تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي

تصدير الطبعة الأولى

دخلت اتفاقية كيوتو، أول معاهدة دولية للحد من مساهمات الإنسان في تغير المناخ العالمي، حيز التنفيذ في فبراير ٢٠٠٥م. وبهذه العلامة الفارقة، دخلت التعهدات الملزمة لخفض انبعاث غازات البيوت الزجاجية، الانبعاث الذي يساهم في تغير المناخ العالمي، موضع التنفيذ في الكثير من الدول الصناعية في العالم.

وقد عمَّق هذا الحدث أيضًا من الانقسامات السابقة بين أمم العالم التي استمرَّت لعقد تقريبًا. وأبرز هذه الانقسامات بين غالبية الدول الصناعية الغنية، بقيادة الاتحاد الأوروبي واليابان، التي انضمت للاتفاقية، والولايات المتحدة (لم تنضم لها إلا أستراليا من بين الأمم الصناعية الغنية)، التي رفضت الاتفاقية، كما رفضت المقترحات الأخرى بشأن الإجراءات قصيرة المدى للحد من انبعاث غازات البيوت الزجاجية. حتى بين الأمم التي انضمت لاتفاقية كيوتو، يوجد تنوع هائل في الجدية والخطوط الزمنية للتدابير التي تتبنَّاها للحد من الانبعاث؛ وبالتالي في احتمالية أن تحقق التخفيضات المطلوبة.

يوجد أيضًا انقسام كبير بين البلاد الصناعية والبلاد النامية. تتطلَّب اتفاقية كيوتو وقف انبعاث الغاز فقط من البلاد الصناعية. لا تقدم اتفاقية كيوتو أو الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، وهي معاهدة سابقة، إلزامًا معينًا على الدول النامية للحد من الانبعاث فيها. وظهر هذا في نقطة من أشد نقاط الاختلاف بشأن اتفاقية كيوتو — اختلاف حاد بشكل خاص حيث لا تنص الاتفاقية على التحكم في الانبعاث في الدول الصناعية سوى خمس سنوات فقط من ٢٠٠٨م إلى ٢٠١٢م. وفي صورتها الحالية، لا تتضمَّن أية سياسات أو التزامات بعد ٢٠١٢م، سواء بالنسبة للدول الصناعية أو الدول النامية. بينما تمثل اتفاقية كيوتو خطوة أولى متواضعة باتجاه استجابة ملموسة لتغير المناخ، لا يوجد تقدم أساسي في التفاوض بشأن التغيرات الأكبر طويلة المدى، لتبطئ أو توقف أو تعكس أية تغيرات في المناخ قد يتسبب فيها البشر.

وهذه الانقسامات السياسية تزداد حدة، صارت المناقشات العامة بشأن ما نعرفه عن تغير المناخ أكثر حرارة. ربما يكون تغير المناخ القضية البيئية الأكثر إثارة للنزاع التي رأيناها حتى الآن. تتبَّع القضية في الأخبار أو المناظرات السياسية، وسوف ترى جدلًا عما إذا كان المناخ يتغير أم لا، وإن كانت أنشطة الإنسان تؤدي إلى تغيره أم لا، ومدى تغيره وسرعة تغيره في المستقبل، ومدى ضخامة النتائج التي ستنجم وخطورتها، وما يمكن القيام به — وبأية تكلفة — ليكون أبطأ أو لإيقافه. هذه المناقشات قوية؛ لأن المخاطر عالية، لكن المحير، والمزعج حقًّا، في هذه المناقشات أنها تشمل خلافات عامة مريرة، بين الشخصيات السياسية والمعلقين وأيضًا بين العلماء، بشأن نقاط قد تبدو مسائل واضحة تمامًا في المعرفة العلمية.

في هذا الكتاب، نحاول توضيح المجادلات العلمية والسياسية المثارة حاليًّا بشأن تغير المناخ. نتناول أولًا قضايا علم الغلاف الجوي التي تشكل لب مناظرة علم تغير المناخ. نراجع المعرفة العلمية الحالية والشك بشأن تغير المناخ، وطريقة استخدام هذه المعرفة في المناظرة العامة والسياسية، ونفحص التفاعلات بين المناظرة السياسية والعلمية — في الواقع، لنتساءل كيف يمكن أن تكون مناظرة تغير المناخ مثيرة للنزاع إلى هذا الحد ومربكة إلى هذا الحد، حين يقول عدد كبير من المشاركين: إنهم يؤسسون جدالهم على المعرفة العلمية.

ونوسع بؤرتنا، لنتناول التأثيرات المحتملة لتغير المناخ، والاستجابات المتاحة — فيما يتعلق بالخيارات التكنولوجية التي يمكن أن تتطور أو تنتشر، وبالسياسات التي قد يتم تبنيها. بالنسبة لهذه المناطق كما بالنسبة لعلم المناخ، نراجع المعلومات الحالية ونناقش نتائجها بالنسبة للفعل، وكيف تُستخدَم في المناظرة العامة والسياسية. أخيرًا، ندفع هذه الجدائل للمناظرة العلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية معًا لنقدم خطوطًا عامة لمسار يخرجنا من الجمود الحالي.

يستهدف الكتاب الجمهور المتعلم غير المتخصص. ربما يجعلك فصلان في الفيزياء أو الكيمياء أكثر ارتياحًا إلى حد ما مع الشرح، لكنهما غير ضروريَّين. لا نفترض أية معرفة خاصة مسبقة باستثناء القدرة على قراءة الرسم البياني. الكتاب مناسب لدعم دراسة حالة تغير المناخ في فصول الكليات عن السياسة البيئية، أو العلم والسياسة العامة.

ساعد عددٌ كبير في جعل هذا المشروع مثمرًا. قدَّم تعليقاتٍ مفيدةً على المخطوطة كلٌّ من ديفيد بالون وستيف بورتر ومارك شاهينين وسكوت ستيف، بالإضافة إلى المشاركين في السيمينار في جامعة بريتش كولومبيا، وكلية الصحة العامة في جامعة ميتشجان، ومدرسة الحقوق في جامعة ميتشجان. تلقَّت أكاديمية تطوير التعليم دعمًا لهذا المشروع من منحة ناسا لبرنامج الباحث الجديد لجامعة مريلاند، وأيضًا من قسم الأرصاد الجوية وكلية الكمبيوتر والعلوم الرياضية والفيزيائية في جامعة مريلاند. اعترفت أكاديمية تطوير التعليم بامتنانٍ بكل هذه المساهمات وتخص بالذكر مساهمات البروفيسور ديفيد دسلر Dessler، على المناقشات التي تطورت ونقحت نتيجة لها الأفكار المبكرة لهذا الكتاب.