تصدير الطبعة الثانية
والواقع أن الويكيبيديا مثال واحد وحسب على المرونة والمتانة اللتين تتميز بهما فكرة المباحث العلمية المستقلة في عصر يسوده المنهج البيني، بل لقد أصبح مصطلح «البينية» اليوم أكثر من مجرد مصطلح طنَّان، غير محدَّد المعنى، عما كان عليه حين أكملتُ الطبعة الأولى لهذا الكتاب [٢٠٠٢م]، إذ تزعم جميع الدوريات العلمية في تحديد طبيعة رسالتها أنها ذوات منهج بيني، مثلما يفعل عدد كبير من الأقسام العلمية (خصوصًا أقسام اللغة الإنجليزية وآدابها)، بل وجامعات كاملة. ومع ذلك فقد ظهرت أنواع من رد الفعل في الدراسات الأدبية، والكثير منها دليل على الصحة، ضد الاستعمال السطحي لمصطلح «البينية».
وتحاول الطبعة الثانية القيام بعدة مهام، على رأسها الخاتمة الجديدة، وعنوانها «المنهج البيني اليوم»، التي تستعرض التطورات في هذا المجال منذ نشر الطبعة الأولى؛ فهي تلقي الضوء أولًا على الوضع الراهن للدراسات الأدبية البينية، وخصوصًا الجهود المبذولة للارتباط بقوة «ما بعد النظرية»، أو ما تلا النظرية، من خلال شتى أشكال التاريخية الجديدة، وتأثير المجال المتسع للإنسانيات الرقمية، وما تتضمنه من طعن في الأفكار التقليدية عن ماهية النص. وهي تهدف ثانيًا إلى تعريف الطلاب بالسياسات المؤسسية للمناهج البينية، بأسلوب أشرتُ إليه إشارة موجزة وحسب في آخر الطبعة الأولى. وهي تلقي الضوء أخيرًا على إمكانيات المناهج البينية للعمل في مجالين متضادين؛ الأول: هو الدراسات الفكتورية، والثاني: الدراسات الأدبية والثقافية المعاصرة. وتقول الخاتمة إن التطورات البينية في دراسات اللغة الإنجليزية وآدابها كثيرًا ما كانت تبلغ أقصى درجات الإثارة والتجديد داخل مجالات فرعية معترَف بها، وتتَّسم ببعض خصائص المباحث العلمية. وهكذا فإن الخاتمة في هذه الطبعة تمثِّل عودة إلى إحدى الحُجج الرئيسية في الطبعة الأولى، ألا وهي: إن فكرة البينية نفسها لا يمكن أن تُفهَم إلا في سياق مبحث علمي محدَّد.
كما أنني استكملت المراجع والأمثلة بأحدث ما توافر منها في سائر النص، وتوسعتُ في البيبليوغرافيا، وأضفتُ قسمًا خاصًّا بالمصادر اللازمة لمن يريد التبحُّر، خصوصًا في المناقشة التفصيلية الحديثة لمشكلات المنهج البيني وإمكانياته.