الباب الثامن: لي لو «٢»
١
قال منشيوس: «الملك شون وُلد في تشو قينغ
Chu Geng، ثم انتقل إلى فو شيا
Fu Xia ومات في مينغ تياو
Ming Tiao (في الشرق). الملك
وين وُلد في تشي تشو (في الغرب)، ومات في بي ينغ
Bi Ying. موطن أحدهما يبعد عن موطن
الآخر مسافةً أبعد من ألف لي، وهنالك ألف سنةٍ تفصل بين
عصرَيهما، ولكن ما قاما به من إنجازاتٍ في البلاد الوسطى كان
متشابهًا إلى حدٍّ بعيد، مثل نصفَي عصا الحساب المتقابلَين.
الحكيم السابق والحكيم اللاحق حكما وفق مبادئ متماثلة.»
١
٢
عندما كان الوزير تسو
تشان Tzu Chan (١) مسئولًا عن إدارة شئون دولة تشينغ Cheng، اعتاد أن ينقُل الناسَ
بعربته الخاصة عبر نهرَي تشِن Chen ووي Wei.
وقد قال منشيوس بشأنه: «لقد كان رجلًا كريمًا ولكنه لم يعرف
أصول الحكم. لو أنه بنى جسر المُشاة في شهر نوفمبر، وجسر
العربات في ديسمبر، لَمَا عانى الناس من خوض ماء النهر. ولو
أنه حكم وفق الأصول فلا مانع أن يقوم أعوانه بإخلاء الطريق
عندما يخرج، وما كان له أن يُضيِّع وقته في نقل العابرين
واحدًا بعد آخر. إذا حاول رجل السلطة تقديم خدماته للناس كلًّا
على حدة، فلن يجد الوقت الكافي للقيام بواجباته
العامة.»
٣
قال منشيوس لشوان
Xuna ملك
تشي
Chi: «إذا اعتبر الحاكم
مرءوسيه بمثابة يدَيه وقدَميه، فلسوف يعتبرونه بمثابة صدرهم
وقلبهم. وإذا عاملهم كما يعامل خيوله وكلاب صيده،
٢ فسوف يعاملونه وكأنه مواطنٌ عادي. وإذا نظر إليهم
وكأنهم طينٌ وقش، فسوف ينظرون إليه وكأنه عدو.»
قال الملك: «وفق قواعد الأدب والمعاملات يجب على المرءوسين
الذين عملوا تحت إمرة الملك أن يلبسوا ثياب الحِداد عند موته
مدةً محدَّدة، فما الذي يتوجَّب على الملك أن يفعل لكي يستحق
ذلك؟»
أجابه منشيوس: «عليه أن
يصغي لنصائح هؤلاء ويتبنَّاها، وأن يُعمِّم الخيرات لتشمل كل
رعاياه. وإذا أراد أحد الوزراء أن يسافر إلى دولةٍ أخرى لسببٍ
مهم، عليه أن يرسل معه من يرافقه إلى خارج الحدود، ومن يرتِّب
له شئون إقامته في المكان الذي يقصده. فإذا لم يَعُد خلال ثلاث
سنوات يحق للحاكم أن يُصادر أمواله وممتلكاته، وهذا ما يُدعى
بإذن السنوات الثلاث. فإذا فعل ذلك كان يستحق منهم إقامة
الحِداد عليه.
في هذه الأيام نجد أن الحاكم لا يصغي لنصائح مرءوسيه، ولا
يتبنَّاها، ولا يعمِّم الخيرات لتشمل كل رعاياه. وإذا أراد
أحدهم السفر لسببٍ مهم، يُقبض عليه ويوضع في الأغلال، أو يجري
التضييق عليه في المكان الذي يتوجَّه إليه، وتُصادر أمواله
وممتلكاته في اليوم الذي يغادر فيه؛ أي إنه يُعامل معاملة
الأعداء. إذا عامل الحاكم مرءوسيه كأعداء هل سيرغبون في إقامة
الحِداد عليه؟»
٤
قال منشيوس: «عندما يتم إعدام مثقَّفٍ بلا جريرة، يحق
للوزراء أن يستقيلوا. إذا قُتل مواطنٌ بريء، يحق للمثقَّفين
العاملين في الدولة الانتقال إلى دولةٍ أخرى.»
٥
قال منشيوس: «عندما يغدو الحاكم رشيدًا؛ ينتشر الإحسان بين
الجميع. عندما يغدو الحاكم مستقيمًا؛ تنتشر الاستقامة بين
الجميع.»
٦
قال منشيوس: «على صاحب المقام الرفيع ألَّا يسلك بشكلٍ زائف
وفق قواعد الأدب والمعاملات، وألَّا يقوم بواجباته بطريقةٍ لا
تتفق وروح الواجب.»
٧
قال منشيوس: «على الرجل الفاضل أن يُعلِّم ناقص الفضيلة،
وعلى صاحب الموهبة أن يُعلِّم ناقص الموهبة؛ لهذا يَسعد من له
أبٌ فاضل أو إخوة فضلاء. إذا استنكف الفاضل عن تعليم ناقص
الفضيلة، وصاحب الموهبة عن تعليم ناقص الموهبة؛ فلن يكون هنالك
فرقٌ بين الفاضل وغير الفاضل.»
٣
٨
قال منشيوس: «عندما يترك المرء أعمالًا غير مهمَّة، يغدو
أكثر قدرةً على إتيان أعمالٍ مهمَّة.»
٩
قال منشيوس: «فكِّر في العواقب قبل أن تتحدَّث عن نقائص
الآخرين.»
١٠
قال منشيوس: «لم يكن كونفوشيوس يُبالغ في أي فعلٍ أو
قول.»
١١
قال منشيوس: «ليس من الضروري أن يلتزم الرجل الفاضل بكل
كلمةٍ يقولها، ولا أن يتوقَّع نتيجةً من كل عملٍ يقوم به. عليه
فقط أن يلتزم بالاستقامة.»
١٢
قال منشيوس: «الرجل العظيم هو الذي لا يفقد براءة
الطفولة.»
١٣
قال منشيوس: «العناية بالوالدَين في حياتهما أمرٌ مهم ولكنه
ليس الأهم، الأهم هو إبداء الاحترام لهما عند مماتهما (وذلك
بإجراء جنازةٍ لائقة).»
١٤
قال منشيوس: «الرجل النبيل يتفقَّه في طريق الحق لرغبته في
أن يجده في نفسه، حتى إذا وجده في نفسه شعر بالطمأنينة، فإذا
شعر بالطمأنينة تعمَّق فيه، وعندما يتعمَّق فيه يتلمَّس
ينابيعه في كل مكان؛ ولهذا فإن الرجل النبيل يجد طريق الحق في نفسه.»
٤
١٥
قال منشيوس: «وسِّع معرفتك ثم دقِّق في تفاصيل ما تعلَّمت؛
لكي تتوصَّل في النهاية إلى الخلاصات الأساسية.»
١٦
قال منشيوس: «الحاكم الفاضل لن يفلح في اكتساب ولاء الناس من
خلال فضيلته وحدها، وإنما من خلال تهذيبهم بالفضائل، ولن يفلح
في أن يكون موحِّدًا للبلاد إذا لم يفلح في اكتساب قلوب
الناس.»
١٧
قال منشيوس: «التزكيات التي لا تقوم على أساسٍ هي نذير شؤم،
ويتحمَّل مسئوليتها من يقف في طريق ترقية الصالحين.»
١٨
سأل التلميذ شو تسو Xu Tsu
منشيوس: «لقد مدح كونفوشيوس الماء أكثر من مرةٍ قائلًا: يا
أيها الماء، يا أيها الماء. فما المزايا التي وجدها في
الماء؟»
أجابه منشيوس: «إنه ينبثق من الينابيع بغزارة، ولا يتوقَّف
ليل نهار، ثم يجري ليملأ كل غورٍ قبل أن يصبَّ في البحر، هذه
حال كلِّ ما له نبعٌ وافر، وهي الخصيصة التي رآها كونفوشيوس في
الماء. كل ما ليس لديه نبع يُشبه المطر الذي يتجمَّع بعد أن
يهطل بغزارةٍ خلال شهرَي موسم الأمطار ويملأ كل الأخاديد ثم
يجف؛ ولهذا أقول إن الإنسان النبيل يخجل من اكتساب شهرةٍ لا
تقوم على مزاياه.»
٥
١٩
قال منشيوس: «هنالك فارقٌ صغير بين البشر والحيوانات.
الإنسان العامي لا يحافظ على هذا الفارق، والإنسان النبيل
يحافظ عليه (من خلال الإحسان والاستقامة). الملك شون كان
واعيًا لهذه المسائل وللعلاقات الإنسانية. بالنسبة إليه الرحمة
والاستقامة كانت نابعةً من القلب وليست مفروضةً من
الخارج.»
٢٠
قال منشيوس عن الملوك القدماء: «يو Yu لم يكن يحب النبيذ الفاخر، بل النصيحة
القيِّمة. تانغ تمسَّك بمبدأ الوسطية، وكان يختار للوظائف ذوي
الموهبة والفضيلة دون معيارٍ محدَّد. وِين اهتمَّ بالرعية
وعاملها مثلما يعامل الشخص الجريح، وجدَّ في طريق الحق مثل
عطشانٍ يطلب الماء. وو لم يغفل عمَّن هم حوله، ولم ينسَ من هم
بعيدون عنه. جو Zhou سعى لأن
يقتفي أثر الأسر الثلاث ويطبِّق طرائق حكم الملوك الأربعة،
وعندما يعرِض له أمرٌ لا يفهمه، كان يرفع رأسه إلى السماء
ويتفكَّر فيها ليل نهار، حتى إذا وجد الجواب انتظر بزوغ الفجر
(لتنفيذه فورًا).»
٢١
قال منشيوس: «عندما توقَّفت الجولات التفقُّدية الملكية لجمع
الأشعار الشعبية، توقَّف معها نظم أشعار كتاب القصائد. وعندما
توقَّف نظم الأشعار ابتدأت كتابة الأخبار التاريخية،
٦ وهي: شينغ
Sheng
في دولة تشينغ، وتاو
وو
Tao Wu في دولة تشو، وتشينقو
Chungiu في دولة لو
Lu. وكلها متشابهة وتحكي عن وقائعَ وأحداثٍ ذات
صلةٍ بحياة وأعمال حُكَّام دولٍ مثل هوان
Huan أمير تشي
Qi، ووِن أمير تشِن. وقد دُوِّنت بأسلوب
الحوليات (أي سرد الأخبار سنةً فسنة). وقال كونفوشيوس إنه قد
تأثَّر بكتاب القصائد في تأليف كتابه حوليات الربيع والخريف،
٧ حيث ألمح بين سطور كتابه إلى مدح الخير وذم
الشر.»
٢٢
قال منشيوس: «تبقى آثار الرجل النبيل والرجل العامي على حدٍّ
سواء لمدة خمسة أجيال. أنا لم أعِش في زمن كونفوشيوس لأكون
تلميذًا له، ولكنني أتعلَّم منه من خلال رجالٍ آخرين (تعلَّموا
منه أو من تلاميذه).»
٨
٢٣
قال منشيوس: «إذا كان لك الخيار بين الأخذ وعدم الأخذ اختر
عدم الأخذ؛ لأن الأخذ يسيء إلى نزاهتك. إذا كان لك الخيار في
أن تعطي أو ألَّا تعطي، اختر عدم العطاء؛ لأن الإفراط في
العطاء يفسد معنى الكرم. إذا كان لك الخيار في أن تستمر في
الحياة أو تبذل حياتك، اختر ألَّا تبذل حياتك لأن الموت إهانة لشجاعتك.»
٩
٢٤
قال قونغ-مينغ
يي
Gung-ming Yi:
١٠ «لقد تعلَّم بينغ
مينغ
Peng Ming فن النِّبالة (= رمي السهام) من يي
Yi،
١١ وعندما أتقن عنه كل شيء قتله؛ لأنه الوحيد الذي
يفوقه مهارةً في النِّبالة في المملكة.» فعلَّق منشيوس على ذلك
قائلًا: «ولكن يي نفسه يُلام على ذلك أيضًا.» فقال قونغ-مينغ
يي: «لا أعتقد ذلك.» قال منشيوس: «لقد فعل ما يُلام عليه لومًا
طفيفًا، ولكنه ليس منزَّهًا عن اللوم. (ولسوف أشرح وجهة نظري
فيما يلي):
عندما وجَّهت دولة جينغ
Zheng تزو تشو جا تسو لقتال دولة وي
Wei، ووجَّهت دولة وي يو قونغ-تشيه سو
Yu Kunk-chih Ssu
لمواجهته، قال تزو تشو جا تسو: أنا اليوم مريضٌ ولا أقدر على
استخدام قوسي، فلربما قُتلت. ثم سأل سائق عربة: من هو خصمي؟
أجابه سائق العربة: إنه يو قونغ-تشيه تسو. فلمَّا سمع منه ذلك
قال: إذن سوف أنجو. فقال له سائق العربة: ولكن خصمك هو أمهر
نبَّال في دولة وي، فلماذا تقول إنك سوف تنجو؟ أجابه تزو تشو
جا تسو: لقد تعلَّم يو قونغ-تشيه تسو النِّبالة من ين قونغ-تشيه
١٢ تاو الذي كنت قد علَّمته أنا النِّبالة. هو إنسانٌ
فاضل، ولا شك أنه كان يختار الرجل الفاضل لتعليمه
النِّبالة.
بعد ذلك تجابه الاثنان، فقال يو قونغ-تشيه تسو لتزو تشو جا
تسو: لماذا لم تمسك بقوسك يا سيدي؟ أجابه: أنا مريضٌ اليوم ولا
أستطيع استخدام القوس. فقال يو قونغ-تشيه تسو: لقد تعلَّمت
النِّبالة من ين قونغ-تشيه تاو الذي تعلَّمها منك، وإني لأكره
أن أستعمل مهارتك ضدك، ولكني لا أستطيع إلا أن أنفِّذ أوامر
مليكي. ثم أمسك قوسه وصوَّب نحو عجلات عربة تزو تشو جا تسو
وأطلق سهامه، ثم أدار ظهره ومضى.»
١٣
٢٥
قال منشيوس: «إذا ما غطَّت القاذورات جسد السيدة الفائقة
الجمال شي تزي
Xi Zi، فإن كل
من يمر بها سيسد أنفه. ولكن إذا قام رجلٌ قبيح بالصيام وتطهير
نفسه، فإنه سيغدو صالحًا لأداء الطقوس للسماء.»
١٤
٢٦
قال منشيوس: «عندما يتحدَّث الناس عن طبيعة الإنسان فإنهم
يعنون بذلك طبيعته الناتجة عن العادات. والمهم في تكوين
العادات هو التوافق مع طبيعة الإنسان؛ لهذا فإن ما لا نحبُّه
في بعض الحكماء هو أنهم يخالفون طبيعة الأشياء. ولو أن هؤلاء
قد تشبَّهوا بالملك يو
Yu،
١٥ الذي حوَّل مجاري مياه الطوفان وجعلها تجري نحو
البحر (بدلًا من بناء السدود لمنعها من الجري)، فإن حكمتهم
ستكون مقبولة.
إن ما فعله يو هو العمل في توافقٍ مع طبيعة الماء (وقوانين
حركته)، ولو أن الحكماء عملوا أيضًا في توافقٍ مع طبيعة
الأشياء (وقوانين الطبيعة) لارتقت حكمتهم. السماء بطبيعتها
عالية، والنجوم بطبيعتها بعيدة، ومع ذلك لو أننا درسنا المبادئ
الكامنة وراءها لاستطعنا من خلال حساباتنا معرفة أوقات
الانقلاب الشتوي ولو بعد ألف سنةٍ من الآن، دون أن نتحرَّك من
مقاعدنا.»
٢٧
بعد أن دفن قونغ-شينغ
تسي
Gong-Xing Zi١٦ ابنه، جاء الوزير وانغ هوان
Wang Huan١٧ لتعزيته. وكان لدى دخوله أن قام الحاضرون من
مجلسهم لتحيته، وعندما جلس جاء العديد منهم للتحدُّث إليه،
ولكن منشيوس لم يكلِّمه، فأحسَّ بالانزعاج وقال لمضيفه: «كل
الموظَّفين الحاضرين هنا تحدَّثوا إليَّ عدا منشيوس الذي
تجاهلني.»
عندما سمع منشيوس ذلك قال: «وفق قواعد الأدب والمعاملات، فإن
موظَّف البلاط لا يجوز له أن يتجاوز المقاعد ليتحدَّث مع آخر،
ولا يجوز لأحدهما أن ينحني للآخر إذا كانا يقفان على درجتَين
من درجات السلم. لقد كنت أتصرَّف وفق القواعد ومع ذلك فإن وانغ
هوان يقول بأنني قد تجاهلته. أليس هذا غريبًا؟»
٢٨
قال منشيوس: «الرجل النبيل يختلف عن الآخرين لأنه يحتفظ في
قلبه بشيءٍ مختلف. إنه يحتفظ بالإحسان وقواعد الأدب
والمعاملات. من يحافظ على الإحسان يحب البشر، ومن يحافظ على
آداب السلوك يحترم الآخرين. من يبذل حبه للآخرين يتلقَّى منهم
حبًّا، ومن يحترم الآخرين ينال احترامهم.
هَب أن رجلًا عاملني بطريقةٍ غير مهذَّبة، فماذا أفعل؟ إذا
كنتُ رجلًا نبيلًا فإني أبدأ أولًا بتفحُّص ذاتي، فأتساءل
عمَّا إذا كنتُ لا أملك الإحسان الكافي، أو لا ألتزم بقواعد
الأدب والمعاملات، وإلا فكيف حصل ذلك؟ فإذا تفحَّصت نفسي
وتأكَّدت من أن لا شيء يُعوِزني من الإحسان والكياسة، ومع ذلك
أتلقَّى مثل هذه المعاملة، فإنني أتساءل عمَّا إذا كنت لا أملك
الإخلاص الكافي. فإذا وجدت أنني لم أقصِّر في معاملته بإخلاص،
عند ذلك أقول إن هذا الرجل أحمق ولا فرق بينه وبين الدواب،
فكيف يمكن أن نلوم الدواب؟
لذلك أقول إن للرجل النبيل همومًا تلازمه مدى الحياة، ولكنه
لا يخشى الطوارئ المفاجئة. وما أعنيه بالهموم مدى الحياة يمكن
شرحه بالمثال التالي: قد تقول لنفسك إن الملك شون كان رجلًا
مثلي، ولكن شون جعل من نفسه أُمثولةً للمملكة، وخلَّف وراءه
آثارًا تتناقلها الأجيال، أمَّا أنا فرجلٌ عادي فماذا أفعل؟ من
هنا تأتي همومك. وما عليك أن تفعله هو أن تتشبَّه بالملك شون،
هذا كل شيء. الرجل النبيل لا يخشى الطوارئ المفاجئة، فهو لا
يفعل ما يتعارض مع الإحسان، ولا يمارس ما يخالف قواعد السلوك
والمعاملات، وعندما تواجهه طوارئ مفاجئة فإنه لا
يخافها.»
٢٩
في أوقات السلم والاستقرار، كان يو
Yu وتشي
Chi
يمران من أمام منزلهما مراتٍ عديدةً دون أن يدخلا
١٨ (لكثرة ما كان يشغلهما عن ذلك من شئون الدولة)،
وقد مدحهما كونفوشيوس على ذلك. ين
هوي
Yen Hui١٩ كان يسكن في كوخٍ متواضع خلال أوقات الفوضى
والاضطراب، ويكتفي بقصعة أرز ونصف قرعة من الماء، يُطيق من شظف
العيش ما لا يُطيقه الآخرون وهو سعيد. وقد مدحه كونفوشيوس على
ذلك أيضًا، أمَّا منشيوس فقد علَّق على هذه الأمور
قائلًا:
«إن المبادئ الكامنة وراء سلوك هؤلاء الثلاثة كانت واحدة؛
فقد كان يو يشعر بمسئولية نحو كل من أغرق الطوفان أرضه وكأنه
هو الذي سبَّب الغرق، وكان تشي يشعر بالمسئولية نحو كل جائعٍ
في المملكة، وكأنه هو الذي سبَّب الجوع؛ ولهذا فقد كان كلاهما
يعتبران الشئون العامة مسائل مُلِحةً وذات أولوية. ولو أن يو
وتشي تبادلا الأدوار مع يان، لفعل كلٌّ منهما مثل ما فعل.
٢٠
والآن لنفترض أن نزيلًا في بيتك دخل في عراكٍ مع شخصٍ آخر،
في هذه الحالة سيكون من واجبك أن تفصل بينهما حتى ولو حُلَّت
أربطة قُبَّعتك، وتطايرت خصلات شعرك. أمَّا إذا جرى العراك بين
قرويٍّ وآخر في الخارج، فلن يكون من الحكمة أن تتدخَّل. أفضل
ما تفعله هو أن تدخل وتغلق عليك بابك.»
٢١
٣٠
قال التلميذ قونغ-دو
تسو Gung-du Tsu لمنشيوس: «الكل يعرف أن قوانغ تشانغ K’uang Chang هو ابنٌ غير
بار، ومع ذلك أراك تحافظ على صحبته وتعامله بلطفٍ وكياسة.
لماذا؟»
أجابه منشيوس: «يمكن أن يُعدَّ الرجل غير بارٍ في حالاتٍ خمس
هي؛ أولًا: إذا تقاعس عن العمل بيدَيه وقدمَيه، فقصَّر بذلك عن
إعالة والدَيه. ثانيًا: إذا انشغل في المقامرة وشرب الخمر وترك
والدَيه دون رعاية. ثالثًا: إذا كان بخيلًا ومتحيِّزًا إلى
زوجته وأولاده، مفضِّلًا إياهم على أبوَيه. رابعًا: إذا انغمس
في المُتَع الحسية وجلب العار على والدَيه. خامسًا: إذا كان
ميَّالًا إلى استعراض القوة والعراك، معرِّضًا بذلك سلامة
والدَيه للخطر. فهل تنطبق إحدى هذه الحالات على قوانغ
تشانغ؟
لقد كان قوانغ تشانغ على خلافٍ مُتعب مع أبيه بخصوص مسائل
أخلاقية، حتى وجدا أنهما لن يستطيعا التفاهم. إن الخلاف
الأخلاقي يجري عادةً بين الأصدقاء، لا بين الأب والابن؛ لأنه
في النهاية سيؤدِّي إلى فقدان الحب بينهما. هل تظن أن قوانغ
تشانغ لم يكن راغبًا في البقاء مع زوجته وأولاده؟ أبدًا، ولكنه
عندما لام أباه في قضيةٍ أخلاقيةٍ وجد نفسه مجبرًا على
الابتعاد عنه؛ ولهذا فقد هجر زوجته وأولاده ورفض تلقِّي
العناية منهم طيلة حياته. وفي اعتقاده أنه إذا لم يفعل ذلك
سيكون ابنًا عاقًّا. هذا كل شيء عن قوانغ تشانغ.»
٢٢
٣١
كان تسينغ تسو
Tseng Tzu٢٣ مُقيمًا في وو
تشينغ
Wu Ch’eng عندما وصلهم خبر هجوم وشيك من دولة
يووي
Yuwe، فقال له أحدهم:
العدو قادم، فلماذا لا تترك المكان؟ فقال تسينغ تسو لرجاله: لا
تُسكنوا أحدًا في بيتي لئلا يُتلفوا أشجار الحديقة. وعندما
انسحب العدو أرسل لرجاله قائلًا: أصلحوا جدران البيت لأني على
وشك العودة. ولدى عودته قال خدمه لبعضهم: لقد تلقَّى المعلم
مِنَّا هنا كل احترام، وتمَّ له كل ما أراد؛ لذا لم يكن من
اللائق أن يسارع إلى الهرب عندما هوجمنا، ولا يرجع إلا بعد
انسحاب العدو.
عندما سمع التلميذ شِن-يو
شينغ
Shen-yu Xing هذا الكلام قال لهم: «هذا بعيدٌ عن أفهامكم.
في إحدى المرات عانت عائلتنا من تعديات مشاغب يُدعى
فو تشو
Fu Ch’u، وكان
المعلِّم تسينغ تسو وسبعون تلميذًا له ضيوفًا عندنا، ولكنهم لم
يشاركوا معنا في التصدي له.
٢٤
في إحدى المرات كان تزو تسي (حفيد كونفوشيوس) مُقيمًا في
دولة وي Wei، عندما هُوجِمت
من قِبل جيش دولة تشي Ch’i،
فقال له البعض: لماذا لا تترك المكان قبل وصول العدو؟ فأجابهم:
إذا هربت من يحمي المدينة إلى جانب الأمير؟
وفي الحقيقة لقد كان كلٌّ من تسينغ تسو وتزو تسي على حقٍّ
فيما فعل. تسينغ تسو كان معلِّمًا؛ أي إنه في مكانة الأب أو
الأخ الأكبر. أمَّا تزو تسي فكان في مكانه التابع. ولو أن
الاثنَين تبادلا الأدوار لفعل كلٌّ منهما ما فعله الآخر.
٢٥
٣٢
قال تشو تسو لمنشيوس: «لقد أَوكل الملك لأحدهم مهمَّة
مراقبتك ليعرف ما إذا كنت مختلفًا عن الرجال الآخرين!» فقال
منشيوس: «كيف لي أن أكون مختلفًا عن الآخرين؟ حتى ياو وشون
كانا رجلَين عاديَّين.»
٣٣
عاش رجلٌ في دولة تشي مع زوجته ومحظيته في بيتٍ واحد، وكان
كلما خرج من بيته عاد متخمًا بالطعام والشراب. وعندما سألته
زوجته عمَّن يُصاحب قال لها إنهم رجالٌ من ذوي المكانة
والثروة. بعدها قالت الزوجة للمحظية: في كل مرةٍ يخرج رجلنا من
البيت يعود متخمًا بالطعام والشراب، وعندما سألته عمَّن يصاحب
قال إنهم رجالٌ من ذوي المكانة والثروة، ولكن لم يدخل بيتنا
حتى الآن زائرٌ من هؤلاء؛ لهذا سوف أتجسَّس عليه لأعرف إلى أين
يذهب.
في صباح اليوم التالي أفاقت مبكِّرةً ولحقت زوجها في مساره
عبر المدينة دون أن تلمح أحدًا يستوقفه ويتكلَّم معه، إلى أن
وصل إلى المقبرة في الضاحية الشرقية، فرأته يدخل ويقصد جماعةً
تقدِّم القرابين لموتاها؛ ليستجدي الفضلات الزائدة عندهم.
وعندما حصل على بُغيته انتقل إلى جماعةٍ أخرى. هكذا أُتخِم
بالطعام والشراب.
عادت الزوجة وأخبرت المحظية بما رأت وقالت: الرجل الذي نعتمد
عليه في حياتنا ومستقبلنا يفعل ذلك. ثم أخذت الاثنتان تسخران
من رجلهما وتبكيان وهما متعانقتان في الفناء، في هذه الأثناء
وصل الزوج وهو لا يعرف ماذا حدث، ودخل بخطواتٍ متبخترةٍ
ليستعرض نفسه أمام المرأتَين.
الرجل النبيل يرى أن قلةً من الساعين إلى الجاه والثروة لا
يُعطون لنسائهم سببًا للبكاء من العار.