الباب الثاني عشر: قاو تسو
١
فسأله ثانية: «أيهما أكثر أهميةً الزواج أم طقوس الزواج؟» فأجابه: «طقوس الزواج.»
فسأله أيضًا: «إذا الْتزم المرء بالقواعد حتى شارف على الموت دون طعام، وكان بإمكانه الحصول على بعض الطعام دون أن يتمسَّك بها، هل سيبقى متمسِّكًا بها؟ أو إذا الْتزم بطقوس الزواج حتى فقد الأمل بحصوله على زوجة، وكان بإمكانه الحصول عليها إذا لم يلتزم بالطقوس، هل يبقى على الْتزامه بها؟»
امضِ وتقدَّم بإجابتك للمسائل كما يلي: «إذا لم يكن لديك وسيلةٌ للحصول على الطعام سوى كسر ذراع أخيك لكي تغتصب طعامه وتأكله، هل ستفعل ذلك؟ وإذا كان عليك أن تقفز فوق جدار جارك الشرقي وتختطف ابنته العذراء لكي تحصل على زوجة، هل تفعل ذلك؟»
وفي حال الزواج فإن طقوس الزواج لها الأولوية على الزواج في الأحوال العادية، ولكن إذا كان المرء فقيرًا ولا يتحمَّل نفقات الطقوس، هل يبقى بلا نسلٍ لكي يحافظ على الطقوس؟
٢
ولكن المشكلة هي أن بعض الناس يشكون من قلة قدرتهم، ولكنهم لا يبذلون الجهد المطلوب. إن من يمشي بتمهُّلٍ خلف أخيه الأكبر يعبِّر عن احترامه له، أمَّا من يُسرع في مشيه ويتخطَّى الأكبر سنًّا فيُعبِّر عن قلة احترامه له. هل المشي بتمهُّلٍ أمرٌ فوق طاقة المرء؟ أبدًا، ولكنه دلالة على عدم الرغبة في ذلك.
قال تساو تشيا: «إذا استقبلني أمير تسو وأعطاني مكانًا أقيم فيه فسأغدو تلميذًا لك.» فقال له منشيوس: «الطريق عبارةٌ عن صراطٍ عريض وليس من الصعب اتباعه، ولكن الناس لا يبحثون عنه> عُد إلى موطنك وفتِّش عنه، وستجد العديد من المعلِّمين هناك.»
٣
٤
فقال له منشيوس: «لن أسأل عن التفاصيل، ولكني أرغب في معرفة فحوى خطابك وكيف ستعمل على إقناعهما؟» أجابه سونغ كينغ: «سوف أشرح لهما أن لا فائدة تُرجى من الحرب.»
فقال منشيوس: «إن مقاصدك ساميةٌ يا سيدي، ولكن حُججك ضعيفة. إذا اقتنع الملكان بحُجتك القائمة على الفائدة لأنهما راغبان فيها، فإن المقاتلين في كلا الجيشَين سيرغبون في وقف القتال طمعًا في الفائدة. والآن، إذا كان موظَّفو الأمير يخدمونه طمعًا في الفائدة، وكان الأبناء يخدمون آباءهم طمعًا في الفائدة، والإخوة الصغار يحترمون الكبار طمعًا في الفائدة؛ فمعنى ذلك أن الأمير والتابع، والأب والابن، والأخ الأصغر والأخ الأكبر سوف يتخلَّون عن الإحسان في علائقهم المتبادلة ويستبدلونه بالفائدة. والنتيجة أن مثل هذه الدولة آيلة إلى الانهيار.
أمَّا إذا طرحت الإحسان بديلًا عن الفائدة أمام الملكَين، فسحبا جيوشهما من الميدان لأنهما مالا إلى الإحسان، فمعنى ذلك أن المقاتلين من كلا الطرفَين سيرغبون في وقف القتال لأنهم مالوا إلى الإحسان. وهكذا إذا خدم التابع أميره رغبةً في الإحسان والاستقامة، وبر الابن أبوَيه، وأطاع الأخُ الأصغر أخاه الأكبر، رغبةً في الإحسان؛ فمعنى ذلك أن هؤلاء قد تخلَّوا عن الفائدة ومالوا إلى الإحسان، وأمير هذه الدولة سيغدو ملكًا حقًّا ومُوحِّدًا لجميع البلاد.»
٥
فأجابه منشيوس: «أبدًا. لقد ورد في كتاب القصائد: إن المهم في الهدية هو تقديمها بكياسة، وإذا افتقدت للكياسة تغدو كأن لم تُقدِّم.»
٦
قال منشيوس: «عندما كان كونفوشيوس وزيرًا لدى حاكم دولة لو لم يعمل الحاكم بمشورته، وعندما شارك في طقوس القربان لم يُعطَ بعد ذلك نصيبًا من لحم القربان، عند ذلك غادر لو على عَجل، حتى إنه نسي أن يخلع قبعته الطقسية. إن من لم يفهم دوافع كونفوشيوس، ظنَّ أنه فعل ذلك بسبب اللحم، أمَّا من فهم دوافعه فقد عرف أنه فعل ذلك بسبب عدم مراعاة الحاكم للطقوس. لقد فضَّل كونفوشيوس أن يكون على خطأ طفيفٍ في مغادرته بهذه الطريقة على أن يغادر دونما سبب. إن تصرُّف الرجل النبيل فوق مستوى فهم العامة.»
٧
قال منشيوس: «أُمراء الدويلات الخمس كانوا مذنبين بحق الملوك الثلاثة، وأُمراء اليوم مذنبون بحق أُمراء الدويلات الخمس، ووزراء اليوم مذنبون بحق أُمرائهم.
عندما يقوم الملك بزيارة أمير تدعى زيارته هذه جولةً تفقُّدية، وعندما يقوم أميرٌ بزيارة الملك تُدعى زيارته هذه رفع تقريرٍ عن الأعمال. في الربيع يذهب الملك إلى الحقول لتفقُّد أعمال الحراثة وتقديم المساعدة لمن تنقصه البذور، وفي الخريف يذهب لتفقُّد الحصاد وتقديم المساعدة لمن خفَّت محاصيله.
إذا دخل الملك إلى مقاطعةٍ ورأى أن العناية بالحقول على أتمِّها، وأن كِبار السن يتلقَّون الرعاية، وأن الأفاضل يُكرَّمون، وأن الرجال الأَكْفاء يُعيَّنون في المناصب الرفيعة؛ فإنه سيكافئ أمير المقاطعة بإعطائه المزيد من الأراضي. أمَّا إذا دخل إلى مقاطعة ورأى حقولها يبابًا، وكبار السن مُهمَلون، والكفء لا يحصل على منصبٍ رفيع بل الجشِع، والأفاضل لا يُكرَّمون؛ فإن الملك سوف يوبِّخ أمير المقاطعة.
إذا لم يحضر أمير المقاطعة إلى البلاط فإن الملك يُخفض مرتَّبته في المرة الأولى، وفي المرة الثانية تُقلَّص مساحة أراضيه، وفي المرة الثالثة تتحرَّك نحوه القوات الملكية لكي تعزله، وفي هذه الحالة فإن الملك يشن حملةً عقابيةً ولكنه لا يقودها بنفسه، أمَّا الأمير فيشن حملةً (نيابة عن الملك) ولكنه لا يعاقِب.
ولقد قام أُمراء الدويلات الخمس بتحريض أُمراء آخرين على المشاركة في أعمالهم العدوانية؛ ولهذا قلتُ إنهم كانوا آثمين بحق الملوك الثلاثة.
كان البند الأول من هذا العهد هو إعدام الابن العاق، وعدم تغيير قواعد الميراث، وعدم رفع العشيقة إلى مكانة الزوجة.
البند الثاني تكريم الأَكْفاء، وتدريب ذوي المواهب، والثناء على الأفاضل.
والبند الثالث إجلال الشيوخ واللطف مع الصغار، وإكرام الضيف والمسافر.
والبند الرابع عدم توريث المناصب، وعدم السماح لموظَّفٍ واحد أن يشغل منصبَين أو أكثر، وأن يوضع المثقَّفون فقط في وظائف الدولة العليا، والتأني في اتخاذ القرارات الخاصة بإعدام الوزراء (فلا ينفرد به الأمير).
والبند الخامس عدم وضع سدٍّ يحجز ماء النهر، وعدم تقييد صادرات القمح إلى الدولة المجاورة، وألَّا تتم الترفيعات دون إعلام رئيس التحالف.
وبعد ذلك تعاهد المتحالفون على إقامة علاقاتٍ وديَّة دائمة بعضهم مع بعض.
إن أُمراء اليوم ينتهكون كل بنود العهد هذه؛ ولذلك أقول إن أُمراء اليوم مذنبون بحق أُمراء الدويلات الخمسة.
إن عون الحاكم على التمادي في آثامه ذنبٌ صغير، ولكن العمل على إشباع رغباته المكبوتة ذنبٌ عظيم. إن وزراء اليوم يقومون بكل ما من شأنه إرضاء أسيادهم؛ لذلك قلت إن وزراء اليوم مذنبون بحق أُمرائهم.»
٨
ظهر الامتعاض على شِن تزو وقال: «أنا لا أفهم ما تقول.» فقال منشيوس: «سأشرح لك الأمر بكل وضوح. إن مساحة أراضي الملك تصل إلى ألف لي مربع، وبدون هذه المساحة الواسعة لن يُقيِّض للملك أن يبسط سلطته على أُمراء المقاطعات. أمَّا مساحة المقاطعة الواحدة فتصل إلى مائة لي مربع، وبدون هذه المساحة الواسعة لن يُقيَّض للأمير الحفاظ على المؤسَّسات التي صنعها الأسلاف.
اليوم صارت مساحة دولة لو خمسة أضعاف مساحتها الأصلية. فماذا تظن أن حاكمًا فاضلًا سيفعل بها إن وُجد؟ هل سيُنقص من مساحتها أم يزيد؟ إن الرجل النبيل لا يسمح لنفسه بأن يأخذ من شخصٍ ليعطي شخصًا آخر، فما بالك بمن يُضيف إلى مساحته على حساب الأرواح البشرية؟ في خدمة سيده على الرجل النبيل أن يضعه على الطريق الصحيح، ويوجِّه فكره نحو الإحسان.»
٩
قال منشيوس: «وزراء اليوم يقولون: سوف أُعيِّن أميري على ملء خزائن أمواله وزيادة مساحة أراضيه. إن من يُدعى اليوم وزيرًا جيدًا، كان يُنظر إليه في الماضي على أنه وباءٌ قاتل. إذا لم يَتَّبع الحاكم طريق الفضيلة ويوجِّه فكره نحو الإحسان، فإن من يعمل على زيادة ثروته إنما يخدم طاغيةً مثل شيا (الذي تسبَّب في انهيار أسرته الحاكمة).
ووزراء اليوم يقولون: سوف أُعين أميري على عقد تحالفاتٍ تضمن له النصر في حروبه. إن من يُدعى اليوم وزيرًا جيدًا كان يُنظَر إليه في الماضي على أنه وباءٌ قاتل. إذا لم يتبع الحاكم طريق الفضيلة ويوجِّه فكره نحو الإحسان، فإن من يعمل على دعمه في حروبه إنما يُعين طاغيةً مثل شيا.
إذا بقي الحُكَّام سائرين في هذا الطريق دونما تغيير، فإن أحدهم لن يقدر على الحفاظ على المملكة حتى ولو مُنحت له.»
١٠
١١
١٢
قال منشيوس: «إذا لم يكن المرء حافظًا لوعوده فعلى أيِّ شيءٍ آخر يحافظ؟»
١٣
أجابه منشيوس: «إن قَبول النصيحة خصيصةٌ تكفي لأن يحكم المرء البلاد بأكملها لا دولةً واحدة فقط. إذا أحبَّ الوزير تلَقِّي النصح والمشورة، فإن كل الرجال يأتون إليه ولو قطعوا مسافة ألف لي لكي يُسدوا إليه النصح. ولكن إذا لم يكن الوزير محبًّا لتلَقِّي النصح فسوف يقول (لمن يحاول نصحه): حسنًا، حسنًا، أنا أعرف كل شيء، وسيقلِّده الناس في ذلك قائلين: حسنًا، حسنًا، أنا أعرف كل شيء. مثل هذه العبارات التي تنم عن الغرور سوف تُبقي الناس بعيدين عنه مسافة ألف لي، ولا يبقى حوله سوى المتملِّقين والمفترين والمتزلِّفين. وعندما يحيط أمثال هؤلاء بالوزير، هل سيفلح في إدارة الدولة حتى ولو كان جادًّا في ذلك؟»
١٤
- الحالة الأولى: إذا جرى استدعاؤهم باحترامٍ كبير ووفق الأصول المتبعة، وإذا قيل لهم إن مشورتهم سوف تُتَّبع؛ عندها يقبلون بالوظيفة. وفيما بعد إذا وجدوا أن مشورتهم لم تُتَّبع، كانوا يستقيلون حتى وإن بقي الأمير على احترامه وتقديره لهم.
- الحالة الثانية: إذا جرى استدعاؤهم باحترامٍ كبير ووفق الأصول، كانوا يقبلون الوظيفة حتى إذا لم تُتَّبع مشورتهم. فإذا وجدوا أن احترام الأمير لهم بدأ يقل، كانوا يستقيلون.
- الحالة الثالثة: إذا لم يجدوا ما يأكلونه صباحَ مساء، وضعفت أجسامهم فلم يعودوا قادرين على الخروج. عند ذلك يقول الأمير: إنني أشعر بالخجل لأني لم أستمع إلى مشورتهم أو أعمل بها، وتسبَّبت بجوعهم في دولتي. وبعد ذلك يقدِّم لهم معونةً مالية، عند ذلك يقبلونها، ولكن فقط من أجل الحفاظ على حياتهم.»
١٥
لهذا؛ فإن السماء عندما تعتزم تكليف رجلٍ بمهمة عظيمة فإنها تُصيبه بكربٍ في الروح، وأتعاب في الجسد، وتجعله يعاني الفاقة والجوع، وتُخيِّب كل مسعًى له؛ وذلك لكي تُلهب طموحه، وترفع قدرته على التحمُّل، وتقوي نواحي القصور عنده.
وبشكلٍ عام فإن المرء لا يُصلحُ طُرقه إلا بعد ارتكابه الأخطاء، وهو لا يُبدع إلا بعد ما يصيبه من إحباطٍ نفسي وفكري، ولا يفهمه الآخرون إلا عندما تظهر مقاصده على وجهه ومن خلال نغمة صوته.
إذا لم يكن لدى الدولة وزراء ملتزمون بالقانون ومستشارون حكماء، فسوف يَحُم عليها القضاء حتى وإن لم يكن هنالك أخطارٌ خارجية تتهدَّدها.»
١٦
قال منشيوس: «هنالك طرقٌ متعدِّدة في التعليم، وعزوفي عن تعليم شخصٍ لا يستحق تعاليمي هي واحدةٌ منها.»