تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الثالث

تغير المناخ الناجم عن الإنسان

المعرفة العلمية الحالية والشكوك

تناول التمهيد العلمي في القسم الثاني من الفصل الأول الفيزياء الأساسية للمناخ، وكيف نتوقع ارتفاع حرارة المناخ إذا تواصل انبعاث غازات البيوت الزجاجية في المناخ. يعمِّق هذا الفصلُ المناقشةَ، ويفحص المعرفة العلمية الحالية عن التغيرات الملحوظة في مناخ الأرض، ومدى تأثير الإنسان في هذه التغيرات، والتغيرات المستقبلية المحتملة في المناخ. وعلى عكس الانطباع الذي يمكن أن يصلك من متابعة مناظرة في الأخبار، تطور بالفعل الفهم العلمي الحالي للمناخ وتنوعاته والتأثيرات فيه. ونطرح المسائل الحقيقية وأهمية تغير المناخ في أربعة أسئلة منفصلة ومحددة:

  • هل المناخ يتغير؟

  • هل أنشطة الإنسان مسئولة؟

  • ما التغيرات الأخرى المحتملة في المناخ؟

  • ما تأثيراتها؟

تراجع الأقسام من [هل المناخ يتغير؟] إلى [ما تأثيرات تغير المناخ؟] الأدلة المتوفرة، وتلخص المعرفة العلمية الحالية في كلٍّ من هذه المسائل، بالإضافة إلى الشكوك والخلافات الأساسية. يراجع القسم [المقولات المضادة] بعض المقولات الأوسع انتشارًا التي تنكر النقاط الرئيسية في المعرفة العلمية الحالية عن تغير المناخ. وهذه المقولات، التي تنتشر غالبًا في المنتديات غير علمية، يقدمها عادة من يعارضون العمل السياسي للحد من تغير المناخ، ويسمون أحيانًا «بالمتشككين في تغير المناخ.»

(١) هل المناخ يتغير؟

لتحديد إن كان المناخ يتغير، علينا التحلي بالدقة فيما نعنيه بكلمة «مناخ». نتذكر من الفصل الأول أن المناخ يصف أحوال الأرصاد في المتوسط في مكان ما في الفترة الزمنية محل الاهتمام — على سبيل المثال الأحوال المتوسطة في شهر نوفمبر في واشنطون بين عام ١٩٧٠م وعام ١٩٩٠م — في مقابل الطقس في أي يوم محدد. يشمل المناخ درجة الحرارة، كما يشمل عوامل أخرى مثل الرطوبة، وسقوط الأمطار، والسحب والرياح، إلخ. ولا يشمل فقط متوسط قيم هذه العوامل، بل يشمل إحصاءات الاختلاف عن المتوسط. ربما تكون التغيرات في الاختلاف أو التطرف مثيرةً للاهتمام في الحقيقة أكثر من التغيرات في المتوسطات. على سبيل المثال، ربما نكون أكثر اهتمامًا بحدوث موجات متطرفة من الارتفاع في درجات الحرارة من التغيرات في متوسط درجة حرارة الصيف.

ورغم إمكانية أن يكون للتغيرات في أية خاصية مناخية تأثيرات مهمة، فإننا نركز على درجة الحرارة لأنها الخاصية المناخية التي تتوفر لها أفضل البيانات، الخاصية التي لها أقوى ارتباط نظري بانبعاث غازات البيوت الزجاجية، والخاصية التي تؤدي بشكلٍ أساسي إلى التغيرات الأخرى. توجد أدلة كثيرة على أن الخصائص الأخرى للمناخ، مثل أنماط الشبورة، تتغير أيضًا، لكننا لن نناقشها هنا. وينصبُّ تركيزنا على العقود القليلة الماضية إلى قرون قليلة، حين زادت أنشطة الإنسان من غازات البيوت الزجاجية في الغلاف الجوي. ونناقش بإيجاز التغيرات في آخر ١٠٠ مليون سنة — ليس لأن البشر كان لهم تأثيرٌ عليها، بل لوضع التغيرات الحديثة في سياقها.

أخيرًا، المكان الذي نبحث في تغيراته هو متوسط درجة حرارة سطح الأرض كلها، في المتوسط على مدار السنة كلها. ولا نفعل ذلك لأن هذا المتوسط العالمي يهم أي شخص — لا أحد يعيش في المتوسط العالمي، والناس يهتمون أكثر بالتغيرات الخاصة حيث يعيشون — بل لأسباب عملية. المتوسط العالمي حيث يكون تحديد ميول درجة الحرارة أسهل ما يكون. يمكن أن تحدث أحداث المناخ، مثل موجات الجفاف الشديد أو موجات الحر، أو الميول قصيرة الأمد، بالصدفة في مناطق معينة حتى في مناخ لا يتغير، وهكذا إذا لم يكن التردد العام أو الشدة العامة لهذه الأحداث في تزايد، فإنها لا تقدم بالضرورة دليلًا على تغير المناخ العالمي. النظر في المتوسط العالمي أكثر مصداقية؛ لأن تلك التغيرات التي تحدث في مناطق معينة على نطاق أضيق تميل إلى المتوسط.

لتحديد إن كانت حرارة سطح الأرض ترتفع، نحتاج إلى مقاييس لدرجات الحرارة أو كميات ما مرتبطة بها على مدى فترةٍ طويلةٍ بشكل كافٍ لترسيخ ميل. وتوجد مصادر كثيرة متنوعة للبيانات المطلوبة التي يمكن الاعتماد عليها، في كلٍّ منها نقاط قوة ونقاط ضعف. ونراجع العديد من أكثر مصادر هذه البيانات أهمية، ونوضح أنها ترسم صورةً متماسكةً لارتفاع درجات الحرارة. وتقدم هذه المصادر، بوضعها معًا، دليلًا قاطعًا على أن درجة حرارة سطح الأرض ترتفع في القرون القليلة الماضية، مع زيادة بشكل خاص في آخر بضعة عقود من القرن العشرين.

(١-١) سجل ترمومتر السطح

أبسط طريقة لقياس درجة حرارة الأرض وضع ترمومترات — مثل الترمومترات البسيطة التي تعتمد على وضع سائل في زجاجة مثل الترمومتر الذي ربما تضعه في الرواق الخلفي — في مواضع كثيرة حول العالم، وتسجيل درجة الحرارة في كل موضع كل يوم. بجمع القراءات المأخوذة من كل مكان في العالم، يمكنك وضع تصور لتقدير متوسط درجة حرارة سطح الأرض. كان الناس يسجلون هذه القراءات في آلاف المواضع، على الأرض ومن السفن في البحار، لمدة ١٥٠ سنة تقريبًا، ويوضح الشكل ٣-١ رسمًا بيانيًّا لهذه الدرجات. يوضح السجل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض من ١٩٠٦م إلى ٢٠٠٥م ارتفع ٠٫٧٤ درجة مئوية. وقد حدثت معظم هذه الزيادة في فترتَين محددتَين، من ١٩١٠م إلى ١٩٤٥م ومن ١٩٧٦م إلى الوقت الحالي، مع انخفاض طفيف في درجات الحرارة بين هاتين الفترتين وعدد كبير من التذبذبات على مدار القرن. (يناقش القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟] أصل فترة البرودة والتذبذبات.) وكان العقدان الأخيران الأكثر حرارةً منذ بدأ القياس منتصف القرن التاسع عشر، وآخر ١١ سنة (من ١٩٩٧م إلى ٢٠٠٧م) أعلى ١١ سنة حرارة في السجل.
fig7
شكل ٣-١: اختلافات المتوسط العالمي والسنوي لدرجة حرارة سطح الأرض (درجة مئوية) من ١٨٥٠م إلى ٢٠٠٧م، مقيسًا مقارنة بالمتوسط بين عام ١٩٦١م وعام ١٩٩٠م. يمثل الخط الأسود المتوسط السنوي، ويوضح الخط الرمادي التغيرات طويلة المدى (المصدر: data from the HadCRUT3v data set, Hadley Centre for Climate Prediction and Research).
يوضح الشكل ٣-١ بيانيًّا اختلافات متوسط درجة الحرارة، وليس درجات الحرارة الفعلية. واختلاف درجة الحرارة هو الفرق بين درجة الحرارة الفعلية في كل سنة ودرجة حرارة مرجعية. في هذا الشكل، درجة الحرارة المرجعية متوسط درجة الحرارة بين ١٩٦١–١٩٩٠م، وهي ١٤ درجة مئوية تقريبًا. ويوضح الشكل أن درجات الحرارة بين ١٨٦٠–١٩٢٠م كانت أقل ٠٫٢–٠٫٤ درجة مئوية من متوسط درجة الحرارة بين ١٩٦٠–١٩٩٠م، وكانت درجات الحرارة في آخر ١٠–٢٠ سنة أعلى ٠٫٥ درجة من هذا المتوسط.

لماذا نوضح الاختلافات وليس قراءات درجات الحرارة الفعلية؟ السبب الرئيسي أن الكثير من مصادر البيانات المرتبطة بدرجات الحرارة، من قبيل بيانات نهر الجليد، الموصوفة في القسم التالي، توضح فقط التغيرات عبر الزمن، وهي مكافئة لاختلافات درجات الحرارة، وليس درجات الحرارة بشكل مطلق. حتى لو استطعنا التعبير عن مجموعة بيانات معينة باعتبارها اختلافات؛ بحيث يمكن مقارنة سجلات كل المصادر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تختلف درجات الحرارة المطلقة عبر مسافات قصيرة، مثل بين مدينة والمناطق الريفية القريبة منها، أو بين موضعين قريبين على ارتفاع مختلف. وتميل الاختلافات، مع ذلك، إلى الثبات عبر مسافات أطول، مما يجعل حساب الاختلافات أسهل ويتطلَّب شبكة مقاييس أقل كثافة.

تقدم سجلات ترمومتر السطح أقوى دليل على أن درجة حرارة الأرض ترتفع، والتقدير الأكثر دقة على مقدار ارتفاعها. لماذا تعتبر هذه المجموعة من البيانات عالية الجودة؟ السبب الرئيسي هو أنها المقاييس المباشرة أكثر من غيرها لدرجة حرارة الأرض. والطرق الأخرى لتحديد اتجاهات درجة حرارة الأرض مقاييس غير مباشرة. لا تقيس درجة حرارة السطح نفسه، لكنها تستنتجه من كميات أخرى مثل طول أنهار الجليد أو مدى جليد البحر. وبالنسبة لهذه المجموعات بين البيانات غير المباشرة، تحويل التغيرات في الكمية الملاحَظة إلى اتجاه لدرجة الحرارة يقدم شكًّا إضافيًّا. بالإضافة إلى ذلك، تمتد تكنولوجيا الترمومترات إلى مئات السنين. يضيف هذا النضج التكنولوجي ثقة هائلة بأن الاتجاه الملاحظ في درجات الحرارة اتجاه حقيقي، وليس نتيجة لعيب غير مكتشف في جهاز القياس.

رغم قوة هذه المجموعة من البيانات، فإنها لا تزال تحمل بعض أوجه القصور. التاريخ الذي يمتد إلى ١٥٠ سنة من الملاحظات المستمرة مزية من بعض الأوجه، لكن التغيرات في كيفية رصد الملاحظات يمكن أن تُدخِل أيضًا بعض الأخطاء. لتوضيح كيفية حدوث هذا، تأمل محطة افتراضية لدرجة الحرارة تعمل من ١٨٦١م إلى الآن. في ١٨٦١م كان يديرها فلاح يقرأ ترمومترًا يعتمد على سائل في زجاجة، ويسجل درجة الحرارة يوميًّا في الظهر. وبينما كانت تكنولوجيا الترمومترات ناضجة في ذلك الوقت، كانت هناك أخطاء عرَضية في التسجيل؛ لأن مشاكل الجهاز (على سبيل المثال فقاعة في الترمومتر)، أو لأن الفلاح لم يقرأ درجة الحرارة في ذلك اليوم بشكل صحيح أو لم يسجلها بشكل صحيح. الأخطاء البسيطة من هذا القبيل غير مهمة بالنسبة لتقدير اتجاهات طويلة المدى؛ لأن من المحتمل أن تسير في اتجاه كما تسير في الاتجاه الآخر؛ وبالتالي تكون في المتوسط على المدى الطويل.

حين مات الفلاح في ١٨٩٠م واصل ابنه قراءة درجات الحرارة يوميًّا، لكنه كان يقرؤها في الثالثة بعد الظهر بدل أن يقرأها في الظهر. حيث إن درجة الحرارة تكون أعلى عادة في منتصف ما بعد الظهر، فإن درجات الحرارة في هذه المحطة ترتفع فجأة. في ١٩٠٢م احترق المخزن القريب من الترمومتر وانتقل الترمومتر إلى سفح باتجاه الجنوب يستقبل قدرًا أكبر من ضوء الشمس؛ ومن ثم ترتفع درجات الحرارة المسجلة مرة أخرى. على مدى السنوات الخمسين التالية، اتسعت المدينة المجاورة وامتدت حتى أحاطت بالحقل في النهاية. المدن أكثر حرارة من المناطق الريفية المحيطة بها؛ لأن الطرق والمباني أغمق من النباتات؛ وبالتالي تمتص قدرًا أكبر من ضوء الشمس — ظاهرة معروفة باسم «تأثير الجزر الحرارية المدنية» — وهكذا تسبب التمدد الحضري في ميل إضافي في ارتفاع درجة الحرارة في السجلات. هذه الأخطاء، على عكس الأخطاء البسيطة في القراءة والتسجيل، يمكن أن تقدم اتجاهات زائفة في تسجيل درجات الحرارة.

هذه الأنواع من الأخطاء معروفة جيدًا، وتُستخدَم تقنيات متنوعة لتحديدها وتصويبها. يمكن تحديد التغيرات في ممارسة الملاحظة مثل التغير في وقت القياس من الظهر إلى الثالثة بعد الظهر، أو تغيير موضع الترمومتر بالقفزات المفاجئة في سجل محطة، ثم فحص سجلاتها لمعرفة ما تغير في ذلك التاريخ. بمجرد تحديد السبب، يمكن ضبط السجلات السابقة للمحطة لحساب التغير في ممارسات الملاحظة. يمكن تقدير حجم تأثير الجزر الحرارية المدنية بمقارنة محطة في منطقة مدنية متنامية بمحطة ريفية قريبة. بينما يمكن أن يكون تأثير الجزر الحرارية المدنية مهمًّا في تقدير الاتجاهات المحلية في مناطق معينة، فإنه ليس عاملًا رئيسيًّا في الاتجاه العالمي في الشكل ٣-١. تشكِّل المناطق الحضرية كسرًا صغيرًا من مساحة سطح الأرض؛ وبالتالي فإن الاتجاه المحسوب باستخدام المحطات الريفية وحدها مماثلٌ تمامًا للمحسوب باستخدام كل محطات الملاحظة.

تتعلق المشكلة الأخيرة في تسجيل درجة حرارة السطح بالترمومتر، بكيفية تغطية محطات الملاحظة لكل البقاع بصورةٍ منتظمةٍ لتغطية سطح الأرض. هذه التغطية هائلة، لكنها بعيدة عن الاكتمال. معظم المحطات موضوعة حيث يعيش الناس أو يسافرون، وهكذا فإن معظم القياس يتم على الأرض، في المناطق التي يوجد فيها الناس بكثافة. التغطية ضعيفة في المناطق القطبية، والصحراوات غير المأهولة، ومناطق المحيطات خارج المسارات الرئيسية للسفن. بالإضافة إلى ذلك، تغيرت التغطية عبر الزمن، خصوصًا في المحيط. إذا كانت الأماكن التي أضيفت مجدَّدًا أدفأ في المتوسط أو أبرد من المناطق التي تلاحظ من قبل، يمكن لهذا أيضًا أن يخلق ميلًا زائفًا. كما يحدث مع التغيرات في ممارسات الملاحظة، يدرك العلماء هذه المشاكل وقد طوروا تقنيات لتحديد التغير القوي في متوسط درجة الحرارة من التغطية المتناثرة والمتغيرة، ولتقدير مدى الانحراف الذي ربما يبقى في التسجيل. على سبيل المثال، القياس الشامل لدرجة حرارة سطح البحر بالقمر الصناعي، يمكن أن يوضح الأخطاء التي حدثت نتيجة التغطية المتناثرة لقياس درجة حرارة المحيطات والتوسع في تغطية المحيطات عبر الزمن.

سجل ترمومتر السطح هو مجموعة البيانات التاريخية الأكثر أهميةً المستخدمة في دراسات تغير المناخ. تمت دراسات مجموعة البيانات بتوسع، والأخطاء المحتملة فيها معروفة جيدًا ومفهومة جيدًا، وتم ضبطها حيث تطلب الأمر تصويب هذه الأخطاء، لكن يبقى بعض الشك، وينعكس هذا في تقدير مشكوك فيه بمقدار ٠٫١٨ درجة مئوية زيادة أو نقصًا في الميل لارتفاع درجة الحرارة خلال ١٠٠ سنة بمقدار ٠٫٧٤ درجة مئوية بين عام ١٩٠٦م وعام ٢٠٠٥م.

ورغم كل ما تتمتع به هذه السجلات من قوة، فإن استنتاج أن درجة حرارة الأرض ترتفع لا يعتمد على هذه السجلات وحدها. وكما أكد الفصل الثاني، يجب تمحيص المقولات العلمية التي على هذه الدرجة من الأهمية، بشكل نموذجي بطرق عديدة مستقلة، قبل قبولها على نطاقٍ واسع. يناقش بقية هذا القسم البيانات الأخرى التي تقدم تقديرات مستقلة لكيفية ارتفاع درجة حرارة الأرض.

(١-٢) سجلات نهر الجليد

في المناطق الباردة، كما بالقرب من القطبين أو عند المرتفعات العالية في الجبال، لا يذوب كل الجليد الذي يتساقط في الشتاء بحلول الصيف التالي. في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن يتراكم الجليد بسمك هائل على مدار السنين، ضاغطًا تحت وزنه ليشكل لوحًا من الجليد يعرف باسم نهر الجليد. يغطي نهر الجليد ١٠٪ تقريبًا من مساحة اليابسة على الأرض، معظمه في القطب الجنوبي وجرينلند، ويحتوي على الغالبية العظمى من الماء العذب في العالم.

تقدم التغيرات في حجم نهر جليد مقياسًا جيدًا للتغيرات الموضعية في درجة الحرارة. يزيد الارتفاع الموضعي في الحرارة الذوبان عمومًا ويجعل نهر الجليد يتقلص أو يتراجع، بينما يجعله الانخفاض الموضعي في الحرارة ينمو أو يتقدم. تم قياس الكثير من أنهار الجليد على مدى مئات السنين؛ ومن ثم يقدم النظر في أنهار الجليد في كل أرجاء الأرض بيانات عن التغيرات في درجة حرارة العالم.

توضح السجلات التاريخية نمطًا واضحًا لتراجع أنهار الجليد. من بين ٣٦ من أنهار جليد تم تتبعها بين ١٨٦٠–١٩٠٠م، تقدم نهر واحد فقط وتراجع ٣٥ نهرًا. ومن بين ١٤٤ تم تتبعها بين ١٩٠٠–١٩٨٠م، تقدم اثنان وتراجع ١٤٢. يوضح الشكل ٣-٢ تغيرات طول نهر الجليد منذ ١٧٠٠م في خمس مناطق عبر العالم. ويوضح أن أنهار الجليد بدأت تتراجع حوالَي ١٨٠٠م، مع تسارع التقلص فيما بعد في القرن التاسع عشر. نمط تراجع نهر الجليد في القرن الماضي أو نحو ذلك متماسك في كل أرجاء العالم، وتظهر المناطق الخمس كلها ميولًا متماثلة.
fig8
شكل ٣-٢: التغير في متوسط طول نهر الجليد عبر الزمن، مقيسًا مقارنة بطوله في عام ١٩٥٠م، بالنسبة لخمس مناطق في العالم (المصدر: after Fig. 4.13 of IPCC (2007a)).

ارتفاع الحرارة هو التفسير الأكثر وضوحًا لهذا التراجع عبر العالم، لكن يجب وضع تفسيرات أخرى محتملة في الاعتبار. التوازن بين تراكم الجليد وذوبانه، الذي يحدد أساسًا تمدد نهر الجليد أو تراجعه، يمكن أن يتغير أيضًا بنقص سقوط الجليد، أو بنقص في السُّحُب مما يسمح بمرور مزيد من أشعة الشمس لتسقط على نهر الجليد. يمكن أن تحسب نماذج ديناميكيات أنهار الجليد، تسمى «نماذج التوازن العام»، التغيرات المتوقعة في طول نهر الجليد من كلٍّ من هذه العوامل.

بالنسبة لنهر جليد نموذجي في منطقة متوسطة، تجد هذه النماذج أن الأمر يتطلب نقصًا بمعدل ٣٠٪ في السحب أو بمعدل ٢٥٪ في سقوط الجليد سنويًّا؛ لحدوث التراجع نفسه الذي ينتج عن ارتفاع في الحرارة بدرجة مئوية واحدة. يمكن أن تحدث هذه التغيرات الهائلة في سقوط الجليد أو غطاء السحب موضعيًّا أو في منطقة معينة، لكن الميول العالمية لهذا التغير الهائل على مدار قرن غير محتملة إلى حد بعيد ولم تلاحظ. لهذا السبب يعتبر علماء أنهار الجليد أن الميل لارتفاع الحرارة هو السبب الرئيسي للتراجع الملحوظ في أنهار الجليد. بالإضافة إلى ذلك، يتواءم ارتفاع الحرارة المحسوب من التراجع الملحوظ مع الارتفاع الملحوظ في سجلات ترمومترات السطح، مما يقدم تصديقًا مستقلًّا للميل لارتفاع الحرارة.

وتمثل التغطية أحد أوجه قصور بيانات نهر الجليد. تحدث أنهار الجليد في المناطق الباردة فقط، وهكذا لا يحكي ميل درجة الحرارة محسوبًا من تراجع أنهار الجليد — رغم التواؤم مع ميل الترمومترات العالمية — إلا جزءًا من القصة. ونرى فيما يلي، مع ذلك، أن البيانات الأخرى التي تغطي مناطق مختلفة تقدم تأكيدًا مماثلًا للميول إلى ارتفاع الحرارة؛ ومن ثم تقوى الثقة في أن الارتفاع الملحوظ في الحرارة عالمي حقًّا.

(١-٣) مستوى سطح البحر

حين ترتفع حرارة المناخ، يرتفع مستوى سطح البحر لسببين؛ الأول: مثل معظم المواد، يتمدد الماء حين ترتفع حرارته، وهكذا فإن ارتفاع الحرارة يزيد من حجم المياه في المحيطات. الثاني: حين يذيب ارتفاع الحرارة أنهار الجليد أو أي جليد آخر على الأرض، فإن الماء الذي يذوب يتدفق إلى المحيطات ويزيد من مستوى سطحها أكثر. (لا يغير ذوبان جليد البحر من مستوى البحر؛ لأن الجليد يطفو.) يحدث التأثير العكسي في العصور الجليدية. في ذروة العصر الجليدي الأخير، الحجم الهائل للمياه التي تم تخزينها في الألواح الجليدية القارية خفضت مستوى البحر ١٢٠ مترًا، تحت المستوى الحالي.

يمكن أن تؤثر أيضًا عمليات غير مناخية على مستوى البحر، معقِّدةً محاولات تفسير ميل الحرارة من بيانات مستوى سطح البحر. على سبيل المثال، غرق أرض شاطئية يمكن أن يجعل المستوى الموضعي للبحر يبدو أنه يرتفع، حتى لو كان المستوى المطلق للبحر ثابتًا. مثل هذا الغرق يمكن أن ينشأ عن حركات طبيعية بطيئة لقشرة الأرض، أو عن أنشطة إنسانية مثل سحب المياه الجوفية. لدينا معرفة جيدة بأماكن حدوث هذا الغرق، مع ذلك، وضبط هذا في تفسير المقاييس الموضعية لمستوى البحر لحساب متوسط عالمي، كما في الشكل ٣-٣.
fig9
شكل ٣-٣: المتوسط العالمي والسنوي في اختلاف مستوى البحر، مقيسًا مقارنة بالمستوى ١٩٦١–١٩٩٠م، وتم تبسيطه ليوضح التغيرات عبر العقود. يوضح الرسم المدرج في الشكل صورة مقربة للاختلافات غير المبسطة من ١٩٩٣م إلى ٢٠٠٦م (المصدر: معدل عن Figures SPM.3 and 5.14 of IPCC (2007a)).
يوضِّح الشكل ٣-٣ الميول المتوسط العلمي لمستوى البحر منذ أواخر القرن التاسع عشر، محسوبًا من اتحاد قياس المد والجزر والقياس بالقمر الصناعي. على مدار القرن العشرين، كان معدل الزيادة ١٫٥مم في السنة، أو ١٥سم على مدار القرن. توحي التسجيلات القليلة التي تعود إلى القرن التاسع عشر بأن مستوى البحر ارتفع في القرن العشرين، أسرع من القرن التاسع عشر. على مدار العقود الحديثة، زاد معدل الارتفاع. في آخر ٤٠ سنة، كانت الزيادة حوالي ١٫٨مم في السنة، وكان التمدد الحراري منها حوالي الربع (٠٫٤٢مم في السنة). في بيانات آخر عشر سنوات، من ١٩٩٣م إلى ٢٠٠٣م، كانت الزيادة ٣٫١مم في السنة، ويمثل التمدد الحراري النصف تقريبًا (١٫٦مم في السنة)، ويمثل ذوبان جليد الأرض ما تبقى. وتوضح دراسات العمليات الفردية التي تستنبط ارتفاع مستوى البحر أن التغيرات الملحوظة في مستوى البحر متوائمة مع المعدل الملحوظ لارتفاع الحرارة الموجود في مجموعات البيانات الأخرى.

كما هو الحال مع كل مجموعات البيانات الأخرى، توجد شكوك حول هذه المجموعة. على سبيل المثال، هناك احتمال أن التغير في كمية الماء المخزونة في الأرض في أشكال غير الجليد، مثل البحيرات والطبقات الصخرية المائية، ربما يساهم أيضًا في تغيرات مستوى البحر. ورغم أن التقديرات الكمية لمساهمة هذه المصادر مشكوك فيها تمامًا، فمن المحتمل أنها لا تشكل مساهمة مهمة في الميل الملحوظ لمستوى البحر.

(١-٤) جليد البحر

في درجات الحرارة الباردة في المناطق القطبية، يتجمد ماء البحر ليكون طبقة من الجليد على سطح المحيط، ويكون سُمكها عادة بضعة أمتار. تختلف المنطقة المغطاة بجليد البحر على مدار العام، وتصل إلى أقصى حدٍّ في أواخر الشتاء وإلى أدنى حدٍّ في أواخر الصيف.

fig10
شكل ٣-٤: المقاييس بالقمر الصناعي للحد الأدنى من امتداد جليد البحر في القطب الشمالي (ملايين كم٢)، مبسطة لتوضيح التغيرات على مدار العقود (المصدر: Fig. 4.9, IPCC (2007a)).
إذا وضعنا في الاعتبار الارتفاع السريع الذي يحدث في الحرارة الآن، ربما نتوقع أن نرى تغيرات في جليد البحر — ونرى بالفعل. يوضح الشكل ٣-٤ منطقة من جليد البحر في القطب الشمالي، مقيسة في أدنى حد لها في أواخر الصيف، على مدار العقود الثلاثة الأخيرة. يوجد ميل واضح للانحدار، مع تقلص في المنطقة المغطاة بالجليد بمقدار ١٫٥ مليون كم٢ بين أواخر سبعينيات القرن العشرين وعام ٢٠٠٥م، متوسط تقلص بمقدار ٧٫٤٪ في العقد. في صيف ٢٠٠٧م، ذاب قدر هائل من الجليد بحيث فتح ممر خالٍ من الجليد بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي خلال جزر القطب الشمالي شمال كندا. يوضح التقلص في المساحة المغطاة بجليد البحر محسوبًا في المتوسط على مدار العام كله، مقارنة بالحد الأدنى في الصيف، معدلًا أصغر من الفقد يبلغ ٢٫٧٪ في العقد.

بالإضافة إلى التقلُّص في المساحة، يقل سُمك جليد البحر. توضح المقاييس من مناطق تحت البحر أن من ١٩٨٧م إلى ١٩٩٧م، نقص سمك جليد البحر في مركز القطب الشمالي بما يصل إلى متر — نقص بمقدار ثلث متوسط السمك تقريبًا. تقدِّم هذه المقاييس لجليد البحر، معًا، تأكيدًا قويًّا لارتفاع درجة الحرارة في منطقة القطب الشمالي مقيسة بشبكة من ترمومترات السطح.

القطب الجنوبي قصة أخرى. بقيت مساحة جليد البحر حول هذه القارة ثابتة منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين. ومن غير الواضح إن كان هذا يتواءم أو لا يتواءم مع درجات الحرارة في القطب الجنوبي — بيانات شحيحة وغير مؤكدة لا تقدم صورة واضحة عما إذا كان القطب الجنوبي قد ارتفعت حرارته أم لا على مدار العقود القليلة الأخيرة.

(١-٥) المحتوى الحراري للمحيط

أحد أكثر النبوءات ثقة فيما يتعلق بنظرية ارتفاع حرارة العالم، أن معظم الطاقة التي تحبس في الغلاف الجوي بواسطة غازات البيوت الزجاجية؛ تنتهي إلى تسخين المحيط. لاختبار هذه النبوءة أجريت ملايين من صور مقاييس درجة حرارة المحيط لحساب التغيرات في المحتوى الحراري للمحيطات. يوضح الشكل ٣-٥ نتائج هذا الحساب. وبينما توجد اختلافات قوية عبر السنوات والعقود، من الواضح أن الطبقة العليا من المحيطات تتعرض لميل طويل المدى في ارتفاع الحرارة.
fig11
شكل ٣-٥: اختلاف المحتوى الحراري (الوحدة 1022J) بالنسبة لأعلى ٧٠٠م من المحيط مقيسة بالنسبة لمتوسط ١٩٦١–١٩٩٠م (المصدر: بتصرف عن Fig. 5.1, IPCC (2007a)).

(١-٦) قياس درجات الحرارة بالقمر الصناعي

منذ ١٩٧٩م، قدمت الأقمار الصناعية الخاصة بالطقس، مصدرًا جديدًا ومستقلًّا للبيانات عن درجات الحرارة العالمية. يقيس جهاز خاص في القمر الصناعي، وحدة الاستطلاع بالميكروويف، إشعاع الميكروويف المنبعث من الغلاف الجوي، ومنه يمكن حساب متوسط درجة الحرارة على مرتفعاتٍ مختلفةٍ في الغلاف الجوي. ولبيانات القمر الصناعي، بوصفها مقياسًا لمتوسط درجة الحرارة في العالم، مزية هائلة بتغطيتها لكل بقاع الأرض، بما في ذلك المحيطات والمناطق غير المأهولة، وليس هناك خطر التغطية الجزئية أو المنحازة.

لكن هذه البيانات أيضًا تعاني من قصور خطير. لا تغطي السجلات إلا ثلاثة عقود تقريبًا، وهي فترة قصيرة بالنسبة لتقدير الميول. بالإضافة إلى ذلك، السجلات ملتحمة معًا من بيانات تتجمع بدستة من الأقمار الصناعية تقريبًا، كلٌّ منها لا يمكث إلا بضع سنواتٍ قبل أن يفشل ويحل محله القمر الذي يليه. ولأن جهازًا واحدًا يعمل في أي وقت محدد، يمكن أن تؤدي المشاكل في هذا الجهاز إلى أخطاء كبيرة في الميول المستنبطة. وهذا يمثل تناقضًا حادًّا مع سجلات ترمومترات السطح، وفيها تؤخذ المقاييس من آلاف الترمومترات يوميًّا. سيكون للمشاكل في أي ترمومتر تأثيرٌ لا يذكر على الميل طويل المدى.

وهذا أيضًا يجعل تقدير ميل درجة الحرارة بالغ الحساسية للطريقة التي تتم بها المعايرة للتسجيلات من الأقمار الصناعية المتتابعة. لفهم هذا، افترض أنك تحاول أن تراقب وزنك، لكن ميزانك ينكسر وينقضي شهر قبل أن تشتريَ ميزانًا جديدًا، إذا كانت قراءة الميزان الجديد توضح أن وزنك زاد رطلَين عن آخر قراءة على الميزان القديم، هل يعني هذا أن وزنك زاد رطلَين؟ أم أن الأمر لا يتعدى أن قراءة الميزان الجديد تزيد رطلَين عن قراءة الميزان القديم؟ يمكنك أن تعرف أية حالة من الاثنتَين هي الصحيحة لو أنك كنت قد اشتريت الميزان الجديد قبل كسر الميزان القديم، ووزنت نفسك على الميزانَين كلَيهما لبعض الوقت لتقدير الفرق بينهما — إذا كان لديك البصيرة والصبر والمال للقيام بهذا. تحاول هيئة الأرصاد، التي تدير هذه الأقمار الصناعية، القيام بذلك، بإطلاق كل قمر صناعي جديد، والقمر السابق لا يزال يعمل؛ وبالتالي توفر تداخلًا في المقاييس لفترة كافية لمعايرة الجهاز الجديد، لكن حيث يستحيل أن نتنبأ بالضبط بموعد عطب جهاز ما، لم ينجحوا بشكل مطلق في الحصول على تسجيلاتٍ متداخلة لوقت كافٍ. ونتيجة لذلك، فإن ميل درجات الحرارة مقدرًا من بيانات القمر الصناعي حساس تمامًا، لكيفية الربط بين البيانات التي يتم الحصول عليها من هذه الأقمار.

مشكلة هذه المعايرة البينية مجرد مشكلة من مشاكل عديدة صعبة في تسجيل الأقمار الصناعية. التغيرات الدقيقة في مدارات الأقمار الصناعية، وانحراف معايرة الأجهزة الحساسة في الأقمار الصناعية، يمكن أن تؤدي إلى أخطاء أكبر بكثيرٍ من الميل الفعلي. وهذه المشاكل ليسَت قضية بالنسبة لسجل ترمومترات السطح، التي تستخدم تكنولوجيا مضى عليها قرون للقيام بالقياس.

ثمة أمر أخير يتعلق بتسجيل درجات الحرارة بواسطة الأقمار الصناعية وهي أنها لا تقيس درجة الحرارة عند سطح الأرض، بل تقيس متوسط درجة حرارة طبقة سميكة جدًّا من الغلاف الجوي. مقياس القمر الصناعي المقتبس على أوسع نطاق هو متوسط درجة حرارة التربوسفير السفلى، التي تمتد من السطح إلى ارتفاعٍ يبلغ حوالي ٨كم (بشكلٍ تقريبي حيث تحلق الطائرات التجارية). الميول في هذه الطبقة من الغلاف الجوي لا تقارن بالضرورة بشكلٍ مباشرٍ بالميول في سجل السطح.

يوضِّح الشكل ٣-٦ الاختلافات في متوسط درجة الحرارة في التربوسفير السفلى مقيسة من سجل القمر الصناعي، بواسطة مجموعتَين مستقلتَين من العلماء. ويوضح أيضًا اختلاف درجة الحرارة بالنسبة للمدى نفسه من المرتفعات، مقيسًا من بالونات الطقس. وتوضح مجموعات البيانات الثلاثة كلها ميلًا مماثلًا لارتفاع الحرارة، بالإضافة إلى الاختلاف نفسه من سنة لأخرى، والتي تنتج أساسًا من الاختلافات الداخلية مثل النينو (انظر الصندوق التالي). بالنسبة للفترة من ١٩٧٩م إلى ٢٠٠٤م، تسحب مجموعة جامعة ألاباما في هانتسفيل (UAH) الميل لارتفاع درجة الحرارة بمقدار ٠٫١٢ ± ٠٫٠٨ درجة مئوية في العقد، بينما تحسبه مجموعة RSS بمقدار ٠٫١٩ ± ٠٫٠٨ درجة مئوية في العقد. تستخدم هاتان المجموعتان البيانات الخام نفسها من أجهزة القمر الصناعي MSU؛ ومن ثم فإن الاختلاف في الميول المحسوبة يأتي بشكلٍ كاملٍ من الفرضيات بشأن التفاصيل التقنية المتعلقة بالحساب، بما في ذلك المعايرة بين الأقمار الصناعية. على مدار الفترة نفسها (١٩٧٩–٢٠٠٤م)، توضح مقاييس البالونات ميلًا بمقدار ٠٫١٤ ± ٠٫٠٧ درجة مئوية في العقد، بينما على مدار الفترة كلها التي تتوفر فيها مقاييس البالونات (١٩٥٨–٢٠٠٤م)، يكون الميل بمقدار ٠٫١٦ ± ٠٫٠٤ درجة مئوية في العقد.
fig12
شكل ٣-٦: سلسلة زمنية للمتوسط العام في اختلاف درجات الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، مقيسة مقارنة بالمتوسط بين عام ١٩٧٩م وعام ١٩٩٧م. RSS اختصار أنظمة استطلاع عن بعد، UAH اختصار جامعة ألاباما في هانتسفيل. يوضح الخط الرمادي مقاييس الترمومترات المحمولة في بالونات من مركز هادلي Hadley Centre (HadAT2 data) (المصدر: Fig. 3.3a of CCSP (2006)).

توضِّح كل هذه التسجيلات الثلاثة لميول درجات الحرارة في الجزء السفلي من الغلاف الجوي، ارتفاعًا في درجة الحرارة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، وتتفق مع بعضها البعض في الشكوك. كانت هناك فيما مضى اختلافات أكبر بين سجلات الأقمار الصناعية وسجلات السطح، وكانت تستخدم أحيانًا لإنكار حقيقة الميل لارتفاع درجات الحرارة، كما تسجله ترمومترات السطح. ومع ذلك فإن التحسين المتكرر في التسجيلات جعل الاختلافات المتبقية في ميول درجات الحرارة العالمية صغيرة نسبيًّا. لا تزال الاختلافات موجودةً في مناطق مرتفعة وخطوط عرض معينة، وتفسير هذه البيانات وتقليصها منطقة نشطة في البحث العلمي الحالي، لكن هذه المقاييس للغلاف الجوي، على المستوى العالمي، متوائمة عمومًا مع بعضها البعض، ومع ميل ترمومترات السطح بمقدار ٠٫١–٠٫٢ في العقد على مدار الفترة نفسها.

ما النينو؟

بعض التغيرات من سنة إلى سنة في المتوسط العالمي لسجل درجات الحرارة، مثل الذبذبات الكبيرة في الشكل ٣-٦ وفي الخط المذبذب في الشكل ٣-١، تأتي من أنماطٍ معروفةٍ من تنوع المناخ يحدث على مدار فترات من بضع سنوات إلى بضعة عقود. بالطبع، النينو هو الأكثر أهمية، شكل من تذبذب الغلاف الجوي على نطاق كبير يسمى بشكل أكثر عمومية التذبذب الجنوبي. التذبذب الجنوبي هو ارتجاج سطح الماء الدافئ ذهابًا وإيابًا عبر المحيط الهادي في المنطقة الاستوائية كل بضع سنوات. للتذبذب الجنوبي مرحلتان، تسميان النينو ولانينا La Niña، كلٌّ منهما تستغرق عامًا أو اثنين. بالإضافة إلى ذلك، يمكث التذبذب أحيانًا في مرحلةٍ حيادية بين هاتَين الحالتَين.
في المرحلة الحيادية، تهب الرياح التجارية الاستوائية إلى الغرب دافعة المياه الاستوائية الدافئة في غرب المحيط الهادي، مسببة دفع المياه الباردة بعيدًا عن الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية. أثناء النينو، تهدأ الرياح التجارية، وتتحرك المياه الدافئة باتجاه الشرق لتملأ الحوض الاستوائي من المحيط الهادي برمته. وتمتد التغيرات المرتبطة بذلك في درجة الحرارة وهطول الأمطار عبر العالم، ويرتفع متوسط درجة حرارة الأرض. يوضح نينو ١٩٩٨م حجم هذا التأثير، وكان الأقوى في القرن العشرين. يوضح الشكل ٣-١ والشكل ٣-٦ كيف أن متوسط درجات الحرارة العالمية في تلك السنة كان أدفأ بعدة أعشار عن السنة السابقة والسنة التالية. وأدى ارتفاع درجات الحرارة في تلك السنة أيضًا إلى تمدد المحيط، مما أدى إلى اندفاعٍ في مستوى البحر يمكن رؤيته في الشكل المدرج في ٣-٣.

في مرحلة اللانينا، تقوى الرياح التجارية، دافعة المياه الباردة إلى الغرب لتملأ معظم الجزء الاستوائي من المحيط الهادي. ويؤدي هذا أيضًا إلى تغيرات في كل أرجاء العالم في درجة الحرارة وهطول الأمطار، عكس تلك التي ترى أثناء النينو، بما في ذلك انخفاض متوسط درجة حرارة الأرض، وهبوط في مستوى البحر — كما يمكن أن يرى ذلك في الشكلَين نفسَيهما المذكورَين سابقًا أثناء لانينا ١٩٩٩م.

(١-٧) وكلاء المناخ

تشمل كل السجلات التي تُناقَش إلى حدٍّ بعيد مقاييس درجة الحرارة، أو شيئًا يرتبط بدرجة الحرارة، في زمن حقيقي. يقدم كل مصدر من مصادر البيانات بعض المعلومات عن المناخ، لكن ذلك يرجع فقط إلى زمن القياس. في أفضل الأحوال، تقدم هذه المصادر معلومات ترجع إلى بضع مئات من السنين، ومعظمها يغطي إلى حد كبير الفترة الأكثر حداثة.

ثمة نوع آخر من المعلومات عن حالات المناخ في الماضي تقدمها سجلات وكلاء المناخ. وكيل المناخ سجل عن المناخ في الماضي مطبوع على نظام فيزيائي أو كيميائي أو بيولوجي طويل المدى. يمكن أن يرجع مختلف الوكلاء، اعتمادًا على العمر، بسجلات المناخ إلى مئات السنوات، أو آلاف السنوات، أو حتى ملايين السنوات في الماضي. يناقش هذا القسم وكلاء المناخ الأكثر أهمية والأوسع انتشارًا، وما تخبرنا به عن تنوع المناخ في الماضي.

حلقات الأشجار

يتبع نمو الأشجار دورة سنوية، تطبع في حلقات في جذوع الأشجار. والأشجار تنمو سريعًا في الربيع، تنتج خشبًا باهتًا؛ وحين يتباطأ نموها في الخريف، تنتج خشبًا قاتمًا. يوضح الشكل ٣-٧ قطاعًا عرضيًّا في جذع شجرة وحلقاتها؛ لأن الأشجار تنمو أكثر، وتنتج حلقات أوسع، في السنوات الدافئة، فإن عرض كل حلقة يعطي معلومات عن ظروف المناخ حول الشجرة في تلك السنة. يمكن أن تقدم حلقات شجرة تعمِّر طويلًا بيانات عن درجة الحرارة ترجع إلى مئات السنوات.
fig13
شكل ٣-٧: قطاع عرضي في شجرة، يوضح حلقاتها. لاحظ كيف أن الحلقات تختلف في حجمها وكثافتها. بإذن من the Laboratory of Tree-Ring Research, University of Arizona .

مفتاح استخدام حلقات الأشجار، باعتبارها وكيلًا للمناخ، هو العثور على علاقة كمية بين عرض الدائرة ودرجة الحرارة في موضع الشجرة. ويتم هذا بفحص حلقات من سنوات حديثة تتوفر فيها سجلات الترمومترات أيضًا. ويتم تقدير العلاقة بين عرض الحلقة ودرجة الحرارة بالنسبة لهذه الفترة، التي يمكن استخدامها لتقدير درجة الحرارة بالنسبة لذلك الجزء من حياة الشجرة قبل قياس درجة الحرارة بشكل مباشر.

توجد بعض الصعوبات في استخدام حلقات الأشجار باعتبارها وكيلًا للمناخ؛ الأولى: من الصعب فصل تأثير درجة الحرارة على نمو الأشجار عن بقية متغيرات المناخ مثل هطول المطر. ويتم معالجة ذلك عمومًا باختيار أشجار في مناطق حيث كانت تنمو الأشجار، بالنسبة للقرن الماضي أو نحو ذلك، استجابة أساسية لدرجة الحرارة وغير حساس لسقوط الأمطار.

الثانية: تفترض سجلات درجات الحرارة التي يعاد تنظيمها أن العلاقة بين عرض الحلقة ودرجة الحرارة مقدرة من الماضي القريب، تنطبق على حياة الشجرة كلها. أخيرًا، مثل الكثير من مصادر البيانات نضع في الاعتبار أن عمليات إعادة تنظيم حلقات الأشجار متوفرة في جزء ضئيل من سطح الأرض. من الواضح أنها لا تتوفر في المحيطات، أو في الصحراوات أو في المناطق الجبلية حيث لا تنمو الأشجار. ولا تتوفر أيضًا في المناطق المدارية، حيث تجعل الدورة الموسمية الضعيفة الأشجار تنمو في دورة سنوية؛ وبالتالي لا تنتج حلقات.

لب الجليد

ناقشنا من قبل كيف أن تقدُّم أنهار الجليد في الجبال أو تراجعها يقدم معلومات عن تغيرات درجات الحرارة على مدار القرون القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الخصائص الكيميائية والفيزيائية لجليد أنهار الجليد مخزنًا ثريًّا بالمعلومات عن الظروف وقت سقوط الجليد. التركيب الكيميائي للجليد، مثل أجزاء ضئيلة من النظائر الثقيلة١ للهيدروجين والأكسجين، يمكن أن تستخدم لاستنباط درجة حرارة الهواء حول نهر الجليد عند سقوط الجليد، كما يمكن استخدام الاختلافات في أحجام بلورات الجليد واتجاهها. الفقاعات الصغيرة من الهواء التي تحبس عند تكوُّن جليد نهر الجليد تحتفظ بلقطة عن التكوين الكيميائي للغلاف الجوي في تلك اللحظة. بالإضافة إلى ذلك، يعطي الغبار الذي يدفن في الجليد معلومات عن سرعة الرياح السائدة واتجاهها، وعن رطوبة المناخ أو جفافه في تلك المنطقة عند تكوُّن الجليد؛ لأن قدرًا كبيرًا من الغبار يهبُّ أثناء فترات الجفاف. وأخيرًا، حيث إن الكبريت من مقذوفات البراكين، يمكن أن يوضح قياس حمض الكبريت في أنهار الجليد إن كان هناك انفجار بركاني هائل وقت تكوُّن الجليد.

يسترجع الباحثون سلسلة زمنية لكل هذه المعلومات بالثقب في الغلاف الجليدي بمثقاب مجوف حادٍّ، وإزالة عمود طويل من الجليد، قطره بضع بوصات، يسمَّى لب الجليد. كلما كان الجليد أكثر عمقًا، كان ترسب الجليد أقدم، وقدم لنا معلومات عن المناخ أكثر عن زمن أقدم.

تتطلب إعادة تنظيم معلومات عن المناخ في أزمنة سابقة من لب جليدي خطوتَين؛ الأولى: يجب تحديد عمر كل طبقة من طبقات الجليد من عمقها داخل نهر الجليد. وقد بذلت جهود هائلة لحل هذه المشكلة؛ لأن معدل تراكم الجليد يختلف عبر الزمن ولأن الجليد داخل نهر الجليد يمكن أن يُضغَط ويتدفق تحت الوزن الهائل للجليد الذي فوقه. الثانية: يجب تحويل الخصائص التي تلاحظ بالفعل، من قبيل وفرة النظائر الثقيلة للهيدروجين، إلى الخصائص المناخية التي موضع الاهتمام، وهي، في هذه الحالة، درجة الحرارة. قدم لب الجليد من الغلاف الجليدي الأكثر سمكًا والأقدم في القارة القطبية الجنوبية وجرينلند إعادة تنظيم للمناخ يرجع بشكل يثير الدهشة إلى ٨٠٠٠٠٠ سنة.

الشعب المرجانية

الشعب المرجانية حيوانات بحرية صغيرة تعيش في مستعمرات مثبتة في سلاسل صخرية في مياه المحيطات الدافئة، في المناطق الاستوائية غالبًا. يمكن أن يكون عمر السلاسل الصخرية، المكونة من هياكل عظمية لأجيال سابقة من المرجان، آلاف السنين. تشبه إلى حدٍّ بعيد حلقات الأشجار، تنمو الهياكل المرجانية باتجاه الخارج في مجموعات يمكن تحديد تاريخها. يمكن للتكوين الكيميائي للسلاسل الصخرية أن يقدم معلومات عن المناخ وظروف المحيطات في العصور السابقة، بما في ذلك درجة حرارة المحيط، وسقوط الأمطار، والملوحة، ومستوى البحر، والأحداث الناجمة عن العواصف، وحجم تدفق المياه العذبة القريبة. ويتطلب الحصول على المعلومات من الشعب المرجانية عن المناخ في الماضي عملية مماثلة لتلك المستخدمة في لب الجليد. يُستخدم مثقاب للحصول على عمود من المادة المرجانية. ثم يتم تحديد التاريخ الدقيق لكل طبقة مرجانية. أخيرًا، يقاس التكوين الكيميائي للمرجان لتقديم لقطة عن الظروف المحيطة بالشعب المرجانية في ذلك الوقت.

رواسب المحيطات

تتراكم بلايين الأطنان من الرواسب في قاع المحيط كل عام. مثل لب الجليد، تحتوي هذه الرواسب معلومات عن أحوال المناخ في الوقت الذي ترسبت فيه. يأتي أهم مصدر للمعلومات في الرواسب من الهياكل العظمية لكائنات بحرية صغيرة. وتعطي الوفرة النسبية للأنواع التي تنمو بوفرة في المياه الأكثر دفئًا، مقابل تلك التي تنمو في المياه الأكثر برودة؛ معلومات عن درجة حرارة سطح الماء. ويقدم التكوين الكيميائي للهياكل العظمية والتنوع في حجم أنواع معينة وشكلها؛ مفاتيح إضافية. إجمالًا، يمكن لرواسب المحيط أن تقدم معلومات عن درجة حرارة الماء، والملوحة، والأكسجين المذاب، وسقوط الأمطار القارية القريبة، وقوة الرياح السائدة واتجاهها، والمواد الغذائية المتوفرة، لفترة ترجع إلى مئات الملايين من السنين.

الآبار

تقدم درجات الحرارة التي تقاس اليوم على أعماق مختلفة تحت الأرض؛ طريقة مختلفة لاستنباط مدى اختلاف درجة حرارة السطح في الماضي. لفهم ذلك، فكر في طهي ديك رومي مجمد. يمكن معرفة وقت بقاء الديك في الفرن بقياس درجة الحرارة على أعماق مختلفة من جلده. إذا كان الديك سخنًا على السطح لكنه لا يزال متجمِّدًا تحت الجلد مباشرة، يتبين أنه تعرَّضَ للنار لوقت قصير فقط. إذا كانت درجة حرارة مركز الديك ١٦٥ درجة فهرنهايت، يتبين أنه في الفرن لعدة ساعات — وينبغي عليك إخراجه قبل أن يُطهى أكثر مما ينبغي! بطريقة مماثلة، يسمح لك قياس درجة حرارة الأرض على أعماق كثيرة في حفر عميقة ضيقة تسمى الآبار، باستنباط تاريخ درجة حرارة سطح الأرض على مدار آخر بضع مئات من السنين.

من مشاكل تفسير درجات حرارة الآبار أنها تقدم معلومات عن درجة حرارة الأرض، بينما تسجل ترمومترات السطح درجة حرارة الهواء على ارتفاع عدة أمتار من الأرض. الفرق في درجات الحرارة المستمدة من هذَين المصدرَين صغيرٌ عادة، لكنه يمكن أن يكون مؤثرًا اعتمادًا على خصائص السطح من قبيل غطاء اليابسة، ورطوبة التربة، والغطاء الجليدي الشتوي. في وسط إنجلترا، على سبيل المثال، حيث من النادر أن تُغطى الأرض بالجليد ولم يحدث تغير كبير في استخدام الأرض لعدة قرون، ميول درجة حرارة السطح المستنبطة من الآبار مماثلة تمامًا لتلك الموجودة في سجلات الترمومترات، لكن في شمال غرب أمريكا الشمالية، تقديرات الآبار المتعلقة بارتفاع درجة حرارة السطح على مدار القرن العشرين أكبر بمقدار ١-٢ درجة مئوية من ارتفاع درجة الحرارة في سجل الترمومترات، ربما نتيجة التغيرات في استخدام الأرض ومتوسط الغطاء الجليدي على مدار القرن. توضع مثل هذه الاختلافات في الاعتبار، وتُضبط قدر المستطاع لبناء سجل تاريخي متماسك لدرجات الحرارة.

المناخ في الماضي من بيانات الوكيل: صورة متكاملة

يقدم كل وكيل من وكلاء المناخ رؤيةً مختلفة لتاريخ المناخ. على سبيل المثال، تقدم حلقات الأشجار معلومات عن مناخ منتصف خط العرض على الأرض، لفترة ترجع إلى بضع مئات من السنين؛ وتقدم الشعب المرجانية معلومات عن درجات حرارة البحار الاستوائية لفترة ترجع إلى بضعة آلاف من السنين؛ ويقدم لب الجليد معلومات عن المناخ في المناطق القطبية، لفترة ترجع إلى بضع مئات الألوف من السنين. بينما لكل مصدرٍ من مصادر هذه البيانات أوجه القصور والشكوك الخاصة به، وحدوده بالنسبة للزمان والمكان، يقدم وضعها كلها معًا صورةً لمناخ الأرض ترجع إلى ١٠٠ مليون سنة، تمتد بعض السجلات إلى أبعد من ذلك.

fig14
شكل ٣-٨: إعادة تنظيم درجات حرارة المناطق القطبية على مدار آخر ٧٠ مليون سنة. يسمَّى الارتفاع الحاد في درجة الحرارة منذ ٥٥ مليون سنة الذروة الحرارية البليوسينية الإيوسينية. يوضح القضيب الرمادي على اليمين آخر أربعة ملايين سنة، ويوجد موسعًا في الشكل ٣-٩. ولأن هذه السلسلة الزمنية من نظائر المحيطات، فهي حساسة لكلٍّ من درجة الحرارة والحجم الإجمالي للجليد على الأرض. بداية من حوالي ٣٥ مليون سنة مضت، يأتي بعض التنوع هنا من حجم الجليد على الأرض بدلًا من درجة الحرارة. الميل العام، رغم ذلك، يمثل غالبًا التغيرات في درجة الحرارة (المصدر: Fig. 2 of Zachos et al. (2001)).
نفحص ما توضحه سجلات الوكيل عن تنوع مناخ الأرض في الماضي في أربع صور، بداية بالصورة الأطول مدًى ثم نتحرك تدريجيًّا إلى الأقرب حتى الزمن الحاضر. يوضح الشكل ٣-٨ إعادة تنظيم درجات الحرارة القطبية على مدار آخر ٧٠ مليون سنة، مستنتجة من رواسب المحيطات. حدثت درجات الحرارة الأعلى في هذا السجل منذ حوالي ٥٠ مليون سنة، أو بعد اندثار الديناصور بخمسة عشر مليون سنة، في فترةٍ تُعرف باسم قمة المناخ الإيوسيني Eocene. في تلك الفترة، كانت درجة حرارة الكوكب أعلى بكثير مما هي عليه اليوم. كانت الغابات تغطي الأرض من القطب إلى القطب، وحتى النباتات التي لا تستطيع احتمال حتى التجمد المؤقت عاشت في مناطق القطب الشمالي، مع حيوانات مثل التماسيح التي لا تحيا اليوم إلَّا في المناطق الاستوائية. منذ ذلك الوقت، تعرضت الأرض للبرودة بشكلٍ كبيرٍ وطويل المدى.
يقرب الشكل ٣-٩ الصورة أكثر، ليوضح تنوع درجة الحرارة العالمية على مدار آخر أربعة ملايين سنة. مثل سجل ٧٠ مليون سنة في الشكل ٣-٨، يوضح هذا الشكل أيضًا ميلًا عامًّا للبرودة. بداية من حوالي ثلاثة ملايين سنة، تقريبًا حين بدأ ظهور ألواح الجليد الكبرى مثل تلك التي في جرينلند لأول مرة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويوضح أيضًا ظهور ذبذبات كبيرة بين فترات الدفء والبرودة. في فترات البرودة، امتدت ألواح الجليد لتغطي أجزاءً كبيرة من النصف الشمالي من الكرة الأرضية. في فترات الدفء بين العصور الجليدية، تسمى فترات ما بين العصور الجليدية، تقلصت ألواح الجليد. من حوالَي مليونَين ونصف المليون من السنوات إلى مليون سنة مضت، حدثت عصور الجليد كل ٤١٠٠٠ سنة. ومنذ ذلك الوقت، لأسباب غير مفهومة جيدًا، انخفض تكرار عصور الجليد إلى واحد كل ١٠٠٠٠٠ سنة.
fig15
شكل ٣-٩: مقياس متوسط درجة الحرارة النسبية في العالم على مدار آخر أربعة ملايين سنة. يقيس المحور الرأسي الوفرة النسبية للنظير الثقيل الأكسجين -١٨، وكيل لدرجة الحرارة، في لب رواسب المحيطات. الفرق في درجة الحرارة بين قمة الرسم البياني وقاعه ١٠ درجات تقريبًا. يوضح القضيب الرمادي على اليمين آخر ٤١٠٠٠٠ سنة، وتأتي بتوسع في الشكل ٣-١٠ (المصدر: معتمد على تحليل Lisiecki and Raymo (2005)).
يقرب الشكل ٣-١٠ مرة أخرى، موضحًا سجل درجة الحرارة وثاني أكسيد الكربون بالنسبة لمنطقة القطب الجنوبي على مدار آخر ٤١٠٠٠٠ مستنتجًا من لب الجليد. يوضح هذا السجل مزيدًا من التفاصيل الأكثر دقةً من مجموعات البيانات طويلة المدى المذكورة سابقًا، بما في ذلك شكل دورات عصور الجليد مع فترات بين جليدية قصيرة ودافئة نسبيًّا (تستمر ١٠٠٠٠–٣٠٠٠٠ سنة) تَفْصِل عصور الجليد الطويلة الباردة (تستمر حوالي ١٠٠٠٠٠ سنة). تنخفض درجات الحرارة للدخول في عصر جليدي ببطء، ويستغرق الأمر عشرات الألوف من السنين، بينما يحدث ارتفاع درجة الحرارة في نهاية عصر جليدي بشكل أسرع، ويستغرق الأمر حوالي ١٠٠٠٠ سنة. لاحظ أيضًا أن العصور الجليدية كانت أبرد من اليوم بمقدار ٥–٨ درجات مئوية فقط — وهو فرق يبدو ضئيلًا إذا وضعنا في الاعتبار أن الأرض تكون بشكل أساسي كوكبًا مختلفًا تمامًا في العصر الجليدي، مع أنهار جليدية يبلغ سُمكها عدة آلاف من الأقدام تغطي معظم أجزاء أمريكا الشمالية، ومستوى سطح البحر منخفض ٣٠٠ قدم عن اليوم، مع كل التغيرات المصاحبة في بيئة العالم ونظمه البيئية.
fig16
شكل ٣-١٠: اختلاف درجة حرارة الأرض في منطقة القطب الجنوبي (الخط الأسود) على مدار آخر ٤١٠٠٠٠ سنة، مقيسة بالنسبة لدرجة الحرارة الحالية، مشيدة من لب جليدي في القطب الجنوبي. CO2 (الخط الرمادي المنقط) من فقاعات هوائية محبوسة في الجليد (المصدر: معدلة عن Petit et al. (1999)).
أخيرًا، يتم تقريب الشكل ٣-١١ مرة أخيرة لتوضيح متوسط درجة الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية على مدار آخر ألف سنة، وهو مؤسس على وكلاء متعددين وسجلات حديثة. مرة أخرى، يوضح هذا الشكل اختلافات درجات الحرارة في مدًى زمني قصير غير منظور في الرسوم البيانية التي تغطي فترات زمنية أطول. تختلف المصادر المتنوعة، خاصة قبل ١٥٠٠ سنة تقريبًا، لكنها جميعًا توضح نمطًا مماثلًا. كانت درجات الحرارة عالية منذ ١٠٠٠ سنة، في فترة تُعرف باسم فترة دفء العصور الوسطى. ثم كانت هناك قرون عديدة من الانخفاض التدريجي في درجات الحرارة، ووصلت إلى القاع في فترة من ٢٠٠–٣٠٠ سنة مضت، وتسمى العصر الجليدي الضئيل، وتلا ذلك ارتفاع أسرع في درجات الحرارة منذ القرن التاسع عشر.
fig17
شكل ٣-١١: متوسط اختلاف درجة الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية خلال آخر ١٠٠٠ سنة؛ مؤسس على سجلات وكلاء متعددة، والسجل الحديث لترمومترات السطح. الاختلافات محسوبة بالنسبة لمتوسط درجة الحرارة ١٩٦١–١٩٩٠م (المصدر: معدلة عن Figure S-1 of National Research Council (2006)).

إن هذا القدر الهائل والمتنامي من المعرفة عن مناخ الأرض في الماضي يضع مناخ القرن الأخير في السياق. ويمكننا القول بثقةٍ عاليةٍ إنه على فترات زمنية طويلة تعود إلى مائة مليون سنة، كانت الأرض أكثر دفئًا وأكثر برودةً من اليوم بكثير. ويمكننا أيضًا القول بثقة عالية، مع ذلك، إن العقود القليلة الأخيرة من القرن العشرين كانت أدفأ من أية فترة مناظرة على مدى آخر ٤٠٠ سنة، وربما حتى أدفأ من ذروة فترة الدفء في العصور الوسطى، منذ ١٠٠٠ سنة تقريبًا. ويمكننا أيضًا القول: إن ارتفاع درجة الحرارة في العقود القليلة الأخيرة كان سريعًا. على سبيل المثال، الارتفاع الحديث في درجة الحرارة يحدث بسرعةٍ تزيد مائة مرة عن المعدل المتوسط لارتفاع درجة الحرارة الذي أخرج الأرض من آخر عصر جليدي.

بالإضافة إلى تقديم سياق للارتفاع السريع الحديث في درجات الحرارة، يثير الثبات النسبي في المناخ في الألفية الماضية مسألة مساهمة المجتمع البشري في تغير المناخ. لم تتطور المجتمعات البشرية الغنية، المتقدمة تكنولوجيًّا إلا منذ عدة قرون، ويعزو معظم الأنثروبولوجيين هذا النجاح جزئيًّا إلى المناخ الدافئ والمستقر نسبيًّا في خلال هذه الفترة. سوف نتناول تأثيرات التغير المتوقع في المناخ، والهشاشة الاجتماعية للتغيرات في القسم [ما تأثيرات تغير المناخ؟] وفي الفصل التالي.

بالإضافة إلى ذلك، تعمق عمليات إعادة التنظيم طويل المدى لمناخ الماضي معرفتنا بحالات تغير المناخ، وأنماطه المحتملة بالنسبة لنظام مناخ الأرض، وتقدم سجلًّا لاختبار النظريات الخاصة بالعوامل التي تسبب تنوع المناخ وحساسية نظام المناخ لها؛ وبالتالي يمكن أن يساعد فَهْم أسباب هذه التغيرات التي حدثت في الماضي، في معرفة المسائل المتعلقة بمعرفة إلى أي حد ما يحدث من تغير الآن؛ نتيجة لأنشطة الإنسان وليس لعمليات طبيعية، ومقدار تغير المناخ الذي يحتمل أن يحدث في العقود القادمة، وهي مسائل نتناولها في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟] والقسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين] فيما يلي.

(١-٨) ملخص: هل المناخ يتغير؟

يلخص الجدول ٣-١ المعلومات التي راجعناها عن الميول في درجة حرارة الأرض. كل هذه الأدلة راجعها الرفاق، وتحققت منها بأشكال متعددة مجموعات علمية مستقلة. لا توجد مجموعة بيانات يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل، بالطبع. ولا يزال من المحتمل أن تكون أي مجموعةٍ من هذه المجموعات الخاصة بالبيانات خطأ إلى حد بعيد، رغم أن الفحص النقدي والتحقيق المتعدد اللذين خضعت لهما كل مجموعة يجعلان هذا الخطر ضئيلًا بشكل معقول، لكن ليست هناك أساسًا فرصة تجعل من الممكن أن يكون قدر كافٍ من هذه المصادر خطأ إلى حد بعيد، وفي الاتجاه نفسه تمامًا، إن الاستنتاج العام لارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل جوهري في القرن العشرين يمكن أن يكون خطأً.
بالإضافة إلى ذلك، لا تمثل مصادر البيانات التي راجعناها إلا جزءًا صغيرًا من جبل من الأدلة على ارتفاع درجة حرارة الأرض. تشمل الأدلة الأخرى المؤيدة نقص الغطاء الجليدي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وذوبان الجليد في القطب الشمالي، وزيادة قوة الرياح العرضية الغربية، وانخفاض عدد مرات حدوث البرودة المتطرفة، وزيادة عدد مرات حدوث السخونة المتطرفة، وزيادة عدد أحداث سقوط الأمطار الشديدة، وقصر موسم الجليد في الشتاء في البحيرات، وآلاف من التغيرات البيولوجية والبيئية الملحوظة المتوافقة مع ارتفاع درجة الحرارة (على سبيل المثال، تمدد مجالات الأنواع باتجاه القطب، والإزهار الربيعي المبكر وظهور الحشرات، إلخ). وتوجد بعض الأدلة المضادة، مثل عدم وجود تدهور في الجليد البحري في القطب الجنوبي، لكن مثل هذه البيانات نادرة، وفي مناطق محدودة، والأدلة على ارتفاع درجة الحرارة تفوقها بكثير. تحت ثقل هذه الأدلة الغزيرة المتماسكة التي تم فحصها جيدًا، استخدم تقرير التقييم الرابع الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لغة قوية بشكل لافت في استنتاج أن الارتفاع العالمي الحديث في درجة الحرارة أمر جلي الآن.
جدول ٣-١
نوع البيانات اتجاه التغير في القرن العشرين حجم التغير، تعليقات
مقاييس ترمومترات السطح ارتفاع درجة الحرارة زيادة متوسط درجة حرارة الهواء على السطح بمقدار ٠٫٧ درجة مئوية (١٫٣ فهرنهايت) خلال القرن العشرين، مع معدل ارتفاع درجة الحرارة في النصف الثاني من القرن ضعف معدل الارتفاع في النصف الأول.
أنهار الجليد ارتفاع درجة الحرارة تراجعت أنهار الجليد في جميع أرجاء العالم في آخر قرنين، مع وجود أدلة على زيادة سرعة التراجع في القرن العشرين.
تغير مستوى البحر ارتفاع درجة الحرارة ارتفع مستوى البحر ١٧سم تقريبًا خلال القرن العشرين، مع تسارع معدل الزيادة في العقود الأخيرة
بحر الجليد ارتفاع درجة الحرارة انخفضت مساحة بحر الجليد في القطب الشمالي بنسبة ٢٫٧٪ في العقد خلال آخر ٣٠ سنة، مع انخفاض في مساحة الحد الأدنى في الصيف بنسبة ٧٫٤٪ في العقد. انخفض أيضًا سمك بحر الجليد في القطب الشمالي خلال هذا الوقت.
درجة حرارة المحيط ارتفاع درجة الحرارة زاد المحتوى الحراري لأعلى ٧٠٠ متر من المحيط بشكل دال خلال آخر ٥٠ سنة.
قياس درجة الحرارة بالقمر الصناعي ارتفاع درجة الحرارة يوضح قياس درجة الحرارة بالقمر الصناعي منذ ١٩٧٩م ارتفاعًا في درجة الحرارة يتواءم عمومًا مع ارتفاع درجة حرارة السطح.
وكلاء المناخ ارتفاع درجة الحرارة كانت درجة حرارة الأرض أعلى أثناء آخر بضعة عقود من القرن العشرين، أعلى مما كانت عليه خلال أية فترة مماثلة في آخر ٤٠٠ سنة.

(٢) هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟

يتناول هذا القسم أسباب ارتفاع الحرارة حديثًا، الموثق في القسم السابق: هل أنشطة الإنسان مسئولة عن الارتفاع الحديث الملاحظ في الحرارة، أم ربما أنه يحدث نتيجة عملية طبيعية؟ هذا سؤال أصعب من السؤال عما إذا كانت حرارة الأرض في ارتفاع؛ لأن ترسيخ علاقة السبب والنتيجة يتطلب استنتاجًا لا يتطلبه ببساطة تحديد الميل. يتطلب توضيح السبب البشري توضيح أن الانبعاث البشري يمكن أن يكون مسئولًا عن الميول الملحوظة لارتفاع الحرارة، وتوضيح أن التفسيرات الأخرى المحتملة لا يمكن أن تكون مسئولة عن ذلك.

بينما الانبعاث البشري سبب محتمل بشكل واضح للارتفاع الحديث في درجة الحرارة، لا بد من وضع أسباب أخرى محتملة في الاعتبار. تعرضت الأرض لذبذبات كبيرة في المناخ عبر التاريخ، كما أوضحنا في القسم [وكلاء المناخ]، لكن فقط في القرون القليلة الماضية توسعت الأنشطة البشرية حتى صارت لها القدرة على التأثير في العمليات التي تمتد على نطاق العالم، بما في ذلك المناخ. وحيث إن الأسباب الطبيعية تفسر تغيرات المناخ في العصور السابقة، يجب أن نضعها في الاعتبار بوصفها عوامل محتملة تساعد بالمثل على التغيرات الحديثة السريعة.

هناك خمسة أنواع من العمليات الطبيعية من المعروف أن لها تأثيراتٍ مهمةً على المناخ: العمليات التكتونية tectonic، والاختلاف في مدار الأرض، والثورات البركانية، والاختلاف في الطاقة المنبعثة من الشمس، والاختلاف الداخلي في نظام المناخ. يفحص هذا القسم كل عملية من هذه العمليات الطبيعية، كما يفحص انبعاث غازات البيوت الزجاجية على أيدي الإنسان، متسائلًا عن مدى مسئولية كل عامل عن الارتفاع الملحوظ في الحرارة في القرن الماضي، وخاصة الارتفاع السريع في العقود القليلة الماضية. ونستنتج أنه، بالنسبة للنصف الثاني من القرن العشرين على الأقل، من المرجح جدًّا أن انبعاث غازات البيوت الزجاجية على أيدي الإنسان مسئول عن معظم الارتفاع في الحرارة.

(٢-١) العمليات التكتونية

العمليات التكتونية عمليات جيولوجية تشمل قشرة الأرض، وتحدد مواضع القارات وأحواض المحيطات. ويمكن لهذه العمليات أن تؤثر على المناخ بعدة طرق. يحدد وجود القارات في المناطق الاستوائية أو قرب القطبين مساحة الأرض التي يمكن أن تغطيها الثلوج، مما يؤثر على انعكاسية الكوكب. وهكذا فإن تحركها من خطوط عرض منخفضة إلى خطوط عرض مرتفعة، أو العكس، يمكن أن يغير المناخ. على سبيل المثال، يُعتقد أن انحراف القارات ببطء باتجاه القطب بدأ عصرًا جليديًّا منذ حوالي ٢٥٠ مليون سنة، في العصر الباليوزي paleozoic.
يؤثر موقع القارات أيضًا على الرياح والتيارات البحرية، التي تنظم المناخ العالمي بنقل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى مناطق خطوط العرض المتوسطة والمرتفعة. وهكذا، والقارات تتحرك، يمكن أن يتغير هذا الانتقال للحرارة باتجاه القطب. على سبيل المثال، انفصلت شبه جزيرة أنتاركتيكا عن الطرف الجنوبي من أمريكا الجنوبية منذ حوالي ٣٠ مليون سنة، فاتحة ممر دريك Drake. وسمحت هذه الفتحة للرياح والمياه بالاندفاع دون عوائق في ممرٍّ ممتد حول أنتاركتيكا. وهذا الاندفاع القوي منع انتقال الماء الدافئ والهواء من المناطق القطبية إلى المنطقة القطبية الجنوبية، متسببًا في تبريد درامي في منطقة القطب الجنوبي، ومساهمًا في تكوين القمة الجليدية في القطب الجنوبي.
يمكن أن يؤثر النشاط التكتوني أيضًا على المناخ بتغيير CO2 في الغلاف الجوي. يذوب CO2 الموجود في الغلاف الجوي في ماء المطر ليكون حمض الكربونيك، وهذا الحمض الضعيف نفسه يوجد في المشروبات الغازية. حين تتفاعل هذه الأمطار مع الصخور الرسوبية، في عملية تسمى التجوية الكيميائية   chemical weathering، يتحول CO2 إلى كربونات الكالسيوم الذي يتدفق في المحيطات، ويدفن في النهاية في رواسب المحيطات. واتضحت قوة هذه العملية بتصادم شبه القارة الهندية، منذ ٤٠ مليون سنة تقريبًا، مع القارة الآسيوية، مما شكل جبال الهيمالايا وهضبة التبت المجاورة. (تحدث عمليات التصادم بين القارات ببطء: هذا التصادم لا يزال مستمرًّا حتى اليوم.) جلبت الرياح السائدة أمطارًا ثقيلة على التمدد الهائل للصخرة التي تعرضت حديثًا لهذه السمات، وسحبت التجوية الكيميائية الناتجة CO2 من الغلاف الجوي لفترة تبلغ ملايين السنين.

هل يمكن أن يكون أي تغير من هذه التغيرات التكتونية مسئولًا عن ارتفاع الحرارة في العقود القليلة الماضية؟ الإجابة بالنفي بشكلٍ مؤكدٍ تقريبًا؛ لأن العمليات التكتونية أبطأ بكثير جدًّا. العمليات التكتونية لا تحرك القارات أكثر من بضعة سنتيمترات كل سنة، وهكذا يستغرق الأمر ملايين السنين لإحداث تغير كبير بشكل كافٍ للتأثير على المناخ. تغيرات المناخ على مدى بضعة عقود أو حتى بضعة قرون أسرع بكثير جدًّا من أن يكون للعمليات التكتونية تأثير عليها.

(٢-٢) الاختلافات المدارية

مدار الأرض حول الشمس ليس دائرةً كاملةً لا تتغير، لكنه قطع ناقص يتغير شكله واتجاهه ببطء بمرور الزمن، بثلاث طرق؛ الأولى: يختلف انحراف القطع الناقص (النسبة بين المحور الرئيسي والمحور الثانوي) ببطء، مكملًا دورة كل ١٠٠٠٠٠ سنة تقريبًا. والانحراف يختلف، ويختلف أيضًا متوسط المسافة بين الأرض والشمس. الثانية: يختلف الموعد السنوي الذي تكون الأرض فيه أقرب ما يكون إلى الشمس. الأرض الآن أقرب أثناء شتاء النصف الشمالي، لكن في خلال ١٠٠٠٠ سنة ستكون أقرب في صيف النصف الشمالي. الثالثة: ميل محور الأرض بالنسبة للشمس، وهو الآن ٢٣ درجة تقريبًا، يتذبذب ببطء بين ٢٢–٢٥ درجة تقريبًا على مدى ٤٠٠٠٠ سنة.

تؤثر هذه الاختلافات المدارية الصغيرة كلها على المناخ. تغير المسافة بين الأرض والشمس يغير الطاقة الشمسية الكلية التي تستقبلها الشمس. لا يؤثر التغيران الآخران على مجمل ما يصل من أشعة الشمس إلى الأرض، لكنهما يغيران انتشارها على مدار العام على سطح الأرض. على سبيل المثال، يغير الاختلاف في ميل الأرض مقدار ما يسقط من أشعة الشمس على المناطق الاستوائية مقارنة بالمناطق القطبية. والآن هناك اتفاق على نطاق واسع على أن هذه الاختلافات المدارية البطيئة، تستهل الدورة بين العصور الجليدية وفترات الدفء بين العصور الجليدية التي تعرضت لها الأرض، خلال آخر بضعة ملايين من السنين، كما يبين الشكل ٣-٩ والشكل ٣-١٠. ويتأسس هذا الاستنتاج على التوافق شبه الكامل بين توقيت الاختلافات المدارية، والانتقال إلى عصر جليدي أو الخروج منه.

وهكذا إذا كانت التغيرات المدارية تدفع تغيرات المناخ في آخر بضع مئات الألوف من السنين، هل تستطيع أيضًا أن تسبب ارتفاع الحرارة في القرن الماضي؟ من المؤكد تقريبًا أنها لا تستطيع، للسبب نفسه الذي يجعل العمليات التكتونية لا تستطيع. هذه الذبذبات المدارية بطيئة جدًّا بحيث يستغرق الأمر ألوف السنوات أو أكثر لإحداث أي تغير مهم في نمط أشعة الشمس القادمة إلى الأرض. كان ارتفاع الحرارة في القرن الماضي أسرع بكثير من أن يكون نتيجة لهذه الاختلافات المدارية البطيئة؛ ومن ثم لا بد أن يكون ارتفاع الحرارة نتيجة لأسباب أخرى.

(٢-٣) البراكين

يمكن للثورات البركانية أن تغير المناخ بطريقتَين. تطلق البراكين كميات كبيرة من CO2؛ ومن ثم يمكن أن تساهم في ارتفاع حرارة المناخ من خلال تأثير البيوت الزجاجية. وفي الحقيقة يتم التحكم، على فترات زمنية تبلغ ملايين السنين، في وفرة CO2 بالتوازن بين الانبعاث البركاني والإزالة البطيئة في المحيط من خلال التجوية الكيميائية والنشاط البيولوجي. ويمكن أيضًا أن يكون للبراكين تأثير أسرع على المناخ، بدفع الغبار والرماد، وغازات الكبريت إلى الغلاف الجوي. يسقط الغبار والرماد على الأرض بسرعة، لكن غازات الكبريت تتحد مع الماء لتكون قطرات إيروسول صغيرة معلقة تحجب أشعة الشمس القادمة، وتبرد الأرض لعدة سنوات بعد ثورة بركانية كبيرة.

في ١٨١٦م، على سبيل المثال، بعد ثلاث ثورات كبرى في ثلاث سنوات، عرفت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا «سنة بلا صيف»، سقطت فيها الثلوج في ولاية فيرمونت في يونيو، وحالَ الصقيعُ الصيفي الثقيل دون نمو المحاصيل، وأدى إلى نقص في الغذاء على نطاق واسع. حين تلا هذا الصيفَ شتاءٌ شديد البرودة جعل الزئبق في الترمومترات يتجمد (يحدث هذا عند −٤٠ درجة مئوية)، هرب كثيرٌ من السكان من شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلوا إلى الجنوب.

هل يمكن أن تكون البراكين مسئولة بشكل ما عن الارتفاع الحديث الملحوظ في درجة الحرارة؟ يمكن أن تكون إذا كانت البراكين مسئولة عن الزيادة في CO2 في القرنين الأخيرين، لكنها ليست مسئولة. تنسب الزيادة الملحوظة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بثقة لاحتراق الوقود الحفري بكثير من الأدلة. أكثرها إقناعًا، إن زيادة CO2 في الغلاف الجوي عكس بدقة كمية CO2 التي أضافها البشر إلى الغلاف الجوي — يبدو من غير المحتمل إلى حدٍّ بعيد أن عملية طبيعية يمكن أن تفعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يتواءم أثر نظائر الكربون المضاف إلى الغلاف الجوي مع الوقود الحفري، ولا يتواءم مع البراكين.
الطريقة الثانية التي ربما سببت بها البراكين الارتفاع الحديث في درجة الحرارة؛ يمكن أن تكون النقص التدريجي في إيروسول البراكين في الغلاف الجوي خلال القرن الأخير، لكن لأن تأثيرات كل ثورة بركانية لا تمكث إلا بضع سنوات، فإن ذلك ربما يتطلب سلسلة من الثورات الهائلة كل بضع سنوات، كلٌّ منها تعدل بدقة في حجمها وتوقيتها لتحقق الانخفاض المطلوب في الإيروسول بشكل سلسٍ. يمكننا أن نختبر هذه المقولة بالنظر إلى السجلات المتاحة للثورات البركانية في آخر قرن أو اثنين، وكمية التدفق البركاني في الغلاف الجوي في آخر بضعة عقود. بينما يبدو أن هذه السجلات تفسر بعض الذبذبات في سجل درجة الحرارة في العالم، كما يوضح الشكل ٣-١، لا توجد علامة على نمط مستمر من الثورات البركانية مطلوب؛ لتفسير الميل إلى ارتفاع الحرارة في عدة عقود. ونتيجة لذلك، يمكننا أن نستبعد بشكل آمن البراكين باعتبارها سببًا للارتفاع الحديث في الحرارة.

(٢-٤) التقلب الشمسي

لأن أشعة الشمس هي المصدر الأساسي للقوة بالنسبة لمناخنا، فإن أي تغير في كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى سطح الأرض، يمكن أن يغير المناخ. في الحقيقة، بتغيير كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى السطح تمارس الاختلافات المدارية والبراكين تأثيرها على المناخ، لكن كمية ما يصل من أشعة الشمس إلى الأرض لا يمكن أن تختلف إلا نتيجة للتغيرات في الطاقة المنبعثة من الشمس نفسها. ويتبين أن الشمس لا تشرق بسطوع ثابت، لكنها تخفق مثل مصباح قديم (إن عمرها ٥ بلايين سنة، رغم كل شيء). ولا نلاحظ هذا الخفقان؛ لأنه صغير (كسور في المائة) ويحدث ببطء، على مدى شهور وسنوات وربما أكثر.

لا يمكن قياس الطاقة المنبعثة من الشمس بشكل يمكن التعويل عليه من على سطح الأرض، لكنه يقاس منذ سبعينيات القرن العشرين بواسطة الأقمار الصناعية. في هذه الفترة، كان الاختلاف الوحيد الذي تمت ملاحظته هو الدورة الشمسية المعروفة كل ١١ سنة، وبها تختلف الطاقة الكلية المنبعثة من الشمس بمقدار ٠٫١٪ تقريبًا. ونتيجة للخمول الحراري الهائل للمحيطات، لا يتفاعل المناخ مع هذه الاختلافات قصيرة المدى. ولم تكن هناك تغيرات أخرى، فيما ينبعث من الشمس خلال تلك الفترة، يمكن أن تفسر الارتفاع السريع في حرارة الأرض.

ثمَّة سبب آخر يبعد الاختلاف الشمسي عن أن يكون تفسيرًا، وهو أن زيادة الطاقة الشمسية ترفع حرارة الغلاف الجوي كله. وهو ما لا يحدث. في الحقيقة، يوضح القياس من بالونات الطقس والأقمار الصناعية أن حرارة الاستراتوسفير (طبقة من الغلاف الجوي تبدأ على ارتفاع ١٠كم تقريبًا) انخفضت في آخر بضعة عقود. ويتواءم هذا النمط من التغير مع ارتفاع درجة الحرارة من غازات البيوت الزجاجية — التي ترفع حرارة السطح والجزء السفلي من الغلاف الجوي بينما تبرد الاستراتوسفير — لكنه لا يتواءم مع ارتفاع الحرارة نتيجة تقلب الشمس. وهكذا، يمكن أن نستنتج بثقة هائلة أن الارتفاع السريع في الحرارة في آخر بضعة عقود ليس بسبب الشمس.

ومع ذلك، يصعب تحديد تأثير الشمس على التغيرات المناخية المبكرة. ينبغي استنباط ما ينبعث من الشمس قبل القياس المباشر بالأقمار الصناعية بواسطة الوكلاء، من قبيل عدد البقع الشمسية، التي كان الناس يحصونها لآلاف السنين. استنتجت أحدث تحليلات هذه السجلات أن الشمس صارت أكثر سطوعًا في آخر بضع مئات من السنين، ويمكن لهذا أن يفسر ضمنيًّا على الأقل بعض الارتفاع التدريجي في درجة الحرارة في آخر بضع مئاتٍ من السنين، لكنه لا يفسر الارتفاع السريع في الحرارة في آخر بضعة عقود.

(٢-٥) الاختلاف الداخلي

يتضمن كل ما تناولناه من المصادر المحتملة لارتفاع الحرارة اختلافًا اضطراريًّا إلى حدٍّ بعيد، تغيرات مناخ الأرض استجابة لتغير مفروض من الخارج، مثل تغير انتشار ضوء الشمس القادم إلى الأرض، أو انعكاسية الأرض، أو نسق القارات، لكن نظام مناخ الأرض معقد جدًّا بحيث يمكن أن يتغير دون أن تدفعه عوامل خارجية، إلى حد ما مثل تذبذب دوران قمة. مثل هذه التغيرات تسمى الاختلافات الداخلية، ومن أشهرها تذبذب النينو/الجنوبي، وقد ناقشناه في القسم [قياس درجات الحرارة بالقمر الصناعي].
هل يمكن أن يكون ارتفاع الحرارة في آخر بضعة عقود اختلافًا داخليًّا، جزءًا من تذبذب طبيعي في نظام المناخ؟ يمكن أن تساعد بيانات الوكيل عن اختلافات المناخ قبل القرنَين الأخيرَين في الإجابة على هذا السؤال. ربما كان لأنشطة الإنسان تأثير ضئيل على المناخ قبل عام ١٨٠٠م، وهكذا فإن بيانات الوكيل قبل ذلك الزمن ينبغي أن تقدم صورةً جيدةً للاختلاف الطبيعي الحديث في المناخ، لكن كما يوضِّح الشكل ٣-١١، لا يوضح السجل بين سنة ١٠٠٠م وسنة ١٨٠٠م شيئًا مماثلًا لمعدل ارتفاع الحرارة في القرن العشرين، ومدى هذا الارتفاع. وهكذا إذا كان الارتفاع الحديث في الحرارة نتيجة لاختلاف طبيعي، فإنه لا يوجد دليل على أنه نوع من الاختلاف الذي كان يعمل على مدار آخر ألف سنة.

والمرء ينظر إلى البيانات الأقدم للوكلاء، يقل وضوح الزمن، وهكذا تختفي القدرة على رؤية الاختلافات على مدار عقودٍ أو قرون. وهكذا نعرف أقل فيما يتعلق بكيفية اختلاف الحرارة من سنةٍ لسنة، ونحن نرجع أكثر عبر الزمن. توجد بعض الأدلة على تغيرات سريعة في المناخ في آخر عشرين ألف سنة، مع حدوث ارتفاع في الحرارة حتى إلى بضع درجات مئوية على مدار بضعة عقود أو قرن، أثناء الانتقال إلى العصور الجليدية أو الخروج منها، لكن هذه التغيرات الطبيعية السريعة حدثت مع إعادة تنظيم سريع على نطاق كبير من الأنماط الدورية في الغلاف الجوي والمحيطات، وليست هناك علامةٌ على حدوث تغيراتٍ دوريةٍ مماثلةٍ على نطاقٍ واسعٍ في هذه الأيام.

وهناك مشكلة إضافية بالنسبة لتفسير الارتفاع الحديث في الحرارة باعتباره اختلافًا طبيعيًّا، وتتمثل في أن الانتشار المكاني للارتفاع الملحوظ في الحرارة يبدو غير متوائمٍ مع الاختلاف الداخلي. أي شكل من الاختلاف الداخلي مسئول عن الارتفاع الحديث في الحرارة سيكون بشكل مؤكد تقريبًا مدفوعًا، مثل النينو، بتغيراتٍ في دورة المحيط التي ترفع حرارة سطح المحيط. إذا حدث ذلك، فمن الممكن أن نتوقع رؤية ارتفاع الحرارة في المحيط بشكلٍ أكبر مما يحدث على اليابسة، لكن الملاحظات توضح العكس: ترتفع الحرارة على اليابسة أسرع بشكلٍ دالٍّ مما يحدث في المحيطات.

أخيرًا، يمكننا أن نتعرف على الاختلاف الطبيعي في المناخ باستخدام نماذج للمناخ، من دون انبعاث لغازات البيوت الزجاجية على يد الإنسان. حين استخدمت نماذج المناخ بهذه الطريقة، وضحت اختلافات في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة من سنة إلى سنة، ومن عقد إلى عقد مماثلة لتلك التي رأيناها في بيانات وكلاء المناخ قبل عام ١٨٠٠م، لكنها لم تنتج شيئًا يشبه الارتفاع السريع في الحرارة في القرن الماضي. (نرى في القسم التالي أنه فقط حين يشمل الأمر الزيادة الحديثة في غازات البيوت الزجاجية يمكن لنماذج المناخ أن تولد الارتفاع الحديث السريع الملحوظ في الحرارة.) وبوضعها معًا، توحي كل هذه الأدلة أنه بينما لا يمكننا أن نستبعد بشكل قاطع الاختلاف الطبيعي في المناخ باعتباره مشاركًا في الارتفاع الحديث في درجة الحرارة، فمن غير المحتمل أن يكون مسئولًا عن أي كسر دال في الارتفاع الحديث السريع في الحرارة.

(٢-٦) زيادة غازات البيوت الزجاجية

ناقشنا في القسم [المناخ وتغير المناخ: تمهيد علمي] كيف أن غازات البيوت الزجاجية تتزايد في الغلاف الجوي في القرنَين الأخيرَين أو نحو ذلك، وبشكل أساسي نتيجة لنشاط الإنسان. هناك أسباب نظرية قوية، تمتد جذورها في مبادئ الفيزياء، لتوقع أن ترفع هذه الزيادة من حرارة سطح الأرض. يوضح سجل المناخ في الماضي أمثلة كثيرة على تذبذب لدرجة الحرارة مرتبط بتغيرات في CO2 وغازات أخرى في البيوت الزجاجية، مقدمة دعمًا لهذا التوقع النظري الأساسي. يوضح الشكل ٣-٨ على سبيل المثال، ارتفاعًا في درجات الحرارة منذ ٥٠ مليون سنة، حين كان CO2 أكثر بعدة مرات مما هو عليه اليوم، وتلا ذلك فترة طويلة بطيئة من انخفاض درجة الحرارة بالتوازي مع نقص CO2 من زيادة التجوية الكيميائية والامتصاص البيولوجي في المحيطات.
بالإضافة إلى ذلك، الزيادة الحادة في درجة الحرارة منذ ٥٥ مليون سنة تقريبًا في الشكل ٣-٨، القمة الحرارية البليوسينية الإيوسينية Paleocene-Eocene توضح بجلاءٍ قوة غازات البيوت الزجاجية على رفع حرارة الكوكب. في ذلك الوقت، حدث انطلاق هائل لثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي على مدى ١٠٠٠٠ سنة تقريبًا مما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في الحرارة بلغ ٥ درجات مئوية تقريبًا. وحين كانت غازات البيوت الزجاجية تُزَال من الغلاف الجوي على مدار ١٠٠٠٠٠ سنة التالية، رجعت درجة حرارة الأرض إلى ما كانت عليه قبل القمة الحرارية البليوسينية الإيوسينية.
الارتباط بين CO2 ودرجة الحرارة أكثر وضوحًا حتى خلال آخر بضع مئات الألوف من السنين. يوضح الشكل ٣-١٠ كيف أن CO2 ودرجة الحرارة يختلفان بشكل متلازم مع دورة الأرض بين العصور الجليدية وعصور الدفء بين العصور الجليدية، لكن آليات هذه العلاقة معقدة إلى حدٍّ ما. نعرف أن عصور الجليد تُستهلُّ باختلافات ضئيلة في مدار الأرض، لكن التغيرات الناجمة عن ذلك في انتشار ضوء الشمس أصغر بكثير من أن تفسر التغيرات الكبيرة التالية في درجة حرارة العالم — لا بد أن هناك شيئًا آخر يضخم تأثير الاختلافات المدارية. يعتقد معظم العلماء الآن أن التغذية الرجعية الإيجابية التي بواسطتها يفجر ارتفاع أولي صغير في درجة الحرارة انطلاق CO2 وبقية غازات البيوت الزجاجية، مما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع درجة الحرارة. الآلية الدقيقة لهذه التغذية الرجعية غير مفهومة بشكلٍ جيد، لكنَّ هناك احتمالًا يوضع في الاعتبار وهو أن الارتفاع الأوَّلي في الحرارة يزيد من النشاط البيولوجي، ويطلق CO2 من زيادة تحلل التربة العضوية.
يأتي الدليل الأخير على أن غازات البيوت الزجاجية مسئولة عن الارتفاع الحديث في الحرارة من نماذج المناخ. يقارن الشكل ٣-١٢ سجل درجات الحرارة التي تمَّت ملاحظتها منذ عام ١٩٠٠م، مع نتائج مسارات نموذجَين من نماذج المناخ. يشمل مسار النموذج في اللوحة a القوى الطبيعية المعروفة — تقلب الشمس والبراكين — لكنها لا تشمل أي تأثير إنساني على المناخ. ينتج هذا الحساب ذبذبات كثيرة في السجل، مما يوحي بأنها ليست نتيجة لنشاط الإنسان، لكن هذا التقليد يفشل تمامًا في فَهْم الارتفاع السريع في درجة الحرارة بداية من سبعينيات القرن العشرين تقريبًا.
fig18
شكل ٣-١٢: اختلافات متوسط درجة حرارة سطح الأرض من سجل ترمومترات السطح (الخط الرمادي في الرسمَين)، مقارنة بنموذج لمناخ المحيط والغلاف الجوي (الخط الأسود). a نموذج يحتوي فقط على التأثير الطبيعي على المناخ دون تدخل الإنسان، وخاصة تأثيرات الشمس والبراكين. b نموذج يشمل التأثير الطبيعي وتأثير انبعاث غازات البيوت الزجاجية، والإيروسول، واستنفاد الأوزون. الاختلافات مقيسة مقارنة بمتوسط ١٩٠١–١٩٥٠م (المصدر: Fig. TS.23, IPCC).
يشمل مسار النموذج في اللوحة b التأثيرات الطبيعية، كما يشمل تأثيرات أنشطة الإنسان — وبشكل أساسي انبعاث غازات البيوت الزجاجية، ويشمل أيضًا إيروسولات الكبريت واستنفاد الأوزون من طبقة الاستراتوسفير، والاثنان يبردان السطح. يتضمن النموذج معظم الخصائص المهمة في الملاحظات — ويتضمن خاصة الارتفاع السريع في الحرارة منذ سبعينيات القرن العشرين، وهو ما يفشل نموذج التأثيرات الطبيعية في تقليده. ويوضح هذا أن انبعاث غازات البيوت الزجاجية على يد الإنسان، والبراكين، والتأثيرات الشمسية ساهمت كلها في تغيرات درجة حرارة العالم في القرن الأخير، لكن انبعاث غازات البيوت الزجاجية مسئول عن معظم الارتفاع السريع في الحرارة في أواخر القرن العشرين.

(٢-٧) الملخص: هل أنشطة الإنسان مسئولة عن ارتفاع الحرارة مؤخرًا؟

وضعنا في الاعتبار الأسباب الستة المحتملة للارتفاع الملحوظ في الحرارة في آخر بضعة عقود من القرن العشرين. يمكن استبعاد اثنين منها، الاختلافات المدارية والعمليات التكتونية، باعتبارهما مساهمَين بشكل مؤثر لأنهما بطيئان جدًّا؛ بحيث لا يمكن أن يكون لهما تأثير يذكر على المناخ في فترات قصيرة لا تتعدى بضعة عقود أو قرنًا. يمكن أيضًا رفض عمليتَين أخريَين، الثورات البركانية وتغيرات ما ينبعث من الشمس؛ لأن لدينا مقاييس جيدة لهما في الفترة المذكورة، ولم يظهرا نمطًا من التغيرات يمكن أن يكون مطلوبًا لتفسير ارتفاع الحرارة مؤخرًا. ربما يفسر الاختلاف الداخلي الكثير من الذبذبات في المناخ في القرن الماضي أو القرنَين الماضيَين، لكن توجد أيضًا أسباب قوية لاستبعاده باعتباره سببًا للارتفاع الحاد في الحرارة في العقود الأخيرة.

وبهذا لا يتبقى سوى الزيادة في غازات البيوت الزجاجية، وقد وصفنا الأدلة التي تدعم هذا التفسير. قدم القسم [المناخ وتغير المناخ: تمهيد علمي] الخطوط العريضة للأسباب النظرية القوية التي تجعلنا نتوقَّع أن ترفع غازات البيوت الزجاجية حرارة الكوكب. بالإضافة إلى ذلك، تم الربط بين غازات البيوت الزجاجية ودرجة الحرارة مرات كثيرة على مدار آخر ٦٠ مليون سنة من تاريخ المناخ. إن الأدلة التي تربط غازات البيوت الزجاجية بالمناخ قوية جدًّا؛ بحيث لا يمكن القول إن ارتفاع الحرارة مؤخرًا له سبب آخر، ومن الضروري أن نفسر لماذا لا ترفع الزيادة الملحوظة في غازات البيوت الزجاجية حرارة الكوكب، كما نتوقع. الدليل الحاسم قدمته نماذج المناخ، التي يمكن أن تعيد إنتاج تغيرات المناخ في القرن الماضي فقط، إذا كانت تشمل انبعاث غازات البيوت الزجاجية الناجمة عن أنشطة الإنسان.

وإذا وضعنا في الاعتبار الأدلة الدامغة التي تدعم غازات البيوت الزجاجية، وعدم وجود أي تفسير بديل مقبول — رغم الكثير من المحاولات للعثور على مثل تلك الأدلة — استنتجت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في تقريرها سنة ٢٠٠٧م أن «معظم الزيادة الملحوظة في متوسط درجات الحرارة في العالم منذ منتصف القرن العشرين؛ من المرجح تمامًا أن يكون نتيجة للزيادة الملحوظة في تركيز غازات البيوت الزجاجية نتيجة لنشاط الإنسان.»
وهذا الاستنتاج بالغ القوة، لكن من المهم أيضًا أن نلاحظ أن الطرق الثلاث التي تحدُّ من قوته بدقة؛ الأولى: ترتفع حرارة الأرض لمدة ٤٠٠ سنة على الأقل. ومع ذلك، بالنسبة لارتفاع الحرارة قبل منتصف القرن العشرين هناك مساهمة كبيرة من عوامل طبيعية من قبيل الاختلاف الشمسي لا يمكن استبعادها. ربما ساهم نشاط الإنسان أيضًا في هذا الارتفاع المبكر في الحرارة، لكن هذا لم يثبت بالثقة العالية المطلوبة، وهكذا يتجنب بيان IPCC بشكل خاص أن يعزو ارتفاع الحرارة قبل ١٩٥٠م إلى أنشطة الإنسان.
الثانية: لا تقول IPCC إن العوامل الطبيعية من قبيل الاختلاف الداخلي لم تساهم في ارتفاع الحرارة في العقود القليلة الأخيرة. في الحقيقة، ربما مارست العوامل الطبيعية بعض التأثير خلال تلك الفترة. ما تدعمه الأدلة أن أية مساهمة من العوامل الطبيعية تعتبر صغيرة مقارنة بتأثيرات الإنسان في تلك الفترة؛ وبالتالي، تقول تقارير IPCC إن البشر مسئولون عن «معظم» الارتفاع الحديث في الحرارة، وليس كله. أخيرًا، بينما نعرف الكثير عن نظام المناخ، تبقى بعض الشكوك. ولهذا السبب، تصف IPPC هذا الاستنتاج بأنه «مرجح جدًّا»، مما يعني بلغتهم بالغة الدقة أنهم يحكمون أن من المرجح أن يكون صحيحًا بنسبة ٩٠٪.

كيف يمكن للناس بشكلٍ آخر أن يعدلوا المناخ؟

غازات البيوت الزجاجية مجرد طريقة من طرق كثيرة يمكن أن تؤثر بها أنشطة الإنسان على المناخ. تزيد أنشطة الإنسان من وفرة الإيروسولات أيضًا في الغلاف الجوي — وهي جزيئات صغيرة، صلبة أو سائلة، معلقة في الغلاف الجوي، يمكن أن ترفع حرارة سطح الأرض أو تخفضها حسب تكوينها.

الحرق غير الكافي أو غير الكامل، كما يحدث عند تصادم محركين، وفي نيران الطبخ منخفضة الحرارة التي تحرق الوقود التقليدي مثل الروث أو القش، تطلق إيروسولات كربون سوداء (جزيئات ضئيلة من الهباب)، تمتص أشعة الشمس القادمة والأشعة تحت الحمراء المنبعثة؛ ومن ثم ترفع حرارة السطح. حرق وقود يحتوي على كبريت يشكل إيروسولات الكبريت السائلة، مما يعكس أشعة الشمس القادمة إلى الفضاء وبذلك يبرد سطح الأرض. وتتفاعل الإيروسولات مع السحب أيضًا، مما يزيد من الانعكاسية؛ ومن ثم يبرد سطح الأرض.

التغيرات في استخدام اليابسة يمكن أيضًا أن تغير في المناخ. قطع غابة وإقامة حقل مكانها، على سبيل المثال، يستبدل بسطح نباتي قاتم سطحًا نباتيًّا فاتحًا، يعكس كمية أكبر من أشعة الشمس ويبرد المناخ.

التأثير السائد في المناخ نتيجة تغيرات استخدام اليابسة موضعي، لكنه يمكن أن يكون كبيرًا عالميًّا حين يكون تغير استخدام اليابسة عالميًّا. بجمع كل تأثيرات أنشطة الإنسان على المناخ غير انبعاث غازات البيوت الزجاجية، تسبب في النهاية تكون المحصلة النهائية انخفاضًا عالميًّا في الحرارة ربما يقابل ٣٠٪ تقريبًا من ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية، ومعظم هذا الانخفاض في الحرارة ناتج عن إيروسولات الكبريت العاكسة. وحيث إنها مكون رئيسي من تلوث الهواء، فإن جهودَ تخفيض تلوث الهواء سوف تقلِّل تأثير الانخفاض المقابل في الحرارة، ويتسبب في ارتفاع إضافي في الحرارة.

(٣) ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين

يمثِّل تعريف تغيرات المناخ في الماضي ومدى مسئولية الانبعاث نتيجة أنشطة الإنسان عنه إنجازات مهمة في علم المناخ، لكن تهديد تغير المناخ في المستقبل هو ما يدفع الاهتمام العام وصنع السياسة. يتطلب اتخاذ قرارات رشيدة بما ينبغي عمله معلومات عن التغيرات المناخية التي ربما نواجهها في المستقبل، وكيف يمكن أن تعدلها أفعالنا. وهذا الاحتياج يضع التنبؤات بتغير المناخ في المستقبل في مركز المناظرة السياسية.

نماذج المناخ هي الوسيلة الأساسية للتنبؤ بتغير المناخ في المستقبل. وقد رأينا بالفعل كيف لعبت نماذج المناخ دورًا رئيسيًّا في أن تعزو ارتفاع الحرارة مؤخرًا إلى غازات البيوت الزجاجية. في تلك الحسابات، تستخدم نماذج المناخ التركيز الملحوظ لثاني أكسيد الكربون، وبقية غازات البيوت الزجاجية، في الغلاف الجوي باعتبارها معلومات لتقليد المناخ في القرن الأخير. يمكن أيضًا استخدام توقع لتغيرات المستقبل، لكن استخدامها بهذه الطريقة يتطلب تنبؤات بتركيز غازات البيوت الزجاجية في المستقبل باعتبارها معلومات. يتطلب توقع تركيز في الغلاف الجوي في المستقبل توقع مقدار ما سوف ينبعث من CO2 وغازات البيوت الزجاجية نتيجة أنشطة الإنسان.

لا تخص توقعات علم الغلاف الجوي، لكنها تدريب في التنبؤ بالميول الاجتماعية. يعتمد الانبعاث في المستقبل على سكان العالم والنمو الاقتصادي في المستقبل؛ لأن زيادة السكان وزيادة النشاط الاقتصادي يعنيان زيادة استخدام الطاقة، وزيادة الصناعة، والإنتاج الزراعي، والأنشطة الأخرى التي تولِّد الانبعاث. ويعتمد الانبعاث في المستقبل على السياسة أيضًا، وعلى الميول التكنولوجية التي تحدد كفاءة استخدام الطاقة، وخليط مصادر الطاقة المستخدمة التي ينبعث منها الكربون والتي لا ينبعث منها. تقدم الخبرة التاريخية، وأيضًا الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والديموجرافية، إطلالة على ميول المستقبل، وخاصة لاستبعاد بعض المجالات باعتبارها غير محتملة (على سبيل المثال، توقف فجائي في نمو السكان في مجتمع شاب، أو فترة ممتدة تجمع بين ركود النمو الاقتصادي وابتكار تكنولوجي سريع)، لكن معرفتنا بالآليات الاجتماعية والاقتصادية ليست كافية للسماح بتنبؤ وحيد موثوق به بشأن الانبعاث في المستقبل.

وبالتالي، تتمثل المقاربة التي تتبناها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في إنتاج مجموعةٍ من سيناريوهات الانبعاث، حيث يقدم كل سيناريو صورةً معقولةً بديلةً متماسكةً داخليًّا للكيفية التي يمكن أن يشكل بها تطور العالم ميول الانبعاث في المستقبل. توسع مجموعة السيناريوهات معًا بشكل تقريبي مجال الأشكال البديلة للانبعاث في المستقبل التي تعتبر معقولة. (بالطبع، لا يمكن لمجموعة سيناريوهات أن تغطي كل الميول المحتملة لانبعاث الغازات، حيث إنها تعتمد أيضًا على أحداث تاريخية على نطاق واسع من قبيل الحروب، أو التحولات السياسية التي ليس لدينا قدرةٌ على التنبؤ بها أو التحكم فيها.)
دعمت IPCC ممارسات عديدة لتطوير سيناريوهات الانبعاث في المستقبل، وقد استخدمت لتقديم معلومات متسقة عن الانبعاث لتوجيه مشاريع نماذج المناخ. طورت ممارسة لسيناريو رئيسي في ١٩٩٢م خمسة سيناريوهات، تشمل «حالة مرجعية» متوسطة ينمو في ظلها الانبعاث من قيمته الأولية عند ٨ بلايين طن متري، أو جيجا طن من مكافئ الكربون (GtCe) إلى حوالي ١٤ بليون في ٢٠٥٠م وعشرين بليون في ٢١٠٠م.٢
تجنبت ممارسة السيناريو الثاني في أواخر تسعينيات القرن العشرين تحديد حالة مركزية، لكنها رسمت خطوطًا عريضة لأربعة مسارات بديلة لتطور العالم، وما مجموعه ستة «سيناريوهات بارزة» لتكون بمثابة معايير لمشروعات نماذج المناخ: سيناريو من كل مسار للتطور، بالإضافة إلى اختلافَين في الفرضيات التكنولوجية للطاقة في مسارٍ للتطور. افترضت كل هذه السيناريوهات أنه لن يتم تبني أفعال متفق عليها لخفض الانبعاث. يوضح الشكل ٣-١٣ الانبعاث المتوقع لثاني أكسيد الكربون بالنسبة لهذه السيناريوهات البارزة الستة خلال ٢١٠٠م. واستخدمت هذه السيناريوهات المتعلقة بالانبعاث لتوجيه مشاريع نماذج تغير المناخ في المستقبل في كلٍّ من التقريرَين الثالث والرابع الصادرَين عن IPCC، المنشورين عام ٢٠٠١م وعام ٢٠٠٧م. وكما يناقش الفصل الرابع، توجد الآن مجموعة من السيناريوهات قيد الإعداد تؤكد المسارات البديلة لاستقرار المناخ العالمي.
fig19
شكل ٣-١٣: انبعاث CO2، ببلايين الأطنان من الكربون في العام، من سيناريوهات IPCC في تقرير خاص عن سيناريوهات الانبعاث (SRES). الخط المنقط هو سيناريو A1FI، والخط المقطع سيناريو B1، والخط المنقط-المقطع سيناريو A1T (المصدر: Fig. 17 of the Technical Summary, IPCC (2001a)).
يغطي الانبعاث المتوقع في هذه السيناريوهات مجالًا واسعًا، من ارتفاع يصل إلى ٣٠ بليون طن إلى انخفاض يصل إلى ٥ بلايين في ٢١٠٠م. ويعكس هذا المجال الواسع الشكوك المجتمعة بشأن السكان والنمو الاقتصادي والميول التكنولوجية. على سبيل المثال، يفترض الخط المنقط، الذي يوضح انبعاثًا يصل إلى ٣٠ بليون طن بحلول ٢١٠٠م، استمرارًا متفائلًا باعتدال للميول الحديثة — نمو سكاني منخفض نسبيًّا، ونمو اقتصادي مرتفع، وتقارب تدريجي للدخل بين مناطق العالم. ويفترض أيضًا أن استخدام الطاقة يبقى سائدًا بالوقود الحفري، متحولًا باتجاه الفحم وأنواع الوقود الأخرى التي تحتوي على نسب عالية من الكربون مع تدهور إنتاج النفط منخفض التكلفة والغاز.٣ يمثل الخط المخطط، الذي يوضح قمة الانبعاث تحت ١٠ بلايين طن في منتصف القرن ثم ينحدر إلى حوالي ٥ بلايين بحلول عام ٢١٠٠م رؤية متفائلة لما يمكن أن يسمَّى مستقبل «التنمية المستدامة». يتصور النمو السكاني ذاته الذي يتصوره سيناريو الانبعاث المرتفع، ونموًّا اقتصاديًّا أبطأ إلى حد ما، لكن مع كثافة أقل للطاقة والمادة نتيجة تحول اقتصاد العالم من التصنيع إلى الخدمات والمعلومات، وأيضًا التبني السريع لتكنولوجيا الطاقة منخفضة الكربون.

يفترض الخط المنقط المخطط النمو السكاني والاقتصادي نفسه الذي يفترضه سيناريو الانبعاث المرتفع، لكنه يفترض ميولًا تكنولوجية مختلفة تمامًا. بدلًا من التحول إلى وقود حفري يحتوي على نسب مرتفعة من الكربون مثل الفحم، يفترض هذا السيناريو تطورات تكنولوجية تحول إمداد الطاقة باتجاه مصادر لا يصدر عنها انبعاث. يرتفع الانبعاث في هذا السيناريو حتى منتصف القرن؛ حيث يصل إلى القمة (١٠–١٥ بليون طن)، ثم ينحدر حتى أكثر من السيناريو السابق — موضحًا التأثير القوي للتطورات التكنولوجية في تحديد الانبعاث. يقدم الفصل الرابع مزيدًا من التفصيلات عن السيناريوهات، والفرضيات التي تتأسس عليها، وما تتضمنه للأفعال المحتملة.

ثمة نموذج خاص للمناخ، يستخدم سيناريو خاصًّا للانبعاث باعتباره معلومات، يولِّد تصورًا لتغير المناخ في المستقبل، لكن هناك حوالي ٢٠ نموذجًا متطورًا جدًّا للمناخ قيد الاستخدام، تطور كلٌّ منها على أيدي مجموعة من العلماء، وتختلف في مقارباتها لتقليد الغلاف الجوي. ربما تقسم الغلاف الجوي إلى صناديق مختلفة الحجم، وتركز بشكل ما على عمليات جوية معينة، أو تستخدم مقاربات حسابية مختلفة لتمثيل عمليات أساسية تتعلق بالمناخ، وخاصة تلك التي يجب تحديدها؛ لأنها تعمل على نطاقٍ أدقَّ من أن يمثل صراحة. ونتيجة لهذه الاختلافات، تتصور النماذج المختلفة مستقبلًا مختلفًا للمناخ، حتى لو استعانت بسيناريو الانبعاث نفسه.

يلخص الشكل ٣-١٤ توقعات نماذج تغير المناخ على مدار القرن الحادي والعشرين بمجال من نماذج المناخ لسيناريوهات الانبعاث. توضح اللوحة اليسرى تطور درجة حرارة العالم خلال ٢١٠٠م بالنسبة لتوقع نموذج متوسط للمناخ بالنسبة لثلاثة من السيناريوهات الستة البارزة. ويوضح أيضًا، في الخط C، التصور المتوسط لارتفاع الحرارة في المستقبل إذا توقف الانبعاث فجأة في سنة ٢٠٠٠م. ويوضح هذا الارتفاع الإضافي في الحرارة، وقد تحقق بالفعل بالانبعاث في الماضي نتيجة التواني في نظام المناخ، حوالي ٠٫٤ درجة مئوية أعلى من مستوى ٢٠٠٨م.
fig20
شكل ٣-١٤: اللوحة اليسرى: متوسط اختلاف درجة حرارة السطح كما توقعته نماذج المناخ في القرن الحادي والعشرين، مقارنة بمتوسط ١٩٨٠–١٩٩٩م. يوضح الخط المنقط اختلاف درجة الحرارة المقيسة على مدار القرن العشرين، كما في الشكل ٣-١. يثبت الخط C غازات البيوت الزجاجية عند قيم سنة ٢٠٠٠م: تمثل السيناريوهات B1، A1B، A2 سيناريوهات الانبعاث المنخفض والمتوسط ومتوسط الارتفاع لغازات البيوت الزجاجية. اللوحة اليمنى: مجالات اختلاف درجة الحرارة بالنسبة للسيناريوهات الستة البارزة في سنة ٢١٠٠م. بالنسبة لكل سيناريو، المنطقة الرمادية هي أفضل تقدير، بينما توضح القضبان السوداء المجال المحتمل (المصدر: Figure SPM.5 of IPCC (2007a)).

توضح اللوحة اليمنى مجال درجات الحرارة المحسوبة للنموذج في ٢١٠٠م بالنسبة لكلٍّ من السيناريوهات الستة للانبعاث، مع تصور «للتقدير الأفضل» أو المتوسط للمناخ بالنسبة لكل سيناريو موضحًا في وسط الخط العمودي. بوضع كل سيناريوهات الانبعاث في الاعتبار، تتراوح توقعات أفضل تقديرٍ من ١٫٨ إلى ٤ درجات مئوية. وبوضع الشك في كلٍّ من الانبعاث واستجابة نظام المناخ في الاعتبار، يتراوح الارتفاع المتوقع في الحرارة في القرن الحادي والعشرين من ١٫١ إلى ٦٫٤ درجة مئوية. ولوضع هذا في السياق، حتى أقل ارتفاع متوقع في درجة الحرارة، وهو يجمع بين سيناريو أقل انبعاث وأقل حساسية للمناخ، أكبر بشكل كبير من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ٠٫٧ درجة مئوية في القرن العشرين. الارتفاع الأكبر في الحرارة، ٦٫٤ درجة مئوية، يماثل ارتفاع الحرارة منذ آخر عصر جليدي.

هذه صورة واقعية. بينما يوجد مجال واسع من الشك في مقدار ارتفاع الحرارة في المستقبل، تتوقع كل النماذج في ظل كل سيناريوهات الانبعاث أن يستمر ارتفاع الحرارة خلال القرن الحادي والعشرين. إذا وقع ارتفاع الحرارة في المستقبل في وسط المجال في الشكل ٣-١٤، وهو ما ينبغي أن نفترض أنه النتيجة الأكثر احتمالًا، أو بالقرب من قمة المجال، فإن معدل ارتفاع الحرارة على مدار القرن سيكون كبيرًا. الدليل التاريخي الوحيد على تغيرات ارتفاع حرارة العالم بكبر التوقعات المرتفعة وسرعتها بالنسبة لهذا القرن؛ سلسلة من الارتفاع والانخفاض في الحرارة بشكل فجائي حدثت في نهاية آخر عصر جليدي، لكن هذه التغيرات صاحبت إعادة تنظيم رئيسية في دورة الغلاف الجوي والمحيطات، وهو ما لا يحدث الآن؛ وبالتالي ربما يمثل المجال الأعلى للارتفاع المتوقع في الحرارة في هذا القرن تغيرًا في المناخ ليس له سابقة في كل تاريخ الأرض.

بإيجاز، رغم الشكوك في كلٍّ من توقعات الانبعاث ونماذج المناخ، من المؤكد عمليًّا أن درجة حرارة الأرض سوف تواصل الزيادة. ونحن معرضون لبعض الارتفاع في الحرارة — حتى لو توقفنا عن انبعاث غازات البيوت الزجاجية اليوم، سوف ترتفع حرارة الأرض عدة أعشار درجة مئوية في العقود القليلة القادمة. إذا وضعنا التطور المحتمل في الانبعاث على مدار القرن الحالي، فإن متوسط درجة حرارة العالم بحلول نهاية هذا القرن من المحتمل أن ترتفع من درجتَين إلى أربع درجات مئوية عما هي عليه الآن، وربما أكثر — إلا إذا انخفض الانبعاث بحدة.

(٤) ما تأثيرات تغير المناخ؟

التغير في متوسط درجة حرارة العالم هو المقياس المستخدم لقياس تغير المناخ، لكنه ليس ما يهتم به الناس. تغير المناخ مهم بسبب التغيرات الناجمة عنه حيث يعيش الناس، في مناخ موضعي وطقس وتأثيراته على الناس وعلى الأشياء التي يقدرونها؛ وبالتالي يتطلب وصف تأثيرات المناخ توقع تغير المناخ في مناطق وفصول معينة؛ حيث يشعر الناس والنظم الحساسة للمناخ بالمناخ. ولا يتطلب توقع درجة الحرارة فقط، بل يتطلب أيضًا الخصائص الأخرى للمناخ، وخاصة سقوط الأمطار. ولا يتطلب فقط توقع التغيرات في متوسط القيم السنوية، لكنه يتطلب أيضًا توقع التغيرات في دورتها الموسمية، وتنوعها وتطرفها.

تفرض هذه المتطلبات تحديات خطيرة على تصميم نموذج المناخ وتوقعه. والتوقعات تنتقل من المتوسط العالمي باتجاه المناطق الأصغر تقلُّ استفادتها من استبعاد الأخطاء على نطاق أصغر، وهكذا تكبر أخطاء التنبؤ. ومن الصعب خاصة توقع سقوط الأمطار الإقليمية؛ لأنه يمكن أن يتغير بشكل كبير في مسافات قصيرة. التغيرات الصغيرة في مسارات العواصف يمكن أن تحوِّل جذريًّا موضع سقوط الأمطار وتوزيعها الموسمي. ويتطلب توقع تأثيرات المناخ أيضًا تقدير استجابات النظم البيئية والموارد الحساسة للمناخ، مما يضيف مزيدًا من الشك على التوقعات. بالإضافة إلى ذلك، إن كثيرًا من المجالات التي يحتمل أن يؤثر فيها المناخ مثل الزراعة والغابات التجارية، تسود المعالجة الإنسانية للنظم؛ ومن ثم يتطلب تقييم تأثيرات المناخ تأمل استجابات الإنسان لتغير المناخ. ونناقش هذه القضية الأخيرة، والأبعاد الاجتماعية الاقتصادية الأخرى المتعلقة بالتأثيرات والتكيف، في الفصل التالي. ونركز هنا على التأثيرات البيوفيزيائية المباشرة لتغير المناخ الذي يمكن توقعه دون أن نضع استجابة الإنسان في الحسبان.

رغم كل الصعوبات فإننا نعرف بعض الأشياء عن تأثيرات تغير المناخ. نعرف أن بعض التأثيرات ضارٌّ وبعضها مفيد، والكثير منها مزيج — يضر بعض الناس أو الأماكن أو الأنشطة، ويفيد آخرين. توحي معظم تحليلات التأثيرات بأن التأثيرات الضارة من المحتمل أن تفوق التأثيرات المفيدة، بقدر ضئيل في الأماكن الغنية، المنضبطة جيدًا، والقابلة للتكيف، وبقدر كبير في الأماكن الأقل حظًّا. إذا كانت تغيرات المناخ كبيرة أو تحدث بسرعة، فإن التأثيرات الضارة يحتمل أن تفوق التأثيرات المفيدة باطِّراد، حتى في الأماكن الغنية والمنضبطة جيدًا. عمومًا، تختلف المعرفة كثيرًا عبر أنواع التأثير: بعضها مفهوم بشكل جيد تمامًا، وبعضها غير مفهوم. وربما تكون هناك روابط معقدة، لم تُعرف حتى الآن، ضمن النظم الحساسة للمناخ التي تخلق الهشاشة لتغير المناخ.

حيث يكون فهم التأثيرات جيدًا، غالبًا ما يرجع ذلك إلى أن التأثيرات الإقليمية أو حتى الموضعية ترتبط بقوة بالتغيرات العالمية بعمليات فيزيائية معروفة جيدًا. ثمة مثالٌ واضحٌ بشكل خاص وهو ارتفاع مستوى البحر. المناخ الذي ترتفع حرارته يرفع فيه مستوى البحر، من خلال التمدد الحراري لمياه البحر وذوبان أنهار الجليد. يوضح الشكل ٣-١٤ مجال ارتفاع الحرارة العالمية الذي يتوقع أن يتسبب في مزيدٍ من ارتفاع مستوى البحر بمقدار ١٨–٥٩سم بحلول عام ٢١٠٠م. وحيث إن ارتفاع نصف متر في المستوى العالمي للبحر، بشكل تقريبي، يعني ارتفاعًا بمقدار نصف متر في كل السواحل، يمكن بسهولة تقييم ما يعنيه ذلك في أي موضع محدد، وإن يكن بشكل تقريبي. يعتمد مدى الخطورة التي سيكون عليها الوضع في كل مكان على عوامل موضعية، مثل كمية اليابسة الساحلية المنخفضة، الاستيطان وأنماط استخدام اليابسة، وقيمة الممتلكات، والموارد المتاحة لتحقيق مزيج مناسب من حماية السواحل وتراجع منظم.
هذا المجال لتوقعات ارتفاع مستوى البحر لا يشمل أية مساهمةٍ من الفقدان المحتمل لألواح جليدية رئيسية في جرينلند وغرب أنتاركتيكا. هذه الألواح الجليدية، ويبلغ سُمكها آلاف الأقدام، يحتوي كلٌّ منها على كمية من المياه تكفي لارتفاع مستوى البحر بمقدار ٤–٦م (حوالي ١٣–٢٠ قدمًا). ومن المعروف أنه أثناء آخر فترة دافئة بين العصور الجليدية كان مستوى البحر أعلى بمقدار ٤–٦م مما هو عليه اليوم، مما يوحي بفَقْد الجليد على نطاق واسع من إحدى هذه الألواح أو من الاثنين. وحيث إن درجة الحرارة المتوقعة في الحرارة في هذا القرن تساوي درجة الحرارة في آخر عصر بين العصور الجليدية أو تزيد، فإن هذا الارتفاع في الحرارة ربما يرفع مستوى البحر عدة أمتار — في النهاية. يتعلق الشك الرئيسي، مع ذلك، بالسرعة التي يحدث بها هذا؛ لأن الاستجابة الديناميكية لهذه الألواح الجليدية فيما يتعلق بارتفاع الحرارة غير مفهومة جيدًا. الاحتمال الأفضل أن تذوب ببطء في موضعها، مثل المكعبات الجليدية الهائلة. في هذه الحالة، إذا وضعنا في الاعتبار القصور الحراري الهائل للجليد، ربما يستغرق الأمر ألف سنة أو أكثر لتذوب أنهار الجليد بالكامل. بشكل بديل، يمكن للألواح أن تهتز بعمق بارتفاع الحرارة. إحدى الآليات المحتملة أن الماء الذائب، الذي يتكون على قمة نهر الجليد أثناء الصيف، يمكن أن يذوب خلال اللوح الجليدي ويصل إلى الأعماق. وهناك، يرفع الحرارة ويدفع واجهة الصخرة الجليدية ويسمح لنهر الجليد بالتدفق بسرعة أكبر إلى المحيط. هناك اقتراحات حديثة — ومثيرة للخلاف — بأن مثل هذه العمليات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر بما يصل إلى بضعة أمتار في هذا القرن. وإذا وضعنا في الاعتبار الثقة الحالية المنخفضة بشأن آليات فقدان هذه الألواح الجليدية ومعدله، استبعدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ببساطة مساهماتها المحتملة في توقعاتها بشأن ارتفاع مستوى البحر في القرن الحادي والعشرين.
ثمة تأثير آخر يرتبط بقوة بالتغيرات على النطاق العالمي يأتي مباشرة من ارتفاع CO2 في الغلاف الجوي، وليس من تأثيره على المناخ. حوالي نصف CO2 المنبعث إلى الغلاف الجوي تمتصه المحيطات بسرعة؛ حيث يتحول إلى حمض الكربونيك، الحمض الضعيف نفسه الموجود في المشروبات الغازية. وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يواصل الارتفاع، من المؤكد حقًّا أن المحيطات سوف تصبح أكثر حموضة. وربما يكون لهذا نتائج حادة بالنسبة للأنظمة البيئية في المحيطات، من خلال إعاقة تكوين أصداف كربونات الكالسيوم والهياكل العظمية التي تعتمد عليها الكثير من الكائنات البحرية، بما في ذلك الشعب المرجانية.

تتطلب معظم التأثيرات الأخرى فحص توقعات المناخ على نطاق إقليمي أدق نسبيًّا، مع وضع الطبوجرافيا الموضعية والنظم البيئية والمناخ الحالي في الاعتبار. قد تختلف نتائج ارتفاع درجات الحرارة بضع درجات اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على إن كانت تحدث في غابة أو في صحراء. ورغم ازدياد الشك في توقعات المناخ على المستوى الإقليمي الأصغر، فإن بعض النتائج الإقليمية العامة راسخة جيدًا الآن؛ لأنها تبدو متسقة عبر الكثير من توقعات نماذج المناخ، ومؤسسة على مبادئ فيزيائية أساسية. على سبيل المثال، من المؤكد تمامًا أن حرارة القارات سوف ترتفع أكثر من المحيطات، نتيجة التأثير الملطف للسعة الحرارية الهائلة للمحيطات. تتوقع نماذج المناخ أن تكون درجة الحرارة في شمال أمريكا الشمالية وأوراسيا أعلى من المتوسط العالمي بأكثر من ٤٠٪. تشمل أخرى موثوق فيها أن تتعرض معظم مساحات اليابسة أكثر لأيام وليالٍ حارة جدًّا وموجات حارة؛ وأن يكون ارتفاع الحرارة أكبر في الليل من النهار وأكبر في الشتاء من الصيف، وهكذا يقلُّ مدى درجات الحرارة اليومية والسنوية؛ وأن يكون ارتفاع الحرارة أكبر في خطوط العرض المتوسطة والمرتفعة، وخاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، أكثر من المناطق الاستوائية.

إن مناطق القطب الشمالي والمناطق القريبة منه تتعرَّض بالفعل لارتفاعٍ شديدٍ في الحرارة، مع تأثيرات حادة على الكثير من الموارد والأنشطة. لقد أدى ذوبان الجليد، تراجع جليد البحر وانخفاض سمكه من الزيادة الناجمة في تآكل السواحل واضطراب النظم البيئية البحرية، وقصر مواسم انتقال الثلوج في البحيرات والأنهار، إلى اضطراب هائل. ومن المرجَّح أن تزداد سرعة هذه العمليات في ظل الارتفاع الإضافي الكبير المتوقع في الحرارة في مناطق القطب الشمالي في هذا القرن. تتوقع كل نماذج المناخ تراجعًا مستمرًّا لجليد البحر في القطب الشمالي خلال القرن، وسيصبح القطب الشمالي خاليًا تمامًا من الجليد في الصيف ربما خلال بضعة عقود. لفقدان جليد البحر في القطب الشمالي في الصيف نتائج تتعلق بالدورة العالمية للمحيطات والمناخ، ومن المحتمل أن تكون نتائج هائلة، رغم عدم فهمها حتى الآن.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون للمحيط القطبي الشمالي الصالح للملاحة بشكلٍ جزئي تأثيرات هائلة على الملاحة، وتطور مناطق القطب الشمالي، والعمليات العسكرية والأمن. وربما يحدث هذا حتى بشكل أسرع مما تتوقع النماذج. في صيف ٢٠٠٧م، ذاب قدر كافٍ من الجليد لفتح «الممر الشمالي الغربي» عبر الجزر الكندية في القطب الشمالي. ومن الطبيعي ألَّا يتمكن من عبور هذا الممر إلا كسارات الجليد، وهو طريق من القطب الشمالي إلى المحيط الهادي، أو من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، أقصر بكثير من الإبحار عبر قناة بنما أو حول كيب هورن. إذا وضعنا في الاعتبار المزيد من الارتفاع شبه المؤكد في حرارة القطب الشمالي، فسيكون من المرجح تمامًا أن يبقى هذا الممر مفتوحًا، وفي القريب قد يبقى مفتوحًا كل سنة. فقدان جليد البحر في القطب الشمالي ربما يكون بداية للاندفاع إلى استغلال موارد طبيعية كان الوصول إليها مستحيلًا من قبل، بما في ذلك احتياطيات هائلة من البترول والغاز، مما يحمل احتمالًا كبيرًا للصراع الدولي. في ٢٠٠٧م، ادَّعَت روسيا الحق في موارد القطب الشمالي بوضع علمٍ على قاع المحيط بالقرب من القطب الشمالي، وهو ادعاء عارضته كندا والدنمرك.

في مناطق القارات عند خطوط العرض المتوسطة من المتوقع أن تتعرض لارتفاع كبير في الحرارة (على سبيل المثال، ٣–٦ درجات مئوية على أرض الولايات المتحدة)، رغم اختلاف التوقعات تمامًا بشأن كيفية توزيع متوسط هذا الارتفاع في الحرارة عبر القارات. سوف تؤدي درجات الحرارة الأعلى في الصيف والرطوبة الأعلى معًا إلى زيادة كبيرة في مؤشر حرارة الصيف، وهو مقياس يجمع بين الحرارة والرطوبة لتقدير الإحساس بمدى سخونة الجو. تتوقع بعض النماذج زيادة تصل إلى ٥–١٤ درجة مئوية في مؤشر الحرارة في يوليو في جنوب شرق الولايات المتحدة. إذا كنت تعيش هناك، تعرف سوء ذلك.

رغم صعوبة تقليد هطول الأمطار في نماذج المناخ، يتوقع بثقة حدوث بعض التغيرات في هطول الأمطار. من المرجح تمامًا أن يزيد هطول الأمطار في خطوط العرض المرتفعة، ويقل في المناطق شبه القارية (خطوط عرض من ٢٠ إلى ٣٠، حيث تقع الصحراوات الكبرى في العالم)، مواصلًا الميول الحديثة. ويتواصل أيضًا الميل الذي حدث في القرن العشرين، من المرجح أن ينهمر المطر بأغزر ما يكون، مما يؤدي إلى مزيد من التآكل وزيادة أخطار الفيضانات والانهيارات الأرضية. حين ينهمر المطر بغزارة شديدة، يتدفق معظمه وتمتص التربة قدرًا أقل أو يخزن في الخزانات متحدًا مع درجات الحرارة الأعلى في الصيف، التي تزيد من فقدان الماء من التربة من خلال البخر، يؤدي هذا إلى التوقع المدهش بأن أقصى درجات الرطوبة وأقصى درجات الجفاف تكون أكثر احتمالًا: أقصى درجات الرطوبة، مع ما يصاحبها من أخطار الفيضانات، وزيادة التآكل، والانهيارات الأرضية؛ وأقصى درجات الجفاف، مع ما يصاحبه من أخطار نقص المياه، وضياع المحاصيل، والحرائق الهائلة، وزيادة قابلية تعرض المحاصيل والغابات للأوبئة والأمراض.

في بعض الحالات، ربما تتضح النتائج العريضة لهذه التأثيرات البيوفيزيائية المباشرة لتغير المناخ العالمي على شئون الإنسان. وفي حالات أخرى، يتطلب فهمها تحليلًا تفصيليًّا لسلوك النظم الحساسة للمناخ. على سبيل المثال، من الواضح أن التغيرات في كمية الأمطار وموضعها وتوقيتها يمكن أن توفر الماء العذب، لكن التوقعات الكمية لتغيرات المياه العذبة ونتائجها تتطلب دراسة تفصيلية للنظم الخاصة بالمياه، بما في ذلك كيفية تعامل البشر معها.

تقدم دراسة عن تأثيرات المناخ على نهر كولومبيا في الولايات المتحدة شمال غرب المحيط الهادي؛ مثالًا مهمًّا لنوع التحليل المطلوب. بينما توقعَت تغيراتٍ في هذا القرن في مجمل الأمطار السنوية، وأن يكون تدفق المياه في نهر كولومبيا قليلًا، فقد توقعت أن مواسم شتاء أكثر رطوبة وحرارة، ومواسم صيف أكثر سخونة وجفافًا، من المرجح أن تحول النمط الموسمي لتدفق المياه. وحيث إن معظم المياه تتدفق في نهر كولومبيا من ذوبان الجليد المتراكم في الشتاء، فإن تدفُّقه يبلغ الذروة الآن في أواخر الربيع. وفي ظل مواسم الشتاء التي يُتوقَّع أن ترتفع فيها الحرارة، فإن معظم ما ينهمر في الشتاء سيكون مطرًا لا ثلوجًا، مما يؤدي إلى زيادة تدفق المياه في الشتاء؛ حيث تكون المياه غزيرةً بالفعل في المنطقة، ويقل في الصيف، حيث تكون المنطقة نادرة المياه بشكلٍ حاد. ومن المرجح أن تحدث تغيرات مماثلة في مناطق أخرى تحصل على حاجتها من المياه أثناء الصيف الجاف، بالاعتماد على الأنهار التي تغذيها الثلوج، مما يلقي الضوء ليس فقط على أهمية فحص مجمل كمية المياه السنوية المتوفرة، بل وفحص التدفق الموسمي أيضًا.

مما لا شك فيه أن تغير المناخ سوف يؤثر على النظم البيئية الطبيعية، أو التي لا يمكن السيطرة عليها. يتأثر توزيع النباتات والحيوانات وأنواع الميكروبات بعوامل كثيرة، لكن المناخ محدِّدٌ رئيسي. سوف يؤثر المناخ المتغير على الكثير من أوجه التكاثر والسلوك وقابلية الأنواع للحياة بطرقٍ مختلفة؛ ومن ثم يغير المجال الفضائي للنوع والعلاقات بين الأنواع. تتوفر أدلة كثيرة على أن هذه التغيرات جاريةٌ بالفعل استجابة للتغير الحديث في المناخ، بما في ذلك تحولات مجالات الأنواع باتجاه القطبَين وخطوط العرض الأعلى، وتغيرات في توقيت الأحداث الموسمية من قبيل ازدهار أوراق الأشجار وسقوطها، ووضع البيض.

في ظل التغير المستمر في المناخ، لن تنتقل النظم البيئية الحالية سليمة ببساطة إلى مواضع جديدة لتتتبع المناخ الملائم لها. في الحقيقة، سوف يتأثر كل نوع في النظام البيئي بطرقٍ خاصة. قد يهاجر البعض بسهولة، بينما قد تعجز أنواع أخرى عن الحركة بسرعة تكفي للسير خطوةً بخطوة مع المناخ المتغير. سوف تتواءم مجالات الأنواع بمعدلاتٍ مختلفةٍ وبعملياتٍ مختلفة، في حالات كثيرة تخضع لتدخل الإنسان ولقيود مثل تغير استخدام اليابسة، والحواجز، والنقل الدولي أو العشوائي.

سوف تكون النتيجة النهائية اضطراب النظم البيئية الحالية بشكل مستمر وإعادة تنظيمها، مع علاقات جديدة بين المقيمين والواصلين الجدد الذين يعاد توطينهم باستمرار في كل مكان. في بعض الحالات، ربما تكون التجمعات الجديدة مماثلة بشكل كبير للنظم الحالية؛ بحيث لا يكون الاعتقاد بأن النظم الحالية تتحول ببساطة (على سبيل المثال، تتحول الغابات الخليط المعتدلة شمالًا في المنطقة الجليدية الشمالية الحالية) مضللًا جدًّا. ومع ذلك، في حالات أخرى ربما تكون النظم الجديدة مختلفة عن النظم البيئية الحالية، عارضة علاقات جديدة بين الأنواع، أو انقراض أنواع تنتشر في نطاق جغرافي أو مناخي ضيق، أو أمور بيئية أخرى تثير الدهشة. النتائج بالنسبة لخدمات النظم البيئية من قبيل حجز المياه ودورة الغذاء، وبالنسبة لمتع النظم البيئية من قبيل فرص لاستخدامات الإنسان والاستجمام، من المرجح أن تكون جوهرية. ومن المرجح أن تُفقَد بعض أنواع النظم البيئية تمامًا، نتيجة القيود أو الحدود الفيزيائية على حركة أنواع أساسية، أو الفقد الكامل للظروف المناخية المطلوبة. في الولايات المتحدة، تشمل النظم البيئية المهددة بالفقد الكامل أو بما يقترب منه، النظم الشاهقة في الولايات الثماني والأربعين المنخفضة، وأشجار المنجروف على الساحل والصخور الساحلية.

ثمة عامل مهم بشكل خاص في تأثيرات نظم المناخ وهو معدل تغير المناخ. تكيَّفت النظم البيئية مع اختلافات المناخ في الماضي، لكن تغيرات الماضي كانت عمومًا أبطأ بكثير من تلك المتوقعة بالنسبة للقرن الحالي. من المؤكد حقًّا أن النظم البيئية سوف تتكيف بسهولة أقلَّ مع التغيرات السريعة المتوقعة من تكيفها مع التغيرات البطيئة في آخر بضعة آلاف من السنين. ما هو موضع شك هو مقدار قلة السهولة، والنتائج المصاحبة لها.

النظم التي تدار لاستخدام الإنسان، مثل الزراعة والغابات التجارية، والمراعي والأنظمة المائية والبحرية (مصائد الأسماك … إلخ)، حساسة أيضًا للمناخ والتغيرات المرتبطة به، لكن إدارة البشر تهيمن عليها. ولهذا نتيجتان بالنسبة للتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ، تعملان في اتجاهَين متضادَّين. من ناحية، ربما يكون لاضطراب هذه النظم نتيجة تغير المناخ تأثيرات شديدة على الإنسان؛ لأننا نعتمد عليهم بقدرٍ كبير جدًّا. ومن الناحية الأخرى، تقدم القدرة على مواءمة ممارسات الإدارة للظروف المتغيرة احتمالية تعديل هذه التأثيرات الضارة. ونناقش القضايا المرتبطة بتأثيرات المناخ والتكيف في الفصل التالي.

يمكن أن نلخص بشكل تقريبي المعرفة الحالية بشأن تأثيرات تغير المناخ على النحو التالي. بالنسبة للبلاد الغنية في خطوط العرض المتوسطة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، ربما تتراوح تأثيرات المناخ في هذا القرن من تأثيرات صغيرة إلى شديدة. ومع أن هذه البلاد تتمتع بقدرةٍ كبيرةٍ مالية وتكنولوجية وإدارية وسياسية على التكيف مع التأثيرات الضارة — إلا إذا وقع تغير المناخ بالقرب من قمة المجال المتوقع الموضح في الشكل ٣-١٤، وفي هذه الحالة حتى هذه البلاد من المرجح أن تواجه تحديات خطيرة. البلاد الأفقر، وتقع غالبًا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، من المتوقع أن تواجه تغيرات مناخية مختلفة في التفاصيل، لكنها على الأقل تحتاج إلى تحديات بقدر ما تحتاج تلك المتوقعة بالنسبة للبلاد الواقعة على خطوط عرض متوسطة. ولأن هذه البلاد لديها موارد أقل للتكيُّف مع التأثيرات، فإن النتائج بالنسبة لها ربما تكون شديدةً حتى بالنسبة لتغير المناخ بالقرب من النهاية الدنيا للمجال المتوقع.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم جدًّا أن نلاحظ أن تغير المناخ، مع أن معظم الرسوم البيانية في القسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين] تتوقف في ٢١٠٠م، لا يتوقف عندها. في ظل كل سيناريوهات الانبعاث غير المقيد، يستمر CO2 في الغلاف الجوي ودرجات الحرارة في الارتفاع بعد سنة ٢١٠٠م. ورغم زيادة الشكوك بشأن توقعات المناخ ونحن نتطلع أكثر إلى المستقبل، فإن التحليلات التي نظرت إلى ما بعد ٢١٠٠م توحي بأن تغير المناخ وتأثيراته سوف تزداد بشدة. هناك أدلة متنامية على فوائد نمو النباتات من ارتفاع CO2 على مدار الزمن وهو يواصل الارتفاع، بينما تستمر التأكيدات من تغير المناخ في الزيادة؛ وبالتالي إلا إذا كان هناك مستوًى متطرفٌ من التقدم التكنولوجي والاقتصادي، يحررنا من الاعتماد على أي شيء يشبه المحاصيل في الحقول أو الغابات الطبيعية نسبيًّا — وهو ربما يحدث بشكل جيد، حيث إن ١٠٠ سنة يمكن أن تجلب معها تغيرات اقتصادية وتكنولوجية هائلة — تبدو تأثيرات التغيرات غير المحدودة في المناخ بعد ٢١٠٠م خطيرة بشكل متزايد، ولا يبدو أن هناك احتمالًا لمعالجتها، حتى بالنسبة للبلاد الغنية في العالم.

أخيرًا، من الضروري أيضًا نفكر في احتمالية مفاجآت المناخ: عواقب شديدة، أو تغيرات فجائية محتملة تبدو غير مرجحة تمامًا (لكن لا يمكن استبعادها)، أو قد نفشل تمامًا في التنبؤ بها. من أمثلة هذه الأحداث المتطرفة المحتملة، كما ناقشنا من قبل، الفقدان السريع للوح جليدي أساسي في جرينلند أو غرب أنتاركتيكا، مما يرفع مستويات سطح البحر في العالم عدة أمتار على مدار القرن. سيمثل الغمر الناتج للمناطق الساحلية على نطاق العالم كارثة بيئية وإنسانية لا يمكن تصورها. وتشمل الأحداث الأخرى المتطرفة المحتملة التي تم افتراضها إعادة التنظيم على نطاق واسع لدورة المحيطات، أو تغذية رجعية إيجابية كبيرة تربط ارتفاع الحرارة بالتغيرات في الدورة العالمية للكربون. بالنسبة لكل هذه الحالات، يرى حاليًّا معظم الخبراء الذين لهم علاقة بالموضوع أن هذه الأحداث من غير المرجح أن تحدث في هذا القرن، لكن احتمال حدوثها غير مفهوم ولا يمكن تجاهلها بوضوح.

(٥) المقولات المضادة

لخص هذا الفصل حالة المعرفة في المسائل العلمية الأساسية التي تدعم الاهتمام بتغير المناخ، بما في ذلك الأدلة على ارتفاع حرارة الأرض، وعلى أن انبعاث غازات البيوت الزجاجية من أنشطة الإنسان يمثِّل السبب الرئيسي، وأن ارتفاع الحرارة سوف يستمر على مدى القرن الحالي، ورغم الشك في المعدل والتفاصيل المتعلقة بالمناطق بشأن تغير المناخ في المستقبل، هناك خطر كبير لحدوث تأثيرات خطيرة وربما حادة. ننهي الفصل بملاحظة أن هناك تصريحات شائعة على نطاق واسع في مناظرات سياسة المناخ تنكر كل هذه النقاط. ويعلن هذه التصريحاتِ أحيانًا ممثلو السياسة الذين يعارضون القيام بإجراءات بشأن تغير المناخ، وأحيانًا أناس معهم شهادات علمية يدعون التعبير عن انتقادات علمية، كثيرًا ما يوصفون بأنهم «المتشككون في تغير المناخ» أو «ناكرو تغير المناخ». لا يؤكدون فقط أن الرأي الشائع عن تغير المناخ، الملخص سابقًا، خطأ، بل يؤكدون أيضًا على أن الإجماع العلمي المفترض في هذه النقاط لا يوجد فعليًّا، لكنه محاولة لقمع المعارضة العلمية المشروعة لصالح أجندة سياسية نشطة.

في هذا القسم، نراجع القليل من أبرز هذه المقولات ونناقش السبب الذي يجعلنا نعتقد بثقة أنها خطأ. والمرء يقرأ هذا القسم، هناك تحذيران. الأول: إننا لا نجادل في أن المعرفة الحالية عن المناخ كاملة. هناك الكثير من الشك والمعارضة في علم المناخ، كما هو الحال في أي حقلٍ علمي نشط، حيث يعثر المرء على المسائل المهمة التي يهتم بها العلماء، لكن هناك أيضًا الكثير من النقاط بشأن علم المناخ معروفة بثقة عظيمة. التحذير الثاني: لا نرى أن التساؤلَ بشأن المعرفة العلمية ذات المخاطر المرتفعة بالنسبة لرفاهية الشعب وعمله، حتى بالنسبة للنقاط التي يبدو أنها راسخة تمامًا، انعدامٌ للمسئولية أو الأمانة. يمكن للتعليقات التي تحمل انتقادات شديدة أن تكون قيمة في تحديد نقاط الضعف في الفَهْم الحالي — حين تتأسس على معرفة مناسبة وتستخدم المعايير العلمية للمناقشة — وحتى الفرضيات الغريبة يتبين أحيانًا أنها صحيحة (مع إنها ليست صحيحةً عادة).

لكن المقولات الرئيسية التي تشكِّك في المناخ، في معظمها، لا تتطور بأسلوب أو وضع يقدم أية نظرة للمساهمة في المناظرة، أو تلقي الضوء على فرضيات لم تختبر، أو مطورة معلومات. إنها لا تقدم عادة في ساحات علمية على الإطلاق، لكن في مقالات صحفية، أو في الإنترنت، أو منافذ أخرى حيث معايير الأدلة والجدل ضعيفة وليست هناك مراجعة من الرفاق. قد تبدو مقنعة؛ لأنها قد تبدو معقولة لغير المطلعين على المناظرات العلمية، ولأنها تصاحب غالبًا بمجادلات سياسية واسعة، أو أدوات بلاغية قوية من قبيل الخطب التحريضية أو هجمات طبقًا للأهواء الشخصية. في حالات قليلة، قدمت انتقادات تبين عند فحصها أنها صحيحة، لكنها غير مهمة. في أخرى، استخدمت بيانات منحازة من قبيل موعد بداية ونهاية بشكل انتقائي لمقولات الميول، أو قدمت مقولات غير مدعومة، وغريبة، وسبق رفضها، أو واضحة الخطأ. غالبًا ما أعطى ميل وسائل الإعلام لخلق توازن بشكل غير نقدي بين الآراء المتعارضة هذه المقولات الهامشية واضحة الخطأ، المكانة نفسها التي يعطيها للآراء العلمية المدعومة التي تحظى بالإجماع.

تنتشر كثير من هذه المقولات، وتتغير عبر الزمن. هنا، نلخص بعض أبرز هذه المقولات التي قدِّمت باعتبارها مقولات علمية خلال آخر بضع سنوات، ونشرح لماذا نؤمن بثقة (أو في بعض الحالات بشكل مؤكد) أنها خطأ.

مقولة ١: حرارة الأرض لا ترتفع، أو ارتفاع حرارة العالم توقَّف.

انتشرت المقولات التي تنكر الدليل على أن حرارة الأرض ترتفع بشكلٍ مستمرٍّ إلى حدٍّ ما لعقود، لكن صيغتها الدقيقة تطوَّرَت عبر الزمن والأدلة على ارتفاع الحرارة تتراكم. حتى بضع سنوات مضت، أنكر بعض المؤيدين لهذه المقولات ببساطة تعرض الأرض لأي ارتفاع في الحرارة على الإطلاق. ودُعِمتْ هذه المقولة أحيانًا بتحليل مناطق صغيرة؛ حيث يحدث انخفاض فعلي في درجة الحرارة. لا تصحُّ هذه المناطق دليلًا على الميول العالمية مع ذلك؛ لأن الميول في مناطق صغيرة يمكن أن تختلف بشدة عن الميول العالمية، وربما تمضي حتى في الاتجاه المضاد. وكثيرًا ما دُعِمت المقولة أيضًا بتحليلات مبكرة لبيانات الأقمار الصناعية، المنشورة في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وقد كشفت عن ميل عالمي لانخفاض الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، لكن المزيد من فحص هذا الميل المستنتج عن بيانات الأقمار الصناعية كشف عدة أخطاء خطيرة في النتائج المبكرة، مثل الفشل في التصويب بالنسبة للتغيرات في مدار القمر الصناعي. أدى تصويب هذه الأخطاء، بالإضافة إلى تراكم المزيد من البيانات عبر السنوات، إلى اتفاقٍ معقولٍ بين سجلات الأقمار الصناعية وسجلات ترمومترات السطح، ويظهر الاثنان ارتفاعًا في الحرارة، كما ناقشنا ذلك في القسم [قياس درجات الحرارة بالقمر الصناعي].

يعترف التنوع الأحدث لهذه المقولة بأن حرارة الأرض ارتفعت في القرن الماضي، لكنها تقول إن ذلك الارتفاع في الحرارة توقَّف في ١٩٩٨م — أو حتى، في حالات متطرفة، إن الأرض منذ ١٩٩٨م دخلَتْ فترة جديدة من انخفاض الحرارة، وربما تتجه إلى عصر جليدي آخر. من الصحيح أن سنة ١٩٩٨م كانت سنة حارة بشكل استثنائي، ربما نتيجة النينو الأكبر في القرن العشرين. منذ سنة ١٩٩٨م لم تأتِ سنة أعلى حرارة منها، رغم أن ٢٠٠٥م تساوت معها.٤

لكن حتى لو لم تأتِ سنة ت، في درجة الحرارة مع سنة ١٩٩٨م، فإن ذلك لا يعني أن «الارتفاع العالمي في الحرارة» توقَّف. بالإضافة إلى الميل الجاري في ارتفاع الحرارة طويل المدى، يتذبذب متوسط درجة حرارة العالم من سنة إلى سنة؛ نتيجة للنينو والأشكال الأخرى من تنوع المناخ. في السنوات الحديثة كان الميل لارتفاع الحرارة بمقدار ٠٫٢ درجة مئوية في العقد أو ٠٫٠٢ درجة مئوية في السنة، بين الاختلافات من سنة إلى سنة حوالي ٠٫١-٠٫٢ درجة مئوية في السنة — أكبر من خمسة أضعاف إلى عشرة أضعاف؛ وبالتالي على مدار فترة لا تتجاوز بضع سنوات، يمكن أن تفوق الاختلافات الكبيرة من سنةٍ إلى سنةٍ الميل طويل المدى. وكانت هناك مرات كثيرة منذ القرن التاسع عشر لا يتم تجاوز سنة متطرفة لمدة عقد آخر أو نحو ذلك.

على مدار فترات أطول، يصل معدل الاختلافات من سنة إلى أخرى إلى صفر، بينما يستمر ارتفاع حرارة العالم إلى دفع درجة الحرارة إلى أعلى. على مدى فترات من عدة عقود، تتفوق إشارة ارتفاع حرارة الأرض على الاختلاف الداخلي. وهذا ما يجعل العلماء يحللون دائمًا سلسلة الزمن، ويبلغ طولها عدة عقود ليقيموا تأثير تغير المناخ. بالتأكيد ليس على المرء أن يعتمد على استنتاجاتٍ من بضع سنوات جاءت مباشرة بعد سنة شديدة الحرارة مثل ١٩٩٨م. في الحقيقة، يوضح الشكل ٣-١ أن ارتفاع الحرارة استمر، وأن درجة الحرارة المرتفعة التي كانت استثنائية في ١٩٩٨م تصبح معتادةً بسرعة، ومن المرجح تمامًا سوف تتجاوزها سريعًا سنوات أكثر حرارة.

لاحظ أن كل هذه الصور لمقولة أن حرارة الأرض لا ترتفع (حين لا تكون خطأ ببساطة) تتأسس على انتقاء جزءٍ صغيرٍ من البيانات المتوفرة — مصدر واحد للبيانات، أو منطقة محدودة، أو بضع سنوات بعد سنة استثنائية — وتدعي أن هذا يدحض الأدلة في بقية السجل. وهذا الاستخدام الانتقائي للبيانات يجعل كل هذه المقولات مضللةً أو خطأ. يعتمد استنتاج أن حرارة الأرض ترتفع على حجم هائل من بيانات مصادر متعددة، على الأرض كلها في فترة ممتدة، ولا يمكن دحض هذا الاستنتاج بهذا الانتقاء المحدود من البيانات.

المقولة ٢: ربما ترتفع حرارة الأرض، لكن السبب اختلاف المناخ، أو زيادة كثافة ضوء الشمس، أو عملية طبيعية أخرى — وليس أنشطة الإنسان.
يقبل هذا الجدل أدلة ارتفاع حرارة الأرض، ويرفض نسبتها إلى أسباب تتعلق بالإنسان. مثل المقولة التي تنكر حدوث ارتفاع الحرارة، تأتي هذه المقولة في بضع صيغ مترابطة. تقبل صيغة أن ارتفاع الحرارة يحدث نتيجة CO2 في الغلاف الجوي، لكنها تقول: إن زيادة CO2 في الغلاف الجوي ناتجةٌ عن مصدر طبيعي، وليس نتيجة استخدام الوقود الحفري. وهذه المقولة تتعارض مع كل الأدلة المتوفرة. يمكن ملاحظة الانبعاث من الوقود الحفري يدخل في الغلاف الجوي، والزيادة في الغلاف الجوي تساوي مصدر الوقود الحفري في الكمية، وخليط النظائر، والتوقيت. لتكون زيادة CO2 في الغلاف الجوي عملية طبيعية، ينبغي أن تكون عملية توقيتها وكميتها قد اقتفت بدقة استخدام الإنسان للوقود الحفري، وينبغي أن تأتي بتفسير لمكان غير الغلاف الجوي، ذهب إليه كل الكربون الناتج عن احتراق الوقود الحفري. وهذا بلا معنًى على الإطلاق.
تقبل الصيغ الأخرى لهذه المقولة زيادة CO2 في الغلاف الجوي باعتباره من عمل الإنسان، لكنها ترفض اعتبار هذه الزيادة سببًا للتغير الملحوظ في المناخ. يتطلب هذا سببًا طبيعيًّا بديلًا لهذا الارتفاع الملحوظ في الحرارة، ومن هذه الأسباب هناك اثنان أكثر شيوعًا: الاختلاف الطبيعي، وزيادة نشاط الشمس. رأى مؤيدو الاختلاف الطبيعي أن ارتفاع الحرارة في القرن العشرين خروج مستمر من آخر ذروة عصر جليدي منذ ٢٠٠٠٠ سنة، أو خروج من فترة برودة حديثة استمرت لعدة قرون تسمى «العصر شبه الجليدي»، أو جزء من دورة تحدث بشكل طبيعي كل ١٥٠٠ سنة.

كما ناقشنا في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟]، رُفِض الاختلاف الطبيعي باعتباره مساهمًا مهمًّا في الارتفاع الحديث في الحرارة لعدة أسباب، بما في ذلك حقيقة أن سجلات تغير المناخ قبل القرن التاسع عشر، أو نماذج المناخ من دون انبعاث غازات البيوت الزجاجية، تكشف عن أي أنماط من الاختلاف يشبه الارتفاع الحديث السريع في الحرارة. المقولة الخاصة بأن الارتفاع الحديث في الحرارة «خروج» من فترة برودة سابقة، تفترض أن المناخ له حالة طبيعية يعود إليها بعد فترات أكثر حرارة أو برودة، مثلما يعود ربيع ممتد إلى طوله الطبيعي. قد يبدو هذا بديهيًّا، لكن ليس له أساس في سجل المناخ في الماضي أو فيزياء الغلاف الجوي. لا توجد قوة استعادة طبيعية تدفع المناخ الأعلى حرارة إلى فترة باردة مثل العصر شبه الجليدي. لا بد أن يكون لتغير المناخ كله، سواء كان طبيعيًّا أو من صنع الإنسان، سبب فيزيائي يفسره، لكن من يقدمون هذا الجدل لا يحددون آلية في العادة. وفي الحقيقة، الآلية الوحيدة التي حُدِّدتْ ويمكن أن تفسر الارتفاع الحديث في الحرارة هي تأثير ارتفاع غازات البيوت الزجاجية. وكما ناقشنا في القسم [هل أنشطة الإنسان مسئولة عن التغيرات الملحوظة؟]، كل الآليات الطبيعية المعروفة فُحِصتْ بدقة، وفشلت في تفسير الارتفاع الحديث الملحوظ في الحرارة.

حين تُفترَض آلية غير إنسانية، تكون عادة أن الشمس صارَت أكثر سطوعًا. وهناك أسباب كثيرة لرفض هذه المقولة، لكن يبرز سببان؛ الأول: يقاس نتاج الشمس منذ سبعينيات القرن العشرين، ويوضح ذلك أنه لا يوجد ميل منذ ذلك الوقت يمكن أن يفسر أكثر من كسر ضئيل من الارتفاع الملحوظ في الحرارة. الثاني: تغير المناخ نتيجة الشمس يرفع حرارة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وطبقة الاستراتوسفير، لكن الميول الملحوظة تتمثل في ارتفاع حرارة السطح والطبقة السفلى من الغلاف الجوي وانخفاض حرارة الاستراتوسفير. بتعبيرٍ آخر، ما نراه متوائمًا مع ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية، لكنه لا يتواءم مع ارتفاع الحرارة نتيجة الشمس.

بالإضافة إلى ذلك، أية مقولة عن أن الارتفاع الحالي في الحرارة ظاهرة طبيعية ينبغي أن يفسر لماذا لا يسبب المصدر الواضح لارتفاع الحرارة، وهو زيادة غازات البيوت الزجاجية، ارتفاع الحرارة. تذكَّر أن الأدلة على ارتفاع الحرارة نتيجة غازات البيوت الزجاجية تعتمد على ثلاثة أسس قوية: تقول الفيزياء الأساسية إن غازات البيوت الزجاجية يجب أن تحدث ارتفاعًا في الحرارة؛ وحدوث ارتفاع الحرارة، وتأثيرات نماذج غازات البيوت الزجاجية تنتج كميًّا الارتفاع الملحوظ في الحرارة. على ضوء هذه الأدلة، أية مقولة تقول إن عاملًا آخر يسبب ارتفاع الحرارة عليها أن تلبي شرطَين أساسيَّين. لا بد أن توضح كيفية عمل الآلية المفترضة؛ ولا بد أن تفسر أيضًا لماذا لا تسبب غازات البيوت الزجاجية، مع خصائصها الامتصاصية المعروفة، ارتفاع الحرارة كما هو متوقع. ليس هناك سبب بديل معلن نجح في تلبية أي جزء من هذا الشرط. تسببت عوامل طبيعية أخرى بشكل واضح في الاختلافات الكبرى في المناخ في الماضي، وربما تلعب دورًا ما في الارتفاع الحديث في الحرارة — لكن هذا الدور صغير غالبًا.

المقولة ٣: ارتفاع الحرارة في المستقبل صغير. وحتى إذا كانت أنشطة الإنسان قد أدت إلى ارتفاع الحرارة مؤخرًا، فإن المزيد من ارتفاع الحرارة في هذا القرن وما بعده سوف يقع قرب قاع المجال المتوقع، وربما تحته.

مثل المقولتين السابقتين، تأتي هذه المقولة أيضًا في صيغتين؛ الأولى: تؤكد أن حساسية المناخ أقل بكثير مما يُعتقَد الآن، وهكذا لن ترتفع حرارة الأرض كثيرًا حتى لو استمرت وفرة غازات البيوت الزجاجية في الزيادة. وتؤكد الثانية على أن توقعات الانبعاث الحالي مرتفعة جدًّا: سوف يزداد الانبعاث ببطء أو يتراجع، حتى دون جهود للحد منه.

كما ناقشنا في الفصل الأول، من المرجح أن تقع حساسية المناخ في مجال يتراوح ٢–٤٫٥ درجات مئوية. منها، التأثير الإشعاعي المباشر لغازات البيوت الزجاجية مسئول عن ١ درجة مئوية، ويأتي الباقي، والمشكوك فيه، من التغذية الرجعية في نظام المناخ. وأقواها التغذية الرجعية الإيجابية من بخار الماء، التي تضاعف تقريبًا التأثير المباشر لغازات البيوت الزجاجية: ارتفاع الحرارة يزيد البخر، مما يسبب المزيد من ارتفاع الحرارة لأن بخار الماء من غازات البيوت الزجاجية. يقع مجال الحساسية الحالية فوق ١ درجة مئوية؛ لأن توازن الأدلة والأحكام العلمية يشير إلى أن التأثير النهائي لكل التغذية الرجعية للمناخ إيجابي وقوي. حتى تقع الحساسية تحت درجتَين مئويَّتين بكثير، ينبغي أن تكون هناك تغذية رجعية سلبية في موضع ما في نظام المناخ لم يتم تحديدها بعد.

ماذا يمكن أن يكون هذا؟ يشمل أكثر الأسباب المرشحة قبولًا تغيرات في خصائص السحب. للأنواع المختلفة من السحب على ارتفاع مختلف تأثيرات مختلفة على المناخ، يساهم بعضها بارتفاع الحرارة وبعضها بانخفاضها في المحصلة النهائية. إجمالًا، تخفض السحب حاليًّا حرارة الأرض بما يتراوح من ٢٠ إلى ٣٠ وات/م٢. إذا زاد خفض السحب للحرارة بشكل حادٍّ وحرارة المناخ مرتفعة، فإن هذا قد يؤدي إلى معادلة ارتفاع الحرارة نتيجة زيادة غازات البيوت الزجاجية. على مدار آخر عشر سنوات، قُدِّمتْ عدة مقترحات لمثل هذه التغذية الرجعية السلبية، لكن لا توجد أدلة لدعمها. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب أن نوفق بين وجود تغذية رجعية سلبية كبيرة، تساعد بقوة على استقرار المناخ، مع نوبات كبيرة من ارتفاع الحرارة وانخفاضها، النوبات التي تُرى في سجل المناخ على مدار آخر مليون سنة.

لم ينتهِ الجدل تمامًا، لكن حشد الأدلة يستمر في الإشارة إلى أن المحصلة النهائية للتغذية الرجعية إيجابية. أوحى أحيانًا أنصار التغذية الرجعية السلبية القوية بأن الجدل استقر لصالحهم؛ وبالتالي تكون التوقعات الحالية لارتفاع الحرارة عالية جدًّا. هذه المقولات تسيء بشكل كبير تمثيل حالة المعرفة العلمية. لم تستقر المسألة تمامًا، ومن يحتمل أن توجد تغذية رجعية سلبية كبيرة متعلقة بالسحب، لكن توازن الدليل وحكم الخبرة يقعان قريبًا جدًّا من الاستنتاج المضاد، لا توجد مثل هذه التغذية الرجعية. مجال الحساسية المعلن، ٢–٤٫٥ درجات مئوية، وهو مجال واسع جدًّا، تمثيل دقيق للتوزيع الحالي لرأي الخبراء في هذه المسألة موضع الشك.

بشكل بديل، ادعى بعض الكتاب أن المناخ لن يتغير أكثر لأن الانبعاث سوف يزيد بشكل ضئيل، إذا زاد، حتى من دون جهد للحد منه. هذه ليست مقولة علمية دقيقة، لكنها ذات أهمية بالغة فيما يتعلق بالضرورة الملحة للحد من الانبعاث. أفضل الأدلة التي تدعم هذه المقولة أنه خلال عدة سنوات في تسعينيات القرن العشرين، زاد الانبعاث العالمي أبطأ مما توقعته سيناريوهات سابقة، لكن منذ سنة ٢٠٠٠م سار نمو الانبعاث عند سيناريوهات الانبعاث الأعلى أو أعلى منها من أواخر تسعينيات القرن العشرين، والتحولات الحديثة للعودة باتجاه الوقود عالي الكربون توحي بأن هذه السيناريوهات من المرجح أن تكون منخفضة جدًّا أكثر من أن تكون مرتفعة جدًّا.

ومع ذلك، تغطي سيناريوهات الانبعاث في المستقبل مجالًا واسعًا؛ لأن هناك بدقة الكثير من الشك بشأن العوامل الدافعة لها، كما نناقش في الفصل التالي. بالإضافة إلى ذلك، حيث إن من الثابت تمامًا أن الناس يميلون إلى تقدير الكميات المشكوك فيها بثقة شديدة، فإن الشك الحقيقي في الانبعاث في المستقبل ربما يكون أوسع مما تمثله السيناريوهات الحالية. بينما سيكون مدهشًا إذا انخفض الانبعاث دون تدخل نشط، ليس هناك أساس للثقة في هذا ولا بد لمقاربة مسئولة لقضية المناخ أن تضع في الاعتبار مجالًا واسعًا من الانبعاث المحتمل في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، لا يتطلب استقرار تغير المناخ مجرد توقف الانبعاث عن النمو، لكنه يتطلب انخفاضها بقدر هائل عن المستويات الحالية. حتى سيناريوهات الانبعاث الأدنى في الشكل ٣-١٤ لا تجعل المناخ مستقرًّا؛ ومن ثم حتى إذا تبيَّن أن المقولة صحيحة، فإن ذلك لا يعني أن ثبات المناخ يمكن تحقيقه دون جهود نشطة لخفض الانبعاث، ستجعلها أسهل فقط.

من غير الممكن أن نطرح كل المقولات الخطأ والمضللة المقدمة في مناظرة المناخ؛ ولهذا ركزنا على تلخيص بضع مقولات بارزة ومتكررة. بالإضافة إلى ذلك، هذه المقولات هدف متحرك، يتراجع أنصارها عادة خطوةً خطوة، وتقدُّم المعرفة يحول مقولاتهم من مجرد مقولات غير مدعومة إلى مقولات سخيفة. على سبيل المثال، بينما لا يزال المعلقون والمحررون السياسيون يزعمون أحيانًا أن حرارة الأرض لم ترتفع على مدار القرن الأخير، تراجع معظم المنكرين العلميين عن هذه المقولة على مدار السنوات القليلة الماضية — في وقتٍ متأخرٍ عما أكدته الأدلة، ليكونوا على يقين، لكنه يبقى مؤشرًا لحاجتهم للحفاظ على درجة من المصداقية العلمية. حين يتم تسجيل بضع سنوات أكثر سخونة من عام ١٩٩٨م — وهو ما يحتمل حدوثه قريبًا — فإن مقولة إن ارتفاع حرارة العالم توقف سنة ١٩٩٨م من المحتمل أن تختفي أيضًا، ولا شك أن مقولة أخرى ستحل مكانها.

أخيرًا، ينبغي أن نلاحظ أن هناك فرصًا وفيرة لاستخدام مجادلات علمية منحازة ومضللة وزائفة على كل جوانب المناظرة السياسية. في الإعداد لهذا الكتاب، تطلعنا بجدٍّ إلى مقولات علمية مفيدة وبارزة من نَشِطين في مجال البيئة، مقولات منحازة أو مضللة مثل تلك التي لخصناها هنا للمنكرين، لكننا لم نجد إلا القليل. وضع بعض المؤيدين مقولات عن ارتباط لا لبس فيه بين أحداث الطقس المفردة، من قبيل إعصار معين أو موجة حر، وتغير في المناخ؛ إذا وضعنا في الاعتبار تنوع الطقس والمناخ، لا يمكن عمومًا إقامة هذه العلاقات بشكل يعتدُّ به. قدم بعض النَّشِطين فرادى مقولات قوية بشكل لا يحتمل بشأن الآثار الشديدة على صحة الإنسان نتيجة تغير المناخ، بما في ذلك تصريحات بأن التغير الحالي في المناخ متورط في الإحياء الحديث للأمراض المعدية. في الحقيقة، يمكن لتغير المناخ في المستقبل أن يجلب معه تأثيرات صحية كبيرة، لكن الشكوك كبيرة والدليل على إشارة قوية إلى المناخ في الميول الصحية الحالية ملتبس ومثير للخلاف. بالَغَ مؤيدون آخرون بشكلٍ لا يمكن تصديقه فيما يتعلق بالاختيارات التكنولوجية المتوفرة بالفعل وتسمح بالتعديل دون تكلفة أو بتكلفة سلبية — رغم أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يحول هذه المبالغات البرية الحالية إلى حقائق في المستقبل. أخيرًا، وصف بعض المؤيدين وتعليقات صحفية عديدة التأثيرات المحتملة التي تمثل كارثة بمصطلحات تدل على أنها مؤكدة تقريبًا.

لكن هذا قليل الأهمية. إن التصريحات عن تغير المناخ فيما يتعلق بالمنظمات الكبرى المعنية بالمناخ دقيقة تمامًا، وليس هناك شيءٌ في جانب أنصار البيئة يشبه الصناعة المنزلية عند منكري تغير المناخ والمنظمات المؤيدة التي تفند علانية حقيقة تغير المناخ ونسبتها إلى أنشطة الإنسان. يحتمل بشكل مؤكد أن يتم تضخيم الأخطار البيئية مقارنة بالمعرفة العلمية، وقد فعلها أنصار البيئة أحيانًا، لكن في المناظرة الحالية عن تغير المناخ، يبدو أن قيمة إساءة المثيل تقع بقوة مع منكري تغير المناخ وممثلي السياسة، الذين يستخدمون هذه المجادلات لمعارضة التعديل فيما يتعلق بغازات البيوت الزجاجية.

(٦) الاستنتاجات

نستنتج بتلخيص الإجابات التي تقدمها المعرفة العلمية الحالية للأسئلة الأربعة الأساسية بشأن تغير المناخ العالمي.

هل المناخ يتغير؟ نعم، ترتفع حرارته. تؤكد مصادر مستقلة ومتعددة للبيانات بشكل لا شك فيه أن حرارة الأرض ترتفع، وأن درجات الحرارة اليوم ترتفع سريعًا بصورة خاصة. ولدينا ثقة عالية بأن متوسط درجات حرارة العالم على مدار العقود القليلة الماضية أعلى من أية فترة مقابلة على مدار القرون الخمسة الماضية، وربما على مدار آخر ثلاثة عشر قرنًا.
هل أنشطة الإنسان مسئولة؟ من المرجح تمامًا أن انبعاث غازات البيوت الزجاجية من أنشطة الإنسان سبب معظم الارتفاع السريع في الحرارة في العقود القليلة الماضية. بالنسبة لارتفاع الحرارة قبل منتصف القرن التاسع عشر، ربما لعب الانبعاث من أنشطة الإنسان دورًا، لكن العمليات الطبيعية من قبيل التقلُّب الشمسي والبراكين والتنوع الداخلي في المناخ ربما كان لها مساهمات جوهرية.
ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ في ظل كل السيناريوهات المعقولة بالنسبة للقرن الحادي والعشرين، من المؤكد حقًّا أن حرارة المناخ ستواصل الارتفاع، وفي أفضل تقدير ترتفع الحرارة العالمية في هذا القرن بما يتراوح من ١٫٨ إلى ٤ درجات مئوية. حتى الحد الأدنى لهذا المجال أكثر من ضعف ارتفاع الحرارة في القرن العشرين. ويوسع تضمين المجال الكامل للشكوك مجال التغيرات المتوقعة في هذا القرن إلى ١٫١–٦٫٤ درجات مئوية.
ما التأثيرات؟ لدينا فكرة عامة عن الأنواع المحتملة للتغيرات والتأثيرات الإقليمية، لكننا لا نستطيع التنبؤ بتأثيرات خاصة بثقة. يشمل مجال التأثيرات المحتملة في المستقبل بعض التأثيرات الخطيرة بما يكفي لجذب انتباهنا. إذا وقع تغير المناخ قرب الحد الأدنى للمجال المتوقع (الشكل ٣-١٤)، فمن المحتمل أن تستطيع الدول الغنية التي تقع على خطوط عرض متوسطة مواجهة هذا التغير، لكنه قد يمثل صعوبات خطيرة بالنسبة للبلاد الأفقر. إذا وقع تغير المناخ قرب قمة المجال المتوقع، فمن المحتمل أن تكون التأثيرات في هذا القرن شديدة وليست هناك قدرة على مواجهتها بالنسبة للجميع. إن تأثيرات التغيرات المستمرة في المناخ دون انقطاع بعد ٢١٠٠م، مع زيادة CO2 في الغلاف الجوي بما يتجاوز مستوى ما قبل العصر الصناعي بثلاثة أضعاف أو أربعة، مشكوك فيها بشكل أكبر، لكنها تشمل أخطارًا لا يمكن تجاهلها لتغيرات بمثابة كوارث تؤدي إلى تحول جوهري في النظم البيئية والمجتمعات الإنسانية.

(٧) مزيد من القراءة بالنسبة للفصل الثالث

  • ACIA (2004), Impacts of a Warming Arctic Climate Impact Assessment, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
هذا التقرير توليف للنتائج الأساسية المتعلقة بتقييم تأثير المناخ في القطب الشمالي (ACIA) وهو مكتوب بلغة واضحة يمكن أن تصل إلى صناع السياسة وعامة الجماهير. إن تقييم تأثير المناخ في القطب الشمالي ACIA تقييم بُحِث باستفاضة وتمَّت مراجعته بواسطة الرفاق، تقييم لتغير المناخ في القطب الشمالي وتأثيراته بالنسبة للمنطقة والعالم. كتبه فريق دولي من مئات العلماء، ويتضمن أيضًا المعرفة الخاصة لأناس محليين. هذا التوليف، والتقرير الكامل أيضًا، متوفر على الإنترنت في http://www.acia.uaf.edu.
  • K. Emanuel (2007), What We Know About Climate Change, Cambridge, MA: MIT Press.

يتناول هذا الكتاب الصغير نسبيًّا أسس علم ارتفاع حرارة العالم، وكيف انبثق الفهم الحالي له.

  • IPCC (2007a), Climate Change 2007: The Physical Science Basis. Contribution of Working Group I to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, S. Solomon, D. Qin, M. Manning, Z. Chen, M. Marquis, K. B. Averyt, M. Tignor, and H. I. Miller (eds.), Cambridge, United Kingdom and New York, NY, USA: Cambridge University Press, 996 pgs.
هذا أحدث تقريرٍ على نطاق شامل عن IPCC’s Working Group 1، المجموعة المسئولة عن التقييمات الدولية لعلم الغلاف الجوي بشأن تغير المناخ. وهو أحدث بيان رسمي عن حالة المعرفة العلمية بشأن تغير المناخ، ومصدر أساسي لكل من يأمل في أن يتعرَّف على مناظرة تغير المناخ. بالإضافة إلى التوليفات المفصلة تمامًا عن الأوجه الخاصة المقدمة في كل فصل لعلم تغير المناخ، ويتضمن التقرير ملخصًا تقنيًّا وملخصًا عن صناع السياسة، ويقدم الملخصان أهم النتائج والاستنتاجات في صورة مكثفة وسهلة الفهم. ونعتمد إلى حدٍّ بعيد على هذا التقرير فيما يتعلق بالكثير من الاستنتاجات العلمية الواردة في هذا الفصل.
  • IPCC (2007b), Climate Change 2007: Impacts, Adaptation and Vulnerability. Contribution of Working Group II to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, M. L. Parry, O. F. Canziani, J. P. van der Linken, and C. E. Hanson (eds.) Cambridge, UK: Cambridge University Press 976 pgs.
وهذا أحدث تقييم شامل عن IPCC’s Working Group II. وهو يلخص المعرفة الحالية بشأن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ، والقدرة على التكيف، وتأثر الأنظمة البيئية والاجتماعية بتغير المناخ.
  • IPCC (2007d), Climate Change 2007: Synthesis Report. Contribution of Working Group I, II and III to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, Core Writing Team, R. K. Pachauri, and A. Reisinger (eds.), Cambridge and New York: Cambridge University Press.
يلخص هذا التقرير ويدمج النتائج الأساسية التي توصلت لها المجموعات الثلاث في IPCC في مجلد واحد.
  • US Climate Change Science Program (2006). Temperature Trends in the Lower Atmosphere: Steps for Understanding and Reconciling Differences, T. K. Karl, S. J. Hassol, C. D. Miller, and W. I. Murray (eds.).

يصف هذا التقرير، الذي خضع للمراجعة، التفاصيل العديدة لحساب متوسط درجة حرارة العالم. ويقارن الميول في العديد من مجموعات البيانات المهمة، وقد توصل إلى أن الميول متسقة كلها عمومًا، رغم وجود بعض الاختلافات.

  • US Climate Change Science Program (2009). Global Climate Change Impacts in the United States. Unified Synthesis Product, T. K. Karl, J. M. Melillo, and T. C. Peterson (eds.).
يقدم هذا التقرير، الصادر عن US Climate Change Science Program، تقييمًا تفصيليًّا للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ، ونقاط الضعف، والقدرة على التكيف بالنسبة للولايات المتحدة. تفحص دراسات منفصلة تأثيرات تغير المناخ على تسع مناطق كبرى في الولايات المتحدة وسبعة قطاعات ذات أهمية قومية، محدثًا التقييم الأخير الشامل لتأثيرات على الولايات المتحدة؛ نتيجة تغير المناخ وتنوعه المنشور في ٢٠١١م. مثل تقارير IPCC، تضمن هذا التقييم أعمال مئات من العلماء وخضع لعملية مراجعة موثقة بقوة ودقة بواسطة الرفاق.
  • S. R. Weart (2003), The Discovery of Global Warming, Cambridge, MA: Harvard University Press.
تاريخ سهل القراءة والفهم إلى حدٍّ بعيد، يتناول التطورات الكبرى في علم تغير المناخ، من القرن التاسع عشر عبر تكوين الإجماع الحديث بشأن واقع السبب الإنساني وهيمنته في تغير المناخ حديثًا، كما تم التعبير عنه في تقرير IPCC لسنة ٢٠٠١م.
١  النظائر أشكال مختلفة من الذرات تختلف في عدد النيترونات في النواة. للجزيئات التي تحتوي على نظائر مختلفة خواص كيميائية وفيزيائية مختلفة بعض الشيء.
٢  الوحدات بالطن المتري (ويسمى tonnes أيضًا)، ويساوي ١٠٠٠كجم أو ٢٢٠٠ رطل تقريبًا. التعبير عن إجمالي انبعاث غازات البيوت الزجاجية بالجيجا طن لمكافئ الكربون يعني أن الغازات التي لا تحتوي على CO2 تتحول إلى كمية من CO2 لها التأثير نفسه على القوة الإشعاعية. ويقاس CO2 هذا بكتلة الكربون، باستبعاد كتلة ذرات الأكسجين في جزيء CO2.
٣  يسمى هذا السيناريو A1FI. تدل A1 على مسار التطور الأساسي بينما FI اختصار «كثافة الوقود الحفري». يسمى سيناريو الانبعاث المنخفض B1، بينما يسمى سيناريو التحول إلى مصادر للوقود غير الحفري A1T، (تشير T إلى التكنولوجيا المتطورة).
٤  ثمة اختلافات صغيرة بين السجلَّين المعياريَّين لميول درجة حرارة العالم. يوضح سجل (NASA) GISS أن الحرارة في ٢٠٠٥م أعلى قليلًا من ١٩٩٨م، لكن في القضبان الخطأ، بينما يتم ربط ٢٠٠٧م مع ١٩٩٨م؛ يوضح سجل مركز هادلي (المملكة المتحدة) أن سنة ٢٠٠٥م وسنة ٢٠٠٧م أقل حرارةً بقليل من سنة ١٩٩٨م، الاثنان أيضًا في القضبان الخطأ.