مبدأ الديموقراطية
لا احتياج إلى كبير صلاح في الحكومة الملكية أو الحكومة المستبدة حتى يستقيم أمرها أو تبقى، فقوة القوانين في الأولى وذراع الأمير المرفوعة دائمًا في الأخرى تنظمان أو تمسكان كل شيء، ولكنه لا بد للحكومة الشعبية من نابض زيادة، لا بد لها من الفضيلة.
وما أقوله يؤيده التاريخ بأسره، ويلائم طبيعة الأمور كثيرًا؛ وذلك لأن من الواضح أن يحتاج في الملكية، حيث يُرى من يأمر بتنفيذ القوانين أنه فوق القوانين، إلى فضيلة أقل مما في الحكومة الشعبية حيث يشعر مَن يأمر بتنفيذ القوانين بأنه خاضع لها بنفسه وبأنه يحمل عبئها.
ومن الواضح أيضًا أن الملك الذي ينقطع عن الأمر بتنفيذ القوانين عن سوء مشورة أو عن إهمال يمكنه أن يتدارك هذا الضرر بسهولة، فليس عليه إلا أن يغير الديوان، أو أن يدع الإهمال جانبًا، ولكنه إذا ما كف عن تنفيذ القوانين في الحكومة الشعبية، وذلك ما لا ينشأ عن غير فساد الجمهورية، دل هذا على ضياع الدولة منذ زمن.
ولما أراد سيلا أن يعيد الحرية إلى رومة لم تستطع أن تنالها، وعاد لا يكون لديها غير بقية قليلة من الفضيلة، وبما أنها ظلت ذات قليل من الفضيلة فإنها أمضت في العبودية بدلًا من أن تفيق بعد قيصر وطيبريوس وكايوس وكلوديوس ونيرون ودوميسيان، والطغاة هم الذين أصابتهم جميع الضربات، ولم تصب الطغيان واحدة منها.
وكان سياسيو الإغريق الذين يعيشون ضمن الحكومة الشعبية لا يعترفون بغير الفضيلة قوة تستطيع أن تؤيدهم، وأما سياسيو اليوم فلا يحدثوننا عن سوى المصانع والتجارة والأموال والثروات وعن النعيم أيضًا.
ولما زالت هذه الفضيلة دخل الطموح في الأفئدة القادرة على تلقيه ودخل البخل كل شيء، وتغير الرغائب أهدافها، فيعود ما كان محبوبًا غير محبوب، ويريد المرء أن يكون حرًّا ضد القوانين بعد أن كان حرًّا بها، ويصبح كل واحد من أبناء الوطن مثل عبد هارب من منزل سيده، ويُسمى عرامة ما كان حكمة، ويُسمى عسرًا ما كان قاعدة، ويُسمى خوفًا ما كان احتراسًا، وتغدو القناعة، لا ابتغاء القِنْوَة، بخلًا هنالك، ويعد بيت المال تراث الأفراد بعد أن كان يؤلف من مال الأفراد، وتصير الجمهورية نهابًا، ولا تكون سلطتها غير سلطة بعض أبناء الوطن وتسريحًا للجميع.