من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٣) الحكمة العملية: الأخلاق – الاجتماع والسياسة – التاريخ

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

رابعًا: التاريخ الدائري

التاريخ الدائري هو التاريخ الأفقي نفسه دون فكرة التقدم المستمر وبداية الأدوار والأكوار؛ فالتاريخ هو الزمان، والنبوة أيضًا تقع في الزمان. والزمان بطبيعته زمان البشر وزمان الأحياء، له نشأة ونمو واضمحلال وفناء.

هناك إذن صلة بين فلسفة التاريخ وفلسفة السياسة. فلسفة التاريخ هي تحويل التاريخ إلى طاقةٍ سياسة من أجل تغيير دولة الظلم والجور إلى دولة العدل والقسطاس. وفلسفة السياسة هي المصبُّ النهائي لفلسفة التاريخ. هي فلسفة التاريخ مُتحققةً في لحظةٍ زمنيةٍ محدَّدة. هو الماضي الذي يكتمل في الحاضر كما أن فلسفة التاريخ هو الحاضر المقروء في الماضي من أجل تأصيل السياسة. هما فلسفةٌ واحدة؛ الأولى تقرأ السياسة في التاريخ، والثانية التاريخ في السياسة. التاريخ عبرة الماضي للحاضر، والسياسة تحقيق نبوة الماضي في الحاضر. وتبزغ فلسفة التاريخ من الفلسفة السياسية؛ فالأئمة يطبِّقون الشريعة، يملئون الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا، وهي سنة الله في خلقه.١ ويتساءل القاضي النعمان عن الإمام بذاته، وهل يعلم الغيب؟

وتبزغ فلسفة التاريخ أحيانًا على استحياء من فلسفة العقائد؛ فالتاريخ ليس له موضوعٌ مستقل إلا من خلال قصص الأنبياء. ويتَّضح ذلك في «الرسالة المذهبة» للقاضي النعمان، من الإذهاب وليس من الذهب، إذهاب وساوس الشيطان وإحضار نور القلب وهداية العارفين. وهي رسالةٌ تدعو إلى الإمام الناطق العليم بالبواطن منذ البداية، وتتضمَّن مجموعة من الإجابات عن عدة أسئلة عن تفسير أسماء الله الحسنى ونفي الشرك بالله وبيان رتبة القائم وأبواب الصلاة ومناسك الحج تستغرق الفصل الأول كله. والفصل الثاني خمسة أسئلة أخرى عن الحدود العلوية السبعة. والفصل الثالث يضمُّ ثلاثة وأربعين سؤالًا عن موضوعاتٍ فقهية. الظاهر هو علم الفرائض، والباطن هو علم السياسة، مصدر فلسفة التاريخ. الظاهر العبادة العملية، والباطن العبادة العلمية.

تظهر فلسفة التاريخ من ثنايا التوحيد ضد الشرك ورتبة القائم القادر على فهم التوحيد بالتأويل، وتأتي الحدود العلوية السبعة ودور الناطق والمُتولي له والأساس حتى انقضاء الدور، والأنجم المدبرات ومنازل النجوم. وتأتي المادة وتنصرف من الأساس. وتسقط مواد الناطق عن أساسه بعد ارتقائه وذهاب غيبته، ثم البحث عن الأئمة، من مضى منهم ومن بقي.

ويظهر قصص الأنبياء، المصدر الثاني لفلسفة التاريخ، حثيثًا في قصة موسى والعبد الصالح، وقصة مريم وقُنوتها إلى ربها، وعيسى من أنثى بلا ذكر، والمسيح بلا هجرة، وإبراهيم والقِبلة الذي وفَّى ورفع القواعد، واتخاذ موسى السبت عيدًا، وعيسى الأحد، ومحمد الجمعة، ورواية آدم وحواء والجنة وإبليس والهبوط إلى الأرض، ومعنى أن عيسى كان وجيهًا عند الله ومن المقرَّبين، ومعنى قول الرسول «كل من لا يؤمن ببعثتنا ويُقر برجعتنا يكون بريئًا منا»، وقوله أيضًا «تمام أمرنا بسبعة؛ ثلاثة منا، وأربعة من غيرنا». وهي أحاديث رواها أئمة الحديث الشيعة. ومعنى بقاء النبوة في الذرية والعقب، ومنزلة النطقاء.٢
كما تظهر فلسفة التاريخ من مصدرٍ ثالث، نشأة العالم ونهايته، الموت اثنان، والحياة اثنتان، وهل كان قبل آدم أناس، ونشأة الخلق وكونه، وكيف تتصور الصور الروحانية والجرمانية يوم ظهور القائم، ويوم الخالق يُعادل ألف سنة مما يعد المخلوقون، وجمع الأولين والآخرين؛ أي كل التاريخ لميقات يوم معلوم، ومستقر أرواح المُتوفين إلى وقت ظهور القائم.٣
وتظهر فلسفة التاريخ من علم التفسير، وتفسير بعض الآيات مثل يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ …، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، إما مخاطبةً للرسول أو إعلانًا عن الفترة، ويمكن تفسير القرآن كله على أنه فلسفة في التاريخ، منذ بداية الخلق حتى نهايته، وعهد الذر الأول، وحمل الأمانة، وتطور النبوة، وانهيار الأمم.٤
كما تظهر بعض الدلالات الفقهية على أنها مؤشرات على الأدوار والأكوار عن حكم الخمر والميسر والزنا والقتل، وسبب الختم باليمين ثم اليسار، وضم اليد إلى الصدر واليمين على اليسار.٥
وأخيرًا كل شيء يمكن تأويله على أنه فلسفة للتاريخ مثل علوم الملكوت الدال على المعبود وتواتر الرسل وحد العلم، وأهل الظاهر، وأهل الباطن، وعلم المؤمن الذي يصبح علمًا نفسيًّا. فلسفة التاريخ إذن فلسفةٌ تأويلية لكل شيء، العقائد والشعائر، الماضي والحاضر، الأشخاص والجماعات، العوالم والأكوان.٦

(١) زمن النبوة

وكما يخرج التاريخ من النبوة تثبت النبوة من جهة الأزمنة؛ أي بالتاريخ. يتولد التاريخ من الزمان كما يتولد الزمان من النبوة. الزمان هو الذي يُعطي النبوة مادتها، والنبوة تُعطي الزمان صورته. وكما ظهر شرف الزمان بالشرائع الموضوعة لكل وقت منه، لكل يوم وشهر وسنة، أظهرت الشريعة أيضًا شرف الزمان عند طلوع الشمس وغروبها وتوسطها الفلك بأن أوجبت على الأبدان الصلوات فيها، وإلا مضى الزمان دهرًا بلا قيمة. الزمان قبل ظهور الشريعة خراب لا عمارة فيه، ثم عمرته الشريعة بما أوجبته فيه. الشريعة هي التي تُعطي الزمان شرفه في اللحظات المُتميزة.

والدليل على أن النبوة علة ما يتولد الزمان منه أنه قابل النبوة قد يخبر الناس بما يكون في الزمان المستقبل من النبوات.

ودليلٌ آخر أن النبوة علة الزمان، أن أوامر النبي قد غلبت الزمان على إظهار أفعال النبوة، وقهرت أفعال الزمان لأنها ليست على نظمٍ واحد، بل تتقدم وتتأخر، تقلُّ أو تكثر، في حين أن أفعال النبوة على حالٍ واحدة بلا تقديم ولا تأخير، ولا تقليل ولا تكثير؛ فالزمان هو الذي يُعطي النبوة وجودها التاريخي ومسارها الزماني، فتظهر النبوة من قِبل السابق والتالي، ويظهر الأكثر والأقل؛ ومن ثَم اتَّفقت النبوة في أوضاعها ومعاشها مع الأزمنة في أوقاتها وساعاتها وأيامها وشهورها وسنينها وجميع أقسامها.٧
لذلك تثبت النبوة من جهة التضاد والاختلاف ووجودهما في شرائع الرسل والمرسل في آنٍ واحد؛ فقد يأمر الرسول وينهى بما يضادُّ أوامر الرسول السابق ونواهيه مع إقراره برسالته، وكلاهما صحيح. وقد تابَع الفقهاء اختلاف الأنبياء، واختلفوا فيما بينهم، وكل شيء فيه قولان، والكل إلى رسول الله مُنتسب. وكلما اختلفت الشريعة في الوضع والترتيب ظهرت كلمتها ومنفعتها، والكل له الفضل؛ فالنبوة صحيحة حتى مع وجود أضدادها بما في ذلك الضلالات المخترعة والبدع المؤسسة.٨

والتضادُّ في الحكمة وفي النبوة واحد، منطق واحد يحكم الاثنين في التضاد، ومن جنس واحد عند الحكماء، والأبيض والأسود، وعند الأنبياء الصوم والإفطار. والتضاد تحت جنسَين مختلفين عند الحكماء العدل والجور، وعند الأنبياء النصارى والمسلمون. والتضاد كجنسَين في الحكمة الفضيلة والرذيلة، وفي النبوة الإسلام والنصرانية.

(أ) نسخ الشرائع

والرسل أكثر من واحد نظرًا لاختلاف الأوضاع؛ فقد أصبح الشيء مأمورًا به في عصر منهيًّا عنه في عصر آخر، مرغوبًا ومرهوبًا على التوالي، حلالًا وحرامًا، وكلاهما من مصدرٍ واحد على حقيقةٍ روحانية واحدة؛ لذلك لا يمكن لرسالةٍ واحدةٍ أن تجمع تطور البشرية كله؛ إذ تتطور الشريعة بتطور الزمان، ويتغير الناموس بتغير العصر.

لذلك وُجد التفاضل في الرسل. ولا يعني التفاضل اختلافًا في القيمة، فالكل من مصدرٍ واحد؛ ومن ثَم القيمة واحدة. الفضل في المرحلة التاريخية، السابق واللاحق، المتقدم والمتأخر؛ فالتقدم جوهر الزمان؛ وبالتالي جوهر النبوة.

إذا ما انقضى الدور وقام بالرسالة غيره، وُجد التراكيب في هيئةٍ مُخالفة لما كانت عليه أيام الرسول السابق، فيضع شرائع مُتفقة مع التراكيب الجديدة؛ فمن أجل اختلاف الأوضاع وجب تعدُّد الرسل. والشريعة سياسيةٌ دينية لمصلحة العباد، والطب سياسةٌ بدنية لمصلحة حفظ الصحة. ولما اختلفت أوضاع الطب اختلفت السياسات الطبية من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان. كذلك تختلف الشرائع طبقًا للأزمنة والأمكنة. ولما كانت الشرائع تضعف بعد قوة لزِمت شرائع أخرى قوية تحلُّ محلها حتى تتجدد باستمرار طبقًا للعصر.٩

وكل رسول يفضل الذي تقدَّم درجةً أو درجات. وليس الفضل بشخصه، بل بتقدم المرحلة، فضل المُتقدم على المُتأخر، واللاحق على السابق، والجديد على القديم، والناسخ على المنسوخ، والأواخر على الأوائل، والاجتهاد على التقليد، والتغير على الثبات، والوضوح على الغموض، والمُحكَم على المُتشابه، والمجمَل على المبيَّن، والحقيقة على المجاز، والمئوَّل على الظاهر.

ونظرًا لتسارُع إيقاع التطور فإن النسخ يقع أيضًا داخل الشريعة الواحدة، كما هو الحال في الشريعة الإسلامية والوعي الإنساني في سبيل الاكتمال. فالنسخ نوعان؛ النسخ الكلي بين المراحل، مثل شرائع آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، والنسخ الجزئي في آخر مرحلة من المكي إلى المدني، بل وداخل المدني نفسه.١٠ وهذا ليس اختلافًا في ذات الشريعة، بل لسعة القدرة وتشابك المصالح وتسارع الزمن وتغير الأحداث.
ولقد أوجبت الرسل على الأبدان شرائع ونواميس ليكون ذلك تذكرة للنفس وإرشادًا لها لمعرفة الله بعيدًا عن مزاج البدن؛ فالشريعة للأبدان أي للظاهر، وليست للنفوس أي للباطن. الشريعة للبدن، والمعاد للنفس. مهمة الشريعة كبحُ جماح الشهوات وزجر النفس وترويضها؛ فهي مهمةٌ قمعيةٌ روعية، وتُذكرهم بأن لهم معبودًا وهم عبيده، وأنه مالكهم، وأن طاعته فرض عليهم؛ فقليلٌ من الناس من يعرفونه بالاستدلال. فالشريعة لمن يعرف الله عقلًا، والترغيب والترهيب لمن يعرف السعادة والشقاء في ذاتهما. وربما يكون ذلك دَورًا، الشريعة من المعبود، والمعبود من الشريعة، دون حرية داخلية أو إبداع ذاتي. والسؤال هو: كيف تعتمد أيديولوجية المقاومة على الإشراق؟ هل لتفريغ فكر السلطة العليا وسلخ الإنسان عن الواقع لتقويضه، ومن أجل تكوين جماعة سرية مغلقة تعمل ضد الدولة، وتُطيع الإمام طاعةً مطلقة.١١
وتُرفَع الشرائع نظرًا لأنها لم تعد قادرةً على مواكبة الزمن والتغير، وعجزها عن تدبير سياسة المدن. تخرج الأمة عن طاعة الأئمة والأولياء إلى طاعة الطواغيت، فيأتي كل رسول ويُعظم بيتًا لشرفه، ويُسميه بيت الله، ويأمر أمته بالسعي نحوه، ويقضي بطاعته، ويُفوض الإمام لخدمته. هكذا فُرض الصيام على المسلمين واليهود والنصارى وعبَدة الأوثان والمجوس تقويةً لأهل الحق على أهل الباطل، وفُرض الغسل على الجنابة لمجانبة أهل الحق، إعطاء الفضل لأنفسهم. أما الصلوات والطهارات والزكاوات فإنها من أجل مساعدة المحتاجين ونظافة البدن وطهارة النفس في ظاهرها. ولا تُرفَع الشرائع جملةً واحدة من القائم بنفسه عن الأمم، بل الأمم هي التي ترفعها حتى يُشرق القائم عليها بنور ربها بعد أن وجد أن الشرائع منحلَّة، والدماء مسفوكة، والناس يُكفر بعضهم بعضًا. غابت الرحمة، وعمَّ الجور والخيانة. أهل الإيمان مقهورون مغلوبون، وأهل الجهل والنفاق قاهرون غالبون، فتأتي الصيحة الواحدة، صيحة العلم في وجه أهل الظاهر والتقليد، فيرتفع الفساد، وتبلغ النفس حظيرة القدس. وهكذا يتم تأويل الشريعة لصالح المقاومة؛ فالشرائع منها محكم، وهو ما لا يكون صلاح العالم إلا به، ومتشابه، وهو ما يمكن أن يكون للعالم صلاح بفقده.١٢
وكما يبلى الزمان وينشأ، كذلك النبوة تبلى وتنشأ، وتبلى الشريعة المتقدمة وتنسخها الشريعة الجديدة.١٣ وهذه هي العلة التي من أجلها لم تكن النبوة مُتصلة من جهة الشريعة؛ فجميع الحركات العلوية اجتمعت في شريعةٍ واحدة. ووجوب الشريعة لإظهار ما فيها من الصلاح والسكون لأهل العالم. فلو توالى أصحاب الشرائع لم يستقم العالم على سياسةٍ واحدة؛ فالنسخ لا يعني الإزالة والقطع والمحو، بل يعني التغير من خلال التواصل.١٤
وهناك عدة أسباب لنسخ الشريعة؛ فبعد مرور زمن طويل تصبح الشريعة غير مُتلائمة مع روح العصر الثاني، خاصةً بعد تقدم الإنسان في مجال العلم والتطور وتوسُّع مداركه وعقله؛ مما يستلزم تغيُّر الشريعة حتى تُواكب روح العصر ومسار الزمن. كما أن جسم الإنسان ذو نهاية محدودة يصل إليها بعد مراحل، والشريعة ذات نهاية محدودة عندما تصل إليها تصبح قابلة للنسخ. والشريعة مثل الحياة، تتطور بتطورها. وكما تنتهي دورة الجسم ليبدأ جسمٌ جديد، كذلك ينتهي دور الشريعة لتبدأ شريعةٌ جديدة. ولو تُرِك الناس جميعًا على شريعةٍ واحدة، واعتادوا استعمالها وتعوَّدوا عليها، فإنها تتحول إلى عادة، وتفقد وظيفتها كمؤشر على الطاعة، وقد تضيع منها الرهبة والرغبة وبهما صلاح الدين والدنيا؛ لذلك لزم تجديدها حتى تؤديَ وظيفتها في الطاعة، والسيطرة على الإرادة، وإفراغ الوسع البشري.١٥ ولما تضمَّنت الشريعة حكمةً مستورة، ولا يمكن جمعها كلها في شريعةٍ واحدة، لزم تعدُّد الشرائع، وكشف كل شريعة أحد جوانب هذه الحكمة طبقًا لحاجات كل زمن ومُتطلبات كل عصر. وتراكم الخبرات يؤدي إلى إنكار الجيل اللاحق آراء وأقوال وأفعال الجيل السابق وأنماط حياته؛ فالجديد يجبُّ القديم حتى لو كان هناك أحيانًا حنين إلى القديم كنوع من تهيُّج الذكريات والرغبة في التواصل، إذا ما تأزَّم الحاضر، وتوقَّف المسار نحو المستقبل. ولم تستقم الكواكب السبعة على فصلٍ واحد، بل قد يُفسد كل كوكب فعل الكواكب الأخرى إن تكن لهما شركة في فعل ووضع عالم الدين بإزاء عالم التراكيب؛ فالتقدُّم والتعدُّد والصراع سمة الكون وليس فقط سمة البشر. وأخيرًا إن اختلاف الشرائع يوجب البحث والاستطلاع عنها وعمَّا يُثبتها؛ فلو اتَّفقت الشرائع كلها لم توجب بحثًا ولا استطلاعًا، فيبقى الناس في تِيه وحيرة، وعمًى وجهالة. وهو برهانٌ يقوم على افتراض النقيض.١٦

ولا يعني النسخ التغيير والتبديل والانقطاع فقط، بل يعني أيضًا الاستمرار والتواصل مُحققًا جدل الثابت والمُتحول، الثبات والتغير من أجل تحقيق تغير من خلال التواصل، أو التواصل من خلال التغير، مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا.

لذلك قد تقع بين شريعتَين مشاركة في التحليل والتحريم، فتُشارك الشريعة الجديدة الشريعة القديمة في بعض وجوه لئلَّا تنفر عنها النفوس، فتكون استقامة الملك لصلاح الدين موجودة، وحتى لا يحدث اضطراب وحيرة وشك في نفوس الناس، فيقعوا في النسبية ثم اللاإرادية ثم العدمية، وحتى لا يُظهر الناس تعاندًا وتناقضًا بين الرسل فيؤمن بالبعض ويكفر بالبعض الآخر. وكلها حججٌ نفسية تربوية من أجل الإبقاء على التراكم الكمي في التاريخ الذي يؤدي إلى تغيرٍ كيفي.

وتتفق الشرائع فيما بينها في الطول والعرض والعمق، في الإيمان بالله والرسول وباليوم الآخر.١٧ وبتأويلٍ شيعي، الطول هو الأمام والخلف؛ أي معرفة المبدع بالنفي والإثبات. والعرض اليمين والشمال؛ أي إن دعوة الناطق طريقان، اليمين طريق الحقيقة، والشمال طريق الظاهر. والعمق هو العلو والسفل. فالله يُمثل مسار التاريخ، التقدم أو التخلف، والرسول يُمثل اتجاه المجتمع، يمينًا أو يسارًا، والمعاد يُمثل بعد المثال والواقع، المفارقة والحلول، التنزيه والتشبيه.١٨
والنسخ يدل على قبول اللاحق للسابق وليس رفضه، كما يدل على أن كليهما، الناسخ والمنسوخ، من معدنٍ واحد.١٩

وتختلف التغيُّرات الكلية في العقب والأزمنة والدهور فتخرب العامرة، وتعمر الخربة، ويصبح الأعزَّة أذلَّة، والأذلَّة أعزَّة. فالرسل من معدنٍ واحد، وتختلف أوضاعهم وشرائعهم، فيصبح الحلال حرامًا، والحرام حلالًا، والمأمور منهيًّا، والمنهي مأمورًا، دون أن يتغير الأصل، النبوة في الزمان، كالثابت في المتحول، والوحدة في التنوع.

وقد أثبت الرسل جميعًا مُعاينتهم لما لا يخطر على قلب بشر؛ أحدهم كليم الله، والآخر روح الله، وقولٌ ثالث أنه دنا منه حتى رآه. والكل يقول بأنهم عايَنوا الجنة والنار وساكنيها. كلام الله إذن له حدوده العلوية والسفلية. أما كلام المُتعالي الخالي من المقابلات، من جهة أمره المحض، فهو مُتعالٍ لا يقع عليه خلقه، بل هو علة جميع المخلوقين الجسماني والروحاني، الكثيف واللطيف.

والعجيب إثبات النبوة أيضًا من خلال الأمكنة؛ فالوحي يختلف باختلاف الزمان «الناسخ والمنسوخ»، وباختلاف المكان «أسباب النزول»؛ فقوام الأنفس الناطقة في أمكنتها الدينية. ولا يعني المكان هنا المساحة، بل يعني المكانة والقوامة بالذات والوضع. المكان هنا له معنًى مجازي؛ فالنبوة لا توجد إلا في مكان وزمان وعند شعب وبلغة وفي واقعٍ سياسي واجتماعي وثقافي معيَّن، يعني المكان هنا النفس ومعتقداتها وبيئتها؛ أي مكانها المعنوي وواقعها الفكري.٢٠ كما قد يعني المكان الأماكن الشريفة ذات الدلالة من بقايا الديانات القديمة، مثل مكة والمدينة والمساجد والصوامع والمعابد والأديرة والمصليات والكنائس والقدس، مع أن الأرض كلها طاهر لا تمايز فيها، «وجُعلتْ لي الأرض مسجدًا وطَهورًا».

(ب) النبوة والملك

وقد يُضاف الزمان إلى واحد من الملوك، ملوك الملة، فيقال إن الزمان هو الملك، إذا فسد فسد الزمان، وإذا صلح صلح الزمان. ومع ذلك هناك فرق بين النبوة والملك. المملكة لا تقوم إلا بالنبوة. النبوة منَّة من الله على من يشاء من عباده، والمملكة مُتنقلة بين الناس. النبوة تنزع الملك وتضمُّه إليها، في حين أن المملكة لا تستطيع أن تنزع النبوة وتضمَّها إليها. النبوة لا تحكم بأحكام الملك، في حين تحكم المملكة بأحكام النبوة. أحكام النبوة معدودة ومُتساوية ومُتوازنة، وأحكام المملكة غير معلومة ولا معدودة ولا مُتساوية أو موزونة، مجرد بحث ورأي. النبوة موجودة في بقعةٍ غير مُتنقلة، في حين لا تخلو بقعة من مملكة. النبوة ذات أسماء مختلفة، في حين أن المملكة مرتبطة باسم الملك. النبوة لا يمكن إرثها كليًّا أو جزئيًّا مثل الإمامة والوصاية، في حين أن المملكة يمكن توريثها للخليفة، وربما فات اللاحق السابق. في النبوة يُذكَر الرسول والإمام عند الأنبياء، في حين أنه ينقص ذكر الملوك السابقين في المملكة. تجمع النبوة مكارم الأخلاق، في حين قد يجمع الملوك مساوئ الأخلاق. ولا ينال النبوةَ أصحابُ النذالة، في حين قد يكون الملوك منهم.

هذا التقابل بين النبوة والملك، بين الخير والشر، دعوةٌ ضِمنية للملك الإلهي أو الحكم الديني. وهو تقابلٌ صوري لا يُطابق الواقع؛ فقد تكون هناك نبوةٌ إنسانية مثل الكونفوشيوسية والمانوية والبوذية والزرادشتية، وقد ينشأ صراع بين الاثنين ويكون فيه النصر لأحدهما على الآخر كما حدث في العصر الوسيط الأوروبي، انتصار الكنيسة على الدولة أولًا ثم انتصار الدولة على الكنيسة ثانيًا. وهناك نبوة تحكم بأحكام الملك مثل داود وسليمان، ومملكة تحكم بأحكام النبوة مثل نظام الخلافة الإسلامية. وقد تكون هناك بعض الأحكام الجائرة في الشرائع القديمة، وبعض الأحكام العادلة في الممالك القديمة. وقد لا تخلو بقعة من نبوة كما لا تخلو بقعة من مملكة، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ. وقد تكون النبوة في نسل النبي مثل المملكة، وقد يكون الملك ليس بالضرورة ابن ملك، بل قد يكون أخاه أو قريبه أو غريمه. ولا يُذكَر كل نبي في حين قد يُذكَر الملوك، مثل الإسكندر ونابليون. وقد توجد أمةٌ عاصية لا ترجو الثواب من الله في مقابل مملكة تخشى القانون وتُطيع الملك. وقد تكون أمةٌ مرذولة مثل اليهود في عصر موسى أو المسيح، وقد يوجد ملوكٌ مُستنيرون مُتحضرون مثل فراعنة مصر القديمة. وقد يكون الملوك من أصحاب الكرامة، ويُشاركون مع الأنبياء من أصحاب الكرامة أيضًا في شخصية الملك النبي أو النبي الملك. فالمملكة لا تدوم إلا بالنبوة عن طريق الرئاسة، فكل شيء له رئيس ومرءوس حتى في الطبيعة، المعادن، النبات والحيوان والإنسان. ورفع النبوة عن المملكة يؤدي إلى الفساد.٢١
ومما يُرشد أن الزمان هو على حد الناطق وأنه مُضاف إليه، اتفاق الناس على هذا القول، هذا زمانٌ صالح، وهذا زمانٌ فاسد.٢٢ ذلك فرق بين فلسفة التاريخ وفلسفة السياسة. فلسفة السياسة تحقيق لفلسفة التاريخ، وفلسفة التاريخ هي الطاقة الكامنة في فلسفة السياسة.
ولا تنتقل النبوة من نسل إلى نسل، وهو ما يُخالف صريح القرآن، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. فكيف يحكم الله بأن الذرية التي تجري النبوة فيها ذرية واحدة، ولا ينتقل عنها هذا الشرف إلى غيرها من النسول، كأنهم خُلقوا لها ولا يمكن لأحدٍ غيرهم قبولها. والحجة في ذلك امتناع الأنواع الطبيعية أن ينتقل بعضها إلى بعض، مع أنه طبقًا للعلم الحديث يمكن التهجين وتخليق أنواع جديدة من نوعَين قديمين. وإذا كانت النبوة ليست من الأمور الطبيعية الفلكية، بل هي أمرٌ روحاني يتصل بقابلها من معالم العقل والنفس، وهما من الثوابت التي لا تغير فيها ولا انتقال، مع أن النبوة تثبت قبل ذلك من جهة الأجناس والأنواع الطبيعية كأمرٍ طبيعي ليس فقط في الإنسان، بل أيضًا في الحيوان والنبات ولدى كل كائن حي؛ فإن ذلك لا يستدعي بقاءها في نسلٍ واحد حتى لا يتحول الأمر إلى عنصرية. وإن تحوُّل النبوة من نسل إلى نسل لا يعني إحداث ضرب من الفساد والشقاق؛٢٣ فما خلقته النبوة من محبة وتعاطف وأُلفة في نسلٍ تستطيع أن تخلقه في نسلٍ آخر. وقد تحوَّلت النبوة بالفعل من العبرانيين إلى العرب بالرغم من انتمائهما معًا إلى الساميين، وخروج محمد من جده إسماعيل بن إبراهيم. ليست النبوة وقفًا على أحد؛ فالبشر وسيلة للإيصال، مجرد واسطة بين الله والعالم في ظروفٍ تاريخيةٍ معيَّنة طبقًا لمراحل التاريخ، وليس لاختيار وتفضيل لشعب بعينه دون آخر كما هو في اليهودية بكل فِرقها القديمة والحديثة باستثناء العقلانيين منهم.٢٤ وما يُقرُّه القرآن أيضًا هو أنه لم تخلُ أمة من الأمم من نذير، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ. وكيف يكون الأنبياء جميعًا من نسل واحد وقد تباعدت المسافات والثقافات بينهم، وليسوا فقط أنبياء بني إسرائيل؟ وهل من قرابة بين كونفوشيوس وبوذا وزرادشت وماني وآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد؟ وهل النبوة وراثة أم هِبة؟ وماذا لو خرج العقب ليس أهلًا للنبوة مثل ابن نوح؟

لا توجد خصائص ثابتة للطبيعة تُقاس النبوة عليها وثباتها في نسلٍ واحد مثل فيلة الهند أو أحصنة العرب أو نمور أفريقيا. وخصائص الشعوب العامة مثل ضيافة بني مدلج، وزجر الطير في بني أسد، والخفة واللعب في أهل الهند، والصناعات العجيبة عند أهل الصين، والفلسفة عند اليونان، لا تعني أنها هِباتٌ طبيعية، بل بها قدرٌ كبير من الاكتساب طبقًا لحاجات البيئة؛ فقد كانت الفلسفة في الهند والصين وفارس. أما التوجُّع على مغادرة النبوة النسل فإنه يُعادل الفرح بقدوم النبوة عند شعب آخر؛ فالفقد والوجد منطقٌ واحد. وقد يكون الدافع على الرغبة في إبقاء النبوة في نسلٍ واحد هو إبقاء الإمامة في نسلٍ واحد؛ فلا يُعقَل أن تبقى النبوة في نسلٍ واحد، ولا تبقى الإمامة في نفس النسل؛ فالإمامة استمرار للنبوة وقراءة لها عبر التاريخ. ليس السبب في فساد الأمم انتقال الإمامة والخلافة خارج بيت النبوة، بل عوامل متعددة أخرى؛ فهذا مُعارض لروح الشريعة، «اسمعوا وأطيعوا ولو أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي.» ولن يؤدي بقاء النبوة في نسلٍ واحد إلى طاعةٍ زائدة، وآدم نبي له نسلٌ خرج منه، ومحمد نبي وليس له نسلٌ خرج منه.

(٢) الأكوار والأدوار

ثم تحوَّلت فلسفة التاريخ من تجاور الأنبياء كالعرض المُتتابع دون رؤية أو غاية، أو منطق للتواصل والانقطاع، أو جدل للتاريخ، إلى فلسفة في التاريخ تقوم على الصراع بين الأضداد وجدل المراحل وتراكم التجربة التاريخية وتجلِّي المسار التاريخي من التسلط إلى التحرر، ومن القهر إلى الحرية، ومن الظلم إلى العدل، ومن الباطل إلى الحق. خرجت هذه الفلسفة من البيئة الشيعية التي حملت لواء المعارضة، واستمرَّت في الثورة السياسية ضد الأمويين أولًا والعباسيين ثانيًا دفاعًا عن الثورة المستمرة.٢٥

ويُمثل أبو يعقوب السجستاني هذه الروح الجديدة في فلسفة التاريخ. وقد استشهد بالفعل في ثورة ٣٣١ﻫ قبل أن يتوفى الفارابي في بلاط سيف الدولة بثماني سنوات.

والدور هو المرحلة التاريخية التي تفصل بين النبيين؛ لذلك لكل نبي دور؛ أي مرحلة تاريخية. وهو نوعان؛ صغير؛ أي المرحلة بين كل ناطق وناطق، وكبير؛ أي المرحلة التاريخية كلها منذ ظهور أول نبي حتى آخر نبي. فقد عاشت الإنسانية دورًا قبل ظهور أول الأنبياء، وتعيش الآن دورًا بعد ظهور آخر الأنبياء حتى آخر الزمان. النبوة كلها دورٌ كبير.٢٦

وقد استعمل إخوان الصفا من قبلُ هذين المصطلحين. لم يذكرهم السجستاني وهم من نفس البيئة الثقافية الشيعية التي خرج منها، ربما لم تكن رسائلهم معروفة في ذلك الوقت؛ فقد كانت جماعةً سِرية يصعب الحصول على كتاباتها.

(أ) جدل التاريخ

ودرجات التفضيل بين الأنبياء هي مراحل التاريخ كما مثَّلها الأنبياء ذوو العزم؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، والقائم. يُمثل آدم درجة الاصطفاء، ونوحٌ النداء، وإبراهيم الخُلَّة، وموسى الكلام، وعيسى الكلمة أو الروح، ومحمدٌ الرؤية، والقائم المجازاة والمحاسبة. وهي سماتٌ شخصية أكثر منها مراحل تاريخية. وقد يختلف فيها البعض؛ فمحمد ليس الرؤية بل الدولة. وهل وظيفة القائم المجازاة والمحاسبة؟٢٧
وهي مراحل سبعة، عدد فردي. الأنبياء الستة أولو العزم معروفون، أما القائم فهو الجديد. هو الذي يُمثل خلافة النبوة في الإمامة، يُظهر المستور، ويُبين المجمل، ويُحكم المتشابه. وهي وظيفةٌ أكثر منها شخص. قد يتراءى عليه أشخاصٌ عدة وتظل وظيفة القائم.٢٨

وكل نبي سابق يتضمن النبي اللاحق في حالة كُمون قبل أن يتحول من القوة إلى الفعل، ومن الكمون إلى الظهور.

ولكل دور سبعة أئمة مستقرُّون. والإمام المستقر هو الإمام الذي ساعد على تحويل النبوة إلى حركة في التاريخ وإلى ملك، وذلك مثل شيث أو هابيل لآدم، وسام لنوح، وإسماعيل لإبراهيم، وهارون لموسى، وشمعون الصفا لعيسى، وربما علي لمحمد.

وهناك تشابه بين الأدوار؛ غيبة عيسى مثل غيبة الإمام، والقائم بعد محمد مثل الحواريين بعد المسيح، والصامت والناطق مثل المسيح والكنيسة. ولكل دور رئيس؛ آدم وتوبته، نوح وسفينته، إبراهيم وآثاره ودرجته، موسى وآياته ومنقبته، عيسى وغيبته، محمد وأنصاره وهجرته، والقائم ورسومه وصورته. والدور لا يكون إلا من اثنين، صامت وناطق، باطن وظاهر، سِري وعلني، داخلي وخارجي.٢٩ ويتنافس العدد سبعة مع العدد اثني عشر؛ فالملائكة والبروج والرؤساء واللواحق اثنا عشر، والكواكب والأنبياء سبعة.
وإذا كان الناطق ينسخ شريعة من قبله بإظهار شريعة جديدة، كذلك ينسخ الصامت تأويل من قبله وإعطاء تأويل جديد؛ فلا بد للناطق من صامتٍ قريب منه وأساس له، يحتاج إلى مشورته في أمور الدين والدنيا وما يجب من الحكمة الإلهية والعناية الربانية؛ لذلك قد يكون الصامت أعلم من الناطق حتى يمكنه إعطاء مشورته. وقد اتفق جميع العلماء على أن الله أنزل الشرائع مجملةً في حاجة إلى تبيين، ومقسمة في حاجة إلى تقسيم، وقام الرسول بذلك ظاهريًّا، ووضع كل شيء فيها في موضعه، ثم عهد بذلك باطنيًّا إلى صامتٍ يعرض له من التأليف ما يكون له القوة والفاعلية. علاقة الناطق بالصامت علاقة الخلق بالإبداع. الخلق للظاهر، والإبداع للباطن. الخلق للعموم، والإبداع للكمون.٣٠

الصامت والوحي والأساس مفاهيم مُتداخلة، وأحيانًا مُتمايزة؛ فهارون هو الصامت بالنسبة لموسى، ويوشع هو الوحي بالنسبة لهارون، في حين تتَّحد المفاهيم الثلاثة في باقي الصامتَين، سام وإسماعيل وشمعون وعلى. ولآدم شيث وقابيل؛ فأيهما الصامت والأساس والوحي؟ وإذا كان إسماعيل هو صامت إبراهيم، فماذا عن إسحاق؟ ومن هو صامت القائم وأساسه ووصيه، أم إنه ليس بحاجة لأن يقوم بهذه الوظائف؟ كما تذكر علاقة الهجرة عند كثير من الأنبياء هجرة إبراهيم من مسقط رأسه إلى أرض تهامة وشهابها، هجرة موسى من الشام إلى بيت المقدس ومجاورته التِّيه، هجرة محمد من مكة إلى المدينة. وهناك تشابه بين البداية والنهاية، بين آدم والقائم؛ آدم من الكشف إلى الستر، والقائم من الستر إلى الكشف. وبعد كل صامت يأتي ستة أئمة قبل أن يظهر ناطقٌ آخر، اثنان وأربعون إمامًا قبل أن يظهر القائم صاحب الدور السابع، صاحب الكشف والظهور. والصلة بين الناطق والأئمة مثل الصلة بين المقام والأحوال الصوفية. وقد نصَّب القائم بعد الغيبة خلفاء له بمثابة الأساس. وتقوم الوصية نصًّا مثل وصية محمد على علي بغدير قم. وقد يُحسَب عمر الناطق مثل تحديد عمر موسى بمائة عام وسبع سنين.

وهناك تقابل بين أسماء النطقاء السبعة والأوصياء السبعة والأئمة السبعة والدرجات السبع والمراتب السبع؛ مما يدل على رغبة في إيجاد التناسق وتجاوز التنافر، والفهم في عالم اللافهم، والوعي في عالم اللاوعي.٣١
والتقابل بين الناطق والصامت هو نفس التقابل بين التأويل والتنزيل، بين المتشابه والمحكم، على مستوى المعرفة. وهو نفس التقابل بين الهيولى والصورة، والنفس والبدن، على مستوى الوجود، وبين الإثبات والنفي على مستوى اللغة والمنطق والشهادة. وقد يكون هذا التقابل في التاريخ أيضًا بين الزعيم الصامت والزعيم المُتكلم.٣٢ وهو التقابل في الكون بين الكواكب والأفلاك، بين الحر والبرد، بين النهار والليل، بين الذكر والأنثى، بين المركز والمحيط. وهو نفس التقابل في الشريعة بين الجهر والخفا، بين عمل الجوارح وعمل القلوب.
فلكل ناطق صامتٌ يحتاج إلى مشورته في أمور الدنيا وما يحب فيها من الحكمة الإلهية والعناية الربانية؛ فقد اطَّلع الصامت مثل الناطق على جميع الأسرار النبوية ليُمكنه مؤازرته ومعاضدته. فقد أنزل الله الشرائع مُجملةً غير مفسَّرة، فبيَّنها وفسَّرها الرسول ظاهريًّا، وعهد ببيانها وتفسيرها الباطني إلى وزيرٍ صامت يعرض عليه من التأليف ما يكون له القوة والفاعلية. ولا يكتمل الدور إلا باثنين؛ ناطق وصامت. وقد استقرَّ الخلق كله على هذين الأصلين؛ الناطق أولًا، والصامت ثانيًا.٣٣

والحقيقة أنه يختلف الأمر في الاجتماع والسياسة؛ فقد يكون الذكر صامتًا والأنثى ناطقًا، وقد يكون المركز ناطقًا والمحيط صامتًا. قد تتبادل الأدوار بين الظاهر والباطن، قد يكون الباطن ظاهرًا، والظاهر باطنًا.

والمدة بين ناطق وناطق ألفٌ وخمسمائة عام تُقسَّم على سبعة أئمة أو مُتمين، لكل منهم مائة عام، ويكون مجموعها سبعمائة عام، وهو أقل من نصف الفترة. ولا يمكن أن يزيد الأئمة عن سبعة، عندئذٍ تنتهي الفترة؛ فإمكانيات الواقع أقل بكثير من إمكانيات الحساب. والفترة من الفتور؛ أي الإعياء والملل، ونهاية الدافع الحيوي في النفوس الجزئية من العالم الجسداني، فتعجز عن قبول التأييد. ثم ينتهي هذا الإعياء بظهور نفس زكية أخرى يستمر فيها التأييد بعد أن انتشرت المعاصي والمفاسد، وقطع الله عن الأرض الأمطار، فقلَّ الزرع وخفَّ الرزق، وسلط الآفات على المواشي والحيوانات، فيعود الضرر على كافة الناس، خاصةً العصاة منهم بعد إعراضهم وميلهم إلى الأضداد؛ فينقطع مدد الإمامة، ويزول التأييد، ويستلم الأمر اللواحق والأجنحة، فتقع الفترة في أدوار النطقاء. في نوحٍ أربع فترات، وفي إبراهيم ثلاثة، وفي موسى اثنتان، وفي عيسى واحدة، ولم تقع في محمدٍ فترة لأنه قائم بالنبوة. هذا التناقض التدريجي في الفترات يدل على الاكتمال التدريجي للوعي الإنساني، واستقلاله عقلًا وإرادة، ودور آدم ودور القائم خارج الفترات لأن الدورة لم تكن قد نشأت بعد، وبعد القائم ينتهي الزمان ويبدأ التصحيح. ولا فرق بين أن يحدث الإعياء في الوعي الفردي أو الوعي الاجتماعي، في الأفراد أو المجتمعات، في النخبة أو في الدولة. وواضحٌ تدخُّل الإرادة الإلهية في التاريخ قبل أن يستقلَّ كليةً ويصبح ميدانًا للفعل الإنساني.٣٤

وكل دور له سمة؛ آدم والهبوط من الجنة، نوح والهبوط من السفينة، إبراهيم والهجرة، عيسى والرفع، محمد والهجرة، القائم والغيبة ثم الظهور.

ولكل دور أساس؛ آدم وإقامة الوحي، ونوح وإقامته من نجا من الغرق، وإبراهيم وإقامته إسماعيل، وموسى وإقامته يوشع وصيًّا، وعيسى وإقامته شمعون وصيًّا، ومحمد وإقامته عليًّا وصيًّا، والقائم وإقامته الخلفاء. الخمسة النطقاء كل قائم له وصي، بعكس آدم ونوح اللذين يُشاركان في الهبوط من الجنة ومن السفينة.

ولما كان أمر النطقاء يجري على الانتقال من دور الكشف إلى دور الستر، أو من دور الستر إلى دور الكشف، كانتقال آدم من دور الكشف إلى دور الستر، وكانتقال القائم من دور الستر إلى دور الكشف، البداية ستر، والنهاية كشف، ومن حد الإمامة إلى حد الناطقية، كما ينتقل النطقاء الخمسة من حد الإمامة إلى حد الناطقية، وينتقل كل ناطق من ذلك الحد إلى الحد الأعلى؛ فيجب إقامة الأساس عليه.٣٥

ولكل ناطق ضدٌّ طبقًا لقوانين الجدل والصراع؛ إبليس رمزًا للغواية ضد آدم، وابن نوح رمزًا للكفر ضد نوح، ونمرود رمزًا للعناد ضد إبراهيم، وفرعون رمزًا للطغيان ضد موسى، ويهوذا رمزًا للخيانة ضد عيسى، وأبو جهل وأبو لهب رمزَين للإنكار والكفر ضد محمد، والسلطان الجائر أيًّا كان وفي أي زمان رمزًا للطغيان ضد القائم. وقد أظهر فرعون الأضداد حتى أصبح رمزًا في الأدب الشعبي.

ولما كانت الإمامة مُتولدة عن النبوة، وكما يتفاضل الأنبياء يتفاضل أيضًا الأئمة حتى الإمام السابع الذي يصير ناطقًا ابتداءً من أول الأنحاء.٣٦

والإمام رأس الهرم، والقاعدة الأتباع. وكما تتبع القاعدة الرأس يتبع الأتباع الإمام. الإمام بحرٌ تصبُّ فيه كافة الأنهار والعيون والسواقي منه وإليه، مولِّد كهربائي يشعُّ نوره في المصابيح. الأئمة بشر في الظاهر، ولكنهم في الباطن وجه الله؛ لأنه لا يُعرَف إلا بوجهه. وهو يدل على العالم؛ وبالتالي فهو وجه الله، ويد الله لأنه يبطش به، وجنب الله. الإمام هو الذي يُحاسب البشر يوم القيامة، هو الصراط المستقيم والذكر الحكيم.

وعند المؤيد في الدين الشيرازي خلق الله أمثالًا وممثولات. جسم الإنسان مثل، ونفسه ممثول. والدنيا مثل، والآخرة ممثول، والأعلام التي خلقها الله وجعلها قوام الحياة، والشمس والقمر والنجوم مثل، وقُواها الباطنة التي تؤثر في المصنوعات ممثول.

وقد تكون الأنواع النبوية ستة، هي: النطقاء أصحاب الشرائع، واللواحق أصحاب بث الدعوة، والأيادي، والأجنحة والمأذونون، والمُستجيبون، وأصحاب التقليد. وهي موافقة للأنواع الطبيعية.٣٧
وأحيانًا يتم الاقتصار على أربعة؛ اللاحق وقدراته، والمتم وحفظ الأمانة، الأساس ونشر التأويل، والناطق ووضع السياسة الجديدة. الثوار هنا أربعة فقط، وقد يكونون ثلاثةً فقط؛ الرسل والأساس والنطقاء.٣٨
ويعيش الأنبياء في الزمان؛ فإذا كان الزمان ذا أبعادٍ ثلاثة، الماضي والحاضر (المقيم) والمستقبل (المنتظر)، فإن الأنبياء ثلاثة؛ موسى للماضي، وعيسى للحاضر، ومحمد للمستقبل. موسى هو الذي جسَّد تاريخ أنبياء بني إسرائيل، وعيسى هو الحاضر الأبدي، ومحمد هو مستقبل الزمان إلى ما لا نهاية؛ أي التاريخ القادم.٣٩
وإذا كانت الفصول تنقسم إلى ثلاثة أقسام، عام وخاص وخاص الخاص، فالعام يفصل بين الحالَين كالقيام والقعود، وهو فصل سريع الزوال. والخاص يفصل بين الهيئتَين، وهو فعلٌ بطيء الزوال. وخاص الخاص يفصل بين النوعَين فصلًا ذاتيًّا، مثل الحدود الثلاثة؛ الناطق والأساس والمُتمم.٤٠

ويظهر النطقاء بعد انتشار الفساد في الأرض؛ إذ ينتشر الفساد في الأرض وتعمُّ البلايا قبل ظهور الرسل والنطقاء؛ مما يستلزم النطقاء التفكير فيه. ولولا الفساد لما ظهر الرسل؛ لأن الرسول مجمع البركات؛ فالشر مقدمة للخير، والسلب على الإيجاب في جدل التاريخ. وتجديد الشريعة لا يلزم إلا بعد الدروس المُتقدمة والخبرات المُتراكمة. ولما كان المخصوص بالرسالة في أول أمره ضعيفًا، في حين يشتدُّ الفساد من الوباء والقحط والقتل والجور؛ مما يستدعي مقاومة الناس، يظهر النطقاء لقيادة الدعوة. وكلما اشتدَّت الأزمة اقترب الخلاص؛ فإذا ما خبأ نور الشريعة في قلوب الأمة، وأصبح تطبيقها لا يتم إلا بجهد ومقاومة، بل والاستخفاف بكل شريعة أخرى، يظهر النطقاء إلى أن تنتهيَ أدوارهم إلى أدوار الكشف، ويُلزمون أنفسهم بما اكتسبوا في أدوار الستر من الخير بموالاة الأولياء، ومن الشر لمتابعة الأعداء.

ويستعمل النطقاء أساليب التخويف بالآيات كما يفعل الصوفية. وثمرة التخويف الزهد، وثمرة الترغيب في الآخرة التفكر في الخلقة، وثمرة التوقف في الخلقة الوقوف على الحقائق، وثمرة الوقوف على الحقائق ثبوت النبوة.٤١
وفي الزمان تحدث الثورة وينشأ التاريخ. وإذا كان الزمان طبقًا للحظاته التِّسع هو الآن والساعة واليوم والشهر والسنة والقرن والدور والتحويل والدهر، فإن الثُّوار أيضًا تسعة؛ المؤمن، والجناح، واللاحق، والمتم، والأساس، والناطق، والقائم، والجامع، والنفس الكلية. وكل ثائر يظهر في لحظة من لحظات الزمان؛ المؤمن في الآن، والجناح في الساعة، واللاحق في اليوم، والمتم في الشهر، والأساس في السنة، والناطق في القرن، والقائم في الدور، والجامع في التحويل، والنفس الكلية في الدهر؛ فالثورة في روح العالم وفي زمان التاريخ كله. الثورة هي الأبدية.٤٢
ووجود الأنبياء ليس في كل وقت، بل في كل ألف سنة، أقل أو أكثر، يظهر نبي كما هو الحال في الألفية.٤٣
وتنهار الأمم لأن الكون له علتان؛ علة طبيعية وعلة دينية. والعلة الدينية أشرف من العلة الطبيعية، ويكون الكون والفساد طبقًا للعلة الدينية؛ فلزوم الدين على كل عاقل مخيَّر، ومن تخلَّى عنه أسرع إليه الفساد ووجب قتله قبل نزول الفساد الطبيعي. وهو تشريع لقتل المُخالفين في الرأي والمتهَمين بالكفر والإلحاد وضياع الدين.٤٤ ويروِّج بعض المُخترعين الكاذبين ما يروِّج للرسل من السوق بأهوائهم شرائع جعلوها في أعناق الناس من غير أن كانت لهم أرواح.٤٥ ويُشرع السجستاني لقتل الجاحدين للرسل وللمُخترعين الكذابين الذين يروِّجون ما يروج للرسل من السوق والدعوة.٤٦
وبالرسل صلاح العالمين؛ فبعد إهمال المعارف، وإبطال المنافع، وأهواء الأحكام، ونقصان الخلقة، وظهور الضعف، واستيلاء الفساد، يظهر الأنبياء فتظهر القوة معهم، وتمام الخلقة، وكمال الحكمة، وبيان المنافع، ووجوب المعارف، ولزوم الإفاقة العقلية، ويظهر العلم الروحاني بعد خفائه وبعده عن الإدراك بالمشاعر الحسية غير ممكن للبشر، ثم تتغلب الآية من جديد وينهار التاريخ، ويتَّسع الإنكار والرغبة عنه، وتصغر النفس، وتزول الإفاضة، ويظهر الشُّح، وينقص الإبداع؛ فيظهر الأنبياء من جديد حتى تدوم الإفاضة، وتُرفَع النفس، وتشتدَّ الرغبة في العالم الروحاني، ويتم الإقرار به؛ فبالرسل يتم صلاح العالمين.٤٧

فإن قيل إن المعارف موجودة قبل الرسل عند الحكماء اعتمادًا على لطافة أذهانهم ومقاصد حكمتهم، يُقال إن الحكماء يتعلمون عن طريق التلميذ والأستاذ إلى ما لا نهاية، في حين أن الرسول لا مُعلم له إلا الله. كما أن الإفاضة العقلية تظل نسبيةً محدودةً معرَّضة للخطأ، في حين أن النبوة كاملةٌ صادقة. كما اجتهد الرسل في حفظ الصحة وحفظ الأمراض؛ فكل نبي حكيم، وليس كل حكيم نبيًّا. فقد عرف الرسل بلطافة أنفسهم وشرفها حركات الأنفس في كل دور، وكيف تتحدد بالأشخاص، وانشقوا بالصور الفنية بالقصور والجنان والخيام والأكواب، ووضعوا الموسيقى على الفِطَر الإنسانية والتآليف الروحانية. وكل ما لدى الحكماء لدى الرسل؛ فهم مُنجمون ومُهندسون ومُوسيقيون وأطبَّاء، وكذلك الرسل. وأضاف الرسل سياسة العامة وبناء المدن ووضع المحاسن وكيفية اللباس، ليس عن طريق الحكمة، بل عن طريق الصلوات في أوقاتها وما فيها من ذكر الله والثناء عليه وتسبيحه وتقديسه، وتوزيع الزكاة على الفقراء؛ ومن ثَم تفُوق سياسة الرسل سياسة الحكماء بما لديهم من قدرة على وضع ناموس شرعي وتدبير ديني.

(ب) الأدوار السبعة

لم تكن هناك أدوار قبل آدم؛ لأن الأدوار مرتبطة بنشأة الإنسان وبقصد استقلال وعيه عن الطبيعة، كمال العقل واستقلال الإرادة. ليست الأدوار للجن ولا الملائكة ولا الشياطين لأنهم غير مكلَّفين. هم خارج الزمان؛ وبالتالي ليس فيهم إمكانية التطور والتحول، وتحقيق مشروع الكمال العقلي والإرادي. هناك شياطين الإنس مجازًا الذين عكفوا على الظواهر فتباعدت أسفارهم، وشياطين الجن الذين اقتصروا على العلوم العقلية، وبعدوا عن إصابة الحق وإدراك الخفيات، فعزُّوا عن السمع؛ فالشيطان من الشَّطَن وهو البُعد.

وتوبته انقضاء دور النطقاء وظهور القائم. والكلمات التي أتمَّها خمسة أحرف «ك ل م ا ت»، وتُشير إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.٤٨ الكاف أي نوح المقدر لكون الشريعة وكون السفينة. واللام لإبراهيم الذي لمعت النبوة والإمامة في عقبه. والميم لموسى الذي به تربَّعت الرسالة. وهي بحساب الجُمل أربعون. والألف لعيسى الذي لم يُنسَب إلى أحد من البشر. الأدوار الستة هم النطقاء الستة، والسابع هو المُتمم، مثل الجهات الست، والأيام الست في خلق العالم، والقوى الست؛ الحركة، والسكون، والهيولى، والصورة، والمكان، والزمان.٤٩ أجزاء الستة واحد وعشرون. وكل ناطق هو الداعي إلى الأصلين، ومنه انبعاث الأئمة السبعة واللواحق الاثني عشر، ومجموعهم أيضًا واحد وعشرون حدًّا. ولا توجد في الستة من الأقسام إلا الثلاثة، وهو السدس والنصف والثلث؛ فالنصف يدل على أن كل ناطق مجمع نفسه وأساسه والمتم؛ فالنصف على حدة؛ إذ هو نصف ما ظهر من الإبداع. والثلث على حد أساسه. والسدس على حد المتم؛ إذ هو أحد الأنحاء الستة. وهي صورة الدائرة، الثلاث. والأربعة بعدد الزوج المركب وهو الستة. والأعداد صور الوجود كما هو الحال عند إخوان الصفا.
أول الأدوار دور آدم، وهو أول مرتبة النطقاء، وأول مرتبة دور الستر، لم يكن له شريعة يأتي بها. أما القائم فهو صاحب دور الكشف الذي يكشف ما استقرَّ من أدوار النطقاء كما بدأ الله الخلقة بآدم.٥٠ والستر في البداية، والكشف في النهاية. البذرة في باطن الأرض في البداية، والثمرة فوق فروع الأشجار في النهاية. ويتدخل الخيال الشعبي وذوق الألوان في قصة آدم؛ فقد نزل آدم من الجنة مسخوطًا أسود اللون، ولما تاب الله عليه بيَّض ثلثه أول يوم، والثلث الثاني ثاني يوم، والثلث الأخير ثالث يوم؛ مما يوحي بأفضلية الأبيض على الأسود، مع أن «الأسود جميل» كما يُقال بأذواق العصر.
وتظهر التوراة كمصدر للمعلومات عن نوح، وهو أول من غرس الكرم لصنع الخمر، وهو أول من بنى الشرائع. ويدخل عيسى مع نوح لعدم وجود مادة كافية لنوح، أو ربما لأن نوحًا أول من وضع الشرائع، وعيسى آخر من أكملها. نوح الظاهر، وعيسى الباطن. وهناك صلة بين الخمر والشريعة؛ فالشريعة مخامرة للعقول ومدهشة الأذهان.٥١
وإبراهيم هو الذي وضع مراتب الحدود بعده، وقلَّد إسحاق الإمامة. ووظيفة الإمام حفظ الظاهر وإقامة اللواحق. وقلَّد إسماعيل الأساسية وكشف له الحقائق. والركنان اللذان من صلب إسحاق هما موسى وعيسى اللذان شرَّعَا الشريعة المقلدة المؤسسة على الظاهر المحض، والركنان من ولد إسماعيل هما محمد والقائم اللذان بسطَا الحقائق. محمد من جهة الشرائع والوضع؛ إذ تنطق شريعته بالبيان من غير كشف. من إبراهيم خرج العجم عن طريق إسحاق، ومنه أيضًا خرج العرب عن طريق إسماعيل. يعكف العجم العاجمة على ظواهر النطقاء، بينما العرب العاربة هم الطالبون للحقائق والأسس. والسؤال هو: كيف يكون الأب عبرانيًّا والابن عجميًّا؟ وهل اليهود عجم أم إن العجم هم الفُرس؟٥٢ وإبراهيم هو الذي رفع القواعد، وبنى الكعبة على أربعة أركان؛ موسى وعيسى ومحمد والقائم.٥٣
أول ناطق من بيت إسحاق هو موسى بن إسحاق بن إبراهيم، وموسى إمام الشريعة مثل نوح وإبراهيم ومحمد. نسخت شريعته شريعة إبراهيم، كما نسخت شريعة إبراهيم شريعة نوح. عُمِّر مائة وسبعين عامًا. قبره بجبل الطور لا ببيت المقدس الذي لم يكن له دلالة قبل داود. وصيُّه أخوه هارون عاش ثمانية عامًا. وبعده يوشع كفيله على هارون. وبعده شعيب اللاحق والحجة وصاحب الفترة، المُخاطب لموسى من الشجرة. أعانه أخوه في نبوته وتأويل شريعته، فأظهر حقائق التأويل، وأبان معاني التنزيل، وأشرق العالم بنور الهداية، وأزال عنهم ظُلم الغواية.٥٤
وعيسى بن إسحاق بن إبراهيم، وصيُّه شمعون، وضده يهوذا، والإمام في عصره خزيمة. استتر فقام زكريا مكانه، وكفل مريم حجته. اجتمع بها رسول خزيمة وفاتحه في ظهور المسيح. نسخ شريعة موسى، وعبَّر عن نفسه بالأمثال. لم يُقتَل ولم يُصلَب؛ لأن البعث للأرواح وليس للأجساد، ويعود حرف الهاء في وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ إلى هوية عيسى.٥٥

ودور محمد هو دور القرآن. والحقيقة أنه قد تختلف القراءة والاشتقاق. القرآن من فعل قرأ قرآنًا، أو القرآن من فعل قرن أي قرانًا دون الهمزة. الأولى قراءةٌ ظاهرية، والثانية قراءةٌ باطنية. القرآن مقروء بطبيعة الحال، والقِران هو الربط والعقد بين طرفين، الله والعالم، المثال والواقع، العقيدة والشريعة، النفس والبدن، الكيف والكم، الصورة والمادة، العقل والحس، النظر والذوق، التنزيل والتأويل … إلخ. وهو معنى التوحيد؛ فالتوحيد قِران ضد الثنائيات المعروفة سلفًا في الديانات الثنوية الشرقية القديمة والديانات التطهرية التي تُضحي بطرف لحساب الطرف الآخر؛ المسيحية لحساب الروح، واليهودية لحساب البدن.

وتتَّصل الرسالة بقلب النبي من غير تفسيرها، فابتهل إلى الله أن يشرح صدره فأكرمه بالفتح، وهو قوةٌ روحانية هي مجمع الشرح، أنزله به الروح الأمين على قلبه مجملًا، قوةٌ أكرمه الله بها، وتعني علوم الشرع والتنزيل. وفي صنعته حوضان؛ ماءٌ أبيض من اللبن وأحلى من العسل، دلالةً على العلم المحض، وإفادة التالي عليه بقوة الفتح الذي يجري من قِبل الأساس من الحلوى التأويلية إلى ميل القلوب إليها. فلما شرح الله صدره عن المستغلقات الوصفية النازلة على قلبه بلا تفسيرٍ أوجب عليه إقامة من ينشر ذلك بين أمته حتى لا يبقَوا في التيه والحيرة وضيق الصدر. وهذا هو تأويل آية مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ….٥٦
وقد أُرسلَ للبشر كافة. وهذا معنى حديث أنه أرسل إلى الأحمر والأسود، الأحمر أهل الظاهر وهم الإنس، والأسود أهل الباطن وهم الجن. وهم نوعان؛ فسقة مثل الفلاسفة، وظلمة مثل الطغاة. والذنبان المغفوران المتقدم والمتأخر، فهو ما جاء به أهل الظاهر وما نسبوه إلى القياس فاختلفوا فيما لا يعرفونه من أصله.٥٧
والقائم هو الخاتم وليس الرسول. وهو غير مشخص؛ أي قائم تستمر النبوة فيه؛ فالتوراة استمرار للنبوة. الإمام ظاهر، والقائم مستور. الإمام في السلطة، والقائم في المعارضة. وهو دور الخلافة بعد النبوة عند أهل السنة، والكنيسة بعد المسيح في النصرانية، والعلم بعد النبوة عند الحكماء، «العلماء ورثة الأنبياء». القائم هو نهاية الكل من الرسل، يُحاسب الأمم السالفة بما ألزموا أنفسهم من استعجال نواميسهم، يجمع بين النواميس المُختلفة المُتفرقة والمُتباينة، ويكشف عن حقائقها، وتصير مجموعة وكأنها حقيقةٌ واحدة، والأمم أممٌ واحدة تطبيقًا لآية فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا. وأحيانًا يكون الإله الذي يُحاسب الجميع؛ فالقيامة يوم الفصل؛ أي يوم التأويلات وإشراق الحقائق في النفوس الزكية من نور ربها ووضع الكتاب، وحضور النبيين والشهداء، والقضاء بينهم بالحق، وهذا كله معنى القائم ووظائفه، بين الله وآخر الأنبياء وآخر الأنحاء وآخر النطقاء. القائم هو الذي يوجد بين مراحل الوحي السابقة، مثل محمد وعيسى وموسى بالنسبة للسابقين عليهم. القائم هو نهاية الكل من الرسل، يجمع بين النواميس المُختلفة المُتفرقة المُتباينة بالكشف عن حقائقها، فتصير مجموعة كأنها شريعةٌ واحدة، وكأن أممها واحدة. والسابع هو نهاية كل شيء؛ الكواكب والأقاليم وأيام الأسبوع، وفي عهده يتم بعث الصور الروحانية. تنتهي الرسل كلها إلى القائم، ويبدأ القائم حتى يوم القيامة. والقائم من القيامة، يوم الفصل، بعد الخصومة والمنازعة، يفصل بين أهل الأديان، ويُظهر الحقائق، ويُلزم أهل الأديان بالرجوع إلى الحقائق والإقرار بها. وهي نفس أوصاف محمد ووظائفه عند أهل السنة، وهي عند الشيعة أقوى في القائم.٥٨
وبالقائم يثبت التوحيد، وبمعرفته يُنفى الجهل العظيم. وهو دليل الدعوة إلى إمام الزمان والحجر الخاتم الدال على الإمام. الخنصر يدل على الداعي، واليد اليمنى على دعوة الباطن، واليسار على الظاهر، والنقش على الحجر علم التأويل، معجزة الإمام. وما ختم به عليه هو أخلاق الإمام الداعي للمفاتحة بعلم التأويل ودعوته. يتختم الرسول في شماله بعد تختُّمه في يمينه إشارةً إلى فهم التأويل وباطن الشريعة، وإعلامه أنه لا يقدِّم التنزيل إلا بالتأويل؛ فبعد أن أقام الظاهر ودعا الناس إليه، دعاهم إلى الباطن، وهو روح الظاهر، ونصب لهم صاحبه، وأقامه لهم، ودلَّهم عليه، وأرشدهم إليه. وضم اليدين إلى الصدر في الصلاة، واليمنى تعلو اليسرى، ثم إرسالهما، إشارة وإعلام بقيام الشريعة، والعمل بالفريضة والسنة، وضم الحدود إلى نفسه. وإسبال اليدين في الصلوات إشارة إلى أنه صاحب التأويل.٥٩
العدد سبعة لا يقتصر على الأنبياء وحدهم، بل يمثِّل حقيقةً مُشتملةً أيام الأسبوع، وعدد السموات والأرض، والكواكب، ويسجد الساجد على سبعة أعضاء، ويُصلي الظهر في الساعة السابعة، والفجر ركعتان لأجل الأصلين، وصلاة المغرب ثلاث ركعات دليلًا على حروف للروحانيين الثلاثة، السابق والتالي والجد، وبين العيدَين سبعون يومًا.٦٠

(٣) حساب الجُمل

وهو علمٌ قديم معروف في تاريخ الحضارات القديمة، خاصةً تاريخ الأديان في التيَّارات الغنوصية في اليهودية والمسيحية. وقد تسرَّب إلى الحضارة الإسلامية من فيثاغورث والإسرائيليات، وربما بعض المصادر البابلية والهندية الشرقية القديمة. كل حرف له رقم، ومجموع الحروف في كلمةٍ تكون عددها، ومجموع الكلمات في جُمل تُماثل أعداد حروفها، مثل الشهادة والبسملة. وقد أبدع في ذلك أولًا إخوان الصفا، ثم أبو يعقوب السجستاني وباقي فلاسفة الإسماعيليين، مثل القاضي النعمان وحاتم بن عمران وقيس بن منصور ومحمد بن سعد بن داود، على مدى ستة قرون من الثالث حتى الثامن. وقد استمرَّ التأليف حتى القرن الثامن كما هو واضح في «الرسالة الكافية» للداعي محمد بن سعد بن داود الملقَّب بالرفتة (٧٨٩ﻫ)، وإن كان إبداع السجستاني الأول قد خفَّ، وتحوَّل التأليف إلى مجرد تجميع لرُؤًى سابقة. انتهى الإحكام النظري والمحاجَّة العقلية، وكثرت الحجج النقلية والشواهد النصية بديلًا عن الخطاب الفلسفي. ويتركز الفكر كله على العدد سبعة باعتباره الرمز الأم عند الشيعة الإسماعيلية، مع الاستشهاد ببعض العارفين مثل السبع الشداد، والسبعة رجال، والسبعة أقاليم.٦١

ومن حساب الحروف والكلمات خرجت الأسماء والألقاب عند الشيعة؛ الناطق والصامت والإمام والمأذون والمستجيب والداعية والمهدي والأساس واليد والحجة وذو الامتصاص والحجة والقائم والباب والبلاغ واللاحق والجناح والوصي والمتم والخليفة وصاحب الكشف وصاحب الدور وصاحب الكور والمستودع، للدلالة على مراتب العلم الباطني ومستويات التأويل. ولا فرق في ذلك بين اللغة والوجود، بين الكلمات والأشياء، بين الحروف والظواهر الطبيعية، بين المعاني وفترات التاريخ.

(أ) الحروف والكلمات

والمقالة السابقة مفقودة، والتي تُعطي منهج التأويل أو قاعدة التأويل كما فعل ابن رشد بعد ذلك في «مناهج الأدلة»؛ فهي مقالة في الحروف والكلمات والآيات والسور في أوائلها وأواخرها والكلمات المعجمة، ثم تأتي الأسرار المكتومة في الشهادة والأسرار والزكاة والحج، تأويلًا للشرائع، ثم يتلو ذلك مكارم الأخلاق الموجودة في القرآن، ثم اتفاق القرآن مع التراكيب؛ أي مع الطبيعة وكيفية الجواهر، ثم تعود المقالة أخيرًا إلى اللغة في كيفية المُحكَم والمُتشابه.٦٢
ويظهر نفس الاتجاه في «الينابيع»؛ إذ تتجسد الحروف في اسم الله وفي الكون وفي الأئمة. الله والأركان والأوتاد كلٌّ منها أربعة حروف. الله أربعة حروف أ ل ل ﻫ؛ ألف للتأييد، واللام الأولى للتركيب، واللام الثانية للتأليف، والهاء للتأويل. وفي الأركان النار والهواء والماء والأرض، وفي الأوتاد بيت الحياة، وبيت العاقبة، وبيت الخصومة، وبيت الرفعة والسلطان. وفي الأئمة السابق، والتالي، والناطق، والأساس، ثم تعود الحروف من جديد؛ العين، الحاء، والخاء، والهاء.٦٣ بل إن «لا إله» مكوَّنة من الألف واللام، و«إلا الله» مكوَّنة من اللام والهاء، وهما عبارة الشهادة، النفي والإثبات.٦٤ والشر لا أصل له في الإبداع.

هذا العالم المغلق بين الحروف والأسماء والأشياء والأئمة يعبِّر عن رغبة في السيطرة على العالم الضائع ببناء عالم مُحكَم تُسيطر فيه اللغة على العالم؛ فالحروف عناصر مشتركة يتكون منها الله والعالم والإنسان والتاريخ.

وتتداخل الموضوعات؛ فصاحب التأويل هو الإمام أو الأساس، وصاحب التأييد يعني الإمام، أولًا توجد فواصل واضحة في التأويل. القصد فقط هو إيجاد تناسق نفسي بين الفكر والوجدان، وليس وصف أشياء في الواقع، إبداع الخيال وليس تقرير واقع. والخيال أحد أبعاد الوجود الإلهي مع الجد والفتح.

والتركيب والتأويل لا اختلاف فيهما، والتأويل والتنزيل مختلفان من جهة النطقاء؛ فكل ناطق يجمل التأييد على قدر صفوته، ويؤلف الشريعة على مقدار زمانه ودوره، وأما التركيب فإنه في كل وقت على نسقٍ واحد وترتيبٍ واحد، كذلك التأويل. وفي كلمة الله وجود الأشياء على الأربعة معانٍ؛ الذوات الهموم والقول والكتابة، يُوازيها التأييد والتركيب والتأليف والتأويل. التأييد يُوازي ذوات الأشياء؛ إذ للمؤيد في كل شيء مما له ذات دلالة وأعمال لما لا يدركه التأييد من حيِّز العقل وكذلك الأشياء ذوات المعاني التي يُخرجها العقل. والهموم تُوازي التركيب من حيِّز التالي. والقول يُوازي التأليف الذي ألَّفه الناطق بقوته؛ إذ يُوازي التأليف للأصوات بالقوة، وهو حيِّز الناطق. والكتابة تُوازي التأويل؛ فالتأويل البيان، نقش الصور العقلية في قلوب المُرتادين. ولا يوجد شيء في العالم إلا وهو مكتوب على الخشب والمورد والأنواع والمعادن والحيوان. ويستخرج التأويل من كل شيء ويستدل بكل شيء. ولا يوجد القول إلا في المتكلم الذي يتكلم بما لا يفهمه المخاطب. ومن قبل تأليف الناطق أكثرهم لا يعلمون، وفي القول يقع الصدق والكذب. وفي حد الناطق تقع مرتبتان؛ الإيمان وهو الصدق، والنفاق وهو الكذب.٦٥

وهو تفسيرٌ كوني للشهادة، وليس تفسيرًا ثوريًّا بفعلَي الشعور، النفي والإثبات، السلب والإيجاب، الرفض والقبول، وتفسيرٌ شيعي للصليب. وبين التشيع والنصرانية عناصر درامية مشتركة، استشهاد الحسين والمسيح، الشعور بالاضطهاد والمقاومة، التجسُّد والخلاص، الإشراق والمعجزات، وكما لاحظ الصوفية من قبلُ بين صلب الحلَّاج وصلب المسيح.

وفي تفسيرٍ آخر للشهادتَين عند الحكماء المأنوسين بطاعة الأئمة أنها دالة على حدود الله، وهي نفي وإثبات، وهي مكوَّنة من ثلاثة حروف؛ ألف ولام وهاء. فجميع ما خلق الله في السماء والأرض والشرائع داخلة تحت آية سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وهي نفس الثنائية التي تقوم عليها الشهادة.٦٦ الشهادة نفي وإثبات، ناطق وأساس. الشهادة أربع كلمات تُشير إلى قُوى النفس في العالم الجسماني الرباعي؛ العاقلة والناطقة والحسية والنامية. وزمامها القدسية. وكل كور في العالم الوضعي يقوم بأربعة نطقاء. والعلل أربعة؛ فاعلة ومادية وصورية وتمامية. والعقل ليس له علةٌ مُتممة؛ لأنه تام، وفاعله الباري. والروح العاقلة لها أربع درجات؛ الجن والنطقاء والأساس والإمام. والروح العالمة لها أيضًا أربع مراتب؛ الفاعلون، الأسس، واللواحق والأئمة والخلفاء، والمُستجيبون والمأذونون والدعاة. والروح على أربعة مستويات؛ الروح العالمة، والروح القدسية، والروح العاقلة، والروح الناطقة؛ الهوية والجوهر والصفة والاسم.٦٧
وتتألف الشهادة من كلماتٍ أربع وفصولٍ سبعة وحروفٍ اثني عشر.٦٨ وهي تُقابل معاني الصليب؛ فالشهادة مبنية على النفي والإثبات، الابتداء بالنفي والانتهاء بالإثبات. وكذلك الصليب خشبتان؛ خشبة ثابتة لذاتها، وخشبة أخرى ليس لها ثبات إلا بثبات الأخرى. والشهادات أربع كلمات، كذلك الصليب له أربعة أطراف. الطرف الثابت في الأرض مثل صاحب التأويل الذي تستقرُّ عليه نفوس المؤيدين، والطرف الذي يُقابله من أعلى صاحب التأييد الذي تستقرُّ فيه نفوس المؤيدين، والطرفان في الوسط يمينًا ويسارًا التالي والناطق، صاحب التأليف. الشهادة سبعة فصول، كذلك الصليب أربع زوايا وثلاث نهايات. والزوايا الأربع والنهايات الثلاث دليل على الأنحاء السبعة في دورة، كما دلَّت الفصول السبعة في الشهادة على أئمة دور الناطق عليه السلام. والكل اثنا عشر حرفًا، وتأليفها من ثلاثة حروف مكرَّرة، كذلك الصليب تركيبه من سطوح وزوايا وخطوط. الخطوط مثل الألف، والسطوح مثل اللام، والزوايا مثل الهاء. وكما تكمل الشهادة عند اقترانها بمحمد كذلك شرف الصليب بعد أن يوجد عليه صاحب الدور. ٦٩
ويمكن صياغة لا إله إلا الله في كلمات وأسماء وأشياء وموضوعات بعيدًا عن الحروف، وتُشير فقط إلى حرفَي النفي والإثبات، والنفس والعقل، والعالمَين العُلوي والسفلي، والصلاة حركاتها وأوقاتها، والتالي واللاحق، والصامت والناطق.٧٠ ويلاحظ أيضًا وجود فراغات غير مملوءة، كما ينقص الدليل والبرهان، وتغيب أسماء المحاور الرأسية.

كان الهدف من ذلك عدم الوقوع في التشبيه كالأشاعرة، أو التعطيل كالمعتزلة، والدخول في مرموزات النطقاء، وتحويل الروحاني إلى جسماني عن طريق التأويل وعلم الإحاطة وعلم الانتهاء. ومع ذلك وقع الفكر الشيعي في الحرفية والتشخيص والتثبيت في واقعٍ معيَّن وفقد العمومية، مع أن الغاية من التأويل هو الخروج من اللفظ إلى المعنى، ومن التشبيه إلى التنزيه، ومن الجسماني إلى الروحاني.

كان الدافع هو الرغبة في إيجاد نسق وتناسق كردِّ فِعل على الفصم النفسي والسياسي والاجتماعي، من التنافر إلى التناسق، ومن اللاعقلي إلى العقلي، ومن عدم التطابق بين الآية والواقع إلى التطابق بين حروف الآيات وعالم التعويض.

وأفضل الأسماء المجموعة في «لا إله إلا الله»، وهي أربعة أشياء؛ اسمان لطيفان خاصيان «الله وإله»، وكلمتان عاميتان «لا وإلا». الأولى للنفي، والثانية للإثبات. يدل الاسمان اللطيفان على العقل والنفس اللذين هما أصلان للعالمَين العُلوي والسفلي. اسم الله دليل على العقل الذي يدل على وحدانية الله. ولما أبدع المُبدِع العقل جمع في صورته الثلاثة؛ النفس والناطق والصامت.

وحرف الله مُقابل ركعات الفجر. وإله دليل على التالي، وهو ثلاثة حروف مُقابل فريضة المغرب؛ فقد جمع الله في صورتَيهما الأصلَين السفليين؛ الناطق والصامت. وهذان الاسمان سبعة حروف؛ فالأصلان مجمع الحروف العُلوية السبعة. وركعات سنة صلاة الفجر قبل فريضتها دليل على الأصلَين من الأصول الأربعة، و«إلا» دليل على الناطق؛ قطعتان في مُقابل السجدتَين. وقد جمع الله في علومه علم الصامت، و«لا» دليل عليه، مُقابلها الركوع، ولم يجمع فيه شيئًا من حدود غيره من الأصول الثلاثة. وهاتان الكلمتان خمسة أحرف، تجمع الإمام واللاحق والجناح والمأذون والمستجيب، وإلا كانت دليلًا على الناطق بحرفين، وعلى الصامت بحرف واحد، كما كانت دليلًا على العقل بأربعة حروف.٧١
ويمكن رسم «لا إله إلا الله» على نحوٍ عددي رياضي على النحو الآتي:٧٢
ويُلاحَظ على هذا الجدول وجود فراغات لم يتم ملؤها بعدُ؛ النسبة الثلاثية، والحساب الثلاثي، والزكاة السباعية والاثنا عشرية، والصيام الرباعي والسباعي والاثنا عشري، والحج الثلاثي والرباعي والسباعي والاثنا عشري. كما لا يوجد تبريرٌ خاص للأعداد الثنائية والثلاثية والرباعية والسباعية والاثنا عشرية والثماني وعشرون دون الأعداد الأخرى. ويتشابه المجموع في كل الحالات باستثناء الزكاة وهي التدبير الكامل، والصيام وهو العالم الروحاني، والحج وهو «الإنسان الكامل والشكل الفاضل والصورة التامة المؤلَّفة من الطبائع والعناصر ذات الأنوار البهية والأخلاق المرضية، وكان الأول آدم أبا البرية».٧٣ كما أن عدد الموضوعات من الفلك حتى الحج طولًا إحدى عشر، وهو عددٌ فردي لا يرمز إلى شيء، بالإضافة إلى أن علاقة هذا الجدول الرياضي كله بموضوع الشهادة غير واضح، لا من حيث الحروف ولا من حيث الكلمات.
ويمكن تفسير الشهادة سباعيًّا؛ فكلمات الشهادة سبع قِطع، والحروف العلوية في العالم الروحاني سبعة؛ العلة، والعقل، والنفس، ونظر العقل إلى العلة، ونظر العقل إلى من دونه بالإفادة، ونظر النفس إلى العقل بالاستفادة، ونظر النفس إلى من دونها بالاستفادة.٧٤ ومدار العالم الجرماني على المدبِّرات السبعة والعالم الوصفي من دور إلى دور سبعة أئمة.

وتضمُّ الشهادة اثني عشر حرفًا؛ أي إن كل إمام يصل إلى المُستجيبين بواسطة اللواحق الاثني عشر. وهي ثلاثة حروف متكرِّرة تُشير إلى التنزيل والتأويل والتأييد، والتي بها قوام الحدود، كما تدل على الجد والفتح والخيال؛ الوسائط بين الروحانيين والجسمانيين. وهي نفي وإثبات، يُشير النفي إلى أهل الظاهر الذين يصفون تشبيهًا، ويُشير الإثبات إلى أهل الباطن الذين يعبِّرون تنزيهًا. وقد تقوم الشهادة على العدد اثني عشر، الأصلان والفروع الثلاثة والحروف السبعة في العالم الروحاني. والعالم الجرماني اثنا عشر، وكذلك أبراج الأرض وجزرها وحروف القلم واللوح والجد والفتح والخيال والعالم الوصفي وأبواب النطقاء، والعلوم في العالم الوضعي من جهة اللواحق.

والشهادة في مجموعها بصرف النظر عن تَكرار الحروف، ثمانية وعشرون حرفًا، أربعة في سبعة؛ الأربعة النطقاء والأوصياء والخلفاء والأنحاء، وكلٌّ منهم سبعة أئمة.

والحدود نوعان؛ روحانية لا تُرى ولا تُحَد، وجسمانية تُرى وتُحَد. والله هو الأول والآخر.٧٥
والحروف الثلاثة الألف واللام والألف قوام الشهادة؛ العقل والنفس والجد المُتحد بالناطق. فالعالم الروحاني ثلاثة؛ الجد والفتح والخيال. والعالم الجسماني ثلاثة أيضًا؛ الطول والعرض والعمق. وعلوم البشر ثلاثة؛ الباطن، علوم العقل والقلب مثل صفار البيض؛ وعلوم ممزوجة، علوم الأرواح مثل بياض البيض؛ وعلوم الظاهر السمعية والبصرية التي تتعلق بالأجسام مثل قشر البيض. والعالم الوصفي ثلاثة أكوار؛ الإقرار وهو الإصلاح، والتعبد وهو الإيقان، والتعلم وهو الإيمان. ومناطق الأفلاك ثلاثة؛ غربية، وشرقية، ووسطى لا شرقية ولا غربية. والمدعون ثلاثة؛ الأجنحة والمأذونون والمستجيبون.٧٦

«لا إله إلا الله» أربع كلمات؛ اسمان لطيفان وخاصان؛ الله وإله. الله يعني العقل، وإله تعني النفس. وكلمتان عامتان جاريتان؛ لا وإلا، نفي واستثناء. والله من أربعة حروف؛ الألف للعقل، واللام الأولى للنفس، واللام الثانية للناطق، والهاء للصامت. ومجموع حروف «الله» و«إله» سبعة، وهي الحروف العلوية. وحروف الله في مُقابل صلاة الفجر. والعقل ثلاثة حروف؛ النفس والناطق والصامت. والألف واللام سجدتان للناطق، وركعتان للصامت. الحد العُلوي القلم واللوح، والحد السفلي الناطق والصامت.

«لا إله إلا الله» خمسة حروف؛ الإمام، واللاحق، والجناح، والمأذون، والمستجيب. والحواس الظاهرة هي الحدود الجسمانية الخمسة؛ البصر للناطق، ضوء الشمس. العين لا ترى إلا المشاهد في حين أن الناطق يرى الأجسام عن بعد، والأذن تسمع من قريب. واليد الداعي بدلًا من اللمس. والأنف تبحث عن مكان في النسق.

وتعبِّر هذه الثنائيات عن رغبة في التطهر والتعويض عن الواقع في البداية؛ فالمثال تعويض عن الممثول وليس ثورة عليه.

وتتكون البسملة من كلماتٍ أربع في آيةٍ واحدة هي فاتحة الكتاب؛ أي إن الأساسين في الدعوة إلى الشريعة والبيان مفاتحة الناس بما أيَّد كل واحد منهما بمقدار الأصلين، وكانت الأصول الأربعة كلها يدًا واحدة. والكلمات الأربع واحد وعشرون حرفًا؛ تسعة عشر حرفًا ظاهرة، قابلون للتأييد وواقفون على التأويل، وهم الأئمة السبعة واللواحق الاثنا عشر، وحرفان خفيَّان واقفان على التأويل عاجزان عن قبول التأييد، وهما الداعي والمستجيب. وهي أحد عشر فصلًا؛ فصلان لا يُنظَّران، بل يُتوقف عليهما بالعقل، والفصول الثمانية مرئيون مُدرَكون. وهذا دليل على أن الدعوة، أي الشريعة والبيان، مقسومةٌ مُنفصلة على الأساسين، والأسماء السبعة الجسمانيين المرئيين المؤيدين من الأصلين الذين لا يُنظَّران بل يثبتان بالعقل.٧٧

ومن قطع الأساسين وبين الفرعين ودعا النجدين دون الآخر ملعونٌ منفي مطرود من رحمة الله في العاجل، ومن ثواب الله في الآجل. وقد قال أمير المؤمنين: الرحمن من الرحمة، والرحيم من المغفرة. أي إن من الناطق الإيقاظ والإعذار والإنذار رحمةً لهم، ومن الصامت البيان والهداية، وبها تقع المغفرة للأنام. وباطن الأساس لا يناله إلا الموحِّدون.

والألف الناقص في «بسم» و«إله» هو الألف من الحروف، وصلاة المغرب هو الانتصاب. الألف دليل العقل، ولا يتصل بالحروف مثل العقل في حين أن الباء تتصل بالحروف.

وقد أسقط الرسول البسملة من براءة لأن الباب في أولها أمر الغضب؛ أي إنه يمكن تأويل الآيات والحروف تأويلًا ثوريًّا سياسيًّا غاضبًا، وليس فقط تأويلًا ميتافيزيقيًّا إشراقيًّا رمزيًّا.

حروف ركعات العدد الشرح

بسم

ب

س

م

النفس

٣ مثل إله المغرب النقطة أربعة حروف بالقوة والرمز النفس هو العقل بالقوة متصلة بالحروف.

الله

أ

ل

ل

العقل

٤ حروف            

الرحمن

الناطق

٧ حروف

٦ + خفي

ظاهر

      النطقاء ستة معروفون بأسمائهم ظاهرون عند اللبية مخفيون عند القشرية. ألفان، خفية وظاهرة.
الرحيم ٦ حروف       الأساس ستة ظاهرة ألف واحد ناطق
الأساس
وتتكون البسملة من تسعة عشر حرفًا. وتتضمن عشرة جواهر؛ خمسة روحانيون، الأصلان والجدان والخيال؛ وعشرة جسديون، الأساسان والفرعان والجناح. الروحانية لا تتكرر، والجسمانية تتكرر. وهذه العشرة هي الألف واللام والحاء والميم والنون والراء والسين والياء والهاء والباء. الألف هو العقل والسابق، خط بالطول، غير ظاهرة في الكتابة. ويعني الجد أنه قام في الاسم مقام التأييد، فصار الفتح والخيال. واللام النفس والتالي خط بالعرض. والحاء الفتح، به يتهيأ للأساس فتح كل ما أغلقه الناطق في الشرائع وأبطنه في التنزيل، وبه يستفتح كل واحد ممن فوقه، وبه يفتح عليه، وبه يتهيأ لأرباب الدين إقامة مفاتيح الأبواب، وهي الدليل على اللواحق، والمفاتيح دليل على الدعاة. والباب هو الناطق والأساس يُفيدان من دونهما. والميم الخيال وبه يتمُّ حد من لم ينَل التأييد، فيرى به صورة من يأتم به عند غيبه عنه. والناطق والأساس والإمام يُفيدون اللواحق الاثني عشر ثلاث مرَّات. والنون الناطق الذي ينطق لأهل النجدين بالحق رمزًا يُشير إلى أساسه الدال عليه، كاشفًا لهم عن حقائق ما نطق به التنزيل من غير شرح، وظاهر بلا باطن، وتنزيل بلا تأويل مرةً واحدة. والراء هو الأساس، غاية نيل التأويل الذي به يرى كل مُسترشد رشده، ومنه يستفيد الباحث الظاهر والباطن، رمزًا وسرًّا، تنزيلًا وتأويلًا مرتَين. والسين اللاحق، ثلاث سنان وثلاثة أحرف، دليل على اللاحق الداعي إلى الحدود التسعة فوقه. والسنان الثلاثة دليل على الجد والفتح والخيال، والحروف الثلاثة دليل على التالي والسابق والكلمة مرةً واحدة. والباء الإمام، حرف نداء، وحرف النسبة؛ أي النسبة الروحانية، مُتصلة بها من جميع الحدود عند الكشف، موجودة في الرحيم، معدومة في الرحمن؛ أي إن الأئمة من صلب الأساس وليس من صلب الناطق؛ لذلك ظهرت الياء في الصامت وليس في الناطق. والهاء الحد المنهي للنطقاء حتى يتهيأ لهم بواسطة معرفة الأصلين، وهي طول وعرض وعمق. والباء الجناح، به ينال المُستجيب سبيل الرشاد، ويصل كل مُرشد إلى البيان والثواب الأبدي مرةً واحدة؛ فالجناح كاللاحق يُفيد المُستجيبين شرحًا من غير رمز. ٧٨

وهكذا تتحول الحروف إلى علمٍ شامل مُطلَق. البداية بالحروف، ثم بالكلمات، ثم تتجسم في الجواهر. وتظهر الدلالات الرمزية تُزحزح المعاني اللفظية. ولا تتساوى الحروف كلها في الأهمية؛ فأهمُّها الألف واللام، حتى تنقيط الحروف وأشكالها لها دلالات على الأئمة. إن ضياع كل شيء يؤدي إلى الحفاظ على أي شيء. ضياع المُتناهي في الكبر يؤدي إلى الحفاظ على المُتناهي في الصغر، والغنى الفاحش يؤدي إلى البخل الشديد لمعرفة قيمة المال والثورة. وقد يصل تأويل الحروف أحيانًا إلى حد الأسطورة بلا برهان؛ فالحروف العشرة خمسة منها بلا نقط تكون روحانية، وهي: أ، ل، ح، م، ﻫ؛ وخمسة منها بنقط تكون جسمانية، هي: ن، ز، ي، ش، ب.

وفي تحليلٍ رمزي آخر تتكوَّن البسملة من سبعة عشر حرفًا، منها سبعة أحرف تدل على سبعة أئمة في بسم الله، ومنها اثنا عشر حرفًا تدل على اثنتي عشر حجة في الرحمن الرحيم، وكلاهما تسعة عشر حرفًا كما هو الحال في جملة «لا حول ولا قوة إلا بالله» تعبيرًا عن المُستضعَفين.٧٩ الحول والقوة هما الناطق والأساس. والملائكة الموكَّلون بجهنم تسعة عشر. والأذان تسعة عشر حرفًا؛ سبعة فرادى، واثنا عشر مثنى. ويتكرر العدد سبعة في أيام الأسبوع، والجبال، والسموات، والأرض، وأبواب جهنم، والقرآن سبعة أحرف، والنطقاء، والأسس، والأئمة، وسورة الحمد سبع آيات، والطواف حول البيت، والسعي بين الصفا والمروة، وخلق الإنسان.٨٠

وقد يتم الجمع بين حروف البسملة وحروف الشهادة؛ فاللام طول وعرض، وتُشير إلى الشمالي، هوية بسيطة بالنسبة إلى السابق. والهاء طول وعرض وعمق، تُشير إلى الجد، ثالث الحدود الروحانية، وتعني التأييد المُتحد بالناطق، كما تدل على الناطق والجد والنفس والعقل. والحاء تُشير إلى الفتح. وتكون هذه الحروف الناطق والأساس. والميم تُشير إلى الخيال، والنون إلى الناطق، والراء إلى الأساس.

ثم يتمُّ الانتقال من الحروف إلى الطبيعة؛ فالرحمن الرحيم ذكر وأنثى، حركة وسكون، حرارة وبرودة، يبوسة ورطوبة، فاعل ومُنفعل. وهناك ثلاثية الباري والعقل والنفس، وهي الجنة. وهناك أفلاكٌ تسعة، وآياتٌ تسعة، وأئمةٌ سبعة وأساسان.٨١

ثم يتم الانتقال من الطبيعة إلى الأئمة. فالعوالم أربعة؛ الوصفي، والعنصري، والفلكي، والروحاني. الأولان كثيفان، والآخران لطيفان. الوصفي ابتداءً من الناطق والقيامة، والعنصري هو الجرماني ابتداءً من الهيولى والصورة، والفلكي ابتداءً من الفلك المستقيم وفلك البروج، والروحاني ابتداءً من القلم واللوح.

وتُقابل هذه العوالم الأربعة الفروع أو الأئمة أربعة؛ المأذون، واللاحق، والدليل (الداعي)، والإمام. الأولان كثيفان لا حظ لهما في التأييد، والآخران لطيفان. واللاحق يقبل العلم بالخيال، ويؤدي بالكلام والحروف. والفروع في القوة لأن النفس هي العاملة بالقوة. وكلما تقدَّم الفكر الشيعي في التاريخ زاد التراكم، وظهر التجميع، وقلَّ الإبداع.

وأهم حرف هو الألف الناقص في كلمتَي «بسم»، «إله»، وهو الناطق، ومن صلاة المغرب ركعة، والانتصاب دليل عليها. تدل على العقل، وتنقص النفس. تتصل الحروف بالألف في حين أن الألف لا تتصل بها، مثل العقل الذي لا يتصل بالحدود في حين تتصل الحدود به. وباقي الحدود تتصل بالنفس والعقل، العقل أو الحدود، والثاني النفس ألف العقل، وباء النفس؛ لأن ألف أول الحروف، وثانيها الباء. العقل واحد في العدد، ومركز الدائرة في الهندسة والنفس المحيط. والباء أول نقطة على الخط، ابتداء كل عمل وقراءة كل شيء، في البسملة وفي سورة «براءة».

والله هو العقل، أربعة أحرف. والرحمن الناطق سبعة أحرف؛ ستة ظاهرة، وواحد خفي؛ فالنطقاء ستةٌ معروفون، وواحدٌ خفي. والرحيم الأساس ستة حروف وستة أسس؛ فالقائم ليس له شريعة يحتاج إلى تأويلها بالأساس. وتقابل الرحمن الرحيم مثل تقابل الرحمة والمغفرة، الإيقاظ والبيان، الإعذار والهداية، الناطق والصامت، آدم وحواء.٨٢

وتضمُّ البسملة كلماتٍ أربعًا هي الأصول الأربعة. بسم ثلاثة حروف، مثل إله، وتُقابل النفس. حروفها عشرة؛ نِصفها مشمولة بالنقط، والنصف الآخر لا نقاط فيها.

وتدل الحاء على الفتح. يُشاكل الجد، ويُشبه الخيال لأنه الواسطة. والجدان الفتح والجد. والخيالان الخيال والفتح، الفتح واسطة بين النطقاء والأسس، شكل الخيال الذي به تفتح اللواحق من الأنحاء.

وتُئوَّل صفات التجسيم في الأئمة؛ فالوجه دليل على السابق، والعينان الأصلان والحدان والخيال، ظاهر وباطن، شمال ويمين. والنفس النفس الكلية، واليدان الأصلان، والسماء الناطق من السمو بالعلم والتأييد السامي، والأيدي الأصلان والفروع، والسموات النطقاء وأرباب الظواهر، ودعوتهم مطوية في التأويل وفضائلهم فيه.

الصفات والذوات هي الحدود الروحانية الدالة على وحدانية الباري؛ لأنه أقام كل واحد منهم داعيةً إلى توحيده بأمره، وأضاف الصفات الواقعة عليها إلى هويته. وقد أضاف الرمي إلى هويته وإن كان الرامي غيره؛ ولذلك أضاف الصفات إلى هويته وإن كان الموصوف بها غيره.

ولا يُعرَف له أسماء من نحو ذاته، بل من ذواتنا؛ فكل ما نصِف به الله نصِفه مجازًا بعد أن نصِف به ذواتنا حقيقةً، قياسًا للغائب على الشاهد، وإثباتًا بالخيال ما عجزنا عن تحقيقه بالفعل.٨٣
والصفة ذات وفعل، واسطة بين العالم العُلوي والعالم السفلي. الله أول الصفات، القلم والعلة، ثم الجوهر والإلهية، ثم الهوية، ثم الاسم للمعنى وهو العقل، ثم المصدر للعلم وهو النفس، ثم الذات العالم، ثم الفعل مثل المتكلم الخالق المريد. وهي سبع مراتب.٨٤

الله ثلاثة حروف. الألف العقل، واللام النفس، والهاء الأساس. الرحمن ألفان، والرحيم ألف. وهذا يدل على أن للناطق مثل ما للأساس من العلم، مرتبتان لأن للذكر مثل حظ الأنثيَين! والألفان في البسملة خمسة. والحدود أربعةٌ روحانية؛ النفس والجد والفتح والخيال. النفس من أثر العقل، والجد خاصة الرسول، والفتح خاصة الوحي، والخيال خاصة الإمام. الجد للتأييد، والرسول رسول ووحي وإمامٌ يجمع بين الجد والفتح والخيال، والوحي وحي وإمامٌ يجمع بين الفتح والخيال، والإمام إمامٌ يختصُّ بالخيال.

الله في البسملة أربع مراتب؛ الجد والفتح والخيال والتالي. وهي حدودٌ روحانية. الألف السابق، والهاء الجد الناطق. الرسل بجوار النفس، والأسس والأئمة عند رسل أدوارهم، واللواحق عند إمام زمانهم، والأجنحة عند لاحق جزيرتهم. والياء الإمام، حرف نداء في الأول وفي الآخر، موجودة في الرحيم لأن الأئمة من صلب الأساس. والسين اللاحق من ثلاث سنان؛ الناطق والصامت والإمام، الجد والفتح والخيال، التالي والسابق والكلمة. والكلمة هي العلة المُتحدة بمعلولها، وهو القلم. والباء الجناح.٨٥

العقل والنطق والحس والنمو من آثار العالم العقلي، وكل مجموعة في الصور الروحانية وهو الإنسان. وهذا دليل على أن مرتبة الأساس موجودة في الناطق، ومرتبة الناطق معدومة في الأساس.

وهناك أسماء لم تصبح ألقابًا في مجموعاتٍ مُتشابهة مثل الباري، والأمر والعلم والكلمة والوحدة، والجد والفتح والخيال، والقلم والعرش والأول والسابق والقضاء، واللوح والثاني والثالث والقدر، والصورة والهيولى والشمس والقمر، والاصلان العقل والنفس، والحروف العُلوية السبعة.٨٦

الفتح هو البيان، والخيال هو القوة الموهبة لمن أُكرمَ بالقوتَين، الجد والفتح، حتى تكتمل له الذات الروحانية. والحروف العلوية السبعة أن كل صاحب دور أسقط من العالم الروحاني ما أمكنه من تأليف شريعته وإنشاء تنزيله وسياسة أمته. وهو عالم العقل والنفس. الكلام أول دليل على إثباته، والكلام حروف، في حين أن الكلام الحقيقي جوهر العالم الروحاني يُعبَّر عنه بالأمثال والتشابيه وصور اليوم الآخر من كل رسول طبقًا لتأليفه، وحدة المعنى وتعدُّد الألفاظ. تغيَّرت الرسالة طبقًا للرسل السبعة والحروف السبعة والنطقاء السبعة ليكون لهم القدرة على إنشاء الشريعة وتأليف التنزيل إلى أن يستطيع الوصول إلى الكلام الحقيقي العري عن الأمثال.

ويعني الجد هو أن الاسم قد قام مقام التأييد فصار الفتح والخيال. الجد هو الجزء الأعلى من التأييد، والفتح الجزء الأوسط، والخيال الجزء الأسفل. الجد خاصة الوحي والناطق، والفتح خاصة الرسول، والخيال خاصة الإمام. والرسول رسول ووحي وإمام؛ إذ يجمع بين الجد والفتح والخيال. والوحي وحي وإمام لا رسول؛ لأنه يجمع بين الفتح والخيال. والإمام إمام لا وحيًا ولا رسولًا، وله من الخيال نصيب دون الجد أو الفتح.٨٧ ويسبق الجد والفتح والخيال العلم والتدبير.٨٨ وهذا لا يمنع من دخول هذه الألفاظ في نسقٍ فيضي مثل الله والعقل، الأول والنفس، والجد والفتح والخيال.٨٩

والألفات والبسملة خمسة؛ أربعة حدود روحانية هي النفس والجد والفتح والخيال، وكلها من العقل. والألفات الخمسة ألف غير ظاهرة هو الجد، واثنتان ظاهرتان في اللفظ.

أما فعل أمر «كن» فليس فقط أمرًا مطلقًا، بل حساب حروف. الكاف والنون بحساب الجُمل سبعون، سبعة من العشرات، وبينهما حرفان، اللام والميم وهما الأساسان، اللام للناطق والميم للأساس، وقبل الكاف من حروف الجمل الياء، وبعد النون السين، وهم سبعون، وهم الأنحاء السبعة الذين بهم قوام الدعوة إلى الأصول الأربعة. ومن جهة نظم الحروف قبل الكاف والقاف مائة، وبعد النون الواو، وهما أيضًا سبعة؛ إذ الواو ستة، والقاف مائة، والمائة واحدة، بعد الأنحاء السبعة يكون الخلفاء السبعة.٩٠

والكاف في الهجاء ثلاثة أحرف، وهي الثلاثة حدود العلوية؛ الكلمة والسابق والتالي. والنون في الهجاء أيضًا ثلاثة أحرف، وهي الثلاثة حدود العلوية الأخرى؛ الجد والفتح والخيال. وهي مثل على الحدود السفلية؛ الناطق والأساس والإمام والحجة والداعي واللاحق، تُقابلهم الأيام الستة التي تم فيها خلق السموات والأرض وما فيها. الحدود العلوية مثل، والحدود السفلية ممثول.

ولما كانت الحروف أصلًا لكل شيء ودليلًا على كل شيء، فالكاف أول الحدود، نور السموات والأرض، والنون ثاني الحدود، تاليًا قائمًا بالفعل، والحروف المُنبعثة منها مفصولة بذلك الفعل.٩١ ومن «كن» تكون النور والظلمة؛ فقد خلق الله الظلمة قبل النور، وهي أربعة حروف على عدد حروف «كوني»، ولم يحدث شيء في الدنيا إلا من الظلمة؛ المعدن والنبات من ظلمات الأرض، والثمار من ظلمة الأخشاب، والحيوان من ظلمة الأجواب، والنطفة من ظلمة الأصلاب.٩٢
وهو مذهبٌ مُغلَق من الصعب ردُّه إلى مصادره الأولى مثل إخوان الصفا، أو البيئة الثقافية التي دُوِّنت فيها الرسائل، أو الإسرائيليات وحساب الجمل، ودون إحساس بالدُّونية أمام الموروث أو الوافد، بل اعتمادًا على العقل الخالص. وينقصه البرهان النقلي أو العقلي، مجرد أبنية عقلية مُغلَقة، مذاهب فلسفية مُصمَتة.٩٣

وهذا كله من إبداعات العقل. يختلط فيه الزمان بالمنطق بالحياة وبالأخلاق وبالتاريخ. فإبداعات العقل سبعة؛ الدهر، والحق، والسرور، والبرهان، والحياة، والكمال، والغيبة. وكأنها صفات الله السبع عند الأشاعرة. فتنبع فلسفة التاريخ من الفلسفة الإشراقية، ويخرج الواقع من صنع الخيال.

فالعقل يُخاطب النفس خطابَين؛ خطابًا علويًّا وخطابًا سفليًّا؛ علويًّا في المعارف الإشراقية، وسفليًّا في المعارف الحسية. ومع ذلك يختلط العقل بالخيال، والحقيقة بالوهم، فيتوهَّم العقل اتصاله بالنفس، ويتوهم الكثرة من علةٍ واحدة، وهي أمر الله، ويتوهم حركات الفلك على مراء النفس واختيارهم مع وجود الجبر فيه. ويجعل العالم آلة في المقصود فيخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. ويتصور الله بكل مكان، وهو لا يليق بالخلق الأول فضلًا عن المبدع جل جلاله. ويتوهم ابتداء الإنسان من آدم على التوالي، مع أن الله خلق البشر دفعةً واحدة، والتولد أقرب إلى الشيعة وإخوان الصفا، وهو قياس الصانع على منزلة بعض الرعاة من رعاة البقر والغنم والإبل التي تتوالد بعد سنين كثيرة.٩٤
وهناك تقابل بين كل شيء وكل شيء، في عالم الهوية المطلقة، الألفاظ والمعاني والأشياء، الحروف والكلمات والأسماء والألقاب، يحكمه نسقٌ رياضي. والحكمة هي إيجاد هذا التقابل، «علم الميزان» بتعبير الكرماني تلميذ السجستاني. الناطق والأساس مثل الذكر والأنثى. سبعة نطقاء، وثلاثون نبيًّا، وأربع وعشرون حجةً ظاهرة، واثنتا عشرة حجةً باطنة، وست مراتب للإيمان، تكون مجموعها تسعًا وتسعين، أسماء الله الحسنى. سبع عشرة ركعة وتكبيراتها تصبح أربعًا وتسعين تكبيرة، وخمس تسليمات، فذلك تسع وتسعون، أسماء الله الحسنى من جديد.٩٥
والنفس ثلاثة حروف، وكذلك العقل، والفناء والبقاء، والقلم واللوح، زوجان من العالم العلوي جامعان لأزواج العالم السفلي، مثل الناطق والصامت، والجسد والروح، وآدم وحواء، والشهادة «لا إله» المضافة إلى حد الاسمين. الصامت في دار العمل مقامه مقام النفس في العالم العلوي، ومنه يكون ابتداء الشهادة، وقد أُقيم للتأويل، والكلمة الأخرى في الشهادة مضافة إلى الاسم النهائي.٩٦
الكلمة والعلة أسماءٌ واقعة على الإبداع. والأعمال والسابق والعقل والقلم أسماء واقعة على المبدع. والآخر والتالي والنفس واللوح والقدر والنور أسماءٌ واقعة على التالي. الكلمة للعقل والنفس. تجمع الأربعة، اثنان حيَّان هما العقل والنفس، واثنان دونهما مُنفصلان، حركة وسكون وهميَّان. العقل تام بالفعل، والنفس تام بالقوة.٩٧
والأوتاد بروج، والبروج أوتاد، وكلٌّ منهما اثنا عشر؛٩٨ فقد استقرَّ العالم الجسداني على الأمهات الأربع؛ النار والهواء والماء والأرض، وعلى الكواكب السبعة، زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، وعلى البروج الاثني عشر؛ الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، السنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. واستقرَّ جسم البشر أعدل الأجسام وأقومها على الطبائع الأربع؛ الصفراء، والحمراء، والسوداء، والبيضاء، وعلى الأعضاء السبعة الباطنة؛ الدماغ، والقلب، والرئة، والكبد، والطحال، والمرارة، والكليتان، وعلى الأعضاء الاثني عشر البارزة؛ الرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والبطن، والظهر، واليدان، والفخذان، والرجلان.٩٩ فهناك تقابل في الأفاق بين الجسم والجسد والبروج والكواكب والطبائع. ولا يوجد تقابلٌ اجتماعي، الطبقات الاجتماعية أو المهنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الأخلاقية.
ولما كانت الحروف تُشير إلى العالم العلوي مثل الكلمة والعقل والنفس، وتُشير إلى العالم الإنساني، النطقاء والأنحاء، فإنها تميل أيضًا إلى عالم الطبيعة؛ فالصناعات الدينية الفلسفية والنجوم والهندسة والطب لدراسة النار والهواء والماء والتراب. النار علم الغيب التأييدي الدماغي، وهو علم الأنبياء. والهواء علم الحقائق الإيماني القلبي. والماء علم الممتزج الإتقاني. والتراب علم الظاهر السمعي. ومن اعتدال الطبائع الأربع يتكون الخامس، وهو المزاج. وكلها علومٌ أخروية في الباطن، طبيعية في الظاهر. وأهل الجنة من الإنس في الأرض الروحانية مع القائم، أو في الماء الروحاني مع النفس، أو في الهواء الروحاني مع العقل. وعناصر الطبيعة تجمعها الهيولى، الحر والبرد، واليبس والرطوبة، النفخة الأولى ثم النفخة الثانية للتأييد. والمواليد البسيطة القائمة أفضل من أهل الجنة، وأهل الجنة أفضل من الملائكة، والملائكة أحياءٌ عاقلة.١٠٠

وتبلغ ذروة التأويل عند الشيعة في نظرية «المثل والممثول»؛ فقد ظهر اللفظان عند القاضي النعمان كنظرية في تأويل الشرائع تقوم على ثنائية اللفظ والمعنى، الدال والدلالة، الماهية والواقع، الروح والبدن. لا يدخل الجنةَ إلا من تجاوز المثل إلى الممثول، والفظ إلى المعنى، والظاهر إلى الباطن.

ولا ينطق المثل والممثول فقط باللغة، بل أيضًا بالأشياء وبالظواهر الطبيعية وبالشرائع والمؤسسات الاجتماعية؛ فالظهر محمد، والعصر القائم صاحب سيف التأويل، والمغرب والعشاء آدم. وأيام الأسبوع السبعة تُقابل الأنبياء الستة والقائم.١٠١

(ب) الأسماء والألقاب

وتعني الأسماء ألقاب الأئمة ودلالاتها على الدعوة ومراحلها؛ فالتشيع دعوةٌ سِرية كما تدل على ذلك ألقاب دعاتها. وتتراوح هذه الألقاب بين الاثني عشر والسبعة والستة في تراتبٍ تنظيمي بين الأعلى والأدنى، الرئيس والمرءوس. ويختلف الشيعة في هذه الألقاب؛ فالإمام النزاري مثلًا يجعل رتبة الشيخ بدلًا من داعي الدعاة. وهي مراتب الموجودات، ومراتب الصنعة الإلهية، ومراتب الصنعة النبوية أو علماء الدين في آنٍ واحد، لا فرق بين العالم والله والإنسان.

وقد خصَّص الشيعة رسائل للأسماء والألقاب كما خصَّص الحكماء رسائل للمصطلحات الفلسفية؛ الكِندي، والرازي، وابن سينا، والآمدي.١٠٢ مثال ذلك «تحفة المستجيبين» للسجستاني (٣٣١ﻫ)؛ فقد وُضعت الأسماء للمعاني الجوهرية دون العرضية؛ فمتى دقَّق المُرتاد المعاني الجوهرية سهل عليه حفظ الأسامي. أما إذا استبقى منها المعاني العرضية سهل على المُعاند إفسادها عليه. هناك منطقٌ مُحكَم بين اللفظ والمعنى، والمتكلم والسامع؛ المتكلم من المعنى إلى اللفظ، والسامع من اللفظ إلى المعنى.١٠٣ المتكلم يضع، والسامع يستعمل.
ومن أسباب وضع هذه الأسماء والألقاب إخفاء المعاني الحقيقية عن أهل الظاهر، فجعلوا الأسماء ألقابًا وكنايات حتى لا تقع في أيدي غير المُستحقين لها وقبل دخول الباب سجدًا. ولا مانع من استعجال هذه الألقاب بمعانيها الظاهرة دون أن تدل على ما هو أبعد منها لهم.١٠٤ وهو مثل موقف الصوفية في رموزهم واصطلاحاتهم التي لا يفهم معانيَها الباطنة إلا هم.
وتصل الألقاب إلى اثني عشر لقبًا من أعلى إلى أدنى؛ الناطق، الأساس، الإمام، الباب، الحجة، البلاغ، الداعي المطلق، الداعي المحصور (المحدود)، المأذون المطلق، المأذون المحدود، اللاحق، الجناح. البعض منها لقبٌ مفرد، والبعض الآخر مزدوج. ويأتي الازدواج مُضاعفًا بين المطلق والمحدود أو المحصور. وهي ألقابٌ تدل على مراتب الدعوة وتنظيمها العنقودي.١٠٥ الناطق رتبة التنزيل، والأساس رتبة التأويل، والإمام رتبة الأمر، والباب فصل الخطاب، والحجة الحكم بين الحق والباطل، والبلاغ الاحتجاج وتعريف المعاد، والداعي المطلق تعريف الحدود العُلوية والعبادة الباطنية، والداعي المحصور تعريف الحدود السفلية والعبادة الظاهرة، والمأذون المطلق العهد والميثاق، والمأذون المحدود جذب الأنفس المستجيبة وهو المكاسر، واللاحق مؤازرة المأذون المحدود والقيام بمهمته، والجناح أثناء غيابه.

ويُلاحَظ أن التأويل أعلى من التنزيل ويأتي بعده، وأن مهمة الإمام تنفيذيةٌ خالصة، وأن مهمة الباب والحجة معرفية في التمييز بين الحق والباطل، وأن البلاغ محاجَّةٌ كلامية لإثبات المعاد، وأن الداعي المطلق والمحدود مهمتهما تحديد المفاهيم العُلوية والسفلية، وأن مهمة المأذون المطلق والمحدود جمع الناس وربطهم بالميثاق وتطهير أنفسهم، في حضور الإمام أو في غيابه.

وفي اثني عشرية أخرى: الرسول، والأساس، وهما الأساسان. ثم الإمام وهو المتمم، والحجة وهو اللاحق، وهما معًا الفرعان. واليد، وذو الامتصاص، والداعي وهو الجناح، والمأذون المطلق، والمأذون المحدود، والمؤمن، والمستجيب دون الثاني عشر. فالناطق هو الرسول، والداعي والجناح مرتبتان مرةً ومرتبة واحدة. والداعي نوعان مطلق ومحصور مرة، وداعٍ فقط مرةً أخرى. ثم تختلف الأسماء في الباب والبلاغ واللاحق مرة، وفي اليد وذي الامتصاص والمؤمن والمستجيب مرةً أخرى.

الناطق أي الإعلان وليس الجسد. والأساس هو الوحي، أساس المؤمنين والأئمة واللاحق ودور الكشف، وكلاهما الأصلان؛ أي التنزيل، الرسول والوحي الأساسان، والتنزيل والتأويل للدين والدنيا. بالتنزيل عصمة الرجل وماله، وبالتأويل حياته وروحه ونجاة نفسه. والإمام هو المُتمم؛ أي بالأئمة تتم أدوار النطقاء، ويرتقي السابع من مرتبة الإمامية إلى القائمية. والحجة هو اللاحق؛ لأن الإمام لا يُقيم حجته على أهل زمانه من نفسه لعظم الأرض، فقسَّمها طبقًا لأقسام الفلك الاثنتي عشرة جزيرة بإزاء بروج السماء، وسبعة أقاليم بإزاء السبعة أفلاك، وجعل في كلٍّ منها حجة، وفي كل جزيرة لاحق يدعو الخلق لدين الله. واللاحق من اللحوق؛ لأن التأييد خاصٌّ لا يتعدى واحدًا في كل زمان. ولكل لاحق خليفة، وله قسط من تأييده. ويُشار إلى الإمام والحجة بلفظٍ واحد، وهما فرعان من الأصلين. في العالم الجسداني أساسان، وفي العالم الروحاني أصلان. واليد لكل لاحق يعتمد عليه ويثق به ويقوم مقامه، وبمقدار عدد اللواحق توجد الأيادي. وذو الامتصاص صفة لبعض المُختارين يمتصُّون بها ما يترجم باللسان وماضيه من حلاوة ودراية. والداعي أو الجناح معتمد على اللواحق في الدعوة لنشرها ظاهرًا وباطنًا طائرين مثل الأجنحة، وتسليمها إلى المأذون المطلق أو المحدود. والمؤمن من عرف صاحب زمانه نسبًا واسمًا وسكنًا وبيعة، ووقف على مجاري الأكوار والأدوار ومراتب الأسابيع وكيفية البعث والثواب والعقاب. والمستجيب من استجاب لدعوة الحق، وانقاد لمعرفة التوحيد والحدود العلوية والسفلية، ومعرفة مُتشابهات التنزيل والشريعة التي لا يعرفها أهل الظاهر.

وصفات الفعل أشخاص وحدود مثل أسماء الله الحسنى، وهي من أعلى إلى أدنى الحكماء. وكلها من الأصلين؛ الله، إله: حروف عُلوية سبعة، وحروف ثلاثة، جنسان، وأنحاء سبعة، وساعات الليل والنهار أربع وعشرون، والأيادي، اليمين واليسار ثمانية وعشرون، ونطاق خمسة، وأسس أربعة، وخلفاء أصحاب التأويل سبعة، والملائكة اثنا عشر، والجناح واحد، والمتمم واحد؛ فيكون المجموع تسعًا وتسعين، جمعًا بين الصفات والظواهر الطبيعية والملائكة والبشر.١٠٦

وصفات الفعل تعبِّر عن الأكوار والأدوار من أعلى إلى أدنى؛ الحكماء أربعة والأوصياء أربعة في كور الإقرار، ثم أدوار أربعة في كور الإقرار يضمُّ ثمانية وعشرين، ثم النطقاء الأربعة والأسس الأربعة والأنحاء الثمانية والعشرون في الأدوار الأربعة في كور التعبد، ثم الناطقان والأساسان، ثم الأنحاء الأربعة عشر في دورين، ثم صاحب الكشف، ثم الخلفاء الثمانية في دور العلم. ويكون المجموع تسعة وتسعين اسمًا.

ويُكشَف لأهل الجنة عن أسماء الحق. ويمكن للعقل معرفتها، وكذلك الجن. وأسماء الله الحسنى هي الحدود العلوية والسفلية للدلالة عليه، من أعلى إلى أسفل. وكل اسم علوي دليل على ما دونه. الأعلى يدل على الأدنى، والأدنى يعتصم بالأعلى، والكل يدل على الوحدانية كما يدل الاسم على المسمَّى. والاسم ليس مشتقًّا من غيره، بل الصفات محمولة عليه. والعقل مجمع الصور، اسم الله الأعظم؛ فالله محور العقل. والصفات ما دون النفس لما بها من تشبيه. وهي نوعان؛ صفات الذات وهي الحدود الروحانية، وصفات الفصل وهي الحدود الجسمانية. والمصدر واسطة بين الأسماء والصفات، كما أن النفس واسطة بين العقل وسائر الحدود. وهي من أعلى إلى أدنى؛ الجد، والعقل، والنفس، والناطق، والأساس، والإمام، واللاحق، والداعي، والمستجيب.١٠٧

الاسم الذي لا مسمَّى له هو الجد، المرتبة الأولى. والمسمَّى الذي لا اسم له هو المستجيب، المرتبة الأخيرة. وما بينهما اسم ومسمَّى، علة ومعلول. الصفة والاسم طرفان، والمصدر وسط، كما أن العقل والحدود طرفان، والنفس وسط.

وقد يكون الترتيب سباعيًّا، وكلهم من الأئمة ابتداءً من الإمام المُقيم، وأدنى منه الأساس ثم المتم ثم المستقر ثم المستودع، ثم الإمام بالقوة، ثم الإمام بالفعل. الإمام المُقيم يُقيم ناطق الدور ويمدُّه بالروح. والإمام الأساس يُرافق الناطق، ومنه تسلسل الأئمة في أدوارهم الزمنية. والإمام المُتم يُتم الدور الذي يقوم به سبعة من الأئمة. والإمام المستقر له الحق بتوريث الإمامة لولده نصًّا. والإمام المستودع له الإمامة في ظروفٍ استثنائية، ولا يُورثها لولده. والإمام بالقوة كتاب الله المنزَّل، والإمام بالفعل هو الأساس. ويُلاحَظ أن كل مرحلتَين على التقابل؛ المقيم والأساس، المستقر والمستودع، بالقوة وبالفعل.١٠٨
وقد يكون الترتيب سداسيًّا؛ الناطق، وأدنى منه الأساس، ثم الكتاب، ثم الأئمة القائمون بحفظ الشريعة وهم كثيرون، ثم الشريعة الجامعة للباطن والظاهر، للعلم والعمل من الكتاب، وأخيرًا كمال النفس البشرية. الناطق هو أصل الدين علمًا وعملًا، وأئمة يدعون إلى الكمال في العلم والعبادة الظاهرة. والأساس هو الإمام القائم بالفعل، والكتاب إمام بالقوة. وواضحٌ أن المرتبة ليست فقط فردًا مثل الناطق والأساس، بل جماعة مثل الأئمة القائمين بحفظ الشريعة، أو كتاب وهو الإمام بالقوة، أو شريعة، أو كمال للنفس البشرية.١٠٩
وهناك ألقاب للمجموعات؛ فالتشيُّع دعوة للتجنيد. هناك تقسيمٌ ثلاثي يبدأ بالرفاق المقدَّمين وهم القادة، ومسئوليتهم في الإشراق والتدريب، وأدنى منهم الفدائيون المُناضلون، وأدنى منهم المُستجيبون المُبتدئون.١١٠
والناس في التوحيد ثلاث مراتب؛ الأولى ظاهر التنزيل والتشبيه والتمثيل، وهو شرك. والثانية التعطيل، والثالثة التنزيل والتوحيد بالتأويل، وهي رتبة المؤمنين الموحِّدين المنزِّهين.١١١
والناس في الصفات والأسماء على أربع مراتب؛ الأولى المأذونون والأجنحة يرون صفات العقل، وهي الحدود الجسمانية. وهم المؤيدون. والثانية الجن يرون صفات الذات، وهي الملائكة. والثالثة الذين يرون الصورة التامة ولا يرون المصدر، ويتصلون بالاسم الحق وهو العقل بواسطة الملائكة والصورة التامة والنفس. والرابعة الملائكة بالفعل يرون الصور التامة وهي النفس، ولا يرون الحق وهو العقل، بل يعرفونه ويتصلون به وبالجوهر الذي منه أُبدعَ ولم يكُ تامًّا.١١٢
ويُقابل التراتب الكوني التراتب الجماعي، تقابلًا بين عالم الربوبية وعالم الستر. فعالم الربوبية أربعة؛ العقل والنفس والهيولى والطبيعة، وهو نفسه عالم الطبيعة؛ الدهر والزمان والأركان والأجسام. الأولان الكلمة، والآخران الأمر. هذه العوالم الستة تُقابل مجموعات الستر؛ عباد مُكرَمون، وأملاك مُرسَلون، وخيرة روحانيون، ورسل مصطفَون، وأُمناء مقرَّبون، وأناس عالمون. وتُقابل الاتجاهات الست: الأمام والوراء والجنوب والشمال والفوق والتحت. والكل يرجع إلى ستة أعداد رياضية؛ ثلاثة مزدوجة، نقطتان للخط، وخطان للسطح، وسطحان للجسم.١١٣
وتعلَّقت الولائم العلوية على الطبائع بالامتزاج، فحدثت العناصر السفلية الكائنة فيها الأجسام والحدود الجسمانية والجواهر البسيطة والمركَّبة، وترتَّبت الحدود السفلية ترتيبًا مستقيمًا. وعلى هذا جرت أقدار الله من الأصلين والأساسين والإمام والحجة والداعي والمأذون وثمانية مُتمين. الأصل هو السابق، وانبعث منه التالي الذي ظهرت منه الطبائع الأربعة وهي الذكور، والعناصر وهي الأمهات، فكان منها الروح الفرد. وظهرت في العالم الحجج في الجزائر، وتباينت الأقاليم التي يقوم فيها مقام الناطق والأساس بالدلالات، وأخذ كل رَبْع من العالم خِطة إذا كان العنصر من السابق إلى التالي إلى الناطق إلى الأساس والإمام والحجة ليقع الصلاح. هذا هو سر الله في العالم الذي لأجله أُخذت العهود والمواثيق. الناطق والأساس والإمام والحجة والداعي دلالة على الخمسة أشباح الروحانية على ساق العرش، وبها سأل آدم ربه التوبة فتاب عليه. وهي الأسماء التسعة عشر التي فتح الله كل سورة في كتابه بها؛ لذلك فرق أهل الظاهر بين دعوة الباطن؛ لأنهم جهلوا الحدود الروحانية، وتوقَّفوا على الحدود الجسمانية باتباعهم الشرائع الظاهرة وانحجاب الحقيقة عن عيونهم.١١٤
والخلائق الأربعة هم الملائكة والجن والشياطين والإنس. الملائكة على التأييد المُتصل بالنطقاء من السابق، والجن على ما يتصل بالنطقاء من فوائد التالي وقُواه المستجنَّة عن الخلائق، والشياطين على الذين عكفوا على ظاهر النطقاء دون الوقوف على حقائقها، فبعدوا عن الحق وضلُّوا وأضلُّوا كثيرًا وضلُّوا عن سواء السبيل، والإنس على أهل الحق الذين أنِسوا التأويل، ونجَوا من الشكوك والشبهات، وصار التأويل كهفهم وملجأهم.١١٥
ومراتب المؤمن خمس؛ المؤمن والمحرم والمحل والمأذون والمباح.١١٦
١  السجستاني، الينابيع، ص١١؛ القاضي النعمان، المذهبة، ص٤٧، ٨١–٨٤.
٢  القاضي النعمان، الرسالة المذهبة، ص٢٨، ٤١، ٥٥–٥٧، ٦٧–٧٤، ٧٩.
٣  السابق، ص٧٩-٨٠.
٤  هناك ١٦ آية وحديثان.
٥  القاضي النعمان، المذهبة، ص٦٠، ٦٣–٦٥، ٧٦.
٦  من العقيدة إلى الثورة، ج٤، النبوة – المعاد (التاريخ العام)؛ ج٥، الإيمان والعمل – الإمامة (التاريخ المتعين).
٧  السابق، ص١٠٢–١٠٧.
٨  السابق، ص١١٢–١١٤.
٩  السابق، ص١٦٠–١٦٣.
١٠  من العقيدة إلى الثورة، ج٤، النبوة والمعاد، ١٠٦–١٣٩.
١١  السابق، ص١٧٥–١٧٧.
١٢  السابق، ص١٧٧–١٨٠.
١٣  السابق، ص١٠٤-١٠٥. اليهود يُبطلون النسخ دفاعًا عن أنفسهم، ويُثبته الشيعة دفاعًا عن الإمامة، والسُّنة بين الإبطال لآخر مرحلة والإثبات للمراحل السابقة.
١٤  السابق، ص٧١–٧٤.
١٥  السابق، ص٧٦–٧٨.
١٦  وهو ما لاحظه أيضًا برجسون، وضرورة تجدد العادة بالدافع الحيوي والطاقة الروحية رفضًا للرتابة.
١٧  السابق، ص٧٨–٨٢.
١٩  السابق، ص١٤٩–١٥٣.
٢٠  السابق، ١٠٧–١١١.
٢١  السابق، ص١٠٤، ١٧٢–١٧٥.
٢٢  السابق، ص١٠٥.
٢٣  السابق، ص١٥٦–١٥٩.
٢٤  مثل اسبينوزا الذي لا يجعل النبوة وقفًا على اليهود (اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ص١٧١–١٩٠).
٢٥  السابق، ص١٨١–١٩٣.
٢٦  السابق، ص١٨١-١٨٢.
٢٧  السابق، ص١٦٤–١٦٨.
٢٨  ويمكن مقارنة فلسفة التاريخ عند السجستاني مع فلسفة التاريخ عند أوغسطين.
٢٩  السابق، ص١٩١-١٩٢.
٣٠  السابق، ص١٨٢–١٩٣.
الناطق الصامت الأساسي العلاقة السمة المرحلة
آدم قابيل التوبة التوبة، الهبوط إلى الأرض قبول التوبة وإقامة الوحي من الكشف إلى الستر
نوح سام السفينة الهبوط من السفينة إلى الأرض الأمن من الغرق
إبراهيم إسماعيل الهجرة
موسى هارون، يوشع الهجرة
عيسى شمعون الرفع إلى السماء
محمد علي الهجرة الغيبة ثم الحضور من الستر إلى الكشف
٣١  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٧٢، ١٧٧.
١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧
النطقاء آدم نوح إبراهيم موسى عيسى محمد القائم
الأوصياء شيث سام إسماعيل يوشع شمعون علي المهدي
الأئمة علي حسن علي محمد جعفر إسماعيل محمد
الدرجات معدن نبات حيوان إنسان حسن ملك انتهاء
المراتب مستجيب مأذون داعٍ حجة مُتم وصي ناطق
٣٢  في تاريخ الثورات العربية، ناصر ونجيب في الثورة المصرية في يوليو ١٩٥٢، وعارف وقاسم في الثورة العراقية في يوليو ١٩٥٨.
٣٣  قيس بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٢٢.
٣٤  السابق، ص١٩٢-١٩٣.
٣٥  السابق، ص١٨٦-١٨٧.
٣٦  السابق، ص١١٦؛ الينابيع، ص١١–١٣.
٣٧  السابق، ص٩١–٩٣.
٣٨  السابق، ص٦٠.
٣٩  السابق، ص١٠٣.
٤٠  السابق، ص٩٣.
٤١  السابق، ص١٥٣–١٥٦.
٤٢  السابق، ص١٠٢.
٤٣  السابق، ص٣٩.
٤٤  السابق، ص١١.
٤٥  السابق، ص٨٥.
٤٦  السابق، ص٨.
٤٧  السابق، ص١٦٩–١٧٢.
٤٨  السابق، ص١٨٢-١٨٥.
  • ك = نوح

  • ل = إبراهيم

  • م = موسى

  • ا = عيسى

  • ت = محمد

٤٩  الينابيع، ص١٥٤-١٥٥.
اليوم ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦
الحركة علو سفل يمين شمال أمام خلف
القوى الحركة السكون الهيولى الصورة الزمان المكان
الجسد اليدان الرجلان الظهر البطن العنق الرأس
٥٠  السابق، ص١٨١-١٨٢؛ القاضي النعمان، المذهبة، ص٣٤.
٥١  السابق، ص١٨٥.
٥٢  السابق، ص١٨٥–١٨٧.
٥٤  السابق، ص١٨٧-١٨٨.
٥٥  السابق، ص١٨٩-١٩٠.
٥٦  أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ هو الحسن بن علي. رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ هو الحسين بن علي. رُكَّعًا علي بن الحسين. سُجَّدًا محمد بن علي. يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ الصادق. وَرِضْوَانًا المبارك. سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ القائم. مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ الأساس. أَخْرَجَ شَطْأَهُ الحسن بن علي. فَآزَرَهُ الحسن بن علي. فَاسْتَغْلَظَ علي بن الحسن. فَاسْتَوَى محمد بن الباحة. عَلَى سُوقِهِ الصادق. عَلَى سُوقِهِ أي المبارك. لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ أي القائم. وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا أي الذين صفوا بالولاية.
٥٧  القاضي النعمان، المذهبة، ص٦٦.
٥٨  السابق، ص١٦٦–١٦٩، ١٩١.
٥٩  القاضي النعمان، المذهبة، ص٨٥-٨٦.
٦٠  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٠٩-١١٠.
٦١  الرسالة الكافية، ص٩٣.
٦٢  السابق، ص١١.
٦٣  الينابيع، ص٦٣، ٦٧.
الله أ ل ل
الكلمة ك ل م
التأييد التركيب التأليف التأويل
الأئمة السابق التالي الناطق الأساس
الأركان النار الهواء الماء الأرض
الأوتاد بيت الحياة بيت العاقبة بيت الخصومة بيت الرفعة والسلطان
الحروف العين الحاء الخاء الهاء
العقل النفس الصورة المادة
الذوات الهموم القول الكتابة
٦٤  السابق، ص١٣٠–١٣٢؛ انظر دراستنا «ماذا تعني لا إله إلا الله، محمد رسول الله؟» الدين والثورة في مصر ١٩٥٢–١٩٨١، ج٧، اليمين واليسار في الفكر الديني، ص١٤٧–١٦١.
٦٥  الينابيع، ص١٦٨–١٧٠.
٦٦  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١١٢-١١٣؛ قيس بن منصور، الأسابيع، مقدمة، ص١٨–٢٥.
٦٧  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٧٤.
٦٨  الينابيع، ص١٢٤–١٢٦.
لا إله إلا الله ٤ كلمات
التسبيح الإضافة الابتهال التعظيم ٤ كلمات
فصل فصلان فصلان فصلان ٧ فصول
حرفان ثلاثة حروف ثلاثة حروف أربعة حروف ٧ حروف
السابق التالي الناطق الأساس ٤ أئمة
الأصلان الأساسان
٦٩  السابق، ص١٤٦–١٤٩.
٧٠  السجستاني، الأسابيع، ص١٦١؛ حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣٠–١٣٣.
لا كلمة عامية نفي الركوع دليل الصامت
إله اسم لطيف النفس العالم السفلي المغرب التالي
إلا كلمة عامية إثبات سجدتان دليل على الناطق
الله اسم لطيف العقل العالم العلوي الفجر
٧١  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣١-١٣٢.
٧٢  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١١٣–١١٥.
٧٣  السابق، ص١١٦.
٧٤  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٧٤.
٧٥  السابق، ص١٦١، ١٦٨، ١٧٧.
٧٦  السابق، ص١٧٤–١٧٦.
٧٧  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣٣–١٤٣.
٧٨  السابق، ص١٣٧–١٤٣.
الحرف الشكل الجوهر
(١) أ خط طول العقل السابق
(٢) ل خط عرض النفس التالي
(٣) ح عرض وقوس الفتح
(٤) م طول وعرض الخيال
(٥) ن قوس الناطق
(٦) ر قوس الأساس
(٧) س طول وعرض وعمق اللاحق
(٨) ي عرض وقوس الإمام
(٩) ﻫ طول وعرض وعمق الجد
(١٠) ب عرض الجناح
٧٩  قيس بن منصور، رسالة الأسابيع، وهي من القرن السابع أثناء نزول هولاكو، مقدمة، ص١٨–٢٥. وتعتمد على الفكر الشيعي السابق منذ رسائل الإخوان ورسالة «الأصول والأحكام» لحاتم بن عمران؛ مما يدل على التراكم الفلسفي الداخلي، والفكر الجماعي، وأهمية السجستاني باعتباره أول المُبدِعين.
٨٠  خلق الإنسان: الطين، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والعظام، واللحم، والخلق الآخر. مكونات الإنسان: المخ، العظم، العصب، اللحم، الدم، العروق، الجلد. مفاصل الإنسان: القدمان، الساقان، الفخذان، الكفان، الذراعان، العضدان، الرأس. وجه الإنسان سبعة خروق: الأذنان، العينان، المنخران، الفم.
٨١  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٦٤–١٦٦.
٨٢  السابق، ص١٦٦–١٦٩.
٨٣  السابق، ص١٦٩-١٧٠.
٨٤  السابق، ص١٦٢-١٦٣.
٨٥  السابق، ص١٧٦–١٧٩.
٨٦  تحفة المستجيبين، ص١٥٠-١٥١.
٨٧  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣٧-١٣٨.
٨٨  قيس بن عمران، الأسابيع، ص١٦٥.
٨٩  القاضي النعمان، الرسالة المذهبة، ص٣٧–٤٠؛ حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣٥-١٣٦.
٩٠  السجستاني، الينابيع، ص٧٤-٧٥.
٩١  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٠٨، ١١٠.
٩٢  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١١٧.
٩٣  وتُشبه تحليلات محمد أركون في الفكر العربي المعاصر اللسانية هذه البِنى الشيعية القديمة.
٩٤  الينابيع، ص١١٥–١٢٣.
٩٥  القاضي النعمان، المذهبة، ص٣٤، ٣٧.
٩٦  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٣١-١٣٢.
٩٧  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٧٢-١٧٣.
٩٨  الينابيع، ص٦٨.
٩٩  الينابيع، ص١٢٥-١٢٦.
العالم الجسداني الأمهات الأربع الكواكب السبعة البروج الاثنا عشر الطبائع الأربع الأعضاء السبعة الباطنة الأعضاء الاثنا عشر الظاهرة
١ النار زحل الحمل الصفراء الدماغ الرأس
٢ الهواء المشتري الثور الحمراء القلب الوجه
٣ الماء المريخ الجوزاء السوداء الرئة العنق
٤ الأرض الشمس السرطان البيضاء الكبد الصدر
٥ الزهرة الأسد الطحال البطن
٦ عطارد السنبلة المرارة الظهر
٧ القمر الميزان الكليتان اليدان
٨ العقرب الفخذان
٩ القوس الرجلان
١٠ الجدي القدمان
١١ الدلو
١٢ الحوت الذكر
١٠٠  منصور بن عامر، الأسابيع، ص١٧٢-١٧٣.
١٠١  القاضي النعمان، المذهبة، ص١٩، ٤١، ٤٧، ٥٤، ٦٣، ٨٣.
١٠٢  من النقل إلى الإبداع، مج١، النقل، ج٢، النص، فص٢، نشأة المصطلح الفلسفي.
١٠٣  تحفة المستجيبين، تحقيق وتقديم عارف تامر، سلبة، سوريا ١٩٥٦، ص١٤٦.
١٠٤  السابق، ص١٥٤-١٥٥. ويمكن إعداد رسالة عن ألقاب الشيعة.
١٠٥  الينابيع، ص٢٣؛ تحفة المستجيبين، ص١٥٢–١٥٥.
١٠٦  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٦٣-١٦٤.
١٠٧  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٦٠.
١٠٨  الينابيع، ص٢٤-٢٥.
١٠٩  الينابيع، ص١٧.
١١٠  الينابيع، ص٢٤.
١١١  قيس بن منصور، الأسابيع، ص١٧.
١١٢  السابق، ص١٦٠-١٦١.
١١٣  حاتم بن عمران، الأصول والأحكام، ص١٠٢-١٠٣.
١١٤  السابق، ص١١٠-١١١.
١١٥  الينابيع، ص١٦٩-١٧٠.
١١٦  القاضي النعمان، الرسالة المذهبة، ص٨٤–٩٠.