عصر العمل الخيري النسائي
في هذا الكتاب، بحثنا جميع الزوايا الخاصة بالعمل الخيري النسائي: التاريخ، والقادة، والبرامج؛ الإمكانات والدوافع؛ تأثير النوع، والأجيال، والأساليب التي تتبرع بها النساء. ويتساءل هذا الفصل الأخير: «ماذا لو؟» ماذا لو أصبحت وسائل تبرع المرأة هي وسائل تبرع الجميع؟ ماذا ستكون عليه حال العالم؟ دعنا نُلقِ نظرة على بعض ما تُنجزه المرأة بالفعل من خلال عطائها.
(١) التعايش السلمي
ومن أجل الحصول على التمويل من برامج أجنحة ليفيت من الضروري وجود شراكة مع المجتمع وإنتاج ما لا يقل عن خمسين حفلة مجانية سنويًّا، مع تقديم مجموعة متنوعة من العروض الاحترافية. تقول هيرش: «إن الأمر يروق لي لأنه يمزج بين العدالة الاجتماعية والمتعة. إنه نوع من البرامج يحظى بإجماع الأصوات في مجلس المدينة ويسهم بالكثير من أجل معالجة التوترات العرقية في الجنوب. إنها الموسيقى في الفضاء الشعبي التي تمنح الكرامة للجميع.»
(٢) عالم مستدام
نحن نتطلَّع إلى عالم تدرك فيه كافة الشركات، والمؤسسات، والمنظمات غير الربحية أهميةَ مراعاة القضايا المجتمعية، والدعوة إلى تدشين برامج تخلق الاستقرار والأمن والإنصاف في العالم. على مدار زمنٍ طويل كانت المؤسسات ترى أن «ترك الميراث» هو شيء يفعله المتبرعون من أجلها. وقد حان الوقت لكي تبحث هذه المؤسسات ذاتها في الميراث الذي تريد هي أن تتركه: ميراث لا يتعلق مطلقًا بالمباني وصُنْع الأموال، ولكن يتعلق بخلق وتمويل برامج تُحدِث الفارق لدى من يسير في رِكابها. وهنا يكمن التحدِّي والفرصة أمام النساء: التحدِّي في جعْل مؤسساتهن أكثر جرأة، وانتهاز الفرصة والثقة في أن إمكاناتهن سوف تُحقِّق التغيير الذي يحتاجه العالم. والأمر موكول إلينا جميعًا لكي نعمل معًا من أجل خلق عالمٍ قابل للحياة كميراث للأجيال القادمة.
(٣) عالم رحيم
ما اكتشفتْه روفزار هو وجود عدد لا يُصدَّق من ذوي الأصول اللاتينية في حاجةٍ إلى تثقيف في الجوانب المالية؛ فهم لا يعرفون معنى مفاهيم مثل الميزانيات، والحسابات البنكية، والاستثمار، والادخار، والتقاعد. والكثير منهم لم يستطع العمل لأنهم لا يملكون بطاقة إقامة دائمة، ولكنهم يريدون تحسين حياتهم وحياة أُسَرهم. ومع نهاية السنة الأولى، وفَّرت روفزار التثقيف المالي والعمل لخمسمائة فردٍ من بينهم ٧٥٪ من النساء.
ترى روفزار أن إنجازاتها تعود إلى إحساس الشفقة لديها ورؤيتها العالمية، وتقول: «نحن مجتمع عالمي. ولم أَعُدْ أرى أطفالي من ذوي أصول مكسيكية فقط. لقد تمت تنشئتهم ليعتنوا بكافة الأفراد في العالم. ومن المهم حقيقةً أن نتخيل أنفسنا كجزء من عالم يضمُّ جميع الأقطار وجميع الأجناس. فنحن جميعًا نناضل من أجل شيء واحد؛ إذ نريد أن نحيا ونعطيَ أطفالنا أفضل ما لدينا.»
(٤) التعليم الجيد للجميع
(٥) الرعاية الصحية الجيدة للجميع
(٦) المزيد من العمل الخيري
على مدار سنواتٍ ناقشنا الحاجة إلى لغة للعمل الخيري، لغة لا تجعل الأفراد يشعرون بالقلق عند التحدُّث عن المال. كنا في حاجةٍ إلى طريقة للتحدُّث عن العمل الخيري تُماثِل الطريقة التي يتحدَّث بها الناس عن التسوق والاستثمارات. وقد اقترحت تراسي جاري مكانًا منذ عدة سنوات لإطلاق شارة البداية في اجتماع مجلس إدارة معهد العمل الخيري النسائي؛ وكان على أعضاء المجلس دفع المبلغ نفسه الذي أنفقوه في ذلك اليوم على مشتريات الملابس لصالح معهد العمل الخيري النسائي مهما كان مقدار ذلك المبلغ. وقد نجحت الخطة؛ فنحن لن نتوقف عن التسوق، وزادت المساهمات لمصلحة المعهد. ولم نقتصر على ذلك، بل أصبح العمل الخيري مثار حديثنا أيضًا.
ولكن بالتأكيد فإن قيمة مشتريات يومٍ واحدٍ لا تعكس كامل قدرتنا على التبرع.
(٧) التغيرات الجذرية
(٧-١) الاتصال بالكتلة الحرجة
لم تسلك بعض النساء التاريخيات واللاتي يتقلدن مناصب سياسية حاليًّا طرق التنشئة نفسها التي نسبناها إلى النساء في الفصول الأولى. تَدبَّر هؤلاء «النساء الحديديات»: الملكة إليزابيث الأولى، وجولدا مائير، ومارجريت تاتشر؛ فقد كُنَّ جميعًا في عالمٍ من الرجال بمفردهن. وعندما تكون النساء في بيئة يسيطر عليها الذكور مثل الحكومات وقطاع الأعمال، فغالبًا ما يتصرفن مثلما يتصرف الرجال. تقول جولي ويكس، رئيسة منظمة «النساء قادرات»، التي من بين عملائها البنك الدولي، وشركة أمريكان إكسبريس، وشركة بوز ألين هاميلتون: «فقط عندما تكون النساء كتلة حرجة، تتوافر لديهن القدرة على التصرف كالرجال. فإذا كانت هناك امرأة واحدة، يجب أن تتصرف كالرجال. ولكن متى وُجدت الكتلة الحرجة، تصبح النساء أكثر ارتياحًا لإثارة آراء بديلة وقرارات مختلفة.»
إن الوصول إلى الكتلة الحرجة يعني توافر قدرٍ كافٍ من ناشطات العمل الخيري مع توافر ما يكفي من الأموال لتغيير ثقافة العمل الخيري؛ بحيث يجري سماع صوت النساء والإنصات إليه، ونشر قِيَم النساء والأخذ بها، وتقدير رأي المرأة وخبراتها الحياتية مثلما هي الحال مع الرجل.
وقد برهنت النساء على قدرتهن الفائقة على القيادة التعاونية، وتكوين الآراء الجماعية، وبناء العلاقات أكثر من بناء الإمبراطوريات. وعندما تتاح لهن الفرصة، فإن القيادة النسائية للعمل الخيري ستكون ذات نفعٍ للجميع. ولكن يجب أن توجد كتلة حرجة لكي يتحقق هذا.
(٧-٢) إضفاء الصبغة المؤسسية على العمل الخيري النسائي
وتعتقد ميش أنه بفهم طبيعة العمل الخيري النسائي من خلال البحث والترجمة الواقعية، فإن المزيد من النساء سوف ينظرن إلى أنفسهن على أنهن ناشطات في العمل الخيري. وسوف يؤثر هذا الفهم على الرجال أيضًا عندما يعلمون أن ما يزيد عن ٥٠ بالمائة من السكان يقومون بالتبرع. تقول ميش: «نحن لا نتحدَّث عن تغييرٍ صغير. نحن نتحدَّث عن تغيير العالم بأكمله.»
(٧-٣) التفكير الوردي
يوصي أحد الكُتُب الشهيرة عن التسويق في أوساط النساء بألا تلجأ المؤسسات الأمريكية إلى «التفكير الوردي» الذي عفا عليه الزمن لاعتماده على الأنماط التقليدية والتخلُّص من الرجال؛ إنه يجعل المرء يفكر كثيرًا في الفراشات، والقلوب، والأزهار؛ إنه مفعم بحُسن النية وصِدق الطوية.
وعلى الرغم من اتفاقنا على الكثير مما جاء في الكتاب (انظر الفصل الثامن)، فإن الأمر يحتاج إلى إعادة دراسة. بالتأكيد اللون الوردي يُمثِّل جميع الأشياء الحسنة في حملة مكافحة سرطان الثدي. نرى ذلك في المنتجات بدءًا من شوكولاتة هيرشي، مرورًا بأجهزة آي بود، وصولًا إلى الهواتف الخلوية. إنه لون خالٍ من التعبير عن أي شيءٍ غير سارٍّ أو عدواني. إنه اللون الذي يُعبِّر عن النساء والفتيات.
إن الكثير من الفتيات الصغيرات لديهن غرف نوم وفساتين ذات لون وردي، كما أن معظم النساء لديهن على الأقل قطعة ذات لون وردي في دولاب ملابسهن أو في البيت؛ لذا دعنا «نفكر بطريقة وردية» ونرى ماذا ستكون عليه حال العالم عندما يكون اللون الذي يمثل النساء والفتيات يعني عالم السلام، والرخاء، والبيئة النظيفة، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والرعاية الصحية الجيدة، والتعليم المتميز للجميع.
هل يبدو هذا مفعمًا بحُسن النية وصِدق الطوية؟ ربما ليس لهذه الدرجة. إن الأمر يتلخَّص في أن العيون تفيض بالدمع عندما ترى الأشياء التي يهتم بها النساء والميراث الذي يرغبن في تركه.
(٨) جميع الأشياء الطيبة
تُدير النساء ثرواتهن بتأنٍّ ومنهجية، وكذلك بسخاء وجرأة. وهن يوحدن مواردهن بغية الوصول إلى حلٍّ للقضايا المجتمعية؛ فكلَّ يوم تأتي منحة من زوجين بفضل تأثير إحدى النساء، وكلَّ أسبوع يتم إنشاء دائرة عطاء نسائية جديدة، وكلَّ عام يتم التبرع بمزيد من الملايين لصالح القضايا التي يعتنين بها؛ القضايا التي تُحدِّد مصير القرن الحادي والعشرين.
وتدرك النساء أننا جميعًا نعتمد بعضنا على بعض؛ فما يحدث في مجموعة، أو مجتمع، أو مدينة، أو ولاية، أو دولة يؤثر على ما يحدث في العالم بأَسْره. لقد باتت القوة كلمة موجودة الآن في مفردات المرأة. إنها قوة تحقيق التغيير من خلال القيادة. هذه هي الرسالة التي تريد النساء من المؤسسات غير الربحية أن تسمعها، وتفهمها، وتنطلق من خلالها. إنهن يُرِدْنَ من المؤسسات غير الربحية أن تعلم أن التنوع مهم للعمل الخيري لأنه يُحقِّق التواصل بين الأجيال.
ورد في ترنيمة الأطفال القديمة أن «الملك كان في ديوان المحاسبة يَعد نقوده، وكانت الملكة في الرَّدهة تأكل الخبز والعسل.» والآن الملكة توجد كذلك في ديوان المحاسبة تتبرع بالمال بجانب الملك، وهي تشاركه الرَّدهة حيث يأكلان الخبز والعسل ويشربان اللبن ويجعلان من هذا المكان أرضًا تضم «جميع الأشياء الطيبة» كما يقول العهد القديم. وسوف تكون الأرض التي تضم جميع الأشياء الطيبة مكانًا عظيمًا للنماء والمشاركة بفضل العمل الخيري النسائي؛ بفضل العمل الخيري للرجال والنساء، الآن وفي المستقبل. إنه نهج للعطاء يعني السلام، والعدالة، والاستدامة، والمساواة للجميع.