من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٣) الحكمة العملية: الأخلاق – الاجتماع والسياسة – التاريخ

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

خامسًا: الأخلاق الإنسانية (أبو حيان)

تبدو الأخلاق الإنسانية عند أبي حيان في موضوعاتٍ مُتناثرة تجمع بين الفلسفة والأدب، ومنسوبة إلى أقوال الآخرين خاصةً أبا سليمان السجستاني وأبا الحسن العامري. والإنسانيات عند أبي حيان لها الأولوية على الطبيعيات والإلهيات؛ فالإنسان حاضر عند أبي حيان حضوره عند إخوان الصفا. ومعظمها تجارب إنسانية وانفعالات بشرية وحدوس فلسفية، يصعب تحويلها إلى تصورات فلسفية وبراهين منطقية، ومنها تجربة الحكمة.

وتبدأ بتحليل الألفاظ حتى لتبدو التحليلات أشبه بالتحليلات المعجمية، مثل تحليل الصداقة في قاموس يشمل خمسة وثلاثين مصطلحًا، كلها متداخلة ومُتكررة مثل المحبة، وتهدف كلها إلى إثبات غاية واحدة كما هو الحال عند إخوان الصفا، وهو التعالي أو المفارقة.

وقليل من هذه، المصطلحات مصطلحاتٌ فلسفية مثل العلة الأولى؛ فالعقل خليفة العلة الأولى ليس بمعنى التقييد كما يوحي بذلك المعنى الاشتقاقي للفظ «عقل»، بل معنًى آخر نقيض، وهو الأخلاق، وهو ما يتفق أيضًا مع المعنى الاشتقاقي؛ أي الالتزام بالأخلاق والحرية والسلوك وبالله. كما تظهر بعض المصطلحات الطبيعية المعرَّبة، مثل «الأسطقسات» في تعريف الروح.١

كما يعتمد أبو حيان على القسمة، وقد تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، مثل الإيمان بالله كعادة بالطبيعة، أو كأدب للنفس، أو لتقبل العقل، أو إثباتًا لوجود الله. وتُساعد القسمة على سرعة التحديد.

ويعتمد أبو حيان على التجارب الشعرية باعتبارها رصيد الثقافة العربية الأول، وتجارب إنسانية عامة تُغني عن البراهين المنطقية، مثل الخير والشر، ومتى تكون غلبة أحدهما على الآخر، ومثل العلاقة بين الحسب والأدب، وأن الحسيب بلا أدبٍ أفظع من الأديب بلا حسب.٢

وتبدو عناصر الاضطهاد في فكر أبي حيان ربما نظرًا للتشيُّع.

(١) الإنسانية أُفُق

ويظهر مفهوم «الإنسان» كأفق، والإنسانية كأفق. الإنسان مُتحركٌ نحو أفقه بالطبع، وهو أفقٌ أخلاقي.٣
الإنسان كشخص بالطِّينة، ذات بالروح، جوهر بالنفس، إله بالكل، حي بالاستكمال، ناقص بالحاجة، نامٍ بالطلب، صغير في النظر، خطير في المخبر، لب العالم. فيه من كل شيء وله بكل شيء تعلُّق، صحيح بالنسب إلى من نقله من العدم، قوي النسب لمن يستفيد عن أمم. أخبار الإنسان كثيرة، وأسراره عجيبة. من عرفه فقد عرف سلالة العالم ومصاصته. وقد حوى جوهره شبهًا من كل ما يُعرَف ويُرى؛ فهو مثال لكل غائب، وبيان لكل شاهد. هيوبٌ عجيب الشأن، شريف البرهان، غريب الخبر والعيان.٤

وتركيب الإنسان طبقًا للعامري نزولًا حسب تصور الطبيعة من الأجناس إلى الأنواع الطبيعية لا المنطقية. هو قوة لكل بدن بالإضافة إلى قوة الجميع. ولا يشرف إنسان على آخر إلا من جهة الاختيار والاكتساب. وشرف الزمان والمكان إسقاط من الإنسان، ووضع الأخلاق في الطبيعة، والسعادة والفلك في الزمان.

ولا فرق بين الإنسان والطبيعة في الأخلاق إلا الفرق بين الحقيقة والمجاز؛ فالطرفان والوسط ليسا فقط في الأخلاق بل أيضًا في الطبيعة. والأخلاق حركةٌ طبيعية، الغضب من الداخل إلى الخارج، والحزن من الخارج إلى الداخل. ولا فرق بين ملء العين والنفس. والطبيعة هي الله؛ ومن ثَم لا مكان للمعجزات وأصحاب النُّسك الذين يُحولون الطبيعة إلى صناعة؛ فالطبيعة فوق الصناعة، والصناعة دون الطبيعة، مهما تشبَّهت بها فإنها لا تكتمل، والطبيعة لا تُشبه الصناعة، بل قوةٌ إلهية سارية في الأشياء.

وتأخذ الصداقة حظًّا وافرًا في تحليل الأخلاق الإنسانية، مثل رسالة «الصداقة والصديق»، وهي أطول الموضوعات الخلقية على الإطلاق بناءً على تجربة أبي حيان الشخصية.٥
ويجمع الإنسان أخلاقًا مُتباينة على مستوياتٍ عدة؛ رأس ويدان ورجلان على مستوى الشكل الخارجي، ولحم وعظم وعصب وشريان على مستوى المضمون الداخلي،٦ ودم وبلغم ومريان على مستوى الأخلاط الأربعة.٧
ويتلمَّس أبو حيان بعض الموضوعات الإنسانية، فيجدها في التصوف والعفة. مصطلحات الصوفية، مثل العشق، والمحبة، والكلف، والشفقة، والصداقة، والمحبة، والعلم، والتوحيد، والفتوة، والمروءة، والعقل، كلها موضوعاتٌ إنسانية يغلب عليها الجانب الشعوري الإنساني الحيوي كما هو الحال عند إخوان الصفا. وتأخذ بعض الموضوعات حيزًا أوسع مثل السكينة، حيث تظهر فلسفة الأخلاق بوضوح، وهي من القيم الصوفية، وهي على درجات بين الزيادة والنقصان؛ أنقصها للناس ثم لخلفاء الأنبياء ثم للأنبياء، وأعلاها لأشخاص فوق الأنبياء وهم الملائكة. وهي على أربعة أنواع؛ طبيعية، ونفسية، عقلية، وإلهية. وقد تكون مفعولة أو فاعلة.٨ ويصعب فصل المصطلحات الصوفية عن الفلسفة الطبيعية.٩
وأحيانًا تظهر بعض الموضوعات الكلامية الإنسانية، مثل الإنسان والوعد والوعيد والتوحيد، بل والقِدم الحدوث.١٠ وبعضها مُستقًى من الفقه وأصوله، مثل الاجتهاد والرخصة والمشورة.١١

وترتبط أخلاق الإنسان بقُوى النفس، وهي ثلاث؛ شهوانية مذمومة، وغضبية محمودة ومذمومة، وناطقة محمودة. وتتعرف النفس الناطقة على الله، وهي التي تقود القوتَين الأخريَين، وتعمل على إصلاحهما منعًا للإفراط والتفريط. ولا يمكن تغيير الخلق، ولكن يمكن إصلاحه؛ فالعمل يتم من خلال الطبيعة.

ونظرًا لأهمية الأدب كمصدر للأخلاق الإنسانية الواقعية ذُكرت فضائل كثيرة أقرب إلى الفضائل الأدبية والذوقية الإنسانية العامة، مثل حضور البديهة في الردود. ومعروفٌ مآثر القريحة العربية والتراشق بالآداب.١٢ ويرجع ذلك إلى سحر العقول، وهو إما صناعي مثل خفة الحركات، أو طبيعي مثل آثار الطبيعة، أو عقلي مثل الكلام الغريب المعنى، أو إلهي مثل الأنفس الكريمة قولًا وعملًا.١٣

ويأخذ الشعر مكان الصدارة كمادة لتحليل الأخلاق الإنسانية الواقعية. كما أنه يعبِّر عن التجربة القرآنية؛ فكلاهما تجربتان شعريتان. وظهر الملوك والأمراء شعراء، مثل سيف الدولة وعبد الملك بن مروان. وكانوا في صحبة الشعراء والأدباء، وليس التُّجار والسُّفراء. والمأمون الأديب الملك الفيلسوف. الشعر له الأولوية على كل المصادر الموروثة أو الوافدة، وهو الموروث الثقافي الذي يعرفه الجميع. ويتَّضح المصدر الشيعي من كثرة الاقتباس من أبي حاتم السجستاني وأبي سليمان السجستاني ومحمد بن علي بن الحسين الباقر، دون أن يُغفل المصدر السُّني مثل عمر بن الخطاب.

كما يعتمد على الشروح اللغوية الخالصة دون التحذلق والغربة اللغوية، وكأننا في الشعر الجاهلي. ويطول الشرح اللغوي دون دراسة. ويذكر من اللغويين والنحاة أبا سعيد السيرافي.١٤
ويُبرز أبو حيان تجربة الصداقة والصديق؛ فالصداقة فضيلةٌ إيجابية تغنَّى بها البُلغاء والأدباء، وهي تجربةٌ إنسانية عامة يصدِّقها الوحي والشعر.١٥ وإذا اقتصر البعض على جعل الصداقة لفظًا بلا معنًى بناءً على تحليل اللغة، فإن البعض الآخر يجعل الصداقة والصديق المعنى وحامل المعنى.١٦ ويجمع أبو حيان أقوال السابقين؛ فالرواية أيضًا في الأدب وليست فقط في الحديث. لا فرق بين موروث ووافد، بين محسوس ومعقول، ما دامت تجارب إنسانية حية. الكتابة بمثابة مَرجع عام في الوضوح، والتأليف فيه طبقًا لرغبة الجمهور. ويبدو الفقه ومذاهبه رافدًا رئيسيًّا في الثقافة، خاصةً أبا حنيفة. وتظهر شخصية أبي سليمان الفذَّة شخصية محورية، ومصدر الكثير من الروايات والآراء.

والصداقة نادرةٌ مَشوبة بالحسد والحقد والخيانة، كما ظهر ذلك في قصة يوسف مع إخوته، وهابيل وقابيل؛ مما يدفع أبا حيان لأنْ يشكوَ من الناس، ويكون أقرب إلى التشاؤم منه إلى التفاؤل. وهو نفس عصر أبي العلاء. وقد تكون الصداقة بالدين وبالجوار وبالمُمالحة وبالصناعة وبالمنشأ وبالمعاقرة وبالتجربة وبالألفة وبالميلاد، أو بانتظام هذه كلها.

ومكارم الأخلاق للإنسان عشرة؛ صدق الحديث، وصدق البأس، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وبذل المعروف، والتنُّدم للجار، والتنُّدم للصاحب، والمكافأة للصانع، وقِرى الضيف، ورأسها الحياء.١٧

(٢) أخلاق البدن

وتعني الأخلاق المادية؛ طبائع الحيوان، وحاجات الطعام والشراب، وممارسات الجنس، وبعض الموضوعات الأخلاقية النفسية مثل الإرادة والاختيار والصداقة والصديق، وأخيرًا تحليل الأخلاق الاجتماعية مثل أخلاق التجار. وهي ما يُسمى بمصطلحات العصر الأخلاق المادية أو الوضعية أو الوصفية أو التقريرية.

للحيوان أخلاقٌ ما دامت له نفس وقوًى وطبع. إذا أمكن الحديث عن الإنسان فإنه يمكن الحديث أيضًا عن طبائع الحيوان. ومن الطبيعي أن يهتمَّ العرب بالحيوان، أدباء وعلماء وفلاسفة؛ فالحيوان جزء من البيئة العربية. ولا يوجد مغزًى سياسي للحيوان عند أبي حيان كما هو الحال في «رسالة الحيوان» عند الإخوان. عرف أبو حيان الأديب أن الحيوان للإنسان مُداواة، رؤية إنسانية للحيوان، كما أدرك الحكمة والعناية في الحيوان كما يفعل المُعاصرون.١٨

والإنسان أشرف من الحيوان ومسخِّر له. وقد كان الأمر هكذا دائمًا؛ لأنه حاز جميع قُوى الحيوان، ثم زاد عليه بما ليس لشيء منه، فصار ربًّا له سائسًا ومُصرفًا وحارسًا. والملائكة أكمل بداية وليس بالجهد، خُلقت كاملة، ولم تُكلَّف بأن تكمل وتتكامل وتستكمل؛ لذلك لا يُقال عنها إنها حرمت الفضيلة. وبطبيعة الحال لا تخلو النظرة الإنسانية للحيوان من إسقاطٍ إنساني.

ويتعرض أبو حيان إلى أخلاق الجوع والشبع واختلاف معانيها حسب المواقف الفكرية، عند الصوفي والمتكلم والمواقف الحياتية مثل الطفيلي، والمهنية كالطبيب والقاضي، والحمال كالجندي والمكار والجمال، والمزاحية مثل الملاح والبخيل، والشعوبية مثل المدني واليمني والتركي والسمرقندي والهندي. وهي من أطول الرسالات.١٩ وهو موضوعٌ عصري يحصد مئات الألوف يوميًّا خاصة في أفريقيا. وتظهر بعض المصطلحات الدينية في التحليل مثل الفرائض والنوافل.
وبعد الجوع والشبع يأتي الجنس اعتمادًا على التجارب الشعرية والأدبية.٢٠ ولا حرج في الإشارة إلى الشذوذ الجنسي، السحاق واللواط كعاداتٍ عربية، وممارسات المُجون في بلاط الأمراء وقصور الأغنياء، والتي ألمح القرآن لها. يتحول السحاق إلى إبداعٍ أدبي في وصف الجسدَين المُتلاقيَين، وحرارة اللقاء، صور الجنس في صور الحرب، بداية بالجنس ونهاية بالنفس.٢١ وإذا تخاصم رجل وامرأة على تسمية الولد حكم القاضي دون حرج بسماع الشهود واستقصاء الأدلة. وكان التراشق بين الرجل والمرأة بالشعر الذي يرمز إلى الجنس شيئًا شائعًا بصرف النظر عن الرتبة الاجتماعية، لا فرق بين سيد وجارية.٢٢ ويتم ذلك بروح الفكاهة واللمحة والبداهة، وهو ما لا يستطيعه أحدٌ اليوم بعد أن تحوَّل الجنس والسياسة والدين إلى محرَّمات أو مقدَّسات لا يجوز الاقتراب منها.٢٣ ولا حرج عن الحديث عن ضيق الفَرْج ووسعه، والزواج بالمرأة لضيقها وتطليقها لوسعها. والرجال يشتاقون إلى الجِماع في الشتاء، والنساء في الصيف. فالزواج جنس، والحب إشباع. إلى هذا الحد وضع المرأة قديمًا، وقد يُشابهه وضع المرأة حديثًا في أديبات الجنس في الحضارة الغربية.٢٤
أخلاق الجنس والمُجون من مظاهر الأخلاق الإنسانية دون حرج في مجتمع مفتوح في السلوك والتعبير، وهي غير أخلاق الحب. الأولى بدنية خالصة، والثانية نفسية. ولا حياء في الدين. ولم يتحرَّج الرسول ولا أزواجه ولا الصحابة في تناوله والتصريح به. ويعتمد أبو حيان على أقوال الشعر في وصف أخلاق الجنس؛ فالشيخ أقرب الناس إلى الجنس وإن بدا مُتعففًا وقورًا، زاهدًا تقيًّا عفيفًا ورِعًا مؤمنًا، يصلِّي قاعدًا وينيك قائمًا، يعاف الغانيات ويشتهي الغلام، ويأنف من شهر الصيام الذي يمنعه من ممارسة الجنس وارتياد دُور اللهو.٢٥ بل إن النداء إلى الجماع لحظة إبداع أدبي.٢٦ ولم يكن هناك خجل في جِلسات الأمراء من الحديث عن الجنس أو ممارسته، والجاريات تعني بإشباع القدماء.٢٧ وفي نفس الوقت يصف أبو حيان انهيار الحب من الشعر إلى الجنس، ومن الأدب إلى الجسد، ومن الرومانسية إلى الحسية، ومن العلن إلى الستر، ومن الحق إلى السرقة، كما هو الحال في هذه الأيام.٢٨
ويتعرض أبو حيان لأخلاق التجار كحلقة وصل بين أخلاق البدن الفردي وأخلاق البدن الاجتماعي، ولكن بلغة الأدب، واستعمال بعض ألفاظ غير مألوفة إلا على الأدباء في عصره. وتشمل أخلاق المحبة والثناء، أخلاق الدهاقين ورؤساء الفُرس والصالحين وأهل العلم؛ أي أخلاق المهنة. وتقوم على المداهنة، والنفاق، والكذب، والبهتان، والغش في الموازين، والتحايل. هنا تتحوَّل الأخلاق إلى نقدٍ اجتماعي لممارسات العصر؛ فالأخلاق وصفٌ لما هو كائن وليس لما ينبغي أن يكون الذي لا يوجد إلا عند الخاصة والسلطان.٢٩
وتقوم أخلاق البدن على تحليلٍ نفسي فكري وجودي للفضائل، مع استعمال المأثورات من تاريخ الحضارات السابقة، بالإضافة إلى المصادر السلفية الخاصة كالصوفية والشعراء والأدباء والصحابة. والغالب هو الشعر، يقرضه السادة والعبيد، الأحرار والجواري، العرب والروميات. ويجمع أبو حيان عدة أشعار في مناسبات مختلفة حتى الملك وصاحب الدولة. وقد تحتوي الأشعار على بعض النظريات النفسية الحديثة.٣٠ ومعظم الليالي مناقشاتٌ أدبية، وأقلُّها مناقشاتٌ فلسفية، وأحاديث للظرفاء من الشعراء والتابعين والمُحدثين والبخلاء والمقاليج والنحويين والضعفاء والعُرج والمعلمين. البيئة أدبية، والفلسفة أحد عناصر الأدب. والصوفية مع الأدباء من أصحاب الأقوال. فالأدب هو الثقافة الأولى التي فيها يصبُّ باقي العلوم، الدين العلم والفلسفة والتاريخ؛ فالشعر ديوان العرب في جاهليتهم، كما أن القرآن ديوانهم في إسلاميتهم، في ثقافةٍ مركزية. ويُستعمل القرآن الكريم كمصدرٍ أدبي مع باقي الكتب المقدسة السابقة. ويبدو الأدب والثقافة سلوكًا شعبيًّا عامًّا وثقافة شعبية عامة، مثل تحليل كلمة «نعم» لمؤانسة الصاحب، ولسياغة اللقمة والإقبال على الشأن. وفي معظم الأحوال هناك اتجاهٌ إنساني عام للمساواة والعدالة الاجتماعية، الأخلاق المختلفة بالأمزجة المُتباينة والطبائع المُتنائية. وتكثُر أسماء الأعلام المحلية. ويرسم أبو حيان عديدًا من شخصيات النُّساك المحليين.٣١

وتُفسَّر الأخلاق أحيانًا تفسيرًا فيزيولوجيًّا حسب الطبائع الأربعة؛ فأخلاق الحرارة الشجاعة والبذل والغضب والذكاء، وأخلاق اليبوسة الصبر والثبات والبخل، وأخلاق الرطوبة اللين والسماحة والنسيان، وأخلاق البرودة البلادة والغلظة والثقل. وأساس الأخلاق خمسة؛ الشهوة، والطبيعة، والعادة، والشرع، والعقل؛ جمعًا بين الجسم والعقل.

والحركة والسكون خلقان. الحركة أنواع؛ طبيعية، وبدنية، ونفسية، وعقلية، وفلكية كوكبية، وإلهية. ويُدرَك السكون بالحس والحركة والعقل. ٣٢

(٣) أخلاق الروح

وهي أخلاق الثنائية المُتطهرة، أخلاق التضاد مثل أحوال الصوفية، وتضاد «الإشارات الإلهية»، ومثل أخلاق مسكويه وثنائياته والإخوان وثنائياتهم. كل أخلاق علوم الحكمة تعبِّر عن هذا الجانب في الحضارة الإسلامية، الصوفي الإشراقي المُغترب الذي يقوم على الثنائيات المثالية العقلية اليونانية؛ فالمثالية العقلية الوافدة هي الأساس النظري الثنائية الصوفية الموروثة.

ويُلاحَظ توزيع هذه الثنائيات بين ثنائيات الجسم، والمعرفة، والقيم الفردية، والقيم الاجتماعية.٣٣ أكبرها الأخلاق الفردية، ثم ثنائيات المعرفة، ثم الأخلاق الفردية، ثم ثنائيات الجسم. ويشرح ثنائية الإرادة والاختيار بالتضايف. فكل مراد مختار، وليس كل مختار مرادًا؛ لأن الاختيار أوسع نطاقًا من الإرادة.٣٤ الاختيار جولان وفوران، والإرادة فجأة ومُباغتة. الاختيار سعة للتمكن، والإرادة تضييق. الاختيار بالحب والروية، والإرادة بالكره الشديد. الاختيار محبة، والإرادة شهوة. الاختيار إيجاب، والإرادة سلب. ويعتمد أبو حيان على التحليل اللغوي للمصطلح؛ الإراغة من راغ يروغ، والإرادة من راد يرود، والشهوة من شهي أشهى، والمحبة من حب أحب. فاللغة جارية على الوسع والتضييق. التوسع للاقتدار والاختيار، والتضييق للتحديد والتشبيه. واللغة بين الإيجاز والإطناب، بين الكناية والتصريح، بين الإنجاز والإبطاء.٣٥ ومعرفة خصائص اللغة العربية ووقائعها وأساليبها في معرفة المصطلحات إبداعٌ خالص.

ويشرح أبو حيان كل ثنائية بصرف النظر عن مستواها البدني أو النفسي أو الفردي أو الاجتماعي. فثنائيات الجسم الطبيعي، وهو ما سمَّاه الإخوان «الجسمانيات الطبيعيات»، ليست من الأخلاق مثل الحياة والموت، والصحة والمرض، بل ويُعتبر من العقل والحمق من أخلاق الجسم. والخُلُق ابن الخَلْق في الأخلاق الطبيعية؛ لذلك قيل «الخلق ابن الخلق». والبعض مرتبط بالبدن والنفس، ولا يوجدان على الإطلاق، بل بالإضافة مثل الاعتدال والانحراف. والبعض الآخر يجمع بين الخُلق الطبيعي مثل الخَلق، ولكن الأطراف تكون مكتسَبة مثل الشجاعة والجبن، وهي من الأخلاق الفردية.

أما الثنائيات النفسية فغالبها ثنائياتٌ معرفية منطقية مثل الصواب والخطأ، وهما حكمان للأقوال والأفعال، وليسا بإطلاق، بل اعتمادًا على العقل. أما الإحسان والإساءة، وهما من الأخلاق الاجتماعية، فللأفعال والأقوال معًا. والخير والشر حكمان عقليان. والخُلق التابع للمزاج لا خُلُقان ولا خِلْقان مثل الحلم والسفه والطيش والوقار، والدماثة والكزازة، مزاجًا بالمران. وهي من الأخلاق الفردية. أما الجهل والعلم، والحق والباطل، والمعرفة والنكرة، والبيان والحصر، فهي من الأخلاق المعرفية. وقد تتعلق المعرفة والنكرة بالقُوى الغضبية والشهوية، ومنها ما يجمع الخُلُق والمزاج مثل الذكر والنسيان، وهما مُتعلقان بالقُوى العالمة والبهيمية من قُوى النفس. والغي والرشد ليسا خُلُقين، بل من صفات الأفعال الحميدة والذميمة والرأي للعقل. وبعضها من صفات النفس الناطقة مثل الشك واليقين، والصدق والكذب، للنفس الكاملة أو الناقصة.

أما ثنائيات الأخلاق الفردية فهي أحوال للقلب كما هو الحال عند الصوفية مثل الخوف والرجاء، والتوقِّي والتهور، والغبطة والحسد، والطمأنينة والتهمة. والبعض خُلُقان فقط مثل العفة والفجور، وطرفاهما العصمة والعدوان، والتنبيه والغفلة، وهما معرفيان، وطرفاهما الوحي والبهيمية، ومثل الذكاء والبلادة، والثقة والارتياب وهما معرفيان، والحركة والسكون وهما بدنيان.

وثنائيات الأخلاق الاجتماعية مثل الإلف والملل، والنصيحة والغش. وبعضها خُلُق يستحق المدح والذم مثل السخاء والبخل، وبعضها خِلقان بالفطرة، وبعضها صفات للفعل بالاكتساب مثل العدل والجور. ولا يشرحها أبو حيان كلها نظرًا لبداهة بعضها مثل الحسن والقبح، والخلاعة والوقار، والمدح والذم، والطمع واليأس، والحب والبغض، والهجر والسلو. والبعض رسمه أفضل من حده، مثل الغبطة والحسد.٣٦

وتتكرر بعض الثنائيات ثم تظهر ثنائياتٌ أخرى؛ مما يدل على إمكانية الاسترسال إلى ما لا نهاية، مثل العقل والحمق، العلم والجهل، التنبيه والغفلة، الذكاء والبلادة. وقد يتكرر أحد طرفَي الثنائية دون الآخر؛ مما يدل على غياب التضاد الدقيق، مثل الحلم والسخف، والحلم والسفه، والتيقظ والغفلة، واليقظة والنوم، أو الجرأة والجبن، والشجاعة والجبن. وتتداخل الثنائيات الطبيعية مثل الحركة والصورة مع باقي الثنائيات الأخلاقية. ويحدث تراكمٌ فلسفي؛ إذ يحيل أبو حيان إلى الكِندي وليس إلى الفارابي أو ابن سينا. وكلها منقولة على لسان عيسى بن زرعة وليس أبا سليمان. ولا يهمُّ أصحاب الأقوال بل الأقوال نفسها. لا يهمُّ الشخص بل الموضوع. لا يهمُّ السند بل المتن.

وتتكرر هذه الثنائيات من جديد في مَعرِض تحديد الألفاظ من لغويٍّ أديب أكثر منها من حكيمٍ فيلسوف. والشرح لا يتبع العرض ثنائيًّا، فلا يحتاج كل لفظ بالضرورة إلى تعريف؛ لذلك التعريفات للمعاني على اللغة مثل تحليل السيرافي للفظ الحلم، ولا فرق بين الحلم والتحلم.٣٧ وتظهر بعض التعريفات، مثل أن الأخلاق في الخلق أعراض، والأعراض منها لازم ومنها لاصق؛ فالأخلاق أعراض على الطبيعة؛ أي إنها مكتسَبة، والمكتسبة منها ما يكون عارضًا ومنها ما يتحول إلى طبيعة، نظرًا لصعوبة تحديد جامع مانع لها نظرًا لتداخلها. فالفكر نفسه روية وظن ووهم وتذكُّر وتخيُّل. والبديهة مرتبطة بالحس والاستنباط.٣٨
وتختلط الأخلاق مع الخلق إما بشدة أو بضعف أو بتوسط؛ مما يسهل أو يصعب تغييرها. كما تختلف بحسب المزاج، ومع ذلك فالتحديد نافع ومُثمر. والعادة حالٌ يأخذ بها المرء نفسه من غير أن تسريَ عليها ما هو مألوفٌ طبيعي. والطبيعة أشدُّ رسوخًا وأثبت عرقًا وأبعد عن الانتقاض. وأما العادة فجائزة وغير ضرورية الوقوع. الطبيعة هي الأصل، والعادة الفرع.٣٩

ويُحاول أبو حيان تعريف أحد طرفَي الثنائية اعتمادًا على أبي سليمان أو عيسى بن زرعة عن طريق القسمة؛ مما يدل على أن المُترجمين حكماء وليسوا فقط نقَلة. فالشجاعة مثلًا عند أبي سليمان إما شهوة للتحلِّي بالعفة، أو غضبية شفاءً من الغيظ، أو منطقية للحكمة. وبالرغم مما يوحي ذلك بالقسمة الأفلاطونية إلا أن المصدر الداخلي أيضًا واضح في ظهور بعض مصطلحات الشيعة مثل العصمة. والرغبة إما بهيمية أو سبعية أو نطقية. والنطقية إما بالصفة أو المفارقة أو العصمة بشرية أو ملكية. وأحيانًا يكون التعريف بنفي الضد، مثل الحلم ضبط الفكر بكفِّ الغضب، والعُجب وزن النفس بأكثر من مثقالها، النظر في النفس بعينٍ ترى القبيح جميلًا، والمُعجَب يدَّعي أن ما ينبغي أن العجب منه قد حصل له من غير أن يكون كذلك. والوفاء قضاء حق واجب، وإيجاب حق غير واجب، مع رقةٍ إنسية وحفيظةٍ مرعية. والرغبة حركة تكون من شهوة يُرجى بها منفعة. وأحيانًا يكون التعريف عن طريق تحديد الوسط بين طرفَين؛ فالعدل هو القسط القائم على التساوي، والكآبة إفراط في الحزن، والعفة واسطة بين المفارقة والعصمة، والعصمة واسطة بين البشرية والملكية، والعجب وزن النفس بأكثر من مثقالها. والوسط أقرب إلى أحد الطرفَين. والمهنة صناعة، ولكنها إلى الذل أقرب. والصناعة مهنة، ولكنها ترتفع عن توابع المهنة.

وأحيانًا يتم وضع عديد من الفضائل والرذائل في مجموعةٍ واحدة. كما اعتبر أبو سليمان الحزن والغم والهم والأسى والجزع والخور من شجرةٍ واحدة، ومن الأخلاق المذمومة الغضب والكذب والجهل والجور والدناءة. وقد تحدد المواقف الأخلاق فضيلة أم رذيلة. قد تكون في بعض الرذائل فضائل إذا وُضعت مكانها الصحيح، وبعض الفضائل رذائل إذا وُضعت في غير مكانها؛ فالغضب لا يكون مذمومًا إلا إذا أُعمل في غير أوانه، وعلى غير ما يأذن الناموس. وأما الكذب ففيه أيضًا مصالح، كما أن الصدق ربما أفضى إلى كثير من المفاسد. فأخلاق المواقف هي التي تحدِّد الرذيلة أم الفضيلة.٤٠
١  أبو حيان، المقابسات، ص٣٧٢، ٢٦٥.
٢  السابق، ص١٦٨-١٦٩؛ الإمتاع والمؤانسة، ج١، ٤٦.
٣  «في أن الإنسانية أفق، والإنسان مُتحرك نحو أفقه بالطبع» (المقابسات، ص١٩٧-١٩٨).
٤  السابق، ص١٩٧-١٩٨، ٣٧٤؛ الإمتاع، ج٥، ٣٩-٤٠.
٥  فلان ملء العين والنفس، المقابسات، ص٤٣٧-٤٣٨؛ في شرف الزمان والمكان وتفاوت الناس في الفضيلة، ص١٤٣-١٤٤؛ في أن الوسط فيه الطرفان، ص٢٦٧–٢٧٠؛ في الصديق وحقيقة الصداقة وفلسفة العشق والحب وفي تعريفات فلسفية صالحة، ص٣٥٩–٣٧٨؛ في أن الخير على الحقيقة هو المراد لذاته، والخير بالاستفادة هو المراد لغيره، ص٢٨٦.
٦  هذا هو أيضًا تصور الإنسان عند ديكارت في بداية العصور الحديثة الغربية في «مقال في الإنسان»؛ أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٢، ٨٧؛ انظر أيضًا دراستنا «لماذا غاب مبحث الإنسان في تراثنا القديم؟ دراسات إسلامية»، ص٣٩٢–٤١٥.
٧  ومن الموضوعات الطبيعية: العنصر، الهيولى، الجوهر، القادر، انفعال للحيز، النفس، الحس، الحركة، الفرح، النوم، الإرادة، اللذة.
٨  من أهم الموضوعات الأخرى: العلم بالحق، العمل بالحق، الروح، الرأي، السعادة، الجودة، الظن، الدنيا، الخير بالحقيقة، الشر، الاختيار، النفع، الشجاعة، القشرح، العجول، الركيز، الحسود، الذحل، الحقد، الغضب، العجب، الرضا، الحيار، الاستطاعة، الشهوة، المحبوب (المقابسات، ص٢٥٠، ٣٠٨–٣١٩، ٣٤٧، ٣٦٣–٣٧١، ٢٠٦–٢١٦؛ الإمتاع، ج١، ٢٠٦–٢١١).
٩  مثل الرطوبة واليبوسة، الحس والعقل، النفس والطبيعة، أحكام الفلك، فناء الزمان، المعرفة والعلم، إرادة الخير والجود على الناس (السابق، ص٣٧٢-٣٧٣).
١٠  أبو حيان، المقابسات، ص٣٧٣–٣٧٨.
١١  السابق، ص٣٢٩.
١٢  الليلة التاسعة والثلاثون، السابق، ج٣، ١٦٢–١٨٥
١٣  مثل: اللفيف = الصديق. العِلق = النفيس من المتاع. السُّحت = هنية أهل الخير. الوضائع = الخسائر. المسترسلون = إذا انبسط إليه واستأنس.
١٤  أبو حاتم السجستاني: إذا مات لي صديقٌ سقط لي عضو (الصداقة والصديق، ص١٧). علي بن أبي طالب: قليل للصديق الوقوف على قبره (السابق، ص٢٢). الخليل بن أحمد: الرجل بلا صديق كالعين بلا شمال (السابق، ص٢٨). ومن أقوال الشعراء:
بيني وبين لئام الناس معتبة
ما تنقضي وكرام الناس إخواني
إذا لقيت لئيم القوم عنَّفني
وإن لقيت كريم القوم حيَّاني
وكنت إذا الصديق أراد غيظي
وأشرقني على حذق بريقي
عفوت ذنوبه وصفحت عنه
مخافة أن أعيش بلا صديق
لله في الأرض أجناد مجندة
أرواحها بيننا بالصدق تعترف
والأمثلة كثيرة من الوزير، وأبي سليمان، وعمر بن عبد العزيز (السابق، ص٣٧، ١٢١).
١٥  الاقتصار على تحليل اللفظ مثل المدرسة التحليلية المعاصرة في الغرب. والمعنى وحامل المعنى هما عند هوسرل Noése, Noême.
١٦  أبو حيان، الصداقة والصديق، ص٣–١٤، ١٧-١٨، ٣٤، ١١٩-١٢٠.
١٧  هو قولٌ مأثور عن عائشة (أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ٢٠٠).
١٨  أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٢، ١٥٨؛ طباع الحيوان، ج١، ١٩٥–١٩٧. وقد تختلف معرفتنا الآن عن الحيوان عما عرفه القدماء، وأصبحنا ننقل «عالم الحيوان» من الشرائط الغربية إلى إدهاش الأطفال، واستعمالها كأدلة على وجود الله دون علم أو أدب، بل من أجل الدين؛ فالطبيعة ليست باعثًا في فكرنا الحديث.
١٩  الليلة الثانية والثلاثون، أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ١–٦٦، وموضوعات «الإمتاع» الطعام، والدين، والجنس، والملوك، والأدب، والأمثال.
٢٠ 
قالت ماجنة ليلة عرسي
ثقبوا بالأير كسي
الإمتاع والمؤانسة، ج٢، ٥٧.
٢١  قالت ماجنة: الحق أخفى، والنيك أشفى (السابق، نفس الصفحة).
وقال مخنث: لما تدانت الأشخاص، ورق الكلام، والتفَّت الساق بالساق، ولطخ باطنها بالبزاق، وقرع البعض بالذكور، وجعلت الرماح تمور، صد الكريم فلم يجزع، وسلَّم طائعًا فلم يخدع، ثم انصرف القوم على سلم، بأفضل غنم، وشُفيت الصدور، وسكنت حرارة النفوس، ومات كل وجد، وأُصيب مقتل كل هجر، واتصل الحبل، وانعقد الوصل (السابق، ج٢، ٥٢-٥٣).
٢٢  قدِم رجل مع امرأة إلى القاضي ومعها طفل، فقالت: هذا ابنه. فقال الرجل: أعزَّ الله القاضي، ما أعرفه. فقال القاضي: اتقِ الله؛ فإن النبي يقول: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر.» فهذا وأمه على فراشك. قال الرجل: ما تنايَكنا إلا في الاست، فمن أين لي ولد؟ فقالت المرأة: أعزَّ الله القاضي، قل له ما رأيت يُعرفه. فكفَّ الرجل، وأخذ بيد ولده وانصرف (السابق، ج٢، ٥٤-٥٥). ودخل أبو نُواس على يمنان جارية الناطقى فقال لها:
لو رأى في البيت حجرًا
لنزا حتى يموتا
أو رأى في البيت ثقبًا
لتحوَّل عنكبوتا
فأجابته: زوجوا هذا بألف
وأظن الألف نونا
قبل أن يتغلب الدَّا
ء فلا يأتي ويُوتى
السابق، ج٢، ٦٠.
٢٣  انظروا دراستنا «المحرَّمات الثلاث، الدين والثورة في مصر»، ١٩٥٢–١٩٨١، ج١، في الثقافة الوطنية، ص٢٦٧–٢٦٩.
٢٤  تزوَّجها أربعة يتلقَّونها كالبكر ثم يُطلقونها، فسألوها فقالت: يريدون الضيق، ضيَّق الله عليهم (الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ١٤٦).
٢٥ 
شيخٌ يصلِّي قاعدًا
وينيك عشرًا من قيام
ويعاف نيك الغانيا
ت ويشتهي نيك الغلام
وتراه يرعد حين يُذ
كَر عنده شهر الصيام
خوفًا من الشهر المعذ
ب نفسه في كل عام
سلس القياد إلى التصا
بي والملاهي والحرام
٢٦  قالت ماجنة تدعو رجلًا: ضُر وسُر، وقُد وارقد، واطَّرح واقترح (السابق، ج٢، ٥٥).
٢٧  دعا مُرَّة قومًا وأمر جاريته أن تبخرهم، فأدخلت يدها في ثوب بعضهم فوجدت أيره قائمًا، فجعلت غرسه وتلعب به وأطالت، فقال مولاها: أيش آخر هذا العود، أما احترق؟ فقالت: يا مولاي، هو عقدة!
٢٨  قال مزبد: كان الرجل فيما مضى إذا عشق الجارية راسَلها سنةً، ثم رضي أن يمضغ العلل الذي تمضغه، ثم إذا تلاقيا تحدَّثا وتناشدا الأشعار؛ فصار اليوم إذا عشق الجارية لم يكن له همٌّ إلا أن يرفع رجلها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة (السابق، ج٢، ٥٥). وعن ابن سيرين، كانوا يعشقون من غير رِيبة؛ فكان لا يُستنكر من الرجل أن يجيء فيُحدِّث أهل البيت ثم يذهب. قال هشام: ولكنهم لا يرضَون اليوم إلا بالمواقعة (السابق، ج٢، ٥٦). وعن الأصمعي، قلت لأعرابي: هل تعرفون العشق بالبادية؟ قال: نعم، أيكون أحدٌ لا يعرفه؟ قلت: فما هو عندكم؟ قال: القُبلة والضمَّة والشمَّة. قلت: ليس هو هكذا عندنا. قال: وكيف هو؟ قلت: أن يتَّخذ الرجل المرأة فيُباضعها. فقال: خرج إلى طلب الولد (السابق، ج٢، ٥٦). يمكن أن يصبح هذا موضوعًا لإحدى الرسائل الجامعية، أخلاق المجون عند بعض الفئات الاجتماعية، مثل الشعراء والصيَّادين والشُّطار والملامتية والقوَّادين والجواري، بالتعاون مع أقسام الاجتماع.
٢٩  أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٢، ٦٢؛ ج٣، ٦٤.
٣٠  مثل عقدة أوديب عندما أخبرت امرأة أن ابنها قد اغتر (شعر)، فقال الزوج: أتبتسر تغني بعدو الخبز؟ (ج، ٥٠).
٣١  مثل عاد، ومالك، وعمار، وححمة، وقزرعة، وطفيل، وشمر، وقيق، ونثفي (السابق، ج٣،  ٣٦،  ٤٩-٥٠).
٣٢  أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ٢٠٠.
٣٣ 
أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج١، ١٤٧–١٥١.
٣٤  وهذا عكس ديكارت، أن الإرادة أوسع نطاقًا من الذهن طبقًا للخطيئة الأولى والنظرة الإرادية.
٣٥  أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، ج٣، ١٠٥–١٣٧.
٣٦  السابق، ج١، ١٥٢–١٥٧.
٣٧  السابق، ج٣، ١٢٩.
٣٨  السابق، ج٢، ١٢٧–١٤٧، ٣٧٠.
٣٩  السابق، ج٣، ١٢٨-١٢٩، ١٣٣.
٤٠  السابق، ج٣، ١٢٩–١٣٢.