الدين الأنباري (ت٥٧٧ﻫ)، وابن الأفليلي (ت٤٤١ﻫ)، وابن السيد البطليوسي (ت٥٢١ﻫ)، وابن خروف (ت٦٠٩ﻫ) وابن يعيش (ت٦٧٢ﻫ)، وابن مالك (ت٦٨٦ﻫ)، وأبو حيان الأندلسي الغِرناطي (ت٧٥٤ﻫ)، وجلال الدين السُّيوطي (ت٩١١ﻫ) … وهلم جرًّا؛ يستطيع أن يستخلص الموضوعات التي يتضمنها المنهج النحوي فيما يلي:
  • (١)

    مقدمة عامة تتعلق باللغة، والفقه، وعلاقته بالمنطق.

  • (٢)

    نظرية في قياس الشَّبه، وهذا الموضوع من موضوعات المنهج، عند بعض اللغويين والمتكلمين والأصوليين، هو من أكثرها ثراءً وتنوعًا.

  • (٣)

    تطبيق لمختلف أشكال القياس، ولبعض الأقيسة الرواقية على مختلف أشكال الاستدلالات في النحو العربي.

وقد اعتمدنا في هذه المهمة على منهجين، وهما: المنهج التاريخي والمنهج النقدي، وقد استخدمنا المنهج التاريخي بمعنَيَين: أولًا: بمعنى الرجوع إلى الوقائع التاريخية التي يعتمد عليها النحاة في مزج النحو بالمنطق. وثانيًا: بمعنى تطور فكر النحاة إزاء هذا المزج عبر مراحله الزمنية، واستخدمنا كذلك المنهج النقدي بمعنيين: قصدنا بالمعنى الأول فحص وتحليل النتائج التي انتهى نحاة العرب في مزجهم النحو بالمنطق على أساس الأهداف التي حددوها لفكرهم النحوي، وقصدنا بالمعنى الثاني محاولة تقييم أفكار النحاة في عملية المزج في ضوء الانتقادات الفلسفية التي تعرضت لها، وفي ضوء إمكان تطوير هذه الأفكار وحدود هذا التطوير.

وبهذا تتجسد محاور هذا الكتاب في تِسعة فصول على النحو التالي:
  • الفصل الأول: وعنوانه: «البواكير الأولى للنحو والمنطق»، ويتناول علاقة النحو بالمنطق عند كبار فلاسفة اليونان؛ وبالأخص أفلاطون وأرسطو، ثم كيف انتقلت هذه العلاقة إلى المدرسة الرواقية، ومنها إلى مدرسة الإسكندرية التي أسهمت في نقل علوم اللغة والمنطق إلى العرب من خلال السُّريان. كما ناقشنا في هذا الفصل قصة انتقال كتاب «فن النحو» اليوناني الذي ألفه «ديونيسيوس ثراكس» Dionysius Thrax (١٧٠–٩٠ق.م.) إلى السُّريان وكيف قام يوسف الأهوازي — أستاذ مدرسة نَصيبين (المتوفى ٥٨٠م) — بترجمة كتاب «فن النحو» إلى اللغة السُّريانية، ولم نكتفِ بذلك، بل أوضحنا كيف كان علم النحو عند السُّريان يحمل مرجعية تستند إلى المنطق الأرسطي، وبيَّنَّا كيف وصل هذا المنطق عبر السُّريان إلى العرب من خلال مدرسة جنديسابور والرُّها وأنطاكية وبرجامون … إلخ.
  • الفصل الثاني: ويتناول قضية «التأثير اليوناني والسرياني للنحو العربي بين الرفض والقبول»، وفيه ناقشنا أهم الآراء التي وردت بصدد المصدر اليوناني والسُّرياني لنشأة النحو العربي، وعرضنا لأهم الاتجاهات الرافضة والمؤيدة لهذين المصدرين بشكل منهجي وفلسفي.
  • الفصل الثالث: وقد ناقشنا فيه قضية التفسير الأبستمولوجي لنشأة النحو العربي؛ حيث عرضنا للأبعاد الحقيقية لصورة النحو العربي، والشخصيات التي تُنسب إليها ريادةُ البحث النحوي في بداياته، وذلك من خلال تطبيقنا لبعض قضايا الأبستمولوجيا وفلسفة العلم على هذه القضية.
  • الفصل الرابع: ويناقش قضية النزعة التجريبية في كتاب سِيبَوَيْه، ونحن نستعير هنا لفظ «تجريبية» من بعض فلاسفة العلم المعاصرين، لنُعبر به عن المعارف التي نحصل عليها عن طريق الاستقراء، وتبدو هذه المرحلة التجريبية للنحو العربي أوضح ما تبدو في كتاب سيبويه، الذي يمثل مرحلة متطورة وناضجة من مراحل التفكير النحوي العربي؛ بيد أن هذه المرحلة لم تتجاوز المنهج التمثيلي القائم على التجريب، كما أجبنا في هذا الفصل عن التساؤلات التي وردت بصدد قضية التأثير المنطقي في كتاب سيبويه.
  • الفصل الخامس: وجاء تحت عنوان «في مدرستَي البصرة والكوفة، وبدايات مزج النحو بالمنطق»، وناقشنا فيه كيف حاول نحاة البصرة والكوفة بعد سيبويه إعادة النظر في كتابه مادةً وأسلوبًا من خلال علوم المنطق والفلسفة التي تمت ترجمتها في القرن الثالث الهجري، واخترنا الفرَّاء والمبرِّد أنموذجين لذلك المزج.
  • الفصل السادس: ويناقش «مشروعية العلاقة بين المنطق والنحو عند نحاة القرن الرابع الهجري: وبيَّنَّا فيه كيف تجلَّت الأفكار المنطقية والفلسفية في الفكر النحوي العربي، إبَّان هذا القرن من خلال أبي بكر بن السَّرَّاج، والزَّجَّاجي، وأبي علي الفارسي، والسِّيرافي، والرُّماني … وغيرهم.
  • أما الفصل السابع: فيعرض للجدل بين المنطق والنحو، وكيف حاول الفارابي والغزالي تطويعَهما، فعرضنا للمناظرة التي كانت بين أبي سعيد السيرافي، ومتَّى بن يونس القِنائي (ت٣٢٨ﻫ/٩٤٠م)، وكيف أفرزت المناظرة عن تصادم النحو واللغة بالمنطق والفلسفة اليونانيَّين، وكيف جاء كلٌّ من «أبو نصر الفارابي» و«أبو حامد الغزالي (ت٥٠٥ﻫ)»، ليقوما بتلطيف الأجواء ما بين المناطقة والنُّحاة، وذلك من خلال ربط الفارابي الفكرَ باللغة، ودعوة الغزالي إلى مزج المنطق بعلوم المسلمين؛ وبخاصة علم الفقه.
  • وأما الفصل الثامن: فيعرض لابن حَزْم وإشكالية الثقافة المنطقية عند نحاة الأندلس، وكيف حاول ابن حَزْم (ت٤٥٦ﻫ)، تأسيس علوم الشرع على المنطق، كما بينَّا في ذات الفصل كيف فشل مشروع ابن حَزم في نقل الثقافة المنطقية عند نحاة الأندلس، بسبب نزعته الظاهرية في الفقه التي أفسدها «ابنُ مَضَاء القُرطبي (ت٥٩٢ﻫ)»، الذي ثار على النحو المشرقي المتأثر بالمنطق والفلسفة، كما بيَّنا في ذات الفصل كيف أسهم تلاميذ أبي حامد الغزالي من أمثال أبي بكر بن العربي (ت٥٤٣ﻫ)، وابن تومرت (١٠٨٠–١١٢٨م)، في نشر الثقافة المنطقية عند نحاة الأندلس.
  • وأخيرًا الفصل التاسع: ويعرض ﻟ «طُغيان النزعة المنطقية عند متأخري النحاة»، وفيه بيَّنا كيف كان النحاة المتأخرين الذين جاءوا بعد القرن السادس الهجري، من أمثال ابن مالك، وابن الناظِم، والصَّبَّان، والسيوطي … وهلُمَّ جرًّا، يصوغون النحو العربي على حسب الحدود، والمقاييس، والمصطلحات، والأساليب المنطقية، والتي وضع فيها الكثير من الألفاظ الفلسفية والصيغ المنطقية الأرسطية والرواقية.

وأما الخاتمة، فقد توصلنا فيها لأهم النتائج والأفكار التي توصلنا إليها خلال مسيرتنا في هذا الكتاب.

وقد أخذنا هذا المجال «النحو العربي وعلاقته بالمنطق» موضوعًا لكتابنا هذا لعدة أسباب:
  • أولًا: سد الفراغ القائم في الدراسات المنطقية، واللغوية، المتعلقة بتراثنا العربي-الإسلامي.
  • ثانيًا: الكشف عن مدى تأثُّر النحاة العرب بالمناطقة المسلمين؛ وبخاصة الفارابي الفيلسوف.
  • ثالثًا: محاولة الوقوف على ما هناك من صلات بين المنطق من ناحية، والنحو من ناحية أخرى، تبدو واضحة عندما ندرك الجامع بينهما، وهو العقل بكل ما لدَيه من فاعليات منطقية، كالأقيسة، والاستدلالات، التي تُعد من الأُسُس المهمة للأحكام اللغوية، وأصولها عند مفكرينا وعلمائنا العرب والمسلمين.
  • رابعًا: محاولة إثبات أن هذه العلاقة البنَّاءة بين النحو والمنطق تبدو بالنسبة لنا كدعامة أساسية في تطور منطقنا العربي الإسلامي.

ومن الدوافع المهمة التي شجعتني على الاهتمام بهذه الدراسات، أن المكتبة العربية الفلسفية تكاد تخلو من الدراسات التي تتعلق بخصوصية العلاقة بين المنطق والنحو في تراثنا العربي-الإسلامي.

ولا أزعم أنني قد بلغت الغاية في هذا البحث، أو أن جميع جوانب الحقيقة في موضوعه هذا قد تكشَّفت لي، وهذا يُعَد شيئًا طبيعيًّا بالنسبة لدارس يكتب في موضوعات غير مطروقة، ويسير في طريق بالغ الصعوبة والغموض.

١  د. عبد الرحمن بدوي: المنطق الصوري والرياضي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ١٩٦٣م، ص٣٣.
٢  د. حسن عبد الحميد: مقدمة المنطق، الجزء الأول (المنطق الصوري)، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، ١٩٧٩-١٩٨٠م، ص١٦.
٣  د. عبد الرحمن بدوي: نفس المرجع، ص٣٣-٣٤.
٤  د. محمد مهران: مدخل إلى المنطق الصوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٢٩.
٥  د. حسن عبد الحميد: نفس المرجع، ص١٧.
٦  د. عبده الراجحي: النحو العربي والدرس الحديث (بحث في المنهج)، دار النهضة العربية، القاهرة، ١٩٧٩م، ص٦١-٦٢.
٧  د. زاكية محمد راشد: نشأة النحو عند السُّريان وتاريخ نُحاتهم، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد الثالث والعشرون، الجزء الأول، مايو ١٩٦١م، ص٢١٥-٢١٦. وينظر أيضًا: F. E. Peters: Aristotle and the Arabs, the Aristotelian Tradition in Islam, New York, London, pp. 39–42.
٨  كيس فرستيج: الفكر اللغوي بين اليونان والعرب، ترجمة وتعليق: د. محيي الدين محسب، دار حراء، المنيا، ١٩٩٧م، ص١٥.
٩  كيس فرستيج: نفس المرجع، ص١٥. وينظر أيضًا: مصطفى صادق الرافعي: تاريخ آداب العرب، ج١، مطبعة الأخبار، القاهرة، ١٩١١م، ص١٠٥؛ وكذلك: د. جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج١، دار الهلال، القاهرة، ١٩١٤م، ص٢١١-٢١٢؛ وانظر كذلك: د. إبراهيم السامرائي: دراسات في اللغتين السُّريانية والعربية، دار الجيل، بيروت، بدون تاريخ، ص٢٢ وما بعدها.
١٠  كيس فرستيج: نفس المرجع، ص١٥-١٦.
١١  أبو البركات الأنباري: نزهة الألبَّاء في طبقات الأُدباء، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، الطبعة الثانية، ١٤٠٥ﻫ/١٩٨٥م، ص١٨. وينظر أيضًا: القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي بالاشتراك مع مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، القاهرة، بيروت، ١٤٠٦ﻫ/١٩٨٦م، ج١، ص٣٩-٤٠.
١٢  عبده الراجحي: المرجع السابق، ص٦٣–٦٥.
١٣  د. على سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار النهضة العربية، بيروت، ١٩٨٤م، ص٢٣.
١٤  عبده الراجحي: المرجع السابق، ص٦٣.
١٥  نفس المرجع، ص٦٤.
١٦  د. منى إلياس: القياس في النحو، دار الفكر الإسلامي الحديث، ١٩٨٥م، ص٢٢.
١٧  جلال الدين السيوطي: بُغية الوُعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط١، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة، ج١، ص٥٥٧.
١٨  الزبيدي «طبقات النحويين واللغويين»، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، الطبعة الثانية، القاهرة، ١٩٨٤م، ص٤٩.
١٩  د. شوقي ضيف: العصر العباسي الأول، دار المعارف، بدون تاريخ، ص١١٧.
٢٠  أبو القاسم الزَّجَّاجي: الإيضاح في علل النحو، تحقيق: د. مازن المبارك، دار النفائس، الطبعة الثالثة، بيروت، ١٣٩٩ﻫ/١٩٧٩م، ص٦٥-٦٦.
٢١  نفس المصدر، ص٦٦.
٢٢  عوض حمد القوزي: المصطلح النحوي؛ نشأته وتطوره حتى أواخر القرن الثالث الهجري، عمادة شئون المكتبات، جامعة الرياض، السعودية، ١٩٨١م، ص٨٠-٨١.
٢٣  نفس المرجع، ص١٣٠.
٢٤  سيبويه: الكتاب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط٣، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٩٨٣م، ج١، ص١٤.
٢٥  جنان عبد العزيز التميمي: الحدود النحوية في التراث (كتاب التعريفات للجرجاني أنموذجًا)، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الملك سعود، السعودية، ١٤٢٩ﻫ، ص٦٦-٦٧.
٢٦  القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، القاهرة، ١٩٥٢م، ج١، ص٤١١. وينظر كذلك: عوض حمد القوزي: المصطلح النحوي؛ نشأته وتطوره حتى أواخر القرن الثالث الهجري، ص١٦٠.
٢٧  جورج شحاتة قنواتي: المسيحية والحضارة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، بدون تاريخ، ص٩٦ وما بعدها. وانظر أيضًا: مريم سلامة كار: الترجمة في العصر العباسي مدرسة حنين بن إسحاق وأهميتها في الترجمة، ترجمة: د. نجيب غزاوي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، سوريا، ١٩٨٨م، ص٧-٨.
٢٨  يقول ياقوت الحموي: «كان الفرَّاء يميل إلى الاعتزال.» انظر: ياقوت الحموي: معجم الأدباء المعروف بإرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق د. إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط١، ١٩٩٣م، ج٧، ص٣٥١٢.
٢٩  د. ألبير نصري نادر: فلسفة المعتزلة؛ فلاسفة الإسلام الأسبقين، الجزء الأول (التوحيد – الله – العالم)، مطبعة دار نشر الثقافة، الإسكندرية، ١٩٥٠م، ص٦٨-٦٩. وينظر أيضًا: فالح الربيعي: تاريخ المعتزلة، فكرهم واعتقادهم؛ دراسة في إسهامات المعتزلة في الأدب العربي، الدار الثقافية للنشر، طهران، ٢٠٠٠م، ص٤٢ وما بعدها.
٣٠  د. عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق والشريعة، دار العلوم للطباعة والنشر، ط١، الرياض، المملكة العربية السعودية، ١٩٨٣م، ص٢٢-٢٣.
٣١  نفس المرجع، ص٢٣-٢٤.
٣٢  ياقوت الحموي: نفس المصدر، مجلد ٦، ص٢٥٣٥.
٣٣  ابن خلِّكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ج٤، ص٣٣٩. وينظر أيضًا مسعود غريب: المصطلح النحوي عند ابن السراج، رسالة ماجستير غير منشورة، بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجزائر، ٢٠٠٨م، ص٧٧.
٣٤  د. محسن مهدي: مقدمة كتاب الحروف للفارابي، دار المشرق، بيروت، ١٩٨٦م، ص٤٥.
٣٥  نفس المرجع، ص٤٥-٤٦.
٣٦  انظر: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، منشورات دار الحياة، بيروت، د.ت.، ص٦٠٦.