تغيُّر المناخ العالمي بين العلم والسياسة: دليل للمناقشة

مؤسسة هنداوي مؤسسة هنداوي
الفصل الرابع

سياسة تغير المناخ

التأثيرات والتقييمات والاستجابات

لا يقدم فهم علم تغير المناخ إلا جزءًا فقط من المطلوب لاتخاذ قرار بما يجب عمله بشأن الموضوع. يتطلب أيضًا اتخاذ قرار بكيفية التقدم معلومات عن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على المجتمع الإنساني، والاختيارات المتاحة للاستجابة لتغير المناخ، والمبادلات، والتكاليف، والأخطار. ويلخص هذا الفصل المعرفة والشكوك الحالية في هذه المسائل.

تقع الاستجابات المتوفرة للتعامل مع تغير المناخ في قسمين كبيرين، التكيف والتعديل، بالإضافة إلى نوع ثالث من الاستجابة المحتملة، لم يحظَ باهتمام شديد إلا حديثًا، هندسة المناخ. تستهدف تدابير التكيف تأثيرات تغير المناخ: تسعى إلى تهيئة المجتمع الإنساني للمناخ المتغير، للتقليل من الأضرار الناجمة. وتتضمن الأمثلة بناء حواجز الأمواج أو السدود للحد من أخطار ارتفاع مستوى البحار أو فيضانات الأنهار، أو زراعة محاصيل تقاوم الجفاف للتعامل مع مواسم الصيف الأكثر جفافًا في المناطق الزراعية. وتستهدف تدابير التعديل أسباب تغير المناخ: تسعى إلى الحد من سرعة تغير المناخ أو إيقافه بتقليل انبعاث غازات البيوت الزجاجية المسئولة عنه.

في المناظرات المبكرة بشأن المناخ، تناول كثير من المؤيدين التعديل مقابل التكيف بوصفه اختيارًا بين هذا أو ذاك، ربما لأنهم تخيلوا أن الاهتمام والتأييد للاستجابة التي يفضلونها يمكن أن يضعفا بالاعتراف بالحاجة للآخر. ولحسن الحظ، تجاوزت المناظرة هذه الثنائية الزائفة، ومن المفهوم الآن على نطاق واسع أن التكيف والتعديل كليهما مطلوبان. التكيف ضروري لأن تغير المناخ يحدث بالفعل والمزيد من التغير الجوهري حتمي. علينا أن نتكيَّف مع هذه التأثيرات، مهما استطعنا الحد من الانبعاث بشدة. والتعديل ضروري للحد من حدة تغير المناخ الذي علينا أن نتكيَّف معه؛ لأنه يبقى من الممكن تجنب أكثر التغيرات المتوقعة تطرفًا؛ ومن ثم التأثيرات الأكثر حدة، خاصة في النصف الأخير من القرن. المسائل الأساسية في تشكيل استجابة ليست أيهما نفعل، لكن إلى أي حد؟ وبأية سرعة؟ وكيف نفعل الاثنين بفاعلية وكفاءة؟

تركز معظم الاستجابات المفترضة لتغير المناخ على التعديل والتكيف. يتضمن النوع الثالث من الاستجابة، هندسة المناخ، معالجة نشطة لنظام المناخ لمواجهة تأثيرات غازات البيوت الزجاجية؛ ومن ثم كسر الارتباط بين الانبعاث وتغير المناخ. ورغم أن استجابات هندسة المناخ لتغير المناخ افترضها عدد صغير من العلماء في وقت مبكر يعود إلى ستينيات القرن العشرين، فقد حظيت بقدر من الاهتمام أقل مما حظي به التكيف والتعديل، منذ وضع تغير المناخ في الأجندات السياسية في ثمانينيات القرن العشرين. ومع ذلك، شهدت السنوات القليلة الماضية إحياء الاهتمام بهندسة المناخ مع انتشار الاعتراف بخطورة تغير المناخ، وعدم فاعلية الاستجابات إلى حدٍّ بعيد. ورغم هذا الاهتمام الجديد، يبقى فَهْم فوائد هندسة المناخ وتكاليفها وأخطارها محدودًا وبدائيًّا.

يُقسَّم الفصل على النحو التالي: يناقش القسم [التأثيرات والتكيف] تأثيرات تغير المناخ وتدابير التكيف. ويناقش القسم [الانبعاث واستجابات التعديل] توقعات الانبعاث على مدار القرن التالي والتكنولوجيات والسياسات، على المستويين القومي والدولي، المتاحة لتقليله. ويناقش القسم [وضعها معًا: التوازن بين منافع التعديل والتكيف وتكاليفهما] التقديرات الحالية لتكلفة تأثيرات المناخ والتعديل والتكيف، والجهود المبذولة لدمجها في إطار متسق لتقييم الاستجابات. ويناقش القسم [النوع الثالث من الاستجابة: هندسة المناخ] بإيجاز تدابير هندسة المناخ، بينما يلخص القسم [الخلاصة: الاختيارات السياسية في ظل الشك] المعرفة الحالية وآراء الخبراء فيما يتعلق بالاستجابات المفيدة لتغير المناخ، مركِّزًا على كيفية اتخاذ قرارات معقولة بشأن تغير المناخ، في ظل الشكوك التي تعتريه.

(١) التأثيرات والتكيف

(١-١) تعريف تأثيرات تغير المناخ وتقييمها

تناول الفصل الثالث المعرفة الحالية بشأن كيفية احتمال تغير المناخ في هذا القرن، والتأثيرات الناجمة على النظم البيئية والموارد الطبيعية، لكن تحديد تأثير هذه التغيرات على البشر يتطلَّب تحليلًا إضافيًّا يربط توقعات تغير المناخ، واتجاه تأثيراته على النظم البيئية والموارد بفهم كيفية اعتماد المجتمع على هذه الأوجه الخاصة بالمناخ والبيئة. وكما تم في الفصل الثالث، نهتمُّ في هذا القسم بالمسائل الإيجابية المتعلقة بكيفية وصف التفاعل بين التغيرات الناجمة عن المناخ في العمليات الفيزيائية والبيولوجية، والمجتمعات الإنسانية وتحليل هذا التفاعل. وتقدم المسائل المعيارية، المعنية بكيفية تقييم هذه التغيرات بمجرد وصفها وتحليلها، وما تتضمنه بالنسبة للقرارات، في القسم [وضعها معًا: التوازن بين منافع التعديل والتكيف وتكاليفهما] (التقييم) والفصل الخامس (نتائج الفعل).

لا يعتمد تأثير تغير المناخ على الناس والمجتمعات على كيفية تغيرات المناخ فقط، بل يعتمد أيضًا على العوامل الاجتماعية والاقتصادية المتعددة المرتبطة بالمكان الذي يعيش فيه الناس، والكيفية التي يعيشون بها، ومدى ثرائهم أو فقرهم، وكيف يكسبون أقواتهم، والتكنولوجيات والموارد الطبيعية التي يعتمدون عليها، والمؤسسات والممارسات الثقافية والسياسات التي تحكمهم؛ وبالتالي سوف تختلف التأثيرات بين الناس والأماكن، ليس فقط لأنهم يواجهون بتغيرات مختلفة في المناخ، لكن أيضًا لأنهم يختلفون في تأثرهم بالأبعاد الخاصة للمناخ بطرق خاصة. ربما تتأثر محطة كهرباء لطول موجات الحر في الصيف وتكرارها، مما يرفع الاحتياجات الكهربية، بينما يتأثر منتجع للتزلج بدرجة كبيرة لتغيرات متوسط درجة حرارة الشتاء ومجمل تساقط الجليد، وليس لدرجة حرارة الصيف على الإطلاق. وربما تتأثر الزراعة في بلد معين بتغيرات موسم تزايد سقوط الأمطار ككل، ومعدل تكرار هطول الأمطار بغزارة والجفاف. وتتأثر السواحل المنخفضة، سواء في ولاية لويزيانا أو بنجلاديش، بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر، بينما تتأثر المناطق سريعة النمو التي تواجه نقصًا في المياه بالفعل، مثل كاليفورنيا وأريزونا، بتغيرات سقوط الأمطار وكثافة الثلوج في الشتاء؛ وبالتالي يتطلَّب توقع تأثيرات المناخ ربط توقعات تغير المناخ بسيناريوهات العوامل الاجتماعية والاقتصادية، التي تشكل هذه الحساسيات بأقصى قوة.

تعتمد تأثيرات تغير المناخ أيضًا على ضيق المنظور الذي تنظر من خلاله واتساعه. انظرْ إلى مناطق أصغر أو أجزاء أضيق من الاقتصاد، والتأثيرات عادة أكبر وأكثر تنوعًا، وتشمل المكاسب والخسائر كليهما. حتى في بلدة واحدة، ربما تضرُّ مواسم الصيف الأعلى حرارةً والأكثر جفافًا الزراعة وتفيد السياحة. إذا تراجعنا لنتأمل كل اقتصاد البلدة، تلغي خسائر الزراعة مكاسب السياحة جزئيًّا، مما يجعل مجمل التأثير أصغر. كلما نظرت بشكل أكثر اتساعًا، زاد تلاشي التأثيرات على نطاق أصغر. تدمج تقديرات التأثير القومي أو العالمي الاختلاف في التأثيرات على نطاق أصغر وتلغيها، مع تعرُّض بعض الناس والأماكن والأنشطة لأضرار أكبر، وتعرض آخرين لأضرار أقل أو حتى تحقيق — بالنسبة لتغيرات صغيرة في المناخ — منافع.

يعتمد أيضًا تأثير تغير المناخ على تغيرات أشياء أخرى في الوقت ذاته. والمناخ يتغير، تتغير عوامل بيئية أخرى بالتوازي: يزيد CO2 في الغلاف الجوي بالتأكيد، ومن المحتمل أيضًا أن تتغير عوامل أخرى من قبيل الترسب الغذائي ونوعية الهواء وغطاء اليابسة. تتأثر أجهزة إنسانية وبيولوجية كثيرة بكلٍّ من تغير المناخ وبهذه التغيرات الأخرى، وبالتفاعل بينها. والتفاعل الذي درس أكثر من غيره هو التفاعل بين المناخ وثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى تغير المناخ، يؤثر ارتفاع CO2 على النباتات مباشرة بزيادة كفاءة التمثيل الضوئي واستخدام المياه، رغم اختلاف التأثيرات بشكل واسع بين أنواع النبات. وجدت دراسة المحاصيل الزراعية غالبًا أن هذه التأثيرات نتيجة ارتفاع CO2 يمكن أن تعادل نقص المياه في مناخ يتوقع أن يكون أكثر حرارة وجفافًا، وهكذا يزيد نمو النبات من الاتزان في ظل التغيرات الصغيرة المتوقعة في العقود القليلة القادمة — رغم أن هذا النمو الزائد يبدو أنه يأتي بمحتوًى بروتينيٍّ أقل وربما بحبة ذات حجم أصغر في محاصيل الحبوب. تميل التغيرات الأكبر في المناخ، المتوقعة فيما بعد في القرن بالتوازن بين المناخ وتأثيرات CO2، في المحصلة إلى نقص في نمو النبات. وتوضح الدراسات التي تتجاوز المناخ المتوسط لتشمل التغيرات في تقلب الطقس وتطرفه، من قبيل الزيادة المتوقعة في كلٍّ من الجفاف وهطول الأمطار بغزارة، توضح التأثيراتِ السلبية التي ربما تفوق معادلة الزيادة على المدى القصير؛ نتيجة التغيرات في CO2 ومتوسط المناخ. بالإضافة إلى ذلك، سوف تؤثر التغيرات في المناخ وثاني أكسيد الكربون على الأعشاب الضارة والأنواع المعتدية، والأوبئة، والأمراض كما تؤثر على المحاصيل. وتوحي الدراسات التجريبية لهذه التفاعلات بأن الأعشاب الضارة والأنواع المعتدية ربما تستجيب بشكل أقوى من المحاصيل لارتفاع CO2، وهكذا فإن إجمالي إنتاج المحاصيل يمكن أن يرتفع أو ينخفض بالنسبة للعلاقات بين أنواع معينة (ومنها أعداد هائلة يجب دراستها).

الشك الأكبر في توقع تأثيرات المناخ، مع ذلك، هو تقدير مدى تكيف الناس مع هذه التغيرات. تتكيف المجتمعات مع المناخ الحالي بطرق متنوعة، ونتوقع بعض التكيف مع تغيرات المستقبل. إذا قلل تغير المناخ من الإنتاجية والفوائد من الممارسات الزراعية الحالية، نتوقع أن يتحول الفلاحون — والآخرون الذين يؤثرون على قراراتهم، مثل مَن يمدونهم بالبذور، وشركات المعدات، وخدمات التوسع الزراعي — إلى محاصيل وممارسات تتناسب بشكل أفضل مع الظروف الجديدة. إذا أصبحت أنماط الاستقرار الحالي، أو الأنشطة الاقتصادية، أو ممارسات معالجة الموارد غير متناسبة مع تغيرٍ في المناخ، نتوقع أن يلاحظ الناس هذا ويغيرون، في النهاية وبدرجةٍ ما، الممارسات لتتناسب بشكل أفضل مع المناخ الجديد. بالإضافة إلى ذلك، على الناس ألَّا ينتظروا حدوث تغير ليتكيفوا معه. مع تنبؤات جيدة، يمكن أن يتطلع الناس إلى الأمام ويتكيفوا مقدَّمًا، سواء لتغيرات معينة يتوقعونها أو لزيادة عامة في الشك بشأن المناخ. مثل هذا التكيف التوقعي ذو أهمية خاصة بالنسبة للقرارات التي لها نتائج على المدى الطويل، مثل التخطيط، وتقسيم المناطق، وممارسات البنية التحتية، أو الاستثمارات طويلة المدى مثل الموانئ والسدود ومحطات توليد الطاقة.

إن كيفية تكيف الناس حاسمة في تحديد تأثيرات المناخ وينبغي وضعها في الاعتبار في تقييم التأثيرات. لسوء الحظ، إن معرفة كيف يتكيف الناس والعوامل التي تؤثر في قدرتهم على القيام بذلك محدودة تمامًا. اعتمدت تقييمات كثيرة للتأثير على إحدى فرضيتَين متطرفتَين بشأن التكيف. افترض البعض استمرار الممارسات الحالية دون استجابة للمناخ المتغير. بافتراض أن التكيف صفر، تبالغ هذه المقاربة بشكل منهجي في الأضرار الناجمة عن تغير المناخ. في الطرف الآخر، تفترض بعض الدراسات تكيفًا نموذجيًّا، لا تحده حدود البصيرة أو صناعة القرار بشكل منطقي، أو حتى الجمود نتيجة المعدات الرأسمالية المعمرة. وبالضبط مثلما يبالغ افتراض عدم وجود تكيف في الأضرار المتوقعة نتيجة تغير المناخ، يقلل افتراض التكيف الكامل من شأنها. بافتراض أن المجتمع يتكيف مع مناخ المستقبل بشكل أفضل من تكيف مجتمع اليوم مع المناخ الحالي، يمكن أن نتوقع، بشكلٍ لا يُصدَّق، أن تكون تأثيرات أي تغير في المناخ مفيدة تقريبًا بالتوازن.

تتطلب توقعات التأثير بشكل أفضل توقعات واقعية عن الكيفية التي سوف تتكيف بها المجتمعات فعليًّا، مع تغيرات المناخ في المستقبل، لكن من الصعب القيام بهذا. تختلف القدرة على التكيف بقوة بين الناس والأماكن. إن المجتمعات الغنية التي تتمتع بمؤسسات تؤدي وظائفها بشكل جيد، وشبكات اجتماعية قوية أكثر قدرة على التكيف عمومًا؛ ومن ثم أقل عرضة لأخطار تغير المناخ، من المجتمعات التي لا تتمتع بمثل هذه المزايا. ومع ذلك لا يعني امتلاك القدرة على التكيف استخدامها، بالضرورة، للتكيف بشكل جيد. توجد أدلة هائلة على أن التكيف لظروف المناخ الحالي بعيد جدًّا عن المثالية، حتى في المجتمعات الثرية التي تتمتع بحكم جيد. إننا نقوم بزراعة كثيفة في مناطق معرضة للجفاف من خلال بحث عن المياه الجوفية لا يمكن دعمه. نبني في مواضع معرضة لأخطار عالية على سواحل منخفضة، وفي سهول الفيضانات، ومنحدرات التلال المعرضة للحرائق والانهيارات. ونعيد حتى البناء مرارًا وتكرارًا في المواضع شديدة الخطورة نفسها، كثيرًا ما يكون بانحسار كبير، بعد تدمير الممتلكات. وتجعلنا مثل هذه الأشكال من سوء التكيف أكثر عرضةً للتأثر باختلاف المناخ حاليًّا، والتغير المتوقع في المناخ مستقبلًا.

تستمر تغيرات المناخ وتصبح تأثيراتها أكثر وضوحًا، ربما تهتم المجتمعات أكثر وتتكيف بشكل أفضل، لكن هذا غير مؤكد على الإطلاق. التكيف محدد للغاية بالسياق: تعتمد تدابير التكيف الفعال على ظروف متعددة بيئية واجتماعية واقتصادية ومؤسسية في كل وضع، ويمكن للكثير من العوامل أن تعقد التكيف وتعوقه. على سبيل المثال، القرارات التي تؤثر على نقاط الضعف والتكيف لا يعترف بها غالبًا باعتبارها كذلك. وربما تحفِّز أفضلياتٌ وقيمٌ متعددة القراراتِ ذات الصلة، ولا تكون نقاط الضعف بالنسبة للطقس أو المناخ هي الأكثر بروزًا. لا يبني الناس على جوانب تلال عرضة للانهيار بهدف وضع أنفسهم في خطر، لكن لأنهم يريدون أن يكونوا هناك لأسباب أخرى من قبيل التكلفة أو الملاءمة أو اللياقة أو الثقافة. بالإضافة إلى ذلك، الشك في التوقعات بشأن مناخ موضع أو منطقة يمكن أن يجعل من الصعب حتى على المدراء المطلعون الذين لديهم دوافع ليعرفوا أي تغيرات عليهم التكيف معها، وهكذا يقررون تدابير التكيف لتتجسد في استثماراتهم أو قرارات التخطيط. هذه العوامل تجعل التكيف الفعال صعبًا، وتعوق أيضًا التوقعات الدقيقة بشأن التأثيرات ونقاط الضعف التي تعتمد على التكيف.

باختصار، التوقعات بشأن التأثيرات الاجتماعية لتغير المناخ أكثر صعوبة وإثارة للشك، من توقعات تغير المناخ التي تمت مناقشتها في الفصل الثالث، لكن بصرف النظر عن مدى الشك في توقعات التأثير، لا يزال يجب النظر إليها في حكم معقول على كيفية الاستجابة لتغير المناخ. البدائل — تجاهل التأثيرات، أو تأخير الفعل حتى نعرف حقيقة التأثيرات — تعني فعليًّا الانتظار حتى تداهمنا التغيرات، حين تكون الاختيارات أمامنا محدودة أكثر بكثير.

ولأنه لا يمكن تجنب العمل في ظل الشك، فإن هناك قيمة عظيمة في تطوير وسائل أفضل لتقييم التأثيرات تضع الشك في الاعتبار، وتدمج الأبحاث المتوفرة حاليًّا مع حكم الخبراء. على سبيل المثال، لخص مؤلفو تقييمات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في سنة ٢٠٠١م وسنة ٢٠٠٧م أحكامهم عن الشدة المحتملة للتأثيرات في رسوم بيانية. يوحي الرسم البياني لسنة ٢٠٠٧م، أعيد إنتاجه في الشكل ٤-١، بأن التأثيرات الشديدة يحتمل أن ترتفع مع زيادة حرارة العالم بأكثر من ٢٫٥–٣ درجات مئوية عن مستوى ١٩٩٠م.

بينما هذه الملخصات لأحكام الخبراء مفيدة للبدء في تلخيص أخطار تأثير المناخ، بافتراض أن دليلًا أكثر فائدة لصناعة القرار يتطلب طرقًا لتوليف المعرفة الحالية وأحكام الخبراء التي هي أكثر شفافية في المنطق الذي تعتمد عليه، أفضل في تجسيد الشكوك، وإن أمكن أكثر كمية. إن الاحتياج إلى تقييمات التأثيرات التي تدمج الشك بشكل أفضل شديد بشكل خاص فيما يتعلق بالتغيرات المفاجئة المحتملة. كما ناقشنا في الفصل الثالث، حُدِّدتْ آليات قليلة للتغيرات المفاجئة بوصفها احتمالات، بما في ذلك فقدان ألواح جليدية رئيسية في جرينلند أو أنتاركتيكا، وإعادة تنظيم لدورة المحيطات على نطاقٍ واسع. وربما تكون هناك احتمالات أخرى لمَّا تُحدَّد بعد، كما لم يتوقع أحد ثقب الأوزون في القطب الجنوبي قبل أن يُلاحَظ.

بتأمل أكبر تغيرات المناخ — سواء كانت نتيجة انبعاث أعلى، أو حساسية أعلى للمناخ، أو النظر أبعد إلى مستقبل دون تحكم في الانبعاث — يبدو أن إمكانية حدوث التغيرات المفاجئة والتأثيرات الحادة تكون أكثر احتمالًا، لكن إلى أي حد تكون محتملة؟ رأى معظم الخبراء أن هذه التغيرات المفاجئة غير محتملة في هذا القرن، لكن الرأي مشوش ولا يوجد أساس لرفض هذه التغيرات بوصفها غير محتملة بدرجة تجعلنا نتغاضى عنها. وقد شهدت السنوات القليلة الأخيرة زيادة جوهرية في اهتمام الخبراء، بشأن أخطار فقدان ألواح جليدية كبرى.

في الواقع، يرى كثيرٌ من الملاحظين أن الخطر ضعيف الاحتمال للتأثيرات الحادة، وليس التأثيرات الأصغر للتوقعات المتوسطة الأكثر احتمالًا، هو ما يقدم السبب الرئيسي للحد من تغير المناخ. وقد اتخذت مجموعة العمل الأولى في IPCC في سنة ٢٠٠٧م قرارًا باستبعاد فقدان ألواح جليدية كبرى من سيناريوهات ارتفاع مستوى البحر؛ لأن المؤلفين لم يستطيعوا الاتفاق على كيفية وصف احتماله، وكانت من نقاط الخلاف الأكثر حدةً في التقييم، لكن بينما يبدو بوضوح أن تجاهل مثل هذه الأخطار في التقييمات خطأ، فإن تضمينها يطرح الأخطار التي سوف تهيمن على التقييم والقرارات الناجمة عنه، رغم الاعتقاد بأن الاحتمال ضعيف. ويتطلب تقييم مثل هذه الأخطار بشكل مسئول أن نضع في الاعتبار الآراء الخاصة بكلٍّ من حدتها واحتمالها، لكننا نفتقر إلى وسائل وعمليات مقبولة على نطاق واسع للقيام بهذا، ولدمج هذه التقييمات في صناعة القرار بشكل مسئول. ويمثِّل مزيدٌ من تطوير هذه الوسائل وقبولها أولوية كبرى.
fig21
شكل ٤-١: عواقب تغير المناخ مرسومة على متوسط حرارة العالم (بالدرجة المئوية) بعد عام ١٩٩٠م. يناظر كل عمود «سببًا» خاصًّا «للاهتمام»، ويمثل نتائج إضافية مرتبطة بالزيادة في متوسط درجة حرارة العالم. يمثل التخطيط المظلل زيادة مستمرة في مستويات الخطر. ارتفعت درجة الحرارة في الفترة التاريخية من ١٩٠٠م إلى ٢٠٠٠م بمقدار ٠٫٧ درجة مئوية تقريبًا وأدت إلى بعض التأثيرات. وينبغي ملاحظة أن هذا الشكل يقدم فقط مقدار تغير الأخطار مع ارتفاع متوسط درجة حرارة العالم، وليس مقدار ما قد تتغير به الأخطار عند مستويات مختلفة من ارتفاع درجة الحرارة. بالإضافة إلى ذلك، لا يقدم متى يمكن إدراك التأثيرات، أو إن كانت تفسر تأثيرات المسارات المختلفة للتطور من المسارات المعرضة للخطر (المصدر: بتصرف عن Smith et al. (2009)).

(١-٢) الاستجابات لتعزيز التكيف

التكيف مع تغير المناخ ليس وظيفة الحكومة فقط، وربما حتى لا يكون وظيفة الحكومة أساسًا. سوف يحدث قدر كبير من التكيف بواسطة الأفراد، والشركات، والهيئات الأخرى، والجماعات، كل منها يتصرف لمصلحته، لكن يمكن أن تساعد السياسات العامة والحكومات على تشجيع تكيف المجتمعات مع تغير المناخ بثلاث طرق؛ أولًا: يمكن للحكومات تقديم المعلومات والمساعدة، من قبيل توقعات المناخ ودراسات التأثيرات وتقييمات الاستجابات الممكنة، والمساعدات التقنية والمالية في تحقيق الاستجابات. ويمكن أن يساعد هذا الدعم على تحول المواطنين والجماعات من التفاعل مع التغيرات، وهي تحدث إلى توقع التغيرات في المستقبل، وهكذا يكون التكيف أكثر فاعلية وأقل تكلفة، وخاصة حين يمكن دمجه في التخطيط وقرارات الاستثمار لآفاق زمنية طويلة. ويمكن لتقييمات وتوقعات أفضل أن تقلل أيضًا خطر إهدار الأموال والجهود للتكيف مع التغيرات الخطأ، على سبيل المثال، التكيف مع تذبذب قصير المدى في المناخ نتيجة الخلط بينه وبين ميل طويل المدى. ثانيًا: يمكن للحكومات استخدام سلطتها التنظيمية لإلزام المواطنين بالتقليل من احتمال تعرضهم للخطر، على سبيل المثال بتغيير رموز تقسيم المناطق للحد من البناء في المناطق المعرضة للخطر. ثالثًا: يمكن للحكومات استخدام الإنفاق والإجراءات لبناء قدرةٍ على التكيف مباشرة، على سبيل المثال، ببناء حواجز أو دفاعات ساحلية أخرى، أو بأن تشترط تصميم مشاريع البنية التحتية التي تساهم فيها (على سبيل المثال، الطرق وأماكن النقل الأخرى، ونظم المياه والصرف، والطاقة الكهربية، وشبكات الاتصال، والموانئ) بطرقٍ تقلِّل من تعرضها للخطر.

ولأن التغيرات الخاصة التي علينا التكيف معها تبقى موضع شك، فإن إحدى وظائف تدابير التكيف زيادة قوة المجتمع إلى مجال أوسع من حالات المناخ. إن الكثير من تدابير التكيف لن تكون خاصة بالمناخ، لكنها ستقلل في الوقت ذاته التعرض لأخطار متعددة. على سبيل المثال، سوف تقلل تقوية نظم الصحة العامة الأخطارَ الصحية نتيجة تغير المناخ بالإضافة إلى الأخطار الصحية الأخرى. وبشكل مماثل، تقلل تقويةُ نظم الاستجابة للطوارئ، وتنفيذ السياسات الخاصة بدفع النمو وتقليل الفقر، الحساسيةَ لتغير المناخ وللعديد من التهديدات الأخرى، بما فيها التهديدات الفورية.

إن وضع التدابير لتشجيع التكيف جزء أساسي من الاستجابة لتغير المناخ؛ لأننا ضيعنا فرصة إبقاء تغيرات المناخ ضئيلة. بالإضافة إلى الارتفاع الذي حدث في درجة الحرارة، يجعلنا الانبعاث السابق نسلم بارتفاع إضافي في الحرارة بمقدار ٠٫٤ درجة مئوية عن درجات الحرارة سنة ٢٠٠٨م، وهو ما قد يحدث حتى إذا حدث المستحيل وانخفض الانبعاث اليوم إلى الصفر. بالإضافة إلى ذلك، من غير المحتمل أن تحافظ حتى أقصى الجهود لخفض الانبعاث على ارتفاع درجة الحرارة بما يقلُّ عن ١٫٥–٢ درجة مئوية فوق درجات حرارة اليوم. هذا المدى للتغير الإضافي، الذي لا يمكن الآن تجنبه، يحمل تأثيرات — تأثيرات خطيرة لبعض الناس وبعض الأمكنة — الاستجابة الوحيدة الممكنة لها هي الجمع بين التكيف وتحمل الأضرار الناجمة ببساطة.

سوف يتطلَّب التكيف الفعال أموالًا، تشمل الإنفاق العام والنقل الدولي. ويتطلَّب بنًى مؤسسيَّة جديدة، تشمل شبكات جديدة لتبادل المعلومات والخبرات والوسائل بين المؤسسات المحلية والقومية والدولية في كل أرجاء العالم. وحتى مع سعي شديد وراء التكيف، يحتمل فقد الكثير مما يقدِّره الناس — الموارد والأصول، والنظم البيئية بشكل خاص. وهكذا تكون إحدى الوظائف الأساسية للتكيف شراء الوقت لتقييم ما يمكن إنقاذه، ووضع أولوية له، وما ينبغي التضحية به.

ومع ذلك، لا يمكن لتدابير التكيف وحدها أن تمثل استجابة فعالة لتغير المناخ. سوف تحدد ميول الانبعاث في المستقبل مقدار دفعنا لتغير المناخ وسرعته، وكلما كان تغير المناخ أكبر، كانت التأثيرات الناجمة أكثر حدة وزادت صعوبة القدرة على التكيف. ويعني الاعتماد على التكيف مع عدم القيام بأي شيء للحد من سرعة تغير المناخ أو إيقافه؛ عدم وضع حدود لمقدار التغير الذي ينبغي علينا التكيف معه — نقامر بأننا يمكننا بشكلٍ فعال، وبتكلفة مقبولة، أن نتحملها أو نتكيَّف مع أي قدرٍ من تغير المناخ. إن الدليل قوي على أنها مقامرة حمقاء — بما في ذلك التكيف بأشكال سيئة مع المناخ الحالي، والاختلاف الواسع بين الناس والمجتمعات في القدرة على التكيف، والاحتمال الذي لا يمكن تجاهله بأقصى تغيرات وتأثيرات، خاصة في ظل الانبعاث المرتفع في المستقبل. للحد من التأثيرات ينبغي علينا نحن وأحفادنا أن نعاني أو نتكيف معها، ومن الضروري أيضًا أن نقلل الانبعاث الذي يسبب تغير المناخ على أيدي البشر. ويناقش القسم التالي هذه المقاربة للتعامل مع تغير المناخ، وما هو معروف حاليًّا بشأن الاختيارات التقنية والسياسية المتوفرة لمتابعتها.

(٢) الانبعاث واستجابات التعديل

(٢-١) ميول الانبعاث والتوقعات

ناقشنا في القسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين] ميول انبعاث غازات البيوت الزجاجية والسيناريوهات المتعلقة بها؛ نتيجة أنشطة البشر المستخدمة لتوقع كيفية تغير المناخ على مدار هذا القرن. هنا، نقدِّم تفاصيل أكثر عن ميول الانبعاث والتوقعات، والعوامل التي تشكلها، والوسائل المتاحة لتقليلها.

المصدر الأكبر للانبعاث البشري الذي يساهم في تغير المناخ هو CO2 الذي ينطلق نتيجة حرق الوقود الحفرى — الفحم والبترول والغاز الطبيعي. ويعتمد المجتمع البشري إلى حدٍّ بعيد على هذه الأنواع من الوقود، التي تقدم حوالي ٨٠٪ من مجمل الطاقة المستخدمة على نطاق العالم. في ٢٠٠٦م، كان انبعاث CO2 نتيجة حرق الوقود الحفري على نطاق العالم حوالي ٨ بلايين طن متري كربون.١ تغير استخدام اليابسة، إزالة الغابات أساسًا نتيجة نزع الأشجار، أضاف تقريبًا ١٫٥ جيجا طن كربون (رغم أن هذه الصورة أساسًا موضع شك أكبر)، مما يجعل إجمالي انبعاث CO2 نتيجة نشاط الإنسان حوالي ٩٫٥ جيجا طن كربون — متوسط عالمي حوالي ١٫٤ طن لكل شخص، بافتراض أن سكان العالم ٦٫٨ بلايين.
يساهم انبعاث غازات أخرى عديدة من الصناعات المختلفة والأنشطة الزراعية في تغير المناخ أيضًا. وأهمها الميثان (CH4)، الذي ينبعث من حقول الأرز، والمطامر، والمواشي، واستخراج الوقود الحفري ومعالجته، بالإضافة إلى العديد من المصادر الطبيعية؛ أكسيد النيتروز (N2O)، الذي ينبعث من الأسمدة النيتروجينية والعمليات الصناعية، بالإضافة إلى العديد من المصادر الطبيعية؛ والهالوكربونات، وهي مجموعة من المواد الكيميائية الصناعية المخلَّقة تستخدم ملطفات ولها استخدامات صناعية أخرى. برغم انبعاثها بكميات أقل بكثير من CO2، تساهم هذه الغازات الأخرى المنبعثة من البيوت الزجاجية في ارتفاع أكبر في درجة الحرارة بالنسبة لكل طن من الانبعاث؛ وبذلك تمثل إضافة كبيرة لمجمل التأثير الحراري لثاني أكسيد الكربون. وتختلف أيضًا هذه الغازات عن CO2 في طول بقائها في الغلاف الجوي، وهو ما يحدد الفترة التي يساهم بها الانبعاث الحالي في ارتفاع الحرارة. على سبيل المثال، لا يبقى انبعاث الميثان في الغلاف الجوي إلا عشر سنوات تقريبًا، بينما تبقى الهالوكربونات الأكثر ثباتًا عدة آلاف من السنين. يتزايد انبعاث الغازات الرئيسية من البيوت الزجاجية منذ الثورة الصناعية، مع أكبر زيادة في العقود القليلة الأخيرة. من مجمل التأثير الحراري الناتج عن زيادة غازات البيوت الزجاجية في القرنَين الماضيَين، يساهم CO2 بالثلثين تقريبًا، وتشكل الغازات الأخرى، غير CO2، المنبعثة من البيوت الزجاجية الثلث الآخر.
ويبقى أن الملوثات والأنشطة البشرية الأخرى تغير أيضًا التوازن الإشعاعي للغلاف الجوي، وتؤثر على تغير المناخ، بطرقٍ أكثر تعقيدًا في آلياتها وموضع شكٍّ أكبر في قيمتها الإجمالية. تشكل التغيرات في أوزون الغلاف الجوي، الذي يزيد نتيجة في الغلاف الجوي (الطبقة السفلى من الغلاف الجوي) نتيجة أنشطة الإنسان، لكنه يقلُّ في الاستراتوسفير (الطبقة التي تعلو طبقة التروبوسفير، وتبدأ على ارتفاع ١٠–١٥كم تقريبًا)، تشكل إجمالًا مساهمة في ارتفاع الحرارة بنسبة ٢٠٪ تقريبًا، مما يشكله ارتفاع CO2. الملوثات والأنشطة البشرية المتنوعة ترفع غزارة الإيروسولات في الغلاف الجوي، الجسيمات الصغيرة الصلبة أو السائلة المعلقة في الغلاف الجوي تبقى في الغلاف الجوي وقتًا قصيرًا، وتساهم بمزيجٍ من تأثيرات ارتفاع الحرارة وانخفاضها. أحد المصادر البشرية المهمة للإيروسولات ثاني أكسيد الكبريت (SO2) — ملوِّث ينتج عن حرق الوقود الذي يحتوي على الكبريت، وخاصة الفحم — ويشكل قطرات سائلة دقيقة تعكس أشعة الشمس القادمة وتخفض حرارة السطح. ومن الإيروسولات الأخرى الكربون الأسود، وهو مادة قاتمة تنتج عن الاحتراق غير الكامل وتمتص أشعة الشمس وترفع حرارة السطح. وتساهم الإيروسولات حاليًّا إجمالًا بخفض في الحرارة يساوي تقريبًا الارتفاع الناتج عن غازات البيوت الزجاجية، غير CO2، لكن الشك في هذا التقدير كبير. عمومًا، إن الأنشطة والملوثات البشرية التي تساهم في تغير المناخ متنوعة، لكن CO2 نتيجة حرق الوقود الحفري يمثل أكثر من نصف الإجمالي.
وهناك اختلافات كبيرة بين الأمم في مدى مساهمتها في تغير المناخ، الآن وعبر الزمن. إن البلاد الصناعية، وتمثل حوالي سدس سكان العالم، مسئولة عن ٥٥٪ تقريبًا من انبعاث CO2 في العالم حاليًّا. لفترة طويلة ينبعث من الولايات المتحدة، وهي أكبر مصدر للانبعاث، حوالي ٢٠٪ من CO2 المنبعث في العالم، لكن النمو الاقتصادي السريع في الصين يجعل كمية الانبعاث منها يفوق تلك الكمية المنبعثة من الولايات المتحدة في سنة ٢٠٠٧م. وتكون مشاركة البلاد الصناعية في الانبعاث العالمي أكبر إذا وضعنا في الاعتبار الانبعاث التاريخي المتراكم (حوالي ٧٣٪ من إجمالي CO2 الناتج عن الوقود الحفري منذ ١٩٥٠م)، وأقل إذا وضعنا في الاعتبار أنه ليس CO2 فقط الناتج عن الوقود الحفري، لكن أيضًا تغير استخدام اليابسة والغازات الأخرى المنبعثة من البيوت الزجاجية (حوالي ٤٤٪ من الانبعاث سنة ٢٠٠٠م).
قدمنا في القسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين] السيناريوهات الستة المعيارية لميول الانبعاث المحتمل في القرن الحادي والعشرين، الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في أواخر تسعينيات القرن العشرين. تعرض هذه السيناريوهات الستة انبعاث CO2 في العالم، وهو الآن حوالي ٩٫٥ جيجا طن كربون في السنة، مجالًا من أقل من ٥ جيجا طن كربون إلى أكثر من ٣٠ جيجا طن كربون في ٢١٠٠م. ويشير هذا المجال الواسع إلى الشك الجوهري بشأن ميول الانبعاث وتغير المناخ الناجم عنها، ورغم أن التحليلات التالية اقترحت أن الانبعاث قرب قاع هذا المجال غير محتمل تمامًا دون جهود دولية لخفضه. بالإضافة إلى ذلك، لا يُقدَّم تفسير صريح للشك الذي تطرحه هذه السيناريوهات. لا يُنَصُّ، على سبيل المثال، عما إذا كان المؤلفون حكموا بأن انبعاثًا بنسبة ٩٠٪ يحتمل أن يقع في هذا المجال، مناقضًا، مثلًا، لنسبة ٩٩٪ بشكل محتمل أو أكيد، ولا حتى إن كانوا حكموا بأن منتصف هذا المجال محتمل أكثر من طرفيه.

رغم هذه الشكوك الواسعة في ميول الانبعاث في المستقبل، تعرض سيناريوهاتٌ أحدثُ بضعةَ أنساق قوية؛ أولًا: لا تؤدي سيناريوهات خط الأساس إلى استقرار المناخ، تعرض معظم خطوط الأساس نموًّا مستمرًّا للانبعاث خلال هذا القرن، ونمو الاقتصاد العالمي يفوق الابتكارات التكنولوجية لخفض الانبعاث. تتوقع تحليلات حديثة بشكل نموذجي انبعاث سنة ٢١٠٠م حوالي ٢٠–٢٥ جيجا طن كربون، حوالي ثلاثة أضعاف الانبعاث الحالي. ثانيًا: توضح كل السيناريوهات انبعاثًا من الدول النامية يفوق الانبعاث من الدول الصناعية الحالية في العقود القليلة القادمة. ثالثًا: توضح السيناريوهات أن الانبعاث حساس بشكل كبير للميول في موارد الطاقة والتكنولوجيات. إنه تنوع معقول في هذه العوامل — وخاصة افتراضات بديلة بشأن أين تتحرك الطاقة في العالم حين يقل النفط والغاز التقليديان الرخيصان، باتجاه الفحم والوقود المصنَّع الذي يحتوي على كربون بنسب مرتفعة، أو باتجاه مصادر الطاقة التي لا ينبعث منها غازات — ينتج عنه مجال واسع من الانبعاث في المستقبل، كما هو الحال بالنسبة لأية فرضيات خاصة بالنمو السكاني والاقتصادي في المستقبل.

ورغم أن السيناريوهات جاءت أساسًا لدعم التقييم والتخطيط على المدى الطويل، فقد ولَّد الاختلاف بين السيناريوهات وميول الانبعاث الملاحَظ خلافًا على مدى العقدين الماضيين، حيث نما الانبعاث في تسعينيات القرن العشرين أبطأ مما توقعت السيناريوهات السابقة، ثم نما أسرع حتى من سيناريوهات أعلى نمو منذ سنة ٢٠٠٠م. زاد الارتفاع العالي حديثًا من الاهتمام الذي قد تفهم به السيناريوهات ضغط الانبعاث من التحول الذي يحدث الآن، باتجاه مصادر الوقود الذي يحتوي على نسب أعلى من الكربون مثل الفحم والبترول الثقيل، والرمال النفطية، وهو ما يتوقع استمراره والمصادر التقليدية تنضب والأسعار ترتفع.

يوضح الشكل ٤-٢ الميول في CO2 في الغلاف الجوي، التي تنتج عن السيناريوهات الستة البارزة الصادرة عن IPCC. الميول المأخوذة عن كل السيناريوهات متماثلة بالنسبة للعقود القليلة القادمة، تتجاوز ٥٠٠ جزء في المليون حول منتصف القرن، لكنها تختلف بعد ذلك خلال القرن. بحلول عام ٢١٠٠م، تتوقع أقل السيناريوهات توقعًا CO2 حول ٥٥٠ جزءًا في المليون (ضعف قيمة ما قبل الصناعة)، وتنمو ببطءٍ شديد، بينما تتوقع أعلى السيناريوهات توقعًا CO2 حول ٩٠٠ جزء في المليون (ثلاثة أضعاف قيمة ما قبل الصناعة) وتستمر في الارتفاع بشكل حادٍّ. سوف تجلب هذه الاختلافات الكبيرة في CO2 في الغلاف الجوي اختلافات كبيرة في تغير المناخ، لكن هذه الاختلافات تكبر فقط في أواخر هذا القرن وفيما بعد.
fig22
شكل ٤-٢: الغزارة المتوقعة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مؤسسة على سيناريوهات الانبعاث الصادرة عن IPCC والموصوفة في القسم [ما التغيرات الأخرى المحتملة؟ التنبؤ بتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين]، بالجزء في المليون. يمثل الخط المنقط سيناريو A1FI، ويمثل الخطط المخطط سيناريو B1، ويمثل الخط المنقط والمخطط سيناريو A1T (المصدر: بتصرف عن الشكل ١٨ في Technical Summary, IPCC (2001a)).
كما هو الحال بالنسبة لثاني أكسيد الكربون، يتوقع أن تزيد بقية غازات البيوت الزجاجية خلال القرن في معظم السيناريوهات، وأن تتحول باتجاه البلاد النامية. التوقعات بالنسبة لثاني أكسيد الكبريت (SO2) والإيروسولات الأخرى أكثر اختلاطًا. عمومًا، تتوقع معظم السيناريوهات هبوطًا في SO2 على مدار القرن، حيث إنه تتم السيطرة عليها للحد من الأمطار الحمضية والأشكال الأخرى للتلوث الإقليمي. حيث يساهم هذا الانبعاث حاليًّا بخفض الحرارة إجمالًا بالتركيز إقليميًّا، فسوف يساهم تخفيضها في ارتفاع حرارة المناخ. ومع ذلك تختلف الميول المتوقعة بقوة عبر الزمن والإقليم، مع زيادة كبيرة على المدى القريب متوقعة في المناطق التي تتجه إلى التصنيع بسرعة لعقود قليلة، ثم يلي ذلك انخفاض.
على ضوء تعقد توقع أنواع متعددة من الانبعاث والإيروسولات، تُوصَف السيناريوهات باطراد فيما يتعلق بالمساهمة البشرية الكلية في تغير المناخ، بدلًا من حساب كل نوع من الانبعاث منفصلًا. مجمل تغير المناخ هو التغير الإجمالي في سخونة سطح الأرض نتيجة أشعة الشمس والأشعة تحت الحمراء من الغلاف الجوي. وكما ناقشنا في الفصل الأول، تزيد إضافة غازات البيوت الزجاجية للغلاف الجوي من سخونة سطح الأرض بواسطة الغلاف الجوي. تبلغ حاليًّا محصلة تغير المناخ نتيجة أنشطة البشر (غازات البيوت الزجاجية، والإيروسولات، والتأثيرات الأخرى الأصغر) حوالي ١٫٦ وات/م٢–٢٫٦ وات من CO2 وبقية غازات البيوت الزجاجية والتي تبقى طويلًا، تقابل جزئيًّا بتغير سلبي يبلغ حوالي ١ وات من الإيروسولات والتأثيرات الأخرى. تتوقع سيناريوهات الانبعاث دون تحكم، التي صدرت حديثًا عن IPCC وبرنامج علم تغير المناخ في الولايات المتحدة (CCSP) أن التغير البشري الناتج عن زيادة غازات البيوت الزجاجية سوف يزيد إلى ٦٫٥–٨٫٥ وات/م٢ بحلول عام ٢١٠٠م، مكافئ لتركيز CO2 بمقدار ٩٢٠–١٣٩٠ جزءًا في المليون.

تمثل كل هذه السيناريوهات حسابات جوهرية تتعلق بكيفية نمو الانبعاث في العالم، في ظل فرضيات معقولة ومتسقة عن ميول النمو السكاني والنمو الاقتصادي والتغير التكنولوجي — واستبعاد أي معوقات أو مفاجآت. نشأت الفرضيات لتقديم معلومات عن الانبعاث من أجل توقعات نموذجية للكيفية التي يُحتمَل أن يتغير بها المناخ، لكن سيناريوهات الانبعاث يمكن أيضًا أن تؤلف بطريقة مختلفة، لتؤدي غرضًا مختلفًا. يمكن بدلًا من ذلك أن تشيد حول الأهداف البيئية، وتستخدم بوصفها أدوات لفحص إمكانية تحقق الأهداف ولتقييم الطرق البديلة لتحقيقها. ويتم التعبير عن الأهداف في هذه السيناريوهات بوصفها حدًّا ما في تغير الغلاف الجوي، مثل حد في متوسط درجة حرارة العالم، أو التغير الإشعاعي، أو تركيز غازات البيوت الزجاجية.

من هذه الاحتمالات، يرتبط حد درجة الحرارة ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات في المناخ وتأثيراتها، لكن لأن حساسية المناخ موضع شك، فإن الحد في غازات البيوت الزجاجية المطلوب ليقابل حد درجة الحرارة موضع شك. وبشكل مماثل، إذا كُبِحتْ غازات البيوت الزجاجية أو التغير الإشعاعي عند حد ثابت، فإن التغير الناتج في درجة الحرارة سيكون موضع شك. على سبيل المثال، وجد تحليل حديث أن كبح غازات البيوت الزجاجية عند ٤٥٠ جزءًا في المليون مكافئ CO2 — تقريبًا الحد الأكثر صرامة المفترض الآن — لن يقدم تقريبًا إلا بمقدار ٥٠٪ من الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى ٢ درجة مئوية فوق درجة حرارة ما قبل الصناعة. نتيجة لهذا الشك، عبَّرت السيناريوهات عادة عن استقرار الأهداف فيما يتعلق بالتركيز أو التغير الإشعاعي. والأمثلة المبكرة التي تناولت مستويات استقرار بديلة بالنسبة لثاني أكسيد الكربون وحده، عادة ٤٥٠، ٥٥٠، ٦٥٠، ٧٥٠ جزءًا في المليون (لنتذكر أن CO2 زاد تقريبًا من ٢٧٠ إلى ٣٨٠ جزءًا في المليون على مدار آخر مائتي عام، ويتزايد الآن تقريبًا بمقدار ٢ جزء في المليون كل سنة.) وحين انتقلت المناقشات إلى الحد بشكل مترابط من كل غازات البيوت الزجاجية، تم تعريف سيناريوهات الاستقرار بشكل مطرد فيما يتعلق بالتغير الإشعاعي. على سبيل المثال، تناولت السيناريوهات الحديثة الصادرة عن برنامج علم تغير المناخ في الولايات المتحدة أربعة مستويات للاستقرار تتراوح من ٣٫٤ إلى ٦٫٧ وات أعلى من مستوى ما قبل الصناعة (٥٣٠–٩٧٠ جزءًا في المليون مكافئ CO2)، بينما تفحص السيناريوهات الجديدة للتقييم القادم الصادر عن IPCC الاستقرار عند ٦، ٤٫٥، ٢٫٦–٣ وات (تكافئ ٨٥٠، ٦٥٠، ٤٥٠–٤٩٠ جزءًا في المليون مكافئ CO2).٢
تميل سيناريوهات الاستقرار إلى أن يكون لها مسارات مماثلة للانبعاث العالمي على مدار الزمن، ارتفاع في البداية، وصولًا إلى القمة، ثم هبوط. كلما كان هدف الاستقرار أكثر إحكامًا، يكون الوصول إلى القمة أسرع ويهبط الانبعاث بشكل أكثر حدة بعد ذلك. يلخص الشكل ٤-٣، على سبيل المثال، العديد من سيناريوهات الاستقرار التي تضعها IPCC. في السيناريوهات التي تسعى إلى استقرار عند ٤٥٠–٥٠٠ جزء في المليون مكافئ CO2، يصل الانبعاث إلى القمة قبل ٢٠١٥م ويهبط بنسبة ٥٠–٨٥٪ (عن مستويات سنة ٢٠٠٠م) بحلول منتصف القرن. يؤجل تخفيف هدف الاستقرار إلى ٥٠٠–٥٥٠ جزءًا في المليون قمة الانبعاث عقدًا أو نحو ذلك، ويقلل الانخفاض المطلوب في منتصف القرن إلى ٣٠–٦٠٪. ويبقى أن مزيدًا من تخفيف الهدف يؤجل الوصول إلى القمة، ويجعل الهبوط بعد ذلك أبطأ.
fig23
شكل ٤-٣: العلاقة بين مسارات الانبعاث واستقرار المناخ. توضح اللوحة اليمنى مجال تغير درجة حرارة العالم مرتبطة بالمستويات المختلفة لاستقرار غازات البيوت الزجاجية في المناخ. وتوضح اللوحة اليسرى مجالات سيناريوهات الانبعاث مرتبطة مع تقابل مختلف أهداف استقرار التركيز في الغلاف الجوي. يوضح الشريط السفلي أن الاستقرار حول ٢ درجة مئوية ارتفاع في درجة الحرارة يتطلب كبح التركيز عند ٤٥٠–٥٠٠ جزء في المليون مكافئ CO2، ويتطلب بدوره هبوط الانبعاث العالمي ٥٠–٨٥٪ بحلول منتصف القرن (المصدر: Figure SPM.11, IPCC (2007d)).
لا تتخذ مسارات الانبعاث هذا الشكل بالضرورة. هناك مسارات عديدة لكل هدف، بما فيها تلك التي تبدأ بالخفض فورًا وأخرى تجعل المستويات الأعلى من الخفض تبدأ مؤخرًا، لكن هذا الشكل، بانحراف تدريجي لنمو الانبعاث على المدى القريب يليه مستويات أكبر من الانخفاض، يميل إلى خفض تكلفة الاستقرار لأسباب عديدة. إنه يتجنب التخلي السابق لأوانه عن المعدات الرأسمالية المعمرة مثل محطات توليد الطاقة؛ ويسمح بمزيد من الوقت لتطوير تكنولوجيات جديدة منخفضة الانبعاث، وبتأجيل نفقات خفض الانبعاث، يقلل قيمتها الحالية من خلال الخصم.٣ حين تصبح الأهداف أكثر صرامة، تكون هناك مرونة أقل في الوفاء بها. ربما تتطلب الأهداف الصارمة بدء الخفض فورًا، وربما تتطلب توسعًا أسرع للتحكم في كل أنواع مصادر الانبعاث، وخاصة الانبعاث من تغير استخدام اليابسة. ربما تتطلب الأهداف الأكثر صرامة ترك التركيز في البداية يتجاوز الهدف ثم يهبط، من خلال الخفض الشديد في الانبعاث، أو حتى تدابير لدفع محصلة الانبعاث البشري إلى السالب، من قبيل استرداد CO2 من الغلاف الجوي.

سواء وضع سيناريو الانبعاث بوصفه توقعًا أو غاية، يمكن أن تقدم صورة للانبعاث وحده مجرد نقطة بداية للتفكير في استراتيجية التعديل. يتطلب فهم السبب الذي قد يجعل الانبعاث يتبع مسارًا أو آخر في سيناريو للتوقع، أو تحديد طبيعة الجهود المطلوبة ليتبع الانبعاث سيناريو للهدف، السؤال عن العوامل التي تجعل الانبعاث يتغير بطريقة ولا يتغير بأخرى، وعن التدابير المتاحة لانحراف هذه الميول. يتحول القسم التالي إلى هذه المسائل.

(٢-٢) العوامل المسئولة عن ميول الانبعاث

تتمثل خطوة أولى لفهم ميول الانبعاث وطرق تقليله في تحليل ميول الانبعاث إلى ميول في العوامل المسئولة التي نوقشت في الفصل الثالث: السكان والنمو الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي للفرد) والتكنولوجيا (كمية CO2 المنبعث لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن أن يحلل أكثر إلى الطاقة لكل دولار، CO2 لكل وحدة طاقة). وتؤثر هذه العوامل في بعضها، بالطبع؛ ومن ثم فهذا التدريب الحسابي لتحليل العوامل لا يعني أن كل عامل يمكن أن يتغير بشكل مستقل، أو حتى أن أي عامل يمكن التحكم فيه بالضرورة: كل العوامل أوصاف مجتمعة للميول الاجتماعية الاقتصادية. على مدار العقود القليلة الماضية، هبط النمو السكاني في العالم إلى أعلى قليلًا من ١٪ في السنة؛ نتيجة النقص الحاد في معدلات الخصوبة في الكثير من أرجاء العالم (وليس فيه كله)، بينما نما معدل الناتج المحلي على مستوى العالم بنسبة ١-٢٪ في السنة في المتوسط. ومال التغير التكنولوجي إلى خفض الانبعاث، فقد هبط CO2 المنبعث لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي أكثر بقليل من ١٪ في السنة في المتوسط على مدار القرن العشرين. وكانت محصلة تأثير هذه الميول أن انبعاث CO2 نما حوالي ١٪ تقريبًا في السنة في المتوسط على مدار القرن العشرين.

يجب أن تحقق أية استراتيجية للحد من سرعة نمو الانبعاث أو عكس هذا النمو مجموعة من التحولات في ميول هذه العوامل المسئولة: أن تحقق هبوطًا أسرع في نمو السكان في العالم؛ أو نموًّا اقتصاديًّا أبطأ؛ أو تسرِّع الابتكار التكنولوجي، لكن السياسات التي تستهدف صراحة الحد من السكان مستمرة إلى أبعد الحدود. تفترض كل سيناريوهات الانبعاث التي ناقشناها من قبل نموًّا مستمرًّا في سكان العالم، لكن بمعدل متناقص، لكن لأن أسباب نقص الخصوبة حديثًا غير مفهومة، يوجد شك في الصورة التي يمكن أن تكون عليها السياسات الفعالة لتسريع هذا الميل، حتى إذا تغاضينا عن الخلافات السياسية والدينية والثقافية العميقة التي تستثيرها هذه السياسات. وإذا صار تدهور الخصوبة أبطأ أو عُكِس، يمكن لنمو الانبعاث أن يتجاوز بسهولة حتى قمة مجال السيناريو الحالي.

السياسات الصريحة للحد من النمو الاقتصادي لصالح البيئة هي، إن أمكن، موضوع أكثر انفجارًا حتى من السياسات الموضوعة للسيطرة على نمو التلوث. يقدم التخلص من الفقر الشديد الذي يعاني منه كثيرٌ من مواطني العالم مبرِّرًا قويًّا لنمو الإنتاج الاقتصادي على مستوى العالم، بافتراض أن دخل النمو يصل بالفعل إلى مَن يحتاجون إليه، لكن حتى في المجتمعات الثرية، تبقى البؤرة المركزية للسياسات تشجيع النمو الاقتصادي، ولا يوجد دليلٌ على أن رغبة الناس في استهلاك المزيد يبدو أنها تشبع، باستثناءٍ وحيدٍ وهو الطعام. في البلاد وبينها، يلبي النمو الاقتصادي أيضًا احتياجًا سياسيًّا أكثر حدة: يمكن لمشهد النمو المستمر أن يخرس الضغط السياسي للتخلص من الظلم والمشاكل الاجتماعية، بإعطاء الأمل للمحرومين بتحسُّن نصيبهم إذا انتظروا. رغم أنه قد مضى وقت طويل على اقتراح أن تراكم المواد الاستهلاكية ينبغي أن يؤدي في النهاية إلى وقف النمو — بواسطة كُتَّاب من الاقتصاديين الكلاسيكيين إلى اقتصاديي البيئة ومنظِّري تقارب التطور — اكتسب هذا الجدل قوة ضئيلة في المناظرات السياسية. ونتيجةً لهذا، تركز سياسات التعديل دائمًا وأساسًا على تشجيع التغير التكنولوجي؛ لتقليل الانبعاث لكل دولار من الناتج الاقتصادي.

تاريخيًّا، أظهر اقتصاد العالم ميلًا طويل المدى لتقليل انبعاث CO2 لكل دولار من الناتج المحلي الإجمالي. وحدث هذا الهبوط نتيجة التحسن في كثافة الطاقة في الناتج الاقتصادي (الطاقة للناتج المحلي الإجمالي، أو كمية الطاقة المستهلكة لإنتاج دولار من الناتج الاقتصادي) وكثافة الكربون في الطاقة (CO2 لكل وحدة طاقة، أو كمية CO2 المنبعث لتوليد جول من الطاقة). هبطت الطاقة للناتج المحلي الإجمالي؛ نتيجة زيادة الكفاءة في عمليات خاصة بالإنتاج والتحول باتجاه أنشطة أقل استهلاكًا للطاقة (تقليل صناعة الصلب والصناعات الثقيلة الأخرى، وزيادة التصنيع الثانوي والخدمات). هبطت أيضًا كثافة الكربون في الطاقة، خلال تحولٍ تدريجي من مصادر الطاقة ذات الانبعاث المرتفع (الخشب، ثم الفحم) إلى المصادر ذات الانبعاث الأقل (النفط والغاز الطبيعي، مع بعض الحركة إلى الطاقة النووية والطاقة المتجددة). في العقد الماضي، مع ذلك، توقف هذا الميل للتخلُّص من الكربون على مستوى العالم، وانعكس في بعض المناطق، بالاقتراب من قمة إنتاج النفط التقليدي (أو تجاوزها كما يقدر البعض) وبدأت إمدادات الطاقة تتحرك باتجاه المصادر الثقيلة وغير التقليدية، مثل الرمال النفطية، والرجوع إلى الفحم.
إن المزيد من الخفض في كمية الطاقة التي يستهلكها الاقتصاد، أو كمية CO2 لتوليد هذه الطاقة، يمكن أن يخفض بشكلٍ كبيرٍ الانبعاث في المستقبل، كما توضح الفجوة الهائلة لسيناريوهات الانبعاث المتفائلة والمتشائمة تكنولوجيًّا (حتى مع النمو السكاني والاقتصادي ذاته)، لكن ما معدلات التحسن المعقول؟ كما نناقش في القسم التالي، يمكن تحقيق المزيد من التقدم في نزع الكربون من نظام الطاقة بالتوسع في استخدام الغاز الطبيعي؛ ليحل محل النفط والفحم وتحوُّل إمدادات الطاقة الجديدة إلى المصادر التي لا يصدر عنها انبعاث، لكن ظروف سوق الطاقة حاليًّا لا تدعم هذا التحول، كما يوضح الانعكاس الحديث للميل طويل المدى. إن المزيد من الخفض في كثافة الكربون يمكن أن يتحقق تقنيًّا، لكنه سوف يحتاج إلى تضافر الجهود.
انخفضَت كثافة الطاقة للناتج المحلي الإجمالي أحيانًا بسرعةٍ تصل إلى ٢٪ سنويًّا، لكن فترات أسرع انخفاض عكسَت ظروفًا خاصة، مثل فترات التحول السريع في المزيج الاقتصادي أو الاستجابات لصدمات سعر الطاقة؛ وبالتالي هناك أساس للارتياب في إمكانية استمرار هذه المعدلات المرتفعة لعقود، أو امتدادها إلى العالم. بالنسبة للعالم كله على مدار القرن العشرين، كان متوسط الانخفاض أكثر تواضعًا، حوالي ١٪ سنويًّا. تبدو آفاق التقدم في المستقبل متماثلة في الكثير من مناطق تحويل الطاقة والاستخدام النهائي. وقد تمَّت أشكال كبرى من تحسين الكفاءة، سواء عن طريق تراكم الكثير من المكاسب الصغيرة (على سبيل المثال، أشكال التحسين في المحركات الكهربية ومحركات الاحتراق الداخلي) أو عن طريق ابتكارات منفصلة بالغة التأثير (على سبيل المثال، إضاءة الفلورسنت المدمجة عالية الكفاءة والنوافذ منخفضة الانبعاث). والمكاسب الكبيرة الأخرى ممكنة، بما في ذلك ابتكارات حُدِّدتْ بالفعل (على سبيل المثال، إضاءة إل إي دي)٤ أو حتى متاحة فورًا ومربحة، وأخرى بعيدة المنال وصعبة وموضع شك.

يرى معظم المحللين إمكانية أن يستمر تحسن سنوي في المتوسط بنسبة ١٪ خلال القرن، ويقترح البعض أن ارتفاع أسعار الطاقة أو المحفزات الأخرى يمكن أن يرفع معدل التحسن السنوي المستدام إلى حوالي ٢٪. ومع ذلك قد يكون تجمُّع المكاسب من أشكال التحسن ذات الكفاءة محدودًا بالارتباط مع النمو الاقتصادي. ولأن المكاسب ذات الكفاءة تتحقَّق عادة في استثمارات في معدات رأسمالية جديدة، فإن المعدلات العالية من التحسن تتطلب نموًّا اقتصاديًّا قويًّا. بالإضافة إلى ذلك، لأن المكاسب ذات الكفاءة يمكن أن تجعل خدمات الطاقة (على سبيل المثال، قيادة السيارات أو التدفئة أو الإضاءة) أرخص؛ فقد يستجيب الناس لهذه المكاسب بزيادة الاستهلاك. تختلف تقديرات هذا «التأثير الارتدادي» اختلافًا واسعًا، من ١٠–٢٠٪ مقابل التوفير الأولي للطاقة في بعض الدراسات إلى أكثر من ١٠٠٪ في دراسات أخرى.

يساعد تصنيف العوامل المسئولة عن ميول الانبعاث على توضيح حجم التحدي فيما يتعلق باستقرار المناخ. خفض الانبعاث المطلوب من أجل الاستقرار — خفض بنسبة ٣٠–٦٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠م؛ ليحدث استقرار عند ٥٠٠–٥٥٠ جزءًا في المليون، أو خفض بنسبة ٥٠–٨٥٪ ليحدث استقرار عند ٤٥٠–٥٠٠ جزء في المليون — يتضمن خفضًا سنويًّا مستدامًا في الانبعاث بنسبة ١٪ للهدف الأضعف إلى ١٫٥٪ للأقوى. وافتراض الحاجة، على سبيل المثال، إلى ٤٪ نمو اقتصادي سنوي على مدى هذه الفترة، وهي ما قد يشكل ٠٫٥–١٪ نمو سكاني، ٣–٣٫٥٪ نمو نصيب الفرد من الدخل، يتضمَّن الحاجة إلى ٥–٥٫٥٪ من الانخفاض في المعاملَين التكنولوجيَّين معًا، أي ٢٫٥٪ نقص سنوي في كلٍّ من الطاقة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي والكربون بالنسبة لوحدة الطاقة.

(٢-٣) الاختيارات التكنولوجية لخفض الانبعاث

توضح مقارنة هذه المعدلات المطلوبة للتغير بالخبرة التاريخية، التحديَ الهائل الذي سيكون عليه الوضع لخفض الانبعاث بهذا القدر، لكن هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من الخيارات التكنولوجية المعروفة متوفرة للسعي لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى الكثير من الآفاق الأخرى الأكثر بعدًا في الزمن أو التكلفة أو الثقة في نجاحها.

بينما يمثل CO2 المرتبط بالطاقة النصيب الأكبر في انبعاث غازات البيوت الزجاجية، نتيجة أنشطة الإنسان؛ ومن ثم يقدم أعلى فرص التخفيضات، فإن انبعاث الغازات الأخرى — بما فيها CO2 من الزراعة والغابات واستخدام اليابسة، والغازات الأخرى غير CO2 متضمنة الميثان، وأكسيد النيتروز والهالوكربونات — يقدم أيضًا فرصًا مهمة للتخفيض. وهذه الفرص متنوعة: بعض مصادر الانبعاث مثل الميثان من المطامر والحظائر، وخطوط أنابيب الغاز الطبيعي مركزة ومن السهل تحديدها، وقابلة للخفض بيسر، بينما بعض المصادر الأخرى غير مركزية، ومن الصعب تتبعها، وقابلة للخفض أساسًا من خلال التغيرات في الإدارة أو السلوك من قبيل الممارسات الزراعية، وليس من خلال التكنولوجيا. وتقدم هذه المصادر فرصًا جوهرية لتوسيع مجال تخفيضات الانبعاث؛ ومن ثم خفض تكلفة تحقيق هدف محدد. بالنسبة لأهداف الاستقرار الصارم تتزايد هذه المزية الخاصة بالتكلفة، لدرجة أن أكثر الأهداف صرامة، مثل ٤٥٠ جزءًا في المليون مكافئ CO2، ربما لا يكون ممكنًا إلا إذا تضمن انبعاث استخدام اليابسة والغازات الأخرى غير CO2. في كثيرٍ من الحالات، مع ذلك، تكون وسائل التحكم في هذا الانبعاث وسياسات تحفيز أساليب التحكم أكثر صعوبة في تحديدها وتنفيذها، مما عليه الحال بالنسبة لانبعاث CO2 المرتبط بالطاقة.
بالنسبة لانبعاث CO2 المرتبط بالطاقة، تكمن أكثر فرص الخفض الفوري في زيادة كفاءة استخدام الطاقة؛ ومن ثم خفض استخدام الطاقة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. ويجد التحليل الهندسي عادة فرصًا كثيرة متاحة بتكلفة منخفضة وربما حتى بتكلفة سلبية، من خلال مبادرات من قبيل أبنية وتدفئة وإضاءة ومعدات إلكترونية أكثر كفاءة، وحفظ الماء الساخن. وجد تحليل حديث فرصًا لتخفيض الانبعاث في الولايات المتحدة بنسبة ٢٠٪ بتكلفة هامشية سلبية وأكثر من ٤٠٪ بتكلفة هامشية أقل من ١٨٠ دولارًا/طن كربون.٥ وهناك دليل ثابت على أن هذه الخيارات ذات الكفاءة التي تبدو جذابة لا يتم تبنيها، مع ذلك، مما يوحي بتكاليف خبيئة لم تتوصل لها التحليلات الهندسية، أو بأن فشل الأسواق يعوق الاعتماد. وقد تكون المكاسب الكبيرة ممكنة أيضًا في النقل، من التحسين الكفؤ في التكنولوجيات الحالية لقيادة القطارات، ومن التحول إلى أوعية جديدة للطاقة مثل الكهرباء أو الهيدروجين، رغم أن التكلفة والمكاسب الحقيقية المنجزة تعتمد على نظام الطاقة في مجمله — أي الكيفية التي يتم بها إنتاج الكهرباء أو الهيدروجين — وليس المَرْكبات فقط.
تأتي فرص أخرى، وخاصة على المدى الأطول، من خفض كثافة الكربون، الانبعاث لتوليد كل وحدة طاقة، من خلال تحوُّل إمدادات الطاقة إلى المصادر والتكنولوجيات ذات الانبعاث المنخفض أو عديمة الانبعاث. إن الأنواع الأساسية لتكنولوجيا الطاقة التي تحافظ على المناخ معروفة جيدًا، وتشمل المصادر المتجددة مثل الشمس والرياح والوقود الحيوي؛ الانشطار النووي وربما الاندماج النووي مستقبلًا؛ وفصل الكربون، وبه يتم اصطياد CO2 الناتج عن حرق الوقود الحفري وتخزينه في مستودعات بيولوجية أو جيولوجية، بدلًا من أن ينطلق في الغلاف الجوي.

تقدم بالفعل مصادر الطاقة المتجددة نسبة مئوية من الطاقة العالمية. لا يمكن، مع ذلك، التوسع أكثر في أكبر مصدرَين متجددَين — خشب الوقود والطاقة الكهرومائية — بينما المصادر المتبقية — الشمس والرياح والحرارة الجوفية والمحيطات (الحرارة والمد والجزر والأمواج) — لا تمثِّل مجتمعة تقريبًا إلا ١٪ من الطاقة المستخدمة في العالم حاليًّا. يتم التوسع في استخدام قوة الشمس والرياح بسرعة في كل أرجاء العالم، لكن من قاعدة صغيرة جدًّا. إنهما بالفعل منافسان على مستوى التكلفة في بعض التطبيقات المتخصصة، وبشكل أساسي المواضع البعيدة عن شبكة الكهرباء، بينما التوربينات الحديثة التي تستخدم الرياح على نطاق واسع بأحجام تصل إلى عدة ميجا وات تنافس باطِّراد، حتى في أنظمة القوة المتمركزة في الأماكن التي تكثر فيها الرياح، مما يسمح للرياح أن تمد بلادًا قليلة بنسبة ١٠–٢٠٪ من الكهرباء — رغم أن البلاد التي تتوسع في استخدام الرياح والشمس بسرعةٍ تقدم لهما إعانات كبيرة.

يمكن للابتكارات الإضافية المستمرة لزيادة كفاءات التحويل، وخفض التكاليف أن تسمح بمزيدٍ من التوسع في هذه المصادر. وهناك أيضًا آفاق للتوسع في استخدام الطاقة الحيوية، زراعة محاصيل سريعة النمو وحرقها بكفاءة لتوفير طاقة لا ينبعث منها CO2 في المحصلة، بشرط أن تتم الزراعة بشكل مستدام. التكنولوجيات الحالية للوقود الحيوي متنوعة بشدة في استدامتها — يعتمد بعضها بكثافة على الموارد الخارجية للوقود الحفري — والتوسع على نطاق واسع في الوقود الحيوي قد يحمل خطر التنافس على اليابسة، مع إنتاج الغذاء والحفاظ على الغابات والتنوع الحيوي.
لكن معظم المصادر المتجددة تعاني من شكلَين من أشكال القصور يعوقان قدرتها على أن تمتدَّ لتشكل نسبة كبيرة من الطاقة المستخدمة في العالم. إن قوتها منخفضة الكثافة، وهكذا توفِّر قدرًا كبيرًا من القوة التي تتطلَّب تجهيزات تغطي مناطق كبيرة، لتجميع الموارد ونقل الطاقة إلى مراكز الطلب. على سبيل المثال، تتطلب تلبية قدر جوهري من احتياج الولايات المتحدة للكهرباء بالقوة الشمسية، مجموعة شمسية من آلاف الكيلومترات المربعة، غالبًا في موقع صحراوي بعيدًا عن مراكز التحميل الرئيسية. والوقود الحيوي محدود بالتمثيل الضوئي ربما حتى كثافة قوة أقل، حوالي ٠٫٦ وات/م٢، وهكذا قد يتطلب توفير قدر جوهري من الطاقة العالمية بهذه الطريقة زراعة أرض بمحاصيل الطاقة تماثل الأرض الزراعية حاليًّا على نطاق العالم. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الشمس والرياح الطاقة بشكل متقطع فقط — حين تكون الشمس ساطعة أو الرياح عاصفة — ومن ثم تحتاجان إلى نظم احتياطية أو لتخزين الطاقة لتوليدها بشكل يُعتمد عليه طوال اليوم وطوال العام. بينما يمكن مبدئيًّا حدوث توسع هائل في الطاقة المتجددة — تصل التقديرات بمجال أقصى لإمداداتٍ عمليةٍ إلى ٣٠ تريليون وات،٦ ضعف إمدادات الطاقة الحالية في العالم — فقد يعتمد مثل هذا التوسع على هذه المشاكل المتعلقة بالوضع والنقل وتخزين الطاقة.

المصدر المتجدد الذي يتجنب بأفضل صورةٍ المشاكل المتعلقة بانخفاض كثافة القوة وتقطعها؛ يمكن أن يكون الطاقة الشمسية التي تجمع في مجموعات في الفضاء، وتنقل إلى محطات استقبال على الأرض. لأن ضوء الشمس أقوى ومتاح دائمًا في الفضاء، فإن مساحة المجموعة المطلوبة قد تكون فقط حوالي عُشْر المساحة المطلوبة على سطح الأرض لتوليد القوة ذاتها. ما يعمل ضد هذه المزية التكلفة العالية لإطلاق المادة في الفضاء، حاليًّا عدة آلاف من الدولارات لكل كجم. ولأن هذا قسم كبير من إجمالي التكلفة المقدرة للنظم الشمسية الفضائية، فإن توقع تخفيضات كبيرة في تكاليف الإطلاق يمكن أن يخفض بحدة التكاليف الإجمالية للنظام — مما يجعلها منافسة للقوة الشمسية على السطح، أو حتى للوقود الحفري — لكن هذه التخفيضات المتوقعة تبقى شكلًا من أشكال المضاربة.

الانشطار النووي والاندماج النووي، مثل المصادر المتجددة، مصادر للطاقة لا ينبعث منها CO2 إلى الغلاف الجوي. استخدمت مفاعلات الانشطار النووي، التي تولد طاقة بشطر ذرات اليورانيوم أو البلوتنيوم، على نطاقٍ واسعٍ في كل أرجاء العالم لعقود. ومع ذلك توقف بناء مفاعلات جديدة في سبعينيات القرن العشرين للاهتمام بالأمان، وصرف المياه، والسياحة، وأخطار انتشار الأسلحة النووية من تحويل وقود المفاعل. وتبقى مفاعلات الاندماج، التي تولد الطاقة بدمج ذرتَين من الهيدروجين لتخليق ذرة هليوم، في طور الإنشاء بعد عقود من البحث.

إن إمكانية أن تساهم القوة النووية مساهمةً كبيرةً في طاقة العالم بحلول منتصف القرن، معرضة لمعوقات وشكوك كبيرة متبقية. تحمل تصميمات مفاعل جديد للانشطار وعدًا بتحسن الأمان بشكل كبير، ويبقى احتمال حل مشكلة التخلص من النفايات تقنيًّا، إن لم تحل سياسيًّا. وتبقى مخاطر الأمان التحدي الأكثر حِدَّة للتوسع على نطاقٍ واسع في الاندماج — الدمار والسياحة وتحويل الوقود إلى صنع الأسلحة — وهو ما قد يكون غير قابلٍ للتغلب عليه. وقد اقترح أيضًا أن موارد اليورانيوم في العالم قد تكون غير كافيةٍ لصناعة مستديمة على نطاق واسع للانشطار دون معالجة كيميائية للوقود، وهي عملية يحتمل أن تزيد من مخاطر تحويل غير مشروع للوقود لصناعة أسلحة. يبقى الاندماج موردًا بعيد المنال، لا يزال في انتظار طفرات تقنية لا بد أن تسبق قابلية التطبيق على المستوى التجاري، وهكذا لا يمكن توقع مساهمة مهمة منه بشكل معقول على الأقل لعدة عقود.

المسار التكنولوجي الرئيسي الأخير لخفض انبعاث CO2 هو حرق الوقود الحفري، لكن بطريقة تطلق قدرًا ضئيلًا من CO2 إلى الغلاف الجوي أو لا تطلقه على الإطلاق، من خلال تكنولوجياتٍ لاصطياد الكربون وتخزينه. هناك عدة مقاربات واعدة. تتضمَّن إحداها تحليل الوقود الحفري قبل حرقه إلى مكوناته الكيميائية الرئيسية، الهيدروجين والكربون. يحرق الهيدروجين لإنتاج الطاقة باعثًا، غالبًا، بخار ماء غير مؤذٍ. ويحرق الكربون في خزان على المدى الطويل تحت الأرض أو تحت سطح البحر. ويوحي التقدم الحديث في هذه التكنولوجيات بأن هذه المقاربة قابلة للتطبيق تقنيًّا، وهي متسقة مع النظم الحالية للطاقة، وقد تكون تكلفتها أساسًا أقل من تكلفة المصادر الحالية المتجددة أو النووية. ويتمثل الشك الأساسي في هذه المقاربة في إمكانية توفير مواضع تخزين CO2 واستقرارها لفترات طويلة. إذا كان التخزين غير ثابت، أو كان الكربون المخزون يعود إلى الغلاف الجوي بسرعة كبيرة — أسرع من بضعة آلاف من السنين، في المتوسط — فإن المقاربة لن تكون فعالة. ويوحي بحث مبكر بأن بعض مواضع العزل، بما في ذلك حقول النفط والغاز التي نضبت، والطبقات الصخرية المائية الملحية العميقة، وطبقات الفحم العميقة، وربما أعماق المحيط بالنسبة لبعض الأشكال الكيميائية من الكربون، ثابتة بشكل يعول عليه لفترات أطول. ورغم أن أمان هذه الخزانات وثباتها يحتاج إلى مزيدٍ من البحث وتقييم دقيق للأخطار المصاحبة، يبدو حاليًّا أن اصطياد الكربون وتخزينه يحمل وعدًا كبيرًا بخفض الانبعاث، وخاصة على مدار العقود القليلة القادمة حين يبقى الوقود الحفري المصدر الرئيسي للوقود في العالم.
يمكن أيضًا عزل الكربون بيولوجيًّا، في الأشجار أو التربة، رغم أن حجم هذه الخزانات وإمكانية بقائها، وعرضتها للأحداث المفاجئة مثل حرائق الغابات أو التحلل السريع المرتبط بارتفاع حرارة العالم؛ يجعله يبدو واعدًا بشكل أقل من العزل الجيولوجي. النظم التي تجمع الوقود الحيوي المتنامي لإنتاج الطاقة مع فصل الكربون الناتج وعزله، وأيضًا النظم التي تصطاد CO2 مباشرة من الغلاف الجوي؛ تبدو واعدة.

عمومًا، تختلط آفاق خفض حادٍّ في الانبعاث في العالم، من خلال الابتكار التكنولوجي. من ناحية، يمثل خفض الانبعاث لاستقرار تغير المناخ مشكلة تقنية قابلة للحل: هناك عدة طرق تكنولوجية ممكنة لتوفير طاقة دون انبعاث غازات البيوت الزجاجية. ومن الناحية الأخرى، لا يوجد مصدر من هذه المصادر خالٍ من المشاكل أو إمكانية إثارة الصراع. التوسع الهائل في مصادر الطاقة الآمنة للمناخ مطلوب لاستقرار المناخ عند مستوياتٍ تتسم بحذرٍ معقول. في ظل سيناريوهات المجال المتوسط للطلب على الطاقة، ربما تتراوح الإمدادات الجديدة المطلوبة من الطاقة الآمنة للمناخ بحلول ٢٠٥٠م، بين ما يعادل تقريبًا إجمالي إمدادات الطاقة في العالم اليوم، إلى ضعف هذه الكمية أو ثلاثة أضعافها.

عند هذه المعدلات من الانتشار، سوف تواجه المصادر الجديدة كلها اختناقات شديدة في الإمدادات، وحتى التي قد تبدو حميدة أكثر سوف تجلب تأثيرات بيئية كبيرة، ومعارضة سياسية مصاحبة لها. بالإضافة إلى ذلك، إن مشكلة التعديل كبيرة جدًّا بدرجةٍ تجعلنا لا نحد من استجابتنا للتكنولوجيات التي نفضلها الآن: لا يمكن أن نعرف أي مزيج من التكنولوجيات يتبين أنه ناجح ومقبول اجتماعيًّا، وهكذا من منظور المشاكل المحتملة معها جميعًا، باستثناء أي مرشح رئيسي مقدمًا — وخاصة باستثناء النووي أو اصطياد الكربون وتخزينه (CCS) من المزيج — قد تتعرض للخطر قدرتنا على تحقيق أهداف صارمة لاستقرار المناخ. أخيرًا، باستثناء الفرص منخفضة التكلفة أو سلبية التكلفة في المحافظة والتحسن الذي يتسم بالكفاءة — الذي ربما لا تنتزع إلا جزءًا صغيرًا من المشكلة — تتكلَّف مصادر الطاقة الآمنة للمناخ أكثر من المصادر التقليدية التي تنبعث منها الغازات التي ستحلُّ محلها؛ وبالتالي، لن تنتشر — من المؤكد بالمعدل السريع المطلوب — دون سياسات لتشجيعها أو فرضها. يناقش القسم التالي الأشكال التي قد تكون عليها هذه السياسات.

(٢-٤) استجابات السياسة القومية

لن تتخذ الحكومات غالبًا سياسات لتطوير تكنولوجيات الطاقة الآمنة للمناخ أو لنشرها، بهدف الحد من سرعة تغير المناخ. في الحقيقة سوف يتخذ مثل معظم القرارات الاقتصادية، آلاف الأفراد أو الملايين والمنظمات لأغراضها المتنوعة، استجابة لفهمها الخاص للفرص الحالية والتكاليف والأخطار، وظنونها بشأنها في المستقبل، لكن سياسة الحكومة تلعب دورًا رئيسيًّا في التأثير على هذه الملايين ذات الاختيارات الخاصة، بتشجيع قدرة الممثلين الخاصين على القيام باختيارات مفضلة اجتماعيًّا، مقدمة معلومات لتسهيل هذه الاختيارات، وبشكل حاسم، بتغيير فهمهم للفرص والتكاليف والأخطار التي تشجع اختياراتهم — أي محفزاتهم.

يمكن لأنواع كثيرة من السياسة العامة أن تؤثر على هذه القرارات، وهكذا تغير ميول الانبعاث، بما في ذلك الضريبة العامة وسياسة الإنفاق الحكومي، لكن هناك أربعة أنواع من السياسة ترتبط بشكل خاص وموجه صراحة لخفض الانبعاث. وتشمل، الإجراءات المنظمة المعتمدة على السوق مثل ضرائب الانبعاث، أو تصاريح الانبعاث القابلة للتداول، والإجراءات التقليدية، والإنفاق العام المباشر، والمبادرات المتنوعة التي تعتمد على المعلومات والتعليم والأعمال التطوعية.

الآليات المعتمدة على السوق

الآليات المنظمة المعتمدة على السوق هي السياسات البيئية الجديدة الأكثر بروزًا على مدار آخر ١٠–٢٠ سنة. تسعى هذه السياسات لتحقيق الأهداف البيئية بتقديم حوافز تعمل من خلال الأسواق، يكون للأفراد الحق في اختيار استجابتهم بشأنها. للسيطرة على انبعاث غازات البيوت الزجاجية أو الملوثات الأخرى، يوجد شكلان رئيسيان من السياسات المعتمدة على السوق: رسوم الانبعاث أو ضريبته، وتسمى عمومًا «ضريبة الكربون» حين تطبق على انبعاث غازات البيوت الزجاجية، أو نظام تصاريح الانبعاث القابلة للتداول، وتسمى غالبًا نظام «الذروة والتجارة». في ظل ضريبة كربون، على كل مَصْدر أن يدفع ضريبة خاصة مقابل انبعاث كل طنٍّ من التلوث. في ظل نظام الذروة والتجارة، على كل مصدر أن يحمل تصريحًا لكل طنٍّ ينبعث منه. توزع الحكومة التصاريح في البداية، بعد ذلك قد تشتريها مصادر الانبعاث وتبيعها فيما بينها.

مزية هذه السياسات المعتمدة على السوق المرونة التي تمنحها لمصادر الانبعاث في كيفية الاستجابة. إنها لا تحدد الكمية التي ينبغي على كل مصدر تخفيضها، لكنها تدع كل مصدر يختار الكمية التي تنبعث منه، طالما يدفع الضريبة أو يحمل تصريحًا للانبعاث الذي يختاره. التأثير الأساسي لأية سياسة منهما جعل الانبعاث مكلفًا. يواجه كل مصدر انبعاث تكلفة على كل طن ينبعث منه، مما يحفز هذه المصادر على خفض الانبعاث الصادر عنها لتجنب التكلفة. في ظل وجود ضريبة، سوف يخفض كل مصدر حتى تكون التكلفة الهامشية للطن التالي مساوية لمعدل الضريبة: حتى تلك النقطة، تقوم بعمل التخفيضات الأرخص المتاحة لها بدلًا من دفع الضريبة، بينما بعد هذه النقطة تدفع الضريبة بدلًا من القيام بالتخفيضات الأكثر تكلفة والمتاحة لهم. في ظل الذروة والتجارة، يتم تحديد سعر تصاريح السوق بواسطة المهن التي بها مصادر انبعاث ذات تكاليف هامشية أعلى، التي ستدفع لشراء تصريح بدلًا من القيام بالتخفيضات المتاحة الأكثر تكلفة، تُشترى تصاريح من المصادر ذات التكاليف الهامشية الأقل، التي تفضل القيام بالتخفيضات الأرخص المتاحة لها؛ للحصول على الثمن من بيع تصريح. إذا تم تحديد السياسة في المستوى المناسب من الصرامة — معدل الضريبة أو عدد التصاريح التي يتم توزيعها — وإذا استجابت مصادر الانبعاث لهذه الحوافز بشكل معقول، فسوف يؤدي ذلك إلى التوزيع المثالي للانبعاث من المنظور الاجتماعي، فيما يتعلق بكلٍّ من الانبعاث الكلي وتوزيع الانبعاث بين المصادر.

يُفترَض غالبًا هذان الشكلان من السياسة بوصفهما العنصر المركزي لاستراتيجية تعديل تغير المناخ. تُفرَض ضريبة كربون على الوقود الحفري متناسبة مع ما يحتويه هذا الوقود من الكربون. يمكن أن تُحصَّل الضريبة عند نقاط متنوعة في نظام الطاقة، بداية من استخراج الوقود إلى نقطة الانبعاث. إحدى المقاربات، وقد افتُرضتْ غالبًا لتسهيل الإدارة، تطبيق الضريبة «عند المنبع» حيث يستورد الوقود أو ينتج (أي، عند منجم الفحم أو بئر النفط)، مع ضريبة ائتمان تُمنح عند تحويل الوقود إلى استخدام لا يصدر عنه انبعاث مثل التصنيع البتروكيميائي أو العزل لفترات طويلة. وتدمج الضريبة في سعر الوقود وهو يمر خلال الاقتصاد، رافعًا سعر كل البضائع والخدمات التي تستخدم طاقة الوقود الحفري. سوف يتحقق نظام الذروة والتجارة بطريقة مماثلة: يتطلب الأمر تصريحًا لمحتوى الكربون لاستخراج وحدة من الوقود الحفري أو استيرادها، ويمنح تصريح جديد مقابل كل وحدة من الكربون تُعزَل بشكل ثابت، أو تُدمَج في استخدام لا يصدر عنه انبعاث. وتتتبع تكلفة التصريح، كما هو الحال في ضريبة الكربون، الوقود خلال الاقتصاد، رافعة سعر البضائع والخدمات التي تعتمد على الكربون.

بشكل بديل، يمكن تحقيق ضريبة كربون أو نظام الذروة والتجارة «عند المصب»، عند نقطة حرق الوقود وانبعاث CO2. وهذه مقاربة النظام التجاري للانبعاث في الاتحاد الأوروبي، وتتطور الآن فرضيات الذروة والتجارة على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي في الولايات المتحدة. لتكون نظم المصب ممكنة إداريًّا عليها أن تحدَّ من مجالها إلى عددٍ صغيرٍ من المصادر الكبيرة التي يصدر عنها انبعاث ثابت، عادة محطات توليد الكهرباء والمرافق الصناعية الكبيرة. ويؤدي هذا إلى تضييق مشاركة الاقتصاد الذي يواجه سعر الانبعاث الناتج.

تهدف ضرائب الانبعاث وأنظمة الذروة والتجارة إلى تقديم حوافز ثابتة من أجل التعديل، لكنهما يختلفان في بعض الأبعاد المهمة؛ لأن ضريبة انبعاث تفرض على كل وحدة من الانبعاث، تنقل الضرائب الثروة من مصادر الانبعاث إلى الحكومة. سيجعل نظام التصاريح الثروة نفسها تنتقل إذا كان على مصادر الانبعاث، كما يفترض غالبًا، أن تشتري التصاريح في مزاد. في الأنظمة الموجودة، مع ذلك، لا تطرح التصاريح في مزاد عادة، لكنها تمنح مجانًا، لمصادر الانبعاث حاليًّا. أنظمة الذروة والتجارة، مطبقة بهذه الطريقة، أقل تكلفة بكثير لمصادر الانبعاث حاليًّا، وهكذا تلقى معارضة أقل وأسهل في سَن قوانينها.

يختلف أيضًا تأثير أنظمة ضرائب الانبعاث والذروة والتجارة، حين يكون هناك شكٌّ بشأن تكاليف تخفيض الانبعاث وفوائده. يثبت نظام التصاريح الكمية الإجمالية المنبعثة، بصرف النظر عن تكلفة الخفض إلى ذلك المستوى. ويثبت نظام الضريبة تكلفة الوحدة الأخيرة من الانبعاث التي يجب خفضها — لأن مصادر الانبعاث تخفض حتى يكون دفع الضريبة أرخص من القيام بمزيدٍ من التخفيض، ثم تتوقف — بصرف النظر عن مقدار الانبعاث الذي خُفِّض بالفعل للوصول إلى هذه النقطة؛ بالتالي، حين تكون تكاليف تخفيض الانبعاث وفوائده موضع شك، يعتمد تفضيل النظام على أيٍّ من هذه الكميات — الكمية الإجمالية التي خُفِّضتْ، أو التكلفة الهامشية لعمليات التخفيض — أكثر أهمية.

في المناظرة الحالية حول هاتَين المقاربتَين، يوجد انفصالٌ متنامٍ بين آراء الاقتصاديين والمحللين الآخرين، والاتجاه الرئيسي للفعل السياسي. يحدد الخبراء باطراد أن مقاربات ضريبة الكربون مفضلة مقارنة بأنظمة الذروة والتجارة، لأسباب عديدة؛ الأول: لأن تغير المناخ يعتمد على الانبعاث المتراكم عبر السنين والعقود، وليس على الانبعاث في سنةٍ معينة، يمكن التحكم في ضريبة الكربون عبر الزمن طبقًا للاحتياج لتوجيه الانبعاث باتجاه هدفٍ معين لاستقرار المناخ، بينما تضع حدًّا واضحًا على تكاليف التعديل في أية سنة. الثاني: تسمح ضريبة الكربون بأن تكون كثافة حافز خفض الانبعاث محددة بدقة ومختلفة عبر الزمن. في المقابل، جربت أنظمة الذروة والتجارة التقلب الشديد في السعر على المدى القصير، مما ركز الانتباه على الفرص التجارية قصيرة المدى، وأعاق محفزات الابتكارات والاستثمارات طويلة المدى اللازمة لخفض الانبعاث. الثالث: من المحتمل أكثر أن تخلق أنظمة الذروة والتجارة أصولًا قيمة لممثلي القطاع الخاص؛ ومن ثم تضع أخطارًا أكبر على الانتقالات والخلافات والفساد، خاصة في نظام دولي بمعايير مختلفة للإنجاز والتنفيذ، ولكن رغم هذه المزايا التي تبدو قويةً بالنسبة لنظم تعتمد على الضرائب، واقعيًّا كل الفرضيات السياسية الحالية بالنسبة لسياسات التعديل المؤسسة على السوق هي نظم الذروة والتجارة.

ثمة طريقة لكسب بعض مزايا كل من نظم ضريبة الكربون والذروة والتجارة؛ وهي تكوين نظم هجين أو خليط. ومنها أشكال عديدة ممكنة. يمكن لنظام الذروة والتجارة أن يتضمن حدودًا للسعر لتقييد تقلب السعر والإيجارات الخاصة — أدنى سعر عنده تعيد الحكومة شراء التصاريح إذا كانت الذروة فضفاضة جدًّا، أو أعلى سعر أو «صمام أمان» عنده تبيع الحكومة تصاريح إضافية إذا كانت الذروة محكمة جدًّا، وكان السعر مرتفعًا بصورة غير متوقعة. ربما تتضمن نظم هجين أخرى ضريبة انبعاث بحدودٍ كَمِّيَّةٍ، وهكذا يمكن رفع الضريبة إذا تجاوز الانبعاث أو معدل نموه عتبة معينة، أو خفضها إذا هبط الانبعاث أسرع من المتوقع؛ أو لا تفرض ضريبة على كل مستويات الانبعاث، لكن فقط على المستويات فوق خط أساس معين، مع خصمٍ بالنسبة للمستويات تحت خط الأساس.

سواء أخذت السياسات المعتمدة على السوق شكل ضريبة كربون، أو نظام الذروة والتجارة، أو شكلًا هجينًا، فإن السياسة تحدد كلًّا من مستوى تجمع خفض الانبعاث، وسعر مقيد للانبعاث أو التكلفة الهامشية. وضحت كل تحليلات سيناريوهات استقرار المناخ أن التكلفة الهامشية، السعر على الانبعاث، ينبغي أن يرتفع بمرور الزمن ليقدم حوافز للاستثمار طويل المدى، والابتكارات التكنولوجية المطلوبة لتخفيض الانبعاث، رغم أن تقديرات النماذج المختلفة لسعر الانبعاث المطلوب تختلف اختلافًا جوهريًّا خاصة بعد منتصف القرن.

القواعد التقليدية

كانت معظم السياسات البيئية المشتركة، قبل الاهتمام الحديث بالسياسات المعتمدة على السوق، قواعد تحدد هدفًا للأداء يجب على كل مصدر للانبعاث — على سبيل المثال، مصنع، أو مزرعة، أو مُنْتَج — أن يلبيه. يمكن تعريف أهداف الأداء بطرق مختلفة، على سبيل المثال، إجمالي الانبعاث من ملوث كل عام، أو تركيز ملوث في الانبعاث، أو الانبعاث لكل وحدة من عملية (على سبيل المثال، قواعد لعوادم السيارات تعرف بالجرام المنبعث من ملوث لكل ميل قيادة). حُدِّدتْ بضع قواعد بيئية وليس فقط أهداف الأداء، ولكن أيضًا تكنولوجيات أو عمليات خاصة لتحقيقها، لكن هذه أقل شيوعًا. قد يشمل التنظيم التقليدي لغازات البيوت الزجاجية الحد من الانبعاث من نباتات معينة، أو أنواع معينة من الآلات.

جلبت قواعد من هذا النوع تحسينًا بيئيًّا كبيرًا على مدار الأعوام الثلاثين الأخيرة، ولكنها انتُقِدتْ لأنها تتكلف أكثر من المطلوب لتحديد منفعة بيئية معينة. وهناك سببان لعدم كفاءتها؛ الأول: حين تُفرَض أهداف متماثلة على مجموعة من مصادر الانبعاث (على سبيل المثال، ينبغي تخفيض كل مصنع بنسبة ٢٠٪)، ربما تختلف مصادر الانبعاث في تكلفتها الهامشية للتخفيضات. وحين يحدث هذا، يحتمل تحقيق المنفعة البيئية نفسها بتكلفة أقل، بتحويل التخفيضات بين المصادر، بالخفض أكثر حيث تكون التخفيضات أرخص (تكاليف السيطرة الهامشية أقل)، وأقل حيث تكون أكثر تكلفة (التكاليف الهامشية أعلى). وتقدم معايير الأداء أيضًا حوافز غير كافية لابتكارات خفض الانبعاث؛ لأن معظم فوائد هذه الابتكارات تأتي من خفض تكلفة التخفيضات في وجود المزيد من المعايير، وهو ما لا يطلب من مصادر الانبعاث القيام به في ظل هدف الأداء. كان هذا النقد مبالغًا فيه أحيانًا، لكنه صحيح أساسًا وهو السبب في أن معايير الأداء التقليدي تم التغلب عليها بالآليات المعتمدة على السوق منذ سنة ١٩٩٠م.

الإنفاق العام

يمكن أن يكون الإنفاق الحكومي أدوات للسياسة البيئية بعدة طرق، على سبيل المثال، ببيع المنتجات صديقة البيئة (على سبيل المثال، المركبات ذات الكفاءة) للعمليات الحكومية حتى لو كانت تحمل قيمة قسط التأمين. يتمثَّل الدور الأكبر للإنفاق العام المباشر في سياسة التعديل، مع ذلك، في الأبحاث المدعومة حكوميًّا وتطوير تكنولوجيات طاقة متقدمة. وهناك مجادلات قوية بشأن الاستثمار العام في أبحاث الطاقة وتطويرها — وسيلة لتسهيل تخفيضات الانبعاث، وتصحيح انهيار السوق الذي نشأ عن طبيعة المصلحة العامة للبحث والتطوير، حيث لا يمكن للشركات أن تحظى بكل الفائدة من المعرفة التي تنتجها أبحاثها، وهكذا لا تستثمر إلا القليل جدًّا فيها. الاستثمار الحكومي في أبحاث الطاقة وتطويرها للحفاظ على المناخ ضروري خاصة بسبب الآفاق طويلة المدى، والأخطار الكبيرة التي تشمل إعاقة الاستثمارات الخاصة، لكن رغم المعرفة المنتشرة عن أن الابتكار التكنولوجي طريق رئيسية لمعالجة تغير المناخ، فإن الإنفاق على أبحاث الطاقة يتراجع على الأقل خلال العقد الأخير في معظم البلاد الصناعية. أوصت دراسات كثيرة عبر العقود بزيادة كبيرة في الإنفاق الفيدرالي على البحث والتطوير لتحسين كفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة، والطاقة النووية، واصطياد الكربون وعزله، لكن أول زيادة مهمة في سنوات كثيرة جاءت في إجراءات التحفيز في أوائل ٢٠٠٩م.

المعلومات والتعليم والتدابير التطوعية

ثمة فئة أخيرة من أدوات السياسة العامة تشمل التدابير التعليمية المؤسسة على المعلومات والتدابير التطوعية. وتسعى هذه التدابير للتأثير على الانبعاث بنشر المعرفة بين المواطنين ومصادر الانبعاث عما يتعلق بتغير المناخ، وطرق خفض الانبعاث. ربما تسعى للمساعدة في توجيه الاختيارات المفيدة، أو التشجيع، أو التنسيق، أو شرف جهود التعديل التطوعي بواسطة المصانع. على سبيل المثال، تتطلب السياسات أن تحمل السيارات والمعدات ملصقات تشرح كفاءتها في استخدام الطاقة، لتسمح للمستهلكين بوضع هذا العامل في اعتبارهم عند اتخاذ قرارات الشراء. ويمكن أيضًا لتقديم تنبؤات المناخ تشجيع الناس على تأمل الاحتياج للتكيف مع المناخ المتغير. ويمكن أحيانًا للسياسات من هذا النوع أن تنشر حوافز حقيقية. على سبيل المثال، يمكن لطلب تقرير عام عن الانبعاث أن يحفز المصانع على تخفيضه، كما يمكن للبرامج التطوعية أن تحمل جوائز، أو معرفة عامة، أو صلات بالشراء الحكومي، لكن هناك حدودًا لفاعلية هذه السياسات، خاصة حين يكون عليها أن تقف وحدها. لا يمكن عادة للتدابير التطوعية والمعلوماتية أن تشجع تغيرات تحمل تكاليف كبيرة، أو تتطلب استثمارات كبيرة.

تقدم هذه الأنواع الأربعة من السياسة اللبنات لاستراتيجية تعديل كامل. وهناك طرق كثيرة مختلفة لتصميم تفاصيل كل نوع من السياسة، ودمج السياسات في استراتيجية تعديل قابلة للتطبيق — استراتيجية تحدُّ من الانبعاث بفاعلية، بتكلفة محدودة وأعباء إدارية محدودة، وممكنة وقابلة للاستمرار في الوضع السياسي المرتبط بها. اتفقت أساسًا كل تحليلات استراتيجيات التعديل على أن تدابير وضع سعر للانبعاث، بشكلٍ واسعٍ ومتسقٍ بقدر ما يمكن عبر الاقتصاد، تمثل العنصر الأساسي والمركزي لاستراتيجية التعديل. وبشكلٍ مماثل، يوجد إجماع حقيقي على أن سعر الانبعاث يجب أن يرتفع بمرور الزمن، بزيادة الضريبة أو تخفيض الذروة المسموح بها. يُقدم جدول واضح يعلن عنه مسبقًا، جدول للصعوبة المطردة، للمستثمرين بيئة تخطيطية مستقرة، ويؤكد لهم أن الاستثمارات في خفض الانبعاث ستؤتي أكلها. وهناك أيضًا اتفاق واسع على أن الدعم العام لأبحاث الطاقة الآمنة للمناخ وتطويرها ضروري لإكمال سعر الانبعاث، نظرًا لطبيعة المصلحة العامة للبحث.

إن دور النوعَين الآخرَين من السياسة في استراتيجية التعديل موضع شكٍّ أكبر وأكثر إثارة للخلاف. إذا كانت الحوافز المحمولة خلال الاقتصاد في أسعار الطاقة كافيةً لتشجيع الاستجابات الأفضل خلال الاقتصاد، لا تكون هناك إذن ضرورة لأي تدابير تنظيمية إضافية: يمكن أن تحقق سياسات التعديل المعتمدة على السوق تعديلًا أفضل بأدنى تكلفة، لكن إذا كانت حوافز سوق الطاقة ليست فعالة بشكلٍ كافٍ — على سبيل المثال، إذا كان مجال السياسات المعتمدة على السوق قاصرًا على مجموعةٍ ما من المصادر الصناعية الكبرى للانبعاث، أو إذا كانت حوافز سوق الطاقة غير فعالةٍ في بعض القطاعات نتيجة تقسيم الحوافز، أو حدود المعلومات، أو الإخفاقات الأخرى للسوق، أو إذا هيمن العمل الحكومي على بعض مناطق الانبعاث، أو تنظيم آخر بدلًا من القرارات المعتمدة على السوق — ثم قد تُضمَن تدابير تنظيمية إضافية. ثمة مناطق يُفترَض بشكلٍ عام أنها قد تحتاج مثل هذه التدابير الإضافية، وتشمل وضع قواعد للكفاءة، ومعايير لكفاءة المركبات والمعدات، واستثمارات البنية التحتية. أخيرًا، سُخِر من السياسات المعتمدة على المعلومات والتدابير منها، بوصفها تدابير غير فعالة، يتم تبنيها لأغراضٍ رمزيةٍ حين لا تكون الحكومات جادةً بشأن التعديل. في معظم الحالات الموجودة، لم تمثل هذه السياسات إلا اختلافًا ضئيلًا، لكنها يمكن أن تمثِّل مساهمةً في ظروفٍ معينة، مكملة تأثير السياسات الأخرى الأقوى بمساعدة ممثلي القطاع الخاص على معرفة الحوافز الكامنة في السياسات الأخرى وفهمها والاستجابة لها.

(٢-٥) استجابات السياسة الدولية

ركزت مناقشة الاختيارات السياسية حتى الآن على المستوى القومي؛ لأن فيه السلطة التنظيمية المباشرة الأقوى على مصادر الانبعاث تكمن فيه، لكن لأن انبعاث غازات البيوت الزجاجية في أي مكان يساهم في تغير المناخ في كل مكان، ولأنه لا توجد دولة تسيطر على الانبعاث في العالم — حتى أكبر مصدرَين للانبعاث، الولايات المتحدة والصين، يساهم كلٌّ منهما بأقل قليلًا من ربع الإجمالي — ينبغي تنسيق جهود التعديل دوليًّا لتكون فعالة. مثل هذا التنسيق صعب لأنه لا يوجد مسئول في الساحة الدولية. لا توجد حكومة دولية لها سلطة لتسن السياسة وتنفذها وتفرضها، أو إرغام الحكومات على المشاركة فيها. بدلًا من ذلك، تُصنَع السياسة الدولية بمفاوضات بين ممثلي الأمم، غالبًا مع حضور مجموعات الصناعة والبيئة والممثلين غير الحكوميين لمحاولة التأثير على النتيجة. هذه العملية أضعف، وأكثر إرهاقًا، وأبطأ من صناعة السياسة القومية، لكن هذا هو كل المتاح للاستجابة للمشاكل العالمية مثل تغير المناخ. يسعى المتفاوضون للاتفاق على تعهدات وجهود قومية لمواجهة تغير المناخ، بما في ذلك شكلها ومستواها والتوزيع المرتبط بأعباء التكاليف بين الأمم على مدار الزمن — من سيفعل ماذا ومتى؟ تتطلَّب المعالجة الفعالة للموضوع أن تكون هذه التعهدات القومية قويةً بشكل كافٍ، ومدعومة على نطاق واسع، ومصممة جيدًا للحد من الانبعاث العالمي بأدنى تكلفة؛ وأن تُوزَّع الأعباء المرتبطة به بطريقةٍ يقبلها كل المشاركين؛ وأن تُنجَز وتُفرَض، وتُراجَع وتُكيَّف بشكلٍ مناسب عبر الزمن استجابة للخبرة والمعرفة الجديدة والقدرات.

التعهدات القومية

بينما يمكن للسياسات القومية أن تفرض التزامات على مصادر الانبعاث مباشرة، يمكن عادة للسياسات الدولية أن تفرض فقط التزامات على الحكومات القومية، وفقط بموافقتها. مثل السياسات الوطنية، تأخذ التعهدات القومية للسياسات الدولية أشكالًا عديدة. يمكن للحكومات أن تتعهَّد بأداء الأهداف مثل حدود على الانبعاث القومي، بدرجات مختلفة من المرونة في كيفية تحقيقها. وبشكل بديل، يمكنها أن تتعهد بتشريع سياسات قومية، مثل ضرائب الانبعاث أو الأشكال التنظيمية الأخرى. أو يمكنها أن تخضع لعملياتٍ دوليةٍ لتحفز الأفعال القومية وتفعِّلها، مثل تسجيل المعلومات وتبادلها، أو تقييم السياسات القومية أو مراجعات تقدمها. هذه المقاربات الثلاث مماثلة للأنواع الثلاثة لسياسة التعديل الوطني التي ناقشناها من قبل، التنظيم التقليدي، والآليات المعتمدة على السوق، والمقاربات التطوعية والمؤسسة على المعلومات. للحكومات أيضًا اختيار إضافي لخلق مؤسسات دولية يمكن تفويض بعض السلطات على السياسات وتنفيذها.

إلى هذا الحد، كانت أهداف الانبعاث القومي الشكل الأكثر شيوعًا للتعهد الدولي بالتعديل، المستخدم في كلٍّ من الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ (FCCC) واتفاقية كيوتو، وأيضًا عدة معاهدات بيئية رئيسية أخرى. تتميز الأهداف القومية بالبساطة والوضوح والألفة. بالإضافة إلى ذلك، بتحديد مسئوليات واضحة وترك وسائل التنفيذ للحكومات القومية، تترك الأهداف الحكومات أن تبقى مسئولة عن تعهداتها مع حد أدنى من انتهاك سيادتها.

لكن للأهداف القومية عيوب خطيرة؛ لأن معظم الانبعاث لا يأتي من الحكومات لكن من المواطنين والأعمال، لا يكون لهدف قومي تأثير ملموس حتى يُنجَز في سياسة وطنية، لكن تأثيرات السياسات الوطنية موضع شك، وهكذا لا يمكن للحكومات أن تعرف مقدمًا مدى صعوبة تحقيق هدف انبعاث أو تكلفته، أو حتى إن كان ممكنًا. حتى في السياسة الوطنية، هناك عقود من الفشل في الوصول إلى معايير نوعية الهواء في قانون الهواء النقي في الولايات المتحدة، توضح الهوة المحتملة بين تبنِّي هدف وتحقيقه. هذا الشك بشأن إمكانية تحقيق الأهداف يسبِّب توترًا حادًّا في المفاوضات الدولية حول هدف، بين وضع الأهداف الصعبة وخَلْق حوافز قوية لتلبيتها. إذا لم تواجه الحكومات سوى النتائج الصغرى لعدم تحقيق هدف، فسوف يكون لديها حافز ضئيل لبذل جهود مضنية لتلبيته، لكن إذا كانت النتائج شديدةً فمن المحتمل أن الحكومات ستوافق فقط على الأهداف التي تثق بشدة في تلبيتها — الأهداف الضعيفة أو الأهداف التي بها ثغرات واسعة. بالإضافة إلى ذلك، بينما يمكن أن تكون الأهداف الواضحة المُلِحَّة محفزات جيدة، فإنها تفعل هذا بأفضل ما يكون حين تكون الأمم قريبةً من الحافة بين تلبيتها وعدم تلبيتها. الحوافز لتجاوز هدف تتوقع تلبيته بالفعل، أو تضيق الفجوة حين تُقصِّر في تلبيته بوضوح، أضعف بكثير.

يتطلَّب جعل الأهداف القومية أدوات سياسية أكثر تأثيرًا توسيع مدى النتائج التي تُقدَّم عليها الحوافز، بينما إبقاء العقوبة على تقصير صغيرة جدًّا بحيث ترغب الحكومات في قبول الأهداف الطموحة. وتقدم إحدى مقاربات تحقيق الأهداف لتحقيق هذا السماح بمرونة، بعض فوائد توفير التكاليف وتوسيع الحوافز المتعلقة بآليات السياسة المعتمدة على السوق. وافتُرِضتْ ثلاثة أنواع من المرونة بالنسبة للتعديل الدولي لغازات البيوت الزجاجية تسمى مرونة «ماذا» و«متى» و«أين». تسمح مرونة «ماذا» للأمم بتوزيع جهودها في التعديل بين غازات البيوت الزجاجية، بتحديد الأهداف مجتمعة بالنسبة لانبعاث الغازات المتعددة مع تقييم كل واحد بمساهمته في تغير المناخ. تسمح مرونة «متى» للأمم بتوزيع جهودها عبر الزمن لتلبية هدف تعديل طويل المدى، بتحديد الأهداف باعتبارها مجموعات انبعاث متعدد السنوات، وليس من سنة لسنة.

مرونة «أين» هي الشكل الأقوى والأكثر إثارة للخلاف بين أشكال المرونة. تسمح لأمة بتبادل الانبعاث (أو الالتزام بتخفيضه) وهكذا يمكن للأمة ذات التكلفة الهامشية العالية للتعديل أن تخفض أقل مما تعهدت به، وبدلًا من ذلك تدفع لأمة ذات تكاليف منخفضة لتخفض بأكثر مما تعهدت به. ويمكن تحقيق مرونة «أين» بوصفها نظام ذروة وتجارة تُباع فيه تصاريح الانبعاث وتُشترى دوليًّا وليس محليًّا فقط، سواء من خلال صفقات بين الحكومات أو بين مصادر الانبعاث مباشرة في أمم متعددة. مثل النظم الوطنية للذروة والتجارة، تسمح مرونة «أين» للأمم بتحويل جهود التعديل إلى أماكن تكون فيها أرخص ما يمكن؛ ومن ثم تخفض التكاليف الإجمالية بما يصل إلى ٨٠–٩٠٪ في بعض الحسابات، بالإضافة إلى توفير التكاليف التي تقدمها مرونة «ماذا» ومرونة «متى». ومع ذلك، تضع آليات المرونة الدولية تحديات خطيرة أمام تصميم السياسة وتحقيقها، من قبيل كيفية ربط التزامات حكومات الأمم بالتعديل ومصادر الانبعاث الفردي للحفاظ على حوافز ومسئوليات متسقة، وكيفية ضمان نظام تجاري يعمل عبر سلطات متعددة بمعايير مختلفة بشدة، فيما يتعلق بالإنجاز والتنفيذ.

ثمة بديل لتوضيح أهداف الانبعاث القومي وهو التفاوض بشأن السياسات القومية، من قبيل ضرائب الانبعاث أو التدابير التنظيمية الأخرى. يتجنَّب التفاوض على السياسات بدلًا من الأهداف مشكلة الشك في إمكانية التحقيق، حيث إن الضرائب أو السياسات الأخرى التي يتم التفاوض بشأنها تكمن بوضوح في سلطة الحكومات على التشريع. كما هو الحال في السياسة الوطنية، يمكن لمصادر انبعاث خاضعة للضريبة أن تخفض حتى تصبح تكاليفها الهامشية مساويةً للضريبة؛ وبالتالي يمكن لمستوى الضريبة أن يحدد التكلفة الهامشية للتعديل، وتقدم ضريبة متساوية في الأمم المختلفة تكاليف هامشية متساوية، وانتشار تخفيض التكلفة إلى أدنى حد بالنسبة لجهود التعديل.

كما في السياسة الوطنية، هناك أسباب قوية لتفضيل نظم ضرائب الانبعاث، لكن الزخم السياسي يكمن في مفاوضات الأهداف القومية ونظم الذروة والتجارة. تواجه ضرائب الانبعاث أيضًا مشاكل عديدة خاصة بالمستوى الدولي. يتطلب تعقد نظم الضرائب القومية وتنوعها مفاوضات مكثفة بشأن التنفيذ للحيلولة دون الثغرات القومية، مثل الإعفاءات أو التعاملات الخاصة الأخرى الممنوحة لصناعات التصدير كثيفة الكربون. إن ضريبة الكربون التي يتم التفاوض بشأنها دوليًّا يحتمل أكثر أن تثير اعتراضات بشأن السيادة أكثر مما تثيره المفاوضات بشأن أهداف الانبعاث. يمكن أن تساعد النظم الهجين التي تجمع عناصر ضرائب الانبعاث ونظم التصاريح القابلة للتداول تجاريًّا، كما افترضت بالنسبة للسياسة الوطنية، في معالجة الشكوك المرتبطة بكل نظام بشكل منفصل؛ ومن ثم تحل صعوبات المفاوضات. يمكن أيضًا للأمم أن تتفاوض بشأن أشكالٍ أخرى من السياسة — على سبيل المثال، أهداف الأداء أو أشكال أخرى من التنظيم تطبق على قطاعات معينة من الانبعاث، وتُختار للمساهمة الكبيرة في الانبعاث أو لحاجة ملموسة لسياسات متسقة دوليًّا لتجنب المشاكل التجارية.

ثمة مقاربة ثالثة مفترضة للتعهدات الدولية بالتعديل وهي للحكومات القومية للتفاوض بشأن الإجراءات والمؤسسات والقواعد، بدلًا من التعهد بسياسات معينة أو أهداف معينة. وتم تناول هذه المقاربة في مفاوضات المناخ في وقت مبكر من تسعينيات القرن العشرين، تحت شعار «التعهد والمراجعة». في ظل هذه الفرضية، تتعهد الحكومات بسَنِّ سياسات تعديل من اختيارها، وتعلن النتائج التي تتوقعها. وتخضع لمراجعة دولية دورية لتصميم سياساتها وتنفيذها، والنتائج المتوقعة والمنجَزة. سعَتْ هذه المقاربة إلى مواجهة الاعتراض بأن الحكومات قد ترفض التعهدات السياسية الملزمة وتعتبرها انتهاكات لسيادتها. سعت مقاربة التعهُّد والمراجعة إلى أن تخلق وتستغل حوافز أقل رسمية وصرامة، لكنها لا تزال فعالة، لمؤشرات السياسة القومية، من قبيل الرغبة في إظهار الكفاءة والمسئولية، وتجنب النقد والإحراج الدوليين. في مفاوضات اتفاقية كيوتو، اعتبر أن شعار التعهد والمراجعة ليس صارمًا بما فيه الكفاية، وتم التخلي عنه لصالح أهداف الانبعاث القومية الملزمة.

مثل التدابير التطوعية والمؤسسة على المعلومات في السياسة الوطنية، يمكن أن تكمل هذه التعهدات الإجرائية بشكل فعَّال الأشكال الأخرى من التعهدات. وربما تكون هناك حاجة لإنجاز التعهدات الأخرى بشكل فعال، لكن كما في السياسة الوطنية، ربما لا يكون الاعتماد على هذه المقاربة وحدها فعالًا؛ لأنها لا تخلق حوافز قوية وكافية لكل الممثلين الرئيسيين، والحكومات القومية والآخرين، ممَّن يتطلب الأمر جهودهم.

ثمة مقاربة أخيرة للسياسة الدولية لخلق مؤسسات لها سلطة تشريع سياسة المناخ مباشرة. يفترضها غالبًا الأكثر تشككًا بشأن كفاءة الحكومات القومية أو عزمها على معالجة تغير المناخ، وتعتمد هذه المقاربة على المثال التاريخي للتشكيل بالتفاوض عن القدرة الحقيقية عبر القومية في الاتحاد الأوروبي، وعلى شبح البؤس البيئي المتوقع مستقبلًا، الذي قد يتطلب قيادة قوية وربما ديكتاتورية، لكن هذه المقاربة، في أقوى أشكالها، ستواجه عقبات خطيرة. باستبعاد احتمالية انقلاب أو ثورة، ستكون الطريقة الوحيدة لترسيخ مثل هذه السلطة بالمفاوضات بين الحكومات القومية. لكن إذا لم توافق الحكومات على سنِّ سياسات خاصة بتغير المناخ، كيف توافق على التخلي عن سلطتها على الموضوع كاملًا لهيئة دولية؟ بالإضافة إلى ذلك، حتى إذا كان من الممكن خلق هذه السلطة الدولية، ليس من الواضح كيف يمكن السيطرة عليها لضمان الكفاءة والمسئولية الديموقراطية. يمكن أن تنمو المؤسسات الدولية الفعالة فيما يتعلق بموضوع معين عبر الزمن من خلال قرارات متتابعة بالتفاوض. وقد نشأ النظام التجاري الدولي الحالي، المنظم حول منظمة التجارة العالمية، بهذه الطريقة. تقدم منظمة التجارة العالمية نموذجًا مقبولًا لنظام للمناخ يجمع بين الموافقة على الأهداف والسياسات والإجراءات، والمؤسسات الدولية تفوض بسلطات معينة باطراد مع اكتساب الخبرة وثقة الأمم في عملية النمو، لكن ليس عمليًّا أن نتأمل هذه المقاربة بوصفها قرارًا مفردًا على نطاق واسع يمكن أن يحل الورطة الدولية الحالية بشأن المناخ.

توقيت التعهدات وتوزيعها وتتابعها

اختيار شكل التعهدات الدولية ليس كافيًا للقيام بفعل دولي. ينبغي أيضًا اتخاذ قرار بشأن ما يفعله كل طرف وتوقيت هذا الفعل. يعني النطاق العالمي لموضوع المناخ أن التعديل الفعال يتطلب، في النهاية، مساهمة من كل الأمم الرئيسية التي يصدر عنها انبعاث. ولا يمكن لنظام عالمي فعَّال أن يشيَّد في خطوة واحدة، لكن ينبغي أن يُبنى على مراحل عبر الزمن. يسود اتفاق على نطاق واسع على أن تقليل الارتباك والتكاليف إلى أقصى حدٍّ يتطلَّب تعهدات بالبدء بصورة ضعيفة، ثم زيادة الصرامة عبر الزمن، مع الملاحظة الشديدة والقدرة على التكيف، استجابة للمعرفة الجديدة والظروف المتغيرة.

يثير توزيع الجهود بين الأمم قضايا أكثر إثارة للنزاع، لا يمكن تجنبها. تعلقت أعمق الخلافات بشأن المشاركة بتسلسل تعهدات التعديل بواسطة الأمم الصناعية والنامية: ينبغي على كل الأمم الكبيرة، الصناعية والنامية، أن تقوم بتعهدات التعديل بصورة متزامنة من البداية، أم ينبغي على الدول الصناعية أن تبدأ أولًا؟

تتأسس المجادلات بشأن أن تتضمن تعهدات التعديل الدول النامية منذ البداية على اعتبارات ضبط التكلفة والفاعلية. ويبدو الآن أن الكثير من فرص التعديل منخفض التكاليف تكمن في الدول النامية، خاصة تلك التي تشهد نموًّا اقتصاديًّا سريعًا، وهكذا يكمن توزيع التعديل منخفض التكلفة إلى أقصى حدٍّ أساسًا في الجهود على المدى القريب هناك. وتبين أيضًا أنه إذا عملت البلاد الثرية وحدها، فإن ذلك لن يكون فعالًا نتيجة «تسرب الانبعاث»؛ لأن الصناعات كثيفة الانبعاث سوف تنتقل إلى بلاد لا تحدُّ من الانبعاث. هذه الحركة للاستثمار تضعف التعديل على المدى القريب، بسبب انتقال بعض الانبعاث بدلًا من خفضه، ويجعل من الصعب بعد ذلك توسيع منطقة التحكم، برفع تكلفة التعديل التالي في تلك البلاد التي لم تشارك في البداية وقد انتقلت إليها الاستثمارات ذات الانبعاث المرتفع. وهكذا بدل أن تنطلق أية مجموعة في المقدمة، ينبغي على كل الأمم أن تتحرَّك معًا منذ البداية، حتى لو كان ذلك يعني أن الفعل الذي يقومون به ضعيف جدًّا، ثم يتحركون تدريجيًّا إلى تخفيضات أكثر حِدة.

من الناحية الأخرى، يمكن للمعاهدات أن توسع المشاركة عبر الزمن، وبسرعة شديدة أحيانًا. ويعتمد الاهتمام بتسرب الانبعاث على فرضية أن انتقال الاستثمار مرتفع الانبعاث إلى الأمم غير المشاركة، يحدث أسرع بكثيرٍ من توسع المشاركة في نظام التعديل. وتوحي الخبرة المحدودة المكتسبة حتى الآن مع بناء النظام البيئي الدولي بشيء آخر. تقدم معاهدة مونتريال المثال الأكثر ارتباطًا بالموضوع. في البداية تم التفاوض بضوابط صارمة للكلوروفلوروكربونات (CFC) بالنسبة لمجموعة صغيرة نسبيًّا من الأمم — وانتقدت في وقتها على نطاق واسع بسبب خطورة احتمال انتقال الصناعات المعتمدة على CFC إلى بلاد أخرى — انتقلت معاهدة الأوزون بسرعة إلى توسيع المشاركة وزيادة صرامة الضوابط. وقد عملت تفاصيل التدابير الضابطة في المعاهدة، وخاصة القيود التي فرضتها على التجارة في المنتجات ذات الصلة مع أطراف غير مشاركة، على منع تدفق الاستثمار إلى الخارج وتشجيع أمم أخرى على الانضمام إلى المعاهدة. ورغم أن التفاصيل ستكون أصعب، من المحتمل أن تُصمَّم تعهدات تعديل البيوت الزجاجية أيضًا لتقليل الحوافز إلى أقصى حد بالنسبة لتدفق الاستثمار إلى الخارج، وتشجيع التوسع.

تتأسَّس المجادلات بشأن المقاربة المضادة، أفعال تبدأ بها الدول الصناعية الغنية، على أن تبدأ البلاد النامية التعديل فيما بعد، تتأسس جزئيًّا على بنود الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، ومجادلات بشأن العدالة. اغتنت البلاد الغنية اليوم باستخدام كثيف للوقود الحفري الرخيص؛ ومن ثم فهي مسئولة عن معظم الزيادة في غازات البيوت الزجاجية الآن في الغلاف الجوي، لكن هذه المجادلات تتأسَّس أيضًا في اعتبارات سياسية عملية. إن الورطة الحالية الموجودة منذ زمن طويل، مع احتياج البلاد الصناعية والنامية إلى تحرك الطرف الآخر أولًا، يحتمل فقط أن تتحطم مع أول خطوة جادة تتخذها مجموعة أساسية من المشاركين الذين يرغبون في الموافقة على اتخاذها. ويحتمل تمامًا أن تكون البلاد الصناعية، لكن تكاليف هذه الخطوة الأولى ومخاطرها لا ينبغي أن تكون شديدة. مع تعهدات على مراحل تزيد فيها الصرامة السياسية تدريجيًّا. تبدأ تكاليف هذه الخطوة الأولى صغيرة بالضرورة، جالبة أعباءً تنافسية ومخاطر تسريب محدودة جدًّا.

وبالنسبة لمدى أية خطوة جادة — متضمنة برنامجًا يبدأ صغيرًا ويتضمن تعهدات بزيادة الصرامة بمرور الزمن — يحتمل أن تساعد على كسر هذه الورطة، وربما ترغب دول أخرى في القيام بهذه التعهدات بعد ذلك بقليل، وخاصة إذا كان من الممكن أن تكون تعهدات الدول النامية مشروطة بعلامات على جهود جادة من البلاد الصناعية. ربما توجد هنا مساحة واسعة للتفاوض، خاصة إذا اعترفت الأطراف بأن مكان استثمارات خفض الانبعاث مسألة منفصلة عمن يدفع مقابلها. بمصطلحات عملية، يحتمل أن تكون هناك موافقات معقولة للجمع بين التعديل والمفاوضات بشأن التكنولوجيا، والتمويل والقضايا الأخرى التي تسمح بتبادل المنافع؛ بحيث يكسب كل المشاركين. بالطبع، أية مقاربة تبدأ حتى بتكاليف هامشية متفاوتة في مناطق مختلفة سوف تكون غير كافية، لكن إذا كانت الطريقة الوحيدة لإنجاز عمل فعال تحمل فترة شبه مثالية، وهذا مفضل عن التأجيل المستمر الذي يعني عدم القيام بشيء. الدبلوماسية البيئية الدولية منطقة يمكن أن يكون التام فيها، وفي مناظرات كثيرة كما حدث حتى الآن، عدو الخير. بدلًا من السعي إلى المثالية في الخطوات المبكرة، ينبغي أن نسترشد بمبادئ بسيطة تتعلق بالمنفعة البرجماتية: ينبغي أن تقوم الأفعال المبكرة بمساهمةٍ فعالةٍ في حل المشكلة، وينبغي أن تقوم بتوسُّع تالٍ في الجهد بشكلٍ أسهل، وينبغي ألَّا تنحصر في شكلٍ سياسيٍّ مقيد أو متدنٍّ.

الإنجاز والمراجعة

بصرف النظر عن شكل التعهُّدات التي تتبناها الحكومات القومية، وعن نوعها، ينبغي للمفاوضات أن تتناول الكيفية التي تتبعها للوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها. يؤيد معظم علماء البيئة «معاهدات ذات أنياب»، بمعنى أن تساند التعهدات عقوبات في حالة عدم الالتزام، مثل القيود التجارية أو الغرامات أو سحب المساعدات أو الاستثمارات، لكن من الصعب استخدام هذه العقوبات بشكل فعالٍ. من الصعب التفاوض بشأنها، ومن الصعب الاتفاق على استخدامها في حالة معينة حتى لو تم الاتفاق مبدئيًّا. وغالبًا ما تكون عشوائية أو غير شرعية في طريقة تطبيقها، وغالبًا ما تكون غير فعالةٍ في تغيير سلوك الدولة المستهدفة حتى حين لو تم تطبيقها. على ضوء هذه المشاكل، تجنبت عادة الاتفاقات الدولية بشأن البيئة العقوبات، معتمدة بدلًا من ذلك على وسائل ناعمة للإقناع مثل تقديم تقارير عن العمليات ومراجعتها، وهي إجراءات تركز على حلِّ المشاكل بودٍّ أكثر مما تركز على تحديد غير الملتزم وعقابه، أو وسائل أخرى لممارسة ضغوط خلقية على صانعي السياسة القومية. بالنسبة لمشكلة محددة تتعلق بأطرافٍ يرغبون في تلبية تعهداتهم، لكنهم غير قادرين على ذلك، يمكن دعم هذه المقاربات بأشكال متنوعة من المساعدات المالية والتقنية.

تؤثر كيفية تحقيق التعهدات بشكل فعال على التعهدات التي ترغب الحكومات في الوفاء بها؛ لأن ما ترغب فيه كل حكومة يعتمد على ثقتها فيما سوف يفي به الآخرون من تعهداتهم؛ وبالتالي تولِّد إجراءات متابعة الإنجاز نوعَين من الحوافز بالنسبة للحكومات للوفاء بتعهداتها: ليس فقط خطر التورط في متاعب إذا لم تفِ بتعهداتها، لكن أيضًا زيادة الثقة في أن يفيَ الآخرون بتعهُّداتهم. يمكن بالتالي للإجراءات التنفيذية الفعالة أن تدعم رغبة الحكومات في الموافقة على التعهدات، لكن فقط إذا كانت تتمتع بدعم دولي قوي مبدئيًّا. لا يمكن لقليلٍ من النشطين استخدام إجراءات تنفيذية قوية تجعل بقية العالم، ناهيك عن القوى الكبرى بشكلٍ خاص، تساهم في المقام الأول إذا لم يكونوا مهتمين بالقيام بذلك.

وبالتالي، بينما بدأت المفاوضات لتطوير إجراءات لمراجعة الالتزام بنظام المناخ، من غير المحتمل أن تؤدي إلى مساهمة كبيرة حتى تتبنى كتلة مؤثرة من الأمم الرئيسية شكلًا من التعهدات الأساسية، وتلتزم بها بجدية واضحة. بمجرد الوصول إلى ذلك الهدف، يمكن تطوير رغبة متزايدة لقبول تدابير إنجاز أقوى بالتوازي مع تعهدات أقوى؛ لأنه كلما زاد اعتماد كل أمة للوفاء بتعهداتها، عظمت اهتماماتها ببناء نظامٍ أقوى من الإجراءات والمؤسسات للمتابعة والتنفيذ، حتى لو كان هذا النظام يُطبَّق عليها أيضًا.

باختصار، تعكس متطلبات السياسة الدولية بشأن المناخ ومشاكلها، في كثيرٍ من النواحي، السياسة الوطنية. يتطلب تخفيض الانبعاث حوافز، وينبغي بشكلٍ مثالي أن تعمل بمثابة أسعار موحدة على الانبعاث. لخلق هذه الحوافز، تبدو ضرائب الكربون مفضلة أساسًا لكن نظم الذروة والتجارة لها زخم سياسي. يتطلب أي تعهد سياسي يتم اختياره تنسيقًا واتساقًا وشفافية. وينبغي أن تكون الخطوات الأولى معتدلة، لكن مع مسار تدريجي يعلن عنه مسبقًا لزيادة الصرامة بمرور الزمن؛ لتشجيع الاستثمار والتطور التكنولوجي المطلوبَين.

لكن وضع سياسة دولية وتحقيقها وتنفيذها أصعب من السياسة الوطنية؛ لأن البناء المؤسسي وقدرته على تنسيق الفعل أضعف؛ وبالتالي يتطلب وضع سياسة دولية بشأن المناخ تسويات أكثر مما تتطلبه السياسة الوطنية للوفاء بالقيود السياسية والإدارية. الأولى والأكثر أهمية، يتطلب كسر الورطة الحالية للمتطلبات المتبادلة بأن يأخذ الآخرون الخطوة الأولى، يدعمها الانتهازيون على كل جانب ممن لا يرغبون في كسر الورطة، قيادة. ولا تعني القيادة في هذا السياق مجرد فرضياتٍ ومجادلاتٍ أفضل، بل إرادة لتوضيح تعهد خطير لحل المشكلة بقبول التكاليف والمخاطر، حتى لو كان التوزيع الناتج غير المتساوي للجهود يعني أن الخطوات الأولى ليست فعالةً على مستوى التكلفة بشكل مثالي. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لصناعة السياسة الدولية أن تتجنب المناقشة الصريحة لتوزيع الأعباء تمامًا. وبالإضافة إلى ذلك، تطرح صناعة السياسة الدولية مشاكل خطيرة في الإنجاز، تتعلق بالإدارة وبناء الثقة. سوف تتطلب مواجهة هذه التحديات ابتكارًا في طرق تنسيق نظم السياسة القومية، وفحصها وربطها، النظم التي تتخذ مقاربات مختلفة، متضمنة أخلاطًا متنوعة من الضرائب، ونظم الذروة والتجارة، والإجراءات التنظيمية والنفقات. وتتطلب أيضًا رغبة في التسوية، تسترشد بحكم عملي جيد.

هناك طرق كثيرة يمكن بها أن تفشل السياسة الدولية في الوصول بشكلٍ مثالي إلى أعلى فاعلية وخفض التكاليف إلى أقصى حدٍّ. وبعض هذه الطرق أن فهم السياسة خطأ ربما يوجهها بشكل خطأ جدًّا، فتأتي مكلفة وغير فعالة، وتمثل نكسات تجعل حل مشكلة المناخ أصعب، لكن مقاربات أخرى تفشل، حتى بصورة أكبر، في الوصول إلى الشكل المثالي ربما تمثل خطوات أولى باتجاه مقاربة فعالة أفضل بكثيرٍ من عدم القيام بشيء. المقاربات التي تشمل فترة طويلة من تدابير أولية تختلف بقوة في صرامتها وجديتها، ربما تكون من هذا النوع — بعيدة عن المثالية، لكنها خطوة ممكنة في الاتجاه الصحيح، أفضل من الورطة المستمرة وعدم القيام بشيء.

(٣) وضعها معًا: التوازن بين منافع التعديل والتكيف وتكاليفهما

حتى هذه النقطة، لخصنا المعرفة الحالية والشك بشأن تأثيرات تغير المناخ، وبشأن الاستجابات المحتملة للتكيف والتعديل، وبشأن الطرق البديلة لتصميم سياسات لتشجيعها، لكن في ضوء هذه المعرفة كلها، كيف ينبغي لنا أن نقرر ما نفعل؟ تتمثل المقاربة، التي تلقى دعمًا على أوسع نطاق لتقييم قرارات السياسة العامة المعقدة، في فحص فوائدها الاجتماعية الكلية، مقارنة منافع كل سياق مفترض للفعل بتكاليفه. والسياسات المفضلة هي التي تحقق في المحصلة منافع اجتماعية — المنافع ناقص التكاليف — بأكبر قدر ممكن. حين يمكن لسياسة أن تختلف باستمرار على مجال ما وعلى مستوى وضع القرار — على سبيل المثال، مقدار ما ينفق على الرعاية الصحية والدفاع القومي، أو مدى الحد من انبعاث ملوِّث — يوجد المستوى الذي يضخم محصلة المنافع إلى أقصى حدٍّ بالنظر إلى التكاليف الهامشية والمنافع. مع السيطرة على الملوِّث بشكل أكثر تشدُّدًا، تزيد عادة التكاليف الهامشية وتنخفض المنافع الهامشية: يؤدي تخفيض الطن الأول إلى كسب منفعة كبيرة مقابل تكلفة صغيرة، ويجلب الثاني منفعة أقل قليلًا مقابل تكلفة أكثر قليلًا، وهكذا. تزيد المنافع الاجتماعية إلى أقصى حدٍّ بالسيطرة إلى آخر وحدة تحقق منفعة أكبر من تكلفتها، أي إلى النقطة التي تكون عندها التكلفة الهامشية والمنفعة الهامشية للسيطرة متساويتَين.

لأن معالجة تغير المناخ تتطلب اختيار مستويات نوعَين من الجهد، التعديل والتكيف، فإن زيادة المنافع الاجتماعية إلى أقصى حدٍّ في هذه الحالة أكثر تعقيدًا بقليل، يتطلَّب جعل الكميات الهامشية الثلاث متساوية. ينبغي تخفيض الانبعاث حتى تكون التكلفة الهامشية للتعديل — تكلفة تخفيض طن أكثر — مساوية للتدمير الهامشي لتغير المناخ من انبعاث آخر طن، لكن تدمير تغير المناخ يمكن خفضه أيضًا بتدابير التكيف، التي ينبغي أن تُتَّخَذ إلى النقطة التي تكون فيها التكلفة الهامشية لآخر إضافة لجهد التكيف مساوية أيضًا للتدمير الهامشي في المناخ، الذي تجنبه ذلك الجهد. وهكذا تعتبر الاستجابة المثالية التكاليف الهامشية للتعديل والتكيف، والتدمير الهامشي لما تبقَّى من تغير المناخ، متساوية كلها.

هذه نظرية رائعة، لكن محاولة تحديد سياسة مثالية بهذه الطريقة يتطلب تقديرات كمية لتكاليف التعديل، وتكاليف تدابير التكيف، والدمار من تغير المناخ على مجال واسع من المستويات الممكنة للتعديل والتكيف. نعرف بعض الأمور عن هذه الكميات كلها، ولدينا بصيرة ببعض القرارات التي ربما تتأسس عليها، لكنها كلها تخضع أساسًا للشك والخلاف.

(٣-١) تقديرات تكلفة التعديل

من بين كل الأنواع الثلاثة للتكلفة، أكثر المعلومات متاحة عن التعديل. تمت عشرات من تحليلات تكاليف التعديل، بالنسبة للولايات المتحدة ومناطق أخرى وبالنسبة للعالم كله. تستخدم هذه التحليلات نماذج اقتصادية تحدِّد فرضيات خط الأساس للنمو السكاني والاقتصادي في المستقبل، وموارد الطاقة والأسواق، وميول التكنولوجيا. وتقارن النماذج هذه الأشكال من مستقبل خط الأساس بأشكال بديلة للمستقبل يتم فيها الحد من الانبعاث. بالنسبة لأي حدٍّ معين من الانبعاث، تحسب النماذج التكلفة الإجمالية والهامشية لتحقيق الحد، مقارنة بخط الأساس المفترض. وتربط تكلفة التعديل تحليل حدود الانبعاث والضرائب؛ إذا كان الحد يحمل تكلفة معينة لكل طن، يمكن إذن للحد أن يتحقق مبدئيًّا بضريبة لكل طن مساوية لتلك التكلفة الهامشية.

في كل هذه التحاليل لتكاليف التعديل، تبدأ التكاليف منخفضة لتخفيضات صغيرة في الانبعاث. في المدى القريب (٢٠٣٠م)، قدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن انبعاث العالم يمكن تخفيضه ١٠–٢٠٪ تقريبًا تحت مستويات خط الأساس بتكاليف تقل تقريبًا عن ٧٥ دولارًا لكل طن كربون.٧ والتخفيضات تزيد، تزيد التكلفة أيضًا: يمكن تحقيق تخفيض ٢٠–٤٠٪ بأقل من ١٨٠ دولارًا تقريبًا لطن الكربون. وقد وجدت تحليلات تقنية أخرى تفصيلية فرصًا أكبر للتخفيض، ٣٠–٤٥٪ تحت خط الأساس بتكاليف أقل من ١٨٠ دولارًا تقريبًا لطن الكربون في الولايات المتحدة في دراسة، ٧٠٪ تحت خط الأساس بتكلفة أقل من ٢٨٠ دولارًا تقريبًا لطن الكربون على نطاق العالم في دراسة أخرى.٨ في وضع هذه التقديرات للتكاليف، تجد عادة النماذج المؤسسة على الهندسة التي تجمع تكاليف التكنولوجيات ومساهمتها من القاع إلى أعلى؛ فرصًا أكثر وأرخص للتخفيض مما في القمة إلى الأسفل، والنماذج المؤسسة على الاقتصاد والتي تستنتج اختيارات التخفيض من الاحتمالات البديلة المقدَّرة في الاقتصاد الكلي، لكن هذا الاختلاف صار أصغر مع تحسُّن كل نموذج.
فيما يتعلَّق بالتخفيضات الكبرى في الانبعاث، تحدث ثلاثة أشياء: تزيد التكاليف؛ وتكبر اختلافات تقدير التكاليف بين النماذج (مقياس تقريبي لكنه غير دقيقٍ للشك في التقدير)؛ وتصبح مقارنة ذات معنًى لتقدير التكاليف بين النماذج أكثر صعوبةً لأن الفرضيات التي يضعونها على خصائص الاقتصاد، وخط الأساس، واستراتيجية التعديل تختلف على أبعادٍ كثيرةٍ جدًّا. خاضعة لتلك الشروط، تلخص IPCC الدراسات السابقة للتكلفة الكلية للمستويات المختلفة لاستقرار المناخ. وقد وجدت أن مسارات الانبعاث التي تسعى للاستقرار حول ٥٣٥–٥٩٠ جزءًا في المليون من مكافئ CO2 تتراوح تكلفتها الإجمالية من ٠٫٢ إلى ٢٫٥٪ من الناتج الاقتصادي العالمي في ٢٠٣٠م، ومن المنافع الصغيرة إلى خسارة ٤٪ في ٢٠٥٠م. الأهداف الأكثر صرامةً بشأن الاستقرار، من ٤٤٥–٥٣٥ جزءًا في المليون من مكافئ CO2، تصل تكلفتها إلى ٣٪ في ٢٠٣٠م، وإلى ٥٪ في ٢٠٥٠م.
تناول التحليل الأحدث لسيناريوهات الاستقرار، وقد أُجري لصالح برنامج علم تغير المناخ في الولايات المتحدة، باستخدام ثلاثة نماذج للضوابط المشتركة لعدد من غازات البيوت الزجاجية، بما في ذلك الانبعاث المرتبط باستخدام الأرض. في هذا التحليل، تم تناول أكثر الأهداف صرامةً — قوة ٣٫٤ وات/م٢، تناظر حوالي ٥٢٠ جزءًا في المليون من إجمالي غازات البيوت الزجاجية معبر عنها بمكافئ CO2 أو ٤٥٠ جزءًا في المليون من CO2 وحده — تكافئ تكلفتها ١-٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نموذجَين، ومن ٦٪ إلى ١٣٪ في النموذج الثالث. ثاني أعلى المستويات — قوة ٤٫٧ وات/م٢، تكافئ ٦٦٠ جزءًا في المليون من إجمالي مكافئ CO2 أو ٥٥٠ جزءًا في المليون من CO2 وحده - تكلفتها ٠٫٣–٠٫٨٪ خسارة في الناتج المحلي الإجمالي في نموذجَين، وبنسبة ٢–٧٪ في الثالث. وكانت التكاليف الهامشية المرتبطة بهذه المسارات، في أكثر المسارات صرامة، ١٧٠–١٩٠ دولارًا تقريبًا (في نموذجَين) أو ٨٥٠ دولارًا (في نموذج) في ٢٠٥٠م؛ وفي ثاني أكثر المسارات صرامة، ١٣–٢٦ دولارًا أو ١١٢ دولارًا في ٢٠٣٠م، ٣٦–٧٠ دولارًا، أو ٢٤٥ دولارًا في ٢٠٥٠م.
يقدِّم الاختلاف الواسع بين هذه التقديرات صورةً معقولةً للشكوك الفعلية، لكنه لا يعني أننا لا نعرف شيئًا عن تكاليف التعديل. من المفيد خاصة أن ننظر إلى سبب الاختلاف في التكاليف المتوقعة بين هذه النماذج. في دراسة برنامج علم تغير المناخ، نشأت التكاليف المرتفعة في نموذج جزئيًّا من نمو أعلى لخط الأساس في الناتج المحلي الإجمالي والانبعاث، لكن المصدر الأكبر للاختلاف يكمن في فرضياتٍ مختلفةٍ لمدى السهولة التي يمكن أن يستبدل بها الاقتصاد الطاقة المؤسسة على الوقود الحفري، من خلال استبدال العوامل الأخرى (رأس المال والعمال) ومن خلال ابتكارات تخفض تكلفة مصادر الطاقة الآمنة للمناخ. يفترض نموذج التكلفة المرتفعة اقتصادًا أكثر جمودًا وأقل قابلية للتبديل، مع ابتكارات أقل استجابة للحوافز التي تولِّدها الأسعار وسياسات التعديل. وارتفعت أكثر تكاليف هذا النموذج بالحدود الصارمة غير الاقتصادية التي فرضها على التوسع في الطاقة النووية. وهذه الأهمية الأساسية للابتكارات التقنية في تحديد تكاليف التعديل ذات معنًى. يمكن استنتاجها حتى في سيناريوهات الانبعاث الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، في الاختلاف الواسع في الانبعاث بين الاختلافات التكنولوجية في السيناريو A1، حتى مع الفرضيات نفسها بشأن النمو السكاني والاقتصادي. طرح تحليل أحدث السؤال بدقة أكبر بتقدير المنفعة النقدية للاكتشاف المبكر لتكنولوجيا طاقة رخيصة خالية من الكربون. وكانت القيمة التي وجدها أكثر من ثلاثة أرباع التدمير الإجمالي لخط الأساس من تغير المناخ، وتبلغ القيمة الحالية حوالَي ١٧ تريليون دولار.

ما مدى سهولة استجابة الابتكارات التكنولوجية للحوافز من سياسة التعديل؟ يوحي الدليل من القضايا البيئية الأخرى بأن الابتكار سريع الاستجابة تمامًا؛ من حيث إن التقديرات المرتفعة لتكاليف التحسُّن البيئي تميل إلى أن تكون أعلى من التكاليف الحقيقية. وهذا الدليل يفضل تكاليف تعديل أقرب إلى تقديرات النموذجين منخفضَي التكلفة من تقدير النموذج مرتفع التكلفة، لكنه يبقى موضعَ شكٍّ حقيقي. ربما لا يكون الدليل من الخبرة التاريخية كافيًا لتنقيح هذه التقديرات للتكاليف بشكل أكبر. وتوحي أيضًا هذه الشكوك، من الناحية الأخرى، بأن معدل الابتكار، وسرعة استجابته للسياسة، ربما يخضعان للتأثر بالسياسة. إن السياسات كما ناقشناها من قبل، التي تضع سعرًا على الانبعاث لتعطي ممثلي القطاع الخاص حوافز للمتاجرة في الابتكارات التي تخفض الانبعاث، يمكن أن تقدم المعرفة بشأن سرعة استجابة الابتكارات وتسريع استجابتها. بشكل مماثل، زيادة الاستثمار العام في البحث وتطوير تكنولوجيات آمنة للمناخ ودعم التقييم التكنولوجي يمكن أن يساعد في خفض عوائق المتاجرة في الابتكارات التي تخفض الانبعاث وتخفيض التكاليف.

لكن بينما قد تكون التقديرات الحالية للتكاليف مرتفعة جدًّا، إذا كانت ابتكارات الطاقة الآمنة للمناخ أكثر استجابة مما تفترض هذه التقديرات، فقد تكون أيضًا منخفضة جدًّا لأن كل هذه التقديرات تفترض سياسةً مثالية — تكاليف هامشية للانبعاث متساوية تُفرَض في كل أرجاء العالم، مع إنجاز تامٍّ وبلا تكلفة، وأي ريع ترفعه السياسات يعاد توزيعه على الاقتصاد بشكل مثالي. والسياسات التي تبعد كثيرًا عن هذه المثالية — بالحد من مرونة الكيفية التي تخفض بها الأمم والقطاع الخاص انبعاثها، بالسماح بفروق كبيرة على المدى الطويل في التكاليف الهامشية، أو باستخدام الريع بطرقٍ لا تتسم بالكفاءة — يمكن أن ترفع التكاليف بحدة. بهذا المعنى، لا تعكس هذه الاختلافات في تقديرات التكاليف الشك بقدرٍ كبيرٍ جدًّا، لكنها بدلًا من ذلك توجه كيفية تصميم سياسات تحقق التعديل العالمي بتكلفة منخفضة.

(٣-٢) تقديرات تكاليف التكيف وتأثيرات تغير المناخ

بالإضافة إلى تكاليف التعديل، يتطلب أيضًا تبني مقاربة التكاليف والمنفعة في سياسة المناخ تقديرات لتكاليف تأثيرات المناخ، وتدابير التكيف لخفضها. هناك صعوبة أكبر بكثير في التقدير من صعوبة تقدير تكاليف التعديل. سعَت دراسات كثيرة لوصف التأثيرات فقط، ولم تقيمها أو تجمعها. وركزت دراسات أكثر على تأثيرات معينة من السهل تقييمها؛ ربما لأنها تهتم بالسلع والخدمات التي يقدم لها السوق وكلاء مناسبين للقيمة الاجتماعية الكلية (على سبيل المثال: المنتجات الزراعية، أو الأرض الزراعية، أو الممتلكات الساحلية)، وربما لتوفر البيانات والنماذج الجيدة. على سبيل المثال، توجد الآن دراسات كثيرة رفيعة المستوى عن تأثيرات المناخ على الزراعة، وتأثيرات ارتفاع مستوى البحر، رغم اختلاف القيم المتوقعة بالدولار بقوة من دراسة إلى أخرى حتى في تلك المناطق.

وتتطلَّب دراساتٌ إرشادية عن المنفعة والتكلفة، لتوجيه قرارات سياسة المناخ، تقييماتٍ شاملةً للتأثيرات كلها — ما يسهل تقديره وما يصعب تقديره، ما لها أسواق وما ليس لها أسواق — والتفاعل بينها أيضًا. من أمثلة التقييم الصعب، قد يتمثَّل التأثير غير السوقي في انبثاق لذة مواطني نيو إنجلند من مناخهم والمشاهد الطبيعية التي تعتمد عليه، من قبيل الأيام الشتوية الجليدية الساطعة، وتساقط أوراق الشجر زاخرة الألوان، والغابات التي تدعم إنتاج شراب القَيْقَب. من الصعب تقدير مثل هذه التأثيرات لأسباب كثيرة، تتضمَّن التقديرات المختلفة لقيمة أوجه معينة من المناخ بين الأفراد والجماعات، واحتمال تحوُّل ما يفضله الناس عبر الزمن. ربما يتكيف الناس مع تغير المناخ وهو يحدث، ويتعلمون التعايش مع بيئتهم ومناخهم — أو حتى حبهما — حتى لو كان ذلك يعني أن نيو إنجلند دون جليد أو أشجار قَيْقَب، طالما كانت تغيرات المناخ بطيئةً بما يكفي لحدوث هذه التغيرات فيما يفضله الناس.

اتخذت الدراسات مقاربات متنوعة لتقييم التأثيرات الشاملة، وليس منها ما هو مقنع تمامًا. قدرت بعض الدراسات قيمة التأثيرات غير السوقية بسؤال الناس عن مقدار ما قد يرغبون في دفعه لتجنبها، لكن هذه الطريقة مثيرة للخلاف. ويتجنَّب بعضها تحديد القيمة بالدولار بالنسبة لكل التأثيرات بإحصاء بضعة تدابير منفصلة واضحة الأهمية. على سبيل المثال، يحصى اقتراح خمسة أبعاد للتأثيرات — تأثيرات السوق، والوفيات، وخسارة التنوع البيولوجي، وتوزيع الدخل، وتغيرات نوعية الحياة — لكن هذه المقاربة ربما تكون أكثر تعقيدًا من أن تدعم تقديرات المنفعة والتكلفة، وأبسط من أن تعكس كل الطرق المهمة التي يقدر بها الناس المناخ، وخاصة في تأثيراته على نوعية الحياة. واعتمدت الدراسات التي قدمت تقديرات كمية كلية لتأثيرات تغير المناخ بكثافة على الأحكام الإرشادية، التي تستنبط عادة بتصنيف القطاعات الاقتصادية والمجالات الأخرى المعرضة للتأثير بحساسية مفترضة للمناخ، موجهة تقديرات أحكام التدمير في كل مجال، وإضافتها إلى بعضها. بالإضافة إلى ذلك، جمعت كلها تكاليف التكيف والأضرار في تقديرٍ كليٍّ واحد، يفترض ضمنيًّا تكيفًا مثاليًّا لأي مستوًى من تغير المناخ.

كانت النتائج المعتادة من هذه الدراسات أن متوسط ارتفاع حرارة العالم ٢–٣٫٥ درجات مئوية في هذا القرن يجلب تأثيرات تكافئ فقدان ١–٣٪ من الناتج الاقتصادي العالمي، وهناك اختلاف واسع بين الدراسات. رغم وضوح أن الأضرار تعتمد على معدل التغير كما تعتمد على مستواه، لا يوجد تقييم شامل للتأثيرات فَصَلها. قدَّرتْ دراسات أخرى خسائر إجمالية مماثلة — ١-٢٪ من الناتج الاقتصادي — بالقيمة الحالية للخسائر المستقبلية المخصومة في فترة أطول من هذا القرن، جامعة الأضرار الأصغر على المدى القريب والأضرار الأكبر طويلة المدى. ووجدت تحليلات قليلة أضرارًا أكبر بكثيرٍ نتيجة عدم التحكم في المناخ في المستقبل، من قبيل ٥–٢٠٪ من الناتج الاقتصادي في تقرير في المملكة المتحدة معلن على نطاق واسع باسم «مراجعة سترن». يشغل أيضًا تقدير التكلفة الاجتماعية الهامشية للانبعاث — مدى الضرر الذي يسببه انبعاث طنٍّ إضافي اليوم — مجالًا واسعًا. تجد دراسات كثيرة هذه القيمة بين ٣٥ دولارًا و١٠٠–١٥٠ دولارًا لطن الكربون، بينما تجد دراسات قليلة هذه القيم أكثر من ١٠٠٠ دولار، ودراسات قليلة تجدها منخفضة إلى ٣–٥ دولارات. إن توزيع التقديرات منحرفٌ بقوة، بذيل طويل ورفيع للتقديرات بالغة الارتفاع.

يأتي هذا المجال الواسع من عوامل كثيرة، تتضمن فرضيات خاصة كثيرة بشأن حساسية قطاعات معينة لتغير المناخ، ومعالجة الشك، وكيفية جمع التقديرات النقدية للأضرار عبر مناطق العالم ذات الدخول المتباينة للغاية، لكن المصدر الأكبر للاختلاف الواسع في هذه التقديرات هو معدل الخصم، الكمية التي تخفض بها التكاليف أو المنافع في المستقبل، نسبة إلى التكاليف أو المنافع الموجودة اليوم مجتمعة في مقياسٍ واحد. تكبر تأثيرات تغير المناخ بمرور الزمن في سيناريوهات عدم السيطرة، وهكذا تظهر الأضرار الأكبر في وقتٍ متأخرٍ من هذا القرن أو بعده. مقدَّرةً باستخدام مقاربة تقليدية من قبيل معدل خصمٍ سنويٍّ ثابتٍ بنسبة ٥–١٠٪، تصبح القيمة الحالية لهذه التأثيرات غير مهمة. حين توضع تأثيرات المناخ في مجموعات طبقًا لمعدل الخصم الذي تستخدمه، فإن تلك التي تستخدم أدنى المعدلات، حوالي ١٪ سنويًّا أو أقل، تجد أعلى أضرار تغير المناخ، في كلٍّ من التكاليف الهامشية والإجمالية، لكن مع المعدلات المنخفضة، مثل معدل ١٫٤٪ المستخدم في مراجعة سترن، تأتي المشاركة الأكبر للأضرار المحسوبة نتيجة التأثيرات المتوقعة مستقبلًا بعد أكثر من ٢٠٠ سنة. لمثل هذه المعدلات المنخفضة جدًّا للخصم تأثير على صناعة قرارات اليوم بالغة الحساسية للفرضيات البديلة، بشأن نتائج هذه القرارات التي تحدث في المستقبل بعد قرون. في المقابل، تستخدم غالبًا الدراسات التي تستخدم معدلات متوسطة، من قبيل ٣–٥٪ للاستثمارات العامة طويلة المدى والقرارات السياسية، وتحسب التكاليف الاجتماعية الهامشية للانبعاث بمقدار ٣٥–١٠٠ دولار تقريبًا لكل طن مكافئ كربون، وأضرار من تغير المناخ غير الخاضع للسيطرة ١–٣٪ تقريبًا من الناتج الاقتصادي.

هناك إجابة واحدة صحيحة بالنسبة لاختيار معدل الخصم في تقديرات تغير المناخ. يأتي إطار تقييم التأثيرات عبر الزمن في اقتصاد متنامٍ من الاقتصادي فرانك رمزي٩ في أوائل القرن العشرين، الذي حدد أن نسبة الخصم لا تعتمد فقط على الاختيار المعياري لكيفية التوازن بين رفاهية الحاضر والمستقبل — مقايضة مصالح الناس فقط بناءً على متى يعيشون — ولكن أيضًا على السرعة التي ترتفع بها الدخول التي تمنح منافع للناس الأغنى مقابل الأفقر، مما يعطي قيمة أكبر لرفاهية الناس في الحاضر — ليس لأنهم حاضرون، ولكن لأنهم أفقر. إن معدل الخصم المكون من هذَين العاملَين هو المعدل «المناسب» للاستخدام في تحليلات قضايا طويلة المدى مثل تغير المناخ. في ظل فرضيات معينة، يساوي هذا المعدل للخصم معدل العائد من الاستثمار، ويمكن ملاحظته على عكس العنصرَين الآخرَين المسئولَين عن الخصم.

بينما لا توجد قيمة صحيحة لمعدل الخصم، هناك خطآن شائعان في تقديره، خطأ يعطي معدلًا بالغ الارتفاع والآخر معدلًا بالغ الانخفاض. يعالج الخطأ الأول معدل الخصم باعتباره مماثلًا للاختيار المعياري للمقايضة بين رفاهية الناس في الحاضر والمستقبل. وحيث يرى كثيرون أنه من غير المقبول التقليل من شأن رفاهية الناس لمجرد أنهم يعيشون في المستقبل، فإنه يُفترَض غالبًا أن هذا العامل المعياري ينبغي أن يكون صفرًا، لكن هذا لا يعني أن معدل الخصم المستخدم في توجيه السياسة ينبغي أن يكون صفرًا، نتيجة النمو الاقتصادي. إذا جعل النموُّ الاقتصادي الناسَ في المستقبل أغنى، فإن هذا ربما يقدم أساسًا حقيقيًّا لتقييم التكاليف النقدية أو المنافع لهم بشكل أقل، دولار لدولار، من التكاليف أو المنافع التي يدفعها الناس اليوم أو يحصلون عليها. ويفترض الخطأ الثاني أن العائد الذي نلاحظه من الاستثمار — أحيانًا يصل إلى ١٠٪ — هو معدل الخصم المناسب، متجاهلًا الفرضيات بالغة الصرامة الضرورية لكي يكونا متساويَين.

(٣-٣) التقييم المتكامل للتكيف والتعديل مع تغير المناخ

تسمى التحليلات التي تتناول تأثيرات تغير المناخ، والتكيف، والتعديل معًا التقييمات المتكاملة (IA). تمثل نماذج التقييم المتكامل نظام المناخ والعوامل الاجتماعية الاقتصادية التي توجه الانبعاث، وتأثيرات تغير المناخ، والاستجابات المحتملة للتعديل والتكيف في إطار كمي متماسك. ومع أن هذه النماذج بالغة التبسيط إلا أنه يمكن استخدامها لتقليد تأثيرات الاستراتيجيات المختلفة للتعديل والتكيف؛ وبالتالي يمكن استخدامها لحساب تكاليف السيناريوهات والسياسات البديلة ومنافعها، أو للقيام بمقارنة المنافع الهامشية والتكاليف الهامشية المطلوبة لتحديد السياسات المثالية. في ضوء تعقيد الجمع بين هذه المكونات كلها في نموذج واحد، يُمثَّل كل مكوِّنٍ عادة بشكل بالغ التبسيط. ويصح هذا خاصة بالنسبة لتمثيل تأثيرات المناخ. بسبب الشك في توقعات التأثيرات ذات الخلفية الفيزيائية، وحقيقة أنها متاحة فقط في القليل من مجالات التأثير، اعتمدت التقييمات المتكاملة غالبًا على التقديرات المقارنة للتأثيرات الكلية المعبَّر عنها بالمصطلحات النقدية، كما ناقشنا من قبل.

مالَتْ أولى دراسات المنفعة والتكلفة باستخدام نماذج التقييم المتكامل، وقد أُجريَت في أواسط تسعينيات القرن العشرين، إلى استنتاج أن التعديل الضئيل له ما يبرره. وكانت غالبًا التخفيضات المثالية للانبعاث في هذا القرن حوالَي ١٠٪ فقط من خط الأساس المتوقع. ووجدت الدراسات الأحدث باطِّراد أن المزيد من التعديل مثالي، بينما أبقت على شكل التعديل الذي تختلف فيه التخفيضات ببطءٍ عن خط الأساس، وتكبر باطراد بمرور الزمن — ويسمَّى هذا الشكل غالبًا «الالتواء السياسي».

على سبيل المثال، وجد تحليل حديث للمنفعة والتكلفة باستخدام نموذج التقييم المتكامل DICE أن التخفيض المثالي للانبعاث مسار غير منضبط لخط الأساس ١٥٪ فورًا، ويرتفع إلى ٢٥٪ في ٢٠٥٠م وإلى ٤٥٪ في ٢١٠٠م، لخفض ارتفاع الحرارة في ٢١٠٠م من ٣٫١ درجات مئوية إلى ٢٫٦ درجة مئوية — تخفيضات جوهرية، لكن في الحد الأدنى لتلك التي تفترض حاليًّا. بدأت ضريبة الكربون المطلوبة لإنتاج هذا المسار للتعديل عند حوالي ٢٧ دولارًا لطن الكربون، مرتفعة باتساق لتصل إلى ٩٠ دولارًا للطن في ٢٠٥٠م، وإلى ٢٠٠ دولار في نهاية القرن. التحليلات المنقحة بقيودٍ قويةٍ معتدلةٍ على المناخ، تحدُّ ارتفاع الحرارة إلى ٢٫٥ درجة مئوية أو تركيز إلى ٥٥٠ جزءًا في المليون مكافئ CO2، تتطلب ضرائب انبعاث أعلى من هذه بنسبة ١٠٪ فقط تقريبًا. ويمكن أن تسلم التحليلات الأخرى للمنفعة والتكلفة ذات التعديل المثالي مع فرضيات مختلفة بنتائج مختلفة بشدة، مع انخفاض مثالي للانبعاث في القرن الحادي والعشرين يختلف من نسبة صغيرة تصل إلى ١٠٪ إلى ما يزيد عن ٨٠٪، وتختلف ضرائب الانبعاث المرتبطة به أكثر من عشرة أضعاف، مع حدوث أعلى اختلافٍ في فترة متأخرة من القرن.

إن مصادر هذه الاختلافات الكبيرة هي بالأساس عوامل ناقشناها بالفعل، بالإضافة إلى تفاعلاتها: كيف تُخصَم تأثيرات المستقبل، وفرضيات بديلة عن محددات التغير التكنولوجي، وعلاج الشك، وخاصة خطر التغيرات الكارثية المتطرفة، أو التغيرات التي لا رجعة فيها. ولأن التغيرات في الانبعاث لا تحدث تغيرًا كبيرًا إلا بعد عدة عقود، يؤدي خصم أكبر لتأثيرات المستقبل إلى تعديلٍ أقلَّ على المدى القريب، ويفضل التكيف عمومًا — وتحمل الأضرار الناجمة — على التعديل. إن افتراض تغير تكنولوجي يستجيب بقوة للسياسات والأسعار يميل إلى تفضيل مزيدٍ من التعديل المبكر، بينما افتراض تغير تكنولوجي أسرع مستقل عن السياسات والأسعار يميل إلى قدرٍ أقل من التعديل المبكر. إن الشك في تأثيرات المناخ، وخاصة احتمالية التأثيرات المتطرفة، يفضل تعديلًا مبكرًا أقوى إذا كنا ننفر من المخاطر. إننا ننفر بشكلٍ متكررٍ من المخاطر في السياسة، ندافع ضد المخاطر مع احتمال منخفض نسبيًّا، إذا كانت نتائجها سيئة بشكل كافٍ، على سبيل المثال في سياسة الدفاع والصحة العامة، لكن تأثير الشك يعتمد أيضًا على مصدر الشك. إذا كان النمو الاقتصادي في المستقبل، كما في بعض التحليلات، يساهم أكثر في الشك في تغير المناخ في المستقبل، فإن ذلك يفضل تعديلًا مبكرًا أقل تكلفة.

تقدم نماذج التقييمات المتكاملة إطارًا ثمينًا للتفكير في البنية واسعة النطاق لاستجابة المناخ، لتقييم كيف نوازن بين جهود التعديل والتكيف عبر الزمن، وتحديد الشكوك الأساسية من أجل البحث. بالإضافة إلى ذلك، بينما يمكن لفرضيات مختلفة أن تنتج تنوعًا واسعًا تمامًا في السياسات المفضلة، ينشأ تلاقٍ جوهري في العديد من النقاط الأساسية. تحدد كل التحليلات منافع من تخفيضات الانبعاث. ورغم اختلاف التخفيضات المفضلة اختلافًا كبيرًا، فإنها تكبر في وقتٍ متأخرٍ من القرن في كل التحليلات. وبالإضافة إلى ذلك، تفضل كل التحليلات شكلًا من السياسة التدريجية، تبدأ فيها صرامة تدابير التحكم والأسعار المرتبطة بها على الانبعاث بمستوًى متواضعٍ لكنه ليس تافهًا — أوصت معظم التحليلات بأسعار أولية للانبعاث من حوالَي ٣٠–٦٠ دولارًا لطن الكربون — لكن مع ارتفاعٍ مستمرٍّ طويل المدى، وهكذا تصل أسعار الانبعاث مئات الدولارات بحلول أواخر القرن. وبعيدًا عن نقاط التلاقي هذه، توضح تحليلات خاصة تنوعًا كبيرًا، وخاصة في وقتٍ متأخرٍ من القرن، معتمدة مبدئيًّا على الفرضيات البديلة بشأن الشك والنفور من المخاطر، والتغير التكنولوجي، والخصم. بعضها شكوك في خصائص الاقتصاد أو نظام المناخ الذي سيكون، رغم أن ذلك لا يبرِّر تأجيل بَدْء الفعل، له الأولوية بالنسبة لمزيدٍ من البحث لتحسين فَهْم المسارات السياسية المفضَّلة عبر الزمن. ويعكس بعضها الآخر، مثل المقاربات البديلة للخصم، على الأقل جزئيًّا فرضيات معيارية مختلفة بشأن تقدير قيمة التأثيرات المستقبلية، التي ليست سهلة الحل خلال البحث.

(٤) النوع الثالث من الاستجابة: هندسة المناخ

بالإضافة إلى التعديل والتكيف، يوجد نوعٌ ثالثٌ من الاستجابات المحتملة لقضية المناخ يشمل تناولًا نشطًا للمناخ، لمواجهة تأثيرات تزايد غازات البيوت الزجاجية في الغلاف الجوي. تتضمَّن هذه المقاربة، وتسمَّى عادة هندسة المناخ، مجموعة متنوعة من المقترحات. يتضمن بعضها إعاقة ضوء الشمس القادم، بحقن إيروسولات عاكسة في الاستراتوسفير أو إطلاق شاشات في الفضاء لإعاقة قليل من ضوء الشمس من الوصول إلى الأرض. ويتضمَّن بعضها الآخر معالجة دورة CO2 في العالم، على سبيل المثال زيادة امتصاص CO2 الموجود في المحيطات بتخصيب العوالق١٠ البحرية ببعض المغذيات المحددة١١ مثل الحديد، أو إزالة CO2 مباشرة من الغلاف الجوي. يبدو العديد من مقاربات هندسة المناخ واعدة بشكلٍ كبيرٍ في الدراسات المبكرة، بتقديراتٍ مبكرةٍ للتكلفة أقل بكثير من التعديل التقليدي.
تتمثَّل أكبر قيمة محتملة لهندسة المناخ في أن بعض المقاربات يمكن أن تعدل المناخ أسرع بكثير مما يمكن للتعديل. بينما يمكن حتى لبرنامجٍ متطرفٍ للتعديل أن يستغرق عقودًا ليبدأ في الحد من سرعة تغير المناخ، فإن مظلة للشمس في الفضاء ستواجه تأثير ارتفاع CO2 بمجرد نشره، وهو ما قد يستغرق عقدًا أو نحو ذلك. ويمكن حتى لبرنامج لحقن إيروسولات في الاستراتوسفير أن يتمَّ نشره بشكل أسرع؛ وبالتالي يمكن لمقاربات هندسة المناخ أن تقدم حماية من أسوأ السيناريوهات التي نفشل فيها فشلًا رهيبًا في الحدِّ من تغير المناخ، أو نكون سيئي الحظ فيما يتبيَّن من مدى سرعتها وشدتها. ويمكن أن يتحقَّق نطاق الجهد المطلوب بواسطة أمة، أو عدد قليل من أمم، غنية ومتقدمة تقنيًّا.
مع ذلك تحمل مثل هذه المعالجة النشطة للأرض على نطاق الكوكب مخاطر كبيرة. تم بالفعل تحديد بعض الآليات المحتملة للإخلال بالبيئة، مثل الإخلال بطبقة الأوزون من حقن الاستراتوسفير بالإيروسولات، لكن قد تكون هناك مخاطر بيئية أخرى لَمَّا نتوقَّعْها بعد. ويبقى أن مخاطر أخرى قد تظهر خلال كيفية توقع تأثير هندسة المناخ الرخيصة على القرارات الأخرى لمعالجة مخاطر تغير المناخ. إن هندسة المناخ لا تواجه بالضرورة كل الأضرار البيئية الناجمة عن غازات البيوت الزجاجية. على سبيل المثال، مواجهة التأثير الإشعاعي لغازات البيوت الزجاجية من خلال حقن الإيروسول في الاستراتوسفير لن يخفض التأثيرات المباشرة لارتفاع CO2 في الغلاف الجوي، من قبيل تغيُّر النظام البيئي وتحمُّض المحيطات. وحتى لو تبيَّن أن هندسة المناخ غير كافية، أو بالغة الخطورة، أو غير مقبولة سياسيًّا، فإن النظرة التي تقدمها بحل تقني رخيص ربما يقلل الجهود المبكرة في التعديل التي يتبيَّن بأثر رجعي أنها كانت ضرورية.

ربما تطرح أيضًا مشاريع هندسة المناخ مشاكل قانونية ودبلوماسية وسياسية خطيرة، مثل الصراع بشأن مَن له سلطة القيام بها، وإن كانت تصطدم بالمعاهدات الدولية الموجودة أو تتطلب معاهدات جديدة، وكيفية المشاركة في التحكم في هندسة المناخ وأعباء تمويلها. ستكون المشكلة الأكبر احتمال الصراع بين الأمم التي تؤيد مشروعًا وتلك التي تعارضه، سواء بسبب معارضة مبدئية لمعالجة نشطة على نطاق الكوكب، أو بسبب المعارضين الذين يتوقعون أن تضرهم تأثيرات المناخ الناجمة عن المشروع. في أبعد الحدود، يمكن أن تعتبر دولة أخرى مشروع هندسة المناخ عملًا عدوانيًّا، شبيهًا بمقترحات الحرب الباردة بشأن استخدام التعديل النشط للطقس باعتباره سلاحًا.

من الواضح أن الجهود الحالية بعيدةٌ عن الفرص الجذابة المضنية من أجل التعديل والتكيف؛ ومن ثم ليس هناك أساسٌ لتوقُّع أن تلعب هندسة المناخ أيَّ دورٍ مهمٍّ على المدى القريب في الاستجابة لتغير المناخ. ويبقى أن هذه المقاربات، رغم تحدياتها الواضحة الكبيرة، تستحق اهتمامًا جادًّا. إن المزيد من البحث والتطوير والتقييمات الدقيقة الشاملة للمخاطر مضمونٌ بوضوح، وهكذا يمكن أن تكون الخيارات متاحةً في الحدث الذي تتطلبه، حتى إذا لم يكن هناك توقُّعٌ لانتشارها على المدى القريب. وإذا بدَت الأمور رهيبةً في ٢٠٣٠م أو ٢٠٥٠م، فإن استجابة تقنية لإيقاف بعض التغيرات أو عكسها في عقد آخر أو نحو ذلك؛ ربما تكون على الأقل الخيار الأسوأ المتاح حينها — رغم مخاطره، ورغم المشاكل السياسية والقانونية الخطيرة التي ستطرحها.

(٥) الخلاصة: الاختيارات السياسية في ظل الشك

السؤال الجوهري في اختيار استجابة لتغير المناخ هو كيف نعمل بمسئولية في ظل الشك. رغم أن الشكوك في تغير المناخ ليست ساحقة وموهنة كما يوحي بعض المؤيدين لها، فإنها لا تزال تتخلل كل جزء من المشكلة. إن مسارات مستقبل انبعاث CO2 موضع شك كبير. وأيضًا توقعات الاستجابة العالمية للمناخ والتأثيرات الإقليمية الناجمة عنها. وأيضًا تقديرات الكفاءة والتكاليف والتأثيرات الأخرى لمختلف مقاربات التعديل والتكيف.

نعرف الكثير عن بعض هذه المسائل، وعن بعضها الآخر نعرف أقل، وعن بعضها لا نعرف إلا القليل جدًّا. وتنبثق بعض هذه الشكوك من حدود معرفتنا عن أنظمة الأرض. وينبثق أيضًا كثير من الشك من قدرتنا المحدودة على توقع سلوك الإنسان وأنماطه وتطوره. ومع توقع التقدم في المعرفة، لن ينخفض أي نوع من هذه الشكوك ويصبح بلا أهمية في أي وقت قريب.

لكن رغم وجود هذه الشكوك واستمرارها، هناك نقاط عديدة تدعمها المعرفة الحالية بقوة بشأن الاستجابة لتغير المناخ. تجاوز الدليلُ على حقيقة تغير المناخ والمخاطر التي يطرحها بكثيرٍ العتبةَ التي يطالب عندها التحليل الاقتصادي والاحتراس المعقول باستجابة. الاستجابات التي توازن بشكل معقول بين التكاليف والمنافع جامعة التكيف لخفض الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع التعديل للحد من سرعة تغير المناخ أو إيقافه، وأيضًا أبحاث المستقبل وتقييم خيارات هندسة المناخ، بوصفها بديلًا مؤقتًا ضد الفشل المحتمل لهذه المقاربات. إن التكيف ضروري لأنه لا يمكننا إيقاف تغير المناخ في أي وقت قريب. يتطلب التكيف الفعال تغيرات بواسطة ممثلين كثيرين لم يعتادوا بعدُ على الاهتمام بتغير المناخ في تخطيطهم. يمكن دفع التكيف بسياسات الحكومة وإنفاقها، ومن المحتمل أن يكون له نتائج جوهرية منتشرة؛ حيث يحتمل في حالات كثيرة أن تكون الشعوب والتجمعات والمناطق الفقيرة أكثر عرضةً لتأثيرات تغير المناخ.

التعديل ضروري للحد من تغيرات المناخ التي علينا التكيف معها، وينبغي أن يبدأ مبكرًا لخفض الاعتماد على التكيف فيما بعد. وتعطي تحليلات كثيرة الآن نصائح مماثلة بشأن الشكل العام لاستراتيجيات التعديل قريب المدى، والمكون الأساسي له مجموعة من السياسات المؤسسة على السوق التي تضع أسعارًا على الانبعاث، وتبدأ بشكل متواضع وتزيد عبر الزمن.

لكن هذا التلاقي للآراء عن بعض العناصر للفعل على المدى القريب لا يعني أن الشكوك انتهت، أو أنها بلا أهمية. على العكس، كما في أي مجال مرتفع المخاطر في الشئون الإنسانية، ينبغي الاختيار رغم الشك المستمر، وتتطلب الاختيارات المسئولة توازن الأفعال الحذرة على المدى القريب، والجهود المستمرة لتعلم المزيد، والاستعدادات المسبقة للتكيف ومراجعة القرارات استجابة للخبرة والمعرفة الجديدة والقدرات المتغيرة. عمومًا، هذه المبادئ المتعلقة باتخاذ القرارات في ظل الشك تحظى بالقبول على نطاق واسع، لكن كيفية تطبيقها على قضية تغير المناخ مثير للخلاف إلى أقصى حدٍّ. في الفصل التالي والأخير، نناقش المناظرة السياسية بشأن سياسة تغير المناخ، وأيضًا توصياتنا لمسار مسئول وعملي موجه للاستجابة لقضية تغير المناخ.

(٦) مزيد من القراءة بالنسبة للفصل الرابع

  • Leon Clarke, J. Edmonds, H. Jacopy, H. Pitcher, J. Reilly, and R. Richels (2007), Scenarios of Greenhouse Gas Emissions and Atmospheric Concentrations, Synthesis and Assessment Product 2.1a. Washington, DC: US Climate Change Science Program.

تحليل حديث للنتائج الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية لاستقرار تغير المناخ عند أربع مستويات بديلة، مؤسس على ضوابط مشتركة لغازات متعددة تنبعث من البيوت الزجاجية، باستخدام ثلاثة نماذج للتقييم المتكامل.

  • IPCC (2000). Emission Scenarios. Special Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, N. Nakicenovic and R. Swart (eds.), Cambridge, UK: Cambridge University Press.
  • IPCC (2007b). Climate Change 2007: Impacts, Adaptation and Vulnerability. Contribution of Working Group II to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, M. L. Parry, O. F. Canziani, J. P. Palutikof, P. J. van der Linden, and C. E. Hanson (eds.), Cambridge, UK: Cambridge University Press.
هذا أحدث تقييم كامل صادر عن IPCC’s Working Group II، يراجع المعرفة بشأن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ، والقدرة على التكيف، وحساسية vulnerability الأنظمة البيئية والاجتماعية لتغير المناخ.
  • IPCC (2007c). Climate Change 2007: Mitigation and Climate Changes. Contribution of Working Group III to the Fourth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change, B. Metz, O. Davidson, P. Bosch, R. Dave, and L. Meyer, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
هذا أحدث تقييم كامل صادر عن IPCC’s Working Group III، يراجع المعرفة بشأن الفرص التقنية والاقتصادية لخفض محصلة انبعاث غازات البيوت الزجاجية، والأدوات السياسية؛ لتشجيع تلك التخفيضات.
  • IPCC (2007d). Climate Change 2007: Synthesis Report. Core Writing Team, K. R. Pachauri, and A. Reisinger (eds.), Cambridge, UK: Cambridge University Press.
يجمع IPCC synthesis report النتائج من تقييمات مجموعات العمل الثلاث لتقديم تحليل متكامل لنتائج المسارات البديلة للانبعاث وأهداف التخفيض.
قدم التقرير الخاص لسنة ٢٠٠٠م عن سيناريوهات الانبعاث النتائج والخلفية لسيناريوهات IPCC الخاصة بانبعاث خط الأساس المستخدم بوصفه معلومات inputs لتوقعات نموذج المناخ خلال IPCC Fourth Assessment Report. يقدم بحث Moss et al الخطوط العريضة للعملية الجديدة لتوليد سيناريوهات المناخ، بداية من التنسيق على المسارات البديلة للقوة الإشعاعية radiative forcing، ليستخدم في IPCC Fifth Assessment Report.
  • William Nordhaus (2008), A Question of Balance: Weighing the Option on Global Warming Policies, New Haven: Yale University Press.
أحدث تحليل لاستجابات تعديل المناخ والتكيف معه، يستخدم نموذج DICE للتقييم المتكامل. يحتوي على مناقشة لمراجعة سترن Stern Review ودور فرضيات الخصم في توليد تقديراته الكبيرة لأضرار المناخ، ويحتوي أيضًا على مناقشة للاختيار السياسي بين ضرائب الانبعاث وأنظمة الذروة والتجارة.
  • Nicholas H. Stern (2007), The Economics of Climate Change: The Stern Review, Cambridge, UK: Cambridge University Press.
تقييم اقتصادي شامل لتغير المناخ، بتوجيه من led by كبير المستشارين الاقتصاديين سابقًا في حكومة المملكة المتحدة. الخلاف بشأن هذه التقديرات المرتفعة لتأثيرات المناخ، بشكلٍ أساسيٍّ نتيجة معدل الخصم المنخفض، وجه اهتمامًا زائدًا بشكلٍ كبيرٍ إلى مشكلة تحديد الاستراتيجيات المثالية للمناخ اجتماعيًّا.
  • Jefferson W. Tester, E. M. Drake, M. J. Driscoll, M. W. Golay, and W. A. Paters (2005), Sustainable Energy: Choosing Among Options, Cambridge, MA: MIT Press.

كتاب شامل عن موارد الطاقة البديلة والتكنولوجيات، والشكوك الأساسية والطرق التحليلية المتضمنة في تقييم الطاقة البديلة في المستقبل.

١  الطن المتري ١٠٠٠كجم أو ٢٢٠٠ رطل، أكبر حوالي ١٠٪ من الطن الأمريكي. بليون طن متري (أو جيجا طن) من الكربون (1GtC). ونذكر كميات ثاني أكسيد الكربون بكتلة الكربون المحتواة فيها. وهناك تقليد بديل، تستخدمه مصادر كثيرة، يذكر الكتلة الإجمالية لجزيء ثاني أكسيد الكربون. وحيث إن الوزن الجزيئي لثاني أكسيد الكربون ٤٤، بينما وزن ذرة الكربون ١٢، فإن انبعاث ١ جيجا طن من الكربون هو نفسه ٣٫٦٧ جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.
٢  لا يزال هناك مرشحان يوضعان في الاعتبار بالنسبة لأكثر سيناريوهات التحكم صرامة للاستخدام. وصول الذروة عند ٣ وات أثناء القرن، ثم الهبوط إلى ٢٫٦–٢٫٩ بحلول ٢١٠٠م.
٣  الخصم discounting عملية تحويل التكاليف أو الفوائد التي تحدث في أوقات مختلفة إلى مقياس عام؛ بحيث يمكن تجميعها ومقارنتها. بسبب إنتاجية الموارد الرأسمالية — الدولارات، أو الأشجار أو الأسماك اليوم يمكن أن تصبح مزيدًا من الدولارات أو الأشجار أو الأسماك في العام القادم — تُخصَم كميات المستقبل بشكل طبيعي، وتعالج بوصفها مكافئًا لكميات أصغر اليوم. ميكانيكيًّا، يتضمن الخصم بشكل طبيعي ضرب عامل ثابت في الفترة الزمنية، مكافئ لمعدل ربح مركب ثابت على حساب التوفير. تتراوح معدلات الخصم المستخدمة لتقييم السياسات العامة ومشاريع الاستثمار عادة من ١٪ إلى ١٠٪ سنويًّا. والمعدلات المستخدمة لتقييم الاستثمارات المفترضة في القطاع الخاص أعلى عادة. ويناقش دور الخصم في تقييم الاستجابات لتغير المناخ في القسم [تقديرات تكاليف التكيف وتأثيرات تغير المناخ].
٤  LED: اختصار light-emitting diode، مصدر للإضاءة من أشباه الموصلات. (المترجم)
٥  التكلفة الهامشية لتخفيض معين في الانبعاث هي تكلفة تخفيض الطن الأخير للوصول إلى الخفض الإجمالي المحدد. بمصطلحات حساب التفاضل والتكامل، التكلفة الهامشية مشتقة التغير أو معدله، للتكلفة الإجمالية بالنسبة للكمية التي تم تخفيضها. التكلفة الهامشية لتخفيض معين يختلف عادة عن متوسط التكلفة؛ لأن الوحدات القليلة الأولى من الخفض هي الأرخص في تنفيذها، وتصبح التخفيضات الإضافية أكثر صعوبة وتكلفة؛ وبالتالي كلما زادت تخفيضات الانبعاث، زادت التكاليف الهامشية بشكل أسرع من التكاليف المتوسطة، وتستمر لتشمل تأثير التخفيضات المبكرة الرخيصة.
٦  تريليون وات TW: وات. (المترجم)
٧  لنتذكر أن الانبعاث، وثمن تخفيضه، يمكن التعبير عنهما بأطنان الكربون أو أطنان ثاني أكسيد الكربون. ويعبر عنهما هذا الكتاب بأطنان الكربون، وتستخدم التقديرات الأحدث الصادرة عن IPCC أطنان ثاني أكسيد الكربون. وتختلف الطريقتان بعامل ٤٤/ ١٢. وهكذا فإن هذه التكلفة الهامشية بمقدار ٧٥ دولارًا لطن الكربون تساوي تقريبًا ٢٠ دولارًا لكل طن من CO2، كما يذكر في IPCC (2007c) في ص٧٧.
٨  يتضمن تحويل أسعار الانبعاث إلى سعر المستهلِك بعض التقريب؛ لأنه يعتمد على كيفية إنتاج الطاقة النهائية من الطاقة الأولية في الاقتصاد. ثمة تقريب معقول وهو أن ١٠٠ دولار لطن الكربون يرفع سعر التجزئة للجازولين ٣٠ سنتًا للجالون الأمريكي، والكهرباء المولدة بالغاز ١٫٥ سنت تقريبًا لكل كيلووات ساعة، والكهرباء المولدة بالفحم ٣ سنتات تقريبًا لكل كيلووات ساعة (مقابل متوسط أسعار حالية للكهرباء حوالي ١٠ سنتات لكل كيلووات ساعة في الولايات المتحدة الأمريكية).
٩  فرانك رمزي Frank Ramsey (١٩٠٣–١٩٣٠م): عالم رياضيات بريطاني له مساهمات مهمة في الفلسفة والاقتصاد. (المترجم)
١٠  العوالق plankton: مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة. (المترجم)
١١  limiting nutrient: مادة غذائية يحدد تركيزها في بيئة الكائنات نموها وتكاثرها. (المترجم)