المناصب الكبيرة والإقطاعات في زمن رؤساء الديوان
لم يحترز رؤساء الديوان من جعل المناصب والوظائف غير قابلة للعزل كما كانت، وكانوا لا يحكمون إلا بما يحبون به طبقة الأشراف من هذه الناحية، وهكذا ما انفكت المناصب الكبرى تعطى لمدى الحياة، وقد توطدت هذه العادة مقدارًا فمقدارًا.
غير أن لديَّ ملاحظات خاصة حول الإقطاعات، فلا شك عندي في كون معظمها جعل وراثيًّا منذ ذلك الزمن.
وستُرى أدلةٌ واقعية حول هذا عما قليل، وإذا ما أظهرتُ زمنًا عاد لا يكون للجيش فيه عوائد ولا محصَّلات لمعاشه فإن من الواجب أن يُجمَع على كون العوائد القديمة قد بيعت، وهذا هو زمن شارل مارتل الذي أقام إقطاعات جديدة يجب أن تماز من الإقطاعات الأولى.
ولما أخذ الملوك ينعمون بأَعطية إلى الأبد، سواء أكان هذا عن الفساد الذي أخذ يتسرب في الحكومة أم عن ذات النظام الذي يقضي على الملوك بتقديم جوائز بلا انقطاع، كان من الطبيعي أن يبدأوا بإعطاء الإقطاعات إلى الأبد أكثر مما بإعطاء الكونتيات، فَلَأَنْ يحرموا أنفسهم بعض الأرضين أمر لا يؤبه له، وأما تخليهم عن المناصب العظيمة فيعني ضياع السلطان عينه.