ما يجب اتخاذه من حذر في الحكومة المعتدلة
يمكن الرفق بالعبيد أن يحول في الدول المعتدلة دون ما يُخشى من كثرة عددهم، فالناس يتعودون كل شيء، يتعودون حتى العبودية، على ألا يكون السيد أقسى من العبودية، وكان الأثنيون يعاملون عبيدهم بالحسنى فلم ير، قط، أنهم أزعجوا دولة أثينة كما زعزعوا دولة إسپارطة.
ويكون لدى الأمم البسيطة التي ترتبط في العمل بنفسها من الحلم نحو عبيدها عادة أكثر من التي عدلت عنه، وكان الرومان الأولون يعيشون ويعملون ويأكلون مع عبيدهم، وكانوا ذوي كثير رفق وإنصاف تجاههم، وكان أعظم جزاء فرضوه عليهم هو إلزامهم بالمرور أمام جيرانهم حاملين على ظهورهم قطعة من الخشب المشعب، وكانت الأخلاق كافية لحفظ وفاء العبيد، ولم يُفتقر إلى القوانين مطلقًا.
ولكن الرومان لما عظم أمرهم، وعاد عبيدهم لا يكونون رفقاء عملهم، بل أدوات ترفهم وزهوهم، ولما فُقدت الأخلاق تمامًا قضت الضرورة حتى بوضع قوانين هائلة حفظًا لسلامة هؤلاء السادة القساة الذين كانوا كمن يعيشون بين أعدائهم.
ومن رزايا الحكومة أن يرى جهاز حكمها نفسه ملزمًا بوضع قوانين جائرة على ذلك الوجه، ولم يضطر إلى تشديد عقوبة عدم الطاعة أو إلى اتهام الوفاء إلا لظهور الطاعة أمرًا صعبًا، ويحول المشترع الحذر دون بلاء تحوله إلى مشترع هائل، ولم يستطع القانون أن يطمئن إلى العبيد، لدى الرومان، إلا لعدم استطاعتهم أن يطمئنوا إليه.