في تعريف القصر
- والشيء الأول: هو المقصور.
- والشيء الثاني: هو المقصور عليه.
والطريق المخصوص لذلك التخصيص يكون بالطرق والأدوات الآتية:
نحو: «ما شوقي إلا شاعر» فمعناه تخصيص «شوقي بالشعر» وقصره عليه، ونفي صفة «الكتابة» عنه «ردًّا على مَنْ ظنَّ أنه شاعر وكاتب».
والذي دلَّ على هذا التخصيص هو النفي بكلمة «ما» المتقدمة، والاستثناء بكلمة «إلا» التي قبل الخبر.
فما قبل «إلا» وهو «شوقي» يُسمَّى مقصورًا عليه، وما بعدها وهو «شاعر» يُسمَّى مقصورًا و«ما» و«إلا» طريق القصر وأدواته.
ولو قلت: «شوقي شاعر» بدون «نفي واستثناء» ما فُهم هذا التخصيص؛ ولهذا يكون لكل قصر طرفان «مقصور ومقصور عليه»، ويُعْرَف «المقصور» بأنَّه هو الذي يُؤلِّف مع «المقصور عليه» الجملة الأصلية في الكلام.
ومن هذا تعلم أن القصر: هو تخصيص الحكم بالمذكور في الكلام ونفيه عن سواه بطريق من الطرق الآتية.
وفي هذا الباب أربعة مباحث.
(١) المبحث الأول: في طرق القصر
- أولًا: يكون القصر «بالنفي والاستثناء»٢ نحو: «ما شوقي إلا شاعر» أو «ما شاعر إلا شوقي».
- ثانيًا: يكون القصر «بإنما» نحو: إِنَّمَا يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. وكقول:
إنما يشتري المحامد حرطاب نفسًا لهن بالأثمان
- ثالثًا: يكون القصر بالعطف ﺑ «لا» و«بل» و«لكن» نحو: الأرض متحركة لا
ثابتة، وكقول الشاعر:
عمر الفتى ذكره لا طول مدتهوموته خزيه لا يومه الداني
وكقوله:
ما نال في دنياه وإنْ بغيةلكن أخو حزم يجدُّ ويعمل - رابعًا: يكون القصر «بتقديم ما حقه التأخير» نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
أي «نخصك بالعبادة والاستعانة».
(١) فالمقصور عليه «في النفي والاستثناء» هو المذكور بعد أداة الاستثناء، نحو: وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ.
(٢) والمقصور عليه مع «إنما» هو المذكور بعدها، ويكون مؤخرًا في الجملة وجوبًا، نحو: إنما الدنيا غرور.
(٣) والمقصور عليه مع «لا» العاطفة هو المذكور قبلها.
والمقابل لما بعدها، نحو: الفخر بالعلم لا بالمال.
(٤) والمقصور عليه مع «بل» و«لكن» العاطفتين هو المذكور بعدهما، نحو: «ما الفخر بالمال بل بالعلم» ونحو: «ما الفخر بالنَّسب لكن بالتقوى».
(٥) والمقصور عليه في «تقديم ما حقه التأخير» هو المذكور المتقدِّم، نحو: عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا. وكقول المتنبي:ومن البليَّة عَذْلُ من لا يَرْعَوِيعن غيِّه وخطابُ من لا يَفهم
ملاحظات
- أولًا: يشترط في كل من «بل» و«لكن» أن تُسبق بنفي، أو نهي، وأن يكون المعطوف بهما مفردًا، وألا تقترن «لكن» بالواو.
- ثانيًا: يشترط في «لا» إفراد معطوفها، وأن تُسبق بإثبات، وألا يكون ما بعدها داخلًا في عموم ما قبلها.
- ثالثًا: يكون للقصر «بإنما» مزية على العطف؛ لأنها تقيد الإثبات للشيء، والنفي عن غيره دفعة واحدة، بخلاف العطف، فإنه يفهم منه الإثبات أولًا، ثم النفي ثانيًا، أو عكسه.
- رابعًا: التقديم يدل على القصر بطريق الذوق السليم، والفكر الصائب، بخلاف الثلاثة الباقية فتدل على القصر بالوضع اللغوي «الأدوات».
- خامسًا: الأصل أن يتأخر المعمول على عامله إلا لضرورة.
ومن يتتبع أساليب البلغاء في تقديم ما حقه التأخير يجد أنهم يريدون بذلك التخصيص.
(٢) المبحث الثاني: في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع إلى قسمين
-
(أ)
قصر حقيقي:٣ وهو أن يختص المقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع، بألا يتعداه إلى غيره أصلًا، نحو: لا إله إلا الله.
-
(ب)
وقصر إضافي: وهو أن يختص المقصور عليه بحسب الإضافة والنسبة إلى شيء آخر مُعَين، لا لجميع ما عداه، نحو: ما خليل إلا مسافر، فإنك تقصد قصر السفر عليه بالنسبة لشخص غيره، كمحمود مثلًا، وليس قصدك أنه لا يوجد مسافر سواه؛ إذ الواقع يشهد ببطلانه.
تنبيهات
- الأول: الأصل في العطف أن يُنص فيه على المثبت له الحكم، والمنفي عنه إلا إذا خيف التطويل، وفي الثلاثة الباقية يُنص على المثبت فقط.
-
الثاني: النفي بلا العاطفة لا يجتمع مع «النفي والاستثناء» فلا تقول: «ما
محمد إلا ذكي لا غبي»؛ لأن شرط جواز النفي «بلا» ألا يكون ما قبلها
منفيًّا بغيرها.
ويجتمع النفي بلا العاطفة مع كل من «إنما» و«التقديم» فتقول: إنما محمد ذكي لا غبي، وبالذكاء يتقدم محمد لا بالغباوة.
والأصل في العطف «بلا» أن يتقدم عليه مثبت، ويتأخر منفي بعده، وقد يترك إيضاحه اختصارًا، مثل: «علي يجيد السباحة لا غير»؛ أي لا المصارعة، ولا الملاكمة، ولا غير ذلك من الصفات.
- الثالث: الأصل في «النفي والاستثناء» أن يجيء لأمر ينكره المخاطب، أو يشك فيه، أو لما هو منزل هذه المنزلة، ومن الأخير قوله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ.
-
الرابع: الأصل في «إنما» أن تجيء لأمر من شأنه ألا يجهله المخاطب، ولا
يُنكره، وإنما يراد تنبيهه فقط، أو لما هو منزل هذه المنزلة، فمن
الأول قوله تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وقوله تعالى: إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسَابُ. ومن الثاني قوله تعالى حكاية عن اليهود:
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ؛ فهم
قد ادعَوْا أن إصلاحهم أمر جليٌّ لا شك فيه. وقال الشاعر:
أنا الذائد الحامي الذِّمار وإنمايُدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
(٢-١) أسباب ونتائج
الغاية من القصر تمكين الكلام وتقريره في الذهن، كقول الشاعر:
ونحو:
وقد يراد بالقصر المبالغة في المعنى كقول الشاعر:
وكقوله:
و«ذو الفقار» لقب سيف الإمام علي كرم الله وجهه، وسيف العاص بن منبه. والقصر قد ينحو فيه الأديب مناحي شتى، كأن يتجه إلى القصر الإضافي؛ رغبة في المبالغة، كقوله:
وقد يكون من مرامي القصر التعريض، كقوله تعالى: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ؛ إذ ليس الغرض من الآية الكريمة أن يعلم السامعون ظاهر معناها، ولكنها تعريض بالمشركين الذين في حكم من لا عقل له.
(٣) المبحث الثالث: في تقسيم القصر باعتباره طَرَفيه
- (أ)
قصر صفة على موصوف: هو أن تُحبس الصفة على موصوفها، وتُخْتَص به، فلا يتَّصف بها غيره، وقد يتصف هذا الموصوف بغيرها من الصفات.
مثاله من الحقيقي: «لا رازق إلا الله».
ومثاله من الإضافي، نحو: «لا زعيم إلا سعد».
- (ب)
قصر موصوف على صفة، هو أن يُحبَس الموصوف على الصفة ويختص بها دون غيرها، وقد يُشاركه غيره فيها.
مثاله من الحقيقي، نحو: «ما الله إلا خالق كل شيء».٤ومثاله من الإضافي قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ٥ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا.
(٤) المبحث الرابع: في تقسيم القصر الإضافي
- (أ) قصر إفراد: إذا اعتقد المخاطب الشركة، نحو: إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ردًّا على من اعتقد أن الله ثالث ثلاثة.
- (ب)
قصر قلب: إذا اعتقد المخاطب عكس الحكم الذي تثبته نحو: «ما سافر إلا علي» «ردًّا على من اعتقد أن المسافر خليل لا عليٌّ» فقد قلبت وعكست عليه اعتقاده.
- (جـ)
قصر تعيين: إذا كان المخاطب يتردَّد في الحكم، كما إذا كان متردِّدًا في كون الأرض متحركة أو ثابتة، فتقول له: الأرض متحركة لا ثابتة «ردًّا على من شكَّ وتردد في ذلك الحكم».
واعلم أن القصر بنوعيه يقع بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل والفاعل، وبين الفاعل والمفعول، وبين الحال وصاحبها؛ وغير ذلك من المتعلقات، ولا يقع القصر مع المفعول معه.
والقصر من ضروب الإيجاز الذي هو أعظم ركن من أركان البلاغة؛ إذ إن جملة القصر في مقام جملتين، فقولك: «ما كامل إلا الله» تُعادل قولك: الكمال لله، وليس كاملًا غيره.
وأيضًا: القصر يحدد المعاني تحديدًا كاملًا، ويكثر ذلك في المسائل العلمية، وما يماثلها.
تطبيق «١»
وضِّح فيما يلي نوع المقصور وطريقه:
وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لَبِسْتَ فأَبْلَيْتَ، أو تصدقتَ فأَبْقَيْتَ.»
الرقم | الجملة | نوعه باعتبار المقصور | نوعه باعتبار الواقع | طريقه |
---|---|---|---|---|
(١) | ما الدهر | موصوف على صفة | إضافي | النفي والاستثناء |
(٢) | إنما العار | موصوف على صفة | إضافي | إنما |
(٣) | إنما الأمم | موصوف على صفة | حقيقي – ادعائي | إنما |
(٤) | فلما أبى | صفة على موصوف | إضافي | النفي والاستثناء |
(٥) | ما لنا | صفة على موصوف | إضافي | النفي والاستثناء |
(٦) | بك اجتمع | صفة على موصوف | إضافي | تقديم الجار والمجرور |
(٧) | وفي الليلة | موصوف على صفة | إضافي | تقديم الجار والمجرور |
(٨) | ما افترقنا | موصوف على صفة | إضافي | بل |
تطبيق «٢»
(١) قال الله تعالى: إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
(٢) قال تعالى: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ.
(٣) قال تعالى: لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.
(٤) قال الله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ.
(٩) لا يألف العلم إلا ذكي، ولا يجفوه إلا غبي.
(١٢) على الله توكلنا، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
(١٥) عند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان.
الرقم | الجملة | نوعه باعتبار الواقع | باعتبار المقصور | باعتبار المخاطب | طريقه |
---|---|---|---|---|---|
(١) | إنما الله | إضافي | موصوف على صفة | إفراد | إنما |
(٢) | إن حسابهم | إضافي | موصوف على صفة | إفراد | النفي والاستثناء |
(٣) | لله ما في السماوات | حقيقي | صفة على موصوف | التقديم | |
(٤) | إن أنتم | إضافي | موصوف على صفة | إفراد | النفي والاستثناء |
(٥) | فما السيف | إضافي | موصوف على صفة | محتمل | النفي والاستثناء |
(٦) | ليس اليتيم | إضافي | صفة على موصوف | محتمل | العطف ببل |
(٧) | وما شاب | إضافي | صفة على موصوف | محتمل | العطف بلكن |
(٨) | لا يفسدان | إضافي | صفة على موصوف | محتمل | العطف بلكن |
الرقم | الجملة | نوعه باعتبار المقصور | باعتبار الواقع | طريقه |
---|---|---|---|---|
(٩) | لا يألف العلم إلا ذكي | قصر صفة على موصوف | حقيقي | النفي والاستثناء |
(١٠) | ما قطر الفارس إلا أنا | قصر صفة على موصوف | حقيقي | النفي والاستثناء |
(١١) | إنما الدنيا هبات | قصر موصوف على صفة | إضافي | إنما |
(١٢) | على الله توكلنا | قصر صفة على موصوف | إضافي | التقديم |
(١٣) | ما قصبات السبق … إلخ | قصر صفة على موصوف | إضافي | النفي والاستثناء |
(١٤) | إلى الله أشكو | قصر صفة على موصوف | حقيقي | التقديم |
(١٥) | عند الامتحان يكرم … إلخ | قصر صفة على موصوف | إضافي | التقديم |
اختبار للذاكرة
(١) إنما نجح سعد لا سعيد.
(٢) إنما يكثر المطر في السودان ربيعًا لا شتاء.
(٣-أ) إذا كان المخاطب يعتقد أنك أديت غير الواجب عليك.
(٣-ب) إذا كان المخاطب يعتقد أنك أديت الواجب وغيره.
(٣-ﺟ) إذا كان المخاطب مترددًا في تأدية الواجب وغيره.
(٤) ارتفعت الأمم الغربية بالاختراعات الحديثة لا بغيرها.
تطبيق عملي
(١) في هذا البيت استثناء بغير إلا.
(٢) يقول: إن شراء المحامد مقصور على الأحرار، فهم الذين تطيب نفسهم ببذل المال في سبيل الحمد، والذي دل على هذا القصر هو لفظ «إنما»، وهذا «قصر صفة» وهي الشراء على «موصوف» وهو الحر.
(٣) فقد قصر الدنيا على صفة من صفتها وهي كونها متعبة لا تدوم لحي، وهو كما ترى «قصر موصوف على صفة».
(٤) أي إن حياة الإنسان لا تُقاس بطول المدة، ولكن بالذكر الخالد، وإن الموت لا يكون بمفارقة الحياة، بل بما يرضى به بعض الأحياء من خزي وهوان، وقد جاء في كل شطر بقصر؛ إذ قصر العمر على الذكر في الشطر الأول، وقصر الموت على الخزي في الشطر الثاني، والذي دل على القصر فيهما هو العطف «بلا» في قوله: «لا طول مدته» و«لا يومه الداني».
(٥) يقول: إن المهمل لا ينال أمانيه، إنما الذي ينال ما يرجوه هو الحازم الذي يجد ويعمل، فقصر نيل البغية على أخي الحزم، وطريق القصر هنا هو العطف «بلكن».
(٦) يقول: إن لوم من لا يرجع عن باطله، وإن التحدث إلى من لا يعي عنك ولا يفهم — مقصور على صفة لا يفارقها، وهي كونه بلاء ونكدًا، والذي دل على هذا القصر تقديم الخبر على المبتدأ.
(٧) قصر بناء الملك على العلم والمال بتقديم الجار والمجرور على الفعل.
تمرين آخر
- (١) قال الله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ.
- (٢) وقال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ.
- (٣) وقال تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ.
- (٤)
قال ابن الرومي:
غَلِطَ الطبيبُ عليَّ غلطة موردعجزت موارده عن الإصداروالناس يَلْحَوْنَ الطبيبَ وإنماغَلَطُ الطبيب إصابة الأقدار - (٥)
قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجدذا عفة فلعلةٍ لا يَظلمُ - (٦)
قال الطِّرِمَّاح بن حكيم:
وما مُنعْتَ دار ولا عزَّ أهلهامن الناس إلا بالقَنا والقنابل - (٧)
قال حَطَّان بن المُعَلَّى:
وإنما أولادنا بينناأكبادنا تمشي على الأرض - (٨)
وقال رجل من بني أسد:
ألا إنَّ خير الودِّ ودٌّ تطوعتْبه النفس لا ودٌّ أتى وهو مُتعبَ - (٩)
قال أبو تمام:
شاب رأسي وما رأيت مشيب الرأسإلا من فضل شيب الفؤادوكذلك القلوب في كل بؤسونعيم طلائع الأجساد - (١٠)
قال المتنبي:
وما أنا إلا سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتُهُفزَيَّنَ معروضًا وراعَ مُسَدَّداوما الدهر إلا من رواة قصائديإذا قلتُ شعرًا أصبح الدهر مُنْشِدا - (١١)
وقال أيضًا:
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتىولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا - (١٢)
وقال أبو فراس الحمداني:
إذا الخل لم يهجرك إلا ملالةفليس له إلا الفراق عتاب - (١٣)
وقال أبو العتاهية:
عَلِّلِ النفسَ بالكَفاف وإلاطَلبتْ منك فوق ما يكفيهاإنما أنت طول عمرك ماعمرت في الساعة التي أنت فيها - (١٤)
قال مهيار:
وما الحرص إلا فضلة لو نبذتهالما فاتك الرزق الذي أنت آكله - (١٥)
قال الطغرائي:
وإنما رجل الدنيا وواحدهامن لا يُعَوِّل في الدنيا على رجل - (١٦)
قال الغَزِّيُّ:
ليس التغرب أن تشكو نوى سفروإنما ذاك فقد العز في الوطن - (١٧)
وقال أيضًا:
إنما هذه الحياة متاعوالسفيه الغبي من يصطفيهاما مضى فات، والمؤمَّل غيبولك الساعة التي أنت فيها - (١٨)
وقال الأرجاني:
تطلعت في يومي رخاء وشدةوناديت في الأحياء هل من مساعدفلم أرَ فيما ساءني غير شامِتولم أرَ فيما سرني غير حاسد - (١٩)
وقال الأبيوردي:
ومن نكد الأيام أن يبلغ المنىأخو اللؤم فيها والكريم يخيب - (٢٠)
وقال أيضًا:
ولا تصطنع إلا الكرام فإنهميجازون بالنعماء من كان منعما
تطبيق عام على القصر وأنواعه والأبواب السابقة
«لا حول ولا قوة إلا بالله» جملتان خبريتان اسميتان من الضرب الثالث لما فيهما من التوكيد بالقصر، الذي هو أقوى طرق التوكيد. المسند إليه «حول وقوة» والمسند الجار والمجرور، ولا نظر لتقديم الخبر؛ لأن ذلك مراعاة لقاعدة نحوية لا يعتبرها أهل المعاني، ولا يعدون حذفه إيجازًا، والحكمان مقيدان بالنفي والاستثناء لإفادة القصر.
ففيهما «قصر صفة» وهو التحول عن المعاصي، والقوة على الطاعة على «موصوف» وهو الذات الأقدس، وهو قصر إضافي، طريقه النفي والاستثناء، ثم إن كان للرد على من يعتقد أن التحول عن المعاصي والقوة على الطاعة بغير الله تعالى فهو قصر قلب، أو على من يعتقد الشركة فهو إفراد، أو على من يتردد فهو تعيين.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ جملتان خبريتان فعليتان من الضرب الثالث. المسند نعبد ونستعين، والمسند إليه الضمير المستتر فيهما، وهما مقيدتان بالمفعولين «إياك» وقدم المفعولين لإفادة القصر، ففيهما قصر «صفة» وهو العبادة والاستعانة، على «موصوف» وهو الذات الأقدس، طريقه تقديم ما حقه التأخير، وهو إضافي، ثم إن كان للرد على من يعتقد أن المعبود غير الله تعالى فهو قلب، أو على من يعتقد الشركة فهو إفراد، أو على من يتردد فهو تعيين.
«إنما شوقي شاعر» فيه قصر موصوف؛ وهو شوقي، على صفة؛ وهو الشعر، وطريقه إنما، وهو «قلب أو إفراد أو تعيين» على حسب حال المخاطب.
«الله الغفور الرحيم» فيه قصر الصفة وهو المغفرة والرحمة على موصوف وهو الله تعالى، طريقه تعريف المسند بأل، وهو «قلب أو إفراد أو تعيين» على حسب حال المردود عليه.
«إنما الشجاع علي» فيه قصر صفة؛ وهو الشجاعة، على موصوف؛ وهو علي، وطريقه إنما.
«المرء بآدابه لا بثيابه» فيه قصر الموصوف على الصفة، قصر قلب بين المسند إليه والمسند، طريقه العطف بلا.
«إنما الإله واحد» فيه قصر الموصوف على الصفة، قصرًا حقيقيًّا، طريقه إنما، وهو واقع بين المسند إليه والمسند.
أسئلة على القصر وأنواعه تطلب أجوبتها
ما هو القصر لغة واصطلاحًا؟ كم قسمًا للقصر؟ ما هو القصر الحقيقي؟ ما هو القصر الإضافي؟ كم قسمًا للقصر الحقيقي؟ كم قسمًا للقصر الإضافي؟ ما مثال قصر الصفة على الموصوف من الحقيقي؟ ما مثال قصر الصفة على الموصوف من الإضافي؟ ما مثال قصر الموصوف على الصفة من الحقيقي؟ ما مثال قصر الموصوف على الصفة من الإضافي؟ كم قسمًا للإضافي بقسميه؟ على من يردُّ بقصر الإفراد؟ على من يرد بقصر القلب؟ على من يرد بقصر التعيين؟ ما هي طرق القصر المصطلح عليها في هذا الباب؟ ما أقواها؟ أيمكن وقوع القصر بين الفعل والفاعل؟ أيمكن وقوع القصر بين الفاعل والمفعول؟ أيمكن وقوع القصر بين الفعل ومعمولاته؟ أيمكن وقوع القصر بين المفعولين؟ متى يجب تأخير المقصور عليه؟ ويكثر تأخير المقصور عليه؟ لماذا يجب تأخير المقصور مع إنما؟ ويكثر مع النفي والاستثناء؟
هوامش
منها: أن «لا» العاطفة لا تجتمع مع النفي والاستثناء؛ لأن شرط المنفي بها ألا يكون منفيًّا صريحًا قبلها بغيرها، فلا تقول: «ما علي إلا مجتهد لا متكاسل»؛ ولذا عيب على الحريري قوله:
ومنها: أن الأصل في الحكم من النفي والاستثناء أن يكون مجهولًا منكرًا للمخاطب «أي شأنه أن يجهله المخاطب وينكره» بخلاف «إنما»؛ لأن النفي مع الاستثناء لصراحته أقوى في التأكيد من «إنما» فينبغي أن يكون لشديد الإنكار، نحو قولك: «وقد رأيت شبحًا من بعد ما هو إلا زيد» لمن اعتقد أنه غيره، ونحو: «إن أنتم إلا بشر مثلنا» لما كانوا مصرين على دعوى الرسالة مع زعم المكذبين امتناع الرسالة في البشر — رد المكذبون إصرارهم عليهم بقولهم ذلك.
وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي، فيستعمل فيه النفي والاستثناء، نحو: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ فقد قصر الله محمدًا على صفة الرسالة، ونفى عنه أن يُظن في أمره الخلود، فلا يموت أو يُقتل.
وهذا معلوم للصحابة، لكن لاستعظامهم موته؛ لشدة حرصهم على بقائه ﷺ، نزلوا منزلة من لا يعلمه.
وقد يُنزَّل المجهول منزلة المعلوم، نحو: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ لادعائهم أن كونهم مصلحين أمر ظاهر؛ ولهذا رد عليهم بقوله: أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ مؤكد بما ترى بالجملة، فالاستثناء لقوته يكون لرد شديد الإنكار حقيقة أو ادعاء، و«إنما» لضعفها تكون لرد الإنكار في الجملة حقيقة أو ادعاء، ويكون للقصر ﺑ «إنما» مزية على العطف؛ لأنه يفهم منه أولًا الإثبات للمذكور، والنفي عما عداه معًا، بخلاف العطف؛ لأنه يفهم منه أولًا الإثبات، ثم النفي، أو عكسه، نحو: إنما خليل فاهم، خليل فاهم لا حافظ، وأحسن موقعها التعريض، نحو: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.
واعلم أن «غير» ﮐ «إلا» في إفادة القصرين، وفي امتناع اجتماعه مع لا العاطفة، فلا يقال: «ما علي غير شاعر لا منجم» و«ما شاعر غير علي لا نصر».
واعلم أن المراد بالصفة هنا الصفة المعنوية التي تدل على معنًى قائم بشيء، سواء أكان اللفظ الدال عليه جامدًا أو مشتقًّا، فعلًا أو غير فعل، فالمراد بالصفة ما يحتاج إلى غيره ليقوم به؛ كالفعل ونحوه، وليس المراد بها «الصلة النحوية المسماة بالنعت».
وعلى هذا المنوال قصر الصفة على الموصوف، كما في المطول وشراح التجريد.