الإعجام في القرآن
ومكث القارئ يقرأ ولا يَعْلَم هل القراءة الصحيحةُ والقرآن المُنْزَل هو قوله (نُنْشِزُها) بالراء المعجمة أو (نَنْشُرُها) بالراء المهملة، أو (لتكون آية لمن خلفك) بالفاء أو (لمن خَلَقَكَ) بالقاف؛ ولذلك كَثُرَ التصحيف في العراق، ففزع الحجاج أميرُ العراق إلى كُتَّابه في زمن عبد الملك، وسألهم أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابِهَة، ودعا نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني تلميذَيْ أبي الأسود الدؤلي لهذا الأمر، وكانت عامة المسلمين تَكْرَه أن يزيد أحدٌ شيئًا على ما في مصحف عثمان ولو للإصلاح خشية الابتداع، وتردد كثيرٌ منهم في قبول الإصلاح الذي أدخله أبو الأسود، فبعد البحث والتروي قرر نصر ويحيي — وكان من التقوى بحيث لا يُتَّهمان في دينهما — إدخال الإصلاح الثاني، وهو أن توضع النقط أفرادًا وأزواجًا لتمييز الأحرف المتشابهة بالأسلوب الموجود الآن بيدنا، ولكن سبق القول أن الحركات والسكنات كانت بطريق النقط، وكذلك الإعجام أيضًا كان بطريق النقط، فمنعًا للَّبس بعض الحركات والسكنات والإعجام كان رسم كتابة المصحف مثلًا يكتب الحركة بلون أحمر والإعجام بلون يخالف الأحمر. قال أبو عمرو: ولا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصور الرسم — يعني رسم مصاحف عثمان — وأرى أن يُكتب الهمزات بالصفرة، وعلى ذلك مصاحف أهل المدينة.
وقال عثمان بن سعيد الداني في كتابه المقنع: «وإذا اسْتُعْمِلَت الخضرة لألِفات الوصل على ما أَحْدَثَه أهل بلدنا قديمًا فلا أرى بذلك بأسًا»، وبلده «دانية» بالأندلس، وجرى أهل الأندلس على استعمال أربعة ألوان في المصاحف: السواد للحروف، والحمرة للشكل بطريقة النقط، والصفرة للهمزات، والخضرة لألفات الوصل، ولم تشتهر طريقة أبي الأسود إلَّا في المصاحف حفظًا لقواعد القرآن.