تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

تصدير الطبعة الثانية

في ثلاث سنوات منذ ظهور الطبعة الأولى، تحركت الأحداث المرتبطة بتغير المناخ بسرعة. وذكر التقرير الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ القوة المستمرة للدليل العلمي على تغير المناخ، أسبابه الإنسانية السائدة، والمعدل المحتمل للتغيرات المستمرة وأخطارها. وأثارت مراجعة ستيرن والمناظرات التالية مناقشات أكثر جدية عن الخاصية طويلة المدى لأخطار تغير المناخ والطريقة المناسبة لتقييمها، وحان موعد الوفاء بأول تعهدات اتفاقية كيوتو١ وفشلت أمم كثيرة في الوفاء بتعهداتها، حتى والمناقشات تبدأ في جزيرة بالي في ٢٠٠٧م وتستمر في كوبنهاجن في ٢٠٠٩م سعت إلى إعادة تنشيط الفعاليات الدولية. وانشغلت الولايات المتحدة من جديد في الجهود الدولية لتحقيق استجابة فعالة لتغير المناخ. وقدمت كثير من الأمم مبادرات سياسية مهمة، تشمل الاهتمام بوضع تشريعات شاملة تتعلق بالمناخ والطاقة في كونجرس الولايات المتحدة. يتطلب تراكم هذه الأحداث هذا التنقيح، حتى إذا كانت الحركة السريعة المستمرة لسياسة تغير المناخ والسياسات، قد تعني أن تلخيص الأحداث الحديثة في هذه الطبعة سيكون عمرها الافتراضي قصيرًا أيضًا.

لكن لا يتحرك كل ما يتعلق بالمناخ بسرعة. على العكس، لم يحدث إلا تغير ضئيل في الكثير من العناصر الأساسية للموضوع منذ كتابة الطبعة الأولى. ورغم أن المناخ له طبقات كثيرة من التغير على فترات زمنية متعددة، فإن الديناميكيات الأساسية لغازات البيوت الزجاجية المسئولة عن تغير المناخ تعمل على مدى عقود أو أكثر. وبشكلٍ مماثلٍ في نظام الطاقة، أكبر مصدر لتشوهات المناخ مسئول عنه الإنسان، تعمل الديناميكيات الأساسية لدورة رأس المال والتغير التكنولوجي على مدى عقود. وهذا هو السبب — كما نوضح بالتماثل مع قيادة ناقلات عملاقة في نهاية الكتاب — في عدم ظهور التأثير الكامل لمعظم التدخل المحتمل للحد من تغير المناخ أو الاستجابة له إلا بعد جهود تستمر لعقود. يجب أن يتمَّ التدخل لتغيير المسار قبل تأثيراته، وفي مواجهة كثير من الشكوك. تتقدم المعرفة العلمية بتغير المناخ ببطء أيضًا، في معظمها. نضج الكثير من مجالات البحث المرتبط بتغير المناخ إلى حدٍّ بعيد، وهكذا تتشكل باطراد الشكوك الرئيسية بشأن تغير المناخ، والمخاطر المرتبطة به، والاستجابات المحتملة. وقد تحدث اختراقات مفاجئة تغير كثيرًا في الفهم السائد، لكنها تبدو غير محتملةٍ إلى حدٍّ ما.

يرتبط بهذا التوتر السريع-البطيء ضرورة فهم الأحداث الحديثة. يمكن أن تبقى البنية الجوهرية لمشكلة المناخ دون تغير جوهري، حتى إذا تحولت الاهتمامات العامة والأطر السائدة والتصريحات السياسية سطحيًّا. وهكذا يبقى الاستنتاج الأساسي في الطبعة الأولى دون تغير جوهري: يجب بدء العمل الجاد بشأن تغير المناخ فورًا لتجنب أخطار مهلكة، وإلحاح العمل يزداد وتقل فرص تجنب الأخطار بتكلفة منخفضة مع تأخر كل عام. ربما يضيف حدوث فيضان النشاط الآن في أمم متعددة ودوليًّا لتلك الخطوة المهمة المطلوبة لبدء إعادة توجيه الاستثمار إلى التحولات المطلوبة — لكنها لم تتضح بعد. ونحن نناقش هذا، ونشارك في أمل واسع الانتشار بأن يتم التعامل مع تحديات المناخ بشكل صحيح في النهاية، لدينا قليل من الثقة في نجاح العملية الدولية الحالية. وفي حالة استمرار الجهود الحالية في الفشل في تقديم التقدم المطلوب بسرعة وبشكل ملموس، نفترض مقاربة بديلة تؤكد على قيادة أحادية قوية، إضافة إلى ما تقوم به مجموعة صغيرة من الأمم الكبرى.

بالإضافة إلى تحديث المناقشة لتعكس التطورات الحديثة في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والسياسات المتعلقة بتغير المناخ، قمنا أيضًا باستغلال الفرصة لتقوية أجزاء صغيرة من الطبعة الأولى وجدناها ضعيفة. أهم تغير هو تقديم تمهيد أكثر تفصيلًا عن العلم الأساسي للإشعاع الجوي المسئول عن تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، أكملنا مناقشة المقولات المناقضة مع مناقشة المعرفة العلمية الحالية في الفصل الثالث؛ ووسعنا مناقشة تقديرات التكلفة والفائدة، بما في ذلك قسم يوضح أساس الخلافات في التقييم الزمني والخصم، وقدمنا معجمًا محسنًا.

ما عدا هذه التغيرات، لم يتغير هدف الكتاب ولا جمهوره المستهدف. تبقى مساهمته الرئيسية تقدم في الوقت ذاته تمثيلًا أساسيًّا للقضية في العلم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والسياسات المتعلقة بتغير المناخ، وإلقاء الضوء على التفاعلات بين هذه المجالات، لتقديم فهمٍ مؤسسٍ بشكل جيد للوضع الذي نحن فيه، وكيف وصلنا إليه، وإلى أين نريد أن نمضي. مع هذا الاتساع، نتوجه إلى القارئ المتعلم غير المتخصص الذي يسعى لمقدمة عن قضية تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للقراء المنخرطين في قضية المناخ من جانب أو آخر — العلم، أو السياسة، أو السياسات — يهدف الكتاب إلى أن يريهم موضعهم في اللغز الأكبر. في التعليم، يبقى الكتاب مناسبًا لفصول الكليات في المستوى العالي من الطلاب أو مقدمة في مستوى الخريجين والأساتذة في تغير المناخ، أو السياسة أو السياسات البيئية، أو العلم والسياسة العامة، مع فصل أولي في الفيزياء أو الكيمياء أو علم الأرض يساعد، لكنه ليس ضروريًّا.

عمَّقت السنوات القليلة التي انقضت منذ عملنا في الطبعة الأولى، إحساسنا بضرورة تناول تغير المناخ وخطره. وهذا في ذهننا، كرَّسنا جهودنا في هذه الطبعة الجديدة لأبنائنا: ماتيو وجوشيوا وألكسندر ومايكل. على أمل أن تحفظ الاستجابة العالمية الحصيفة والوافية — من المؤكد أنها أكبر من تكوُّن موضع تساؤل — لهم فرص حياة آمنة ومزدهرة ومُرْضية، وارتباطًا بعالم طبيعي رائع، وهو ما أسعدنا.

College Station, Texas
Ann Arbor, Michigan
١  الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ومراجعة ستيرن، واتفاقية كيوتو: انظر المصطلحات في نهاية الكتاب. (المترجم)