القوانين الخاصة بطبيعة الأريستوقراطية
تكون السلطة ذاتُ السيادة في الأريستوقراطية قبضة عدد من الناس، وهؤلاء هم الذين يضعون القوانين وينفذونها، ولا يكون الشعب لديهم، عند أقصى الدرجات، إلا كالرعية لدى الملك في الملكية.
ولا يجوز أن يُمْنَح التصويت فيها بالقرعة لما لا يكون له غير المحاذير، والواقع أنك إذا نظرت إلى حكومة قائلة بأشد الفروق المؤسفة لم تجدها أقلَّ إثارة للمقت إذا كان الاختيار بالقرعة، فالشريف — لا الحاكم — هو الذي يُحْسَدُ.
وإذا كان عدد الأشراف كثيرًا وجب وجود سِنات يُنَظِّم الأمور التي لا تقدر هيئة الأشراف أن تَبُتَّ فيها ويُعِدُّ الأمورَ التي تمضي، ويمكن القول في هذه الحال: كأن الأريستوقراطية في السِّنات، وكأن الديموقراطية في هيئة الأشراف، وإن الشعب ليس بشيء.
وشذ عن هذه القاعدة كون نظام الدولة من الوضع ما تفتقر به الدولة إلى حاكم ذي سلطان مفرط، شأن رومة بطغاتها، وشأن البندقية بحكامها المفتشين، فهؤلاء حكام مرهوبون يردون الدولة إلى الحرية بعنف، ولكن من أين أتى اختلاف هؤلاء الحكام كثيرًا في تنيك الجمهوريتين؟ نشأ هذا عن أن رومة كانت تدافع عن بقايا أريستوقراطيتها تجاه الشعب مع أن البندقية تنتفع بحكامها لحفظ أريستوقراطيتها تجاه الأشراف، ومن ثم كان ينشأ في رومة عدم دوام النظام الاستبدادي كثيرًا، وذلك لسير الشعب بحمياه، لا بمقاصده، وكان هذا الحكم يمارس في رومة بضوضاء ما قصد إرهاب الشعب، لا عقابه، وإذا كان الطاغية في رومة لم يوجد إلا لأمر واحد، وإذا كان الطاغية في رومة لم يتمتع بسلطان لا حد له إلا بسبب هذا الأمر، فذلك لأنه كُوِّن لحال غير منتظر، وعلى العكس يجب أن يكون في البندقية حاكم دائم، وهنا يمكن المقاصد أن تبدأ وأن تعقب وأن توقف وأن تستأنف، وهنا يمكن طموح الفرد أن يصبح طموح أسرة وأن يغدو طموح الأسرة طموح أسر كثيرة، وهنا يحتاج إلى حكم مكتوم؛ لأن الجرائم التي يعاقب عليها، وهي عميقة دائمًا، تتم في خفاء وصمت، وهنا يجب أن يستند هذا الحكم إلى تفتيش عام؛ وذلك لأنه ليس عليه أن يزجر الشرور التي تُعرف فقط، بل يجب عليه أن يمنع وقوع ما لا يُعرف منها أيضًا، ثم إن هذا الحكم الأخير قائم للانتقام من الجرائم التي يرتاب منها، وإن الحكم الأول يلجأ إلى الوعيد أكثر من التجائه إلى الجزاء على الجرائم، حتى التي يعترف بها فاعلوها.
إذن، يجب أن تكون الأسرة الأريستوقراطية شعبًا على قدر الإمكان، وكلما دنت الأريستوقراطية من الديموقراطية كانت أقرب إلى الكمال، وهي تبتعد عنه كلما اقتربت من الملكية.
وأشد الأريستوقراطيات نقصًا هو أن يكون فريق الشعب الطائع فيها ضمن عبودية مدينة للفريق القائد، وذلك كأريستوقراطية پولونية حيث الفلاحون عبيد لطبقة الأشراف.