من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٣) الحكمة العملية: الأخلاق – الاجتماع والسياسة – التاريخ

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

ثالثًا: من الاجتماع إلى السياسة

وكما تحوَّلت الأخلاق إلى اجتماع يتحوَّل الاجتماع إلى سياسة، مثل سياسة الأبدان والنفوس والأصحاب عند إخوان الصفا، أو أنواع الرياسة عند الفارابي، أو الإمامة وضرورة السلطة في المجتمع عند ابن سينا.

فالسياسة لفظٌ عام بمعنى أيضًا الأخلاق الاجتماعية، سياسة الأصحاب كما يقول الإخوان، أو توجيه النصائح للملوك؛ فالقوانين السياسية هي المعايير الأخلاقية، والغاية منها نفعية. ولا فرق بين الطبقات الأخلاقية والطبقات الاجتماعية والطبقات السياسية. والتقسيم الطبقي الثلاثي واحد في الأخلاق والاجتماع والسياسة. تبدو الآراء السياسية للإخوان مُتناثرةً خاصةً في القسم الرابع في العلوم الناموسية الإلهية والشرعية؛ فالإنسان حيوانٌ سياسي عمراني، خُلِق لتعمير الأرض ولخلافة الله فيها. ويصفون السلطة السياسية الإمامة والملك، وأوقات الحرب.١

ولم يُساهم في السياسة فقط الحكماء، فلاسفة البلاط في الدولة السُّنية، بل ساهم فيها أيضًا حكماء العامة، فلاسفة الجماهير في المعارضة الشيعية، أبو حاتم الرازي، وأبو يعقوب السجستاني، وحميد الدين الكرماني.

وكما يتأرجح موضوع النفس بين الطبيعيات والإلهيات في الحكمة النظرية، ويتأرجح أيضًا في الحكمة العملية بين الأخلاق والاجتماع والسياسة، كذلك يتأرجح موضوع السياسة بين الأخلاق الاجتماعية في علاقة الفرد بالآخرين، برئيسه وندِّه ومرءوسه، وبالأخلاق الدينية في علاقة الفرد بنفسه وبالله، وبالنبوة نظرًا لضرورتها في المجتمع، وبالمجتمع المدني في النُّظم الاجتماعية، وفي أنواع المدن طبقًا لأهدافها وطبيعة الرياسة فيها، وأخيرًا بالإمامة التي تحوَّلت من علم الكلام إلى علوم الحكمة؛ فتحليل قُوى النفس هو أساس الأخلاق والاجتماع والسياسة.

وقد عبَّر الإخوان عن هذه الوحدة بين الأخلاق والاجتماع والسياسة في القسم الرابع من الرسائل العلوم الناموسية الإلهية والشرعية. وتعني العلوم الناموسية كل ما يتعلق بالمجتمع؛ الأخلاق والسياسة. وهو القسم الذي يتضمن أيضًا تصنيف العلوم؛ مما يدل على إدخال هذه العلوم «الإنسانية» داخل القسمة الثلاثية التقليدية للحكمة النظرية؛ المنطق والطبيعيات والإلهيات. والعلوم الناموسية قسمان؛ إلهية وشرعية، عقائد وشرائع، نظر وعمل؛ فالحكمة النظرية أساس الحكمة العملية.٢

(١) الأخلاق والسياسة والتربية

وهي بدايات السياسية وعلاقاتها بالأخلاق والتربية والبدن والكون قبل أن تتحول إلى علم السياسة وتحليل السلطة في المجتمع.

(أ) السياسة الأخلاقية

وتعني السياسة هنا المعنى العام، الإدارة أو كيفية التعامل أو التدبير، مثل رسالة الإخوان في أنواع السياسات؛ فالعنوان خادع لا يدل على مضمونه، إنما يعني السياسة بالمعنى العام. وتنقسم إلى أربع سياسات؛ الجسمانية؛ أي سياسة الإنسان مع جسمه، والنفسانية؛ أي سياسة مع نفسه، وسياسته مع الأصحاب، وسياسته مع الله.٣ وهي قسمةٌ رباعية قائمة على قسمةٍ ثنائية سابقة، وهي أن منفعة الإنسان دنيوية وأخروية؛ لذلك كانت سياسته في علاقة مع الجسد أو النفس أو الصديق أو الله. وهي مظاهر مُتعددة للإنسان الكامل. تصف ما ينبغي أن يكون ولا تُقرر ما هو كائن. تُعطي النصائح والمواعظ وتتوجَّه نحو السلوك العملي وليس نحو التأسيس النظري؛ لذلك امتلأت بالماينبغيَّات والإنشائيات والخطابيات. هي رسالةٌ أقرب إلى الأخلاق العملية، كيفية التعامل مع الجسد بالزهد، ومع النفس بالتصفية، ومع الأصحاب بالمحبة، ومع الله بالطاعة. والتعامل بالجدل الإنساني الوجودي؛ إظهار القرب بالبعد، واللين بالغلظة، والأنس بالوحشة، والكرم بالشح، والانبساط بالانقباض، والرحمة بالسخط، والوعد بالوعيد، كما هو الحال في أحوال الصوفية.٤ السياسة الجسمانية في الطب البدني؛ فالغذاء صنفان وثالثهما الماء، ما ينزل من السماء أو ما ينبع من الأرض، مع قلة الأكل وترك الشبع وتعمُّد الجوع والاعتدال. والسياسة النفسانية تصفية النفس بالقناعة والزهد والفقر، وألا يطمع في الدنيا قُطاع الطُّرق واللصوص ومصادرة السلطان وحسد الإخوان. ويستعمل الإخوان تشبيه السفينة والربَّان. وهو تشبيهٌ إنساني عام لا صله له بوافدٍ أفلاطوني أو موروثٍ أصلي أو حضاري. وتأتي سياسة الأصحاب بعد المعرفة. وتشمل سياسة الأهل مع الإخوة والزوجة والأولاد والعبيد خصوصًا النساء، وضرورة تفقُّد أحوالهن لأنهن سريعات التلوُّن كثيرات التغيُّر، يتغيَّرن مع الساعات، ويضطربن مع الأوقات. فيكون الصفح عنهن كثيرًا، ومراعاة أموالهن، ولا يغترُّ الإنسان بصلاحهن؛ فاستفسادهن سهلٌ يسير إلا من حماها الله، وقليلٌ ما هن. ولا يجب إظهار الفاقة للأولاد والغلمان والحواشي، وأن يقوم الإنسان بواجبه المفروض عليه.٥

وبعد الانتقال من سياسة الجسد إلى سياسة النفس إلى سياسة الأصحاب، الأقرب فالأقرب، والأبعد فالأبعد، يتم الوصول إلى الله. ويظهر موضوع العبادة والقرابين قُربةً إلى الله وتقربًا إليه. والقرابين نوعان؛ قربانان مقبولان ودعاءان مُستجابان، وقربان غير مقبول ودعاء غير مُستجاب.

والقربان نوعان؛ فلسفي مثل سقراط وأرسطو، وشرعي مثل الحج والذبح. والعبادة نوعان؛ فلسفية إلهية للخاصة مثل الإقرار بتوحيد الله، وعبادة شرعية ناموسية للعامة، الأوامر والنواهي. ويصعب اقتران العبادتين الفلسفية والشرعية؛ لأن العبادة الفلسفية موت الجسد، وحصر النفس عن الأمور المحبوبة، وترك الرخصة، والوصول إلى إدراك حقائق الموجودات، في حين أن العبادة الشرعية ظاهريةٌ محضة. العبادة الفلسفية الإلهية مثل السياسات الجسمانية والسياسات النفسانية والعبادات الناموسية والشرعية التي تشمل سياسات الأصحاب والسياسة مع الله، وتُقام في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره. اليوم الأول للتطهُّر والتبخُّر، والثاني مِحراب الصلاة، والثالث العشاء الأخير وصلب المسيح وتقديسه حتى يصل السماء بجزاء الجدي، وهو النجم الذي يهتدي به، فيتأمل الكتاب حتى الثلث الأخير. وفي الليل، الثلث الأول لعبادة النفوس، والثلث الثاني للقيام والتفكير في الملكوت، والثلث الثالث الهبوط إلى الأرض سجودًا بالتذلل والتضرع والاستغفار والتوبة، والدعاء الأفلاطوني، والتوسُّل الإدريسي، والمُناجاة الأرسطية حتى الفجر، فيمَّحي الفرق بين الموروث والوافد في الحكمة الخالدة، ولا فرق بين مسيحية ويونانية وصابئية وإسلامية. وعبادات الإخوان نموذج لهذه العبادة الإلهية الفلسفية، وقربان الإخوان يجمع بين الفلسفي والشرعي مثل قربان إبراهيم، بالإضافة إلى بعض الخرافات الشعبية مثل أن في الجنة أربعين خروفًا.٦
وبالرغم من صعوبة اقتران العبادة الشرعية بالعبادة الفلسفية إلا أنه طبقًا لاتفاق الحكمة والشريعة أو الفلسفة والدين يُثبت الإخوان تطابق الأعياد الإسلامية والأعياد اليونانية؛ أي الفلسفية للخاصة، أعياد الشرع مع أعياد الطبيعة. فأركان الإسلام خمسة؛ الشهادة والصوم والصلاة والحج والزكاة. والأعياد الإسلامية خمسة؛ ليلة القدر، عيد الفطر (معاينة الهلال)، عيد الأضحى، البيت الحرام بين الركن والمقام، وبذل الزكاة لمُستحقيها.٧ وتتفق الأعياد اليونانية الطبيعية مع الأعياد الإسلامية الشرعية؛ فعيد الفطر هو عيد الربيع والخصب، وعيد الأضحى هو عيد شدة الصيف، ويوم الوصية هو يوم جفاف الثمار. وأحيانًا تبدو الأعياد الشيعية مثل وصية الرسول في حجة الوادع بغدير خم، أو يوم الحزن يوم قبض الرسول. وأحيانًا تتدخل الأبراج، الحمل والسرطان والميزان والجدي، مع الفصول الأربعة.٨ وأحيانًا تُذكَر خصوصية الأعياد الإسلامية التي لا تُشابه أعياد الفلسفة ولا الشريعة لأنها ذاتيةٌ قائمة بذاتها، تظهر الأفعال عنها وبها وفيها. وهي ثلاثة؛ أول ووسط وآخر، والرابع أجمعها وأشدُّها فعلًا. الأعياد للفرح، ويوم الوصية في حجة الوداع ممزوج بالحزن، ويوم قبضه حزن وكآبة. وفي كل دين اليومُ الأخير، العشاء الرباني، حجة الوداع إعلانًا عن نهاية فترة وبداية أخرى. وقد حوَّل الإخوان أعيادهم إلى أشخاصٍ ناطقة، وأنفسٍ فعَّالة تفعل بإذن ربها ما يُوحيه إليها وما يُلهمها من أفعال. وتستمرُّ في التاريخ بعد مرحلة النبوة والوصية وحجة الوداع. يظهر الداعي ويخرج أول القائمين في يوم فرح وسرور، ثم يقضي على الجور وهو في فرح وسرور واستبشار بقيام الثاني، ثم يعود الباطل ويقوم الثالث لمقاومته، ثم يختفي ويعمُّ الحزن والكآبة بالعود إلى الكيف تقيةً واستتارًا.٩

(ب) الأخلاق السياسية

والتحول من السياسة الأخلاقية إلى الأخلاق السياسية هو تحوُّل إلى قلب علم السياسة، السلطة السياسة. والسياسة عند إخوان الصفا لا تظهر مباشرة، بل بطريقٍ غير مباشر على لسان الحيوان، أو بتحليل دورات الأفلاك، أو بتصفية النفس وتجنيد الجماهير والاستعداد حتى يحين وقت الثورة؛ ومن ثَم يصعب الفصل بين الأخلاق والاجتماع والسياسة.

وتقوم الأخلاق السياسية على نفس الثنائية التقليدية؛ فلكل شيء في هذا العالم ظاهر وباطن. وكذلك الأمر في السياسة؛ فالأخلاق السياسية ظاهر وباطن؛ صلاح في الدنيا وصلاح في الآخرة، عامة وخاصة، سُوقة وملوك، ملوك وأئمة. ولكل طائفة أخلاقها السياسية. ولا يمكن الصعود من طبقة إلى طبقة إلا بعد تهذيب النفس.١٠
وكما تحوَّلت الأخلاق الفردية إلى الأخلاق الاجتماعية عند الفارابي، كذلك تتحول الأخلاق الاجتماعية إلى الأخلاق السياسية عن طريق البحث عن الفضيلة الكاملة أو الفضيلة الرئاسية قبل تحوُّل الرياسة من مستوى الأخلاق السياسية إلى علم السياسة في السلطة السياسية. والفضيلة الكاملة هي فضيلةٌ واحدة من مجموع الفضائل كلها، أو عدة فضائل تكون أعظمها قوة، ولا يمكن إتيانها إلا بإتيان سائر الفضائل كلها. فضيلة كلية بعد إتمام الفضائل الجزئية، فضيلة كل الأمم بعد إتمام فضائل كل أمة ومدينة ومنزل أو طائفة؛ ومن ثَم تترتب الفضائل ابتداءً من أعظمها قوةً إلى ما هو أقل، وما أشبهها في جزء من أجزاء المدينة مثل فضيلة صاحب الجيش المشتركة بين المُجاهدين، وهي الشجاعة، وفضيلة مكتسب المال. الفضيلة الكاملة أعظم الفضائل، والصناعة الكاملة أعلى الصناعات. وفضائل الطائفة اثنتان؛ المنزلية والجهادية؛ أي الاقتصاد والحرب، وليس الاقتصاد والسياسة. وكلاهما تحت الفضيلة الرئاسية.١١ والسؤال هو: هل كسب المال فضيلة أم يتم طبقًا لعوامل الربح؛ المكسب والخسارة وقوانين السوق، العرض والطلب؟ وهل يمكن التحكم في الاقتصاد بالأخلاق؟ ربما يكون رأي ابن خلدون السلبي في التجارة وأخلاق التجار أقرب إلى الفضيلة.

وإخوان الصفا هم الوحيدون الذين تعرَّضوا لقضية تجنيد الجماهير باعتبارهم قضيةً سياسية من أجل سلب المجتمع وتفريغه من مضمونه، وإسقاطه من الداخل عن طريق تكوين الحركات السِّرية وتجنيد الأفراد ريثما يتم الانقضاض على ما تبقَّى من الدولة كنظامٍ سياسي، وإلى أن يأتيَ هذا الحين تُمارس التقيَّة.

وقد اختلف الإخوان، وهم من الباطنية، عن القرامطة والإسماعيلية حول الخروج على أُولي الأمر، واستعمال القتل والترويع والاستيلاء على البلاد؛ فقد شجَّع الدولة العباسية العَلويين على الخروج، ولكن الإخوان فضَّلوا السكينة والانتظار حتى يأتيَ الوقت المُلائم للثورة والعِصيان. وأثناء ذلك يقومون بتربية الأفراد وتثقيف العقول بفلسفتهم التي تجمع بين الفلسفة والدين وتصفية القلب وتقوية أوامر المحبة والإخاء؛ فيزول ما علِقت به الشريعة من الجهالات والضلالات، ويحصل الكمال الإنساني.١٢
فالملوك هم خلفاء الله في الأرض لملك البلاد وسياسة العباد، يحفظون شرائع الأنبياء بتنفيذ أحكامهم وحفظ النظام. وهو أقرب إلى الثيوقراطية والحكم الإلهي، مرتبطة بالله والكون والأفلاك والأرض. فالأفلاك ملائكة السماء ومدبِّروها، كما أن الملوك مدبِّرو الأرض.١٣

فالطريق إلى زعزعة الحكم هو تفريغ الدولة من الداخل بعد تجنيد ذوي الجاه والسلطان والمال؛ حتى يتم انتزاع السلطة السياسية القديمة إلى السلطة الدينية الجديدة قبل تحويلها إلى سلطةٍ سياسية.

ويتم التجنيد عن طريق إرسال مندوبين إلى ذوي الرئاسة والجاه والمال، والتلطف في دعوتهم واستمالتهم إلى المذهب ليُساندوهم فيما نالهم من اضطهاد.

ويأتي الأحداث والأغرار بالصِّبية لإدخالهم في الدعوة إلى الكاهن بيده مصباح، وبالأخرى بخور، ويُلزمه بالسر. ويتلو الكاهن على رأسه سبعة وثمانين اسمًا من أسماء الملائكة، وإسماع السر للرجال والنساء. ويحذِّر العامِّي من علوم النجوم والطلسمات والكيمياء والطب من أجل استدراجه إلى السحر ونزع المقاومة العقلية والإرادية منه. وفي قصص الأنبياء أدلة على ذلك، مثل قصة هاروت وماروت، والهداية من الشيخ والداعية والمرشد والإمام المستور.

وتبدو أهمية القرابين التي ترمز إلى ذبح الأعداء والأشرار وأهمية الأعياد كإطارٍ شعبي لتجنيد الأعضاء.١٤ ويكثُر الاستشهاد بقصص الأنبياء إبراهيم وإسماعيل والفداء والخاتم بدل السكين. كما تظهر الصور القرآنية مثل سود وبيض وحمر وغرابيب سوداء. ويستشهد بسقراط وذبحه ديكًا وفاءً لنذر.

والسؤال هو: إذا كان الإخوان حركةً مُعارضة سِرية، فكيف تكون إشراقية؟ ربما لأن تفسير المضطهَدين أقرب إلى الانفعال منه إلى العقل، وإلى الاندفاع منه إلى التريُّث. ومع ذلك فالتريُّث في الخروج على أُولي الأمر تقيةً أفضل من الخروج قبل الساعة.

(ﺟ) التربية السياسية

ولأول مرة تتحول السياسة من أخلاقٍ سياسية أو سياسةٍ أخلاقية إلى تربيةٍ سياسية قبل أن تصبح علمًا سياسيًّا دقيقًا. وتكون التربية السياسية عن طريق نظرية في التعليم بين مُعلم ومُتعلم.

ويكون التعلم لثلاث مراتب من العلوم؛ علم خاص بكل طائفة، وعلم خاص بكل أمة، وعلم مشترك بين كل الأمم؛ علم الإنسانية.١٥
ويكون التعليم بطريقتين؛ طوعًا أو كرهًا، إخضاعًا أو تأديبًا؛ إقناعًا بالأقاويل الإقناعية والانفعالية، وكرهًا مع المُتمردين العاصين. الاختلاف في الوسيلة، والغاية واحدة. وكما يختلف الإقناع والتأثير والخيال كذلك تختلف طرق التأديب بين القلة والكثرة، الضعف والقوة. التعليم هو إيجاد الفضائل النظرية في الأمم والمدن، والتأديب هو إيجاد الفضائل الخلقية والصناعات العملية في الأمم. التعليم للأخلاق، والتأديب للصناعات. التعليم بالقبول، والتأديب بالتعوُّد على النهوض بالملكات وشحذ العزائم، بحيث تستولي الأفعال على النفوس كي تعشقها. وقد تكون العزائم بقول أو بفعل. الفضائل الفكرية من الذات، والفضائل الخلقية من التعليم. الفضائل طوعًا، والصناعة تأديبًا.١٦ التعليم من الصِّبا حتى البلوغ، والتأديب من ثماني أسابيع؛ أي شهرين مما يُبين أخلاق العقاب مند الطفولة!

وقد يكون التعليم شفاهيًّا كما هو الحال في الثقافة العربية الإسلامية قبل التدوين، وقد يكون مدوَّنًا.

والتعليم والتأديب على مستوى المدن والأمم جميعًا، وليس على مستوى مدينة بعينها أو أمة خاصة؛ مما يُوحي بضرورة وجود نظام دولي، شرطي للعالم، كما هو الحال هذه الأيام بتهذيب وتأديب المدن والأمم التي تخرج على النظام الدولي الجديد كي تدخل بيت الطاعة.

والسؤال هو: كيف يتم الجمع بين الطبع والإرادة، بين التعليم والتأديب، بين الطوع والكره؟ الطبع فطرة لا تحتاج إلى تهذيب، والإرادة حرة في حاجة إلى تعلمٍ طبيعي. التأديب ضد الطبع والإرادة في آنٍ واحد.

والمُعتاصون والمُشاغبون هم المُعاندون؛ أي المُلحدون والطاغون، وكأن الفِرق الهالكة في علم الكلام ما زالت حاضرة في الذهن، ودعوة السلطان لاستئصال الخارجين عليه والمُعارضين له.

والسؤال هو: هل أساليب الترغيب هي أساليب الترهيب والوعد المعروفة في الدين؟ التعليم ممكن، أما التأديب بالقوة والقهر فهي أخلاق العبيد وأخلاق القوة والسيطرة. ولا عجب من الفارابي العقلاني المنطقي الإشراقي الفنَّان تبرير استعمال العنف لتأديب المُتعلمين المُتمردين المُعتاصين بالإكراه. وهو ما يتفق مع تصوُّره للمُتمردين في المدينة الفاضلة وبَتْرهم، فمن الأفضل بَتْر العضو الفاسد حتى يبرأ الجسد كله. وقد يكون ذلك تبريرًا لما يُسمى الآن غسيل المخ وإعلام الدولة والقهر والسجن والتعذيب.

ولماذا يؤدَّب العُصاة على الأمور النظرية التي يُربَّون عليها؟ وهل يمكن تغيير قناعات الناس؟ وهل هو مُفيد حتى في الأمور العملية؟ هل هناك سعادة بالإكراه؟١٧ ربما يعني تأديب الأمة تجنيدها فكريًّا وتربيتها أخلاقيًّا ونهضتها ثقافيًّا، كما هو الحال في المجتمع الأيديولوجي أو في الأمة الإسلامية. ويكون ذلك بالإقناع وليس بالتأديب. وهل الأمة كالطفل والصبي والمدن للتأديب؟ وهل الأمة وحدةٌ واحدة دون تفاوت طبقاتها وطوائفها؟ وهل العقاب جماعي أم فردي؟ هل الأمة جمع واحد، إصلاحية واحدة يسوقها الملك كما يشاء؟ وهل في المؤدب فضائل غير القهر والغلبة والتعذيب والقسوة والخطف وانتهاك حقوق الإنسان؟ وقد يؤدي ذلك إلى تبرير ما يفعل موظفو النظام وأجهزة الإعلام وغسيل المخ.

ووسائل الإقناع أربعة؛ التأثير أي الخطابة، والإقناع أي الجدل، والإذعان أي السفسطة، والتخمين أي الشعر، والبرهان أي الحكمة، دون حدود فاصلة بين منطق الظن. فالتعليم إما إقناعي انفعالي تمثيلي أو نظري برهاني. الأول للعامة، والثاني للخاصة.

تُتعلم الأشياء النظرية أولًا بالطُّرق الإقناعية ثم التخييلية، خاصةً الأشياء التي لا يمكن أن تُعرَف إلا بمعلوماتٍ كثيرة، وخاصةً المبادئ القصوى. فالعامة في حاجة إلى مثالات لها وإقناعات بها. وتختلف أمة عن أمة، ومدينة عن مدينة، وطائفة عن طائفة، حتى يحصل للجميع الفضيلة الفكرية، وتحصل لهم الفضائل النظرية. الإقناع والتمثيل للعامة أولى فضائل العلم. وتختلف الصور طبقًا للشعوب نظرًا لتعدُّد الأذواق الفنية والأمثال الشعبية. البداية بالإقناع والتأثير، ثم بعد ذلك الخيال. والغاية من الأقاويل الانفعالية الخلقية الإذعان والخشوع والتسليم، وهي وسائل أكثر قوةً تهدف إلى مجرد الإقناع. ويتفرد الخيال بين الأمم والمدن والطوائف من أجل الإقناع بالفضائل الفكرية التي تحصل من الفضائل النظرية.

وقد أتت هذه القسمة في طُرُق البرهان لأن تفهيم الشيء إما بعقل ذاته أو تخيُّل مثاله، وأن إيقاع التصديق إما بالبرهان اليقيني أي التصور، أو بالإقناع أي التخيل، وكل تعليم يلتئم بهذين الشيئين؛ تفهيم الشيء وإقامة معناه في النفس وإيقاع التصديق به. ويكون إما بالبرهان، وفي هذا الحالة يكون العلم فلسفة، أو بالتخييل، وسمَّاه القدماء ملَكة. وإذا أخذت الفلسفة واستعملت فيها الطُّرق الإقناعية، سُميت الملَكة الفلسفية الذائعة المشهورة. والبترائية ملَكةٌ مُحاكية للفلسفة. وكلاهما يُعطيان الغاية القصوى للإنسان، وهي السعادة. الفلسفة تُبرهن، والملَكة تُقنع. الفلسفة تُعطي المبدأ الأول وذوات المبادئ الثواني غير الجسمانية، المبادئ القصوى المعقولة، والملة تتخيَّلها بمثالاتٍ مأخوذة من المبادئ الجسمانية، وتُحاكيها بنظائرها من المبادئ المرئية، وتُحاكي أفعال القُوى والمبادئ المرئية، وتُحاكي الأفعال الإلهية. كما تُحاكي أفعال القوى والمبادئ الطبيعية بنظائرها من القوى والملكات والصناعات الإرادية؛ أي تشخيص الطبيعة، كما يفعل أفلاطون في «طيماوس» تمثلًا للوافد في إطار الموروث.

والسؤال هو: هل الصناعة العملية تُعلَّم بالإقناع والانفعال أم بالعقل كحِرفة؟ وإذا كان التخيُّل عن طريق الشعر للعامة، والإقناع والتأثير عن طريق الخطابة لتعليم الصناعات، فهل يمكن أن يؤديَ ذلك إلى تعليم صناعة تقوم على علمٍ نظري دقيق؟ قد تعني الصناعة العملية هنا فنون البلاغة والخطابة؛ أي فنون القول. وقد تعني الحاجة إلى الأساليب الإقناعية الانفعالية التمثيلية الحسية الأولى في تعلم الأطفال الأمور التجريدية البسيطة مثل صناعة الحساب، والأقاويل الإقناعية هي في النهاية من صناعة المنطق.

إلى هذا الحد بلغ الإعلاء من شأن الفلسفة اعتزازًا بالفلسفة في مجتمعٍ ديني ناشئ يُسيطر عليه الفقهاء والسلاطين والصوفية، وبدت الملَّة أقل منها؛ لأن الملة تُدرَك بالمثالات وتُحاكي النظائر، أما الفلسفة فتتصوَّر المبادئ الأولى. محاكاة الأفعال الإلهية في الملة وقوع في التخييل، وابتعاد عن البرهان؛ فالملة أقل من الفلسفة، والفلسفة أعلى من الملة. ويستعمل الفارابي لفظ الملة وليس الدين للدلالة على أن الدين اجتماعي بالضرورة بعد أن يتحول إلى طبيعة أو بنيةٍ اجتماعية؛ فهو ليس دينًا مجردًا، بل دينٌ اجتماعي.

وليس التخييل أقل من النظر العقلي أو الإدراك الحسي، بل يتجاوزهما؛ لأنه يتطلب أولًا معرفة الأمور الحسية وتصوُّراتها العقلية، ثم تجاوزهما بالخيال. هل الخيال أقل من العقل، والنبي أقل من الفيلسوف، والخيال أكثر قدرة على التصوير والإدراك؟ لا توجد عند الفارابي صراحة نظرية في النبوة والخيال كما هو الحال عند ابن سينا، ولكنها موجودة في طرق الإقناع، وهو ما سمَّاه ابن رشد بعد ذلك أنواع الأقاويل حتى عُرِف به دون مصادره.

وربما تحوَّلت الفلسفة إلى نوع من الأرستقراطية اليونانية؛ لذلك يظل علم الكلام فلسفة الحِرفيين؛ الخياط والغزال والنشار والنجار والحداد.

ويبدو أن التعليم المقصود شيء بين التعليم العام والتربية الوطنية والإعلام، كما هو الحال في هذه الأيام في الخلط بين التربية والتعليم، والثقافة والإعلام، والعلم والإرشاد القومي. وهي علومٌ أربعة؛ الأولى الفضيلة النظرية التي تحصل بها الموجودات المعقولة ببراهين يقينية، وهي أعلى العلوم؛ علوم الخاصة. والثانية حصول المعقولات بطريقٍ إقناعي، وهي في الحقيقة ليست علومًا مُنفصلة كموضوعات، بل هي أقرب إلى المناهج. والثالثة العلوم التي تحتوي على مثالات المعقولات مُصدَّقةً بالطُّرق الإقناعية، وهي أيضًا أقرب إلى المناهج منها إلى الموضوعات، الشعر بدلًا من الخطابة. والرابعة العلوم المُنتزَعة من الثلاثة الأولى طبقًا لعدد الأمم، وهي العلوم التي تأخذ بعين الاعتبار الثقافات الشعبية والوطنية، جدل العام والخاص. ونظرًا لأن البرهان أفضل طرق الإقناع كانت الفلسفة أقدم العلوم وأعلاها رياسةً، وبها تحصل السعادة القصوى. وقسمة العلوم إلى برهانية أو إقناعية تخييلية إما ناتجة عن قسمة المجتمع إلى طبقتَين عليا ودنيا، خاصة وعامة، رئيس ومرءوس.

وتتحول الأخلاق السياسية إلى تربيةٍ اجتماعية عن طريق السلطة السياسية أو الدينية أو الفكرية في التعليم والتأديب. تحصل الفضائل في الطبع من ذوي النفوس القوية والطبائع العظيمة؛ أي في الأقلية الفاضلة. وإذا حصلت الفضيلة الأولى حصلت الفضائل الجزئية؛ فالأعم يتضمَّن الأخص.

فمن هم المؤدِّبون؟ هم قومٌ يُفوَّض إليهم التأديب بما لهم من قدرة على الاستنباط ونصرة الحق ومعاندة الباطل وجودة التعليم لتحقيق غرض الرئيس؛ فالرئيس هو المُهيمن من وراء الستار. في كل واحد منهم فضيلةٌ جزئية وفضيلةٌ فكرية يتعقَّبها على جودة استعمال الجيوش في الحروب حتى يتمكن له التأديب الداخلي والخارجي. وظيفة الجيش في الخارج ضد العدو، وفي الداخل لاستتباب الأمن، كما هو الحال في المجتمعات العسكرية الحالية، مجتمعات القهر والغلبة.١٨

ومن ثَم فالمُعلمون هم الأئمة والملوك والحكماء وواضعو النواميس، وهم الأنبياء، والرئيس الأول، وهو الله. وفي غياب الأئمة والملوك يظهر الحكماء دون ذكرهم صراحةً كمُعلمين للأئمة والملوك. يُعلمون جميع أوائل العلوم، ويتبعون في ذلك الطُّرق المنطقية كلها. ويرتقي الملوك في الرياسات الجزئية حتى يصلوا إلى رتبة الملوك، ولهم تعليمٌ خاص عن باقي الصِّبية؛ فتعليم الخاصة مُخالف لتعليم العامة، وعلوم الخاصة ليست علوم الجمهور. فالطبقية في العلم أيضًا، يُعلمون أوائل العلوم ومقدمًا حتى يمكن بعد ذلك الاستنباط منها. وهي بلغة العصر المناهج وليست النظريات، كيف يكون العالم عالمًا، وليس بماذا يكون العالم عالمًا، العلم وليس المعلومات.

وقد تقوم الطوائف، أي الأقليات، بالتأديب. ويمكن استعمال أكثر من طائفة في التأديب، أو تقسيم طائفة واحدة إلى أصغر أجزائها كما هو الحال في العشائر والبيوت، وربما الأحياء والقرى والبلدات.

والسؤال هو: هل يعلم العلوم النظرية الأئمة والملوك، والأئمة فقهاء والملوك سلاطين؟ أليس هذا تقربًا للملك الإمام والإمام الملك؟ وهل الإمام أهل علم أم أهل قوة وتدبير؟ أحيانًا يبدو الأمر سطحيًّا ساذجًا، وتبدو الفضائل وكأنها ألاعيب حُواة، وكأن البشر مجرد مادة سلبية يتم تدريبها وتصويرها كما يهوى الرؤساء.١٩

ويتفاضل الناس، أهل الطبائع المُتساوية في الرئاسة. من لديه قدرة في الاستنباط في جنس رئيس ما ليس له قدرة على استنباطٍ ما في ذلك الجنس، وهو التفاضل الكلي والجزئي. ومن لديه قدرة على استنباط أشياء أكثر له الرئاسة على من له قدرة على استنباط أشياء أقل. ومن له القدرة على جودة الإرشاد والتعليم رئيس على من ليس له قوة على ذلك. ومن يتأدَّبون بأفضل ما في ذلك الجنس رؤساء على من تأدَّبوا بأخس ما في ذلك الجنس. والفائق بالطبع في جنس وتأدُّب بكل ما أُعدَّ له بالطبع رئيس على من لم يكن في ذلك الجنس فائقًا بالطبع، سواء تأدَّب أو لم يتأدب، أو تأدَّب بشيءٍ يسير. والرئيس لديه قدرة على الاستنباط من تلقاء نفسه، وعلى أن ينهض غيره نحو شيء. فلا بد من باعث على التعليم من خارج ومُنهض، ولا بد لمن يُعرفهم بذلك.

ويتتابع الرؤساء، الرئيس الأول ثم الرئيس الثاني كما هو الحال في العقول العشرة. والرئيس الأول لا يرأسه إنسان، حصلت له العلوم والمعارف بالفعل، ولا يحتاج إلى إرشاد أو تعليم من آخر، ولا إلى إدراك الجزئيات والعمليات. ويكون ذلك في أهل الطبائع العظيمة الفائقة بعد اتصالها بالعقل الفعَّال. الرئيس الأول هو العقل الذي يتدرج من العقل المُنفعل إلى العقل المُستفاد إلى العقل الفعَّال، من المادة إلى المادة والصورة إلى الصورة المحضة.٢٠ وقد تكون الرئاسة في جنس، مثل الفلاحة والتجارة والطب، أو بالإضافة إلى جميع الأجناس الإنسانية. حينئذٍ يكون الرئيس هو الملك أو الإمام أو النبي أو الفيلسوف.
ومن خلال نظرية المُعلم يتم الانتقال من الأخلاق إلى السياسة. وهو انتقالٌ معرفي؛ فبعد أن كان الإنسان في حاجة إلى التعاون أصبح في حاجة إلى التعليم. مهمة العلم ترويض المُتعلم بإرادة المُعلم والحاجة إليه إلى أن تُراضَ الفطر بالإرادة؛ أي إلى أن يتم اكتساب التعليم، ويصبح طبيعة أو فطرةً ثانية.٢١

والفطرة العظيمة الفائقة في الجنس دون ترويض أو تأديب قد تُبطل قوتها على طول الزمان؛ فالتأديب ضروري، وفلسفة التربية ضرورية لكل الفِطر المُحتاجة وغير المُحتاجة. ويتفاضل الناس بالطبع في أجزاء الجنس؛ فالمُعدُّون بالطبع إلى الجنس الأخس أقل من المُعدِّين بالطبع للجزء الأشرف. كما يتفاضل الناس حسب الاستعداد؛ نقصه وكماله، ويكون التأديب بالأشياء التي هم مُعدُّون نحوها. إذا كان التأديب بالأشياء الخسيسة يخرج الاستنباط في الخسائس من جنسها. ويتفاضل المُتأدبون بالتساوي في تفاضلهم في الاستنباط. ومن تأدَّب من ذوي الطبائع الناقصة في جنسٍ ما أفضل ممن لم يتأدب بشيء من أهل الطبائع الفائقة.

نظرية التعليم ضد نظرية التعلم الذاتي أو التعلم الطبيعي.٢٢ تُوحي بالتبعية والوصاية والقهر وبمصطلحات الشيعة في الوحي ومذهبهم، مذهب أهل التعليم. وقد انتشر في عصر الفارابي، وظهر عند السجستاني وفي رسائل إخوان الصفا.

والغاية من التعليم نيل السعادة. فإذا كانت السعادة القصوى مقصود الإنسان فعليه معرفتها. والنظر سابق على العمل؛ حتى يستطيع أن يقوم بالأشياء التي بها ينال السعادة، بل يحتاج إلى مُعلم ومُرشد. البعض يحتاج إلى إرشادٍ يسير، والبعض الآخر إلى إرشادٍ كبير. وليس كل إنسان قادرًا على التعليم وإرشاد غيره. هناك من هو قادر على تلقِّي الإرشاد وهو ليس رئيسًا أصلًا، بل مرءوس. علاقة المُعلم بالتعلم إذن علاقة الرئيس بالمرءوس، وليست علاقة الند للند بين طرفَين مُتكافئين، يتحاوران ويتجادلان، بل طرف يُعطي وطرف يأخذ كما هو الحال في مناهج التلقين.

وفي غياب السعادة في المدينة تظهر الهيئات الرديئة من هيئات النفس. وهذا تحديد للشقاء بنفي الضد، غياب السعادة. وتظل السعادة هي أساس السعادة والشقاء على حدٍّ سواء. وهو نوع من التفاؤل بإثبات الخير، وأن الشر طارئ عليه، خير في حالة الغياب. ويتم بلوغ السعادة بزوال الشر عن المدن والأمم. فلا يوجد تحديد للشر إلا بنفي الخير؛ مما يدل على تفاؤل في الفكر. وإذا كان الخير نوعين، طبيعي وإرادي، فإن الشر كذلك نوعان؛ غياب الطبيعة وغياب الإرادة. والشقاء والردية في النفس، مرض وهمي مثل مرض الأبدان. الأشقياء يستلذُّون المُر ويتأذَّون بالحلو. قد لا يشعر مرضى النفوس بمرضهم، ولا يُصغون إلى قولٍ مُرشد أو مُعلم أو مُقوم فتبقى نفوسهم هيولانية.٢٣

(٢) الدين والبدن والكون

ويتم التحوُّل من الاجتماع إلى السياسة عن طريق تحليل الدين في المجتمع، ومقابلة المراتب الإلهية بالطبقات الاجتماعية، ثم تقابل البدن والمجتمع، علم الطب والعلم المدني، وأخيرًا تقابل المجتمع والكون، والتحوُّل من السياسة المدنية إلى السياسة الكونية، ومن العلم المدني إلى علم الوجود. وهي نفس البيئة الثقافية التي خرجت منها رسائل إخوان الصفا.

(أ) السياسة الدينية والاجتماعية

وتظهر السياسة الدينية عند إخوان الصفا في أجناس العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية ضِمن العلوم الإلهية، كما تدخل في الصنائع العملية والغرض منها. تشمل العلوم الإلهية الله، الروحانيات؛ أي الملائكة، والنفسانيات والسياسة والمعاد، لا فرق بين الدنيا والآخرة. وتُقابلها السياسات النبوية والملوكية والعامية والخاصية والذاتية. السياسة النبوية لمعرفة كيفية وضع النواميس المرضية والسنن الزكيَّة بالأقاويل الفصيحة ومُداواة النفوس وحفظها من الديانات الفاسدة والأفعال الجائرة، وهو دور الأنبياء. والسياسة الملوكية معرفة حفظ الشريعة وأخبار السنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، ورد المظالم، وقمع الأعداء، وكف الأشرار، ونصرة الأخيار. وهو دور الخلفاء والأئمة. والسياسة العامية رياسة الأُمراء على المدن والبُلدان، ورياسة الدهاقين على القُرى، ورياسة القادة على الجيوش، وطبقات المرءوسين وحالاتهم وأنسابهم وصفاتهم ومذاهبهم وأخلاقهم ومراتبهم وأمورهم وجمعهم وأنصافهم وتوظيفهم. وهو دور الرؤساء. والسياسة الخاصية تدبير المنزل والمعيشة والخدم والغلمان والأولاد والمماليك والأقرباء والقسمة والجيران والصحة والإخوان، وهو دور الأسرة. وأخيرًا السياسة الذاتية، وهي معرفة الإنسان نفسه وأخلاقه وأفعاله وأقاويله وأحواله، غضبًا أم رضًا، وهو دور الفرد.٢٤ وبالرغم من التقابل بين العلوم الإلهية والسياسات النبوية إلا أن هذه السياسات تتناول السياسة والاقتصاد والأقاويل الفصيحة؛ أي الأدب، وإصلاح الواقع والنفس؛ أي التغير الاجتماعي، والثواب والعقاب؛ أي الأخلاق والقانون.٢٥ ويمكن اختصار السياسات إلى ناموسية، وملكوتية خاصة وعامة، وفلسفية.
والغرض من السلطة السياسية ضرورة تنفيذ الشريعة؛ أي أوامر الدين. ولولا خوف السلطان لما طُبقت الشريعة. وهل الغرض من تطبيق الشريعة رعاية مصالح الناس أم لزوم الخوف من السلطان؟ السياسة مثل الأمانة ضرورية، والرياسة فضيلة، والكبر رذيلة.٢٦ وإذا كانت السياسة رياسة، والرياسة سياسة، فأين الشعب والمؤسَّسات؟
وللنفس الملكية القدسية شهوة القرب إلى ربها وقبول الفيض منه. وتتَّفق النفس الناطقة مع العاقلة الحكمية في العلوم والمعارف، إلا أن الأولى عمل وصناعة، والثانية وحي وإلهام. ويضع الإخوان الوحي مع التكهُّن والقيافة والفِراسة والإلهام والمُناجات والإنذار بالكائنات بعلم النجوم والزجر، وهو ما حرَّمه القرآن. وهناك فروقٌ فردية بين النفوس وسياساتها. وللنفس الحكمية شهوة العلوم والمعارف، والذهن الصافي والفهم الجيد، وسرعة الخاطر وقوة التخيل وجودة التصور، والفكر والرؤية والتأمل والاعتبار، والنظر والاستبصار، والحفظ والتذكار، ومعرفة الروايات والأخبار، ووضع القياسات، واستخراج النتائج بالمقدمات، والتكهُّن والقيافة والفِراسة، وقبول الوحي والإلهام، ورؤية المنامات، والإنذار بالكائنات بعلم النجوم والزجر.٢٧

والسياسة مهنةٌ مثل الصنائع والعلوم، والتصرف والتجارة والبطالة والحكمة. والمهن سبع من أعلاها إلى أدناها؛ الأولى الحِكم والمعارف لأهل العلم والدين والمُستنبطين للناموس. والثانية الملك والسلطان والأجناد وأرباب السياسات. وهم طائفتان؛ الخلفاء في الملك والرياسة في أمور الدنيا والتدبير والسياسة وحفظ ظاهر أحكام الناموس على أهله، والخلفاء في أسرار أحكام الناموس، الأئمة المهديُّون والخلفاء الراشدون. والثالثة العلوم والآداب، أصحاب البنايات والعمارات والأملاك، لا فرق بين العلوم الهندسية التطبيقية والعلوم البلاغية. والرابعة العمل والتصرف للمُتصرفين والخدَّامين والمُتعيشين يومًا بيوم، عمالة الأجر اليومي. والخامسة التجارة والبيع والشراء لأرباب التجارة والمعاملات والأموال. والسادسة الصنائع والحِرف لأرباب الصنائع والحِرف والأعمال. والسابعة البطالة والفراغ للزَّمِن والعاطل. وكأن البطالة حِرفة، والصدقة أجر.

والإنسان خليفة الله في الأرض لتعميرها وسياستها تشبهًا بالله وريادةً لعالم ما تحت القمر، فينال بذلك الخلود، ويتحول إلى ملاك. والسياسات ضِمن العلوم مثل الآداب والرياضيات والمعارف. وأنواع النفوس خمسة؛ نباتية شهوانية، وحيوانية غضبية، وإنسانية ناطقة، وعاقلة حكمية، وناموسية ملكية. والشهوات الحيوانية ثلاث؛ حسية مثل الجماع، وغضبية مثل الانتقام، ورياسية مثل الرياسة. فلا تتم السياسة إلا برياسة. الرياسة صلاح الموجودات وبقاؤها على أفضل الحالات وأكمل الغايات. ويتم دفع المضار بالمكر والحيلة، أو بالتحرُّز والتحصُّن، أو بالهرب والفرار، أو بالقهر والغلبة.٢٨
ويُقسِّم الإخوان المجتمع إلى أربع طبقات، لا فرق في ذلك بين مجتمع الدنيا ومجتمع الآخرة، بين الناس والملائكة، بين الأرض والسماء، بين البشر والكون؛ فهي عالمٌ واحد. الأولى المرتبة العليا للملائكة، يُشاهدون الخلق عيانًا، ويقفون على أحوال الآخرة، وهم في سن الخمسين. والثانية الملوك ذوو السلاطين، وهم الفضلاء الكرام، وهم في سن الأربعين. والثالثة الرؤساء ذوو السياسات، وهم الأخيار الفضلاء في سن الثلاثين. والرابعة ذوو الصنائع الأبرار الرحماء في سن الخامسة عشرة! وعبادة الله ليست بالشعائر وحدها، بل بعمارة الأرض، وتحقيق منافع الإنسان والحيوان وإصلاح أمر الدنيا. وكل شيء جميل وفاضل بالنسبة للملوك والرؤساء، مثل الموسيقى التي يُغنى بها في مجالهم. والملِك والملاك والمُلك والمِلك من نفس الاشتقاق؛ فتصور الله ملكًا ينتهي إلى جعل الملك إلهًا. ويظل السؤال: هل الإله الملك هو الأساس، والملك الإله هو الفرع، أم إن الملك الإله هو الأساس، والإله الملك هو الفرع؟ هل يُتصور الله ملكًا بناءً على تصور الملك إلهًا، أم يُتصور الملك إلهًا بناءً على تصور الله ملكًا؟ هل الدين أصل والسياسة فرع استنباطًا، أم السياسة أصل والدين فرع استقراءً؟ وبلغة الشيعة أيهما مثل وأيهما ممثول؛ الدين أم السياسة؟ وهو نفس السؤال للفارابي في آراء أهل المدينة الفاضلة.٢٩
والناس على ثماني طبقات اجتماعية من الأعلى إلى الأدنى؛ خلفاء أسرار أحكام الناموس، وهم الأئمة المهديُّون والخلفاء الراشدون، وخلفاء الملك والرياسة في أمور الدنيا والتدبير والسياسة، والزهاد والعباد وأنصار واضع الناموس وغزاة أعدائه، والمُفسرون لألفاظ التنزيل والفقهاء والقضاة، وأصحاب الأخبار وحمَلة الأحاديث، وأخيرًا القُراء والحفَظة.٣٠

(ب) السياسة البدنية

وتُقاس المدينة والمنزل على البدن عند الفارابي؛ فالبدن هو الأصل، والمدينة والمنزل هي الفرع. البدن مؤتلف من أجزاءٍ مختلفة محدودة العدد، بعضها أفضل وأحسن من بعض، مُتجاورة مرتَّبة. الكل منها فعل، وكلها تجتمع بالتعاون حتى يتحقق غرض البدن. كذلك يتألَّف المنزل والمدينة من أجزاءٍ مختلفة محددة العدد، بعضها أحسن من بعض، وبعضها أفضل من بعض، مُتجاورة مرتَّبة. ويجتمع من الكل التعاون على تحقيق الغرض. المنزل جزء من المدينة، وتتكون المدينة من منازل تتعاون على الكمال. غرض المدينة قياسًا على البدن. البطن والرأس والصدر والظهر واليدان والرجلان منازل كالمدينة.

وكما يُعالج الطبيب كل عضو قياسًا على جملة البدن والأعضاء المُجاورة، كذلك يدبِّر مدبِّر المدينة كل جزء بالقياس إلى جملة المدينة دون إضرار بالكل. وكما يُعالج الطبيب العضو بحيث لا يضرُّ بسائر الأعضاء، كذلك يفعل رئيس المدينة. وإذا خشي الطبيب على البدن من فساد عضو فإنه يُبتَر، كذلك رئيس المدينة يقطع الأعضاء الفاسدة حفاظًا على صلاح الكل. ومع ذلك فإن عدم الإضرار بالغير شرط الاستنباط في الطب والمدينة. قد يستطيع الإنسان استنباط المُتوسط في الأفعال والأخلاق بمفرده، مثل استنباطه للأغذية بمفرده؛ فالاستنباط في كلا الفعلين الطبي والمدني واحد، ومع ذلك يجب الاحتراس فيه من الإضرار بسائر البدن، وإلا كان طبًّا فاسدًا، وكانت صناعة المدينة فاسدة.

وتؤدي الأفعال المتوسطة المقدَّرة بالقياس إلى السعادة في كلتا الحالتين؛ فكما أن الصحة هدف الطبيب من العلاج، فإن السعادة هدف المدني. السعادة للمدينة مثل الصحة للبدن. وهناك توازٍ بين مرضى الأجسام ومرضى النفوس.٣١

ويتضمن هذا التحليل تصورًا سكونيًّا للبدن والمجتمع؛ فالأجزاء مُترتبة مُتجاورة مع أن الأجزاء في حركةٍ عضوية مُتآزرة. كما يغلب عليه تصوُّر المركز والمحيط أو القمة والقاعدة لفهم وظائف البدن وطبقات المجتمع؛ فأعضاء البدن تتعاون فيما بينها في الفضل والخسة، مع أنها كلها مُتساوية في أداء الوظائف. ما زال التصور الرأسي مُسيطرًا؛ الأعلى والأدنى. ولو اختلَّ عضوٌ خسيس في وظيفة لاختلَّت وظائف الأعضاء الفاضلة؛ ومن ثم فهو فكرٌ يعبِّر عن اقتضاء ومطلب، وما يجب وما ينبغي، بالرغم من قياس الفرع وهو المدينة، على الأصل وهو الطب. ويبرِّر الفارابي قطع اليد كما يبرِّر النفي والتغريب والاستبعاد والتشريد والعزل والسجن والقتل حتى يصح البدن كله والمجتمع كله.

وعلم الطب مثل العلم المدني، علمٌ استنباطي يقوم على التحليل العقلي واستنباط حد المتوسط والاعتدال في الأفعال البدنية والمدينة، وكأننا في قياسٍ منطقي شرطه الاستغراق. المدينة الفاضلة تصورٌ مِعياري للمجتمع، مثل الرئاسة الفاضلة التي يصح المجتمع بسببها دون أن يدخلها شيء من السياسات الجاهلة؛ فهي كلها أمراضٌ تعرض للمدن الفاضلة؛ ومن ثَم يُشبه العلم المدني علم الطب في حفظ الصحة وحماية البدن من التعرُّض لشيء من الأمراض. والعلم المدني علمٌ علاجي، والرئاسة علاجية. والمدينة الفاضلة المجتمع الصحيح، والمدينة الجاهلة المجتمع المريض. الطب علمٌ مدني، والعلم المدني طب. كلاهما لعلاج البدن؛ بدن الفرد أم بدن المجتمع. هناك إذن تطابق أو توازٍ بين الطب والسياسة، بين عمل الطبيب وعمل الرئيس.

يعلم الطبيب أن الأضداد تُقاوَم بالأضداد؛ تُقاوَم الحرارة بالبرودة، وكلٌّ منهما أعم من الآخر. أعمها الأضداد التي تُقاوَم بالأضداد، وأخصُّها الحُمَّى الصفراوية التي تُقاوَم بماء الشعير أو التمر هندي، وأوسطها الحرارة التي تُقاوَم بالبرودة. وإذا ظهرت الأضداد في الطب، فلماذا لا تظهر في المجتمع الذي يقوم على الانسجام والوئام والنظام الهرمي الأبدي الذي لا تصدُّع فيه ولا انشقاق؟ لا فرق بين جدل الطبيعة وجدل المجتمع، فمنطق الأضداد واحد. ولا يُعالج الطبيب الأشخاص فردًا فردًا، بل بناءً على الكليات، والكليات كيفياتٌ تحتاج إلى كميات، وهو الدواء. العلم كيفي قبل أن يكون كميًّا.٣٢
ويحتاج الطبيب إلى قوتَين؛ القدرة على معرفة الكليات، وهي قوانين العلم؛ والقدرة على معرفة الجزئيات، شخصًا شخصًا. وكما يستخرج الطبيب ويستنبط المتوسط والمعقول في الأغذية والأدوية في صناعة الطب، فكذلك مدبِّر المدن أو الملك يستخرج ويستنبط المتوسط المعتدل في الأخلاق والأفعال. وهي الصناعة المدنية والمهنة الملكية. مهنة الملك مثل مهنة الطبيب. الملك بالمهنة الملكية وبصناعة تدبير المدن، اشتهاره بها في وقت وفي أي وقت وجود آلاتها وقومها وطاعتها. وكذلك الطبيب يكون طبيبًا بالمهنة، سواءٌ عرفه الناس وله آلات ووجود قوم ينفُذون إليه ومرضى يأتون أم لا. الملك بالمهنة والقدرة على الصناعة، تسلَّط أم لم يتسلط، سواء كان كريمًا أم غنيًّا أم فقيرًا. الملك ملك بالطبيعة، ملك في ذاته، سواء كان مُتسلطًا أو ممدوحًا أو ملكًا مجردًا. ويشترط البعض الطاعة في المدينة أو اليسار أو التسلط بالقهر والإذلال والترهيب والتخويف. والفارابي لا يشترط ذلك؛ لأنها تابعة للجهة وليست شرطًا لها.٣٣
صلة الملك بالمدينة مثل صلة النفس بالبدن، وكما أن كمال البدن في النفس فإن كمال المدينة في الملك، وكلاهما كالربَّان في السفينة. البدن والمجتمع يخضعان لنفس البنية، هي الرئاسة أو السلطة. والتشبيه ليس فقط في الإلهيات، بل في الإنسانيات. كلاهما رئيس ومرءوس، مخدوم وخادم، غاية ووسيلة. الاختلاف فقط في اشتراك الاسم. السياسة واحدة للبدن والمجتمع.٣٤

والسؤال هو: هل هناك ملك في ذاته دون شعب، أو إله دون عالم؟ هل الملك الذي لا يُطاع يكون ملكًا؟ كيف يحكم الملك بلا آلات؛ أي مؤسَّسات ووزراء؟ وكيف يكون ملكًا في كل الأوقات مدى الحياة كما يحدث هذه الأيام؟ أليست هذه صفات الله دون أفعاله؟ وهل هناك طبيب بلا مرضى وبلا آلات؟ إلى هذا الحد بلغ استغناء الرئيس عن المرءوس مع أنهما مُتضايفان مثل الأب والابن، والزوج والزوجة، والكبير والصغير، والغني والفقير.

يحتاج طبيب الأبدان إلى معرفة البدن، كل واحد من أجزائه وأمراضه وأعراضه وكمها ووجه إزالتها، وهيئات البدن التي بها يصح وتكمُل الأجزاء. كذلك يُعالج المدني والملك الأنفس، ويعرف أسرار النفس وأجزاءها، نقائصها وأرذالها، عوارضها وكمها، وهيئاتها التي تتم بها الخيرات وكمها، ووجه إزالة الرذائل عن البدن، ووسائل حفظها في نفوس المدنيين. وكما يعرف الطبيب من أمر البدن ما يلزم في الصناعة، يعرف من أمر النفس مقدار ما يلزم في الصناعة.

فإذا كانت صحة البدن هي اعتدال المزاج، والمرض الانحراف عن الاعتدال، كذلك أيضًا صحة المدينة في اعتدال أخلاق أهلها، ومرضها هو التفاوت. وإذا كان الطبيب هو الذي يرد الاعتدال إلى المدينة، يشترك الطبيب والمدني في الفعل، ويختلفان في الموضوع. الأول البدن، والثاني النفس؛ أي المجتمع. ولما كانت النفس أشرف من البدن، فإن المدني أشرف من الطبيب. موضوع الصحة في الحالتين هو الاعتدال، والمرض هو التطرف.

وإذا كان الطبيب هو مُعالج الأبدان فالإنسان المدني هو مُعالج الأنفس، وهو الملك. الهدف من علاج الطبيب للأبدان جعلها مهيَّئة لأن تفعل به النفس خيرات أو سيئات، مجرد استعداد دون تدخُّل في الخيرات أو السيئات، مجرد إعداد للآلة سواءٌ كان للحسن أو للقبح، ثم يأتي المدني بالصناعة المدنية، والملك بصناعة الملك بما ينبغي أن يفعل وفيما ينبغي، مثل رئيس البنَّاءين بالنسبة للبنَّائين. الأول علمي، والثاني أخلاقي. الأول ما هو كائن، والثاني ما ينبغي أن يكون.٣٥

واضحٌ أن الطب علمٌ كمِّي تشخيصي تشرعي وظيفي. فإذا كان علم الطب هو علم الأبدان، فإن العلم المدني هو علم النفوس؛ أي إنه علم الأخلاق أو علم النفس الاجتماعي. فالمدني يشمل النفس والأخلاقي والاجتماعي. الطب هو الأصل، والمدني هو الفرع في القياس التمثيلي. والسؤال هو: هل الصحة اعتدال، والمرض تطرُّف؟ إذا كان ذلك صحيحًا في الطب، فهل التطرف الاجتماعي مرض؟ وماذا عن الثورات الاجتماعية التي قد يُحكَم عليها بأنها تطرُّف؟ هل كان الفارابي طبيبًا وهو يتحدث عن الطب ويأخذه كمقياس للتشبيه؟ لقد رد على جالينوس دفاعًا عن أرسطو، ولكن في إطار الفلسفة وليس في إطار الطب. هل الطب ثقافةٌ شعبيةٌ عامة، الأصل الذي تحتكم إليه السياسة والعلم المدني؟ هل لذلك مصادر موروثة في بعض الأحاديث التي تُشبِّه المجتمع بالبدن، وعلاج المجتمع بعلاج الأبدان؟

والمدينة الفاضلة مثل البدن التام الصحيح. وكما تتكاتف أعضاء البدن على سلامة الجسد كذلك الحال في المدينة. وكما تتفاضل أعضاء البدن بالفطرة والقوى، وبها عضوٌ رئيسي هو القلب، كذلك الحال في المدينة. وكما تتفاوت أعضاء البدن في مراتبها طبقًا لقربها أو بعدها من الرئيس، كذلك الآخر في المدينة. وكما أن كل واحد فيها بالطبع قوة يفعل بها بالطبع غرض الرئيس، كذلك الأمر في المدينة. وهناك أعضاءٌ أخرى تفعل حسب أغراضه، وليس بينها وبين الرئيس واسطة، تكون في الرتبة الثانية حتى تصل إلى أعضاء تُخدم ولا تُرأس أصلًا طبقًا لنظرية الفيض، الرئيس الذي لا يكون مرءوسًا لآخر من أعلى، والمرءوس الذي لا يكون رئيسًا لأحد من أسفل، كذلك الأمر في المدينة التي تتفاوت أجزاؤها بالفطرة وتتفاضل بالهيئة، بها رئيس وآخرون يقتربون منه. وفي كل واحد هيئةٌ وملَكة يُقضى بها غرض الرئيس، وهم أولى المراتب الأولى، ودونهم من يُحقق أعراضهم. وهؤلاء هم المرتبة الثانية إلى أن تنتهيَ إلى رتبة يخدمون ولا يُخدمون، وهم أدنى المراتب.

الفرق بين البدن والمدينة هو أن أعضاء البدن طبيعية، وهيئات وملكات المدينة وإن كانت طبيعية إلا أنها إرادية. البدن ميدان الضرورة، والمدينة ميدان الحرية.٣٦ أجزاء المدينة مفطورة بالطبع بفطرياتٍ مُتفاضلة، يصلح بها إنسان لا شأن لشيءٍ دون شيء، ولكن ليس بناءً على أجزاء المدينة الفطرية، بل بالملكات الإرادية مثل الصناعات.

وكما أن أعضاء البدن التي تقترب من العضو الرئيس تقوم بأفعالها الطبيعية حسب غرض الرئيس الأول بالطبع بما هو شرف، وما دونها يقوم بأفعالٍ أقل شرفًا، إلى أن ينتهيَ إلى الأعضاء التي تقوم بالأفعال الأخس، كذلك الأجزاء التي تقترب في الرياسة من رئيس المدينة، تقوم بالأفعال الإرادية بما هو أشرف، ومن دونهم بما هو أقل شرفًا، إلى أن ينتهيَ إلى الأجزاء التي تقوم بأخس الأفعال. وخسَّة الأفعال قد تكون خسَّة موضوعاتها أو عنايتها أو سهولتها. وربما يكون القيام الأفعال الطبيعية بحسب غرض الرئيس تناقضًا وخلطًا بين مستوى الطبيعة ومستوى الغائية. والغاية في الطبيعة هي الوظيفة، أما الغرض أو القصد فلا يكون إلا إنسانيًّا. كما أنه لا توجد وظائف أشرف ووظائف أخس، سواء في البدن أم في المجتمع لعنائها أو لسهولتها. ولا فرق بين رئيس المدينة وزبَّالها في أداء الواجب إن لم يكن الزبَّال هو المُحافظ على صحة الرئيس من الأوبئة والأمراض.

ومع ذاك هناك فرقٌ واضح بين الرئيس والمدينة في القياس. فإذا كان كل شيء في البدن يحدث بالطبع فمن الداخل، أما في المدينة فمن الخارج؛ أي غرض الرئيس، إلا إذا كان الرئيس في قلب المدينة داخل كل مُواطن مثل الله.

فإذا كان للبدن والمدينة نفس النشأة والتكوين ابتداءً من القلب والرئيس، فهل يتكون الجسد ابتداءً من القلب؛ أي النطفة أو من الدماغ؟ وهل يتكون المجتمع من الرئيس أم من المرءوسين، والرئاسة عقد وبيعة واختيار؟ وهل يجوز التشبيه بين عالمَي الضرورة والاختيار، وقياس المجتمع على البدن؟

وتدخل العبارات الإنشائية، مثل أتم وأكمل وأفضل وأشرف، في وصف الطبيعة والمجتمع؛ فالعضو الرئيسي هو بالطبع أكمل الأعضاء وأتمُّها في نفسه، وأفضل الأعضاء التي تُشاركه، ودونه أعضاءٌ أخرى رئيسية لما دونها، ولكن رياستها دون رياسة الأول وتحته. وكذلك رئيس المدينة أكمل أجزائها فيما يخص، وأفضل كل من شارك فيه غيره، ودونه مرءوسون، ويرأسون آخرين. وهو حكمٌ مُطلَق عام لا استثناء فيه، حكم مبدأ وليس وصفًا لواقع. كما يتَّضح من تحليل العبارات أفعال «ينبغي» و«يجب»؛ أي إن التحليل لما ينبغي أن يكون وليس لما هو كائن. فكما أن القلب يتكون أولًا ثم يصبح هو السبب في تكوين أعضاء البدن، والسبب في حصول قُواها وترتيب مراتبها إذا اختلَّ عضو منها، كان هو المُزيل لهذا الاختلال، كذلك رئيس المدينة «ينبغي» أن يكون هو أولًا ثم يصبح هو السبب في حصول أجزاء المدينة والملكات الإرادية وترتيبها، وإن اختلَّ فهو المسئول عما يُزيل اختلاله.

وربما يكون هذا التحليل كله تنظيرًا غير مباشر لحديثٍ مشهور يقوم على نفس القياس، وتأويلًا له عن طريق تحليل التجربة البشرية: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته»، أو «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا».

(ﺟ) السياسة الكونية

ولما كان البدن أحد مراتب الفيض يدخل علم الطب كأحد موضوعات العلم المدني في نظرية الفيض بعد الانتهاء من النزول من المراتب السماوية حتى النفس، ومن النفس إلى البدن قبل الدخول في عالم الأسطقسات. قبل المدينة الفيض هو الأساس، والبدن مجرد مثال.

موضوع العلم المدني إذن هو الفيض وتراتُب الموجودات؛ فلا فرق بين العلم المدني والعلم الإلهي، كلاهما علمٌ واحد وموضوعٌ واحد، سواء في الإلهيات أو في المدنيات. وأحيانًا يظهر الفيض بعد العلم المدني (الملة) وليس قبله (الآراء)، وكأن العلم المدني هو الأساس، والإلهيات هي الفرع. في هذه الحالة يدخل علم النفس وعلم الطب ثم العلم المدني نزولًا في نظرية الفيض كأحد مراتب الوجود في العلم المدني من جديد؛ وبالتالي يتناول العلم المدني مراتب الوجود بمقاييس ثلاثة؛ الخدمة، والرياسة، والتوسط، ومعرفة المراتب كمًّا وكيفًا، ومعرفة درجات الكمال لكلٍّ منها، وارتقاء كل منها إلى الأخرى حتى الكمال المطلق والرياسة العليا. وتتحول الكثرة إلى وحدة حتى الوجود الواحد في العدد والرئاسة والفضيلة والكمال. هذا الواحد يدبِّر كل ما دونه ويرأسه. بداية الفيض بالرئاسة التي ليست لها رياسةٌ تخدمها، والنهاية بالرياسة الخادمة التي ليس لها مرءوسٌ ترأسه؛ مرةً صعودًا إلى الكمال، ومرةً نزولًا إلى النقص؛ مرةً تصفيةً للنفس، ومرةً فيضًا عليها، في قسمة الوجود بين الواجب المطلق والسالب المطلق، من الوحدة إلى الكثرة نزولًا، ومن الكثرة إلى الوحدة صعودًا. الناس بالله صعودًا، واقتفاء آثاره في تدبير العالم صعودًا. الله قوة، غايةٌ قصوى، الخير الأقصى. والسعادة في الدنيا والآخرة، والآخرة خير وأبقى. الآخرة غاية الدنيا، والدنيا وسيلة لها. وتنتهي «الملة» وكأنها رسالة في التصوف مثل آخر «الإشارات والتنبيهات» لابن سينا.٣٧
ويتحول التشابه بين البدن والمدينة إلى تشابه بينهما وبين الوجود ذاته؛ فالقياس واحد. ويتم الانتقال من البدن إلى المدينة إلى الوجود دون أي إحساس بالمستويات. التصور واحد، والرؤية واحدة وإن اختلف مستوى التطبيق وميدان التحقق. السبب الأول في الموجودات مثل رئيس المدينة الفاضلة أو ملكها، ثم تأتي بعده الموجودات الثواني البرية عن المادة، العقل أو النفس، ودونها الأجسام السماوية، ودونها الأجسام الهيولانية، وكلها تحذو السبب الأول وتتبعه. ويفعل ذلك كل موجود حسب قوته، كلٌّ يقتفي أثر غيره طبقًا لمرتبته. الأحسن يتبع ما هو أعلى منه، إلى أن ينتهيَ إلى الأول الذي تنتهي إليه كل الموجودات. وتنتقل الموجودات من أدنى إلى أعلى، حركتها اقتفاؤها لغرضها. كذلك ينبغي أن تكون المدينة الفاضلة احتذاء أجزائها مقصد رئيسها الأول، والقياس على الموجودات هو مجرد عَود للتذكير بأول آراء أهل المدينة الفاضلة، عودًا على بدء؛ مما يدل على أن الوجود هو الأصل، وأن المدينة والبدن فرعان له، وأن المستويات الثلاثة تحكمها نظرية الفيض؛ مرةً في الوجود، ومرةً في البدن، ومرةً في المدينة.٣٨
وقد لاحظ إخوان الصفا من قبلُ هذا التقابل بين الكون والمدينة على نحوٍ أسطوري من خلال الفلك وعالم الجن الذي يربط بين عالم الإنسان والعالم الطبيعي؛ ففي الرسالة الثانية عن «الحيوان» من القسم الثاني «الجسمانيات والطبيعيات»، تُطيع الجن رؤساءها وملوكها لإبراز التقابل بين الجن والإنس، بين الطبيعة والمجتمع. الجن مطيعةٌ كما تُطيع الملائكة الله، مثل طاعة الحواس النفس الناطقة، إبرازًا للتقابل بين الطبيعة والجسد. والأدلة على طاعة الجن تسخير سليمان لها، وذهاب الجن تعوذًا بالقرآن منها، والامتثال لأوامر الإنسان وسرعة الاستجابة. والإنس أسوأ من الجن في الطاعة وأقرب إلى العصيان، والدليل على ذلك أن طاعة الرؤساء خِداع ومكر ونفاق وغرور وطلب العوض والأرزاق والمكافآت والخُلع والمآرب والكرامات، وإلا فالعصيان والخروج والعداوة والحرب والقتال والفساد في الأرض. ومن مظاهر العصيان أيضًا إنكار دعوة الأنبياء والأدلة الضرورية وطلب المعجزات، عنادًا أو نفاقًا وشكًّا وارتيابًا ومكرًا ودجلًا وغشًّا وخيانة في السر والعلانية، وغِلظ الطباع ورداءة الحيلة، وسوء العادة والعمل وتراكم الجهالات، وعيُّ القلوب، وكذلك ادِّعاء الإنس أنهم أرباب وغيرهم عبيد بلا حجة ولا برهان طلبًا للرياسة.٣٩

ثم يظهر التقابل بين الكواكب والمجتمع؛ فكلاهما بنيةٌ واحدة للرئاسة. الشمس ملك، والكواكب الجنود والأعوان والرعية، والمريخ صاحب الجيش، والمشتري القاضي، وزحل الخازن، وعطارد الوزير، والزهرة الحرم، والقمر ولي العهد. وقد يكون السبب في ذلك التشخيص الغالب على نفسية المُضطهَدين، تشخيص السماء كقُوًى فاعلة أقوى من البشر، ونزع التحكم في الأرض عن البشر إلى السماء كنوع من أيديولوجية التحرُّر. الحاكمية للسماء، والعبودية للأرض. وكل ما يدور على الأرض محكوم بدوران الأفلاك، وأحوال الكواكب هي المُتحكمة في أحوال الناس أفرادًا وجماعات.

في المريخ يكون الملك فظًّا غليظًا شتَّامًا بذيئًا، وفي زحل حقودًا لوَّامًا عسيرًا بخيلًا، وفي الشمس كثير الجماعات، وفي المشتري صدوقًا وفيًّا وعالمًا، وفي عطارد مُفكرًا داهيةً وأديبًا، وفي الزهرة كثير الأموال، وفي القمر جريئًا.

كما يُشير كل كوكب إلى أحد مظاهر الدولة؛ الشمس للخلفاء، المشتري لولاة العهد، المريخ لأصحاب التنور، زحل للفهارمة، جمع فهرمان وهو مستشار الملك ومدبِّر ملكه، عطارد للوزراء والكُتاب، القمر للعمال، الزهرة للقُواد.

والسؤال هو: ما العلاقة بين البرج والصفة؟ معظم الصفات شخصيةٌ فردية مثل شروط الأمانة. ألا يوجد إصلاح في الأرض إلا إذا توافر البرج في السماء؟ وهل تتدخل الشمس أو القمر لزلزلة السلطان القائم وإيجاد نظام جديد؟ هل الطبيعة الحتمية أقوى من حرية البشر؟ وهل يجوز تنوير الناس بالغيب والأساطير مثل الصهيونية والنازية حاليًّا، أم بالعمل والتحليل الاجتماعي لأسباب الظلم والقهر؟ متى تكون السياسة موضوعًا لعلم السياسة وليست خاصة لأحكام النجوم؟ يحتاج الملوك إلى مُنجِّمين عندما تتحكم الدروشة في السياسة كما هو الحال عند بعض رؤساء العصر. إنما يكشف التحليل عن الواقع السياسي وسوء الأحوال السياسية وعلاقة الحاكم بالمحكوم والراعي بالرعية.

والحقيقة أن العكس هو الصحيح. لا يحدث شيء في السماء إلا إذا حدث على الأرض أولًا طبقًا لقانون الاستحقاق والمسئولين على الأعمال ضد علم النجوم. الضائع هو الذي في حاجة إلى أن يتمسَّك بشيء فيجد الأفلاك؛ فإنها بعيدة عن السلطان لم يستولِ عليها بعد، وهي أقوى منه قريبة من الله، لا يمكن فهمها ويجهلها السلطان، ولا يمكن مراجعتها. ضرورة علم أحكام النجوم في السماء لأحكام السلطان في الأرض. ومن يقوم بالتدبير ليس الملك ولا الإمام، بل الخليفة المؤيَّد بالملائكة، مثل تأييد سليمان وتسخير الجن والطير، وتأييد موسى ومحمد، وكأنه لا بد من تأييدٍ خارجي. والسؤال هو: هل كان محمد مؤيَّدًا من الخارج مثل موسى وداود أم تأييدًا داخليًّا، قوة الفكر والسلوك الرشيد؟ هل استعمل الإسلام الخرافات مثل المراحل السابقة أم أحدث تغيرًا نوعيًّا في طبيعة الوحي؟٤٠
وهذا ما سمَّاه الشيعة بعد ذلك علم الميزان عند حميد الدين الكرماني، وحدة النظام في نطاق ضرورة الطبيعة وحرية الإنسان. ويشمل التقابل بين عالم السماء وعالم الأرض، الجغرافيا الطبيعة والجغرافيا البشرية على حدٍّ سواء. فحركة الأبراج سبب تكوُّن الأقاليم وطباع الرجل بينه وبين نفسه؛ خلقه وطباعه وسجاياه وأمواله النفسية، بينه وبين الآخرين؛ أهل منزله ورفاقه وعشيرته وقومه،٤١ بل إن حركات الأفلاك والبروج في الزمان مثل وجود الإنسان في الزمان، حتى إنه ليصعب التفرقة أيهما أصل وأيهما فرع، إسقاطًا من أعلى إلى أسفل أم إسقاطًا من أسفل إلى أعلى، تمثل أم اغتراب، وجود شرعي في العالم أم وجود مُغترب خارج العالم؟ ومن وصف أحوال الإنسان يتَّضح الموقف النفسي والاجتماعي والسياسي سلبًا، مثل الغريب الذليل المهين الوضيع الساقط المحبوس المريض المتحير الضعيف الهرم الهارب الخائف الوجل الكاره، أو إيجابا في عزه وسلطانه، في خلقه وسجيته في حاله اللائقة، المقبل الصحيح، القاضي وطره، الحاضر المستعد المحارب المبارز المنازع العامل الواد الموافق المحب، وهو الأقل.٤٢
١  إخوان الصفا، الرسائل، الرسالة الأولى، في الآراء والديانات، ص٤، ١، ١٠٤–٥٣٨؛ فصل في بيان سبب اختلاف العلماء في الإمامة، ص٤٩٣–٤٩٧؛ الرسالة الحادية عشر، في ماهية السحر والعزائم، ص٢٨٣–٤٠٦؛ في معرفة الحروب وأوقاتها، في معرفة متى الحرب تكون، ص٤٠٤-٤٠٥؛ الخلافة والإمامة، ص١، ٩، ٢٩٧.
٢  إخوان الصفا، الرسائل، ص٤، ١، ٤٠١.
٣  الرسائل، ص٤، ٩، ٢٥١، ٢٥٤، ٢٥٨.
٤  السابق، ص٢٩٠.
٥  السابق، ص٢٥٩.
٦  وهو رأي كانط في التفرقة بين الدين الفلسفي والدين الكنسي، والانتقال من أحدهما إلى الآخر عن طريق التأويل (انظر دراستنا «الدين في حدود العقل وحده»، قضايا معاصرة، ج١، في الفكر الغربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة ١٩٧٦، ص١٣١–١٧٠).
٨ 
أيام الإخوان الفلك الإسلام الأعياد الفلسفية الصورة الإنسانية
الأول الربيع الفطر الحمل الصِّبا
الثاني الصيف الأضحى السرطان الشباب
الثالث الخريف الوداع الميزان الكهولة
الرابع الشتاء القبض الجدي آخر العمر
الرسائل، ج٤، ٩، ٢٦١–١٦٤، ٢٦٧–٢٧٢.
١٠  السابق، ج١، ٩، ٣٢٨.
١١  الفارابي، تحصيل السعادة.
١٢  الرسائل، ج١، ٨-٩. ويمكن القول إن الإخوان أقرب إلى يمين اليسار، والقرامطة يسار اليسار.
١٣  الرسائل، ج١، ٣، ١٤٥.
١٤  الرسائل، ج٢، ١١، ٣٠٠–٣٠٢.
١٥  العلم الأول يُسمى في الأنثروبولوجيا المعاصرة sub-culture, mass-culture, group-culture، والثاني national culture، والثالث universal human culture.
١٦  التعليم أقرب إل education، والتأديب أقرب إلى training. وإذا كان التعليم هو learning فإن التأديب يكون هو التربية education.
١٧  وهذا ما يحدث في واقعنا الحالي من تأديب تاركي الصلاة بالعصا وإيقافهم عن العمل في شبه الجزيرة العربية.
١٨  وكما هو الحال في العالم العربي ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا.
١٩  الفارابي، السياسات، ص٥٠–٥٤.
٢١  وهذا ما جعله لسنج دور الوحي في تربية الجنس البشري.
٢٢  وهو اﻟ autodidacte المعروف عند روسو وتولستوي.
٢٣  السابق، ص٥٩.
٢٤  الرسائل، رسالة في الصنائع العملية والغرض منها، ج١، ٧، ٢٥٧-٢٥٨؛ فصل في أجناس العلوم، ص٢٦٩–٢٧٢؛ فصل في العلوم الإلهية، ص٢٧٢–٢٧٥؛ فصل في الغرض من الملك، ج١، ٨، ٢٩٢.
٢٦  الرسائل، ج١، ٩، ٣٣٧.
٢٧  السابق، ص١، ٩، ٣١٦.
٢٨ 
في بيان الأخلاق وأسباب اختلافها وأنواع عللها، ونكت من آداب الأنبياء، وزبد من أخلاق الحكماء (الرسائل، ج١، ٩، ٢٩٦ – ٣٨٩).
٢٩  السابق، ص٢، ٥، ١٢٥، ١٢٧، ١٢٨.
٣٠  السابق، ص٢، ٧، ١٥٢-١٥٣.
٣١  الفارابي، فصول المدني، ص٤١–٤٤، ٤٧.
٣٢  الفارابي، الملة، ص٥٦–٥٨، ٦٥؛ الفصول، ص٣٩.
٣٣  الفارابي، فصول، ص٤٩-٥٠.
٣٤  ابن سينا، أحوال النفس، ص٥١-٥٢، ٩٥، ١٢٥-١٢٦، ١٤٠.
٣٥  الفارابي، فصول، ص٢٤–٢٦.
٣٦  وهذا هو موقف اسبينوزا وكانط.
٣٧  الفارابي، الملة، ص٦١–٦٦.
٣٨  الفارابي، آراء، ص٧٥-٧٦.
٣٩  في بيان حسن طاعة الجن لرؤسائها وملوكها، ج٢، ٨، ٣٠٦–٣٠٩.
٤٠  ج٤، ١١، ٣١٧-٣١٨، ٣٢٢–٣٢٤، ٣٧٠–٣٧٤.
الطبيعة المجتمع السياسي
الشمس الملك
الكواكب الجنود والأعوان والرعية
المريخ صاحب الجيش
المشتري القاضي
زحل الخازن
عطارد الوزير والكاتب
الزهرة الخدم والجواري
القمر ولي العهد
٤١ 
الكونيات السياسيات
الأخلاق الأقاليم
البروج البُلدان والسودان والحدود
الوجوه المدن
الدرجات القرى
الدقائق المحال والأسواق
الثواني المنازل والدكاكين
الكواكب في البروج الأرداج في الأجساد
الكوكب في بيته الرجل في بيته وعشيرته
الكوكب في شرفه الرجل في عزه وسلطانه
الكوكب في مثلته الرجل في منزله أو دكانه أو ضيعته
الكوكب في وجهه الرجل في زيِّه ولباسه
الكوكب في حده الرجل في خلقه وسجيته
الكوكب في أوجهه الرجل في أعلى مرتبته
الكوكب في حيزه الرجل في حاله اللائقة به وفي أصحابه ورفاقه
الكوكب في وباله الرجل المختلف (المتردد) المدبر
الكوكب في غير حيزه الرجل في حالٍ منكر
الكوكب في برج لا حظ له فيه الرجل الغريب في بلدةٍ غريبة
الكوكب في هبوطه الرجل الذليل المهين
الكوكب في حضيضه الوضيع الحال الساقطة عن مرتبته
الكوكب تحت الشعاع الرجل المحبوس
المحترق المريض
الواقف المتميز في أمره
الراجع العاصي المخالف
السريع السير المقبل الصحيح
البطيء السير الضعيف الذاهب القوة
الكوكب في التشريق الرجل النشيط
الكوكب في التغريب الرجل الهرِم
الناظر الطالع الذاهب نحو حاجته
المتصرف قاضي وطره
المقترنات من الكواكب القرينان من الناس
الكوكب في الوتد الرجل الحاضر للشيء الحاصل فيه
مائل الوتد الجائي المنتظر
الزائل الذاهب أو الغائب
الكوكب في الطالع المولود في الظهور أو الشيء في الكون
الكوكب في الثاني المنتظر الذي سيكون
الكوكب في الثالث الذاهب إلى لقاء الإخوان
الكوكب في الرابع الرجل في دار آبائه أو الشيء في معدنه
الكوكب في الخامس الرجل المستعد للتجارة أو الفرحان بما يرجو
الكوكب في السادس الهارب المنهزم المتعوب
الكوكب في السابع المُبارز المُنازع المُحارب
الكوكب في الثامن الخائف الوجل
الكوكب في التاسع المسافر الوحيد من الوطن الزائل من سلطانه
الكوكب في العاشر الرجل في عمله وسلطانه المعروف المشهور به
الكوكب في الحادي عشر الوادُّ المُوافق المُحب
الكوكب في الثاني عشر المحبوس الكاره لموضعه المُبغض لما هو فيه
٤٢  الرسائل، ج١، ٣، ١٥١-١٥٢.