المضايف
ليس الإنسان فقيرًا لأنه لا يملك شيئًا، بل لأنه لا يعمل، ومَن لم يملك شيئًا ويعمل هو في يُسرٍ كمن له دخل مئةِ إيكُو من غير عمل، ومن لم يملك شيئًا ويكن صاحب حِرفة لم يُعَد أكثر فقرًا من الذي يملك عشرة أفدنة ويُضطر إلى حرثها ليعيش، ويُحسَب العامل الذي أورث أولاده صنعته أنه ترك لهم مالًا يزيد بنسبة عددهم، وغير هذا حال من يملك عشرة أفدنة ليعيش فيقسمها بين أولاده.
وفي البلاد التجارية، حيث لا يكون لكثير من الناس غير صنعتهم، تُضطر الدولة في الغالب إلى قضاء حاجات الشيوخ والمرضى والأيتام، وتنال الدولة التي هي على شيء من التمدن هذا المَدَد من الحِرَف نفسها، فتمنح بعضهم من الأعمال ما يقدرون عليه، وتُعَلِّم الآخرين العمل، وهذا ما كان قد أسفر عن عمل.
وما يؤدَّى من صدقة لرجل عارٍ في الشوارع لا يقوم مقام واجبات الدولة الملتزمة بعيش مضمون لجميع المواطنين، أي بالغذاء وبلباس ملائم وبنوع من الحياة غير مخالف للصحة مطلقًا.
ويفترض غِنَى الدولة كثيرًا من الصناعة، وليس من الممكن في عدد كبير من فروع التجارة ألا يتأذى فرع في كل وقت وألا تُلِمَّ بالعمال ضرورة مؤقتة نتيجة لذلك.
وهنالك تُضطَر الدولة إلى القيام بمساعدة سريعة، وذلك ليُحَال دون تأذي الشعب ودون تمرده، ففي هذه الحال تبدو الحاجة إلى المضايف أو ما يَعدِلها من نظام تلافيًا لذلك البؤس.
ولكن إذا كانت الأمة فقيرة اشتُقَّ الفقر الخاص من البؤس العام، وهو البؤس العام من بعض الوجوه، وما كانت جميع مضايف العالَم لتُبرِئ من هذا الفقر الخاص، وعلى العكس تزيد الفقر العام، ومن ثَم الفقر الخاص، روح الكسل التي توحي بها.
ويَرتع جميع الناس في المضايف برومة، خلا مَن يعملون، خلا مَن لهم صناعة، خلا مَن يزاولون الفنون، خلا مَن هم أصحاب أرضين، خلا من يمارسون التجارة.
وقلت إن الأمم الغنية كانت محتاجة إلى مضايف، وذلك لأن الثروة فيها كانت عُرضة لألف حادث، غير أن الإعانات العابرة كانت خيرًا من المؤسسات الدائمة، فالضرر مؤقت، ولا بد، إذن، من إعانات من ذات الطبيعة يمكن تطبيقها على الحادث الخاص.