من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٣) الحكمة العملية: الأخلاق – الاجتماع والسياسة – التاريخ

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

خامسًا: الضرورة والحرية

بعد التصورات الثلاثة للتاريخ، التاريخ الرأسي والتاريخ الأفقي والتاريخ الدائري، يمكن صياغة فلسفة التاريخ كجزءٍ مكمِّل لعلوم الحكمة في صياغة إشكالات رئيسية فيها مثل الضرورة والحرية، خصائص الشعوب، قيام الدولة وسقوطها، قوانين التاريخ، تاريخ الحضارة. ويمكن أيضًا الاستمرار في نفس تصنيف التصورات المختلفة للتاريخ مثل التاريخ الشعوبي، التاريخ السياسي أو التاريخ الحضاري. وخشيةً من نمطية التقسيم تم تفضيل الطريقة الأولى، وجعل باقي تصورات التاريخ مُتضمَّنة فيها.

(١) أنواع الضرورة

الضرورة والحتمية لفظان مُتساوقان على التبادل. وهي على أنواع؛ أولًا الحتمية الجغرافية طبقًا للنظرية الجغرافية الشهيرة خاصةً عند إخوان الصفا وابن خلدون، وتفسير التاريخ البشري طبقًا للموقع الجغرافي.١ ثانيًا الحتمية التاريخية التي تفسِّر كل شيء يقع في التاريخ طبقًا للإرادة الإلهية أو قوانين الكون العامة؛ ومن ثَم تُسمَّى أيضًا الحتمية الكونية أو الحتمية الإلهية. ثالثًا الحتمية الشعوبية التي تفسِّر الظواهر الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والتاريخية طبقًا للخصائص النفسية والسمات المزاجية للشعوب طبقًا لعلم نفس الشعوب.٢

(أ) الحتمية الجغرافية

وكما هو الحال عند إخوان الصفا وابن خلدون وجمال حمدان، التاريخ ابن الجغرافيا، وأن كل ما يحدث على الأرض إنما هو محكوم بما يحدث في السماء، عالم ما فوق القمر هو الذي يتحكم في عالم ما تحت القمر بلغة الفلك القديم؛ فابن خلدون إذن صياغةٌ كاملة لما كان معروفًا سلفًا منذ القرن الثالث حتى القرن السابع. موضوع الجغرافيا والتاريخ إذن موضوعٌ واحد، الأرض ومن عليها؛ أي الأرض والسكان؛ وبالتالي يصبح موضوع الجغرافيا البشرية أحد الموضوعات المشتركة بين الجغرافيا والتاريخ. البداية بالزمان الجغرافي، النهار والليل والشهر والسنة، إلى الزمان التاريخي، الأحقاب والمراحل، ومن تعاقب الليل والنهار إلى قيام الدول وسقوطها. ويتم الانتقال من الجغرافيا إلى التاريخ، ومن فلسفة الطبيعة إلى فلسفة التاريخ، ومن جدل الطبيعية إلى حركة التاريخ. وما تحت فلك القمر نوعان؛ جسمانية، وهي الأركان الأربعة، والتي منها يتكون النبات والحيوان والإنسان؛ وروحانية، وهي نفوس الحيوانات.٣

وقد تكون الأقاليم أربعة أو ستة عشر عند الفيثاغوريين مثلًا، إلا أن الأكثر شيوعًا هو أن الأقاليم الجغرافية سبعة، وعلى أساسها تنشأ الجغرافيا البشرية، وبينها خطوطٌ وهمية تمَّ وضعها.

ففي الجغرافيا الطبيعية تتعدد أنواع الجبال وأحجارها الصلبة أو اللمساء أو الخضراء طبقًا للأقاليم، وتتفاوت شهرة البلاد في المعادن طبقًا لها، وتوزع مياه البحار والأنهار أيضًا طبقًا لها. توجد سبعة أبحر؛ بحر الروم، والقلزم، وفارس، والصين، والهند، ويأجوج ومأجوج، وجرجان. ويُرى الضباب في البُلدان القريبة من سواحل البحار، وتكثر الأمطار في الشتاء وتقلُّ في الصيف نظرًا لصعود الأبخرة في الأقاليم الشمالية. وتسري الأنهار شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا، مثل أنهار النيل والشام ودجلة والفرات وأذربيجان وسجستان. والأفلاك السرية تُقابلها الأقاليم السبعة، والبروج تُقابلها البُلدان، والوجود والحدود تُقابل المُدن والقُرى، والدرجات والدقائق في مُقابل الأسواق والمحال والقُرى والثواني الدور والمنازل والبيوت.٤
الملوك الأوائل الذين كانوا بالربع المسكون من الأرض، مثل أفريدون النبطي وتُبَّع الحميري وسليمان داود والإسكندر اليوناني وأردشير بن بابك الفارسي، لتعليم حدود البُلدان والمسالك والممالك؛ فالتاريخ سند للجغرافيا.٥
وتتحكم الكواكب في المواليد قبل الولادة من الشهر الأول حتى الشهر التاسع، ويُكتَب له رزقه وحِرفته ورئاسته ومزاجه وآفاته وعلمه، كما هو الحال عند الأشاعرة «السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه»، وتقدير الآجال والأرزاق والأسعار والفقر والغنى سلفًا من الله. فما من مولود إلا وقد قدر الله حياته ومماته ورزقه، سعادته وشقاءه، هداه وضلاله، توفيقه وخذلانه. ومُقدَّر عليه في مراحل عمره كل شيء، كل كوكب من الكواكب السبعة يتوكل عليه بحوالَي عقد من الزمان. وتتحكم الكواكب في جنس المولود ذكرًا أم أنثى. وتتحدد ألوان البشرة لسكان الأقاليم السبعة بين الأسود والأشقر طبقًا للقرب من الشمس، من الأسود إلى الأسود الأسمر إلى الأسمر إلى الأسمر الأبيض إلى الأبيض إلى الأبيض الأشقر إلى الأشقر.٦

وتتحكم الكواكب في تكوين الجنين؛ فالتدبير في الشهر الثاني من فعل المشتري، وهو كوكب الاعتدال، وسبب النظام والترتيب، ودليل العقل في الإنسان، والفهم والتمييز في العلم والروية والعفة والدين والورع والتقوى والعدل والإنصاف والعفة والزهد؛ أي خصال الملة التي تؤدي إلى السعادة. وفي الشهر الرابع تظهر الخصال التي يحتاج إليها الملوك والرؤساء وأتباعهم، وتدبير سياساتهم، وقبول خصال النبوة والملك والفضائل الإنسانية والأخلاق الملكية والمعارف الربانية والعلوم الإلهية. وفي السادس معرفة علم الدين والكلام والأقاويل في الورع وأحكام الشرع ومواعظ الناموس ووصف العدل وبيان الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر المعاد ووصف أحوال الآخرة، وبعث الأنبياء، وهم أطبَّاء النفوس. ثم يصير المولود في تدبير المشتري اثني عشر شهرًا، وهو صاحب الدين والورع والإنابة، والزهد والعبادة، والرجوع إلى الله بالصوم والصلاة.

وأحد الأسباب التي دعت الحكماء إلى وضع النواميس واستعمال السنن أن مرجعيات أحكام النجوم من السعادات والمناحي عند ابتداء القرانات وتحاويل السنين من الغلاء والرخص في الجدب والخصب، أو القحط والطاعون والرخاء، أو تسلط الأشرار الظالمين، وما شاكلها من تغيُّرات الزمان وحوادث القيام.٧
وفي كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة أُلوف من المدن، وفي كلٍّ منها أمم من الناس مختلفة الألسنة والألوان والطباع والآداب والمذاهب والأعمال والصنائع والعادات. يختلفون فيما بينهم كما يختلف الحيوانات والمعادن بسبب اختلاف أهوية البلاد وتربة البقاع وعذوبة المياه وملوحتها، طبقًا للتوجُّه القرآني الصريح في اختلاف الطبيعة كمقدمة في حق الاختلاف.٨
وترتبط الطباع بالأوضاع الجغرافية للشعوب؛ فمزاج الأبدان من البُلدان الجنوبية كالحبشة والزنج والهند والسند يغلب عليه الحرارة لمرور الشمس على سمتها مرتين، فتحترق ظواهر الأبدان، وتسودُّ الجلود، وتتجعَّد الشعور، وتبرد بواطن الأبدان، وتبيضُّ العظام والأسنان، وتتَّسع العيون والمناخر والأفواه؛ على عكس البلدان الشمالية حيث تبعد الشمس، فتبيضُّ الجلود، وتترطَّب الأبدان، وتحمرُّ العظام والأسنان، وتكثر الشجاعة والفروسية، مع أن الفروسية لم تقلَّ في البلاد الحارَّة، وتسبط الشعور، وتضيق العيون، وتجفُّ الحرارة في بواطن الأبدان؛ فالطباع والأخلاق تتبع مواقع الشمس.٩

وتتحكم الكواكب في البيئة الاجتماعية مثل الدهاقين جمع دهقان، وهم المُكدون أو التجار أو المُتسولون، وزعماء الإخلاص العجم ورؤساء الأقاليم. كما تتحكم في النُّظم السياسية ومناصب الناس ملوكًا ووزراء وأولياء عهد. كما تتحكم في المواهب، شعراء وخطباء.

ويتخصَّص كل كوكب في قطاعٍ اجتماعي في بنيته المادية أو المعنوية، الجغرافيا الطبيعية والدين والسياسة والفن والعلم؛ فزحل كوكب الطبيعة والعمران، سبب حدوث الأنهار والجبال والبراري والأجسام والعذران والشوارع والطرقات وحدود البقاع. والمشتري يتعلق بالدين والسياسة، سبب حدوث المساجد والهياكل والبِيع ومواضع الصلوات، وبقاع القرابين، وعلة اجتماعات الناس في الجُمع والأعياد، وتعلُّم أحكام النواميس، وقراءات الكتب النبوية، والتفقُّه في الدين، والحكومة عند القضاة والحكام. والمريخ كوكب الحرب والصناعة والسياسة، سبب حدوث مواقد النيران، ومذابح الحيوان، ومعسكر الجيوش، وأماكن السباع، ومواضع الحروب والخصومات، وعلة اجتماعات الناس والنبات والجواهر المعدنية. والزهرة كوكب البساتين واللهو والجمال والفن، وسبب مواضع المتنزهات ومجالس الطعام والشراب والفرح والسرور واللذة والمناظر الحِسان، واجتماعات الناس والنبات والحيوان. وعطارد كوكب الأسواق والعلوم والكتاب ومواضع الصناع ومجالس العلماء ودواوين الكتاب وجموع القصَّاصين ومناظرات العلماء، ومنازل الملوك والسادات صعودًا، ومواضع السحق والسقوط والحبوس هبوطًا.

والسؤال هو: لماذا يختص كل فلك في السماء بقطاع على الأرض، وما وجه العلاقة؟ لماذا المشتري للدين، وتعارض الحرب والسلام بين المريخ والزهرة، ولماذا وضع العلوم في الأسواق؟ وماذا عن باقي مظاهر الحياة الإنسانية؛ العلاقات الأسرية، وما يحدث للفرد من سعادة وشقاوة؟١٠

ويزيد عدد مدن الأرض وينقص بحسب موجبات أحكام القرانات وأدوار الأفلاك؛ فالقرانات دالة على قوة السعد، واعتدال الزمان، واستواء الطبيعة، ومجيء الأنبياء، وتولية الوصي، وكثرة العلماء، وعدل الملوك، وصلاح أحوال الناس، ونزول الغيث، وتزكية الأرض والنبات، وتوالد الحيوان، وعمران البلاد، وكثرة المدن. وبالقرانات الدالة على قوة النحوس يفسر الزمان والنطق، وينقطع الوصي، ويقل العلماء، ويموت الأخيار، ويجور الملوك، وتقسو أخلاق الناس، وتسوء الأعمال، وتختلف الآراء، ويمتنع نزول الغيث. فلا تزكو الأرض، ويجف النبات، ويهلك الحيوان، وتخرب المدن في البلاد.

وتظهر النبوة طبقًا للأقاليم السبعة. تظهر في المناطق المعتدلة، في الإقليم الثالث. فضيلة الاعتدال ليست فقط جغرافية، بل أيضًا نبوية إلهية؛ فأكثر الأنبياء من السحر؛ أي الإقليم الوسط بين الشمال والجنوب لأن الطرفَين ناقصان، البيض من أسفل، والزنج والحبشة من أعلى لأن أخلاقهم وحشية. وقلَّما يعتدل مزاج أهل البُلدان الجنوبية من الحبشة والزنج والنوبة وأهل السند والهند. الحرارة في الداخل عند البيض، وفي الخارج عند السود. إذا اجتمعت الخصال في واحد من البشر في دور من أدوار القرانات في وقت من الزمان، يكون هو المبعوث وصاحب الزمان والإمام. فهل يظهر الأنبياء بالقرانات أم باحتياجات الأمم وقوانين التاريخ بناءً على أسباب النزول؟

وكما أن هناك أقاليم سبعة استدلَّ المُنجمون على أن الكائنات سبعة أنواع من دورات التاريخ والأنظمة السياسية والكوارث والحوادث والمواليد والأمور الخاصة؛ فدورات التاريخ للجيل والدول كل مائة سنة مرة. ونُظُم الحكم من أمير إلى أمير كل مائتَي وأربعين سنةً مرة. والملوك، فتنًا وأشخاصًا، كل عشرين سنةً مرة. والكوارث من الأمراض والعلل والغلاء والرخص والجدب والخصب والوباء والموت والقحط كل سنة مرةً واحدة. والحوادث والاستقبالات والاجتماعات كل شهر وكل يوم. والمواليد كل دقيقة وثانية، والأمور الخافية كل ثانية. فالزمان يتناقص تدريجيًّا من التاريخ إلى خفايا الأمور، من الدورة التاريخية في أعمار الحضارات إلى الدورة الفردية في أعمار الأفراد.١١

وقد وصلت الحتمية الجغرافية إلى حد أن كل ما في العالم من خير وشر، صلاح وفساد، إنما هو ناتج عن قرانات الكواكب. ويحدث قرانٌ كل خمسة وعشرين عامًا، فتظهر دولة عند بعض الأقوام والأمم، ويقوى بعض السلاطين، ويخرج بعض الخوارج، وتُجدَّد بعض الولايات، كل ذلك من أثر المريخ! وهل دورات الأفلاك هي المُتحكمة في دوران الحضارات؟ وهل تنهار الأمم بعوامل خارجية، دوران الأفلاك وقراناتها، أم بعوامل ذاتية، أخلاقية واجتماعية وسياسية؟ ويُبين لفظَا الأكوار والأدوار بأنه لا فرق بين دورات الطبيعية والتاريخ، والقران بالحدث الذي منه تبدأ الدورة وتنتهي، لا فرق بين الحدث الطبيعي والحدث البشري. ونشأة الدول وانهيارها، وهو الموضوع الرئيسي لفلسفة التاريخ، حالة مثل حالات الطبيعة، لا أثر فيها لحركات الشعوب أو مبادرات الأفراد والإدارات الحرة، الفردية أو الجماعية؛ فالدول مثل المعادن والنبات والحيوان، تتحكم فيها الكواكب، خاصةً المريخ الموكول له قضايا الحرب والسلام. وماذا تبقَّى من المسئولية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والحساب والعقاب، لو كان ما يقع في الأرض بالأكوار والأدوار والقرانات؟ حتى انقطاع الوحي بقران وليس بإرادة الله. قد يعني القران في هذه الحالة قانون التاريخ أو اكتمال الوعي الإنساني عقلًا وإرادة. وفي هذه الحالة يصبح القران ليس قرانات الكواكب في السماء، بل جدل التاريخ والإرادات البشرية على الأرض.

وليس بالضرورة أن يكون زحل والمريخ والذنب نحوسًا، والزهرة والقمر والمشتري سعودًا، وكما هو مُتبقٍّ في الخيال الشعبي؛ فذلك يتوقف على حر الشمس وبرد زحل ويبس المريخ ورطوبة الزهرة والقمر؛ فالحتمية الجغرافية تجمع بين الوصف الطبيعي والخيال الشعبي. وفي هذه الحالة يجوز الدعاء، ورفع الأكُف إلى السماء، والشخوص بالأبصار نحو الأفلاك، وما يُسميه إقبال «فلسفة السؤال». وهذا هو الذي دفع الناس في الممارسات الشعبية بممارسة «الربط»، ربط فعل الإنسان بالفلك خيرًا وشرًّا، خاصةً فيما يتعلق بالفقر والغنى، أو القوة والعجز الجنسي.١٢

وبالرغم مما يُوحي به لفظَا الأدوار والأكوار من التصور الدائري للتاريخ كما هو الحال عند السجستاني، إلا أنهما يُشيران إلى أدوار وأكوار فلكية، قرانات في الماء وليست على الأرض، أو على أقصى تقديرٍ قرانات في السماء لها آثار على الأرض؛ وبالتالي الانتقال من الجغرافيا إلى التاريخ، ومن الفلك إلى البشر، ومن النجوم والكواكب إلى المجتمعات والدول، ومن السماء إلى الأرض، ومن الله إلى الإنسان؛ فتاريخ البشر جزء من تاريخ الكون، والتاريخ الإنساني جزء من التاريخ الطبيعي.

يُشير اللفظان إلى حركة الكواكب؛ فالفلك له دور، والدور له كور، والكواكب في أدوارها. والأكوار هي استئناف الدور وعودته إلى موضعه مرةً بعد أخرى، كما يُفيد اللفظ التكرار. والأكوار لها قرانات. ومن هذه الأدوار والأكوار والقرانات تقع حوادث لا تُحصى على الأرض في عالم الكون والفساد. ولكلٍّ منها أوج وحضيض، عُلو وسفل.١٣
والأدوار خمسة؛ الكواكب السيَّارة في أفلاكها الحاملة، ومركز أفلاك التداوير في أفلاك الحاملة، والأفلاك الحاملة في فلك البروج، والكواكب الثابتة في فلك البروج، والفلك المُحيط بالكل حول الأركان. والقرانات هي اجتماعاتها في درج البروج ودقائقها، وهي ستة أجناس ومائة وعشرون نوعًا؛١٤ فإذا ضربت في درجة ينتج منها ٤٣٫٢٠٠ قرانًا شخصيًّا. وتختلف الأدوار والقرانات في الزمان طولًا وقصرًا، في السرعة والبطء، في الظهور والخفاء، في العمق والسطح. والنماذج في المعادن والنبات والحيوان، في الحياة والموت. وأدوار الألوف تبدأ من سبعة آلاف ثم اثني عشر ألفًا ثم واحد وخمسين ألفًا ثم ثلاثمائة وستين ألفًا.١٥

وكل ذلك مُرتبط بعلم الفلك القديم، ويستعصي فهمه الآن. وتقوم على حتميةٍ كونية كما وضح في علم الكلام الأشعري. ولماذا لا يحدث طبقًا للقرانات إلا ٣٤٫٢٠٠ قرانًا مع أن الحوادث أكثر من ذلك، والبشر الآن ما يزيد على ستة مليارات؟ ويمكن اشتراك أكثر من شخص في قرانٍ واحد. ألا يؤدي القول بالقرانات إلى تناقض؟ فإذا كانت هناك حتميةٌ كونية إذ لا يحدث شيء إلا وله قران، إذن يمكن معرفة الحوادث والتنبؤ بها، وهو ما يتناقض مع معرفة الله المسبق بها وعلم الغيب. فإذا دخلت القرانات في العلم الطبيعي، ألا يكون ذلك تضحية بالعلم الإنساني وبالإرادة الإنسانية؟ هل القرانات تنظير لآية وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ على نحوٍ كوني؟ وقد يكون هذا شركًا بالله؛ لأن الله يفعل من خلال الأفلاك ولا دخل للإرادة البشرية في كلتا الحالتَين. ولماذا لا يكون ذلك دوراتٍ طبيعيةً بين الحياة والموت، واليقظة والنوم، وتأقلم الإنسان مع البيئة الطبيعية؟ وما دور الفلك والطبيعة والإنسان في المسئولية عن وقع الحوادث الطبيعية والتاريخية؟ وإذا كان دوران الأفلاك أكرم الأفعال وأشرفها، وغرضها أشرف الأغراض، أليس هذا أنسنةً للطبيعة وإسقاطًا لمقولة الشرف عليها؟ وإذا كان في الأرض صلاح وفساد، خير وشر، فما مِقياس وقوع هذا أو ذاك بالقرانات ما دام العقل القادر على التمييز والإرادة الحرة القادرة على الاختيار ليسا عاملَين في وقوع الأفعال؟ وما الذي يجعل القران سعيدًا أو نحسًا والإرادة البشرية والقصد الإنساني غائبان؟

ولماذا حصر أنواع الحوادث في سبع؟ وما مقياس المدة؟ هل هذا فكرٌ عقائدي استنباطي أم تبريرٌ سياسي استقرائي لحوادث معيَّنة؟ وماذا يعني الاستدلال على خفايا الأمور؟١٦ هل في ذلك بقايا باطنية؟ ولماذا مِقياس الدور ألف سنة، أو اثنتان وعشرون سنة، أو ستة وثلاثون؟ وما مقياس فترة الدور؛ هل هو العدد ثلاثة مضروبًا في اثني عشر، وهو ما لا ينطبق على العدد اثنين وعشرين؟ وفي أي قران نحن الآن؛ في هذا الزمن الرديء، عصر الردة والانكسار؟ وما هو القران القادم؛ هزيمة أم نصر، توسع صهيوني أم تحرير لكامل فلسطين؟

صحيحٌ أن التاريخ عبرة وعظة؛ لذلك يذكر الإخوان المستجيبين بحوادث الأيام وتغيرات الزمان والخطوب والحدثان، وما تدل عليه دلائل القران من تغييرات شرائع الدين والمِلل، وتنقل الملوك والدول، من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن أهل بيت إلى أهل بيت؛ فاجتمع رأيهم، وارتفعت كلمتهم على أنه لا بد من كائن في العالم فيه صلاح الدنيا، وهو تجديد ملك في المملكة، وانتقال الدولة من أمة إلى أمة، وأن لذلك دلائل واضحة عُرفت بفراغ العقول وتجارب الأمور، واعتبار تصاريف الزمان فيما مضى من الحدثان، وما يُعرَف منها بالزجر والفأل والكهانة والفِراسة، وبدلائل المُتحركات من النجوم والمنامات مما تدل عليه من الكائنات قبل أن تكون. والسؤال هو: هل يُعرَف التاريخ بالزجر والفأل والكهانة والفِراسة؟

يتدخل علم النجوم كما تدخَّل علم النفس من قبلُ في نظرية الإشراق لشدِّ الانتباه خارج العالم، بالرغم من نقد الإخوان لصناعة التنجيم في رسالة الحيوان. ومع ذلك فهناك قدرٌ ضئيل من العوامل الإنسانية تتدخل في قيام الدول وسقوطها، مثل الآثار النفسية للاعتقادات الفاسدة انتقالًا من التاريخ الرأسي إلى التاريخ الأفقي؛ فإذا فسد النظر فسد العمل. وتؤثر النجوم والكواكب في أخلاق الشعوب؛ فإذا اتَّفقت عدة مواليد في طالعٍ واحد ووقتٍ واحد في بُلدانٍ مختلفة، وشكل الفلك يدل على أنهم يكونون شعراء وخطباء، بعضهم في بلاد العرب وبعضهم في بلاد النبط وبعضهم في بلاد الأرمن، يختلف قبولهم؛ فالعربي أسرع قبولًا لخاصة بلده أكثر من النبطي، والنبطي أكثر من الأرمني؛ ومن ثَم فالعامل الفلكي هو العلة الفاعلة، واستعداد الشعوب هو العلة القابلة. ومن اجتماعهما تتحدد الخصائص العامة للشعوب.١٧

(ب) الحتمية التاريخية

وأمور هذه الدنيا دُوَل ونُوَب، تدور بين أهلها قرنًا بعد قرن، من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد. كل دولة لها وقت منه تبتدئ وإليه تنتهي، وغاية إليها ترتقي؛ فإذا بلغت غايتها وذروتها سارَع إليها الانحطاط والنقصان، وانتاب أهلَها الشؤمُ والخذلان، ثم دارت دورةٌ أخرى في أناسٍ آخرين أكثر نشاطًا وقوة وظهورًا وانبساطًا. وكلما ازدادت الدولة الأولى ضعفًا زادت الثانية قوة، حتى يتلاشى الأول، ويقوى الثاني. وهكذا مجرى أحكام الزمان، دولة الشر الأولى ودولة الخير الثانية. وقد بلغت دولة الشر حدها في زمن الإخوان مما يؤذن بزوالها وقيام دولة الخير. وهنا يوظف التاريخ للسياسة، والسياسة للتاريخ. ينتقل الدولة والملك في كل دهر وزمان وقران من أمة إلى أمة، ومن بيت إلى بيت، ومن بلد إلى بلد؛ أي تغير الأُسر الحاكمة أو عاصمة الحكم أو الشعب، العرب أو العجم. وتبدأ دولة أهل الخير من علماء وحكماء وأخيار وفضلاء يجتمعون على رأيٍ واحد ومذهبٍ واحد ودينٍ واحد، ويعقدون بينهم عيدًا وميثاقًا دون جدال أو تقاعص عن نصرة بعضهم البعض، ويكونون كرجلٍ واحد في جميع أمورهم، ونفسٍ واحدة في جميع تدبيرهم لنصرة الدين وطلبًا الآخرة، طلبًا لوجه الله ورضوانه.١٨

دورات التاريخ إذن صراع بين الخير والشر، وتحويل قيم الأخلاق إلى قوانين التاريخ. وتبدأ دولة الخير من جماعة الإخوان؛ فالإخوان لهم دور في التاريخ، لهم غايةٌ عملية ورسالة. وتقوم دولة الخير في مُقابل دولة الشر بناءً على توجهٍ قرآني صريح أو ضِمني، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ. تنهار الدول بانهيار القيادات، وتنشأ بنشأتها؛ فللزعامة دورٌ حاسم في نشأة الدول وانهيارها.

وكما يتم الخلاص عن طريق علم النفس طهارة النفس وعلم الاجتماع، فإنه يتم أيضًا عن طريق فلسفة السياسة وفلسفة التاريخ؛ أي مراحل التاريخ المُتتابعة. فتاريخ الدين هو تاريخ السياسة؛ أي قيام الدول وسقوطها مثل القيام والسقوط في ظواهر الطبيعة، النهار والليل والفصول الأربعة؛ لأن الحياة نفسها تفاؤل وتشاؤم، صلاح وفساد، حياة وموت. وقد تبقى الدول وتتوالى الأنظمة السياسية داخل كل دولة؛ مما يُشرع للانقلابات والثورات السياسية من أجل أن يتسلم الإخوان الحكم.١٩
وذلك مجرى أحكام الزمان؛ فالزمان كله نصف نهار مُضيء ونصف ليل مُظلم. وهذا حكم أهل الزمان في دولة الخير ودولة الشر. تارةً تكون القوة والدولة في ظهور الأفعال في العالم لأهل الخير، وتارةً لأهل الشر. وإذا ما تنامت قوة أهل الشر وكثرت أفعالهم، فليس بعد التنامي في الزيادة إلا الانحطاط والنقصان. تبدأ الدولة بأهل الخير بنوع من العقد الاجتماعي، وتنتهي بخرقه وفساده. وهي قوانين واحدة تسري على كل الشعوب، قوانين البقاء والفناء، لا فرق بين عرب وأكراد وأتراك وبوادٍ.٢٠
وعند التوحيدي لكل أمة زمانٌ معها وزمانٌ ضدها، لها قيامها وسقوطها، مثل دول يونان والإسكندر وكسرى أنوشروان، ربما تعبيرًا عن تصور قرآني وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ.٢١ ويتداخل العامل الإلهي مع العامل الإنساني؛ فالإرادة الإلهية ما زالت هي العامل الفعَّال في التاريخ، وأن الله إذا أراد ثمرًا غرس له غرسًا؛ فغاية التاريخ الفاعلية فيه من الله. ومع ذلك تظهر الزعامة عاملًا إنسانيًّا مُحركًا؛ فالزعيم هو خليفة الله على الأرض. أثناء قيام الدول ينشأ أفرادٌ يُجسدون نهضتها، وتتجلى روح النهضة في الأفراد ثم في الشعوب. كما أن انهيار الدول يتجلى في انهيار الأفراد، والتفسخ الجماعي للشعوب، وانهيار القيم، وضياع القضية؛ أي النخوة والحمية والعصبية. ويبقى الملك في بيتٍ واحد وفي ملكٍ واحد زمانًا طويلًا لا ينقاد الناس إلا به، وكما تشهد بذلك جميع الأمم؛ الفُرس والروم والهند.٢٢
ويبدأ العامل الإلهي في التناقص والعامل الإنساني في التزايد عند الرازي في مقالة في أمارات الإقبال والدولة، مع التركيز على الزعامة أو الملك كبديل عن الله، وكأن الدولة هو رئيسها كما هو الحال في الإمامة.٢٣ وهي رسالةٌ قصيرة؛ فما زالت مفاهيم التاريخ في بدايتها، وأقرب إلى فلسفة السياسة؛ أي إقبال الدول وذهابها مما يهمُّ الملوك لا الشعوب. وما زالت مرتبطة بعلم التنجيم على نحوٍ خرافي. وتركِّز على الأمارات والعلامات لقيام الدول وسقوطها، وهي عشرة:
  • (١)

    حدوث تغيُّر فجائي علمي عن سببٍ إلهي أو طبيعي بقوةٍ تأتي وتذهب سريعًا؛ أي النداء أو الصحوة. وهو أقرب إلى النبوة أو الإلهام أو الكشف العلمي بالمعنى المعاصر؛ فالتاريخ هو التاريخ الثقافي أو العلمي أو الحضاري بوجهٍ عام.

  • (٢)

    اتساق الأمور واطرادها ومجيئها ووقوعها على موافقة التنقل أطوال، ولو في دقائق الأشياء وخسائسها فضلًا عن جلائلها وعظائمها، مثل طعام شهي يُقدمه الطاهي للملك أو الأمير دون طلبه؛ فصغائر الحوادث تكون سببًا في عظائم الأمور.

  • (٣)
    ما يحدث في أخلاق النفس المُوافقة للرياسة، المُعِينة المُقوية عليها بعلو الهمة والنُّبل والجود، وقلة مهابة الأكْفاء، وفضل الرأي وإجادته، في حين أن التاريخ أيضًا قد يتحرك بالأخلاق المضادَّة؛ الخداع، والحيلة، والعُدوان، والغرور، والقتل، والتوسع، والعنصرية، كما هو الحال في الاستعمار الغربي والصهيونية الغربية الحديثة.٢٤ ربما أراد الرازي تأليف هذا الكتاب الصغير للتقرًّب من بعض أفراد زمانه؛ وبالتالي يكون النقد الموجَّه إليه في السيرة الذاتية صحيحًا. والعنوان من وضع ابن أبي أصيبعة، وذكره البِيروني تحت عنوان «في فنونٍ شتَّى»؛ مما يدل على أن التاريخ لم يكن قد ظهر بعدُ كوعي بالتاريخ، وذلك مثل مقال الكِندي «في ملك العرب وكميته». إنما ميزة الرازي أنه لا يُشير إلى أحكام النجوم كما فعل الكِندي وإخوان الصفا، وهي إمارات وعلامات إيجابية في قيام الدول والإمارات، وقد تكون أيضًا علاماتٍ سلبيةً في انهيارها؛ فهي علاماتٌ مُتشابهة، وهي علامات للإمارة والأشرف والأعظم؛ أي للإمامة الكبرى؛ أي الدولة. ويمكن أن تكون أيضًا علامات للإمارة الصغرى؛ أي إمارة أو رئاسة مثل الإمامة الصغرى.
  • (٤)

    عِشق الرياسة وفرط محبتها في أن الملك أو الأمر لا يرى شيئًا إلا بها، ولا يهمُّه أمرٌ سواها؛ فذلك يدل على أنه مهيَّأ لها؛ لأن الطبيعة لا تفعل شيئًا باطلًا، ولا تترك قوةً عاطلة. فإذا كانت الرياسة طبيعية، فلمَ تجاوز الطبيعة بما بعد الطبيعة؟ ألا تؤدي الرئاسة وحدها إلى أبشع أنواع النُّظم التسلطية؟ وهل الرياسة أقرب إلى الطبع أم المشورة والاحتكام إلى الناس؟

  • (٥)

    ما يحدث له من الحِلم والتؤدة في الأمور التي فيها لبس وشبهة؛ لأن ذلك يدل على أنه محروس من ركوب الخطايا والوقوع في الزلل، وأنه مُجرًى به إلى إدراك حقائق الأمور؛ فالحلم سيد الأخلاق، والسيطرة على الموقف بعيدًا عن الانفعالات سبيل النجاة. والسؤال هو: هل هذا سمة للنفس ورؤيةٌ سياسية، أم قوةٌ خارجية تدفعه وتحرسه؟ وهل هذا صدق ووعي سياسي أم إنه تواضع مفتعل يُخفي جنون عظمة، وهو أمرٌ يُخفي وراءه العاصفة كما هو الحال لدى كبار المُعتدين؟

  • (٦)

    فضل صدق ودقة حس النفس والادكار والتخمين على ما كان له؛ فإن ذلك يدل على أنه مُسدَّد مُوفَّق بقوةٍ إلهية تجري به إلى أن يكون فاضلًا ورئيسًا سائسًا؛ لشدة حاجة الرئيس والسائس إلى فضل وعلم، واستغناء المَسوسين عن مثل ذلك لانتساب أمرهم إلى السائس واكتفائهم بسياسته. العلم والفطنة للرئيس، واستغناء المرءوسين عن ذلك اكتفاءً بالرئيس المُلهَم الذي يُفكر للناس وبدلًا عنهم.

  • (٧)

    الميل إلى موافقة الخلطاء والأصحاب والأعوان، والمحبة لصلاح أمورهم باستجلاب موداتهم وخلوصهم له، وتسخيرهم وربطهم بها لنفسه. ومن ذلك ألا يتفرَّقوا عنه، وألا يُضمروا له سوءًا، وألا يروا العيش إلا معه وبه. وينتج عن ذلك صِدق مجاهدتهم الأعداء، وبذلهم أنفسهم دونه؛ فالحكم لا يكون إلا ﻟ «شلة» أو جماعة مصلحية أو ضاغطة أو نسب أو قرابة أو زمالة. والسؤال هو: ما الضامن للشللية والعصابة من ألا تنشقَّ على نفسها، أو تتضارب مصالح أفرادها، أو الانقلاب على الرئيس والتخلص منه إن أراد كبح جماحهم؟ ما الضامن لعدم نشأة مركز قوي، بل وتسليمه للأعداء أو التآمر عليه إن وقف ضد مصالحهم؟

  • (٨)

    إقبال الخدم والأصحاب عليه، وفضل إجلالهم ومهابتهم له من غير أن يكون حدثت له في ذلك الوقت حالةٌ ظاهرة تُوجب ذلك من مزيد في رتبة، أو زيادة في إحسان أو إساءة. وهو تصورٌ قديم. وخدم اليوم هم أصحاب المصالح أو المُبررون السياسيون والموظفون الأيديولوجيون من المثقَّفين ورجال الدين، وهم في الغالب من الانتهازيين وبطانة السوء.

  • (٩)
    خلو القلب من الضغائن والأحقاد التي كانت في نفسه على أكْفائه وأجلَّة أصحابه وخلطائه فضلًا عليهم، وأنه ممن يجب أن يسوس ويستصلح لا ممن يستفسد، تنظيرًا غير مباشر لآية وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. والسؤال هو: ما الضامن؟ ألا تظل الضغائن والأحقاد في نفوس البطانة والجماعة المحيطة به انتظارًا للتخلص منه؟ ألا يمكن مقابلة الأخلاق المسيحية بالأخلاق اليهودية؟
  • (١٠)

    ميل النفس إلى العدل توطئة وإرساء قواعده، والبعد عن الوهن والتضعضع، وانعزال المُناوئين والمُضادين، وإجلالهم إياه ومستحقهم إلى مثل حاله؛ فالعدل أساس الملك. وهو عدلٌ مَشوب بالقوة لمقاومة المُناوئين للحكم، والخوف من منع المعارضة والمشورة والنصح.

والفارابي هو فيلسوف الإنسانية الذي غلَّب العامل الإنساني على العامل الإلهي على نحوٍ مباشر، وحلَّل الإنسانية والأمم والمدن وأشكال التجمعات الأولى تحليلًا وصفيًّا «وضعيًّا»، وكأنها من فعل البشر والتاريخ. وفي مُقابل ذلك أعطى للملك أو الفيلسوف أو النبي أو الإمام ما أعطاه القدماء لله؛ فالمدينة الفاضلة لديه هي المدينة الإلهية، هي نظرية الفيض منقولةً من الصلة بين الله والعالم إلى الصلة بين الإمام والمدينة.

فإذا كان الكمال لا يتمُّ بالفرد وحده أو الفرد الاجتماعي، فإنه يتم من خلال الإنسانية كلها والتاريخ البشري كله. يجتمع البشر في المدن مثل اجتماع الأجسام في العالم؛ فالمدينة أو الأمة مثل العالم.

وتختلف الأمور الإرادية في الزمان والمكان، ومن أمة إلى أمة، بالرغم من أن العقل واحد يُمثل الإنسانية كلها؛ مما يدل على ضرورة وجود شيء واحد خارج النفس كعنصر ثبات، بالرغم من عدم وجود مُفارقة في الأمور الإرادية؛ فالواحد العام في النفس وهو العقل، والواحد في الطبيعة، مفارق للطبيعة، وهو المبدأ الأول تنظيرًا للموروث، الله عند المتكلمين. وتُقاس الأمور الإرادية في الزمان بالساعة واليوم والشهر والسنة والحقبة والمدة الطويلة، وهو ما ينتهي إلى التاريخ؛ فالتاريخ امتداد للساعة، وكل الزمان امتداد لأقل الزمان.

وإذا كانت العلوم التي يتم تعليم الأمة عليها أربعة؛ الأولى الفضيلة النظرية، والثانية حصول المعقولات بطريقةٍ إقناعية، والثالثة العلم الذي يحتوي على مثال المعقولات مُصدقًا بالطُّرق الإقناعية؛ فإن العلم الرابع هو العلوم المنتزَعة من الثلاثة الأولى طبقًا لعدد الأمم، والإنسانية كلها في حاجة إلى تعليم وتربية.٢٥
وتتميز كل أمة بخيالها؛ أي بذوقها الفني، وأساليب إقناعها وتأثيرها؛ أي بتربيتها؛ فبالخيال تكون خصوصيات الأمم. ومع ذلك هناك خيالٌ مشترك بين الأمم، خيال الإنسانية كلها؛ مما يُبرر تذوُّق فنون الأمم. هناك فروق بين الأمم والطوائف في استعمال الخيال؛ إذ يختلف الخيال من أمة لأخرى. واختلاف الخيال بين الأمم هو السبب في اختلاف المِلل؛ أي الأديان؛ فالملة من الخيال، والفلسفة من التصور. وفي نفس الوقت هناك فضائل مشتركة في أمة وبين الأمم تُدركها الفضيلة الفكرية، وهي القدرة على استنباط ما هو أنفع في غايةٍ فاضلة. وهذا مُتفق مع التصور القديم للإنسانية؛ أي المدينة التي تُمثل الأمة دون وجود روح العالم، أو روح العصر، أو روح التاريخ؛ فقد كانت الحضارات دوائر مُغلَقة ممثَّلة في مدن.٢٦

ويعلم الملك العلوم النظرية بالطُّرق الإقناعية أو التخييلية؛ أي بمثالاتٍ مشتركة عند جميع الأمم. ويستعمل الأقاويل الانفعالية لإذعان الملوك المُشاغبين والنفوس المُعاندين.

ومن حق الملك أن يؤدب ملكًا تبريرًا للتدخل في شئون الدول بلغة العصر.٢٧ وما مقياس التأديب وسببه وشرعيته؟ وأي ملك أرفع من ملكٍ آخر له حق تأديب الملوك المُشاغبة؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك بالفعل إلا بالقبض عليه أو غزوه؟ بل إن الملك حقه تأديب الأفراد والأمم؛ فأي سلطة للمالك على باقي الملوك وسائر الأمم؟ هل هناك سلطةٌ أُممية تُمكنه من ذلك؟ ويكون التأديب للأمم أيضًا وليس فقط لملوكها؛ مما يُبرر الغزو للشعوب وعقابها وأخذها بجريرة حكامها. وقد توجد أُممٌ كثيرة فاضلة لها ملوكٌ مُتعددة ورؤساؤها الفضلاء، فلا يوجد ملكٌ واحد أو رئيسٌ فاضلٌ واحد.٢٨ هل هو النبي، خاتم النبيين ورسول العالمين؟ هل يتحدث الفارابي لا شعوريًّا عن القرآن والنبي ودور الخيال في الإقناع؟

(٢) نشأة الحضارة الإنسانية

وتنشأ الحضارة الإنسانية، حضارة الأرض، عن طريق نشأة اللغة عند إخوان الصفا، ونشأة الملة أي الدين عند الفارابي. ويتم التحول من السماء إلى الأرض، ومن الفلك إلى المعمورة، بتوسُّط اللغة. يُحلل الإخوان اللغة من أعلى إلى أدنى، من صوت الأفلاك إلى صوت البشر، ومن نغم الكون إلى ألحان النفس؛ ومن أدنى إلى أعلى، من الصوت إلى الكلام، ومن اللفظ إلى المعنى، ومن المعنى إلى المنطق والشعر، ومن الخارج إلى الداخل، من الموضوع إلى الذات من خلال الإدراك الحسي، ومن الماضي إلى الحاضر على نحوٍ تاريخي، من الوحدة إلى التعدد، ومن آدم إلى الشعوب.٢٩

(أ) نشأة اللغة

ويتم الانتقال بالتاريخ من السماء إلى الأرض، ومن الأفلاك إلى البشر، عن طريق اللغة عند إخوان الصفا؛ إذ تنشأ اللغة أولًا عن طريق الأصوات الطبيعية. والفلك طبيعةٌ خامسة، لا يختلف عن أجسام ما دون فلك القمر؛ فأهل الفلك أولى بالنطق والحركة والكلام والتسبيح والتكبير والتقديس والتهليل من أهل الأرض، الإنسان أو الحيوان أو الجماد، وهم أولى بالأسماع والأبصار والأذهان والأفكار والخواطر والأذكار والعلم والعقل، بل إن أهل السموات هم المُسبحون المُستغفرون لمن في الأرض، لا يفتُرون عن التسبيح، ولا يسكتون عن التقديس بألحان ونفحاتٍ ألذ من موسيقى الآلات. من لدن فلك المحيط إلى مُنتهى فلك القمر تصدر أصواتٌ مرتفعة، وألحانٌ مُطرِبة، ونفحات ولغاتٌ مختلفة، وحركاتٌ مؤتلفة، ناطقة بالتسبيح والتهليل والتكبير والتمجيد؛ فعلى أهل الأرض التشبه بأهل السماء، كما قيل في حد الفلسفة إنها تُشبَّه بالإله بحسب طاقة الإنسان.٣٠

هذه هي موسيقى الكون، النفحات السماوية التي تذكِّر النفوس البسيطة بعالم الأرواح ونعيم الجنان، مثل تلاوة القرآن وقراءة الإنجيل وإنشاد مزامير داود. والسماء أيضًا مسكونة عند فيثاغورس، وهو توجُّه قرآني عن لغة الكون والأصوات الكونية، وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.

وينتقل الإخوان من الصوت إلى النغم؛ فلكلِّ مزاج طبيعي حي أنغامُه وأصواته، حيوانًا أم إنسانًا، مثل صيَّادي الطيور وآلاتهم يُصفرون بها حتى تجتمع الطيور حولهم فتقع في شِباكهم، ومثل حُداء الإبل، وغناء رعاة الأغنام والمواشي والخيل عند ورودها الماء وحلب ألبانها، وحين معاشرة الحيوانات.٣١ وكذلك لكل أمة مزاج، ولكل مزاج لحن. ويختلف التذوق من مزاج لآخر، ومن فرد لآخر، بل ومن وقت لآخر فيما يُعرَف باسم موسيقى الشعوب وأغاني الحِرفيين. وفي الذهن موسيقى الشعر وموسيقى القرآن.٣٢ هناك نغم في الكون، ونسب بين الكواكب، موسيقية أو هندسية أو عددية؛ لذلك تُستعمل الموسيقى لشفاء الأمراض.
وأخلاق الاعتدال هي نغم النفس الداخلي ضد التطرف باعتباره نشاذًا في اللحن. الانسجام في الاعتدال أو الوسط بين طرفَين. العلم بين علم ما لا يجب وجهل ما يجب، والفهم بين الاعتراف بما لا يمكن وإنكار ما يمكن، واللب بين الحصر عن التفهيم والتراخي عن التوهم، والعزم بين التهور والجبن، والجود بين التقتير والتبذير، والشجاعة بين الإقدام والإحجام، والعزم بين الفشل والتهور، والحياء بين الفتور والقحة، والعدل بين الضعف والإسراف.٣٣
والصوت في علاقته بالحركة إما حي مثل الإنسان والحيوان، أو ميت مثل الخشب والحجر والنحاس والحديد، أو لا حي ولا ميت مثل الهواء والنار والماء.٣٤ وتصل الأصوات الحية أسرع إلى الإنسان من الأصوات الميتة التي تحتاج إلى فكر وروية. وقد أنِس الإنسان الأصوات الحية مثل الاستوماس في الصحراء، ونباح الكلب ودلالته على قرب العمران، وهبوب الرياح، وجريان الأودية، وأمواج البحار، واهتزاز الأشجار ونوعها لاستخدامها في الحياة العملية.
والصوت اللاحي واللاميت له طرفان؛ الأول أقرب إلى الحياة، والثاني أقرب إلى الموت؛ فالتراب إما ماء حياة وعمران أو جبال وموت، والماء إما تراب وحياة أو هواء وموت، والنار إما أرض وحياة وإما هواء وموت.٣٥ وتتصل العناصر الأربعة ببعضها البعض. كذلك الأصوات يقترب أعلاها من معدن وأدناها من معدنٍ آخر؛ صوت الحجر أقرب إلى النبات منه إلى المعادن، وأصوات المعادن أقرب إلى أصوات الحيوان والإنسان. وهذا أحد مظاهر أنسنة الطبيعة، والتحول من الطبيعيات الخالصة إلى الطبيعيات الإنسانية.
والأصوات في الطبيعة على ثلاثة مستويات؛ حوادث الجو، والكائنات في باطن الأرض، والكائنات النامية على وجه الأرض. وهي إما نامية بالقوة كالنبات، أو نامية بالحياة كالحيوان التكويني، أو نتاج نكاح. لا حيوان إلا من نكاح، ولا صوت عرض إلا من جوهر.٣٦
ويمكن معرفة الأصوات غير الحيوانية الطبيعية مثل الظواهر الطبيعية؛ الريح، والماء، والحجر، والحديد، والخشب، والرعد، والصفر، أو الآلية مثل الآلات الموسيقية؛ البزق والطبل والدف والمزمار، أو الحيوانية غير المنطقية أو المنطقية غير الدالة كالضحك والبكاء والأنين، أو الدالة موضوع المنطق.٣٧ ومثلها قسمة الأصوات إلى غير مفهومة مثل الجماد، ومفهومة مثل الحيوان، ثم قسمة الحيوان إلى غير منطقية؛ فالحيوان غير ناطق، مجرد وصوت، أو منطقية للحيوان الناطق صاحب المنطق الذي قد يكون غير دال مثل السعال، أو دالًّا مثل الأحكام المنطقية. وفي قسمةٍ شاملة للأصوات الطبيعية إلى خمسة، وهي من أدنى إلى أعلى: أصوات المعادن والأحجار؛ وقع وطنين ونقر، وأصوات الماء؛ دوي وخرير، وأصوات الهواء؛ صفر وزمر، وأصوات الحيوان؛ أصوات ونغمات، وأصوات الإنسان؛ لفظ وكلام ومنطق، كلام خطيب أو إنشاد شاعر أو تلاوة قرآن. وتُشرَح تفصيليًّا أنواع المعادن التي تخرج منها الأصوات، ومعرفة الأصوات الطبيعية عن طريق معرفة الأركان الأربعة، وشرح الأصوات فيزيولوجيًّا، ومخارج الحروف من الفم واللسان والحنجرة والرئتين والهواء، وشرح السعال والبكاء والضحك والأنين فيزيولوجيًّا.٣٨

والنشأة الثانية للغة في التحوُّل من الصوت إلى الكلام. في النشأة الأولى كانت النفس سارية في الهواء، مُتصلة بقوة النور والضياء، تُدير الأمور الجسمانية، وتؤلف الطباع الأرضية، وكانت روحانيات الكواكب مُتصلة بعالم الهواء؛ فهم سكان الأرض قبل آدم. ولما انتهت هذه النشأة بالقدرة على هذا النحو ابتدأت النشأة الثانية بإبراز الصورة الإنسانية، خلق آدم وحواء من الطين. وبعد حركة الكواكب في الأبراج بمشيئة الله، ألهم الله عطارد صاحب المنطق النطق، ونطقت حواء، وعلَّم آدم الأسماء كلها، وأيَّده بوحيه وإلهامه لما تاب عليه بما فيه صلاحه وصلاح ذريته، توجهًا قرآنيًّا من آية وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا؛ فاللغة توفيق وليست اصطلاحًا. وصف كل شيء بصفته، وتسميته باسمه لتقابل الاسم مع الشيء. الله علَّم آدم الأسماء، وعطارد أنطق حواء. يُعلم الله الرجل مباشرةً، ويُعلم الرجل المرأة في تصورٍ ذكوري لتطور التاريخ.

هناك إذن فرق في النشأة الثانية بين الصوت والكلام. الصوت في العالم الكبير، والكلام في العالم الصغير. الصوت فوق فلك القمر، والكلام تحت فلك القمر. الصوت في عالم الأفلاك، والكلام في عالم البشر. فالإنسان عالمٌ صغير، والعالم إنسانٌ كبير. في العالم هواء، وفي الإنسان هواء، في الرئتين والحنجرة. في العالم معانٍ كونية، وفي الإنسان معانٍ قصدية، وكلاهما دلالة وحركة وقصد وغاية.٣٩
ثم تعدَّدت اللغات بسبب الأمزجة والطبائع وأهوية البُلدان والأغذية ومواليدهم وأوضاع الكواكب «في الابتداء الوضعي والمنهاج الشرعي»، في النشأة الأولى التي تجمع بين الوضع والشرع، بالرغم مما قد يُثير لفظ الشرع في هذا الموضع من تساؤلات، خاصةً والإنسان لم يكن قد خُلِق بعد؛ فالتعدُّد في الأصوات في النشأة الأولى قبل الخلق. وتعدَّدت اللغات في النشأة الثانية بعد خلق آدم لما انتشرت ذرية آدم في أقطار الأرض، ونزلت كل طائفة إقليمًا من الربع المسكون، وعُقِد لكل طائفة على كوكب من الكواكب السبعة السيَّارة.٤٠
وأصل اختلاف الناس في الكلام حسب اختلاف الأجسام، وأصل الاختلاف في اللغات هو اختلاف في نماذج الحروف، وليس من اختلاف المزاج والتركيب؛ أي إن السبب عضوي خالص، وإلا لكانت اللغة حرفًا واحدًا؛ إذ تم إصلاح المزاج والتركيب.٤١

والسؤال هو: كيف يتم كل شيء بإرادة الله وبحركة الكواكب وفي نفس الوقت بالأصوات الطبيعية التي تجعل لنشأة اللغة علتَين، أولى وثانية، وهو ما يُعتبر شركًا؟ كما أن نشأة اللغة منذ خلق الله العالم في النشأة الأولى، ثم خلق آدم في النشأة الثانية، ثلاثة آلاف سنة في الدورة الأولى، وهي فترةٌ وجيزة؛ إذ إنها تُقدَّر بملايين السنين الضوئية.

وبدأت اللغة في النشأة الأولى شفاهًا، ثم في النشأة الثانية تدوينًا. وفيها بدأت اللغة بنشأة النفس وخلق آدم، خليفة الله في الأرض، مُتكلم فصيح ناطق، روح شريفة، أفضل الأشكال، وأحسن الصور، وأصفى الطبائع، وأعدل الأمزجة، سيد الحيوانات كلها. سجدت له الملائكة، وعلَّمه الله الأسماء كلها. علَّمه تسع علامات هي الأعداد من ١–٩، وهي تُطابق حروف الهند؛ المنطقة التي نزل بها من الجنة.

وتشكُّل الفلك هو أحد الأسباب في تحوُّل الأصوات إلى حروف، والشفاهي إلى تدوين؛ نظرًا للحاجة إلى كتابة الأخبار الماضية؛ فالإنسانية لها تاريخ يمكن للقصص والذكريات أن تفي به. وكلام الملائكة يُكتَب في النفوس. لم تكن هناك حاجة إلى التدوين في البداية نظرًا لبساطة الحياة الاجتماعية، وعدم حاجتها إلى اقتصاد وحساب. فلما تفرَّق البشر وتعدَّدت الشعوب نشأت الحاجة إلى التدوين لمعرفة أخبار بعضهم البعض. وكلما اتَّسعت الحضارة وعمَّ العمران ظهرت ضرورة الكتابة، واتسعت الحروف من تسعة إلى ثمانية وعشرين حرفًا. وهو العدد التام الذي يُطابق تعدُّد الأشياء، كما أنه يُطابق عدد منازل القمر وأعضاء الإنسان؛ مما قد يوحي ببعض التعسُّف في قراءة الطبيعة.

كانت السريانية هي اللغة الأولى وربما النبطية. كانت مجرد أصوات دون حروف، لغة شفاهية قبل التدوين. وكان آدم يُعلم ذريته تلقينًا، كلمات وأسماءً وليست أصواتًا وحروفًا، من الكل وليس من الأجزاء؛ لذلك يُقال لمن يجهل القراءة والكتابة أمِّي. كان الناس يحفظون الأسماء والصفات من السلف إلى أن ظهر دورٌ جديد، دور الكتابة في بيت عطارد. وصارت الحروف أربعة وعشرين، وهي الكتابة اليونانية؛ لأنها تجمع كل البروج الاثني عشر مضروبةً في اثنين؛ فكل برج حرفان. وتم تدوين اللغة في ذلك العصر.٤٢ مهمة التدوين التقارب بين الشعوب، ومعارفها، وتبادل الأخبار، وتقارب الأزمان، وإحضار الماضي في الحاضر، وإعطاء المستقبل أخبار الماضي. وأصل الحروف كلها خطَّان، مثل أصل البشر آدم وحواء، الرجل والمرأة، السماء والأرض، البسيط والمركب، العقل والنفس، المستقيم والقوس، الجوهر والعرَض، الإنسان والحيوان، الحيوان والنبات، النبات والجماد.٤٣

وتطوَّرت اللغة. واللغة العربية آخر اللغات تطورًا، كما أن الإسلام آخر الديانات تطورًا، وكما أن الأمة أفضل الأمم نظامًا. تطوَّرت اللغة من الهند إلى العرب مرورًا بالسريانية ثم الرومية ثم الفارسية. وأهمية اللغة العربية قراءة كتاب الله. والسؤال هو: هل السريانية أول اللغات الشفاهية، واليونانية أول اللغات المدوَّنة؟ هل السريانية أول الأصوات، واليونانية أول الحروف؟ هل السريانية للدين، واليونانية للفلسفة، والعربية للاثنين معًا؟

وتنتقل اللغات بالطبيعة أو بإلهام من الله، تتطور أو تُنسَخ كما تتطور وتُنسَخ الشرائع. وقد تنتقل الدول أي الملوك من لغة إلى لغة؛ وبالتالي من حضارة إلى حضارة. ويأخذ كل قوم لغتهم بحسب ما اتفق لهم من مواليدهم. ويُلاحَظ أن العوامل الفعَّالة في نشأة اللغة وتطورها بالإضافة إلى الطبيعة المستقبلة لكل العوالم، الأفلاك من أعلى، وهي أجسامٌ إلهية شفَّافة، والملوك والأنبياء بوحي من الله، والحكماء بإلهام من أسفل، الإنسان المُتفرد العبقري بإلهام من الله. فالله هو الفاعل في الطبيعة من الجهتَين العُلوية والسفلية.

وتنشأ المصطلحات في اللغة بعد التوفيق الأول على نحوٍ جماعي، ابتداءً من الأسرة ثم المجتمع، وفي الذهن آدم وسليمان؛ فقد نقل سليمان العلم والحكمة من باقي الشعوب إلى العبرانية، ملوك اليونان عندما غلبوا ملوك الشرق، وكذلك فعل ملك الروم لما غلب اليونان. تنتشر اللغات والثقافات «بأمورٍ فلكية وأحكامٍ سماوية ومشيئةٍ إلهية»، وهذا أقرب إلى أسطورة بابل في تعدُّد اللغات وانتشارها.٤٤

ثم يتم الانتقال من اللغة إلى المعرفة؛ من اللفظ إلى المعنى أولًا، ومن المعنى إلى الإدراك الحسي للبرهان ثانيًا. المعاني في الألفاظ كالأرواح في الأجساد، ولا وجود لأحدهما دون الآخر. اللغة علم الدلالة بالأصوات؛ أي بالكلمات؛ فالحركات مثل الإشارات للعين أو الأصوات للأذن. والكلام إما غير مفيد أو مفيد، وهو الإخبار في جهة المجهول. والخبر يكون غير دال أو دالًّا. هو كل قول قابل للتصديق عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهو خبر أمو استخبار على مستوى النظر، أو أمر أو نهي على مستوى العمل. وصيغ الاستخبار والأمر والنهي ليست بها كذب، وكأن العمل خارج التصديق النظري، مع أنه لو كان أمرًا مستحيلًا لكان بها كذب بمعنى تكليف بما لا يُطاق، وكذلك الاستخبار عن شيء لا وجود له؛ فالصدق والكذب ليسا نظريين فحسب، بل أيضًا عمليان، وليسا في المدح والذم فقط، بل في الفعل والترك.

والكلام إخبار قبل أن يكون إنشاءً، علم قبل أن يكون أدبًا، عقل قبل أن يكون خيالًا، على عكس ما هو شائع من أسبقية الإنشاء على الخبر، وأنه أقل إحكامًا منه.٤٥ والإنشاء نفسه تمنٍّ أو رجاء أو سؤال أو استفهام.
ثم يدخل السالب والموجب، والموضوع والمحمول، في الخبر بعد النفي والإيجاب، يتلوه الواجب والجائز والممتنع بعد دخول العقل والواقع؛ فهي أحكام للعقل والواقع على حدٍّ سواء. وهنا تتحول اللغة إلى منطق، تصورًا وتصديقًا؛ فالجائز به صدق وكذب، والواجب صدق، والممتنع كذب. والصدق ليس نظريًّا فحسب، وليس منفعةً عملية فحسب، بل يجمع بين الحقيقة والمنفعة، بين اتساق الخطاب نفسه كما هو الحال في الاستنباط، وتطابقه مع الواقع كما هو الحال في الاستقراء وبلغة المحدثين. العبادات كلها تأدية النفوس الجزئية عن النفس الكلية.٤٦
ثم يتم التحوُّل من منطق اليقين إلى منطق العلة، ومن منطق التصور والتصديق إلى منطق الخطابة والجدل والمغالطة والشعر؛ إذ يمكن تأدية معنى الكلام بالبرهان في المنطق، وبالعَروض في الشعر؛ لأن العروض هو منطق الشعر، المنطق شعر الكلام. هناك إذن صلة بين المنطق والشعر. الشعر أبلغ من الكلام وأفصحه وأوزنه، هدفه انتباه النفس للمعنى، والمنطق أصدق الكلام وأدقه من أجل البرهان.٤٧
المعاني هي الأصول وليست الألفاظ. وهي الاعتقاد في النفس، والألفاظ هيولى لها. فإذا قبلت الهيولى المعنى ظهرت أفعال النفس في الغرض والمراد. وكذلك الألفاظ إن قبلت تأدية المعاني ببلاغة دون إسهاب أو أفلاك كانت البلاغة. فالبلاغة للقول المُطابق المعنى المؤثر في النفس. والقياس هو الهجاء؛ أي الفقه والإعراب والقواعد، القصد والتركيب.٤٨
والانتقال من اللغة إلى الإدراك الحسي يبدأ بتقابل بين الحواس الخمس والعناصر الخمسة طبقًا للموجهات القرآنية. الأذن للسمع للفلك وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، والعين للبصر للنار إِنِّي آنَسْتُ نَارًا، والأنف للشم للهواء إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ، اللسان للذوق للماء لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، واليد للمس للأرض فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى. ٤٩
وهناك تقابل بين السمع والبصر. السمع روحاني، والبصر جسماني. السمع للغائب، والبصر للحاضر. السمع أدق، والبصر عُرضة للخطأ، في حين أن السمع قد يتعرض أيضًا للخطأ. تتفاضل الحواس إذن فيما بينها. اللمس أكثفها.٥٠ والأذن تعشق قبل العين أحيانًا في حضارة سمعية؛ فالطبيعة تتضمن قيمة في داخلها، والسمع مُناسب لطبيعة الفلك مَسكن الملائكة الذين يُسبحون الله. السمع للعالم العلوي، وباقي الحواس للعالم السفلي. والإدراك يتم المناسبة بين السامع والمسموع. والهواء شريف لحاجة الشم والبصر له. والأمور البرهانية لا تُدرَك بالحواس، ولا تُتصوَّر بالأوهام، ولكن يضطرُّ البرهان العقل إلى الإقرار بها؛ لأن البرهان ميزان العقل، كما أن الكيل والوزن والذراع ميزان الحواس.٥١
المعرفة الحسية بداية، المعرفة الإشراقية نهاية. فالمعرفة ارتقاء من الأدنى إلى الأعلى، ومن الخارج (البصر) إلى الداخل (السمع) إلى أعلى (الحدس). لا يعني الوحي بالضرورة معرفةً نازلة من السماء إلى الأرض، بل صاعدة من الأرض إلى السماء. التنزيل تأويل، والنزول صعود.٥٢
والحقيقة أن الفنون السمعية أقرب إلى الوجدان العربي من الفنون البصرية، ربما رغبةً في مقاومة الوثنية، وربما لأن الإنجاز القرآني سمعي، أو لأن الصوت أقرب إلى القلب من البصر؛ لذلك استعمل الصوفية السماع، وكانت عبقرية العرب في الشعر؛ فالسمع متصل بالنفس، والبصر بالواقع؛ والسمع بالزمان، والبصر بالمكان. السمع أقرب إلى الله، والبصر إلى العالم. السمع تنزيه، والبصر تشبيه. الله يتكلم صوتًا ولا يُرى بالبصر. السمع توترٌ داخلي، والبصر امتدادٌ خارجي. السمع نشيدٌ ثوري، والبصر كاتدرائيةٌ ملكية. السمع فنٌّ جماعي، والبصر فنٌّ فردي.٥٣

يبدأ الإخوان بعلم الأصوات في النشأة الثانية للغة بعد النشأة الأولى في عالم الأفلاك. ولا يُشخصون الأصوات الطبيعية كما تفعل الحشوية، بالرغم مما في النغم من دلائل على حالات النفس بين الفرح والحزن. وهو إبداعٌ مستقلٌّ خالص، جماع الوافد والموروث. ومن خلال اللغة الشفاهية والمدوَّنة يبدأ بتاريخ الحضارات الذي يعبِّر عن خصائص الشعوب.

(ب) نشأة الملة

الملة هي الدين عندما يتحول إلى شريعة في مجتمع؛ أي الدين الاجتماعي. فالملة والدين مُترادفان، وكذلك الشريعة والسنة مُترادفان يُطلَقان على جزئَي الملة. وقد تكون الآراء المقدرة أي العقائد أيضًا شريعة؛ وبالتالي تكون الملة والشريعة والدين مُترادفات. الملة آراء وأفعال، نظر وعمل، عقيدة وشريعة. الملة تحديد آراء وتقدير أفعال. الملة أساس العلم المدني. وقد تكون الملة حقيقة بالاسم وهو الحق، أو مثالًا مُحاكيًا له وهو مثال الحق. الأول يقين بنفسه، بعلم أول أو ببرهان، والثاني تخييل وإقناع وتأثير. وبدون هذه الوجوه الثلاثة لليقين تكون الملة ضلالة.

الملة الفاضلة شبيهة بالفلسفة. الفلسفة نظرية وعملية، والملة الفاضلة أيضًا نظرية تستمدُّ براهينها من الفلسفة النظرية، وعملية تستمدُّ كلياتها من الفلسفة العملية. وهي ليست فقط شبيهة بالفلسفة، بل هي الفلسفة، أو تقوم على الفلسفة وتتأسَّس عليها. وهو أكبر تكريم للفلسفة باسم الملة، وللآخر باسم الأنا، وللوافد باسم الموروث. لم يخشَ القدماء من لفظ الفلسفة وإيتاء الحكمة عليه، بل أعطَوه مضمون الحكمة. والفرق بينهما أن الملة مقيَّدة بشروط، في حين أن الفلسفة تحرير لها منها. الملة خاصة، والفلسفة عامة. من الخيال تنشأ الملة، ومن التصور تنشأ الفلسفة. الأولى للمؤمنين، والثانية للحكماء. وبهذا المعنى للفلسفة الرياسة الملكية؛ فهي المعيار والمقياس والمحك.٥٤
وفي «رسالة في الملة الفاضلة» التي صدَّر بها الفارابي «آراء أهل المدنية الفاضلة»، يعرض ثنائية الفلسفة والدين، التصور والخيال، البرهان والإقناع. فكل ما تُعطي فيه الفلسفة البراهين اليقينية تُعطي فيه الملة الإقناعات؛ فالفلسفة تتقدم بالزمان على الملة، وتكون الملة انهيارًا للفلسفة، ويكون التاريخ سقوطًا. وإذا تقدَّمت الملة بالزمان على الفلسفة، تكون الفلسفة تقدمًا بالنسبة للملة، ويكون التاريخ نهوضًا. البرهان يقين، والتخييل ظن. وتصور الشيء أكثر يقينًا وبرهانًا من مُحاكاته بمثالاته. تنشأ الفلسفة في التصور، وتنشأ الملة في الخيال. الأولى للحكماء، والثانية للمؤمنين. الجدل والخطابة أسلوب الملة في المحاجاة والتأثير. الجدل يُعطي الظن القوي، والبرهان يُعطي اليقين. والخطابة تُقنع فيما لا ظن فيه ولا برهان. فالجدل والخطابة لا غنى عنهما في التعبير عن الملة الفاضلة عند المؤمنين، والدفاع عنها وتمكينها في نفوسهم، ونصرتها إذا أراد البعض المغالطة والتضليل والمعاندة. والسؤال هو: كيف يكون ذلك ممكنًا والملة الفاضلة تُعادل الفلسفة، والفلسفة بالضرورة برهانية وليست إقناعية جدلية مغالطية؟٥٥
ومع ذلك فإن من شروط الفيلسوف الكامل اتباع عقائد الملة دون تأويلها، والتمسك بالأفعال الفاضلة الجميلة في المشهور، وكأن الفيلسوف أقرب إلى التقليد منه إلى الاجتهاد، وإلى النقل منه إلى العقل. فإذا كانت الفلسفة متقدمة على الملة عند الخواص، فإن الفيلسوف ملتزم بسلوك الملة عند العامة. وإذا كانت الملة متقدمة على الفلسفة، فإن الفيلسوف يسلك مثل العامة على الملة ثم يتقدمها بمفرده إلى الفلسفة.٥٦

تختلف المِلل فيما بينها في أمم ومدنٍ فاضلة، وتتوحد كلها في الغاية، وهي السعادة؛ أي الحكمة. فالملة بطبيعتها مُتكثرة، والحكمة واحدة. الملة رسوم وخيالات في النفوس تختلف باختلاف الطبائع والأمزجة والعادات، في حين أن الفلسفة عقليةٌ خالصة لا خلاف عليها بين الأمم. وبالرغم من توالي الأديان، واحدًا بعد الأخر، فإن روحها واحدة، والثاني يسير على نهج الأول. هناك استمرارية في تاريخ الأديان، واتصال في تطور الوحى. ويجوز للاحق تغيير شريعة السابق طبقًا للأصلح ومسار التغير؛ فتاريخ النبوة أحد مصادر فلسفة التاريخ كما هو الحال في علم أصول الدين.

ويصف الفارابي نشأة الحضارة الإسلامية وتطورها ابتداءً من النبوة والنسخ والتدوين، وليُبين وحدة الحضارة الإنسانية ووحدة الأديان، ونقل الشرائع من أمة إلى أخرى. وتتوالى الأمم الفاضلة في التاريخ، ورؤساؤها كلهم من نفسٍ واحدة، ويسير الأول على سيرة الثاني اتصالًا بين الماضي والحاضر، وتتغير الشريعة من الثاني إلى الأول انقطاعًا بين الماضي والحاضر نظرًا لتغيُّر الزمان والحال؛ فالنسخ في الشرائع ضرورة. وسبب زيادة اللذة الاتصال بالماضي، والاستمرار بين الماضي والحاضر، بين السابق واللاحق، يعقل ذاته فيعقل غيره. وهناك الوعي الحضاري التاريخي منذ الأمم الغابرة. ويلحق الغابر بالمستقبل إلى ما لا نهاية. ليس الاتصال فقط اتصالًا رأسيًّا عن طريق العقل الفعَّال، بل هو أيضًا اتصالٌ أفقي عن طريق استمرار الأمم في التاريخ، أو ما يُسمَّى بلغة العصر الإنسانية.٥٧
وإذا حدثت مفارقة للمادة ارتفعت عنها الأعراض، فلا تسكن ولا تتحرك ولا تتصف بصفات الأجسام، وتصبح النفوس مفارقة، جواهر ليست أجسامًا ولا في أجسام. ولا يتم ذلك فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الجماعات والطوائف التي تُكون التاريخ الصالح، تاريخ الصفاء والعدل. وتتصل النفوس المفارقة بعضها ببعض وكأننا في مدينة الله، أو في جماعة الأقطاب والأبدال.٥٨
ويتحول الشفاهي إلى تدوين، وينشأ الوعي التاريخي والتراكم المعرفي، كما حدث في تدوين القرآن وتدوين الحديث، ثم تدوين العلوم، كما هو الحال عند إخوان الصفا بعد تدوين اللغة. وتبدأ الترجمات عن الأمم السابقة، فيحدث تفاعل بين الوافد والموروث، فتنشأ الحضارة من مصدرَيها، الخارج والداخل، الآخر والأنا. فمن نشأة اللغة ونشأة الملة ينشأ التاريخ، تاريخ الحضارات طبقًا لخصائص الشعوب.٥٩
١  وازدهرت في الغرب الحديث عند هردر وكانط ومونتسكيو. وهي أساس الجغرافيا السياسية كما صاغها أخيرًا جمال حمدان في فكرنا المعاصر.
٢  كان علم نفس الشعوب La psychologie des peupless أحد مراحل تكوين فلسفة التاريخ في الغرب الحديث، خاصةً عند فوييه A. FouiIIée وجويو J. M. Guyau، وهو أحد مصادر العنصرية.
٣  الرسائل ط، ١١، ٤٣٣.
٤  الرسائل، ج٢، ١١، ٤٥٧؛ ج٢، ٣، ٥٧؛ ج٢، ٤، ٧٨، ح٧؛ ج٢، ٥، ٩٧–١٠٠؛ ج١، ٤، ١٦٦؛ ج١، ١، ١٦٦.
٥  السابق، ج٢، ٦، ١٣٦-١٣٧.
ج١، ٤، ١٧١–١٧٩.
٦  الرسائل، ج١، ٣، ١٤٩–١٥٢.
٧  السابق، ج٢، ١١، ٤٤٠–٤٤٣، ٤٤٨؛ ج١، ٥، ١٨٦.
٨  السابق، ج١، ٤، ٧٩. انظر أيضًا دراستنا «حق الاختلاف»، هموم الفكر والوطن، ج١، التراث والعصر والحداثة، ص٢٢٩–٢٣٨.
٩  الرسائل، ج١، ٩، ٣٠٤.
١٠  السابق، ج١، ٤، ١٨٠، ١٧٥؛ ج٢، ٩، ٣٠٤؛ ج٤، ٦، ١٢٤–١٤٤.
١١  السابق، ج١، ٣، ١٥٤-١٥٥.
(١) دوران التاريخ الملك والدول ١٠٠ سنة
(٢) نظم الحكم من أمير إلى أمير ٢٤٠ سنة
(٣) الملوك فتن وأشخاص ٢٠ سنة
(٤) الكوارث الأمراض والعلل سنة واحدة
(٥) الحوادث أحداث واستقبالات كل شهر وكل يوم
(٦) المواليد المواليد كل دقيقة وكل ثانية
(٧) الأمور الخافية حفيات الأمور كل ثانية
١٢  السابق، ج٣، ٥، ٢٦٤-٢٦٥.
١٣  السابق، ج٣، ٥، ٢٤٩-٢٥٠.
١٤  السابق، ج٣، ٥، ٢٥٠.
١٥  السابق، ج٣، ٥، ٢٥٠، ٢٥٣–٢٥٨.
١٦  السابق، ج٤، ٧، ١٨٩–١٩١؛ ج٤، ١، ٥٢٥.
١٧  السابق، ج١، ٩، ٣٠٤-٣٠٥؛ ج١، ١، ١٤٩.
١٨  السابق، ج١، ٤، ١٨٠–١٨٢.
١٩  السابق، ج٤، ٧، ١٨٦–١٨٨.
٢٠  السابق، ج٢، ٨، ٢٣٦.
٢١  موضع أسطورة الإسكندر في الغرب، وكسرى أنوشروان في الشرق، وإلهامهما الفكر والواقع مثل نابليون وهيجل وبيتهوفن ودافيد يمكن أن يكون موضوع رسالة جامعية.
٢٢  التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ج١، ٣٥، ٧٥؛ الهوامل والشوامل، ص١٩٨.
٢٣  الرازي، مقالة في أمارات الإقبال والدولة، رسائل الرازي، مقدمة وتحقيق بول كراوس، رسائل، ص١٣٦–١٣٨.
٢٤  وفي هذه عدة أمثلة، مثل أن معظم النار من مُستصغَر الشرر، أو المثل العامي: «يجعل سره في أضعف خلقه.» وكثيرًا ما ذُكِر طبق المكرونة الذي كان يُقدمه دلسبس للخديو إسماعيل للموافقة على إعطائه امتياز حفر قناة السويس. وهو ما سمَّاه هيجل أيضًا «الحيلة في التاريخ».
٢٥  وهذا ما يقوله لسنج أيضًا في «تربية الجنس البشري» بوسائل التعليم بالإكراه وهي اليهودية، ثم بالإقناع وهي المسيحية، ثم بالبرهان وهي فلسفة التنوير.
٢٦  الفارابي، تحصيل السعادة، الفقرة التاسعة، السياسات المدنية، ص٥٩–٦١؛ فصول المدني، ص٩٩، فقرة ٩٥.
٢٧  مثل سلطة المنظمات الدولية حاليًّا، ورئيسها السكرتير العام للأمم المتحدة الذي يكون أحيانًا أداة في أيدي الدول الكبرى التي لها حق الفيتو، بل إن المنظمة الدولية نفسها تكون أداة في يد قوة كبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حصار العراق وليبيا.
٢٨  الفارابي، السياسات المدنية، ص٤٤-٤٥.
٢٩  إخوان الصفا، الرسائل، ج٣، ١٧، ٨٤-٨٥.
وعلى هذا النحو ج مع الإخوان بين علم الأصوات Phonetics وعلم تركيب الجمل Syntax وعلم اجتماع اللغة Social Linguistics وعلم سياسة اللغة Political Linguistics وعلم تاريخ اللغة Historical Linguistics وعلم لغة الأخلاق Moral Linguistics، كما هو الحال في علم اللغة الحديث في الغرب. وكتب الإخوان فيه عدة رسائل مطوَّلة، مثل الرسالة السابعة عن الطبيعيات (٩٤ص)، والرسالة الثامنة عن الحيوانات (٢٠٠ص)، وتهذيب الأخلاق (٩٤ص)، والرسالة الأولى من القسم الرابع عن اختلاف الآراء (١٧٨ص)، والأخيرة عن السحر (١٨١ص).
٣٠  إخوان الصفا، الرسائل، ج٣، ١٧، ٩١–٩٣.
٣١  وهذا ما حلَّله أيضًا أوغسطين وبنفس الأمثلة «صائد الطيور» في تحليله للغة في محاورة «المعلم» (نماذج الفلسفة المسيحية، ص٣–٢٢).
٣٢  فصل في الأصوات من جهة طبيعة الإنسان والحيوانات واختلافهم فيها، السابق، ج٣، ١٧، ١٣٩-١٤٠.
٣٣  السابق، ج٣، ١٧، ١٣٦-١٣٧؛ ج١، ٥، ٢١٤؛ ج٣، ١٧، ٢٠-٢١.
٣٤  السابق، ج٣، ١٧، ١٢٧–١٣٠.
٣٥ 
فصل في اختلاف الأصوات في الصغر والكبر، فصل في السكون والحركة، فصل في معرفة قسمة الأصوات من جهة الكمية، ج٣، ١٧، ١٣٢–١٣٨.
٣٦  السابق، ج٣، ١٧، ١١٠.
٣٧  السابق، ج٣، ١٧، ١٢٣.
٣٩  السابق، ج٣، ١٧، ١١١-١١٢.
٤٠  السابق، ج٣، ١٧، ١١٤–١١٩.
٤١  السابق، ج٣، ١٧، ١١٤-١١٥، ١١٨. وهو موضوع لرسالة جامعية بعنوان «فلسفة اللغة عند إخوان الصفا، قراءة حديثة».
٤٢  السابق، ج٣، ١٧، ٨٨-٨٩، ١١٢-١١٣.
٤٣  فصل في معرفة بداية الحروف، السابق، ج٣، ١٧، ١١١–١٤٧.
٤٤  السابق، ج٣، ١٧، ١٤٩-١٥٠.
٤٥  هذا في الوضعية المنطقية المعاصرة.
٤٦  السابق، ج٣، ١٧، ١١٤، ١٠٩، ١١٧، ١١٩-١٢٠، ١٢٣-١٢٤.
٤٧  فصل في أن الكلام صنعةٌ منطقية، السابق، ج٣، ١٧، ١٤٧–١٥٠.
٤٨  السابق، ج٣، ١٧، ١٢٢.
٤٩  السابق، ج٣، ١٧، ١٢٦.
العضو الحاسة الموضوع الآية
الأذن السمع الفلك وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.
العين البصر النار إِنِّي آنَسْتُ نَارًا.
الأنف الشم الهواء إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ.
اللسان الذوق الماء لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ.
اليد اللمس الأرض فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى.
٥١  السابق، ج٣، ١٧، ٨٣، ٨٦، ٩٠، ١٢٤-١٢٥.
٥٢  في ندوة «القرآن باعتباره نصًّا» The Quran as text الذي نظَّمه بجامعة بون ستيفان فيلد S. Wild، أردت إعطاء صورة للتنزيل باعتباره صعودًا وليس هبوطًا، صورة القذف إلى أعلى عندما يكون الرجل مُستلقيًا على ظهره في حضارة لا حياة فيها للعلم، وليس الجنس فيها من المقدَّسات والمحرَّمات. واستهجن الجميع الصورة، وخاصموني إلى الآن.
٥٣  انظر دراستنا «الفنون البصرية والفنون السمعية؛ أيهما أقرب إلى الوجدان العربي؟» في «حصار الزمن» (تحت الطبع).
٥٤  الفارابي، الملة، ص٤٣، ٤٦-٤٧، ٦٦؛ السياسات المدنية، ص٦٠-٦١.
٥٥  الفارابي، رسالة في الملة الفاضلة، رسائل، ص٣٣–٣٧، نشرة محسن مهدي. مقدمتها تاريخية لصالح الغرب اليوناني، وكأنها مصدرها الأول الوافد وليس الموروث.
٥٦  الفارابي، تحصيل السعادة، ص٥–٨؛ السياسة المدنية، ص٦٠-٦١؛ الملة، ص١٧–٤٨.
٥٧  السياسات المدنية، ص٥٤–٥٧، ٦٠-٦١.
٥٨  وهو ما قاله هوسرل في الفلسفة المعاصرة في الغرب في مدينة العلماء التي تُمثل الوعي الحضاري الشامل ابتداءً من الوعي الفردي.
٥٩  الفارابي، السياسة المدنية، ص٥٥.