سلطان العقوبات
دلت التجربة في البلدان التي تكون العقوبات فيها خفيفة على أن روح المواطن تصدم بها كما تصدم بالعقوبات الشديدة في البلدان الأخرى.
ويكون لبعض المحاذير تأثير في الدولة، وذلك أن الحكومة العسوف ترغب في إصلاح هذا المحذور حالًا، وذلك أنها تضع عقابًا جائرًا يقف الضرر فورًا بدلًا من أن تفكر في تنفيذ القوانين القديمة، غير أن نابض الحكومة ينتضي، وذلك أن الخيال يتعود هذا العقاب الصارم كما تعود العقاب الأصغر، وبما أن الخوف ينقص نحو هذا العقاب فإنه يضطر حالًا إلى وضع الآخر في جميع الأحوال، وقد كان قطع الطرق أمرًا شائعًا في بعض الدول فأريد منعه فاخترعت عقوبة التعذيب بالدولاب فوقفت ذلك حينًا من الزمن، ثم عاد قطع الطرق إلى ما كان عليه.
ولا ينبغي أن يؤخذ الناس بأقصى الوسائل، بل يجب أن تتخذ أساليب تنعم الطبيعة علينا بها لقيادتهم، وليبحث في سبب كل جماح ليُرى صدوره عن عدم العقاب على الجرائم، لا عن اعتدال العقوبات.
ولنتبع الطبيعة التي وهبت الحياء للناس بلية، وليكن القسم الأعظم من العقاب قائمًا على خزي احتماله.
وإذا وجد من البلدان ما لا يكون الحياء فيه نتيجة للعقاب فإن ذلك ينشأ عن البغي الذي يفرض العقوبات نفسها على الأشرار والأبرار.
وإذا كنتم ترون من البلدان ما لا يزجر الناس فيه بغير العقوبات الجائرة فاعلموا أن معظم هذا ينشأ، أيضًا، عن قسوة الحكومة التي فرضت هذه العقوبات على أخف السيئات.
وفي الغالب ترى المشترع الذي يريد تقويم الشر لا يفكر في غير هذا التقويم، فيفتح عينيه حول هذا الأمر ويغمضها عن المحاذير، وإذا ما أصلح الشر مرة فإنه لا يُرى غير قسوة المشترع بعد ذلك، بيد أنه يظل في الدولة عيب نشأ عن هذه القسوة، وذلك أن النفوس تكون قد فسدت فتعودت الاستبداد.
وللفساد نوعان: فأما الأول فيكون عند عدم مراعاة الشعب للقوانين، وأما الآخر فيكون عندما تفسده القوانين، ويكون هذا داءً عضالًا، وذلك لوجوده في الدواء نفسه.