من النقل إلى الإبداع (المجلد الثالث الإبداع): (٣) الحكمة العملية: الأخلاق – الاجتماع والسياسة – التاريخ

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

سابعًا: الإنسان موجودٌ أخلاقي (مسكويه)

الإنسان هو الموجود الوحيد الأخلاقي؛ إذ تتفاوت مراتب الوجود بين مرتبتَين طبقًا للثنائية المُتطهرة والتصور المثالي للعالم؛ البهيمية والإنسانية، الأدون والأفضل أو الأعلى وتشمل البهيمية. الأدون ثلاث مراتب؛ الجماد والنبات والحيوان.١ فالإنسان هو الوحيد الموجود الأخلاقي الحُر.٢

وتتفاوت مراتب الصناعات شرفًا حسب تفاوت مراتب الموجودات، وأشرف الصناعات ما اعتنت بتجويد الأفعال حتى تصدر كاملةً بحسب جوهرها؛ أي الأخلاق. ووجود الإنسان مُتعلق بقدرة فاعله وخالقه. أما تجويد جوهره فمُفوَّض إلى الإنسان ومُعلَّق بإرادته. الوجود من الله، والتحسين من الإنسان. النشء من الله، والتكوين من الإنسان. الأخلاق هي الحرص على الخيرات التي هي كمال الإنسان ولأجلها خُلِق. وإن لم يستطع الارتقاء إلى كماله فإنه يهبط إلى مرتبته البهيمية. وكمال الإنسان كمالان؛ نظري وعملي؛ علوم ومعارف من ناحية، وأخلاق وتربية من ناحيةٍ أخرى. وقد يرى البعض أنه من الأفضل أن يكون الإنسان أصل وجوده، لا يغترب ويُعلق التحسين على غيره.

ومن أين يأتي لفظ أخلاق؛ أمن الخُلق أم الخَلق؟ هي حالة للنفس تكون بها داعية على أفعالها من غير فكر ولا روية؛ أي إنه استعداد. وقد يكون الخلق طبيعيًّا فطريًّا مزاجيًّا، وقد يكون عاديًّا مكتسَبًا، تعليميًّا تدريبيًّا؛ فالخلق به فضلٌ زائد على الطبيعة بالفعل الإرادي والاختيار الحر والتدريب والتهذيب. وقد اختلفت القدماء في الخلق بين أن يكون خاصًّا بالنفس غير الناطقة وأن يكون خاصًّا بالنفس الناطقة، كما اختلف الناس فيه أن يكون طبيعيًّا لا يُنقَل وأن يكون لا طبيعيًّا ولا غير طبيعي، بل يتم الانتقال إليه بتأديب والمواعظ على نحوٍ سريع أم بطيء. وقد اختار مسكويه أن يكون خاصًّا بالنفس الناطقة، وأن يكون مُنتقلًا بالتأديب والتهذيب؛ لأنه أقرب إلى المشاهدة العيانية، وتُصدقه التجربة. وعيوب الرأي الآخر إبطال قوة التمييز والعقل، ورفض السياسات، وترك الناس هجمًا، وترك الأحداث والصِّبيان بلا تعليم. والناس إما أخيار بالطبع، أو أشرار بالطبع، أو خيار وأشرار.٣ وواضحٌ اتساق البنية، الوسط بين الطرفين الذي به إمكانية الحركة والاكتمال والرُّقي. وعلى هذا النحو تبدو الأخلاق عند مسكويه أكثر تنظيرًا وتحليلًا للتصورات عن طريق القسمة، وأقلها إنشائيات ومواعظ. ويقوِّم بعض الآراء وتقبيحها ونقدها، ويرفض ما يرفض، ويقبل ما يقبل. يجمع بين الوافد والموروث، ومن الوافد يجمع بين أفلاطون وأرسطو. والعبارة سليمة وواضحة باستثناء بعض الألفاظ هنا وهناك.٤

(١) اللذة والخير والعادة

وكمال الإنسان في اللذات المعنوية وفي الخير وفي السعادة. فاللذات نوعان؛ حسية ومعنوية، وسعادة الإنسان ليست في اللذات الحسية، ولا تُجند كل قُوى النفس الناطقة والذاكرة والحافظة لخدمة اللذات الحسية، وتحويل النفس الشريفة إلى عبدٍ مَهين أجير. الإنسان موجودٌ وسطٌ بين الحيوان والملائكة، يهبط إلى مرتبة الحيوان باللذات الحسية، ويصعد إلى مرتبة الملاك بالذات المعنوية. وينشأ حب اللذات الحسية بسبب الألم وخشيته؛ فالضد يؤدي إلى الضد، وهو السبب الذي يؤدي إلى تصور الجنة تصورًا حسيًّا استمرارًا لها وتمسكًا بها. إذا كانت غاية الإنسان اللذات الحسية فإنه يتصور الجنة كذلك، إسقاط ما بالنفس في الخارج بحثًا عنها، ثم إلى أعلى جريًا وراءها؛ إلى الله والعالم العلوي من الإنسان والعالم السفلي، وتأويل الأعلى بالأدنى. وهذا هو رأي الجمهور من العامة والرعاع وجُهال الناس السقاط؛ أي الطبقة الدنيا، من يريد الدخول مع الله متاجرةً مثل الطبقة الوسطى أو الصوفية، زهادًا في الظاهر، وفي الباطن يرغبون المزيد مثل الطبقة العليا.٥
واللذة نوعان؛ انفعالية وفعلية، أنثى وذكر، عرَضية وذاتية، ناقصة وتامة. ولذة السعادة من الطرف الثاني. وترجع ثنائيات الحسي والمعنوي إلى ثنائياتٍ فلسفية مثل عملي ونظري، مادة وصورة، جزئي وكلي، العالم والله، فناء وبقاء، بدن ونفس، شك ويقين، إلحاد وإيمان، كمال ثانٍ وكمال أول. واختيار أحد طرفَي الثنائية يؤدي بالضرورة إلى اختيار نفس الطرف في باقي الثنائيات.٦

والسؤال هو: هل هذه الثنائيات مقولاتٌ معرفية أم وجوديةٌ طبيعية، ذاتية أم موضوعية، أم إنها ضيقٌ نفسي واغتراب عن العالم؟ وأحيانًا تغيب هذه الثنائية المُتطهرة، ويتم التوحيد بين إيجابيَّين مثل الكمال والغاية، كما هو الحال عند أرسطو في التوحيد بينهما.

والخير هو الغاية الأخيرة المقصود من الكل مثل الشيء النافع، توحيدًا بين الخير والنافع. إنما تنقسم الخيرات قسمَين؛ الأول ليست غايات مثل العلاج والتعليم والرياضة، والثاني غايات تامة مثل السعادة. السعادة خير بالإضافة إلى صاحبها، وهي كمال له. وقد تكون لغير الناطقين حين قبول كمالاتها. الخير عام للكل، والسعادة مختلفة بحسب الوجود. والخير لا خلاف عليه، والسعادة عليها خلاف. ما يأتي للحيوان بخت واتفاق وليس سعادة؛ فالسعادة مقولةٌ إنسانية مرتبطة بالروية والإرادة.٧

ولما ارتبط الخير بالغاية فإن الغاية طبقًا لأرسطو ورواية عن فرفوريوس تنقسم أربعة أقسام؛ الأول نافعة لا لذاتها، بل للتوصل بها إلى الخير. والثانية بالقوة كذلك بمعنى التهيُّؤ والاستعداد لنيل ما تعدم. والثالثة ممدوحة، وهي الأفعال الجميلة الإرادية توحيدًا بين الجمال والخير. والرابعة شريفة في ذاتها مثل الحكمة والعقل.

والخير بالنسبة لتأثيره أربعة أنواع؛ خارج عن التأثير لغيره ولذاته، ومؤثر لغيره ولذاته، ومؤثر لغيره، ومؤثر لذاته. فالخير كمًّا عملي.٨

والخير بالنسبة للضرورة والإطلاق نوعان؛ الأول خير عند الضرورة والاتفاق للبعض دون البعض، وفي بعض الأوقات دون البعض. وهو نوعان؛ ليس لجميع الناس، ولا من جميع الوجوه، ولا في جميع الأوقات؛ وخير لجميع الناس من جميع الوجوه وفي جميع الأوقات. والثاني خير على الإطلاق.

والخيرات إما أفعال أو أحوال. والأحوال إما مواد أو آلات. وأحوال الخير أفضل من أفعال؛ لأنها تُعبر عن طبيعةٍ ثابتة وليس عن أفعالٍ مُتغيرة.

كما ينقسم الخير باعتباره جوهرًا إلى أعراضٍ تسع؛ الجوهر هو الله، والكيفية الذات، والكمية القوى والملكات والعدد والمقدار، والإضافة الصداقات والرياسات، والأين والمتى المكان المعتدل في الزمان الأنيق، والموضوع العقود، والملك الحوال، والفعل الأمر، والانفعال السماع.

ويمكن قسمة كل خير إلى ذاتي وعرَضي؛ فالإحسان العرضي ينقطع ويلحق العدم، والإحسان الذاتي يبقى ولا ينقطع، ويزيد ولا ينقص، مثل الشعر. والمعروف العرَضي من أجل الرياء أو الذكر الجميل، والمعروف الذاتي من أجل الخير لنفسه.

والسعادة على ثلاث مراتب؛ الأولى في الدنيا مثل البدن أو البخت (الرواقيون والطبيعيون)، والثانية في الدنيا وفي النفس (الحكماء وأرسطو ومسكويه والإسلام)؛ والثالثة في النفس وحدها وفي الآخر بعد المفارقة (فيثاغورس، أبقراط، أفلاطون، المسيحية، الدين الإشراقي). وهي قسمةٌ تقوم على ثنائيات الدنيا والآخرة، وإيثار أحدهما على الآخر أو الجمع بينهما.

والسعادة عند مسكويه هي الأخلاق الدينية، وهي أول رُتَب الفضائل وآخرها. فالفضيلة ثلاثة أنواع؛ الأول العالم المحسوس، عالم البدن. والثاني صلاح النفس دون أهواء وشهوات. والثالث الفضيلة الإلهية المحضة. والشهوات على أنواع؛ إما حسب اختلاف طبائع الناس، أو حسب العادات، أو حسب منازلهم من الفضل؛ على خمس مراتب؛ صحة البدن ولطف الحواس، مثل اعتدال المزاج والثروة والأعوان، وحسن الأحدوثة والذكر بين الناس وأهل الفضل، والتنجيم في الأمور مع التكتم والعزيمة، وأخيرًا جودة الرأي وصحة الفكر وسلامة الاعتقاد؛ أي السعادة في الدين.٩ فإذا تحوَّلت الغايات إلى سيرٍ ظهرت سيرٌ ثلاث؛ سيرة اللذة، وسيرة الكرامة، وسيرة الحكمة. وسعادة الإنسان على مراتب حسب تميُّزه ورويَّته، بحسب الروية والمروي فيه. وأفضل الروية ما كان أفضل مروي، ثم نزولًا لا تدريجيًّا حتى النظر في العالم الحسي؛ فالراحة البدنية ليست من أسباب السعادة، أو هي أدنى درجاتها.١٠ وربما اختلف العصر الآن، وأصبحت الراحة البدنية وإشباع الحاجات الأساسية أحد المطالب الرئيسية للعصر. مشاكل العصر من متاعب البدن، الغذاء والمواصلات والإسكان والنظافة. أما النفس فما زالت مُتميزة عن البدن، تسعى للبقاء، وأحيانًا تخضع لمتطلبات البدن، والضرورات تُبيح المحظورات بدلًا من البكاء على أخلاقيات العصر.

ويُلاحظ قدرة مسكويه على التقسيم والتنظير والترتيب والتقييم والنقد وإدخال الوافد والموروث ضِمن قسمة عقلية واحدة، حتى ولو بدت بعض الألفاظ المعرَّبة، مثل الأرثماطيقي استمرارًا للإخوان.

ويظهر الدين في قسمةٍ أخرى لمراتب السعادة في خمس؛ من البدن إلى الثروة، إلى السيرة، إلى العلم، إلى الاعتقاد. وتحتاج السعادة الإلهية إلى غيرها للظهور، مثل حاجة الحق إلى الباطل عن طريق الأضداد، أو حاجة أبسال (الوحي) إلى يقين حي بن يقظان (العقل والطبيعة)، تمثلًا للوافد في منظور الموروث، كما يحتاج الإنسان إلى الوالدَين، وكلاهما عنصران للتربية.

(٢) معرفة النفس

وبعد تأسيس علم الأخلاق الإنساني العام، فالإنسان هو الوحيد الموجود الأخلاقي الحر، يتم تأسيس علم الأخلاق النفسي أو علم النفس الأخلاقي. ويتم ذلك طبقًا لإحصاء العلوم وترتيب كل صناعة على مبادئها؛ فالأخلاق علمٌ عملي، صناعة، وعلم النفس مبادئه نظرية.

وتحليل النفس يؤدي إلى معرفة قُواها، ومعرفة قُواها تؤدي إلى معرفة فضيلة كل قوة وفضائلها جميعًا؛ لذلك لزِمت معرفة النفس ماهيتها، وهي استقلالها عن البدن، وغايتها، وهي كمالها في الخير والسعادة، وقُواها الثلاث، الشهوانية والغضبية والناطقة، وعوائقها من البدن، وما يُزكيها من الفضائل، وما يُدسيها من الرذائل. البداية بمعرفة النفس لا بمعرفة الدنيا والجاه والسلطان، اتجاه إلى الداخل وليس اتجاهًا إلى الخارج. وماهية النفس ليست جسمًا ولا جزءًا من جسم ولا عرَضًا، ولا تحتاج في وجودها إلى قوةٍ جسمية، بل هي جوهرٌ بسيط غير محسوس. تعريف النفس في البداية الجذرية لإثباتها. هناك براهين طبيعية على استقلال النفس وتمايزها عن البدن مثل براهين الفلاسفة، وكأنها مُستقاة من الفلسفة، وإثبات أنها ليست جسمًا ولا جزءًا من جسم، وليست كمًّا، ولا أبعاد لها، كما هو الحال في اللاهوت السلبي في نفي صفات النقص عن الله.١١
وواضحٌ أهمية النفس في علوم الحكمة؛ فهي ليست فقط أحد موضوعات الحكمة النظرية، بل هي أساس الأخلاق في الحكمة العملية. والسؤال هو: هل تقوم الأخلاق على أُسسٍ نفسية، والنفس مُتميزة عن البدن؛ أي إنها تقوم على البدن، والبدن في مجتمع، والمجتمع في العالم؟ هل يمكن إعادة بناء الأخلاق بعيدًا عن ثنائية النفس والبدن القديمة، نفس وبدن، جوهر وعرَض، صورة ومادة، عقل وحس، أعلى وأدنى، أشرف وأخس، فضائل ورذائل، خيرات وشرور، دوافع ومُعوقات، إنسان وحيوان، إلى وحدة الإنسان الحديثة؟١٢
ولا تقوم الأخلاق النفسية على برهان، بل على مقدماتٍ مطلوبٍ إثباتها، مثل استقلال النفس عن البدن لبيان سعادتها ومفارقتها. والغاية الإلهية كنتيجة هي التي فرضت هذه المقدمة.١٣ والتحليل أقرب إلى العواطف الدينية منها إلى التحليل العقلي. وهي بداية الذاتيات الفارغة، مثل «فإن تشوقها إلى ما ليس من طباع البدن»، وترك الخبر إلى الإنشاء. إن رئاسة البدن للدماغ والقلب أشرف موضوعَين فيه حكم شرف وقيمة؛ لذلك يتَّسم الفكر النفسي الأخلاقي بالتطهُّر، وأحكام القيمة، والتشخيص العاطفي، والاغتراب، والإيمان والتعويض.
وتقوم الأخلاق على علم النفس الخالص السابق على التجربة، علم النفس العُلوي، مصدر القياسات الصحيحة. ونظرًا لخطأ الحواس لا يعتمد العقل على الحس؛ ومن ثَم نشأت ضرورة وجود علم أوَّلاني، وإلا تسلسلت العلوم إلى ما لا نهاية. وهو علمٌ عقلي خالص، العقل والعاقل والمعقول فيه شيءٌ واحد لا فرق فيه بين الذات والموضوع، بين المعرفة والوجود، بين الذات الإنسانية والذات الإلهية؛ فكلاهما خالص. ومثال مصادرات هذا العلم الأوَّلاني تعريف بأنها وسط بين طرفين.١٤
ومعرفة النفس نظريًّا شرط كمالها العملي؛ فلا تحصل الفضائل إلا بعد تطهُّر النفوس من الرذائل، وهي أضدادها؛ الشهوات الرديئة الجسمانية، والنزوات الفاحشة البهيمية، وهذا لا يتم إلا بعد المعرفة.١٥ وهناك قوة واستعداد وتهيؤ في النفس قد تكون خيرًا أو شرًّا طبقًا للإرادة والروية.
والسؤال هو: هل وظيفة النفس الهرب حتى من أفعال الجسم أم التعاون معه والاتحاد به؟ لماذا اعتبار البدن سلبًا، واتهامه باللذات والفواحش والنزوات والمآكل والمشارب والمناكح، وكأنَّا نقائص، وكأن الناس لديهم فائض منها؟ ثم تعود مشاكل البدن، وتفرض نفسها بالضرورة تحت صفاء النفس، فينشأ النفاق، وفي أحسن الأحوال الازدواجية.١٦ ولماذا تكون المعارف والعلوم أفضل من العمليات والأفعال؟ هل هذا يونانيٌّ وافد أم تطهُّر واغتراب عن واقعٍ معاش وثقافةٍ مُغتربة؟
وتستمر الإنشائيات والانفعاليات والذاتيات في مزاحمة القسمة العقلية، مثل «شوق النفس إلى أفعالها الخاصة». وهو نوعٌ من النرجسية، مثل العقل والعاقل والمعقول بناءً على تشخيصٍ انفعالي.١٧ ويسهل إعطاء النصائح وصياغة الخُطب لدرجة الخطاب الساذج، وفرقٌ بين عالم التمنِّيات وعالم الواقع.

وبالرغم من أن الطبيعيات مستقلة عن الأخلاق إلا أنها مستعملة أيضًا فيه للتشبيه، كأن الأخلاق هي الأساس. والعلم الطبيعي يُشارك فيه الإنسان من حيث هو بين سائر الموجودات، الجمال والحيوان والإنسان، ولكنه يتفرد بعلم الأخلاق.

لذلك تنقسم قُوى النفس قسمةً ثلاثية شهيرة بصرف النظر عن مصدرها، الوافد أم الموروث، أفلاطون أم القرآن. وربما يعتمد كلاهما على العقل البديهي وعلى القسمة العقلية.١٨ لكلٍّ منها مكان في البدن، وفضيلة في النفس. وهي من أسفل إلى أعلى: القوة الشهوية أو البهيمية، ومكانها الكبد، وفضيلتها العفة أو السخاء ضد الشره، وأحيانًا يكون الجود بها نفاقًا. والقوة الغضبية أو السبعية، ومكانها القلب، وفضيلتها الشجاعة أو الحلم أنفًا. والقوة الملكية، قوة النظر والفكر والتمييز، ومكانها الدماغ، وفضيلتها الحكمة، والعلم استبصار. وتدل التشبيهات، مثل ملكية وسبعية وبهيمية، على أن الإنسان وسط بين الملاك والحيوان.١٩ وأحيانًا تُسمى القُوى الثلاث البهيمية مثل الخنزير، والسبعية مثل السبع، والناطقة مثل الملك.

وتظهر هذه القوى النفسية على نحوٍ ارتقائي كما هو الحال في علم النفس الارتقائي المعاصر، ابتداءً من الغذاء إلى الإشباع العاطفي، إلى النطق، وهو مناط التكليف، وهو آخرها ظهورًا. وبالرغم من تعدُّدها إلا أنها نفسٌ واحدة. ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة كما هو الحال في تصور الألوهية في المسيحية في علاقة الوحدة بالكثرة.

وتنقسم الآراء طبقًا لقسمة قُوى النفس؛ فهناك آراءٌ مهينة عادمة للأدب بالطبع، وهي آراء النفس البهيمية؛ وهناك آراءٌ عادمة للأدب وتنقاد له في نفس الوقت، وهي آراء النفس الغضبية؛ وهناك آراءٌ كريمة أدبية بالطبع، وهي آراء النفس الناطقة.

والواجب على العاقل تكميل النفس العاقلة، وإكمال نقائص السبعية والبهيمية. ومن واجباته أن يعرف ما ابتُلي به الإنسان من نقائص جسمية ونفسية لإكماله بالغذاء واللباس والجماع، ثم يلتمس الفضيلة في النفس العاقلة التي صار بها إنسانًا.

وتظهر الأخلاق الدينية في تقسيم العدالة قسمةً ثلاثية؛ فالعدالة بالنسبة للأسلاف وأداء الديون وتنفيذ الوصايا أقرب إلى النفس الشهوية، والعدالة بالنسبة إلى الإنسان وأداء الحقوق والأمانة والنصَفة في المعاملات وتعظيم الرؤساء أقربُ إلى النفس الغضبية، والعدالة بالنسبة لله شكر المُنعِم ومعرفته أقرب إلى النفس الناطقة.٢٠
ولكل قوة من قوى النفس الثلاث آدابها، وهي آدابٌ جميلة للفقراء والأغنياء على السواء، جميلة للفقراء وأجمل للأغنياء؛ إذ تخترق الفضائل الطبقات الاجتماعية. وهنا يتم الانتقال من الأخلاق الفردية إلى الأخلاق الاجتماعية؛ بمعنى العادات والسلوك والملابس وآداب المطاعم والآداب المتنوعة.٢١

وتختلط آداب النفس البهيمية الشهوانية مع آداب النفس الغضبية السبعية؛ فالتنبيه على مضارِّ النبيذ والأشربة المُسكرة للبدن لأنها تحمل النفس على سرعة الغضب والتهوُّر والإقدام على القبائح والقمة وسائر الخصال المذمومة. وهو تنظير للموروث لأسباب تحريم الخمر في الشريعة.

وآداب المطاعم ليست فقط تمثلًا للوافد، بل تنظير للموروث في الطب النبوي؛٢٢ فالغذاء للصحة لا للذة، دواء ضد الجوع.٢٣ وتختلف عادات الشعوب في ذلك.٢٤
والآداب المُتنوعة تجمع بين فضائل النفس البهيمية والنفس الغضبية؛ فبعد الغذاء الحركة، والبحث عن اللين والتماسه بالصوت، ثم التحرك بالآلات التي تخلق الشوق على الأفعال، ثم الحواس والتخيل، ثم الغضب، ثم العقل والتمييز، حتى الانتهاء إلى الغاية الأخيرة، وهي الخير المطلق. وأول ما يظهر في العقل الحياء، مثل الصبي الذي يجب تربيته على حب الكرامة.٢٥
وأولى الناس بالملابس النساء ثم الرجال ثم العبيد ثم الخوَل. ويلبس أهل الشرف البياض كما هو الحال عند اليونان والرومان ومصر القديمة والعرب.٢٦ وكلها عاداتٌ مُتغيرة طبقًا للمجتمعات وأمزجة شخصية وميراث تاريخي لا يمكن تعميمه على كل الشعوب. هي أذواق أو عاداتٌ شعبية تختلف من فرد إلى فرد، ومن شعب إلى شعب، ومن لحظةٍ تاريخية إلى لحظةٍ تاريخيةٍ أخرى. وقد لا تكون صحيحة علميًّا طبقًا لعلم أصول التغذية، ولا يمكن فرضها بقوانين أو نصائح، أو حتى في دروس الصحة النفسية التي قد تضعها الدولة ضِمن المقرَّرات الدراسية. وكلها نصائح سلبية؛ نواهٍ وزواجر ممنوعات، وقد تُضاد السلوك الفطري والإحساس التلقائي.
وكل فضيلة رئيسية من الفضائل الثلاث، السخاء أو العفَّة والشجاعة والحكمة، تحوي فضائل فرعية مستنبَطة منها.٢٧ ويُلاحظ على هذا التفريع عدم الدقة في إحصاء الفضائل الفرعية وتشابه بعضها، مثل صفاء الذهن وجودة الذهن، كما أن تعريفات الفضائل الفرعية غير دقيق، مثل جعل العفة متصلة بالمال والدنيا، مثل الحرية فضيلة يُتكسب بها المال من وجهٍ، ويُعطى من وجهٍ ثانٍ، وتمنع من اكتسابه من وجهٍ ثالث؛ فهي حريةٌ مشروطة، وهو معنًى غريب في هذا السياق. والقناعة تساهل في المأكل والمشارب والزينة. والصبر فرع لأكثر من فضيلة، مثل العفة والشجاعة. وتوضع فضيلةٌ فرعية تحت فضيلة فرعية أخرى مثل السخاء، ولا توضع فضائل فرعية تحت أخرى مُشابهة مثل الحكم مع الحكمة، والحلم مع الشجاعة، والسخاء مع العفة، ومعظمها يدخل تحت العدالة. وتبدو الفضائل الفرعية أشبه باستنباط عن طريق حاسب آلي يمكن أن يستنبط أخرى بحسابٍ آخر، إذا تعدَّدت المُدخَلات تعدَّدت المُخرَجات. هو تنظيرٌ رياضي للفضائل في جداول حسابية من أجل وضع أخلاق عامة شاملة تقوم على العقل الخالص، وليس على الفخر بالآباء والأسلاف. وقد تتغير أسماء الفضائل إذا تعدَّدت الأنا والآخر. وكلٌّ وصف لما ينبغي أن يكون طبقًا للعقل دون تحليل للأوضاع الاجتماعية وديناميات الأفعال الخلقية. والرذائل أيضًا ثنائية، ولكنها ثنائيةٌ مُتشابهة وليست مُتضادة. وكلها في مُضادات الشجاعة، وليست الحكمة أو العفة أو العدالة،٢٨ وكلها لها وسائل للعلاج.٢٩

(أ) العدالة وسطٌ بين طرفَين

والعدالة مجموع الفضائل الرئيسية الثلاث؛ العفة والشجاعة والحكمة. وتتضمن بدورها فضائلَ فرعية.٣٠ ويُلاحظ عليها أنها من حيث الصياغة والشكل تتراوح بين المفرد لفظًا والمثنى والعبارة الشارحة، كما تتراوح بين الإثبات والنفي؛ أي الأمر والنهي عند الأصوليين. وتظهر الفضائل والألفاظ الدينية، مثل الحد والقذف والقتل والقطع والدين والله؛ مما يدل على أن الفضائل في مجموعها تحويل للشريعة إلى أخلاق. ويُعرف ما ليس بعدلٍ دون تفصيل أنواع الظلم؛ أي الحد سلبًا. ويرتبط ما ليس بعدل بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، وصف ما هو كائن، في حين يقوم العدل على وضع ما ينبغي أن يكون. ويدخل كل شيء في العدالة؛ فهي الفضيلة الشاملة؛ ومن ثَم يغيب الحد الجامع المانع لها. وكثير منها يغلب عليه أخلاق التسامح، مثل ترك الحقد، مكافأة الشر بالخير، ترك المعاداة. والبعض منها أخلاق المثال والتأسي والقدوة، كما هو الحال في سنة الرسول، وهو في النهاية تقليد.٣١ وهي في النهاية مجرد نصائح إنسانية عامة لا تحتاج إلى تقنينٍ أخلاقي في وصايا ومواعظ.٣٢
وتنقسم العدالة ثلاثة أقسام؛ الأولى بالنسبة للأسلاف، أداء الديون وإنفاذ الوصايا. والثانية بالنسبة للإنسان، أداء الحقوق، وتأدية الأمانة، والنصَفة في المعاملات، وتعظيم الرؤساء. والثالثة بالنسبة لله، مثل شكر المُنعِم ومعرفته. يجمع مسكويه هنا بين الوافد (أرسطو) والموروث. ومع ذلك صلب العدالة في النوع الثالث؛ مما يدل على أولوية الموروث على الوافد، ليس فقط من حيث المضمون الذي قد يكون مغتربًا، بل من حيث التعبيرات، مثل رب العالمين، الخالق عز وجل، بالإضافة إلى التصورات الدينية، مثل العناية والخلق والشكر والعبادة، في مُقابل المُحرك الأول والعلة الأولى. وتظهر مصطلحات الوافد طبقًا لظاهرة التشكُّل الكاذب. وتظهر العدالة بالنسبة للخالق في الأخذ والعطاء؛ أي المعرفة وشكر المُنعِم. وقد يتساءل البعض: أليس بالعدالة الإلهية بعض الجوانب التجارية والربحية كما هو الحال عند الصوفية؟ ولماذا لا تكون الأخلاق ذاتية، قيمتها في ذاتها لا في غيرها، داخلها وليس خارجها؟٣٣

وتُشبَّه الأخلاق الإلهية بالأخلاق الملكية. فهل الله ملك أم الملك إله؟ أيهما أصل وأيهما فرع؟ العائل أم العائلة، الملك أم المدينة، الراعي أم الرعية، الله أم البشر؟ ولماذا لا يكون الأعلى والأدنى على مستوًى واحد أمام قانون الاستحقاق، أحد قوانين العدل؟ وأيهما أفضل؛ تصوير الله على أنه ملك الملوك أو أنه أقرب إلى البشر من حبل الوريد؟ وما الضامن لصلاح الملك؟ وكيف ينشأ هذا التصور في مجتمعاتٍ تثور ضد الملكية، وتُفضل أن تتصور الله في صورة قائد المقاومة؟

ولما كانت الفضيلة بين طرفَين تُقابل الفضائلَ الأربع رذائل ثمانٍ.٣٤ صحة النفس الفضائل الأربع، وحرص النفس الرذائل الأربع، ومرض النفس الرذائل الأربع. والعدالة في مقابل الجور. والأمراض النفسانية، مثل الخوف والحزن والغضب وأنواع العشق الشهواني، ضروب من سوء الخلق.

والعدالة أساس الكون، وقيام السموات والأرض؛ فالعدالة ليست فقط في النفس بل في العالم، في الفعل بل في الكون. والأرض وسط السماء، لا تميل ولا تميد. والإنسان وسط بين الحيوان والملاك، بين الأنعام والملائكة.

وفضيلة الاعتدال هو الذي يُردُّ إليه الوحدة بعد الكثرة؛ العدل في الإجمال، والاعتدال في الأثقال، والعدالة في الأفعال. وكلها مشتقة من معنى المساواة، وهي أشرف النِّسب في صناعة الحساب. لا تنقسم، وليس بها أنواع. إذا لم توجد الوحدة وُجدت النسبة. والنسبة تتضمن الوسط، وقد يكون مُنفصلًا أو متصلًا طبقًا للنسبة العددية أو المساحية أو التأليفية؛ فالعدل فضيلة في العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية وفي العلوم الإنسانية على حدٍّ سواء.٣٥ والسؤال هو: هل الأخلاق نسبةٌ رياضية، وهل تُقاس الأخلاق على الرياضيات أم إن الفعل الخلقي له منطقه الخاص الذي قد يكون أحيانًا خارج النسبة؟٣٦

والحقيقة أن الوسط حالةٌ افتراضية، أمنية وتمنٍّ، لا وجود لها؛ فالوسط باستمرارٍ أقرب إلى أحد الطرفَين، الإفراط أو التفريط. الوسط هو ما بين الأطراف، مساحةٌ كبيرة لا يمكن تثبيتها كوسطٍ حسابي؛ لذلك كان تعريفه عبارةً شارحة أو تصويرًا أو تشبيهًا أكثر منه تحديدًا عقليًّا. كما يصعب إيجاد أسماء له؛ لأنه يدل على معانٍ عديدة نظرًا للمساحة الواسعة التي يشغلها بين الأطراف، فيصعب وجود الوسط ثم التمسُّك به، وإلا كان قيدًا على الفعل وليس طبيعة له.

كما يصعب إيجاد الأطراف لكل فضيلة، فردًا فردًا؛ فالفضائل في حاجة إلى قانونٍ عام؛ لأن الأشخاص تتعدى إلى ما لا نهاية. وهذا هو السبب في وجود القياس الشرعي. هناك فروقٌ فردية للوسط والأطراف؛ ما قد يكون وسطًا عند البعض قد يكون طرفًا عند البعض الآخر، وما قد يكون طرفًا عند واحد قد يكون وسطًا عند آخر. والأطراف أكثر من الوسائط، والوسائط وأكثر من الأطراف؛ إذ إن لكل وسط أكثر من طرفين، ولكل طرفين أكثر من وسط؛ وبالتالي تكون الشرور أكثر من الخيرات، والرذائل أكثر من الفضائل. الأواسط لا نهاية لها، والأطراف محدودة.

والطرفان يلتقيان؛ فهما طرفٌ واحد في دائرةٍ واحدة وسطُها المركز. وقد يكون أحد الطرفين أقرب إلى الفضيلة من الطرف الآخر؛ فالتبذير أقرب إلى الكرم منه إلى البخل، والتهور أقرب إلى الشجاعة منه إلى الجبن. وليس للوسط ميزة على الإطلاق، وللأطراف عيوب على الإطلاق، بل كان كبار المُبدِعين والعباقرة أقرب إلى الأطراف منهم إلى الوسط. ويفرض الواقع أحيانًا سلوكًا يتجاوز أخلاق الوسط المُتناسب إلى سلوكٍ أقرب إلى الأطراف، مثل حالات الثورة والغضب والمقاومة والهبَّات الشعبية.

(ب) التربية وتهذيب النفس

ونظرًا لأن الأخلاق تجمع بين النظر والعمل تحوَّلت من علم الأخلاق إلى علم التربية وتهذيب النفس. والتربية ليست للإنسان وحده، بل للطبيعة كلها، وهي مُتجه نحو الكمال. تحدث للنبات والحيوان بمعنى الشوق، وهو المعنى العام. كما تحدث للطبيعة كلها، وهذا هو المعنى الخاص. وتُعطي الإنسان كماله الأخير، وهو طريقٌ طبيعي، ويشتبه فيه بفضل الطبيعة، وهذا هو المعنى الأخص. ويكون الشوق طبقًا لقُوى النفس الثلاث؛ الغذاء للشهوية، والمحبة والكرامة للغضبية، والمعارف والعلوم للناطقة.٣٧

وكما ترتبط الأخلاق بالتربية ترتبط التربية بالطبيعة؛ فالتفاضل في القيمة ينعكس أيضًا في التفاضل بين صور الموجودات، مثل التفاضل بين الجماد والنبات والحيوان. يزيد النبات على الجماد بالتغذي والنمو والتوليد، جذب الغذاء وطرد الفضلات. وكل مرتبة عليا أشرفُ من المرتبة السفلى.

ثم تظهر العواطف والانفعالات والإحساسات مثل اللذة والأذى والمنافع والمضار. وهنا يظهر الدين؛ ميدان العواطف والانفعالات (الإيمان والعقيدة)، والمنفعة والضرر (الشريعة)؛ لذلك كانت انفعالات النفس أحد الموضوعات الطبيعية. وقد سلَّحت الطبيعة الحيوان بالقرون والأنياب والمخالب والحوافر للدفاع، كما سلَّحت البعض الآخر بالمُراوغة والدهاء، وذلك يكشف عن حكمة الله في الطبيعة. والشوق إلى المعارف والعلوم هو أيضًا كمال للتحليل الطبيعي، وكأن الشوق مقولة طبيعية للحركة،٣٨ ثم يتم الانتقال إلى الواجب على الحاكم بطريقةٍ تبدو غير طبيعية، مع أن «الدافع الحيوي» يستمر من الطبيعة إلى النفس إلى الأخلاق إلى الدين إلى السياسة؛ فواجب الحاكم واجبٌ طبيعي بهذا المعنى.٣٩ وإذا وصل الحيوان إلى الإنسان بعد التطور من الجماد إلى النبات إلى الحيوان، وظهرت الانفعالات والإحساس باللذة والأذى، والمنفعة والضرر، يظهر الدين؛ فالدين مرتبط بالانفعالات والمنافع،٤٠ فالدين لا يظهر إلا في التطور. وهو تنظير للموروث، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ …، «فلما كشفنا عنه الضر كان لم يدعنا بالأمس»، وصفًا لواقع وليس تشريعًا لمثال. وبالوصول إلى العقل تظهر النبوة.
والسؤال هو: هل لو استمر التطور يختفي الدين كما ظهر في التطور بعد أن يكتمل الوعي الإنساني عقًلا وإرادة، وتتحقق العناية الإلهية في الطبيعة؟ هل يتطور الدين بمعنى الشعائر والطقوس والعقائد إلى المنطق، ثم من الحكمة إلى الدين من جديد، من تاريخ النبوة إلى خاتم الأنبياء إلى الدين من جديد بالمعنى الإشراقي، من الإيمان باحثًا عن العقل، إلى العقل باحثًا عن الإيمان، إلى التوحيد بين العقل والإيمان، من الدين إلى الفلسفة، ومن الفيلسوف إلى الفيلسوف إلى النبي إلى وحدة النبي والفيلسوف.٤١
ووسيلة الارتقاء الخلقي ضبط النفس، والانعزال عن الناس خوفًا من رذائلهم في «تدبير المُتوحد»، النوابت بمصطلح ابن باجه. ويتم ذلك عن معرفة المرء عيوب نفسه، تمثلًا للوافد وتراكمًا للموروث.٤٢ ويبدأ ذلك بالمحافظة على الصحة، صحة الجسد؛ فالأخلاق ليست علمًا نظريًّا يُقرر ما ينبغي أن يكون أو يُقرر ما هو كائن، بل هو علمٌ عملي يهدف إلى تغيير سلوك الناس، مثله مثل الطب الذي به تبرأ الأجساد، والأخلاق أيضًا علمٌ تصحُّ به الأبدان والنفوس معًا. والأخلاق الفيزيولوجية تُقابل الأخلاق الرياضية. الأولى تفسيرٌ مادي، والثانية علاجٌ عقلي رياضي. فالغضب حركة للنفس يُحدث به غليان دم القلب شهوة الانتقام. وينقد مسكويه الخطأ الشائع في تسمية الغضب رجولية.
والسؤال هو: هل للفضائل والرذائل تفسيرٌ فيزيولوجي أم إن لهما تفسيرًا نفسيًّا روحيًّا معياريًّا؟ هناك تصورٌ هندسي للوسط في الفضائل، وفيزيولوجي مادي للرذائل. الفضائل أخلاقٌ رياضية، والرذائل أخلاقٌ فيزيولوجية. الأولى للأوساط، والثانية للأطراف. الوسائط عقل، والأطراف حس. فهناك نوعان من الأخلاق. وعلاج الرذائل مجرد دعوات ومواعظ. والدين قليل في علاج الرذائل، كثير في الدعوة إلى الفضائل؛ كثير في التشخيص، قليل في العلاج.٤٣
وأحيانًا تظهر الأخلاق الطبقية؛ فأولاد الأغنياء أكثر حاجة إلى التأديب من أولاد الفقراء. وهو ما يخرج من الأخلاق النفسية إلى الأخلاق الاجتماعية، ومن الأخلاق المعيارية إلى الأخلاق الوضعية. والفقراء أقرب إلى الفضائل من الأغنياء، والأغنياء أقرب إلى الرذائل من الفقراء.٤٤ فالأخلاق وظيفةٌ طبقية يتحايل عليها الفقراء من أجل البقاء، والأغنياء من أجل الثروة، والطبقة الوسطى من أجل المحافظة على القانون والنظام.
وأحيانًا تكون الطبقة طبقتَين؛ فكل فضيلة يُنظَر إليها من جانب الملك أو المملوك، الحاكم أو المحكوم، الحر أو العبد، الرجل أو المرأة؛ فالأخلاق تُعرَف بالأضداد، وخطورتها في تأديب الأحداث بها، أخلاق القاهر وأخلاق المقهور. هل كان مسكويه خائفًا من تحليل الواقع الاجتماعي حتى النهاية لا يصطدم بالسلطة، أم إن الموضوع كان هامشيًّا في «تهذيب الأخلاق» ولم يصل إلى بؤرة الشعور؟ وربما كان مُتوسط الذكاء، فقيرًا بين أغنياء، عييًّا بين أبيناء، كما يصفه أبو حيان.٤٥
وتتحول الأخلاق إلى تأديب عن طريق المُعلم؛ فتبدو العلاقة النفسية بين المُعلم والتلميذ في استعمال الضرب للتأديب دون صراخ من ضرب المُعلم، وإعطاء المُعلم أجره فضة وذهبًا، وطاعة الوالدين والمُعلمين دون اعتراض أو تساؤل، مع أن التقليد ليس مصدرًا من مصادر العلم، وتعود ضبط النفس وعدم تعيير أحد بالقبيح، بل مكافأته على الجميل، ثم يُعطي مسكويه تفصيلات هذه الآداب في صف آداب ومواعظ ووصايا، أوامر ونواهٍ، تقنينًا لما ينبغي أن يكون. مهمة التربية التخلص من الآلام، وهي الغاية الرئيسية للأخلاق الشرقية خاصةً الهندية. ومعظمها أفعالٌ طبيعية لا تحتاج إلى وصايا، يكفي في ذلك الذوق الطبيعي. وبعضها ينمُّ عن أخلاق الخاصة، مثل الأدباء الذين يُسمح لهم بالشراب وحدهم دون العامة،٤٦ والبعض منها أذواقٌ شخصية لا تتَّفق مع وصايا القرآن، مثل العمل ليلًا والنوم نهارًا! والبعض الآخر مضادٌّ للفلسفة الطبيعية أساس التهذيب، مثل تأجيل الوطء للشباب مع أن وصايا الرسول الإسراع به. وهي أخلاقٌ تقليدية شائعة في معظم المجتمعات الشرقية، وما زال الكثير منها سائدًا في اليابان المعاصرة.

(٣) الأخلاق الإلهية

ويظهر الله من ثنايا الفضائل ومن قلب الأخلاق مُتربعًا على عرشها دون إثبات وأدلة كما يفعل المتكلمون، استباقًا للحوادث وقفزًا على المقدمات؛ لذلك تبدو الأخلاق الإنسانية أخلاقًا إلهية. ومن ضِمن الفضائل الفرعية للعدالة الرجوع إلى الله وإلى عهده وميثاقه. وبعد الحديث عن الإنسان، وأنه أشرف الموجودات، يتم اكتشاف الله خلاله كعلامة على الشرف؛ فالإنسان وسيلة، والله غاية. وفي تصنيف الخيرات طبقًا للمقولات يظهر الله في مقولة الجوهر؛ مما يدل على العلاقة الوثيقة بين الدين من ناحية، والمنطق والطبيعة والميتافيزيقيا من ناحيةٍ أخرى. السؤال هو: أيهما أصل وأيهما فرع، أم إن كليهما بنية للذهن البشري؟ ومن ثَم يتفق الوافد والموروث بصرف النظر عن مصدرَيهما في بنيةٍ واحدة. والنفس إلهية، قوةٌ غير جسمانية، مستعملة لمزاجٍ خاص ومربوطة به رباطًا طبيعيًّا وإلهيًّا، فتُرى مشاهدة وعيانًا، ويلحقها ضروب التغير المشاهَد بالحس. والنعم الموجودة في ذواتنا هبات من الله.٤٧
وتظهر الأخلاق الدينية في الفضائل وتختفي في الرذائل. وتظهر في كل فقرة وفي كل مقال لدرجة التكرار. يبدو أن الأخلاق المعيارية كلها فكرٌ ديني؛ وجود الله، وخلق العالم، وخلود النفس.٤٨ فمن السهل تحويل الأخلاق الدينية إلى ممارسات عملية. كما تظهر الأخلاق الدينية في ترتيب الفضائل؛ فالأخلاق إما اتجاه إلى العالم المحسوس أو تخليص النفس من الهواء والانفعالات أو اتجاهها نحو الله. ويختلف التوجه نحو الله بحسب الشوق والمُعاناة، وبحسب الطبائع والعادات والمنازل والمواقع والهم. وليس من العدل حب المال الذي قد يؤدي إلى بيع الدين. والأخلاق الإلهية لا تعتمد على آلات، ولا شوق إلى الماضي، ولا تشيع لحال، ولا خوف أو فزع، ولا شغف بحال، ولا طلب لحظ، ولا حاجة للبدن أو النفس، بل الخير العقلي المحض. وتختلف بحسب الهمم والشوق والمعاناة وقوة التمييز وصحة الثقة والمنزلة من الفضيلة والتشبيه بالعلة الأولى؛ المبدأ الأول، خالق الكل. وطلب الرياسة ومحبة الكرامة ضد الغاية لذاتها؛ فالدين أعلى من المنطق والسياسة، وأعلى نصيحة الهناء بنعمة الله والاستعداد للآخرة.٤٩ ويعني الإلحاد عند مسكويه الخروج عن سمة الحكمة وسنة الشريعة وإنكار الحياة الأخرى، في حين يرى الأخلاقي، أي المؤمن، عالم الفضائل عالم البقاء، وعالم الرذائل عالم الفناء. فماذا تعني الأخلاق الإلهية؟ هي تعبير عن تمنٍّ ومطلب الكمال كما هو الحال في علم الكلام، دون الإحالة إلى شيء في العالم الخارجي، وقد يكون نوعًا من الاغتراب، خروج الإنسان عن ذاته واغترابه في غيره؛ وبالتالي يمكن القضاء على الاغتراب والعودة إلى الموقف الشرعي. ولا يهمُّ نشأة العالم الطبيعي، بل التوقف عن الحكم. الله تعبيرٌ أدبي إنشائي يكشف عن البُعد المثالي في الشعور.

والأخلاق الإلهية هي الغالبة على الأخلاق الجغرافية والإنسانية والنفسية والاجتماعية والسياسية، وكأنها مشروطة باغتراب وترك العالم. وهي أقرب إلى التصوف العقلي أو التصوف الخالص؛ مثالية وتطهُّر. غايتها العناية والتدبير على القصد الثاني، وكأن الغاية المادية أقل من الغاية في ذاتها.

ويمكن التحول من الأخلاق الإلهية إلى الأخلاق الإنسانية اتساقًا مع روح العصر، كشفًا لغاية الوحي، وتحقيقًا للقصد الإلهي.٥٠ بعد ذلك يمكن التحول من الإنسان العام إلى الإنسان الخاص، ومن الإنسان المثالي إلى الإنسان في سياقه الاجتماعي، ومن الكمال النظري الأول، العلم بأمور الموجودات على الترتيب الإلهي، إلى الكمال النظري الثاني، العلم بالأوضاع الاجتماعية على الوضع الإنساني.٥١

(أ) أخلاق الملائكة

وتبدو أخلاق الملائكة نموذجًا للأخلاق الإلهية وأخلاق المُتألِّهين، معيارًا للأخلاق، ورمزًا لعالم القيمة. وبالرغم من تفاوتهم في المراتب، يصل المُتألهون إلى درجة الملائكة.٥٢ والكل سعداء في سعادةٍ تامة وعلى مستوى المُطلَق، لا فرق بين الوافد والموروث، بين أرسطو الذي يتحدث عن الله والملائكة والقرآن. فالله هو القاسم المشترك بينهما كموضوع، والعقل قاسمٌ مشترك بينهما كذات. وقد استعمل الوافد اللفظ ليس بمعنى المطلق بل مجرد تشبيه، فمن أحب الله وعاهده كما يتعاهد الأصدقاء أحسن إليه؛ لذلك جعل الحكيم يفرح بلذة الحكمة دون غيرها. الحكيم السعيد التام الحكمة هو الله، ولا يُحبه إلا السعيد الحكيم بالحقيقة؛ فالشبيه يُسرُّ بالشبيه؛ لذلك صارت هذه السعادة أعلى من السعادة الإنسانية مبرَّأةً من القوى النفسانية، بل موهبة من الله لمن اصطفى من عباده.

ولا يُضاف إلى هذا المعيار الملائكي عالمٌ آخر نِسبي؛ رد الودائع، وعدالة التجار، ونجدة المُحتاجين، ونفقات المُعوذين، وضبط النفس الشهوية، وفضيلة العفة، والغذاء المكون للأسطقسات الأربعة. ولا يحتاج الأبرار المطهَّرون إلى الفضائل الإنسية، والملائكة منزَّهة عنها. والله خيرٌ بسيط يُدركه العقل الخالص، يتقرب إليه الإنسان ويطلب مرضاته بقدر الكافة، ويتقبل أوامره قدر المُستطاع. ومن أحب الله على هذا النحو أحبه الله حقًّا، واستحقَّ لقب خليل الله.

وتظهر أخلاق الملائكة من قسمة قوى النفس الثلاثية، من جانب النفس الناطقة، نفس عالم الملائكة؛ فالملائكة معيارٌ خلقي للبشر، وكما يظهر في التعبيرات الشعبية الأدبية والتي تعني استحسان الكمال الأقصى. والملك الحقيقي ليس الملك في الدنيا نعيمًا، بل هو ملك الحياة الأبدية، سواء كان ذلك اغتربًا أو تعويضًا أو تمنيًا.

وتعبِّر هذه الأخلاق الملائكية عن الرغبة في عالمٍ أفضل، وأمل في معيارٍ واحد عام وشامل للأخلاق. وهو تمنٍّ عن طريق السلب، هو رمز للشيء في ذاته والتي يبغيها السعيد الكريم. أليس هذا اغترابًا وتطهرًا وهدمًا للمجتمع، وهو ما ينقده مسكويه نفسه بنقده الزهد؟ وهل يفرح الله بالحكيم في برجه العاجي مُتأملًا الخير في ذاته، أم بالعامل الذي يكدُّ ويكدح ويسعى في الأرض دون أن يجفَّ عرقه ويأخذ أجره؟ وهل يعتني الله بالسعداء أم بالأشقياء؟ أليس هذا قلبًا؛ التفكير في الله بدلًا من التفكير في العالم كما هو الحال في علم الكلام؟ هو إذن مجرد خطاب إنشائي، تشبيه صداقة الإنسان لله بصداقته للآخرين، ثم قلب الأفقي رأسيًّا بسبب الاغتراب والضيق واليأس والفشل واستسهال المعارك. وماذا عن لذة الشهادة والعمل والكفاح تنفيذًا للأمر الإلهي يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ. وتظهر المقولات الإنسانية في وصف الله بالسعيد التام الحكمة والخير مثل علم الكلام، وهي ألفاظٌ خلقية وليست ألفاظًا طبيعية ومن ما بعد الطبيعة. وبعد استعمال المقولات الإنسانية للوصل إلى الله تتم إزاحتها، ويتحول الله إلى شخص، إلى جوهر عقلي خالص بعيدًا عن العالم بعد أن نشأ منه. هل الأمر مجرد لياقة واستحسان عقلي وذوق وإحسان أم عمل وكفاح وكد وعرق؟ هل هي علاقةٌ خاصة بين الحكيم والله أم علاقة عامة بين الله والأمة والتاريخ؟٥٣ ولم الفصل بين المُطلَق والنِّسبي؟ هل هو من آثار التنزيه المجرد؟ هنا الحلول أوقع أو التنزيه الحال، التنزيه الفعال.
وتقوم الأخلاق غير الإلهية على الخداع والمزايدة لعدم اتخاذ الله والملائكة معيارًا للأخلاق يحمي السلوك والأخلاق من النفاق والتستر بالملائكة على أفعال الشياطين، أو المزايدة والبحث عن الحد الأقصى لدرجة الاغتراب، والخروج من العالم كليةً وإسقاطه من الحساب، وهو ميدان العمل الأول وتحقيق الكمال.٥٤
ولما كانت الموجودات ثلاثة، حيوان إنسان وملاك، كانت الطبقات ثلاثًا؛ دنيا ومتوسطة وعليا. وكان الناس عامة وفقهاء وصوفية.٥٥ وهذه الأخلاق للراعي والرعية، نموذجًا للشجاعة الحقة قولًا وعملًا، سلوكًا وتجربة، وهي أخلاق البطولة والتضحية.٥٦ وتظهر الأشعرية كمنة فيها كأساس للتصوف مثل العون والتوفيق والهداية.٥٧

(ب) العبادة

والعبادة طريق الوصول إلى الله، وهي ما يجب على الإنسان لخالقه، وسبب الاتصال به. وأشكالها مُتغيرة طبقًا للزمان والمكان، وهي على أربع مراتب؛ الأولى صلوات وصيام، وخدمة هياكل ومُصليات وقرابين كما يُقنَّن الفقه. والثانية الإقرار بالربوبية والاعتراف بإحسانه وتمجيده بحسب استطاعته كما ينظر المتكلمون. الثالثة التقرب إليه بالإحسان إلى المُستحقين بالمُواساة والحكمة والموعظة كما يريد علماء الأخلاق. والرابعة التفكر في الإلهيات وزيادة معرفة الله حتى تتكامل الوحدانية الخاصة كما يفعل الحكماء. والخامسة والأخيرة التفرد بها والاختلاف فيها حسب طبقات الناس ومراتبهم في العلم، وهم الصوفية خاصة الخاصة. وهذا تنظير للموروث وليس تمثلًا للوافد، العقل الذي يكشف هويته مع الطبيعة والوحي.

والحدث من الفلاسفة أيضًا على ثلاث مراتب؛ الأولى ما يجب له علم الأبدان، الصلاة والصيام والسعي؛ أي الشعائر. والثانية ما يجب له عند مشاركات الناس في المدن، المعاملات المزارعات والمناكح وتأدية الأمانات والنصيحة والجهاد؛ أي السياسة المدنية. والثالثة ما يجب له على النفوس، الاعتقادات الصحيحة والعلم بتوحيده؛ أي الحكمة والكلام. ما يجب على الحدث من الفلاسفة إذن سياسة الأبدان وسياسة المجتمعات وسياسة الديانات، وهذا أيضًا تنظير للموروث وليس تمثلًا للوافد.

ومقامات الإنسان في الطريق أربعة؛ الأول المُوقنون، وهم العلماء والحكماء. والثاني المُحسنون في العلم والعمل. والثالث الأبرار، وهم المُصلِحون، خلفاء الله في إصلاح العباد. والرابع الفائزون، وهم المخلصون في المحبة والاتحاد بالله. وإذا ما تحقَّق الإنسان بهذه المقامات تحقَّقت له أربع خصال؛ الحرص والنشاط، والعلوم الحقيقية والمعارف اليقينية، والحياء من الجهل ونقصان العزيمة سبب الإهمال، وأخيرًا لزوم الفضائل والترقِّي فيها بحسب الاستطاعة.٥٨
لم ينص أرسطو على العبادة تجاه الخالق، ولحظ فقط اختلاف الناس فيها تجاه الخالق، وتمثلًا للوافد لا تكون هِمم الإنسان إنسية أو حيوانية، بل أن يحيا حياةً إلهية؛ فإن الإنسان صغير الجسم عظيم الحكمة شريف العقل، والعقل هو الرئيس. هل هذا هو الوافد التاريخي؟ هل هو أرسطو الأفلاطوني الأفلوطيني؟ هل هو أرسطو الإسلامي المنحول أم قراءةٌ إسلامية لأرسطو؟ إلى هذا الحد كان أرسطو مُتدينًا، رسول هذه الأمة.٥٩

وبعد الإيجاب السلب، وبعد الإثبات النفي. وأسباب الانقطاع عن الله أربعة، وكلها نتيجة السقوط. الإعراض وما يتبعه من استهانة وزيغ، والحجاب وما يتبعه من استخفاف وهو الدين، والطرد وما يتبعه من سخط ومقت وهو الغشاوة، والخسأة وما يتبعها من بغض وهو الختم. وهذا تنظير للموروث وليس تمثلًا للوافد معتمدًا على مصطلحات الصوفية؛ مما يدل على القرب بين الأخلاق الإلهية والتصوف، من الأخلاق إلى التصوف في الأخلاق، ومن التصوف إلى الأخلاق في التصوف. التصوف علم لبواطن القلوب في مرحلته النفسية، وعلم للأخلاق في مرحلته الأخلاقية.

وشقاء العبد بأربع خلال؛ الكسل والبطالة وضياع الزمن وفناء العمر بغير فائدة، وهو الزيغ. والغباوة والجهل المُتولدان عن ترك النظر ورياضة التنفس بالتعاليم، وهو الدين. والوقاحة من إهمال النفس واتباعها الشهوات، وهو الغشاوة. والانهماك من الاستمرار في القبائح وترك الإنابة، وهو الختم. وهنا يبدو تنظير الموروث لإكمال تمثُّل الوافد عن طريق التضاد جمعًا بين مصطلحات التأويل (التصوف) ومصطلحات التنزيل (الفقه)، بل هي ألفاظٌ قرآنية وليست فقط شرعية، ونفسيةٌ شعورية مثل القلب. لا اختلاف إذن بين الشرائع والحكماء بما في ذلك الوافد إلا في الألفاظ والعبارات والإشارات حسب اللغات، بل إن بعض المصطلحات الوافدة مثل العاشق والمعشوق، والعلة الأولى، والغاية القصوى، يسهل تركيبها وتبادلها مع الموروث.٦٠

(ﺟ) المحبة

إذا كان العدل صفةً موضوعية في الكون، فإن المحبة صفةٌ ذاتية. ولا تتمُّ المحبة إلا بالآراء الصحيحة من العقول السليمة والاعتقادات القوية التي لا تحصل إلا بالديانات التي يُقصَد بها وجه الله. والفرق بين المحبة والعشق أن العشق إفراط في المحبة لدرجة العلة. وما أسهلَ بعد ذلك من الجمع بين تمثل الوافد وتنظير الموروث نظرًا للقاسم المشترك بينهما.

والمحبة الإلهية وحدها هي الدائمة دون غيرها. وهما لا يجتمعان معًا ولا ينحلَّان معًا، بل تثبت الدائمة وتنحلُّ المُتغيرة. وهو دليلٌ أشبه بدليل التمانع لإثبات الوحدانية. المحبة الإلهية لذةٌ تصير عشقًا تامًّا خالصًا مثل الوَلَه، وتحدُث إذا صفا الجوهر الإلهي الذي فلا الإنسان عن دورته الناشئة من ملابسه الطبيعة وأنواع الشهوات وأصناف محبات الكرامات. فلم ير الخير الأول المحض الذي لا تشوبه مادة، فيفيض نوره، فيلتذُّ ويتَّحد به بعد مفارقته الطبيعية. وهي محبة لا تقبل النُّقصان، ولا يعترض عليها الملك، ولا تكون إلا بين الأخيار. هذا التدبير الإلهي بالسياسة الطبيعية هي سياسة الله التي عاونت الإنسان على إنشاء الولد، وجعله السبب الثاني في إيجاده ونقل صورته الإنسانية له؛ فالسياسة الإلهية أساس السياسة الإنسانية، والصورة الإلهية تنعكس في الصورة الإنسانية من خلال الأعقاب.٦١
والمحبة السالبة التي تطرأ عليها الآفات محبة الوالدين، ومحبة التلميذ لمُعلمه، ومحبة العبد لخالقه. ومحبة الحكماء أشرف من محبة الوالدين؛ فالولادة ولادةٌ فكرية.٦٢ وتقترب محبة الحكماء من محبة الله الأعلى، ومن محبة الوالدين الأدنى؛ لأن تربية الوالدين للنفوس مثل تربية الحكماء للأبدان. ومن كان خيِّرًا بالطبع فاضلًا فذلك لمحبة الله له، وليس الأمر له، بل لله وعنايته، وهو وحده السعيد الكامل المقرَّب لله. وهذه المحبة لا تطرأ عليها الآفات، ولا تشوبها الانفعالات. ليست محبة اللذة، ولا محبة المنفعة أو الكرامة، بل محبة الخير بالذات، المحبة الإلهية الباقية، محبة الحكمة والانصراف إلى التصور العقلي، واستعمال الآراء الإلهية خاصةً بالجزء الإلهي من الناس لا تعرض لها الآفات. لا تقبل النميمة ولا الشرور لأنها الخير المحض، وسببها الخير الأول الخالي من المادة. وما دام الإنسان يستعمل الأخلاق والفضائل الإنسانية فإنها تعوقه عن الخير الأول، والسعادة الإلهية هي الأساس. ومن أصل الفضائل بنفسه ثم اشتغل عنها بالفضيلة الإلهية فقد اشتغل بذاته، ونجا من مجاهدات الطبيعة وآلامها، من مجاهدات النفس وقُواها، وصار مع الأرواح الطيبة، واختلط بالملائكة المقرَّبين، فإذا انتقل من وجوده الأول إلى الثاني حصل على النعيم والسرور الأبدي.

واضحٌ من الأخلاق الدينية أو الإلهية أنها بعيدة عن الأخلاق الاجتماعية، ومُتجهة نحو نوع من الاغتراب الصوفي. ولماذا لا تقبل المحبة الإلهية النقصان وهي مشروطة بالعمل الصالح؟ لو كانت مطلقة من طرفٍ واحد لكانت صوفية أو يهودية. هو تصورٌ مُتطير للمحبة لا تكون خالصة إلا اغترابًا، أو في أكثر الأحوال خلطًا أو تبريرًا أو نفاقًا؛ ومن ثَم تفسد المحبة الإلهية بالتبرير وبالتغطية والتعمية والتستر وبالازدواجية والنفاق.

محبة الخيار هي المحبة الخالصة لا للذةٍ خارجية، ولا لنفع، ولا لعرَض، محبة الجوهر، قصدًا لخير والتماسًا لفضيلة. هي المحبة المجردة، وهي غير محبة السلاطين، ومحبة الولد للوالد؛ لأن الله خلق، والوالد ربَّى، لا محبة الأخوة لأنهم جميعًا من مصدرٍ واحد. لم يُوصِ الدين بمحبة الوالد للعشير، الصديق للسلطان، والوالد للرئيس الأجنبي. والحقيقة أنها كلها ليست طبيعية، خاصةً محبة الرجل للرئيس الأجنبي؛ فالطبيعي كراهته للتحرُّر منه.

والمحبة مشروطة بالكرامة، وليس غير مشروطة كما هو الحال عند الصوفية بين الشيخ والمُريد أو بين الله والإنسان. المحبة علاقةٌ متبادلة، بين المحبة والكرامة، بين الحب والعدل، أو بين المحبة والصداقة. المحبة متبادلة بين طرفين وليست من طرفٍ واحد، على عكس الصوفي أو اليهودي، محبة الله للشعب المختار ومحبة المسيح للجار دون انتظار مُقابل. وهناك محبة تطرأ عليها الآفات، ومن أجلها يقترب الأخيار ويبتعد الأشرار. وقد أمرت الشريعة بمحبة الله مثل إبراهيم الخليل،٦٣ ومع ذلك العاقل يريد الخير لذاته، ويُعامل غيره كما يُعامل نفسه.

واضحٌ أن المحبة على هذا النحو فضيلةٌ تطهُّرية، اغتراب وتطهُّر أو ترك الأقل لأخذ الأعظم. لها جوانبها الطبيعة والاجتماعية، الرياضية والصوفية، ولكن الواقع يقدِّم نموذج قابيل وهابيل، ويوسف وإخوته بالرغم من محبة الإخوة. وإذا كان الأخيار أيضًا يقتربون من الخير، والأشرار يبتعدون عنه بفعل المحبة، كان الأشرار أيضًا يقتربون من الشرير، ويبتعد عنه الأخيار لدوافع أخرى. والمحبة مثل الصداقة بداية التحول من الأخلاق النفسية إلى الأخلاق الاجتماعية لأنها تتعلق بصلة الفرد بالآخر، الحبيب والصديق. فهل إذا صلحت المحبة الفردية قوِي الترابط الاجتماعي؟

(د) الصداقة والقناعة

والمحبة أساس الصداقة، والصداقة أحد جوانب المحبة. علاقة المحبة بالصداقة مثل علاقة العام بالخاص، الكلي بالجزئي؛ فكل محبة صداقة، وليست كل صداقة محبة. المحبة طريق إلى التوحيد؛ أي تحويل الكثرة إلى وحدة. وكلاهما في المجتمع ليلتذَّ الحكيم أكثر مما يسعد المجتمع، قيمة صوفية، حب الله، أكثر منها قيمة اجتماعية، التضامن الاجتماعي. المحبة وسط بين الصداقة والعشق، بين التفريط والإفراط.

وأنواع الاتحاد أربعة، بنية مُحكَمة، موضوعان واحتمالان؛ ما ينعقد سريعًا وينحلُّ سريعًا مثل اللذة، ما ينعقد سريعًا وينحلُّ بطيئًا مثل الخير، ما ينعقد بطيئًا وينحلُّ سريعًا مثل المنافع، وأخيرًا ما ينعقد بطيئًا وينحلُّ بطيئًا مثل الخير. ومقاصد الناس إما اللذة، أو النافع، أو ما يتركب منهما، أو الخير الخالص، وكلٌّ منها إرادية وعن روية أو مجازية ومكافأة.٦٤

وما بين الحيوانات أُلفة لا محبة. وفي الجماد ميلٌ طبيعي أو منافرة ومشاكلة حسب الأمزجة، حسب التأليف والنِّسب التأليفية أو العددية أو المساحية طبقًا للنسب، وإلا حدثت مُنافرة. والخواص أفعال بديعي تُسمى أسرار الطبائع، وهي أشرف النسب، وهي موجودة في علم صناعة الأرثماطيقي وصناعة التأليف. وقد تكون الأمزجة خفية، سببها الأنس من الإنسان وليس من النسيان؛ فالأنس طبيعي في الإنسان.

والمحبة على أنواع؛ اللذة المشتركة بين الرجل والمرأة سببها اللذة أو المنافع المشتركة. والمحبة اللوَّامة التي يشتكي فيها العاشق من المعشوق وهو يتظلم منه، وهو ظالم لتعجُّله بلذة النظر، وهي أيضًا بين الرئيس المرءوس، والمولى والمملوك، والسيد والعبد. وتحدث الملامات لأن كل واحد يتوقع عند الآخر ما لا يجده، وتزول بالعدالة والرضا. واللوَّامة لفظٌ موروث.

والسؤال هو: هل في الجماد محبة إلا إسقاطًا كما يُقال على التأليف والتركيب في المغناطيس أو التفاعلات الكيميائية؟ هل هناك سر في العلم يدرس أسرار الأمزجة في الطبائع؟ وهل في الأخلاق الصوفية صلاح البشر مثل المحبة والصداقة؟ وهل يصلح حال المدينة بالمحبة أم إن ذلك يكون تعمية على الأوضاع السياسية والاجتماعية؟ والعلاقة الطبيعية بين الظالم والمظلوم، والقاهر والمقهور، والغني والفقير، هي علاقة صراع وليست علاقة محبة.

والصداقة قد تأتي بسرعة إلا بين الأصدقاء الحقيقيين. الصديق هو هو إلا أنه غيره بالشخص؛ مما يدل على أن الصداقة وحدة بين الصديقَين. وهناك صلة بين الصداقة والسعادة؛ فالسعيد من اكتسب الأصدقاء. والصداقة بين الأحداث للذة، وبين المشايخ للمنفعة، وتظل باقية طالما بقيت المنافع، وبين الأخيار من أجل الخير. ويبرز موضوع الصداقة والسياسة. هل يساعد الأصدقاء السلطان، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر دون ذكر للمؤسسات حتى يتحول النصح إلى تشريعات وقوانين مثل الحسبة، وهي الوظيفة الرئيسية للحكومة الإسلامية دون أن يبقى عملًا فرديًّا أخلاقيًّا؟ فالصديق بهذا المعنى شريك في السلطة، وكأن السلطة مجموع من الأصدقاء يتناصحون فيما بينهم مع إظهار الاحترام للسلطان. الأصدقاء يُساعدون السلطان في تدبير شئون الرعية أعوانًا أم عيونًا.٦٥ ومع ذلك من أراد الترؤُّس فقط يُفرط في المودة. ويفصل مسكويه الصلة بين الصداقة والسلطان، وهو موضع يعبِّر عن البيئة الإسلامية ونُظُم الحكم وعاداته القديمة؛ فالصداقة نعمةٌ عظيمة، والصديق خلوٌ من السلطان، وأعظم نعمه، وبيده السلطان. فالصديق هو الذي يُبصر بأمور الرعية، هو أذناه وعيناه وقلبه. إن كان السلطان مُحبًّا للرياسة والغلبة والترؤس والتفريط لا يُنصف في المودة، ولا يُقابل الصداقة بصدقه، بل يتعالى ويُصاب بالخُيلاء والاستهانة بالأصدقاء والترفُّع عليهم، فتتحوَّل الصداقة إلى عداوة وبغضاء واحتقار للغير. وإذا بلغ الصديق مرتبة السلطان فليغمس إخوانه فيها دون امتنان وتطاول. ويدخل أهل النميمة على الملوك في صورة الناصحين حتى يُفسدوا نيَّتهم على الوزراء المجتهدين في تثبيت الملك، إلى أن يغضبوا عليهم، فيبطشوا بهم وهم لا يستحقُّون إلا الكرامة والإحسان. وهؤلاء أصدقاء السوء مُنصبون الدسائس في البلاط تعبيرًا عن الواقع السياسي عند القدماء. وقد يكون في ذلك تضارب بين السعادة والخير في ذاتهما والنسبة الرياضية من ناحية، وتأديب الأحداث ونصائح الملوك من ناحيةٍ أخرى.٦٦
ويضع مسكويه مقاييس عشرة لاختيار الصديق؛ صباه، وسيرته، وميوله، وطباعه.٦٧ ثم يُفصل آداب الصداقة في أطول الفقرات، ومعظمها آدابٌ اجتماعية مثل البشاشة، والحذر، والكرم، وعدم الترخص، وعدم النميمة، وعدم فساد المحبة الإلهية.٦٨ وهي مجرد إحصاء نصائح دون تحليل المواقف، مع ضرب المثل بسلوك الحيوان كأخلاقٍ طبيعية. والبعض منها يمكن الاستدراك حوله، والبعض الآخر مثل النفاق والازدواجية والخيانة غير مذكورة. قليلٌ منها له أُسسٌ دينية مثل شكر النعم، والحذر من المراء، والألفة التي دعت إليها الشريعة.
وبالرغم من أن القناعة مُلحَقة بالزهد عند الصوفية إلا أنها قرينة بالصداقة عند مسكويه. هي إمضاء مشيئة الله وإتمام سياسته، واستخدام النفس الناطقة لذلك دون غيرها، وألا تجاوز حدودها. ولا أعدل ولا أشرف من تدبيره وتقديره وتربيته، وكل من خالفه فقد جار.٦٩ فمن وجد الكفاية والقصد من السعادة الخارجية لا يشتغل بفضول العيش، فإنه بلا نهاية، ومن طلبها فإنه يهلك.٧٠ الغرض منها مُداواة الآلام والوقاية منها، وليس التمتُّع وطلب اللذة، ومعالجة الجوع والعطش، وهما عرَضان مؤلمان صادَّان. ليس القصد منها لذة البدن، بل صحته. فطلب العلاج باللذة لا يؤدي إلى الصحة، بل تُغني اللذة. ومن ليس له كفاية وسعد في تحصيلها فإنه يكون بالقصد وعلى قدر الحاجة دون السعي الخبيث والعرض الشديد، والتعرض لقبيح المكاسب أو ضروب المهالك. والعاقل المُحب لنفسه والساعي لخلاصها مكن آلامها ونجاتها من مهالكها تصفح أمراض النفوس ومداواتها، وعلاجها الرغبة في الله، والتوفيق بعد الاجتهاد.٧١

القناعة بهذا المعنى أقرب إلى التسليم بالقضاء، والاستسلام للقدر. كيف يمكن في هذه الحالة إذن أن تنشأ المعارضة وتقوم الثورة مطالبة الفقراء بحقوقهم في أموال الأغنياء إذا كانت مخالفة لتقدير الله وظلمًا له؟ ولماذا النفور من إشباع الحاجات باسم الله والضروريات أحد مقاصد الشريعة؟ إن القناعة موضوعٌ صوفي من موضوعات «الرسالة القشيرية»، تدل على اغتراب وعجز وحرمان وتعويض، وتُشير إلى ما سمَّاه بلغة العصر «أفيون الشعوب».

(٤) الأخلاق الشرعية

وفي الأخلاق الشرعية يجتمع الوافد والموروث، أرسطو والقرآن. الشريعة لفظٌ إسلامي للتعبير عن القانون بدلًا من اللفظ المعرَّب «ناموس» الذي يبدو أنه كان موجودًا قبل عصر الترجمة، كالألفاظ الفارسية المستعمَلة في القرآن. وربما كان هناك مصدرٌ واحد للغات شبه الجزيرة العربية وامتدادها شمالًا في صحراء الشام وما بين الوافدين؛ فقد كانت منطقة تداخل بين اللغات الهندية الأوروبية واللغات السامية. الاستبدال اللغوي أحد مظاهر التشكُّل الكاذب المعكوس؛ أي التعبير عن اللفظ اليوناني بلفظٍ إسلامي، والتعبير عن الناموس بالشريعة دون المضمون الإسلامي. فأرسطو محمد اليونان، ومحمد أرسطو المسلمين. ومن السهولة تركيب أرسطو على الشريعة؛ لأنهما بنيتان مُتشابهتان ينتهيان إلى نفس الشيء؛ فنص أرسطو به «الله تبارك وتعالى»، مصدر الناموس الأكبر.

يدخل أرسطو بعد عرض مسكويه استشهادًا به. أرسطو هو الشارح، ومسكويه هو النص. وإذا ظهر أرسطو قبل مسكويه فلتمثُّل الوافد. التشكُّل الصادق صراحة في شرح مسكويه لعبارة أرسطو. ومعنى الناموس في لغته السياسة والتدبير؛ أي إكمال أرسطو وعدله وتصحيحه. والتشكُّل الكاذب استعمال اللفظ اليوناني للتعبير به عن مضمونٍ إسلامي مثل العقل الفعَّال، والعلة الأولى، والمحرِّك الأول. والتشكل الصادق استعمال اللفظ الإسلامي للتعبير عن مضمونٍ يوناني، مثل الشريعة بدل الناموس.

أرسطو مُتفق مع العقل والطبيعة والوحي وكأنه مسكويه. ذكره مسكويه من قبيل الاعتراف بفضل السابقين، كاعتراف الإسلام بالمسيحية واليهودية السابقتَين عليه، وإن كانت له شريعته الخاصة فهي مُتصلة بباقي الشرائع كاتصال الشرعة الإسلامية بالشرائع السابقة عليه. أسس الشريعة واحدة، العقل والطبيعة، سواء كان مصدرهما واحدًا في الوحي أو في التاريخ.٧٢
ولما كانت الشريعة تُقدر الأفعال الإرادية التي تقع بالروية وبالوضع الإلهي، صار المُتمسك في معاملاته عدلًا، والمُخلف لها جائرًا؛ نظرًا لوحدة الوحي والعقل والطبيعة. العدالة تُسمي التمسُّك بالشريعة هيئةً نفسانية ينقاد لها الإنسان طوعًا ولا يُضادها. فإذا تعوَّد الإنسان أن تكون سيرته فاضلة، ولم يُقدِم على شيء من الأفعال إلا بعد مطابقتها للعقل الصريح ومراعاة الشريعة القديمة، كانت أفعاله كلها عادلة نظرًا لتطابق الإدارة والعقل والشريعة؛ فالسعيد هو من اتَّفق في صباه على أن يأتي بالشريعة ويستسلم لها، حتى يشبَّ ويعقل ويعرف الأسباب والعلل والحكمة، فوقع التطابق في نفسه بين الشريعة والعقل والطبيعة، مثل وجود اليقين عند حي بن يقظان.٧٣

والشريعة تأمر بالعدل على نحوٍ كلي. وعلى الإنسان أن يجتهد في تطبيقه في الجزيئات كما هو الحال في القياس الشرعي. وينقسم الجور ثلاثة أقسام؛ غصب الأموال وعدم الاكتساب والعمل، وهو الجور الاقتصادي. وعدم قبول رأي الحاكم، وهو الجور السياسي. وعدم قبول الشريعة، وهو الجور الأعظم؛ الجور الديني. ويعني عدم قبول رأي الحاكم أي الخلاف في الرأي بين الحاكم والمحكوم، وتسلط كلٍّ منهما على الآخر.

وبعض الناس أخيار بالطبع؛ بعضهم بالشرع، وبعضهم بالتعليم؛ أي بالطبيعة والوحي والعقل. الشريعة مثل الماء للإنسان، ومن لا ينقاد لها يَشْرق ويهلك. ويكون الإكراه إما بالتأديب الشرعي أو التعليم الحكمي. والثاني أفضل لأن الوراثة، الإنسان منذ مولده، خارج التعليم والاجتهاد.٧٤ فالشريعة لا تعني فقط القانون بل التربية، والتربية مهمة الشرائع. الشريعة هي التي تقوِّم الأحداث، وتعوِّد الأفعال الحسنة، وتهيِّئ النفوس لقبول الحكمة، وطلب الفضائل، وبلوغ السعادة الإنسانية، بالفكر الصحيح والقياس السليم. وبعد التعود يمكن المعرفة بالبرهان ما تعلَّمه الصِّبية تقليدًا. البرهان بعد التقليد وليس قبله، كالعقل بعد الإيمان، والحب بعد الزواج، والعمل بعد النظر.

وتتحوَّل الشريعة إلى التربية على مراحل؛ الأولى التربية على أدب الشريعة والأخذ بوظائفها وشرائعها. والثانية الأخلاق تأكيدًا للشريعة والوحي؛ فالوحي أخلاق، والأخلاق برهانٌ عملي. والثالثة الحساب والهندسة لصدق البرهان. والرابعة تمام ذلك بمنٍّ من الله وموهبة منه. والخامسة القارئ الغائب. فالفكر مشروعٌ نظري وعملي مشترك.

ويمكن التربية على أخلاق الشريعة؛ فقد قامت الشريعة القديمة ليس على المراء، كما حثَّت الشريعة على المحبة والتقرب إلى الله طاعةً كما فعل إبراهيم الخليل. والشريعة تأمر بالعدالة على نحوٍ كلي كما هو الحال في الأصول. الواجب هو العدل، والندب هو الحرمة (التفضل واللطف)، الواجب في الكل، والفاضل في الجزء، محاولةً للجمع بين العدل والرحمة، بين المعتزلة والأشاعرة. فقراءة النص تحتاج إلى معرفةٍ شاملة بالحضارة وعلومها حتى يمكن معرفة بنيتها ومحاورها التي تتخلل العلوم عرَضًا. واللذة التي تطلبها الشريعة هي اللذة المُعتدلة العاقلة دون إسراف أو تقتير، المزاج المُستعذب، الحديث المُستطاب، الفاكهة المحبوبة. ومن الشرائع الصادقة سياسة الله في خلقه، والتربية على الدين من أجل الجمع بين الدين والدنيا.

والعبادة إحدى الفضائل الفرعية تحت العدالة. ويمكن تفسير الشعائر أخلاقيًّا واجتماعيًّا؛ فالصلاة خمس مرات في اليوم، والجماعة أفضل من الفرد، ومرةً كل أسبوع لتأكيد دور الجماعة في صلاة الجمعة، ومرتين في العام في صلاة العيدين، ومرةً كل سنة في جماهير الأمة في الحج؛ وذلك من أجل تربية الأمة على الأنس والمحبة والخير والسعادة. فالشريعة تُعطي العادات الجميلة؛ لأن الجمال والخير والحق واحد.

وتتم التربية عن طريق الدين بما في ذلك استعمال الضرب إذا دعت الحاجة أو الاكتفاء بالتوبيخ؛ فالتأديب نافع ومؤثر في الأحداث والصِّبيان. وقد يكون العقاب ذاتيًّا، معاقبة النفس بصومٍ أكثر وبصلاةٍ أكثر. فإذا ما بادر إلى طعامٍ ضارٍّ أو حميةٍ استشعرها، أو فاكهة محرَّمة عاقَب نفسه بصوم. ومن شعر بالكسل أو التواني في المصلحة فالعقاب بالصلاة والمشقة. والحقيقة أن الغاية من الشريعة ليست العقوبة، وإلا صار العبد كأجير السوء لا يسير إلا بالعصا؛ فالأخلاق بلا إلزام ولا جزاء. أخلاق الطبيعة والعقل والإرادة والروية للخاصة، وأخلاق المنفعة وتحقيق المصالح للعامة. ويستطيع الحكيم الوصول إلى غايات الشريعة بوسائل أخرى.٧٥

الأخلاق الشرعية هي جزء من الأخلاق الإلهية، وكلاهما أخلاق وتربية يعتمدان على العقل والطبيعة إكمالًا للأخلاق الوافدة، وتنظيرًا للأخلاق الموروثة، وجمعًا بين النظر والعمل في حضارةٍ واحدة شاملة تعبِّر عن الإنسانية كلها.

١  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص١١.
٢  كما هو الحال عند كانط وفشته (السابق، ص٦–١٠). وهذا تنظيرٌ غير مباشر لآية إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ.
٣  الناس أخيار بالطبع عند الرواقيين، وأشرار بالطبع عند من قبلهم، وأخيار وأشرار عند جالينوس وأرسطو، سواء كان التعليم بطيئًا أم سريعًا، وهو رأي مسكويه.
٤  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٣٠–٣٢.
٥  السابق، ص٣٢–٣٤، ٨٣–٨٦.
٦  «وهذا هو رأس الجمهور من العامة الرعاع وجهال الناس السقاط … وإذا خلَوا بالعبارات وتركوا الدنيا وزهدوا فيها، فإنما ذاك فيهم على سبيل المتجر والمرابحة في هذه بعينها، كأنهم تركوا قليلها ليصلوا إلى كثيرها، وأعرضوا عن الفانيات منها ليبلغوا إلى الباقيات» (مسكويه، السابق، ص٣٥-٣٦).
٧  السابق، ص٦٢–٦٤.
٨  المقالة الثالثة معظمها في الخير والسعادة (السابق، ص٦٢–٨٢).
٩  السابق، ص١٢، ٣٢-٣٣، ٩٣.
١٠  السابق، ص٦٥-٦٦.
١١  وهنا يبدو ديكارت تلميذًا للمسلمين في «مبادئ الفلسفة»، وفي التأملَين الخامس والسادس في «الفلسفة الأولى» عن استقلال النفس عن البدن (مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٢–٨).
١٢  السابق، ص٥.
١٣  يعتمد مسكويه على رأي أرسطوطاليس في بقاء النفس (السابق، ص٨٠-٨٣).
١٤  وهو أشبه بما يُسمى في الغرب الحديث علم المصادرات Axiomatics.
١٥  مسكويه، تهذيب النفس، ص٦–١٠.
١٦  انظر دراستنا «التفكير الديني وازدواجية الشخصية، قضايا معاصرة»، ج١، في فكرنا المعاصر، ص١١١–١٢٧.
١٧  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٨–١١.
١٨  وهي القسمة البديهية التي يقوم عليها مشروع «التراث والتجديد» في جبهاته الثلاث؛ الموقف من التراث القديم (الموروث)، الموقف من التراث الغربي (الوافد)، الموقف من الواقع أو نظرية التفسير (العقل البديهي).
١٩  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص١٤–٢٢.
٢٠  السابق، ص٩٨–١٠٠.
٢١  وهو التحول من ethics إلى morals، éthique socialemoeurs (السابق، ص٣٨–٤٤، ٥٠-٥١).
٢٢  وهي العبارة الشهيرة لموليير: «يجب أن نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل.» ويُعطي مسكويه أربع عشرة نصيحة: لون واحد من الطعام، عدم المبادرة إلى الطعام في حالة المجالسة، عدم النظر إلى ألوانه، عدم الإسراع والبلع، عدم تكبير اللقمة، عدم تلطيخ اليد، عدم النظر إلى الآخرين، أدنى الطعام الخبز بلا أدم، العشاء دون الغداء حتى لا يكسل الناس بالنهار، منع اللحم، منع الحلوى والفاكهة، عدم الشرب أثناء الطعام، تحريم النبيذ.
٢٣  آداب المطاعم (السابق، ص٤٩-٥٠).
٢٤  عادة الأوروبيين العشاء دون الغداء على عكس عادة المسلمين اليوم، واليابانيون يأكلون بالعين، النظر إلى جمال الألوان والتنسيق.
٢٥  آداب متنوعة، السابق، ص٥٠–٥٤.
٢٦  الملابس، السابق، ص٤٨-٤٩. وربما يكون أيضًا تمثلًا لوافد؛ كتاب بروش في تأديب الأحداث والصِّبيان.
٢٧  يتضمن السخاء: الكرم، الإيثار، النيل، المساواة، المسامحة. وتحتوي الشجاعة: كبر النفس، النجدة، عظمة الهمة، الثبات، الصبر، الحلم، عدم الطيش، الشهامة، احتمال الكدر. وتتفرع من العفة: الحياء، الدعة، الصبر، السخاء، الحرية، القناعة، الدماثة، الانتظام، حسن الهدي، المسالمة، الوقار، الورع. وتضم الحكمة: الذكاء، الذكر، التعقل، سرعة الفهم وقوته، صفاء الذهن، جودة الذهن، سهولة التعليم (مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص١٤–٢٢).
٢٨  أهم الرذائل: العُجب والافتخار، المزاح والتِّيه، الاستهزاء، الضرر والضيم، المقتنَيات والجوهر النفيس، الغضب، الجبن والخوف، الخوف، الحزن.
٢٩  يُحيل مسكويه إلى رسالة ابن سينا «في دفع الغم من الموت» بالرغم مما بينهما من تنافس، ولا يُشير إلى الكندي في رسالته «في دفع الأحزان» (السابق، ص١٧٢–١٧٩).
٣٠  هي إحدى وعشرون فضيلة، هي: الصداقة، الأُلفة، صلة الرحم، المكافأة، حسن الشركة، حسن القضاء، التودد، العبادة، ترك الحقد، مكافأة الشر بالخير، استعمال اللطف، ثوب المروءة في جميع الأحوال، ترك المعاداة، ترك الحكاية عما ليس بعدلٍ مَرْضي، البحث عن سيرة من يُحكى عنه العدل، ترك لفظ واحد لا خير فيها لمسلم وفضلًا عن حكايةٍ تُوجِب حدًّا أو قذفًا أو قتلًا أو قطعًا، ترك السكون إلى قول سفلة الناس وسقطهم، ترك قول من يُكدي بين الناس ظاهرًا باطنًا أو يُلحف مسألة أو يُلح بالسؤال؛ فإن هؤلاء يُرضيهم الشيء اليسير فيقولون لأجله قبيحًا، ترك الشره في كسب الحلال، وترك ركوب الدناءة في الكسب لأجل العيال، الرجوع إلى الله وإلى عهده وميثاقه عند كل قول يتلفظ به أو لحظ يلحظه أو خطرة في أعدائه وأصدقائه، ترك اليمين بالله وبشيء من أسمائه وصفاته رأسًا (السابق، ص١٩).
٣١  يرفض كانط أخلاق الأمثلة التقليد.
٣٢  مثل: إكرام الزوجة والأهل والعشيرة والجار والصديق والحبيب وأصحاب المعرفة الباطنة، وعدم الإفراط في حب المال لِما قد يصدُّه عن استعمال الرأفة وامتطاء الحق، ويضطرُّه إلى الخيانة والكذب والاختلاق والزور ومنع الواجب وبيع الدين والمروءة دون إرادة وجه الله الذي لا يُشترى بمال.
٣٣  السابق، ص٩٨–١٠٠. ويُشير مسكويه إلى كتابَي جالينوس؛ التشريح، ومنافع الأعضاء، ليُنشئ داخل الشرح إلهيات أرسطو، الله كملك العدل.
٣٤  الحكمة وسط بين السفه والبله. والشجاعة وسط بين القهر والجبن. والعفة وسط بين الشره والخمود. والعدالة بين الجور والمهانة، الظلم والانظلام، معرفة المرء عيوب نفسه (السابق، ص١٥٥–١٥٧).
٣٥  السابق، ص١٠٣.
٣٦  السابق، ص٩٣، ١٢. ويُحيل مسكويه إلى مختصر له في صناعة العدد.
٣٧  السابق، ص٣٢–٣٨.
٣٨  كما هو الحال عند أرسطو.
٣٩  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٤٦–٥٤.
٤٠  الشوق إلى المعارف والعلوم، السابق، ص٥٤–٥٧، ٦٠-٦١. والاختلاف في التطور بين الأحياء عند دارون اختلاف في الدرجة وليس في النوع، وعند برجسون في النوع وليس فقط في الدرجة؛ فالتطور عند دارون يقوم على الاتصال، وعند برجسون على الانفصال.
٤١  السابق، ص٥٦–٥٩. عند جويو إذا تطوَّر الدين وصل إلى العلوم الإنسانية والفن؛ فالدين لا مستقبل له، كما عرض في كتاب «لا دينية المستقبل»، وردَّ عليه إدواردفون هارتمان في «مستقبل الدين»، وهي الإشكال الرئيسي في فلسفة الدين، اليهودية والمسيحية والإسلام، والذي عرضه هيجل في آخر «ظاهريات الروح» (انظر كتابنا «نماذج من الفلسفة المسيحية»، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية ١٩٦٨).
٤٢  تمثل الوافد من جالينوس في حفاظ الصحة على النفس، ومن الكندي في علاج الخوف من الموت (معرفة المرء عيوب نفسه، السابق، ص١٧٢–١٧٩، ١٥٥–١٥٧، ١٦٧).
٤٣  السابق، ص١٦٢، ١٧٢، ١٧٦-١٧٧، ١٧٩، ١٨١.
٤٤  لذلك جعل ماركس الدين أفيون الشعب، ونقد نيتشه أخلاق العبيد.
٤٥  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٥٠–٥٤.
٤٦  وذلك مثل: عدم حضور مجالس الشراب إلا أن يكون فيها أدباء، تعلُّم الطعام قبل تعلُّم الأدب، منع خفاء الأفعال؛ أي العمل العلني ضد العمل السري، منع النوم الكثير ليلًا، والنوم بالنهار، وهو ما يُناقض وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا، منع الوطء حتى يصلب العود، مع أن الشباب في حاجة إلى الوطء أكثر من الشيخ، تعليم المشي والرياضة من أخلاق البدن، عدم الكشف للأطراف حياءً طبقًا لفضيلة الحجاب، عدم الإسراع في المشي مع أن الرسول وعمر كانا يُهرولان، عدم إرخاء اليدَين بل ضمهما إلى الصدر مع أنه مُباح في الصلاة، عدم تربية الشعر وقد كان تقليدًا عربيًّا حمايةً للرأس من وهج الشمس، عدم التزين بملابس النساء طبقًا لحديث «لعن الله المُتشبهين بالنساء من الرجال»، تحريم الخاتم إلا وقت الحاجة (مثل الخطبة)، عدم افتخار الإنسان بما يملك، رفض القرابة والوساطة، عدم البصق والتمخط والتثائب، عدم وضع رجل على رجل، ولا ضرب تحت الذقن بالساعد، ولا استناد الرأس على اليد، ربما علامة على الخيلاء والحزن، وعدم الكذب والحلف إلا صدقًا، ولا حاجة إلى جلوس الصبي على اليمين، مع قلة الكلام في الإجابة، والاستماع إلى الكبير في السن (آداب متنوعة، تهذيب الأخلاق، ص٥٠–٥٤).
٤٧  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص٦، ١٥، ١٩، ٣١، ٣٤، ٣٨-٣٩، ٤٣–٥٤، ٦٤.
٤٨  وهذه هي المذاهب اليونانية الثلاثة؛ أفلاطون وأرسطو وسقراط. وقد لاحظ ذلك رويس في فلسفة الدين، تفسير الدين فلسفيًّا وتأويل الفلسفة دينيًّا (السابق، ص١٩، ٤٧-٤٨).
٤٩  السباق، ص٧٢–٧٤، ٤٥–٤٨.
٥٠  وقد تم تحقيق ذلك القصد في «من العقيدة إلى الثورة».
٥١  وقد قام فيورباخ بذلك من قبل.
٥٢  مسكويه، تهذيب الأخلاق، ص١٤٠–١٤٢.
٥٣  وقد ركَّز على ذلك الشاعر الفيلسوف محمد إقبال.
٥٤  السابق، ص٣٥–٣٨.
٥٦  «ولذلك يجب أن يُعظم الشجاع ويشحَّ بنفسه. وحقيق على السلطان خاصةً والقيِّم بأمر الدين والمِلل أن يُنافس فيه ويُجلَّ قدره، ويُعليَ خطره، ويُميزه عن سائر من يتشبه به» (السابق، ص٨٩).
٥٧  من العقيدة إلى الثورة، ج٣، العدل، أفعال الشعور الداخلية، ص١٨–٧٤.
٥٨  ما يجب على الإنسان لخالقه (السابق، ص١٠٠–١٠٢).
٥٩  السابق، ص١٤٢–١٤٤.
٦٠  السابق، ص١٠٢–١٠٤.
٦١  السابق، ص١١، ١١٤-١١٥، ١١٧-١١٨، ١٢٨-١٢٩، ١٤٠–١٤٣.
٦٢  وهو نفس رأي أفلاطون في «المأدبة»، وبرشت في «دائرة الطباشير القوقازية».
٦٣  السابق، ص١١٩–١٢١، ١٢٤-١٢٥.
٦٤  السابق، ص١١١–١٤٤، ١١٧–١١٩.
٦٥  «ولا تكن بالمستحقر لأيادي الإخوان وإحسان السلطان» (السابق، ص١٣٢).
٦٦  السابق، ص١١٣–١١٥، ١٢٤-١٢٥، ١٣٥.
٦٧  كيف يختار الصديق: صباه مع والديه وإخوته وعشيرته، سيرته مع أصدقائه، سيرته مع من يحب شكره، وميله إلى الراحة وتباطؤه عن الحركة، محبته للذهب والفضة، محبته للرياسة، الاستهزاء بالغناء واللحون وضروب اللهو واللعب وسماع المجون والمضاحك، عدم كثرة الأصدقاء، عدم تتبُّع صغار عيوبه، الحذر من عداوة الصديق والاستشهاد بالشعر (السابق، ص١٣١–١٣٣).
٦٨  آداب الصداقة: كثرة مراعاته في دقة الرخاء بالبشاشة دون ملق، ومشاركته في السراء والضراء، والتقرُّب لمن ينبغي، والمداومة على الصداقة، وحذر المِراء مع الصديق، وعدم البخل على الصديق بالعلم أو الآداب لقبحها أو لقلتها أو أنانية أو حسدًا أو منع الكذب، وعدم الترخص مع الأصدقاء لدرجة ذكر الأشياء في النفس، وعدم التبسط، وعدم النميمة والإيقاع بين الملك ووزارته، وعدم فساد المحبة الإلهية (السابق، ص١٣٣–١٤٠).
٦٩  «وكل من خالفه وعدل عنه فهو أعظم جائر على ذاته وأكبر ظالم لنفسه» (السابق، ص١٥٣).
٧٠  وذلك مثل قول غاندي: «في العالم ما يكفي لكل الناس، وما في كل العالم ما لا يكفي لطمع إنسان واحد.»
٧١  مسكويه، تهذيب النفس، ص١٥١–١٥٣، ١٨٣.
٧٢  استعمل مسكويه نصوصًا جيدة من أرسطو للتعبير عن الآخر المُشابه كما فعلت أنا مع اسبينوزا، أو فيورباخ، والتأليف غير المباشر واستعمال الفلسفة الغربية ما استعمل القدماء الفلسفة اليونانية.
٧٣  السابق، ص١٠٣–١٠٨، ١٤٣-١٤٤.
٧٤  السابق، ص١٢، ٢٠، ٢٧–٢٩، ٣٥، ٥٢، ١٠٩–١١١، ١١٦، ١٤١، ١٤٦.
٧٥  السابق، ص٢٨-٢٩، ١٥٤.